المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الثاني من الباب العاشر من كتاب (مقالات بطرس) للأديب الباكستاني (بطرس بخاري)



إبراهيم محمد إبراهيم
26/11/2007, 09:12 AM
الجزء الثاني من الباب العاشر
في ذكرى المرحوم
شربت الشـاي بسرعة ، ودخلت إلى الحمام بهمة ونشاط وأنا أغني " هيا إلى الحديقة هيا .... يا ورداً جميل المحيّا " ، وبعدها بدلت ملابسي ، ثم وضعت المفكّات والمفاتيح في جيبي ، وخرجت إلى الردهة ، فوقع بصري على آلة عجيبة وغريبة بجانب الردهة لم أستطع التعرف عليها بوضوح ، فسألت الخادم :
* ما هذا الشيء يا هذا ؟!.
قال الخادم :
* هذه دراجة يا سيدي .
قلت :
* دراجة!!. دراجة من ؟!!.
قال الخادم :
* الدراجة التي أرسلها " السيد مرزا " إليك يا سيدي .
قلت :
* وأين الدراجة التي أرسلها بالليل ؟!!.
قال الخادم :
* هذه هي نفسها .
قلت :
* ما هذا التخريف ؟!!. هذه هي نفس الدراجة التي أرسلها " مرزا " بالليل ؟!!.
قال :
* نعم .
قلت :
* حسن ٌ .
ثم أمعنت النظر فيها :
* لماذا لم تنظفها ؟!!.
* سيدي لقد نظفتها عدة مرات .
* إذاً لماذا تبدو قذرة هكذا ؟!!.
ولم يُجب الخادم . ربما وجد أن السؤال لا يستحق الإجابة :
* هل أحضرت الزيت ؟!.
* نعم يا سيدي أحضرته .
* وهل وضعته في الدراجة ؟!.
* يا سيدي ، لم أعثر في الدراجة على الثقوب المخصصة لوضع الزيت !!.
* وما السبب ؟!!.
* لقد علاها الصدأ،وتكونت فوقها طبقة من القذارة ، واختفت الثقوب وراء كل هذا .
وتقدمت على مهل من هذا الشيء الذي يقول عنه خادمي أنه دراجة ، وتمعنت في أجزائها المختلفة ، فتبينت أنهـا فعلاً دراجـة ، ولكنها تبدو بشكل عام وكأنها صنعت على هيئة " المحراث " ، أو " الساقية " ، أو " المغزل " ، وما شابهها من المخترعات الحديثة !!!. وأدرت إطاريها مرات ومرات لعلّي أعثر على الثقوب التي كان يوضع فيها الزيت في يوم من الأيام ، ولكن يبدو أن الصلة قد انقطعت بين هذه الثقوب وبين العالم الخارجي ، ولذا قال الخادم :
* يا سيدي ، إن الزيت يسيل على جانبي الثقب ، ولا يتسرب منه شيء إلى داخله .
فقلت :
* لا بأس ، ضع الزيت فوق الثقب وفقط ، فهذا أيضاً مفيدٌ .
وفي النهاية ركبت الدراجة ، وعندما حركت قدمي عليها شعرت من صوتها وكأن هناك ميتاً يُلملِمُ عظامه ، ويعود إلى الحياة رغماً عنه ... لقد كان الطريق منحنياً بعض الشيء من عند بيتي مباشرة وإلى مسافة قليلة ، ولذا فقد سارت الدراجة بنفسها هذه المسافة ، ولكن بسرعة تشعر معها وكأن طبقة من " البلاك " قد فُرِشت حديثاً على الطريق ، وفي نفس الوقت بدأت الأصوات المختلفة تخرج من أجزائها المختلفة .... هذه الأصوات تندرج تحت مجموعات متنوعة ، فالأصوات التي تخرج من تحت المقعد والإطار الخلفيّ كانت من نوع " تشين تشان تشون " ، أما المقود فكانت تخرج منه أصوات من نوع " كت كر كر كر كر كر " ، والجنزير والبدّال تخرج منها أصوات من نوع " تشر تشرخ تشر تشرخ " . كان الجنزير مرتخٍ قليلاً ، ولذا عندما كنت أضغط بقوةٍ على البدال ، كانت تعتريه عقدة تتصلب معها فقراته ، فتصدر عنها هزة ، وأصوات عجيبة ، ثم تنفكّ العقدة ... ثم يرتخي مرة أخرى ...
وكان الإطار الخلفي على الرغم من أنه يدور ، لكنه كان يتمايل أيضاً ، فهو يسير إلى الأمام من جهة ، ومن جهة أخرى يترنح يمنة ويسرة ، ويسرة ويمنة ، ولذا فإن الأثر الذي يتركه على أرضية الشارع كان يبدو وكأنه لثعبان مخمور يشق طريقه في تموّج .
وصحيح أنه كان في الدراجة مقود ، لكنه لم يكن فوق الإطار تماماً ، فبدا وكأن فائدته الوحيدة هي أنه إذا خرج الإنسان بالدراجة للتنزّه جهة الشمال ، وكانت الشمس وقتها تقترب من المغيب ، فإنه بفضل هذا المقود – المعوج – يستطيع الشخص تجنب حرارة الشمس .
هذا وقد علت الإطار الأمامي للدراجة رقعة متسعة من الجلد جعلت الدراجة تقفز في سيرها إلى أعلى مرة كلما دار الإطار دورة كاملة ، ومع هذه القفزة كانت رأسي تندفع إلى الخلف بشدة ، وكأن هناك من يكيل لي اللكمات بشكل متواصل تحت ذقني ، وكان الإطاران الأماميّ والخلفيّ يُخرجان سوياً أصواتاً من نوع " تشون تشون بت ، تشون تشون بت " .
وعندما أسرعت الدراجة في سيرها بفعل ميل في الطريق ، اهتزّ الفضاء بفعل فرقعة شديدة ، وبدأت بعض أجزاء الدراجة ، والتي كانت لا تزال نائمة ، بدأت في التنبّه والاستيقاظ ، فأخافت الناس على جانبي الطريق ، وضمت الأمهات أطفالهن إلى صدورهن في حركة تلقائية . ورغم أن صوت الإطارات كان مميزاً عن صوت المقود ، لكن لأنّ الدراجة قد أسرعت قليلاً ، فإن صوت " تشون تشون بت ، تشون تشون بت " صار " تشتشون بت تشتشون بت " ، وأصبحت الدراجة كلها وكأنها تقوم بتصريف أفعال في لغات أفريقية صعبة .
لكن هذه السرعة الشديدة لم تتناسب مع المزاج الرقيق للدراجة ، ولهذا حدث بها تغييران دفعة واحدة ، التغيير الأول : هو أن المقود قد استدار وثبت عل اتجاه واحد ، فكانت نتيجة ذلك هي أن جسمي كله اتجه ناحية اليمين بالرغم من أنني أسير إلى الأمام . وبالإضافة إلى ذلك ، فإن مقعد الدراجة قد سقط إلى أسفل ست بوصات تقريباً دفعة واحدة ، ولهذا فعندما كنت أضغط بساقي على البدال ، وأرفعها معه لتسير الدراجة ، كانت ركبتاي تصلان حتى ذقني ، وانحنى ظهري واستدار إلى الخارج متقوّساً ، وفي نفس الوقت كانت رأسي لا تزال تهتزّ بشدة بفعل اهتزازات الإطار الأمامي بسبب الرقعة التي به .
لقد كان سقوط المقعد إلى الأسفل مؤلماً للغاية ، ولذا رأيت من المناسب أن أُصلحه ، وهكـذا أوقفت الدراجة ، ونزلت من عليها ، فشعرت عندها وكأن العالم قد اعتراه صمت مفاجئ ، وبدا وكأنني خرجت لتوّي من محطة القطارات الرئيسيـة ... أخرجت المفكات والمفاتيح " العدّة "من جيبي،ورفعت المقعد إلى أعلى ، وأصلحت وضع المقود قليلاً ، ثم ركبت مرة أخرى .
ولم أكد أسير بضع خطوات حتى سقط المقود إلى أسفل فجأة ، فصار المقعد أعلى منه بمسافة ياردة ، وانحنى جسدي كله للأمام ، وصار ثِقلُه على كلتا يديّ فوق المقـود ، ولا يزال رأسي يهتزّ بشدة ... ولك أن تتصور حالتي وقتهـا ، فقـد كنت أبـدو من بعيـد وكأني امرأة تعجـن دقيقاً !!!. لقد شعرت – وبشدة – بمثل هذا التشابه وقتها ، فتصبّب وجهي عرقاً ، وكنت أنظر إلى الناس من حولي بطرف عيني . ومع أن كل شخص كان يلتفت ناحيتي قبل أن أصله بمسافة كبيرة ، إلاّ أنه لم يكن من بين هؤلاء جميعاً من لم تكن حالتي الصعبة وقتها سبباً في انفجاره ضاحكاً .
سقط المقـود أولاً إلى أسفل ، ثم تبعه المقعد مرة أخرى ، وأصبحتُ كُلّي قريباً من الأرض ... وجاء أحد الأولاد فقال :
 انظروا ، ماذا يفعل هذا الرجل ؟!.
وكأنني في نظر هذا الولد سيئ الأدب أقدّم عرضاً ما ، فنزلت من على الدراجة مرة أخرى ، ورفعت المقعد والمقود إلى أعلى ثانية ، ولكن لم تكن تمضي فترة طويلة حتى يعود واحد منهما إلى أسفل ثانية ، ولم يحدث أن استوى جسدي فوق الدراجة مع يدي في ارتفاع واحد إلاّ للحظات قليلة للغاية ... حتى هذه اللحظات كنت خلالها أفكر : أي من الاثنين سيسقط إلى الأسفل أولاً : المقعد أم المقود ؟!!!.ولهذا فلم أكن أستقر جالساً على المقعد ، وإنما أحتفظ بجسدي مرتفعاً قليلاً عنه،لكن هذا الوضع كان يؤدي إلى ثقلٍ إضافيّ على المقود ، فيسقط هو إلى أسفل !!.
وبعد أن قطعت حوالي ميلين ، واستقر وضع الدراجة على ما هو عليه ، قررت أن أذهب بها إلى " العجلاتي " ليُحْكِم رباط مساميرها ، وقد كان ... وفي محل " العجلاتي " انتفض كل من كان يعمل فيه عند سماع صوت دراجتي ، وصوّبوا أنظارهم تجاهي ، ولكني تجاهلت الأمر قائلاً لأحدهم :
* لو سمحت ، أريد إصلاحها .
فتقدم مني وفي يده سيخ من حديد طرق به على مختلف أجزاء الدراجة بقوة . كان يبدو أنه فهم على الفور ما بها ، لكنه مع ذلك سألني :
* أي جزء تريد إصلاحه ؟!!.
قلت :
* يا لسوء أدبك ، ألا ترى أنها لا تحتاج إلاّ إلى رفع المقعد والمقود إلى أعلى ، وإحكام رباطهما ؟!!... هذا هو كل شيء ... من فضلك أصلحها فوراً ، وقل لي كم ستكلفني ؟!!.
قال الفنّيّ :
* هل أُصلح البدال أيضاً ؟!.
قلت :
* لا بأس ، أصلحه .
فقال :
* بهذا الشكل سيستغرق الأمر وقتاً قصيراً ، ليس أكثر من عشر أو خمسة عشر يوماً .... أتركها لدينا ، وسنقوم بكل شيء !!.
* وكم ستكلف هذه العملية ؟!.
قال :
* تقريباً ثلاثين أو أربعين روبية .
فقلت :
* إذاً افعل ما قلته لك فقط ، ودع الباقي .
عندئذ رفع الميكانيكي المقعد والمقود إلى أعلى ، وأحكم رباطهما في دقائق معدودة ، ثم ركبتها ، وبدأت أسير ، عندئذ قال الميكانيكي :
* لقد أحكمت رباط المسامير ، لكنها كلها متآكلة من الداخل ، وعمّا قريب سوف تنفكّ مرة أخرى .
قلت :
* أيها الفظ ، كم أنت قليل الأدب !!. لقد أخذت النقود بلا مقابل !!. فقال :
* يا سيدي ، وأنت غالباً أخذت هذه الدراجة بلا مقابل !!. أليست هذه دراجة صاحبك " السيد مرزا " ؟!!... يا ولد يا " بلية " ... أليست هذه هي نفس الدراجة التي جاء بها " السيد مرزا " إلى هنا العام الماضي لبيعها ؟!!. أتذكرها ؟!!. لقد مضت قرون على هذه الدراجة ، ولكن لم يرحمها أحد !!!.
قلت :
* سبحان الله ، لقد كان ابن " مرزا " يذهب عليها إلى الكلية ، ولم يمض على تخرجه عامان بعد !!.
فقال الميكانيكي :
* نعم ، هذا صحيح ، ولكن عندما كان " السيد مرزا " نفسه يدرس في الكلية ، كانت هذه الدراجة عنده أيضاً .
عندما سمعت هذا الكلام تعكّر صفو نفسي قليلاً ، وسحبت الدراجة في يدي ، ومشيت بخطوات متثاقلة ، ولكني كنت أشعر بصعوبة شديدة في المشي كذلك ، إذ أن قيادة هذه الدراجة تتطلب قوة وضغطاً شديداً على العضلات بما لا تتطلبه أية دراجة أخرى ، ولذا فإن ساقيّ وكتفيّ وظهري وذراعيّ ، كلها تؤلمني بشـدة في أماكن متفرقـة منها ، وكنت كل لحظة أتذكر ما فعل " مرزا " ، ولكني كنت دائماً أحاول أن أتجنب التفكير فيه ، حتى لا أصاب بالجنون ، فيكون أول عمل أقوم به عندئذ هو أن أعقد جلسة عامة في السوق أمام بيت " مرزا " ، ألقي فيها محاضرة طويلة حول مكر " مرزا " وخداعه وانعدام ضميره ، وأكشف لبني الإنسان جميعاً ، وللأجيال القادمة كذلك ، عن الفطرة غير السوية لـ " مرزا " ، ثم بعد ذلك أُعِدُّ محرقة كبيرة أحرق نفسي فيها حيّاً !!!.
وفي النهاية وجدت أنه من الأفضل أن أبيع هذه الدراجة بأية طريقة ممكنة ، وبأي سعر ممكن ، حتى ولو بخسارة خمس عشرة روبية ، وأصبر على ما أصابني ، بدلاً من أن أفقد الأربعين روبية كاملة ... وفي الطريق لمحت محلاً آخر للدراجـات ، فاتجهت إليه .... تقدم مني صاحب المحل ، لكن كان لساني كأنه مربوط بقفل ، فأنا لم أضطر طيلة عمري إلى بيع شيء ما ، ولا أعرف ماذا يقال في مثل هذه المواقف . وأخيراً ، وبعد تفكير وتردد شديدين ، لم يخرج من فمي سوى هذه الجملة :
* هذه دراجة .
فقال صاحب المحل :
* وبعد .
قلت :
* تشتريها ؟!!.
قال :
* ماذا تقصد ؟!.
قلت :
* أنا أبيعها .

نظر إليّ صاحب المحل نظرة شعرت معها وكأني لصٌ ، ثم نظر إلى الدراجة ، وبعدها نظر إليّ مرة أخرى ، ثم إلى الدراجة ، وكأنه لم يتبين من منّا الدراجة ، ومن منّا الإنسان . عندئذ قال :
* ماذا ستفعل ببيعها ؟!!.
يعلم الله ماذا تكون إجابة مثل هذا السؤال . قلت :
* أتريد أن تسألني أين سأنفق ثمنها ؟!!.
قال :
* هذا شيء آخر ، ولكن ماذا سيفعل بها من يشتريها ؟!.
قلت :
* يركبها ، وماذا سيفعل أكثر من هذا ؟!!!.
قال :
* لا بأس ، نفترض أنه ركبها ، ثم ماذا ؟!!!.
قلت :
* ثم ماذا !!!. ثم يقودها !!!.
فقال صاحب المحل :
* حسنٌ ، هه .... خذ يا " خدا بخش " ، تعال هنا لو سمحت . هذا الرجل يبيع هذه الدراجة .
ونظر المحترم الذي اسمه "خدا بخش" هذا إلى الدراجة من بعيد وكأنه يشم رائحة كريهة ، وبعدها تشاور الاثنان فيما بينهما ، ثم اتجه ناحيتي ذلك الذي لم يكن اسمه " خدا بخش " ، وقال :
* هل تبيعها حقيقة ؟!!.
قلت :
* ولماذا جئتُ هنا إذاً ؟!. هل خرجت من البيت بحجة أن أنال شرف الحديث معك ؟!.
قال :
* فبكم تبيعها إذاً ؟!.
قلت :
* قل أنت .
فقال :
* هل أقول بصدق ؟!.
قلت :
* نعم .
قال :
* هل أقول بصدق ؟!!.
قلت :
* هل ستنطق أم ستظل هكذا ؟!!.
عندئذ قال :
* سأعطيك ثلاث روبيات !!.
وثار الدم في عروقي ، وانتفضت يداي وقدماي وشفتاي من الغضب ، فقلت :
* يا أبناء الطبقة الدنيا !!. يا من تعيشون على الحِرف والصنائع !!. لن أردّ على إهانتك لي أنا ، ولكن لن أسامحك حتى يوم القيامة في الصدمة التي أصبت بها هذا الشيء الأخرس بكلامك الفارغ !!.
ثم ركبت الدراجة ، وأخذت أقودها كيفما اتفق . وبالكاد لم أتعد سوى عدة أمتار حتى شعرت أن الأرض قفزت من تحتي واصطدمت بي ، وأن السماء قد سقطت من فوق رأسي ، ومرّت من بين سيقاني ، وأن العمارات والمباني على الجانبين تتبادل أماكنها فيما بينها ..... فلما أفقت قليلاً وجدت نفسي جالساً على الأرض بطريقة يبدو منها وكأني حققت اليوم شيئاً طالما اشتاقت نفسي إلى تحقيقه فترة كبيرة ، وقد تجمع الناس من حولي ، وكثير منهم يضحكون ، وأمامي المحل الذي أنهيت فيه منذ قليل حواري الفاشل ... تأملت حولي ، فوجدت الإطار الأمامي لدراجتي قد انفصل عن جسم الدراجة ، وطاح بعيداً على الجانب الآخر للشارع ، وباقي الدراجة مُلقً بجانبي . تمالكت نفسي على الفور ، وحملت الإطار المنفصل بإحدى يديّ ، وأمسكت الجزء الباقي باليد الأخرى ، وغادرت المكان ...
كان هذا مجرد تصرف لا إرادي قمت به ، وإلاّ فحاشا أن تكون الدراجة عزيزة عليّ إلى هذه الدرجة بأن أعود بها وهي في هذه الحالة .
وعندما غادرت المكان سألت نفسي : " ما هذا الذي فعلته ؟!. وإلى أين أذهب ؟!!. وما العمل الآن ؟!!. ... إلى أين أذهب بهذين الإطارين ؟!!. " .
ولم أجد إجابة لهذه الأسئلة سوى أن أقول لنفسي : " سأرى فيما بعد .... أما الآن فيجب أن أذهب ، فالناس ينظرون إليّ ... يجب أن أرفع رأسي ، وأواصل سيري ، ودع من يضحك ، فأمثال هؤلاء التافهين موجودون في كل شعب ، وفي كل بلد ، في حين أنه لم يحدث شيء ... مجرد حادثة ... ويجب أن لا ألتفت هنا وهناك ، وأواصل السير .
كانت معاكسات الناس تصل إلى مسامعي ، واحد يقول : بس يا سيدي ، دعك من الغضب . وآخر يقول : أيتها الدراجة السافلة ، سأنتقم منك في البيت . وكان هناك رجل مُسِنٌّ يمسك بإصبع ابنه ، أشار ناحيتي قائلاً : أنظر يا بني ، هذه دراجة من السيرك تنفصل إطاراتها عن بعضها البعض .
لكني واصلت السير ، وبعد لحظات كنت بعيداً عن العمران .. شعرت بقوة في سيري .. أما قلبي الذي ظل يحترق في صراع بداخله لساعات طوال فقد هدأ بعض الشيء . وواصلت سيري حتى وصلت إلى شاطئ النهر ... وقفت فوق الكوبري ، وألقيت بإطاري الدراجة واحدأ تلو الآخر وسط النهر بغير أدنى اهتمام ، كأني ألقي خطاباً في صندوق البريد ، ثم عدت إلى المدينة ثانية ، وذهبت فوراً إلى بيت " مرزا " ....
طرقت الباب ، فقال " مرزا " :
* ادخل .
قلت :
* أيمكن أن تـخرج أنت إليّ قليلاً ، إذ لا يمكن لمثلي أن يدخل بيت وليٍّ مثلك بغير وضوء !!.
خرج إليّ " مرزا " ، فقدمت إليه المفكات والمفاتيح " العدة " ، والتي كان قد أرسلها إليّ مجاناً مع الدراجة ، وقلت :
 سيد مرزا ، استمتع أنت بهذه الأشياء ، فأنا لا أحتاج إليها الآن .
ثم رجعت إلى بيتي ، وأخرجت كتاب " الكيمياء " الذي درسته أثناء المرحلة المتوسطة ، وبدأت في مطالعته !!!!!!...