المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فلسفة وألم ... خطبة فلسفية وتداعيات بقلم معين حاطوم - دالية الكرمل



معين حاطوم
02/12/2007, 07:43 PM
فلسفة... وألم
خطبة فلسفيةالقسم الاول
معين حاطوم

السلام عليكم!

عدت إليكم....
ليس لأن أحدا منكم ينتظرني ....
وليس لأن أحداً منكم قد أشتاق إلي وتمنى أن أعود إليه. فأنا أحد لا يشتاق إليه أحد...!
ولا يشعر بغيابه أحد ...!
كل ما أذكره من هذه الحالة الشاذة، هو أنني استيقظت مبكرا على غير عادة ... فوجدت نفسي عائدا إليكم وفي نفسي شوق عظيم كي أعود... صحيح أنني كنت بينكم، صحيح أنكم كنتم تمرون من أمامي وأمر من أمامكم ، تلوّحون لي بأياديكم لخفتها ، وأهز لكم برأسي لخفته فتمطروني " بضحككات" لا يعرف أحد كنهها حتى أنتم ..!
حقيقة ،لماذا تتضحككون حين ترونني ؟
لا بأس إن لم تسمعوا بمثل هذه الكلمة ... فالتضحكك ، وهي من اختراعي . هي حالة اللاإكتراث المُعبر عنها بضحكة صفراء مصحوبة بنقيق كنقيق الضفدع ! . أعرف بأنكم لستم ضفادع لكونكم تتضحككون ... هذا واضح من مشيتكم ... فأنتم لا تتواثبون ولا تقفزون من حجر إلى حجر ، ومن ثم إلى ترع الماء أو البرْكة .... وأعرف أيضا أن لونكم ليس أخضر مبرقعا ، وأعرف أنكم لا تعرفون السباحة وأنكم تكرهون الماء !! من هنا استنتج بأنكم لستم ضفادع ومن ثم ، ما الشيء إن لم يكن بشكله ؟؟
تخيلوا أن نعثر في أحد الأيام على حمار يتكلم ، يفكر ، ويذهب إلى أفخر المطاعم ليأكل الكباب والمحاشي والسلطات ولا يقبل إلا بعقبى الكنافة أو الكعك الشرقي والغربي !
فهل كان سيرضيكم مثل هذا المشهد؟ أو لعلكم إن كنتم تهبونني من كرمكم بعض الوقت فتتخيلوا مشهدا لإنسان ينهق ويأكل البرسيم ويسير كالقردة على أربع .... فماذا كنتم ستقولون أزاء هذه الحالة ؛ صارمة التناقض !
أما كنتم تقولون أن الشكل يتناقص مع الماهية ؟
أو ترى كنتم تقلون .. لم يخلق الحمار على شاكلته عبثا ولم يخلق الإنسان على شاكلته صدفة ...
ولم يتراءى الكون بما فيه كما يتراءى اعتباطا وقسر !
طبعا ، وبفضل نباهتكم المطلية برب الذكاء والفطنة ، ستخلصون إلى نتيجة ، لم أرغب أبدا بأن تستخلصوها من هرجي ، وهي أن لكل شيء في الوجود هدفاً وغاية! وهذا بالذات ليس بالاستنتاج الذي رغبت بأن تستنتجوه ، وإنما قصدت أن كل شيء في الوجود وجد شكله ..... ! أو خلق شكله !! .
المعذرة ! ما عرفت قط ، بأن عودتي إليكم ستجرني وتجركم إلى هذا المسلك الشائك! إنها مجرد صدفة تلقائية خرجت تداعيا من الحالة البائسة المصابة بها ذاكرتي ، والسطحية المهيمنة على وجودي ! لأنني قصدت أن أفول شيئا بسيطا للغاية .. وهو, يتعذر عليك أن تكون موجودا فعلا في الزمكان اللذين أنت بهما موجود حقا !
وهذا يذكرني برجل عظيم الشاربين ... ولكنه يخش من ظله إن مالت الشمس فوق رأسه ... أو كذاك الذي يقفز إلى أول طاولة صارخا فزعا إن مرت فأرة من أمامه فأحدث هذا ألامر عطباً في التصور العام للرجولة, وتشوهت اعتباراتها المظهرية المتعارف عليها, واعتبر الشارب منذها مجرد شعيرات غير حليقة تعتلي الشفة وتبص الى داخل المنخرين , وقيل بأن هذا الاكتشاف أصاب رجالنا في الشرق بذعر, فدبت الفوضى في تقاليدنا الرجولية, لدرجة انها توقفت عن دغدغة شفاه الحسان العطشى , وما عادت تلتف على بعضها البعض مهما نتأت عضلات من يفركها ويمسجها ! منذها وجيلنا المنفلت يشن حرب استنزاف ضد ثقافة " الشوْرَبة "
فاستصدرنا اليافطات التي تستنكر هذه الظاهرة المخزية مشيرين إلى هؤلاء الذين لم يربوا أولادهم بل شواربهم ليخيفوا بها أولادهم وبناتهم ... ولهؤلاء الذي استعملوا شنباتهم على مر التاريخ كحراب وصواريخ ضد الغزاة !! المعضلة في هذه الحالة أننا لم نعد نعرف الصالح من الطالح ولا المصبح من النابح وما عدنا نعرف الرجال من الخنث ...حتى مر في أحد الأيام رجل في حيينا الشرقي ... وكان يترنح كالثمل وقد أعتلى الغبار وجهه وشيب شعره وتبين فيما بعد بأن إحدى القصائد الوطنية قد انفجرت به ، فارتجفت جمجمته حتى تمخضت قولا :
لا تجد الرجولة شكلها إلا في النضال !!
وضحكنا منه حتى تفتقت أحجبتنا الحاجزة ..وصرخنا به حتى دوّى صوتنا في الشرق : - صه .. صه وإلا سلمناك إلى الشرطة الدولية ! .
المعذرة تزحلقت الكلمات على لساني عن غير قصد . فلا دخل لي بكل هذا . وأنا لا أعرف لماذا تفوهت بمثل التفاهة النيئة ؟ . الحقيقة أنا لا أعرف أي شيء عن العبوات الشعرية الوطنية الناسفة ولا أعرف عبواته غير الناسفة . ولا دخل لي البته بتفكك الكتلة الشرقية ولا دخل لي بتعاظم الكتلة الغربية ولا دخل لي بسقوط نظام صدام ، كما لم يكن لي دخل بدكتاريته . كل ما أعرفه فقط هو أن السلسلة المعدنية التي لفّت بها حبيبتي خاصرتها تفككت, لأن الصدأ اخترق وأكل أجزاءها .. فتفككت وسقطت عن خاصرتيها النحيفة ... النحيفة جدا ً وليكن معلوماً لكم ، أن حبيبتي لم تعتمد حمية ، ولم تبتعد عن الشحوم والمآكل الدسمة ... العكس، تمنت دائماً أن يرزقها ألله بشريحة شحماء (مليئة بالشحم " استحداث " )...وبكأس حليب طفت زبدته على سطحه ... ولكن هيهات فنعاج هذا الشرق لا تملك سوى عظامها وجلدها وحليبنا لا تسري عليه كيمياء وعوامل المخيض .
انسوا ما قلت فلم أ قصد قوله . إنها مجرد ثرثرة ، أجد نفسي أحياناً متمرغاً فيها ، كما تتمرغ الديكة في أديم القن ، ليس لأتها تحب إثارة الغبار كحافري حصان عربي أصيل ، وإنما لتَكُت عن ريشها القمل والصئبان كما تكت القدرُ فقاعات الماء من الغليان!.
قال جحفل لصديقه بلح :
- لم كل هذا الغليان ... لم كل هذا الغضب ... ؟
أأنت غبي إلى هذه الدرجة ؟ نحن العرب ملوك الأمم .. فلماذا تريدنا أن نصبح خداماً لهم ... ؟
لماذا تريدنا أ نجلس ونفكر لنخترع سيارة .. والأمريكان والإنجليز والفرنسيون يجتهدون في اخترع السيارات لنا !!؟
لماذا تريدنا أن نخترع الطائرات والقطارات والبارجات والسفن , الدبابات , المدافع والصواريخ والتلفزيونات وغيرها وغيرها ؟ وقد سخّر الله الأمم لنا لتخدمنا وتقدم لنا كل ما يلزم راحتنا وأمننا ..! إننا ملوك ..! هكذا خلقنا الله ، وهم الخدم ... هكذا خلقهم الله !!
فقال بلح : دعك من هذا الكلام الفارغ ... إنهم لا يخدموننا ولا يقدمون لنا الهدايا.. وإنما يمتصون اموالنا وتعب أمتنا !
فقال جحفل ضاحكاً :
- كلام فارغ ..يسخرهم الله ليخدمونا من جهة ويفجر لنا ينابيع النفط كي ندفع لهم من جهة ثانية ... ونحن مرتاحون لا حقل نحرثه ولا حرش نحتطبها ... ولا صخور نكسرها ... هذه هي الحقيقة ... نحن نعيش كالملوك لأننا ملوك .
فقال بلح ساخطاً :
نحن ملوك مسخرة ... وما تقوله هو الوصفة التي ستحول أجيالنا إلى عبيد دون ملوك تخدمها !! آسف ، لا أعرف لماذا حدثتكم بهذا الحوار الأبله ...فلم أقصد من ورائه شيئاً ذا معنى أو أهمية ... إنها عقدة أعاني منها منذ ولدت ... فأنا لا أقصد ما أقول حين أقول ما أقول .
يحدث لي هذا كثيراً ...فمرة أردت أن أمتدح قوة رجل " معضال " كبير الحجم عريض المنكبين ضخم الراحتين ضامر البطن ، فكأنه تمثال من البرونزة ، فقلت له مادحاً عن حسن نية :
- أنت قوي كالبغل ...!
فما كان منه ألا أن امسكني من تلابيبي وطوّح بي في الهواء ومن ثم تحول إلى بغل ..فركلني ركلة عظيمة أطاحت بي إلى الأرض بعد أن طيرني كطابة مطاطية فقدت ليونتها البلاستيكية فهوت على الأرض تتقلب بثقل كمن ألم به مغص قتال !
فهل يعقل أن يحدث مثل هذا الأمر لعاقل مثلي ...؟
وهل يعقل أن يحدث هذا ألأمر لبغل مثله ؟ المهم الآن من هرجي ... بأنني أحاول أن أرسو وإياكم على مبدأ أستطيع بواسطته أن أفلح بإقناعكم بأن لعودتي أهمية معينة ، رغم أنني لا أنجح مؤقتاً بتعريف هذه الأهمية ، ولكن وريثما استجمع فطنتي، اسمحوا لي أن أذكركم بأنني كنت قد قلت سابقاً وبطريق الصدفة ما معناه: أن الماهية تتحقق بالشكل ... أي بكلام آخر ، إن الشكل هو الصيغة النهائية للماهية ، وتبدو لي هذه الفكرة غير الناضجة ، فكرة واعدة ، من جهة ومن جهة ثانية فكرة خطرة ، قد تنسف صروحا وبنىً فكرية فلسفية عديدة كانت قد فصلت وفرقت بين الشكل والماهية . واضح لي من سيماء وجوهكم أيها النجباء ، بأنكم تتذمرون من هذا المنحى الغريب العجيب الذي توجهت إليه ، ولا بد أنكم قائلون: ألمَّ شيء مريب بهذا المسكين العائد دون أن يكون قد غادر ... ولكن مهلاً علي ... ولا تغضبوا فلقد حذرتكم من شطحاتي غير المخطط لها .. وغير المدروسة، بل قل التلقائية ...ولا بد لي قبل أن أعود لأخبركم عن أهمية عودتي أن أحدثكم ما حدث، والحقيقة فأنا لا أعرف بشكل دقيق ما حدث، كنت فقط جالساً على الشاطئ ، هنا، لا أذكر أسم هذا الشاطيء ... ولا أعرف من سماه بذلك الاسم الذي لا أذكر.
كان الظلام متهاونا، بل لعله كان متعاوناً مع ضوء القمر الخلاب الذي طرح صفحة الماء ورمل الشاطيء طرحة ضوء، كان من المكان، أن تتمناها كل عروس، لتكلل بها رأسها المطأطيء تحت عتبة الزواج، فترى من خلالها ما يخبئه لها الآتي من فرح ونكد.
كنت وحداً .
إنها عادة لا أفلح بأن أتخلص منها .... فكلما أردت أن أرى الناس كما يبدون حقاً، وكلما أردت أن أتقبل الهمجية اليومية والروتين المتراخي مللا، أبحث عن جُحر في هذا الشرق، ألجأ إليه، وبكل بساطة، وبكل عجب أجد نفسي هناك، تنتظرني، كعشيقة أوقدها الشوق فاشتعلت حناناً ورغبة ... فهربت من محدودية الزمان والمكان ودكتاتورية الظروف المسيطرة، وهربت منهم إلي .
كنت وحيداً، وهذا حسن !
كان الشاطيء فاغراً فاه كفم مسن فقد بعضاً من أسنانه، وكانت الموجات الهادئة تطرق شفتي الشاطيء فتعود مزبدة كقطة أصابها السعر .
عادة، أنا لا افهم الأمواج، ولا أ فهم عقدتها السيزيفية، ومثابرتها العبثية . وهذا ليس بغريب، فأكثر ما أعرفه عن نفسي هو عجزي الدائم عن الفهم ... وخاصة السريع منه، الذي يتطلب الذكاء والفراسة وقوة الملاحظة. وهذه الصفات كما تكشفها لكم نباهتكُم، هي صفات شرقية ولكن، الشيخوخة المبكرة التي أصابتها، وأصابتنا، قرضت، بل أبادت هذه الصفات الحميدة، وبتنا وأنا أ قصد نفسي أولا، نجر وعينا جر الحمار للمحراث ! .
ليكن معلوماً لديكم أنه في قديم الزمان، كان شيء يُسمى محراثاً يحرثون به الأرضِ كي يتغلغل إلى خلاياها ضوء الشمس ونقاء الهواء . هذا، كان منذ أجل بعيد . ويعتبر اليوم من الآليات البدائية التي تخجل بها الشعوب، وخاصة المصنعة والشعوب المصطنعة من استعماله ! ولقد علمت من أحدهم، لا أذكر اسمه بأن الحضارة النابعة والمكتسبة أبدت اشمئزازا من هذه السكك الحادة التي تخترق صدر التراب المسكين الذي لا يستطيع أن يعبر عن ألمه من هذا العذاب الأبدي...
لكي لا أشذ عن الموضوع الذي رغبت أن أتحدث فيه، فلا بد أن أعود إلى نقطة البداية .
كنت وحيداً ... وكان البحر يتجشاُ والموج يتمطى والشاطيء يشخر ... أو لعله يتدغدغ . لا أعرف، كل ما أعرفه بأنني كنت وحيداً أبحث عن موضوع أتحدث فيه كي لا أشذ عنه . وهذه الحالة، كما ترون، هي حالة من السخرية التي لا ترحم ولا تتهاون وتتعاون مع الإنسان، كالظلام الذي تعاون وتهاون مع الشاطيء كي ترى المويجات شفتيه لتقبلها، أ و ترويها بما يتحلب منها من زبد!
لا أعرف، وأراهنكم، أن أحداً لا يعرف ما يقصد البحر، وما ترمي إليه المويجات من هذا البله المتواصل المسمى مداً وجزراً ، هادئاً ومائجاً
ولا أحد يعرف، من هو المستمتع من هذه الميكانيكية الفعالة بإستمرارها الجميل .
لعلها عبثية بأن يكون الشيء موجوداً متحركاً دون طائل ؟ ولكن هل يمكن لشيء أن يكون دون سبب ودون غاية إلى مثل هذه الدرجة من الغباء ؟
لا أعرف، كل ما أعرفه أنه في أحد الأيام شاهدت رجلا يركض ... وفهمت من ركضه المتزاوي، المتقدم والمتراجع بأنه لا يعرف إلى أي إتجاه يركض، وعرفت بأنه لا يقوم بذلك من منطلق التدريب الرياضي .... كما أنني لم أشاهد أحداً يطارده ولم أشاهد أحداً يلحق به، وخرجت بنتيجة واحدة، وهي أن هذا المسكين فقد عقله وتدمر اتزانه ... فهل يمكن، ولو من باب الفرض، أن تكون الطبيعة كحال هذا الرجال : مجنونة ؟ أم تُرى، حكمة الكون المطلقة تبدو قريبة من الجنون لذوي الذكاء المتوسط والفراسة الناعسة مثلي ؟ لا أعرف !.
الأمر الذي يتبدى لي، والذي أرى به حكماً صحيحاً لهذه الظاهرة الموجية، هي أنه لا يعقل أنها مجرد اندفاعات تلقائية، لا تمل من أندفاعها لا أذا كانت كعجلة صغيرة تدير عجلة أكبر في هذا الكون الكبير ! وإلا، فما هي الفائدة في أن يكون للبحر أمواج متلاطمة وهائجة ورقيقة وناعمة أو غير ذلك من الأوصاف، كمتهادية ومتراقصة، ومتعالية وواثبة وصاهلة وخائضة؟
أهل هي عاشقة هائمة على وجهها تبحث عن حبيب أسطوري تسند إليه رأسها ؟ أم ترى تفعل ما تفعل بغية مغازلة "بوسيدون " إله البحر ؟
لا أحد يعرف! وخاصة الناس أمثالي،الذين لا يتمتعون بمخزون كاف من الذكاء المعرف، ويتكلون فقط ، على ما يتبدى لهم مباشرة من الظاهرة، الظاهرة لهم بطهرها شوائبها .
أجل الظاهرة، أي ما يظهر لك قبالة الوعي ! وهنا الطامة الكبرى التي تواجه من يريد أن يخترق المتعارف عليه في فهم ما يرى !
فكيف لنا أن نعرف إن الذي نراه هو نفس ما نرى ؟
لعل المرحلة التي تمر بها هذه الظاهرة من كونها ما هي عليه إلى أن تُلتقط ببؤبؤ العين، يحل عليها تغيير شكلي ! من يدري ؟
المعذرة، لقد شبكتكم وشبكت نفسي بمتاهة لا أعرف كيف الخروج منها . ولكن لا بأس، فقد يأتينا الفرج في هذه الليلة القمراء على أحد الشواطيء الشرقية اذا ركزنا اكثر بقليل وبدأنا نميز بين الأسم والمسمى , فليس بالضرورة أن يكون الرجل المسمى " صادق" صادقاً حقاً، وليس بالضرورة، الرجل المسمى "أسد" قوياً حقاً كالأسد، كذا النمر وكذا الغزال.وهذه دلالة أكيدة على الفصل المطلق بين الإسم والمسمى ! والسبب الوضح لهذه الحالة هو أن الأسم من إختراع الوعي ألإنساني أما المسمى فهو من ابداع الرب ! كهذا الشاطيء البديع، القابع هنا أمامي بمائه وموجه، وهدأته التي تمتطيها فرسان الروح، الغائرة على ثكنة الوحدة .
هذا المشهد الخلاب يبعد عن ذاكراتي وأنامل وعيي مماسك الموضوع الذي نويت التحدث فيه ...والحقيقية، فهذا الموضوع الذي ما زال غائباً عني أعانيه أكثر بكثير مما أعيه . وهذه مشكلة تتطلب مني تقنية عالية المستوى في فض غيب النفس أو بقر بطون التصورات الضاربة في عمق المهجة. فالإنسان يقف قبالة الوجود ! جزءاً منه، ولكنه جزء فضولي إلى أقصى الدرجات.. جزء من هذا الكون يبغي بكل سذاجة، أن يستوعب ويتعقل الكلية الكونية الطافحة بإستحالات لا تدرك.. وحقائق لا تُعقل.
استميحكم عذراً، لقد أوغلت بما لا يعنيكم، وأخرجتكم من نعيم المساء البحر الذي انتقته وحدتي كوسيلة بها أجد نفسي .. وأجد بعض ما تتكرم به علي ذاكراتي الحبلى بما مر من لذيذ العمر وأليمه ... وكان الأجدى بي أن أحدثكم عن مويجات البحر التي تبدو كعبران ترعى صفحته ..وهي تدنو مني فتلامس قدمي المنغمستين في الماء، ثم تدبر راجعة وقد خلفت وراءها رغوة سرعان ما تتلاش وتتناثر على وجه البحر. فلكل شيء في الوجود مداه الزمني ...
ألا يبدو هذا غريباً ..فالخلود هو عملياً مجموعة غير متناهية من العمليات الوجودية المتناهية بواسطة مداها الزمني !! فكأن الخلود يحمل في جوفه نقيضه ! .
المعضلة، بدأ فكري الآن يتصوب كبندقية صيد نحو أفكار، قد تبدو في غاية الغرابة، والغموض . فكيف لي أن أصل إلى أفكار تضع حجر الأساس لمنظومة فكرية أستطيع بواسطتها أن أتفهم قليلا ً من البنية الكونية، على ما بها من تعقيد وسحر مدهش. أجل، عقلي يسوقني رغماً عني إلى الخوض في مجاهل قد لا يحبها أحد... ولكن لا بأس فأنا هنا لوحدي، ولن أثقل على أحد، ولن يثقل أحد علي نزوعي إلى هذا التطفل الفكري.
السؤال الذي أطرحه على نفسي هو كيف لي أن أجد نقطة ثابتة أنطلق منها،؟ أو ،أين هي نقطة " أرخميدس " التي بواسطتها أستطيع أن أحرك غموض العالم المتمرد على فهمي اليقيني؟
ومن ثم لماذا لا أضع كل الموروث من الأفكار والمتعارف عليه جانباً، وأبدأ بدافع دهشتي الفطرية التي تتأزم وتتعاظم أمام هيبة الوحدة وروعة الشاطيء ورهبة البحر؟
ألم يتعب الفكر البشري من درس سنابل الفكر وقمحة، والتي لم تسفر حتى الآن عن خبز يشبع كل الأذواق والمفاهيم ؟
لا أدري، لكن الجو البحري هذا، الذي تهمس به مويجاته الفتية، تدفع بي إلى خوض هذه المغامره في المجهول الفكري ...وأن قتامة الإفق توحي بأن هناك.. هناك في خبايا العقل قناديل ستضيئه ....!
فلأتنفس الصعداء .... ولأعب من هذا المساء نبيذ الفكر والروح ولأتسلى على عقباه بالسهر .... فما يميزنا في وجودنا هو انقيادنا نحو متعة الروح .... وتفنيد العقل لكل ما يتراءى لنا من بهجة في الحالة، ورونق في الوضع.
أنا الآن لوحدي، ولا باس بذلك .... حيث أنها الحالة الوحيدة التي ألجأ بها إلى محاولاتي المتتالية، للصعود من قاع الروح وهدأة الإحساس إلى مراقي العقل.. العقل الذي يحكمنا بقوانينه....فلا نستطيع ان نتجاوزها،لأننا بذلك، نغوص في غموض لا نعرف أصله ولا شكله، ولا يمكن أبداً أن يُروًِِِِّض بفكر أو حدس، إذن، لا بد أن أتقيد بقوانين العقل، ولكي أفعل، علي أن أتحاشى التناقض والإلتباس والوهم والحكم الكاذب الذي لا يستند على تطابق الفكرة مع الموضوع، رغم صعوبة البت في هذا التطابق. عليّ ان أتيقن بأن الشيء هوهو وليس غيره... وأن لا تناقض بين أجزائه مع إمكانية الحكم بنعم أو بلا بشكل واضح ويقيني.
المهمة صعبة جداً.. خاصة لمن هم من أمثالي، لا يعرفون من أين يبدأون وإلى ماذا يهدفون... كلما ما أعرفه... هو أنني أعرف معالم حيرتي وقسوة دهشتي الملحاحة وتصوب فكري نحو استجلاء الحقائق.... ولكن المشكلة كما ذكرت هي نقطة أرخميدس أو نقطة البداية... ولا أجد في حفيظتي مبدأًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًً أو بديهة أو نظرية أعتمد عليها في ما أنوي بناءه حول هذا العالم أو الكون، لذا فمن المستحسن استكشاف الصفات والميزات الثابتة التي يتصف بها هذا الكون، ويقين صلته مع الأنا الناظر، أو الأنا الواعي لفعل وعيه .
هل فهمتم شيئاً مما أقول؟ أنا لا ألومكم البتة إن لم تفهموا، فأنا نفسي، أكاد لا أفهم يقيناً هذا الذي وثب من بين تلافيف دماغي...فتناسوا ما قلت فلم أقصد قوله والحقيقة،ما كان يجب علي قوله، هو أن أشرح لكم سبب عودتي إليكم وتطفلي على نباهتكم . ولأكن صريحاً معكم – دون أن أهين ذكاءكم واستعدادكم لكي تفهموا – قصدت بهذه الشطحة الفلسفية الا تفهموا،لأنكم إذا فهمتم، بَخُست أهمية محاولتي بأن أشرح وأسهب في الحديث عن هذا السبب الذي جعلني أعتقد بأني أعود إليكم دون أن أغدركم..!
أن المشكل الأساسية التي أعاني منها، والتي تزعجني الآن في خضم تفكيري بإقناعكم بوجاهة ما قلته، هو البغل..! أجل،البغل يزعجني... فلماذا لا يستطيع التوالد؟
سألت مرة جدي عن سبب عقر البغال... ولقد كان جدي - كما تعلمون- ذكياً جداً، يعرف تقريباً كل شيء لا أعرفه أنا. قال: لا يولِد لأنه أين الخطيئة... والخطيئة لا تحل عليها قوانين الطبيعة... لذلك ستبقى أبداً ناتجة عن ... لا نابعة من !
صدق جدي.البغل هو نوع من الإلتباس، من الخطأ الفاضح الذي لا يزيد لنفسه أن يتكرر ... أنه العطل الطبيعي الذي تأبى أن تمنحه الطبيعة حق التسلسل والتوالد.... إنه شكل نأت عنه ماهيتُهُ... وعاء لم تستطيع الماهية أن تتحق فيه !!
تخيلوا لو أن ألبغال تفهم ما تقول وتعرف ما نشيع عنها من بذيء الكلام !! فماذا كانت ستشعر حينها ؟ لعلها كانت تلجأ إلى الأمم المتحدة مقدمة التماساً ضد الإنسانية التي تهين بغليتها ... أو لعلها توفد قنصلا ًسرياً إلى أحد الدول العظمى لتستدرج جيشه الجرار ليحتل العواصم الإنسانية مقابل حقوق أبدية على كل النفط الذي يمكن استخراجه من برازها !
أما علمتم بأنه بمكن استخراج النفط من البراز والروث والغائط ؟
ألا ترون أنه من الحكمة أن نغير انطباعنا السيئ عن البراز والروث والغائط وما تبقى من هذه الفصيلة التي نسميها وسخا وزبالة ؟ فتخيلوا بأننا إن سمدنا الورد بالروث زادت نظارته وراج فوحه... وازداد اخضرار أوراقه !
ويصح به ما قيل في الماء، فحيث توجد الحياة...توجد الأحياء !
ولكن ....
يبقى الروث روثاً....
ويبقى الورد ورداً .... !
ونبقى نحن على ما نحن عليه !

نغم مراد
16/10/2008, 10:56 PM
قال جحفل لصديقه بلح :
- لم كل هذا الغليان ... لم كل هذا الغضب ... ؟
أأنت غبي إلى هذه الدرجة ؟ نحن العرب ملوك الأمم .. فلماذا تريدنا أن نصبح خداماً لهم ... ؟
لماذا تريدنا أ نجلس ونفكر لنخترع سيارة .. والأمريكان والإنجليز والفرنسيون يجتهدون في اخترع السيارات لنا !!؟

عدت مقلبا ألامنا :(