المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البئر محمد صباح الحواصلي



محمد صباح الحواصلي
30/09/2006, 03:22 PM
البئر


قصة قصيرة
محمد صباح الحواصلي

العروس


لقد مضى ذلك الإنتظار المضني, وها أنتِ أمامي حلماً تحقق باصراري على أن تكوني لي, لي وحدي, وأن أحداً لن يستطيع أن يسرقَ ثمرة اصطباري. وليلة الغد سترتدين ثوب الزفاف يا عروسي. وفي غرفتي البسيطة, التي تطل على حقول الخس, سأقطف حمرة الخجل من وجنتيك فيما أنت تدارين حياءك بالنظر إلى القمر, وسنعيد حكايات زمن الشوق وسنحاكي النجوم المتلألئة في حلكة السماء, كما كنا نفعل دائما. بيد أننا في هذه المرة سنزف إليها فرحنا وستزرع السماء في رحابتها نجمة جديدة.


العجوز والطفل


غدا عندما تصبح السماء خصيبة بحمرة الفجر ويتناهى إليَّ, وأنا أرمق بلدتي الصغيرة من خلف نافذتي, صوت حدوات حصان, عندها أعلم أن جدي قادم في موعده, وأنني سأراه من خلال ثلمات الأشجار متخللا سديم الفجر, فأهرع وأرتدي سروالي الجديد, وأضع في محفظتي الكراس والقلم والممحاة, ولن تنسى أمي من أن تضع في محفظتي (عروسة الزعتر), وسيناديني جدي فيما هو يربط حصانه في حوش الدار:
يا فارس..
وسألبي نداءه بكل ما في قلبي من فرح:
إني آتٍ يا جدي.
وأمتطي حصانه وأطوق خصره الضامر وأركن إلى هدأة المدى وأنا أرمق
حقول الخس الموصولة بالأفق البعيد.


البئر


جاء يوم انتشر فيه خبر البئر. كتبت الصحافة أن رجلا كان يسير بالقرب من البئر شم رائحة نتنة أثارت فضوله وأثارت فيه الذعر. فقد تذكر لتوه كل هؤلاء الذين اختفوا ولم يعودوا إلى ديارهم.
وروى شاهد عيان آخر عملية اخراج الجثث من البئر. قال إن أغلبها كانت مهشمة الرؤوس, وأنهم قد انتشلوا جثة رجل عجوز عليها آثار ضربات فؤوس وآلات حادة, وجثة طفل في السادسة من عمره على ظهره محفظة مدرسة. كما تبين أن عروسا أحرقت بثوب الزفاف.
صمت شاهد العيان وأشاح بوجهه عن الخلق, فلقد تذكر أن الرائحة النتنة كانت نفاذة بشكل كريه, وراعه أنه كان يعرف الجميع.
يقال إنه مر على ذلك اليوم حوالي الأربعة أشهر. هذا ما أقره الطبيب الشرعي. ساد صمت كئيب شمل بلدة (الجية).. صمت طوى في أعماقه زمنا مهشماً. وتمضي الأيام وتظهر براعم صغيرة على أغصان الأشجار وبقيت الحشائش في البساتين محافظة على نضرتها وكأنها مصرة على أن تبقى خضراء.
عن مجموعته القصصية "منمنمات على جدران دمشق القديمة", دمشق 1990
sabahhawasli@yahoo.com

محمد صباح الحواصلي
02/10/2006, 08:28 AM
البئر


قصة قصيرة
محمد صباح الحواصلي

العروس


لقد مضى ذلك الإنتظار المضني, وها أنتِ أمامي حلماً تحقق باصراري على أن تكوني لي, لي وحدي, وأن أحداً لن يستطيع أن يسرقَ ثمرة اصطباري. وليلة الغد سترتدين ثوب الزفاف يا عروسي. وفي غرفتي البسيطة, التي تطل على حقول الخس, سأقطف حمرة الخجل من وجنتيك فيما أنت تدارين حياءك بالنظر إلى القمر, وسنعيد حكايات زمن الشوق وسنحاكي النجوم المتلألئة في حلكة السماء, كما كنا نفعل دائما. بيد أننا في هذه المرة سنزف إليها فرحنا وستزرع السماء في رحابتها نجمة جديدة.


العجوز والطفل


غدا عندما تصبح السماء خصيبة بحمرة الفجر ويتناهى إليَّ, وأنا أرمق بلدتي الصغيرة من خلف نافذتي, صوت حدوات حصان, عندها أعلم أن جدي قادم في موعده, وأنني سأراه من خلال ثلمات الأشجار متخللا سديم الفجر, فأهرع وأرتدي سروالي الجديد, وأضع في محفظتي الكراس والقلم والممحاة, ولن تنسى أمي من أن تضع في محفظتي (عروسة الزعتر), وسيناديني جدي فيما هو يربط حصانه في حوش الدار:
يا فارس..
وسألبي نداءه بكل ما في قلبي من فرح:
إني آتٍ يا جدي.
وأمتطي حصانه وأطوق خصره الضامر وأركن إلى هدأة المدى وأنا أرمق
حقول الخس الموصولة بالأفق البعيد.


البئر


جاء يوم انتشر فيه خبر البئر. كتبت الصحافة أن رجلا كان يسير بالقرب من البئر شم رائحة نتنة أثارت فضوله وأثارت فيه الذعر. فقد تذكر لتوه كل هؤلاء الذين اختفوا ولم يعودوا إلى ديارهم.
وروى شاهد عيان آخر عملية اخراج الجثث من البئر. قال إن أغلبها كانت مهشمة الرؤوس, وأنهم قد انتشلوا جثة رجل عجوز عليها آثار ضربات فؤوس وآلات حادة, وجثة طفل في السادسة من عمره على ظهره محفظة مدرسة. كما تبين أن عروسا أحرقت بثوب الزفاف.
صمت شاهد العيان وأشاح بوجهه عن الخلق, فلقد تذكر أن الرائحة النتنة كانت نفاذة بشكل كريه, وراعه أنه كان يعرف الجميع.
يقال إنه مر على ذلك اليوم حوالي الأربعة أشهر. هذا ما أقره الطبيب الشرعي. ساد صمت كئيب شمل بلدة (الجية).. صمت طوى في أعماقه زمنا مهشماً. وتمضي الأيام وتظهر براعم صغيرة على أغصان الأشجار وبقيت الحشائش في البساتين محافظة على نضرتها وكأنها مصرة على أن تبقى خضراء.
عن مجموعته القصصية "منمنمات على جدران دمشق القديمة", دمشق 1990
sabahhawasli@yahoo.com

نشرت في جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 8 تموز 1988

حسام الدين نوالي
29/01/2007, 08:00 PM
بعد التحية الطيبة..
حين قال "إدوارد سعيد" أن "الأمم ذاتها تتشكل من سرديات ومرويات"، فإنما كانت إشارة إلى هيمنة السردي من جهة على الحقول الأخرى، و قدرة السرد (التاريخي، والديني، والثقافي والأدبي والسياسي..) على بناء صورة الإنسان وتاريخه وقيمته وغير ذلك. وقد مثلت موضوعات بعينها بؤرة الجدل في الدراسات السردية كطرائق تركيب المادة السردية، والمنظورات والإحالات التمثيلية..
وفي هذا إطار هذه الموضوعات فنص "البئر" يقدم نفسه من خلال سمة الشذرية، وهي سمة اشتغل عليها على مستوى التنظير "أدورنو" و "بنيامين" بالخصوص، وعلى مستوى الابداع "كافكا" و "موزيل" و بروست"... وارتبطت بالأصوات المناهضة للقالب الجاهز لإبراز الطابع الأشكالي للكتابة، وهي دعوة تأسست على إشكاليات التواصل، والتعبير في مجتمع سمته الأساس التفكك...
النص مفكك يتوزع على ثلاث مقاطع، كل مقطع يقدم "حكاية مستقلة" نسبيا، فيما النص يشتغل ليس على أساس الاضطراب ولكن بآلية تحكم سيره وتوجهه إلى نقطة نهائية دلاليا (ممتدة تأويليا)، بحيث تتعاضد المقاطع وتتوالى في علاقة "المماثلة" نحو تيمة مشتركة هي ثيمة "المسير أو الاستمرار".
نص "البئر" إذا نص "متشظي"، وإلى جانب ذلك فهو منشغل بذاته، فهو لا يقدم نفسه بشفافية، ذلك أن السرد في "البئر" يطوق الحكاية، يتجاوزها، لا يوقر اكتمالها وخصوصيتها ويداري تسلسلها المنطقي، إنه "سرد كثيف" كما يسميه "سيمور جاتمان".
وفي نفس إطار الانشغال بالذات، تأتي اللغة في النص متراوحة بين السردي والشعري، بل يهيمن الشعري في أكثر من موطن: (أقطف حمرة الخجل من وجنتيك- تدارين حياءك بالنظر إلى القمر- وستزرع السماء في رحابتها نجمة جديدة. السماء خصيبة بحمرة الفجر -أركن إلى هدأة المدى وأنا أرمق
حقول الخس الموصولة بالأفق البعيد...)
وهذا الاختيار المعجمي – الذي يتكرر في عدد من نصوص الحواصلي- هو اختيار يمنح النص أناقة لا تنفصل عن أناقة التناول السردي والموضوعي والتنامي الدرامي.
سارد المقطعين الأولين طفل، وهو شخصية في نفس الوقت، إنه سارد مشارك، متواري داخل الحكاية، فيما المقطع الأخير يرويه سارد عارف، عالم، يطل من أعلى، لكن هو الآخر يتوارى خلف الجريدة حينا، وخلف شاهد عيان حينا آخر؛ وفي الحالتين كلتيهما هناك نفي، ورفضية، وتجاوز.
من خلال وضعيتيْ السارد أقرأ شخصيا "نفي الإنسان" وذاتية الأحداث، إنها جدلية الفاعلية بين الإنسان والكون، السارد في النص يشبه ذلك الصحفي الذي سُئل "هل تستطيعون تغيير العالم؟" فقال: "لا.. ولكن نستطيع تصويره ! !"... ما يعني أن الساردين لم يظهرا بوصفهما منتجين للأحداث، ومن ثمة لا يكاد القارئ يشعر بوسيط سردي، وبالأخص في المقطعين الأولين.
فإذا كان النص على مستوى البناء يدعم كل دلالات التكسر والتفكك، وهي رؤية رفضية احتجاجية، فماذا على مستوى الموضوع ؟
طفل وعروس و حلم والبلاد الصغيرة والجد والحصان وطريق لم تفضِ إلا إلى هاوية.. هذا كل شيء ، لكن..
فقرتان هادئتان، واللغة المختارة بعناية تمنحهما شاعرية أكثر، الأفعال مصرفة في المستقبل، ويعم لون الحلم الجميل الذي يرسمه ذهن الطفل. وفجأة فقرة أخيرة مؤلمة. قاسية أفعالها ماضية مثل قدر لا يرحم، لا سبيل للتراجع أمامه.. كيف تحوّل ذاك الهدوء فجأة إلى فجيعة؟
كان من الممكن أن يصل الطفل إلى المدرسة ويعود ليحكي لأمه أسراره مع العروسة، لكن ماذا ستعني القصة بعد ذلك؟.. القصة إضاءة، والإضاءة لا تتوسل اليومي الرتيب الذي يحدث في كل مناطق العالم.. إذن اختار سارد "الحواصلي" أن يعذب شخصياته وأمعن في تعذيبهم بضربات الفؤوس والآلات الحادة وإحراق العروس، وأكثر من هذا حرمانهم من الاعتبار المعنوي متمثلا في اكتشاف القاتل الحارق.
كتب يوما "محمد شكري" عن رواية " الغريب" لألبير كامي: (أحيانا تكفي رصاصة واحدة، و"مرصول" أطلق أربع رصاصات أخرى على الجثة الهامدة...) وعن رواية أخرى (أعاد "راسكولنيكوف" الضربة الجزارية مرتين أخريين بكل قواه، أربع مرات أخرى ومرتين بكل قوة، هذا هو السؤال، وراسكولنيكوف إذا اختار الفأس فإنما اختار أن يضرب دون رحمة..)
اختيار الفأس هو اختيار للضرب دون رحمة، واختيار الفؤوس والآلات الحادة هو اختيار للضرب دون رحمة، ودون رحمة، ودون رحمة، بعدد الفؤوس وعدد الآلات... لكن..
في الختام " وتمضي الأيام وتظهر براعم صغيرة على أغصان الأشجار وبقيت الحشائش في البساتين محافظة على نضرتها وكأنها مصرة على أن تبقى خضراء"
إنها عودة من حيث بدأنا، عودة للجمال، وعودة للهدوء، مع اختلاف طفيف (أو ربما شاسع) هو أن بداية النص ركزت على "القمر، السماء، الفجر، النجمة، الأفق البعيد.." فيما خاتمة النص على الأرض "الأغصان، البراعم، الأشجار، البستان.."
موضوع النص إذن هو موضوع غير مستقر، .فهل يقدم هو الآخر رؤية رفضية؟ ثم ما الذي يرفضه؟.. إن عالم قصة "البئر" صورة مؤسلبة، ولعالم أكبر هو عالم متذبذب بين الفرح والحزن، متكسر بين السماء والأرض، بين الحب (الطفل/العروسة) والكراهية والتقتيل، إنه عالمنا نحن عالم ممزق، لم تسْعَ القصة لا إلى تصويره ولا إلى تغييره ولكن إلى الاحتجاج ضده، إلى رفضه، وربما إلى تجاوزه، ولو من خلال بقع صغيرة وربما غير متصلة ولا متجاورة (مثل مقاطع النص) ولكنها " مصرة على أن تبقى خضراء". إنها تيمة الامتداد والاستمرار الجميل.
وفي الختام فللأستاذ الحواصلي ملكة في الحكي واللغة أتعلم منها الكثير.
وأيها المبدع.. أعانقك.

محمد صباح الحواصلي
04/02/2007, 11:14 PM
عزيزي حسام

اشكرك على مداخلتك النقدية لقصتي القصيرة "البئر", واسمح لي أن أحييك على الجهد الرصين العميق الذي بذلته في معالجة النص. لقد جعلتني أقرأ نصي من جديد, عبر نقداتك, مرات ومرات, وأسبر دروبا فيه لم يطأها خاطري من قبل! فبعد عشرين عاما من كتابتي للنص جئت يا حسام وامسكت بيدي وأريتني ما لم أره في قصتي! أليس هذا دليل على أن الكاتب قد لا يعرف كل شيء عن نصه؟ وأن القاريء الواعي (الناقد في أعلى مراتبه) قد يكون أكثر فهما للنص واحتمالات تأويله من كاتبه؟
والقصة هي من وحي مجزرة حصلت خلال الحرب الأهلية اللبنانية في قرية "الجية", وقد جاء في الصحف أن عروسا قد احرقت, وطفلا وجدة قد شُق رأساهما بالفؤوس, وشاهد عيان أدلى بشهادته, فجرَّدت الخبر من ثوبه الصحفي, وألبسته ثوب القصة الفنية, دون أن يفوتني بأن أعود - عند نهاية القصة - بالقاريء إلى الأمل الذي لا بد من أن ينمو من جديد عقب كل مأساة تشهدها الإنسانية. لقد كانت عودة الأمل, وعودة الإخضرار الحتمي بعد شتاء قاس, تحد صارخ لقسوة وعنف المجزرة, وتأكيد على "ثيمة الإمتداد والإستمرار الجميل."
بقي أن أقول إنني حريص على أن ترسل لي عنوانك البريدي لكي أرسل لك نسخة من مجموعتي "منمنمات على جدران دمشق القديمة" التي احتوت قصة "البئر" وغيرها من قصص نشرت في واتا.. كما أرجو أن ترسل لي بريدك الإلكتروني على بريدي الإلكتروني: sabahhawasli@yahoo.com. وذلك رغبة مني بأن يكون بيننا تواصل آمل أن يكون دائما.
وتفضل بقبول فائق تقديري ومحبتي

محمد صباح الحواصلي

حسام الدين نوالي
05/02/2007, 12:25 AM
الأستاذ المبدع الحواصلي..
سعيد بتواصلك الجميل.. ويشرفني التورط في عالمك الابدعي.
وعنواني أرسلته إلى بريدك الالكتروني.
مودتي

زاهية بنت البحر
05/02/2007, 04:05 PM
جميل ماقرأته هنا نصًا لك أخي المكرم د.محمد صباح الحواصلي وقراءة للناقد القاص المبدع أخي المكرم حسام الدين نوالي ..جميل حقيقة أن نجد هكذا نصوص رائعة ,وهكذا قراءات مثرية ,دمتما بخير وإبداع..
أختكما
بنت البحر

اشرف الخريبي
08/02/2007, 08:58 PM
الصديق الغالي
ارسلت اليك الدراسة
لعلها وصلتك


لى عودة للنص تاليا


محبتى
اشرف

نزار ب. الزين
09/02/2007, 02:12 AM
أخي الكريم الأستاذ محمد صباح
الأستاذ حسام الدين نوالي كفى و وفى بتحليله للنص و أبعاده ، و لم يعد عندي ما أضيف سوى أنه عمل رائع ، و كم بودي أن أحصل على نسخة من مجموعة "منمنمات على جدران دمشق القديمة".
سلمت أناملك يا أخي و دمت مبدعا
نزار

محمد صباح الحواصلي
10/02/2007, 09:37 PM
أخي الكريم الأستاذ محمد صباح
الأستاذ حسام الدين نوالي كفى و وفى بتحليله للنص و أبعاده ، و لم يعد عندي ما أضيف سوى أنه عمل رائع ، و كم بودي أن أحصل على نسخة من مجموعة "منمنمات على جدران دمشق القديمة".
سلمت أناملك يا أخي و دمت مبدعا
نزار

على رأسي يا أستاذ نزار.. الكتاب سيحضر, ولا ينقصني الا العنوان. وهذا بريدي الإلكتروني إذا أردت ارساله:
sabahhawasli@yahoo.com

مع محبتي
صباح

محمد صباح الحواصلي
10/02/2007, 09:42 PM
جميل ماقرأته هنا نصًا لك أخي المكرم د.محمد صباح الحواصلي وقراءة للناقد القاص المبدع أخي المكرم حسام الدين نوالي ..جميل حقيقة أن نجد هكذا نصوص رائعة ,وهكذا قراءات مثرية ,دمتما بخير وإبداع..
أختكما
بنت البحر

أشكرك أستاذه زاهية على كلماتك الكريمة
ولك مني فائق التقدير والشكر
صباح