المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبد الودود في دولة اليهود..



غالب ياسين
07/12/2007, 10:16 AM
كان الأستاذ يتحرك بكسل وصعوبة، ويطلب مساعدة الطلاب بتعليق حبال الأعلام في الصفوف وساحة المدرسة، أعلام وصور لجنود ومجندات مبتسمين وكأنهم عائدون للتو من حفلة راقصة، وطائرات ودبابات جديدة لامعة مشهية وكأنها قطع الحلوي، وبدأ الطلاب يتدربون لعرض مسرحية في الغد، المشهد الأول عن التعليم في الحقبة التركية، الكتّاب والشيخ الفظ الذي يحب الحلاوة السمسمية والفلقة، الفصل الثاني عن التعليم في الحقبة الإنكليزية والمدرس هنا ليس فظا تماما ولكنه ليس ملاكا رحيما، وأما عبد الودود فقد اختير ليمثل دور المعلم في الحقبة الإسرائيلية، ولهذا سيكون أنيقا وسيكف قدر الإمكان عن التمخط بكمّه أثناء العرض، واحتفاء بالمناسبة قرر الحصول علي علم يعلقه علي عصا ويركض به محتفلا، لم يدرك وقتها أن دموع أمه وجدته ونواحهما الذي يضايقه أثناء تنجيد اللحف والمخدات وتنقية العدس والسمسم ونقر القرع إنما هي بسبب هذا الاستقلال الذي أبعد أخواله وخالاته وعماته الي المجهول وحوله هو نفسه الي نصف لاجئ من ناحية الأم، وهو طبعا لم يدرك أنه من أناس تطلق عليهم الحكومة تسمية (عرب أرض إسرائيل) وسيأتي يوم يصيرون فيه رقما (عرب 48)! كل ما يعرفه هو أنه طفل يريد علما!
فكر أن يسرق علما ولكنه تراجع لأنه يعرف أن من يسرق مصيره في الحياة الدنيا هو الوقوف في زاوية غرفة الصف علي رجل واحدة ورافعا يديه، وفي الآخرة يكون ملعونا في النار، ولهذا لجأ الي الوسائل السلمية فطلب من الأستاذ مؤلف المسرحية..علما!
ـ وشو بدك من العلَم؟
ـ بدي ألعب فيه!
ـ العلم ليس للعب.. قال الأستاذ!
ـ أرجوك أستاذ أعطني علما!
ـ لأ ممنوع..
ـ ليش؟
ـ لما تكبر بتعرف..
قرر عبد الودود أن لا ينتظــر حتي يكبر وبما أنه يخاف من المال الحرام،
فقد جاءته الفكرة، عندما عاد الي البيت أخرج ورقة رسم كبيرة وقلم ألوان أزرق ورسم خطين متوازيين علي مسافة معقولة، وبقيت المشكلة النجمة !حاول مرات ومرات ولكنها لم تزبط معه!وبعد جهود حثيثة وهدر كثير من الأوراق العزيزة تمكن من رسم شيء قريب جدا من النجمة السداسية!
أحضر عصا ودق العلم بمسمارين، وركض فرحا في ساحة العين ثم في الزقاق المؤدي الي المسجد مزهوا بعلمه وإنجازه...وفجأة قال له أحدهم .. ما هذا يا ولد؟
ـ هذا علم !
ـ علم شو يا ولد!
ـ هذا علم العيد ...
ـ أي عيد؟
ـ عيد الاستقلال ..
ـ إخص عليك، بفرجيك عند أبوك!
استغرب عبد الودود، فماذا تعني كلمة إخص هذه!وهل هي نفسها التي يقولونها للكلب عندما ينبح من غير مناسبة!
كان والده في المحجر يفتت ويفجر الصخور العملاقة بيديه وبالديناميت، وفي آخر النهار يستقبله عبد الودود عندما ينزل من سيارة (المعلم)، فيبتسم والده من خلال وجهه وشعره المبيض غبارا! ويمنحه شرف حمل شبكة الخيطان التي فيها (السفرطاس) الفارغ، وأحيانا يناوله أبياتاً من الميرمية أو الفيجن أحضرها معه من الجبل!
عندما عاد والده ونزل من سيارة (المعلم)، ركض رافعا العلم بيمينه! ابتسم (المعلم) لرؤية العلم بيد عبد الودود فترجل من السيارة ومسح علي رأسه وأعطاه حبة ملبس وقال بعربية مكسرة (إنتَ سُكر)، ولكن حبة الملبس كانت من النوع الحارق الذي لا يحبه ولن يحبه في السنوات القريبة التالية، ومضت سيارة (المعلم) وسط سحابة غبار، وعبد الودود في غاية الانشراح!
عندما ابتعدت السيارة وخلال مشيهما نحو البيت التفت والده اليه وقال له.. ما هذا بيدك يا عبد!
ـ هذا علم ...
ـ علم مين؟
ـ عيد الاستقلال..
ـ ولكن هذا مش مليح!
ـ ليش؟
ـ مزقت أوراقا من دفترك عشان ترسم العلم!
ـ آ ..
ـ إذا هذا العلم مش مليح!
ـ هل تشتري لي علما جديدا ؟
ـ لأ ..
ـ ليش؟
ـ لأنه مش مليح!
ـ طيب ليش مش مليح؟
ـ خلص قلت لك مش مليح... عندما تكبر تعرف ليش ...
ـ يابا الزلمة قال لي إخص عليك.
ـ أنا كمان أقول لك إخص عليك!
ـ ليش؟
ـ لما تكبر بتعرف..
تشوش فكر عبد الودود وسأل نفسه أيعقل أن لهذه البهدلات علاقة بالعلم!
وألح علي والده أن يأتي ليشاهده في المسرحية.
في اليوم التالي عُرض المشهدان الأولان ثم جاء دور عبد الودود ، وكان يحمل علما كبيرا من القماش في زاوية المسرح وفي الصف الأول رجال غرباء بملابس غريبة!
ـ بماذا نحتفل يوم غد يا شاطرين؟
ـ بعيد الاستقلال... رد الطلاب الثلاثة علي الخشبة..
ألقي نظرة علي الحضور كي يري والده ولكنه فوجئ باختفائه وبمكانه فارغا...تلعثم ولم يعرف كيف يواصل دوره! صار المؤلف يلقنه من وراء الستار كلمة كلمة، فقد نسي كل شيء كأنه ليس عبد الودود من الأمس، عندما انتهي العرض قالت له وداد أطول الفتيات في الصف الثالث.. إنت مش مليح.. وقال له أولاد وبنات من صفوف الروابع والخوامس.. إخص عليك.. وعندما سأل والده لماذا ترك المسرحية قبل نهايتها قال له...إخص إخص إخص ..
غضب عبد الودود وصار يبكي ويريد أن يعرف مصدر وسبب هذه (الإخص) !حينئذ أخبرته أمه بسر بكائها عندما تنقي السمسم والعدس وتنقر الكوسا، مرت عقود، وعرف عبد الودود الكثيرمن الأمور، وصار ينشد مع رفاقه أغاني من ألحان الأخوان فليفل... أما آخر الأمور التي أثارت اشمئزازه وجعلت قلبه يهتف دامياً.. موطني موطني... هي مطالبة أولمرت وبوش للعرب بالاعتراف بأن بلاده هي دولة اليهود.. وبدأت تتبلور في رأسه مسرحية حلمنتيشية بعنوان.. عبد الودود في دولة اليهود.
سهيل كيوان

طه خضر
08/12/2007, 07:56 PM
لا لوم عليه لو اعترف وباع وتاجر وخان وتآمر؛ فما هو إلا صغير جاهل!

لكن ما شأن من وهبهم الله عقولا ورؤوسا تنوء تحت ثقلها أجسادهم وهم يهرولون وراء الصهاينة ويتمسحون بأحذيتهم

وإن ضاق بهم أسيادهم ذرعا وبصقوا عليهم فلن يقولوا أكثر من أن هذا البصاق خير من ماء السماء !!!

لا تلوموا الصغار إذا جـُــنّ َ الكبار !!

غالب ياسين
15/12/2007, 11:55 AM
الاستاذ الكبير طه خضر
لك شكري وتقديري سيدي الفاضل على تكرمك بالرد الرائع والقوي