المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماهكذا تورد الإبل يا قاضي قضاة فلسطين



خليل الصمادي
09/12/2007, 12:45 PM
ما هكذا تورد الإبل يا قاضي قضاة فلسطين !!
خليل محمود الصمادي
أثارت فتوى الدكتور الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين بجواز القبول بإقامة الدولتين (دولة فلسطينية على الضفة والقطاع، ودولة إسرائيلية في باقي فلسطين التاريخية) ضجة كبيرة في أوساط المهتمين بالشأن الإسلامي والعربي والفلسطيني.
وقد اعتبر التميمي إلى أن الخطاب السياسي الإسلامي يقبل بإقامة دولة على الأراضي المحتلة عام 1967 بهدنة طويلة الأجل مع "إسرائيل" ـ كما طرحت أكثر الحركات الإسلامية بما فيها حماس ـ معتبرًا أن الهدنة طويلة الأجل تساوي الاعتراف .
وبرر التميمي فتواه المثيرة للجدل بأن أرض فلسطين ضائعة والحصول على جزء من الأرض مقابل الاعتراف أفضل من ضياع كل شيء، وقال: "حالة الضرورة السياسية الشرعية تقتضي ذلك في بعض الأحيان للحفاظ على جزء حتى لا يضيع كل شيء مقابل هذا الأمر (القبول بحل الدولتين والاعتراف المتبادل).
وأضاف: "الواقعية في الموضوع أنك لا تستطيع الآن أن تواجه هذا الكيان، وثبت أنه يحاربنا بكل إمكانياته ويستهدف الجميع، وجيل كامل لا يعرف القدس إلا من خلال وسائل الإعلام، وإذا تحقق شيء أفضل من أن يضيع كل شيء، وهذا لا يتنافى مع الإسلام بل الإسلام يدعو لذلك".
واعتبر قاضي القضاة أن الفلسطينيين واقعون تحت الإكراه الذي يدفعهم للاعتراف بإسرائيل، مشيرًا إلى أن إقامة دولة فلسطينية ستكون ضمن اتفاق مع الإسرائيليين، وهذا يعني أنك تقبل أن تكون دولة فلسطينية مع الدولة الإسرائيلية، وهدنة طويلة الأجل تساوي الاعتراف لأنه كيان موجود".
ثلاثة قضايا هامة طرحها قاضي القضاة ضمن فتواه:
أولها الهدنة تساوي الاعتراف!!
والثانية الرضا بربع الكعكة أو عشرها خير من لا شيء،
والثالثة الشعب الفلسطيني مكره على الاعتراف بالأعداء والمكره مرفوع عنه القلم.
هل الهدنة تساوي الاعتراف؟
هذا ما ذهب إليه قاضي القضاة، ولا أدري على أي دليل استند أو اعتمد.فهناك فرق واضح بين الهدنة والاعتراف فأنا قد أهادن عدوي أو أوقع معه الاتفاقات دون أن أعترف به ، وهذا ما حصل للمسلمين في تاريخهم من لدن رسول الله إلى آخر الاتفاقات التي تمت مع المحتلين البريطانيين والفرنسيين وغيرهم في القرن الماضي .
فلما عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم صلح الحديبة مع مشركي قريش لم يعترف بأحقيتهم في فرض سياستهم وقوتهم على مكة والبيت الحرام. وكذا لم يعترف بنظام المشركين أيام البعثة الأولى بالرغم من ضعفه وحاجته لحلفاء ومساندين ، وبالرغم من الإغراءات التي قدمت له وأهمها الاعتراف المتبادل بينه وبين نظام قريش " لا أعبد ما تعبدون " وحديثه مع عمه أبي طالب مشهور ومتواتر يوم عرض عليه المشركون إغراءات عديدة ( يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه)
وعقد صلى الله عليه وسلم هدنة مع المشركين في المدينة وكتب صحيفة المدينة التي أمن اليهود فيها علي معتقداتهم وأموالهم، كما أمن الطوائف الاخري هناك علي ألا يخونوا المسلمين، ولايتحالفوا مع أعدائهم. وجمع الرسول عليه الصلاة والسلام في يديه بين السلطة الروحية والسياسة، ولا تعني هذه المعاهدة قبول حكمهم أو دولتهم، ولم يرض أبدا بإقامة دولة لهم .
وكذا عقد الخلفاء الراشدون معاهدات واتفاقات مع اليهود وغيرهم دون أن يعترفوا بسيطرتهم السياسية والعقدية على البلاد وقد أجلى عمر بن الخطاب اليهود من جزيرة العرب بعد أن نكثوا معاهدتهم مع المسلمين.
وعقد صلاح الدين الأيوبي هدنة مع الفرنجة بالرملة وغيرها ، فهل يعني ذلك أنه اعترف للصليبيين بأحقيتهم بالقدس وفي فلسطين وبالأراضي التي كانوا قد بسطوا أيديهم عليها؟
إذن هناك فرق واضح وجلي بين الاعتراف وبين المصالحة أو المهادنة.
إن الفقه الإسلامي يحرم الاعتراف بالغاصب أو التنازل عن شبر واحد من أرض المسلمين فضلا عن مقدساتهم، وهذا الاعتراف سيؤدي إلى الإقرار بهذا التنازل، ومن هنا يصبح هذا الاعتراف جريمة محرمة على مستوى جموع الأمة".
وفي التاريخ المعاصر نجد أن أغلب الدول العربية التي استعمرت من قبل الدول الاستكبارية وقعت معها معاهدات واتفاقات ولكن لم نجد أية دولة بالرغم من الضعف والإكراه اعترفت بشرعية الاحتلال البريطاني أو الفرنسي أو الإيطالي أو غيره .
حتى لو أراد الحاكم أو صانعو القرار أو الفرار أن يعترفوا بالكيان الصهيوني فلا يحق لهم ذلك لأن فلسطين كما يقول الفقهاء والمتبحرون بالتاريخ الإسلامي وقف إسلامي وهي حق لكل مسلم يقول لا إله إلا الله عربيا كان أم أعجميا؛ "هذه أرض أوقفها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجعلها حكرا محبوسة لكل ذراري المسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فأرض فلسطين أرض وقف إسلامي تختلف عن بقية البلدان الإسلامية؛ "فهي موقوفة على المسلمين فلا يجوز من وجهة نظر شرعية أن تكون موقوفة على غيرهم، فهي للمسلمين ولا يجوز أن تكون لغيرهم .
هناك مخارج فقهية للقبول بدولة فلسطينية بجانب "إسرائيل" كأمر واقع، "عن طريق هدنة طويلة بين أعدائنا بحيث لا نعترف بهم كغاصبين، ولكن من الممكن أن نتعامل مع واقع، وإذا ما انتهى هذا الواقع وتوفرت القوة للمسلمين فعليهم أن يعملوا على تحرير أوطانهم، أما أن نعترف باليهود ثم نعود بعد ذلك ونسحب الاعتراف فهذا لا يجوز بأي حال من الأحوال.
وأما إشارته إلى قبول ما هو معروض خير لنا من لا شيء فهذه حجة لا أساس لها من الصحة لعدة أسباب منها:
إن اليهود لا يعطون شيئا معتبرا وهم يجاهرون بذلك فلو أعطوا يعطون ما يريحهم ويخفف العبء عنهم كغزة مثلا ، ولنا في مفاوضاتهم من أوسلو حتى أنا بولس خير دليل وثانيا إن الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون والعرب والمسلمون هذه الأيام لا شك أنه من أسوأ الأيام ، ولكن تباشير التغير قادمة وإرهاصاتها هنا وهناك ، والنتصر قادم لا محالة ودولة العدل إلى قيام الساعة، ودولة الباطل ساعة، وهذه إسرائيل تعيش في دقائقها الأخيرة فلمَ الاستعجال وتلطيخ مسيرتنا النضالية بما يندي الجبين؟ فهل هذه السنوات الطويلة من الجهاد والنضال والثبات تذهب هباء منثورا؟ وهل مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى تستحق هذا الفتات الذي سيعرض على الفلسطينيين، في كانتونات ممزقة الأشلاء، لقد صبر الجزائريون 130 سنة ونيف ونالوا اسقلالهم وقاوم السود في جنوب إفريقيا حتى أجبروا النظام العنصري على الخضوع لإرادتهم وووو....
أما الحجة أو التبرير القائل إن الاعتراف يأتي تحت الإكراه، وإن من حق الأجيال القادمة إذا اشتدت شوكة المسلمين التنصل من هذا الاعتراف على أساس أنه جاء تحت الإكراه وبالتالي لا يعتد به. فالقضية لا تدخل في باب الآية الكريمة {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}، فالآية الكريمة تتحدث عن الصعيد الشخصي فقط، لا على صعيد الأمة!! سبحان الله هل صرنا نلوي أعناق الشواهد حتى نرضي من يتربص بنا ونقول : قال الله وقال الرسول !!
إن الإكراه لا يكون على ثوابت الأمة وعقيدتها ولا على الأوطان وحقوق الناس إن هذه الفلسفلة لا يلجأ إليها إلا من تنطبق عيهم قوله تعالى: "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون" (البقرة: 75)
إن واقع الفلسطينيين الآن لا يعتبر إكراها هناك فرق بين إكراه الشخص وإكراه العالم أو الحاكم المستبد "فللإكراه ضوابط، منها الإكراه المنجي وهو أن يكون الإنسان معرضا للهلاك والموت"، إن ما يجري للفلسطينيين لا يدخل في هذا النطاق؛ ما زال الأمر متسع في الصبر والمقاومة" " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ".
خليل محمود الصمادي
عضو اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين