المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كهانة المتنبي قصة



عزالدين جلاوجي
09/12/2007, 02:40 PM
كهانة المتنبي

أعلن هذا الصباح عن موت فتاة في الثامنة عشرة من عمرها.. قيل إنها (قتلت) نفسها.. هكذا قالوا.. وقد وضعتُ كلمة قتلت بين ظفرين حتى لا تتسرب عدواها إليك وإلى غيرك ممن يقرأها.. واتفقوا جميعا على أنها في ريعان الشباب، وأنها في ربيع العمر، وأن ما أقدمت عليه هو عمل صبياني يدل على طيش وتهور، وأجمعوا أنها في نار جهنم.. في سقر.. في أخطر دركة من دركات العذاب.. لأن الروح وهبها الله.. وهو وحده الذي يمكن أن يأخذها ويتصرف فيها كيفما يشاء.
وقد ركزت القنوات الأجنبية هذه الأيام على الحرب الضروس التي تدور رحاها في الشيشان والبوسنة، متهمة في الوقت نفسه جوهر دوداييف بأنه زارع للإرهاب الدولي، وبأن عزت بيقوفيتش دبلوماسي خطير يحسن المناورة والتهرب من الفخاخ المنصوبة له، أو على حد تعبير أحدهم يفجر القنابل التي وضعت له في واضعيها.
علق أحد الشيوخ بلسان الحكيم وهو يحدث فتى يتقد حماسا ويضطرم حيوية:"ياولدي أولها رومية وآخرها رومية، هكذا قال العارفون، والثورة ضد قضاء الله كفر يا ولدي، والمكتوبة في الجبين لا تمحوها الأيادي".
أنا أحب المتنبي..
هذا الأعمى الذي أراه أمامي أصبح يثير عجبي ودهشتي ليس لأنه أعمى بل لأن أكثركم أعمى ولا يستطيع أن يرى إلا ما يحط على أرنبة أنفه المجدوعة، فهو رغم ذلك يكلف نفسه العناء، ويخرج مع الصباح الباكر إلى سوق الجملة، يملأ عربته اليدوية خضرا ويدفعها أمامه إلى ساحات الحي وشوارعه ليبيع تلك السلعة، يستغل هامش الربح فيها ليسد رمق أولاده، وهو يحلم بأكثر مما يحلم أحد منا..
حدثني مرة قال:"العين نافذة والرؤية مكمنها المصباح الدري الذي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يضيء زيتها ولو أحاطت به أسوار الغشاوة.. حافظ يا ولدي على المصباح الدري.. احمه من العواصف والزوابع واختر له أطيب الزيوت.." سمعه شاب مفتول العضلات، يملأ الوشم الأزرق ذراعيه، وعلى أذنه اليسرى قرط هندي، وظيفته في الحياة معاكسة الفتيات والتعليق على المارة:"من أحبه الله حسن خلقه".
آه معذرة نسيت أن أحدثكم عن المتنبي..
ياكوكبا دريا في أفق عزنا..
ياسيفا يمانيا في نحور ذلنا..
تحاصرني كلماتك الحلوة.
أحلى من عيون الجميلات..
أحد من الرماح القاتلات..
اصرخ في أذنيَّ... .
اصرخ في آذاننا... .
يا... . من ضحكت من جهلها.
لا تزد.
اسمع لحديث الإمام.
حدثنا إمامكم إمامنا في خطبة سابقة، قال محللا كلمة ديمقراطية:"الأصل فيها دمقرط الدال لا محل لها من الإعراب كالشين والجيم و... أما مقرط يمقرط مقرطة فمعناها أكل المقروط، والمقروط هو ألذ حلوى شعبية تنتجها أنامل نسائنا.
ثم أورد لنا حديثا طويلا عنعنته أكبر من متنه لم أحفظ منها إلا مايلي:
"حدثنا أحدهم عن أحدهم عن جده عن حبيبته عن حليلها عن خليله عن أمين وهو من رواة الحديث المتواتر في مسند نوح بن أبي مريم: "أن المتنبي شر الناس، وأن أعظم سِفر يتلى هو الإيضاح في علم النكاح ما تمسكت به أمتي اهتدت وما تركته ضلت".
أما في الخطبة الأخيرة فقال:"عليكم بالسمع والطاعة ولو تأمر عليكم لص زنديق، فطاعة أولي الأمر طاعة لله".
أعلم إخواني أصدقائي أعدائي أن كلامي هذا ممل، وأنه خلط، وأنه عسى ربما لعل قد لو إن.. يكون سفسطة وأعرف أنكم تقولون في قرارة أنفسكم قطع الله لسانه.. لا بأس لأن لساني أصلا مقطوعة.. عندي قلمي فإن كسرت فسأشتري أخرى، وإن لم أستطع أن أشتري فسأسرق، وإن لم أستطع أن أسرق فسأكتب بغير القلم.. وغير القلم مجال رحب لكل التخمينات.. سأفتح لكم ظفرين وضعوا بينهما ماشئتم (... ... ... ) وأنا أعذركم حين تتقززون من هذا الكلام لأن أمعاءكم لم تتعود على هضم مايشاكله.
مر بي جيش عرمرم.. خميس بشرق الأرض والغرب زحفه وفي أذن الجوزاء منه زمازم.. عرفته على التو أقصد أني عرفت فيه بعض الجند.. خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وكان قائدهم الثعلبي من بني ثعلبة.. وكانوا جميعا مدججين بأسلحة لا نظير لها مكتوب عليها صنع دونكيشوت وكانت الرايات تخفق في الأفق خضراء مكتوب عليها عبارة واحدة "جيش الخلفاء" تحيرت.. سألت أحدهم عن معنى كلمة خلفاء فجاءني بقاموس من المعاني... "اختلاف أمتي رحمة.. وخلوف فم الصائم.. وخلف من بعدهم خلف.. وخلف در.. والمخلفون من الأعراب.. وخالف تعرف... .." وفررت من أمامه كارها لهذا الركام من الألفاظ التي لا تحتمل.
وأسرعت إلى غيره فسألته إلى أين المسير فأخبرني أنهم سائرون لدعم الحلفاء.. والحلفاء كما أخبرت مشتقة من الحَلفاء كما أخبرت أنهم سائرون لمحاصرة الحجاج بالكوفة وشرذمة من الخوارج بالبحر الميت.. نعم لأن الخوارج حين رموا في بحر العرب عادوا إلى الحياة فليرموا هذه المرة في البحر الميت.
أما أسماء فقد علمت من مصادر قيل إنها جد مطلعة، أنها قد زارت ساحة المعركة لمقابلة ابنها المقاتل في صفوف المتمردين لتلقنه آخر آية نزلت من سدرة العرش وهي آية جحا، ونصها المتواتر المحفوظ في الصدور "إذا احترقت قبيلتي فلينج بيتي.. وإن احترق بيتي فلينج رأسي".
ورأيت المتنبي في ثياب درويش يصيح بملء فيه:"يا.. جهلت.. أضحكت نفسها.. غيرها" استغشيت ثيابي فانطلق مهرولا.. حين لحقت به وجدته في سوق العصر يمارس الكهانة، وحوله جمع من الكهان يرددون: "نقسم بالذئب الأطلس.. والثعبان الأملس.. أن أبا الطيب فينا رئيس المجلس.. وصاحب العز الأقعس.."
أما الناس فكانوا يهرعون كحمر مستنفرة فرت من قسورة، يتجهون إلى خيمة نصبت هناك، ترتفع فيها رائحة الشواء، ويقف على بابها البديع الهمذاني، يصيح في الناس:" السوق أقرب.. وطعامه أطيب.. شواؤنا يتقاطر عرقا.. وتتسايل جذاباته مرقا.. حلواؤنا ليلية العمر.. يومية النشر.. تذوب كالصمغ.. قبل المضغ"
لم أدخل خيمة الهمذاني على الإطلاق لأنه لم يكن لي عقد على نقد، بل عدت أدراجي إلى المقبرة لأحضر جنازة الفتاة الحسناء، صاحبة الثامنة عشرة، لكن الدفن لم يتم لأن الناس اختلفوا في جواز الصلاة عليها من عدمه.. وراح كل فريق يسرد أدلته وشواهده.. ووصل الحد ببعضهم أن جعلها في درجة الشهداء، لأنها عشقت فكتمت فماتت دون ذلك.
أما أنا فقد عدت إلى بيتي في انتظار الإعلان عن موعد الدفن.

حنين حمودة
13/12/2007, 07:04 PM
أستاذي عز الدين،
ما هذه الافكار المتداخلة المتشعبة!!
لقد لخمت فكري المتواضع!
انت مبك مضحك فيما وصلني..
آية جحا!! تفسير الحلفاء ..

حين تصلي الجنازة ادع لي بالفهم والهداية.
المشكلة انهم قد لا يصلوها لان الفتاة كافرة
فقد قتلت نفسها!