المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليم كما يراه أهله (2 من 2)



GHASSAN IBRAHIM
14/12/2007, 09:02 PM
الاستفادة من دروس وتجارب دول العالم النامي لمحو الامية
{عرض لتجارب تخص العملية التعليمية للاطلاع وايضاح ماورد من معلومات في مقالي ("أمّة إقرأ".. آخر من يقرأ) على الرابط التالي: http://arabswata.org/forums/showthread.php?t=21587 }
التجربة الخامسة: الأطفال المتوارون
يشكل الأطفال أكثر من نصف سكان الأحياء الفقيرة في مدن بنغلادش، أي حوالي 15 مليوناً من الصبيان والفتيات، ويُضطر 8 ملايين منهم تقريباً للعمل لمساعدة عائلاتهم. وقد أطلقت الحكومة مشروعاً تعليمياً للعمال الصغار، بكلفة سنوية تبلغ 35 دولاراً للطفل، مانحة إياهم بذلك فرصة لتغيير مجرى حياتهم.
وتقول شيزاز سيدفه، صحافية هندية تعنى بشؤون التعليم في الهند وبنغلادش: "لقد مضت ثلاثة أعوام منذ أن بدأت حسنيارا، التي تبلغ اليوم 12 عاماً، بكسر الأحجار يومياً بواسطة مطرقة ثقيلة. لكن حياتها تغيرت، قبل عامين، عندما أصبحت تمضي ساعتين في اليوم في مركز للدراسة بالقرب من منزلها، في أحد الأحياء الأشد فقراً في دكا، ببنغلادش. وهي تقول بنبرة لا تخلو من الفخر: "كان رب العمل يحتال علي، لكنه ما عاد قادراً على ذلك بعد الآن، لأنني تعلمت الحساب". كما أن فرزانة، التي تبلغ 11 عاماً وتعمل في أحد المنازل، تبدي فخرها لتمكنها من عدّ النقود التي يردّها لها البقال. أما الأمين، البالغ 11 عاماً، فهو سعيد للإفلات من عمل شاق في أحد المصانع منذ أن ساعد أباه على فتح متجر لخدمات الهاتف والفاكس – بعدما تلقى، هو أيضاً، تعليماً أساسياً في مركز للدراسة يقع على مقربة من الحي المعدم الذي يقيم فيه".
وتتابع سيدفه: إنهم ثلاثة أطفال من بين آلاف استفادوا من مشروع التعليم الأساسي لأطفال الحضر الذين يصعب الوصول إليهم. يخضع المشروع لإدارة مكتب التعليم غير النظامي التابع لحكومة بنغلادش ويحظى بدعم اليونيسيف. أطلق في عام 1997، وانتهت مرحلته الأولى في حزيران/يونيو 2004. وقد بات في مرحلته الثانية التي ستتواصل حتى عام 2009. فهو يوفر التعليم الابتدائي الأساسي للأطفال الذين يواصلون العمل. وعلى الرغم من أن القضاء على عمل الأطفال يمثل هدفه النهائي، فإن المسؤولين يعترفون بأنه ليس ممكناً بعد التخلص من هذه المشكلة في بلد يُضطر حوالي 7،9 مليون طفل للعمل لمساعدة عائلاتهم.
يصعب الوصول إلى هؤلاء الأطفال لأن الكثيرين منهم يعملون بشكل غير مرئي، وراء أبواب مغلقة. وغالباً ما يعملون خدماً في منازل خاصة أو ينفذون مهاماً شاقة في ورش لا تخضع لأي قواعد أو تنظيم، ويجري فيها استغلالهم تماماً في أغلب الأحيان. "نسعى إلى إعداد الأطفال لاختيار أفضل الفرص المتاحة أمامهم بعد اكتسابهم تعليماً أساسياً"، تقول شميمة صديقي، أخصائية التعليم لدى اليونيسيف في دكا ، والمكلفة بالإشراف على البرنامج.
قصد حوالي 150 339 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 8 و14 عاماً هذه "المدارس المؤقتة" (كما يحلو للبعض تسميتها) خلال المرحلة الأولى. وقد أنشئ ما لا يقل عن 550 11 مركزاً في 6 مدن لاستقبالهم. كما قسِّمت الحصص الدراسية إلى مجموعتين للتكيف مع دوام عمل الأطفال، وهي تحصي 30 تلميذاً كحد أقصى في كل حصة. وزوِّدت المواد التعليمية للتلامذة، دون أن يُفرض عليهم القيام بأي واجبات مدرسية في المنزل.
وعلى ضوء نتائج الدراسات والتقييمات المنجزة خلال المرحلة الأولى، أدرجت تعديلات استراتيجية عدة على المرحلة الثانية، بحسب شميمة صديقي. فبات المشروع يستهدف مجموعة أكبر سناً، تتراوح أعمار أطفالها بين 10 و14 عاماً، نظراً لتمتعهم بفرص أقل بعد للاندماج في التعليم النظامي. وسيجري تسجيل 000 200 طفل في 000 8 مركز جديد بحلول حزيران/يونيو 2008 (بدأ 310 3 منها بالعمل). كما مُدِّدت فترة التعليم الأساسي التي تتيح للتلامذة بلوغ مستوى معادل للسنة الثالثة في المدرسة الابتدائية، فأصبحت تمتد على 40 شهراً، بينما كانت تستغرق عامين في البرنامج السابق.
وسيتم التركيز أيضاً على التدريب المهني، علماً أنه خلال المرحلة الأولى، درِّب 000 1 تلميذ في مجالات مهنية عدة في مدن دكا وسيلهت وباريسال. وسيتلقى 000 20 طفل تتجاوز أعمارهم 13 عاماً تدريباً مهنياً، علماً أنهم يعملون في الأصل. وسيعمل المشروع على مساعدة الأطفال الذين تلقوا تدريباً في إيجاد عمل أو المبادرة في إطلاق عملهم الحر، ومواكبتهم لمدة 6 أشهر. كما سيُوجه الأطفال الذين لا يتم استبقاؤهم للتدريب المهني نحو أنشطة توفرها هيئات مختصة أخرى.
يقع عدد كبير من مراكز الدراسة على بضع خطوات من الأحياء الفقيرة في المدن، حيث يوجد تركيز قوي للأطفال العاملين والمحرومين من الخدمات الأساسية ومن فرصة الذهاب إلى المدرسة. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من خمس سكان بنغلادش (140 مليون نسمة)، أي حوالي 28،8 مليون نسمة، يعيشون في المدن. ويمثل الأطفال حوالي 56% من سكان الأحياء الفقيرة – أي ما يناهز 15 مليوناً من الصبيان والفتيات.
"معظم المعلمين من النساء. فهن في موقع أفضل لمخاطبة الأهل وإقناعهم على إرسال فتياتهم إلى قاعات الدرس"، يؤكد ريازول قادر، مدير المشروع والأمين المساعد في المكتب الوطني للتعليم غير النظامي. ونظراً إلى تعرض الفتيات، بشكل خاص، للعنف والاستغلال، خصوصاً متى عملن لدى أفراد، وحرصاً على تحسين سياسة المساواة بين الجنسين، تحاول مراكز الدراسة بلوغ نسبة لتسجيل الفتيات تقارب 60%.
"لم يواجه المشروع صعوبات تذكر حتى الآن"، يقول ريازول قادر. "لكن إحدى المشاكل الرئيسية الماثلة أمامنا هي النسبة المرتفعة للانقطاع عن الدراسة، والتي تزايدت أخيراً، إذ أنها ارتفعت من 20% إلى 30%". ويوضح أن نسبة الانقطاع تعزى، بشكل أساسي، إلى عمليات الطرد من الأحياء الفقيرة، مما يرغم الناس على البحث عن سقف جديد كل شهرين أو ثلاثة. ويضيف قادر: "لقد قررت الحكومة وضع حد لعمليات الطرد بهدف تحسين المواظبة على الدراسة. فالأطفال سعداء جداً للمجيء إلى مراكز الدراسة لأنهم يدركون أن التعليم، في النهاية، سيغير مجرى حياتهم".
ويشار أخيراً إلى أن الحكومتين السويدية والكندية هما من أبرز الجهات المانحة لهذا المشروع الذي شهد استثمار 39،5 مليون دولار حتى الآن، أي كلفة سنوية تبلغ 35 دولاراً للطفل.


التجربة السادسة: متعاقد وليس راضياً

تقول دورين إيكوي، صحافية من الكامرون: "ان الموظفين المتعاقدين في الكامرون يشكلون نسبة 53% من عدد المعلمين في المرحلة الابتدائية. وهم يتقاضون دخلاً أدنى من الموظفين الحكوميين، مع العلم أنهم، أحياناً، أفضل تدريباً منهم. كما أنهم يعملون حالياً على تشكيل نقابة للمعلمين المتعاقدين."
فنسنت بيكونو مستغرق في التفكير وراء مكتبه في أحد صفوف التعليم الابتدائي، في مدرسة "ميلين" الحكومية (ياوندي)، بينما تلامذته – 20 صبياً و20 فتاة – على وشك الانتهاء من أول اختبار لهم في مادتي التاريخ والجغرافيا لهذه السنة. "إنني محظوظ، يقول بيكونو. فلقد أثمر التعاون مع الدولة اليابانية في الكامرون عن بناء ثلاث مدارس في دائرتنا، مما خفف من عدد التلامذة في قاعات الدرس، في حين أن المعلمين في أحياء أخرى مثل "مبالا 2" و"نلوغكاك" و"تسينغا"، يتولون التعليم في صفوف مؤلفة من مائة تلميذ. وفي مدرستنا أيضاً، ما زالت بعض القاعات في أولى مراحل التعليم الابتدائي تحصي 95 تلميذاً".
وبالنسبة لهذا المعلم، فإن "حظه" يتوقف عند هذا الحد. فهو حائز على شهادة الكفاءة المهنية للتعليم الابتدائي والمبكر والعادي، وقد سلك درب التعليم صدفةً، بدافع الضرورة وليس الرغبة. "بعد حصولي على إجازة في مادة الحقوق، كنت عاطلاً عن العمل. وفي أحد الأيام، نصحني صديق لي بالخضوع لامتحان الدخول إلى دار المعلمين. نجحت في الامتحان، وفي عام 1998، بدأت بممارسة مهنة التعليم كموظف مؤقت. سلكت هذا الاتجاه لأنه لم يكن أمامي أي خيار آخر". ولا بد من الإشارة، هنا، إلى أن تسعة أشهر من التدريب كافية للحصول على شهادة التعليم في الكامرون.
انتظر فنسنت بيكونو 8 أعوام قبل أن ينتقل من رتبة معلم مؤقت إلى رتبة معلم متعاقد. ففي عام 2006، استفاد 300 10 معلم من هذا التحول الذي أتاح لهم كسب مزيد من المال. لكن شروط عملهم ما زالت غير مرضية. "فممارسة مهنة التعليم في الكامرون ليست ممتعة جداً. وإذا كنت، فوق ذلك، موظفاً متعاقداً، فسوف تشعر بالتهميش والإحباط"، يبوح لنا فنسنت بيكونو،الذي يتقاضى راتباً شهرياً بمقدار 000 99 فرنك بعملة الجماعة المالية الأفريقية (ما يعادل 158 دولار)، أي أقل بكثير من راتب الموظفين الحكوميين المبتدئين في المهنة، والذين يتقاضون 000 140 فرنك.
صحيح أنني لم أكن أتقاضى، بصفتي معلماً مؤقتاً، أكثر من 000 55 فرنك على مدى 10 أشهر من أصل 12 شهراً نظرياً. لكن في الواقع، وفي أغلب الأحيان، لم أكن أتلقى دخلي لأكثر من 7 أشهر على 12 شهراً في السنة... أما اليوم، فأنا أتقاضى راتبي كموظف متعاقد كل شهر". كما أن هذا الدخل أعلى بكثير مما يجنيه المعلمون في القطاع الخاص، الذين يتقاضون ما بين 000 20 و000 50 فرنك (أي ما يتراوح بين 40 و100 دولار) على مدى 8 أو 9 أشهر في السنة، تبعاً لمزاج رب العمل. لكن بيكونو يعتبر أن راتبه يجب أن يكون معادلاً لراتب زملائه من الموظفين الحكوميين. ويوضح قائلاً: "إنه نوع من التمييز. فنحن نمارس المهنة ذاتها ونضطلع بكمية العمل نفسه، إضافةً إلى أن المتعاقدين يتمتعون أحياناً بمؤهلات تفوق مؤهلات الموظفين الحكوميين. فهؤلاء ينجحون في امتحان التعليم أحياناً بشهادة الدروس التكميلية فقط". ثم يعرب عن استيائه لتقاضي دخل زهيد لا يسمح له بالعيش بحشمة ويجبره على السكن في منزل والده. ويضيف أن زوجته انفصلت عنه بعدما ملّت من سماع المعزوفة ذاتها عن "تحسن مفترض لوضعه".
يحتل المعلمون المتعاقدون موقعاً هاماً جداً في النظام التربوي في الكامرون، بحسب فنسنت بيكونو الذي يوضح: "في مدرسة "ميلين" الحكومية، يبلغ عدد المتعاقدين 7 معلمين لقاء 3 موظفين حكوميين هم مديرة المدرسة والسكرتيرة ومعلم". كما أن وزارة التعليم الأساسي تعترف بأهمية المعلمين المتعاقدين إذ تحصي، في إطار نفقاتها المتوسطة الأجل (2007) 600 13 معلماً متعاقداً فضلاً عن ملء 5500 وظيفة تعاقدية جديدة في أيلول/سبتمبر الماضي. وبحسب تقرير الدولة الخاص بالنظام التربوي الوطني، يشكل المتعاقدون 53% من عدد المعلمين في المرحلة الابتدائية.
ويُكلف بيكونو، بصفته معلماً، بتأمين 10 حصص دراسية لتلامذته كل أسبوع، من الاثنين إلى الجمعة، من الساعة 7:30 حتى 14:30. وهو يقول إن "كمية العمل هائلة. فأنا أدرّس مادة قواعد اللغة والإملاء والرياضيات والتاريخ والجغرافيا واللغة الإنكليزية... والرياضة! ولحسن الحظ أن عدد تلامذتي ليس مرتفعاً، وتصحيح الواجبات المدرسية لا يتطلب مني وقتاً طويلاً". ويختم بالقول إن نقابة للمعلمين المتعاقدين سوف ترى النور قريباً بهدف تحسين عملية التشاور فيما بينهم.

**************************
*مقال من ملف ("أمّة إقرأ".. آخر من يقرأ) الذي نشر في العدد 134 من صحيفة "العرب الاسبوعي". في حال رغبتكم في الكتابة في الصحيفة يمكنكم الاتصال بالايمل التالي:
ghassan.ibrahim@yahoo.co.uk