المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بـورتـريـــه



محسن رشاد أبو بكر
16/12/2007, 04:40 AM
بورتريه


الزاوية الأولى : روتيــن

... بعد أن يتناول إفطاره فى تمام السابعة صباحا ، يتصفح الجريدة وهو يحتسى الشاى ... يرتدى ملابسه ... يقبل زوجته ويغادر فى تمام الثامنة إلا الربع متوجها إلى عمله.

... فى طريقه إلى العمل يتوقف –مجبرا- أمام "مزلقان" السكة الحديد الذى يغلق يوميا فى تمام الثامنة إلا خمسة دقائق لمرور "القطار السريع" الذى لا يتوقف فى بلدته الصغيرة .. لم يفكر يوما فى الخروج من منزله مبكرا أو متاخرا فقط خمسة دقائق فيتجنب الانتظار .. يفضل أن يستغل تلك الدقائق فى التأمل.


بينما هو مستغرقا فى تأملاته عن أسرته .. عن بلدته .. عن وطنه .. وعن العالم الذى أصبح على مقربة منه عبر القنوات الفضائية ... يسمع صوت جرس عال فيعرف أنه "القطار السريع" قادم ، وبعد أن يعبر القطار مخلفا ورائه غبار كثيف ، يسمع "لطفى أفندى"صوت السلسلة الحديدية ، ينزعها ، عامل السكة الحديد القابع هنا منذ عشرات السنين ، من على جانبى الطريق ، ويلقيها على الأرض فتحدث ضجيجا خفيفا يتوارى خلف ضجيج الناس والسيارات والدواب التى تبدأ فى عبور شريط السكة الحديد متوجهين إلى الجانب الآخر من البلدة لممارسة روتيناتهم اليومية.


الزاوية الثانية : خيالات

كثيرا ما سيطرت عليه رغبة قوية فى رؤية بورتريه لذلك "القطار السريع" ، وقبل أن ينزع هذه الرغبة من خياله يكون القطار قد مرق سريعا ، فيفتح المزلقان ، ويعبر شريط السكة الحديد .. ذاهبا إلى عمله بمصلحة الموازين والمكاييل ، مثل كل يوم ، يتابع مهام وظيفته دون همة ونشاط ، وطبعا دون خيال وإبداع ، فهو مجرد كاتب حسابات.


الزاوية الثالثة : بورتريه

... بينما جموع الناس والسيارات والدواب ساكنة إلا من حركة العيون تتابع لحظة مرور القطار السريع ورفع السلسلة التى تفصل بينهم وبين العبور إلى روتيناتهم اليومية فى الجانب الآخر من البلدة .. يتقدم .. فجأة ... مخترقا جموع الناس والسيارات والدواب ، يرفع قدميه النحيلتين ليعبر السلسلة الحديدية ، يتوجه ناحية شريط السكة الحديد ، يلف جسده النحيل ويقف معتدلا بعينين صاغرتين إلى "القطار السريع" القادم.

... يعلو صوت نفير القطار... تعلو أصوات أبواق السيارات ... تنهق الدواب والحمير ، يصرخ عامل السكة الحديد ، القابع هنا منذ عشرات السنين ، يعلو أصوات الناس تنادى عليه ، "لطفى أفندى" ، قبل أن يدهسه القطار.


لا يعبأ بالأصوات ، كأنه لا يسمع ، أو ، كأنه اختزل كل حواسه ، فى البصر فقط ، لرؤية بورتريه "القطار السريع" القادم الذى يقترب أكثر فأكثر بشموخه وعنفوانه وقسوته.

... يستمر فى الوقوف معتدلا ثابتا حتى يرى بورتريه واضح للقطار ، وقبل أن يدهسه القطار بثوان كان قد أدار جسده النحيل بمنتهى الهدوء ، سار خطوات قليلة حتى السلسلة الحديدية ، رفع قدمه اليمنى وتجاوزها ، تبعتها القدم اليسرى ، وواصل السير ، فى جوف الجانب الاخر من البلدة ، وترك جموع الناس الواقفين ، المندهشين ، هناك عند شريط السكة الحديد ، عميانا صم بكم ، بعد أن امتلأت أعينهم الصاغرة وأفواههم الفاغرة ، بالغبار الذى دائما ما يخلفه القطار السريع الذى لا يتوقف عند بلدتنا الصغيرة.

تمت
أبـو بكـر

محمد فؤاد منصور
16/12/2007, 08:03 AM
الأخ العزيز محسن رشاد أبو بكر
فى حذق وحرفية كاتب متمكن حبست أنفاسنا بنصك المتميز والذى استكمل عناصر القص والتشويق وصوّر إلحاح الفكرة تحت ضغط الروتين اليومى الثابت الذى يقتل الفكر والإبداع لدى كثير من الناس ..نص جميل أهنئك عليه فقط أرجو تغيير مستغرقاً إلى مستغرقٌ..تقبل تحياتى
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :fl:

محسن رشاد أبو بكر
24/12/2007, 03:49 AM
الأخ العزيز محسن رشاد أبو بكر
فى حذق وحرفية كاتب متمكن حبست أنفاسنا بنصك المتميز والذى استكمل عناصر القص والتشويق وصوّر إلحاح الفكرة تحت ضغط الروتين اليومى الثابت الذى يقتل الفكر والإبداع لدى كثير من الناس ..نص جميل أهنئك عليه فقط أرجو تغيير مستغرقاً إلى مستغرقٌ..تقبل تحياتى
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :fl:

أستاذى الفاضل المبدع / د. محمد فؤاد منصور

كعادتك تحنو على ما أكتب وتشرفنى بمرورك على نصوصى.
توقفك الكريم أثلج صدرى ، أسعدكَ الله مثلما تسعدني بآرائكَ
لك جزيل الشكر على تعليقك المثمر وملاحظاتك الفنية القيمة

خالص تحياتى ومودتى
أبو بكر

الحاج بونيف
25/12/2007, 09:57 AM
أخي الفاضل/محسن رشاد أبورشاد
تحية طيبة
قصه تنم عن امتلاكك بناصية السرد وتمكنك من آلياته وفنياته، فالحبكة متقنة، والأسلوب جذاب يشد القارئ لما في القصة من تشويق..
حقيقة شددنا أنفسنا ونحن نرى القطار يقترب ولكن الثواني الأخيرة وجدنا البطل يعبر بسلام..
أهنئك على النجاح، ونرجو لك المزيد من التألق.
أصدق تحياتي.

الحاج بونيف
25/12/2007, 09:57 AM
أخي الفاضل/محسن رشاد أبورشاد
تحية طيبة
قصه تنم عن امتلاكك بناصية السرد وتمكنك من آلياته وفنياته، فالحبكة متقنة، والأسلوب جذاب يشد القارئ لما في القصة من تشويق..
حقيقة شددنا أنفسنا ونحن نرى القطار يقترب ولكن الثواني الأخيرة وجدنا البطل يعبر بسلام..
أهنئك على النجاح، ونرجو لك المزيد من التألق.
أصدق تحياتي.

محسن رشاد أبو بكر
29/12/2007, 01:01 AM
أخي الفاضل/محسن رشاد أبورشاد
تحية طيبة
قصه تنم عن امتلاكك بناصية السرد وتمكنك من آلياته وفنياته، فالحبكة متقنة، والأسلوب جذاب يشد القارئ لما في القصة من تشويق..
حقيقة شددنا أنفسنا ونحن نرى القطار يقترب ولكن الثواني الأخيرة وجدنا البطل يعبر بسلام..
أهنئك على النجاح، ونرجو لك المزيد من التألق.
أصدق تحياتي.

المبدع المعلم / الحاج بونيف
أشكرك على مشاركتك وتعليقاتك المشجعة
يسعدني دوما التواصل معك
ممتن لاطلالتك الرائعة

خالص تحياتى
أبو بكر

محسن رشاد أبو بكر
17/01/2008, 03:28 AM
ثلاثة زوايا للبورتريه

محسن رشاد أبو بكر
02/07/2008, 09:19 AM
"ثمة رابطة قوية بين رفض المظهر والخوف من الصورة بكل أشكاله والخوف من الحواس والخوف من الجمال وأيضا مقت المادة"

(ميشيل مافيزولى - تأمل العالم)

للبورتريه أربع زوايا

زاوية أولى : روتيــن

... بعد أن يتناول إفطاره فى تمام السابعة صباحا ، يتصفح الجريدة وهو يحتسى الشاى ... يرتدى ملابسه ... يقبل زوجته ويغادر فى تمام الثامنة إلا الربع متوجها إلى عمله.

... فى طريقه إلى العمل يتوقف –مجبرا- أمام "مزلقان" السكة الحديد الذى يغلق يوميا فى تمام الثامنة إلا خمس دقائق لمرور "القطار السريع" الذى لا يتوقف فى بلدته الصغيرة .. لم يفكر يوما فى الخروج من منزله مبكرا أو متأخرا ، فقط ، خمسة دقائق فيتجنب الانتظار .. فهو يفضل أن يستغل تلك الدقائق فى التأمل.


بينما هو مستغرق فى تأملاته .. عن أسرته .. عن بلدته .. عن وطنه .. وعن العالم الذى أصبح على مقربة منه عبر القنوات الفضائية ... يسمع صوت جرس عال فيعرف أنه "القطار السريع" قادم ، وبعد أن يعبر القطار مخلفا ورائه غبار كثيف ، يسمع صوت السلسلة الحديدية ، ينزعها ، عامل السكة الحديد ، من على جانبى الطريق ، ويلقيها على الأرض فتحدث ضجيجا خفيفا يتوارى خلف ضجيج الناس والسيارات والدواب التى تبدأ فى عبور شريط السكة الحديد متوجهين إلى الجانب الآخر من البلدة لممارسة روتيناتهم اليومية.


زاوية ثانية : خيالات

كثيرا ما سيطرت عليه رغبة قوية فى رؤية بورتريه لذلك "القطار السريع" ، وقبل أن ينزع هذه الرغبة من خياله يكون القطار قد مرق سريعا ، فيفتح المزلقان ، ويعبر شريط السكة الحديد .. ذاهبا إلى عمله ، مثل كل يوم ، يتابع مهام وظيفته دون همة ونشاط ، وطبعا دون خيال وإبداع ، فهو مجرد كاتب حسابات.


زاوية ثالثة : أصوات

... بينما جموع الناس والسيارات والدواب ساكنة إلا من حركة العيون تتابع لحظة مرور القطار السريع ورفع السلسلة التى تفصل بينهم وبين العبور إلى روتيناتهم اليومية فى الجانب الآخر من البلدة .. يتقدم .. فجأة ... مخترقا جموع الناس والسيارات والدواب ، يرفع قدميه النحيلتين ليعبر السلسلة الحديدية ، يتوجه ناحية شريط السكة الحديد ، يلف جسده النحيل ويقف معتدلا بعينين صاغرتين إلى "القطار السريع" القادم.

... يعلو صوت نفير القطار... تعلو أصوات أبواق السيارات ... تنهق الدواب والحمير ، يصرخ عامل السكة الحديد ، ، يعلو أصوات الناس تنادى عليه قبل أن يدهسه القطار السريع.


لا يعبأ بالأصوات ، كأنه لا يسمع ، أو ، كأنه اختزل كل حواسه ، فى البصر فقط ، لرؤية بورتريه "القطار السريع" القادم بقوة.

زاوية رابعة : غبار كثيف
... يستمر فى الوقوف معتدلا ثابتا حتى يرى بورتريه واضح للقطار ، وقبل أن يدهسه القطار بثوان كان قد أدار جسده النحيل بمنتهى الهدوء ، سار خطوات قليلة حتى السلسلة الحديدية ، رفع قدمه اليمنى وتجاوزها ، تبعتها اليسرى ، وواصل السير ، فى جوف الجانب الاخر من البلدة ، وترك جموع الناس الواقفين ، المندهشين ، هناك عند شريط السكة الحديد ، عميانا .. صم .. بكم ، بعد أن امتلأت أعينهم الصاغرة وآذانهم وأفواههم الفاغرة ، بالغبار الكثيف الذى دائما ما يخلفه القطار السريع الذى لا يتوقف عند بلدتنا الصغيرة.

تمت
أبو بكـر