المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الذكرى الأولى لاستشهاده: يرحلون... ويبقى صدّام



غالب ياسين
20/12/2007, 04:12 PM
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الذكرى الأولى لاستشهاده: يرحلون... ويبقى صدّام

شهادات حيّة :

خليل الدليمي : باغتيالهم صدّام حسين، اغتال الغزاة كامل العراق

بشرى الخليل : شخصيّة عربية نصحت بوش بإعدام صدّام.. لأهداف لم تتحقّق

ناجي علوش : اعدام صدّام يوم العيد، تعمّد أمريكي لإهانة كلّ العرب!

نزار السامرّائي : موقف صدّام أمام حبل المشنقة اختزل كل البطولات العربية

الطاهر بلخوجة : أكبر في صدّام شجاعته وبأسه... لكن النتيجة لم تكن وفق المأمول

زياد الخصاونة : صدام تقدّم الى المشنقة... كنخل العراق شامخا... لا يهاب أحدا

فاضل الربيعي : قتل صدّام.. قتل للعراق!
شعر عبد الرزاق عبد الواحد : يا نـائي الـدار
شعر عبد الرزاق عبد الواحد : مرايا : ثلاث شهقات على العراق



شبكة البصرة

ملف من إعداد: فاطمة بن عبد الله الكرّاي
سوف يحلو للعديدين ممّن تمكنت منهم غصّة وتنغيصا، في مثل فجر الغد، يوم العيد الكبير، أن يرددوا وبحسرة بيتا مشهورا لأبي الطيب المتنبي:
عيدُ، بأي حال عدت يا عيدُ...
بما مضى، أم لأمر فيك تجديدُ
سوف يحلو لأعداء العراق، محاولة إخفاء الجريمة، في ثنايا العيد، لكن الحدث أقوى من مخططاتهم، والتاريخ لهم بالمرصاد، يكتب جرائمهم في العراق، وفي بقاع عديدة من الأمة والعالم...
نسف الأعداء المحتلون والعملاء والمتواطؤون، كل نواميس الشرعية، وكل القوانين الوضعية والشرائع السماوية، بأن نفّذوا حكم الاعدام في رئيس دولة عضو في الأمم المتحدة، تهمته الوحيدة مشروعه الحضاري والعلمي الذي لم يتوافق مع المصالح الاستعمارية ومع مشاريع الهيمنة في المنطقة.
في مثل فجر الغد، من العام الفارط، ولما كان حجيج بيت الله الحرام، يتوافدون على مزدلفة من جبل عرفات، كانت الفاجعة، التي نغّْصت عيد المسلمين، وأحد الزعماء المسلمين يُغتال بتلك الطريقة.
لقد أراد الجلادون، أن يجعلوا من يوم عيد الاضحى لعام 1427، يوما استثنائيا، فيه إهانة لكل عربي ولكل مسلم، لكن وقفة الشهيد وهو يتجه نحو المشنقة، أربك جلاّديه، وجعل صاحب القرار في إعدامه يوم عيد المسلمين (بوش) يتخبأ ويعلن فيما بعد أنه لم يكن على علم بالتوقيت...
وقف صدام، في مثل فجر غد، شامخا كنخل العراق، تماما كما قال عنه ذلك المحامي الاردني زياد الخصاونة، والذي مازال يصرّ على تسميته بـ «السيد الرئيس» ويضيف اليها الشهيد منذ عيد الاضحى الماضي.
لقد أراد الاعداء، من وراء فعلتهم المشينة، أن تتوارى ذكرى الاستشهاد في حيثيات العيد، فينسى الناس الذكرى ويتلهّون بالعيد، واذا بصدام يقود فريق الجلادين الملثّمين الى منصة الاعدام، عوض أن يقودوه هم... فأسفر المناضل شديد البأس عن وجهه شجاعة وغطّوا هم وجوههم خوفا...
سوف يذكر التاريخ في تفصيلاته، بعد ألف عام، ولما يُذكر اسم «أمريكا» أو «العراق»، أن صدام كان بطلا أسطوريا وهو يواجه حبل المشنقة، بل جعل من تلك الصور السينمائية التي قدمها لنا الشهيد مصطفى العقاد عن شخصية «عمر المختار» في شريط يحمل اسم المناضل الليبي ـ العربي، جعلها صدام حقيقة وواقعا، ومحا كل امكانية شكّ في أن صورة إعدام عمر المختار التي صوّرها العقاد، شابها التنميق والتزيين، التي يمكن أن تصدر عن مخرج سينمائي كبير مثل العقاد.
أرادوا تصوير لحظات الاعدام الاخيرة، فخذلتهم الصورة، حيث انبرى صدام شجاعا لا يهاب الموت، مذكّرا أعداءه بأن مشروعه لن يموت: عاش العراق عاشت فلسطين حرة... نابذا الاحتلال وأذناب الاحتلال...
أرادوا أن يطووا الحدث والذكرى، في غياهب التاريخ، فنهض صدام من معتقله، يقبل على الموت كما يقبلون هم على الحياة... فأضحت حياتهم بائسة، وأصبح هو حي عند ربه يرزق الى جانب الشهداء في علّيين...
هكذا كانت عبارات المحامي خليل الدليمي، الذي آثر، أن يخصّ الشروق، بنقاط أخرى مضيئة في مسيرة ومواقف صدام، وكذلك الشأن بالنسبة لبشرى الخليل، التي لم تتوان في ترتيبه في مكانة الحسين.
في هذا الملف الذي أردناه إحياء للذكرى السنوية الاولى لاعدام صدام من قبل الاحتلال الامريكي، لم نعتمد التقويم الشمسي الميلادي، بل آثرنا أن نقذف بالكرة في ملعب من أطلقها أول مرة. إحياء ذكرى اغتيال رئيس دولة عربية على أيدي الاحتلال، يوم عيد الاضحى، وبالتقويم الهجري... كما حلا لهم وقدموا لنا الامر...
التاريخ لا يصنعه الضعفاء... والضعفاء في هذا الباب هم الاحتلال وعملائه والمتعاونين معه...
في هذه الذكرى السنوية، وفي يوم غد، يوم عيد الاضحى، ارتأت «الشروق» أن تواكب الذكرى بشكل مهني، بحيث حاورت شخصيات معروفة، ولها علاقة بطريقة أو بأخرى بالرئيس الراحل صدام حسين...
فمن فريق المحامين المدافعين عن العراق وعن صدام، كان لنا لقاء خاص مع الاستاذ خليل الدليمي، رئيس هيئة الدفاع عن العراق والقيادة العراقية الاسيرة، فتحدث عن الشهيد كأنه يراه أبدا... كما أن الاستاذة بشرى الخليل، لبّت الدعوة، وكان اللقاء معها مشحونا بالجديد، وما لم تصرح به من قبل، وقد شددت هذه الماجدة العربية على أن استهداف صدام من الولايات المتحدة الامريكية (القوة الامبريالية والمحتلة) هو استهداف لشخصه ولقيادته ولمشروعه في العراق...
أما المناضل والمفكر ناجي علوش (فلسطيني ـ عربي) فقد شدّد على أن إعدام صدام يوم العيد هو تعمّد أمريكي لاهانة كل العرب...
يقول ناجي علوش هذا، وهو العربي المسيحي، وتؤكد بشرى الخليل ما أكدته، وهي العربية الشيعية.
أما د. نزار السامرائي الخبير الاعلامي العراقي المعروف، فقد شدّد على أن الأمة تعيش أعيادها بتضحيات رجالها، وأن صدام كان يحمل همّ الامة من خلال قيود يديه ورجليه...
السيد الطاهر بلخوجة وزير الاعلام الاسبق (1984) بتونس، فقد أكبر شجاعة صدام، لكنه أبدى أسفا على النتيجة...
«صدام تقدم الى المشنقة كنخل العراق... شامخا... لا يهاب أحدا» هكذا أكد الاستاذ زياد الخصاونة من الاردن رئيس هيئة الدفاع الاسبق، وأحد المناضلين من أجل نبذ الاحتلال.
أما الذي ظلّ معارضا لنظام صدام طيلة 35 سنة، د. الفاضل الربيعي، فقد آثر، أن يصف الرجل وهو يتجه الى المشنقة، في مثل صبيحة فجر غد، من العام الماضي، قائلا: «صعد الى المشنقة وترك وراءه جيشا من العلماء».
كانت لقاءات مثيرة، هذه التي أمّنتها «الشروق» لقرّائها، علّنا نفي الرجل حقه، وقد استمات وقيادته معه، في معاداة الاحتلال والتشبث بخيارات الوطن والأمة.
أما «الشهد» في كل هذه اللقاءات، فهي قصيدة الشاعر العراقي المناضل عبد الرزاق عبد الواحد: «يا نائي الدار»، وقد نظمها لصدام بعد إعدامه قائلا من ضمن ما قال عبر أبياتها:
سبعون عاما وأنت مرتحل
ولست تدري لأي أرض ترتحلُ!
في هذا العدد الخاص، من «الشروق»، وضمن هذا الملف الخاص بالذكرى الاولى لاعدام الرئيس العراقي صدام حسين، يتحدث المحامون والاصدقاء ومن عارضوه زمن حكمه، من العراق ومن لبنان، ومن تونس ومن الاردن ومن فلسطين...

باغتيالهم صدّام حسين، اغتال الغزاة كامل العراق

الأستاذ خليل الدليمي

إذا كان مفهوما أن أسأل، وفي هذه الذكرى الاولى لاستشهاد صدّام، شخصيات عرفته ورجالا عرفوه حول «الموقف» من الحدث... و «الموقف» من عملية الاعدام في يوم الحجّ الأكبر، فإن سؤال محاميه العراقي، الاستاذ خليل الدليمي لايمكن الا أن يبدأ بسؤال عن مشاعره وهو الذي عرف رئيس بلاده وهو في الأسر واقترب منه وأمّنه على مذكراته وعلى أسراره، حاول الأستاذ الدليمي وبعد إلحاح شديد من «الشروق» أن يكشف لنا جزءا منها... سألت محدّثي، بعد دردشة عن الذكريات وعن مهمة المحامي الاستثنائي في قضية استثنائية وفي محكمة غير عادية من حيث انعدام قانونيتها، هذه المهمة التي تحمّلها هو وباقي فريق الدفاع عن صدّام ورفاقه... سألته اذن عن شعوره والذكرى الأولى تمتزج مرة أخرى مع عيد الاضحى، فقال وقد لاذ بصمت قصير:
«مشاعري هي مشاعر أي عراقي تجاه هذه المناسبة الاليمة... أنا أستذكر لقاءاتي معه، كان رجلا بطلا، كان رئيسا للعراق وقد انتقل بالعراق من دولة متخلّفة الى دولة متحضرة في مصاف الدول المتقدمة...».
وهنا واصل محدّثي سرد مزايا النظام العراقي الذي أطاح به الاحتلال في مجالات التعليم والصحة والثقافة... ثم واصل الحديث والتذكر: «بعد أن وقع العدوان وأُسر الشهيد رحمه الله، وأثناء توكّلي بهذه المهمة الانسانية (الدفاع عن صدّام) اقتربت من الرجل وأضحت علاقتي به حميمية، علاقة الابن بأبيه والأخ بأخيه الأكبر. كان يثق بي وأنا أعتز بتلك الثقة... أتذكر اليوم هذه المناسبة (التي تغلق السنة فجر غد، اي يوم عيد الاضحى)، أتذكر هذه المناسبة الأليمة، وأنا أنظر الى قوى الشرّ والاحتلال والفرس والصفويين... إنهم اغتالوا العراق باغتيالهم صدّام حسين.
وانطلاقا من كلامه الآنف، حول ثقة صدّام به طلبت من المحامي العراقي الذي كان الأكثر قربا واقترابا من الرئيس الأسير بعضا من أسرار لم يصرّح بها من قبل، وبعد تردد، قال: «كما هو معلوم عندما كنت معه لوحدي كمحام، طوال الفترة الاولى التي مازال فريق الدفاع العربي والدولي لم يلتحق بعد ببغداد، وكان ذلك سنوات 2004 و2005 الى غاية 2006 كان لدى الرئيس اعتقاد ـ وأنا أشاطره الرأي ـ وهوأنه طالما أن الغزاة قاموا بما قاموا به تجاه العراق من قتل وتفتيت للدولة وأسر للقيادة فسوف يقومون بتسميمه في المعتقل سيما وان الاجراءات (في المعتقل) كانت قاسية جدا ومعقدة جدا. فهم لا يسمحون لنا بتداول وثيقة واحدة أو ورقة واحدة... رغم ان هذه الاجراءات التعسفية هي غير قانونية حيث فيها نفي لحقّه كأسير حرب...
سوف أخص قرّاء «الشروق» ببعض من هذه الأسرار التي استأمنني عليها لكي أودعها في كتاب (مذكرات صدّام) فقد قال لي ذات مرة: «يا ولدي، لديّ الكثير من الأمور، يجب أن تُستوضح... ويجب أن تتوضح للتاريخ... عليك يا خليل ان تكتب هذه المذكرات بيدك أنت».
كان يجيب على الأسئلة التي كتبتها بخط يدي، من فترة الثمانينات الى آخر يوم في الاعتقال... وحقيقة الامر ان بعض هذه المعلومات تفاجأت بها وبمحتواها لمّا ذكرها الرئيس الشهيد... كلّفني رحمه الله أن أنشر هذه المعلومات في كتاب، وقد أعطاني عناوين مختلفة لهذا الكتاب، بل أذكر أننا تناقشنا في بعض العناوين لكنه قال لي بأن الاختيار سيكون لي ولدار النشر. لذلك لم يستقرّ على عنوان معين... المذكرات موجودة عندي الان، وفيها مثلا ماهيّة العلاقات العراقية ـ الأمريكية عبر التاريخ، وقد وصفها بأنها علاقات تتميز بشد وجذب وذلك من فترة الثمانينات الى حدود حديثه عنها. فمثلا حسب نظره ليس كل رؤساء الولايات المتحدة سيؤون مثل بوش. فقد صنّف أفضلهم وأسوأهم.
قلت لمحدّّثي وقد اشتدّ بي الطمع في معلومات منفردة : من هو أسوأ رؤساء أمريكا ومن هو أفضلهم، حسب صدّام هل لك أن تذكر لنا اسما من هذا الوادي واسما من ذاك؟ رد بسرعة: «بخصوص أسوأهم وهو بوش الابن، أما أفضلهم فلم أعد أتذكر حقيقة... وقد توخى الرئيس الشهيد هذا التصنيف على ضوء تعامل الادارات الأمريكية المتعاقبة مع العراق... حدّثني كذلك عن موضوع الكويت وكل الملابسات التي أحاطت بالمسألة.
استوضحت الاستاذ الدليمي عن هذا الموقف من مسألة الكويت، فردّ معتذرا: لا أستطيع البوح فيه... لأنني لو قلت معلومة واحدة فسوف تفسّر الأمور تفسيرا آخر...
أما فيما يخص الغزو الأمريكي، وزيارة بريماكوف الاولى والثانية فقد شدد محامي صدّام على أنها حسب الرئيس الشهيد على غاية من الأهمية، وأضاف محدّثي : لقد حدّّثني الرئيس الشهيد عن أسباب سقوط بغداد...
قلت له كيف كان ذلك وما هو موقفه؟ فقد تعددت التحاليل والتفسيرات، لكننا لا نعلم شيئا عن موقف القائد وقيادته وقتها، هنا فهمت ان المحامي خليل الدليمي أراد فقط أن يعطيني عناوين حول فحوى «مذكرات صدّام» لكن دون تفاصيل لكني ألححت بالسؤال مع الشكر سلفا، فرّد بنبرته الهادئة: «لقد حدد السيد الرئيس خمسة عشر (15) سببا أدّّت الى احتلال بغداد من قبل الغزاة الأمريكان... كما تحدّث عن ما يسمى بالمبادرة الاماراتية وكان تعليقه عليها طويلا وفيه نقد لاذع لهذه المبادرة... كما تحدث لي السيد الرئيس عن سير المعارك بين القوات العراقية والقوات الأمريكية الغازية حتى أضمّن ذلك ايضا في كتابه، كما حدّثني عن طريقة تعامل القيادة مع تلك الحرب، وكيف كانت القيادة تتنقل ولماذا؟ وكذلك حدّثني بإطناب عن كيفية وضع القيادة العراقية للخطة العامة وكيف وضعت الخطة لحماية بغداد... كما تحدّث الرئيس وبمعلومات ميدانية أكيدة، عن الفرق بين صمود «أم قصر» والمعارك في بغداد وبمحيط بغداد.
http://www.arabswata.org/forums/uploaded/1058_1198156283.jpg
شبكة البصرة

الاربعاء 9 ذو الحجة 1428 / 19 كانون الاول 2007

يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس

غالب ياسين
20/12/2007, 04:15 PM
من الأمور التي تحدّّث فيها وقد ضمّنها في كتابه الذي سيرى النور في المستقبل، أنه تحدّث عن بعض الزعماء العرب وقد كان حديثا ايجابيا عن جلّهم... لقد تحدّث الرئيس عن أمور كثيرة متنوعة ودقيقة لا أستحضرها الآن... ان المذكرات التي أودعني إياها هي على أهمية كبيرة وبالغة، تحوي مواضيع حسّّاسة جدا لا أستطيع ان أقولها الآن...
سألت محدثي بطريقة أخرى عن الجيش العراقي وهل ان الرئيس صدّام تحدث عن خيانة في صفوف الجيش، فقال نافيا الأمر بشدة: الجيش العراقي جيش عظيم... لقد كان الرئيس الشهيد يمتدح الجيش العراقي والمقاتلين العرب وفدائيي صدّام وكان يمتدح جيش القدس.
لكن كيف حدّّثك عن أمر «الحفرة» التي نعلم أن صدّام كذّبها، وكيف كان شعوره بعد اعتقاله من قوات الاحتلال وفق وشاية؟ عن هذا السؤال قال المحامي العراقي الذي يعدّ أكثر من التقى صدّام في الأسر من كل فريق هيئة الدفاع التي يترأسها:
«تحدث بكل ألم عن قصة اعتقاله وهنا سوف أسرّك بسرّ لقراء «الشروق» : لقد تم اعتقال الرئيس في محافظة صلاح الدين قضاء الدور، اثر خيانة ووشاية من الذين كان يثق بهم كثيرا... وكان متألما جدا لذلك... كان الألم واضحا عليه، وهو يقصّ علي الحكاية... ولكن بأي حال من الأحوال لم تكن القصة الحقيقية كما صوّّرها الغزاة...
سألت الدليمي عن موقف صدّام من أعضاء قيادته وهل كان مزهوّا بهما، وقد تماسكت وظلت متماسكة، في سابقة أولى في التاريخ، حيث لم تتصدّّع جدرانها أبدا، فقال: «فعلا كان يعتزّ كثيرا برفاقه في الأسر والذين هم خارج الأسر يؤدّّون واجباتهم... يعتزّ بهم الرئيس الشهيد لصمودهم في وجه الاغراءات، فقد حاول الأمريكان مساومة الشهيد طه ياسين رمضان والشهيد برزان التكريتي والسيد طارق عزيز، لكن خاب أملهم وتمسك رفاق صدّام بالمبادئ التي ظلّوا يناضلون من أجلها قبل وبعد الحكم.
كان الرئيس مسرورا لصمود القيادة خارج المعتقل ومسرورا بالجيش العراقي وقد تحول الى مقاومة شرسة في وجه العدوان ومسرور بالمقاومة التي تنازل العدو وتصرّ على طرد المحتل.
كان الرئيس معتزا بنمط حرب العصابات التي يشنّها أبناء العراق على الغزاة، وقد أكد عليها في توصياته، وكان واثقا من أن النصر سوف يكون حاسما... كان يردد أن أمريكا ستخرج من العراق مهزومة وسوف تترك معظم آلياتها العسكرية وأن نتيجة الحرب ستكون وبالا على وضع الولايات المتحدة الأمريكية، فالرئيس يعتقد ان واشنطن لن تتجاسر على أي دولة أخرى بعد خسارتها في العراق.
ثم أضاف محامي صدّام كاشفا أمر الإعدام : لقد كان الرئيس عارفا بأنه سيقاد الى الاعدام، ولو كانت هناك سبل أخرى أقسى من الاعدام لما توانوا في تطبيقها بحقه.
لم يساوره شك في أنه لن يُعدم من الاحتلال الأمريكي وبأيدي أذنابه.
وعن الرسالة الاخيرة التي يتذكرها الأستاذ الدليمي ويذكرها قال: الرسالة الاخيرة كانت من خلال هيئة الدفاع... كانت له عدّة وصايا استطعت تذكر بعضها ومنها وصايا خاصة لا يمكنني أن أذكرها لأن المجال لايسمح...
سألت محدثني سؤالا ذاتيا فقلت، لكن بأي عين تنظر الى يوم الاعدام بعد سنة، بالتقويم الهجري؟ ردّّ مباشرة بعد أن أطلق زفرة طويلة: أنظر لها بعين الحسرة والألم والحزن... الشعور الذي انتابني لحظة الاعدام، وها هو يعاودني قبل ساعات من حلول «العيد» هو نفس الشعور الذي يمكن ان يحس به مواطن يحب رئيس بلاده ويغار على بلاده من الاحتلال، كما امتزج ذلك الشعور بشعور خاص، شعور تجاه صديقي الحميم، صدّام حسين لأنني لم أتوقع ان الامور ستبلغ تلك المرحلة، لي تجاه الرئيس صدّام نظرة انسانية وأخرى نظرة لباني العراق الحديث... لقد خسر العراق انسانا فذّا.. استشهد دفاعا عن بلده وعن أمّّته... ما يؤلمني أكثر في كل هذا، هي النتيجة التي آلت اليها الامور في العراق.. سوف لن يجد العراق في المستقبل المنظور أحدا يقوده بطريقته...
شعب العراق يا سيدتي شعب شجاع ولكنه شعب صعب... يحتاج الى رئيس شديد وقوي وعادل في الآن نفسه. العدو استطاع ان يفتت هذا الشعب رغم قساوة الموقف. أملنا الوحيد ان هذا الشعب سوف يقتدي بكلمات القائد... لقد كان صادقا مع شعبه ومع أمته عصيا على الاحتلال وزمرته. سوف تكون الذكرى وسيرة الرئيس الشهيد، دافعين لرفع الهمّة العالية للمقاتلين المقاومين للاحتلال... أتذكّر الذكرى بكل ألم وأنا أرى هؤلاء الأقزام وقد حوّلوا العراق العظيم الى محافظة ايرانية.
الآن يوجد أكثر من عشرة (10) ملايين عراقي مهجّرين داخل وخارج العراق، والاقزام يتكتّّمون عن الاحصائيات، لقد سرقوا عشرات المليارات من خيرات العراق ومقدرات شعب العراق، هذا الشعب الذي يتضوّع جوعا حيث تنهب ثروته... انهم (أبناء العراق) يفترشون الارض ويلتحفون السماء في البلدان العربية المجاورة...
شكرت محدثي فأصرّّ أن يشكر تونس التي لطالما شكرها له صدّام شعبا وقيادة، مشددا في الاخير: «كلنا أمل بأن تقوم تونس بمنع عرض الفيلم السينمائي «ما بين النهرين» فالشعب العربي ممتعض جدا من ذاك الفيلم» كاشفا النقاب عن ان قضايا سوف ترفع في حق الممثلين العرب الذين يشاركون في هذا الفيلم الذي وصفه بأنه معاد للرئيس وللعراق وللأمة.

غالب ياسين
20/12/2007, 04:16 PM
شخصيّة عربية نصحت بوش بإعدام صدّام.. لأهداف لم تتحقّق

المحامية بشرى الخليل

لم تستطع فصل مشاعر المحامية وهي تتحدّث عن منّوبها.. كما لم تقدر على فصل الجانب القانوني في كامل العملية من احتلال العراق إلى قتل رئيسه مرورا بالمقاومة كحالة ردّ مناسبة لما استجدّ في العراق. لم تقدر على فصل كلّ هذا عن الخط العام للإمبريالية الأمريكية وللإستعمار، التي بيّنت من خلال ما أتته في العراق، أن القانون شعار لا يُطبّق عندما تقتضي مصلحة الأقوياء وأنه قابل للخرق والدّوس، إن هو لم يكن في مصلحة هؤلاء المحتلّين المهيمنين على مقدّرات الدول والشعوب مهما كان الثمن.
قلت لبشرى الخليل، إنها أضحت في نظر الشعب العربي، جزءا من تاريخ صدّام حسين مثلها في ذلك مثل كل المحامين الذين قصدوا العراق وتمكّنوا من الدخول إلى منوّبهم أو الذين لم يستطيعوا الوصول إلى منوّبهم... ضحكت، قالت، وهي تردّ على سؤال حول عملية الإعدام، وكيف كانت يوم عيد الاضحى.
هم شاؤوا أن يطغى العيد على الذكرى.. ففي اعتقادهم، أنه بمرور الزمن سوف ينسى الناس الذكرى، ويتلهّون بالعيد... لكن العكس هو الذي سيحصل.. باستشهاد صدّام، العيد سيتحوّل الى ذكرى، اسمها صدّام.. وهذا عكس ما شاؤوا وخطّطوا له.. يمكرون ويمكر اللّه.. هذه مشيئة ربّنا سبحانه وتعالى.
سألت الأستاذة بشرى الخليل، المحامية الجريئة والمجازفة، عن الذكرى وهل تلتقي ببنات الرئيس، حيث نعلم أنها قضّت ليلة الإعدام الى جانبهنّ، ونتذكّر كيف نعته بشرى، إلى الأمة فجرا أي بعد الإعدام مباشرة فردّت، وقد تغيّرت نغمة صوتها: «التقيت ببناته منذ أسبوع.. في عمّان.. فهنّ بمثابة شقيقاتي (رغد ورنا) وأولادهما يحبّونني ويفرحون عند رؤيتي... الحمد للّه عندي مكانة خاصة لديهم.. يحسّون أنني من ريحة جدّهم، فقد توفّرت لي رؤيته ومحادثته، في وقت لم يكونوا قادرين بسبب الاحتلال والاعتقال أن يلتقوه.
تحدّثنا، آخر الأسبوع الماضي، عن الذكرى، واسترجعنا أحداث السنة الماضية، وكيف أنها ذكرى مؤلمة ولو أن فيها ملحمة..
انقطعت المحامية بشرى الخليل عن الكلام، وأحسبها تبكي، فلم أشأ أن أسألها عن سبب تراجع الصوت وتقدّم الحشرجة في الحلق... ثمّ واصلت في تقطّع للكلام الذي تنطقه: هناك شعور عام، وليس عندي فقط، أن صدّام تكرّس كبطل قومي، من خلال تلك المواقف التي كان يصدع بها في «المحكمة» ومن خلال صور الاستشهاد... صدّام تكرّس كسيرة شعبية... من تلك السير الشعبية التي يظهر فيها البطل شجاعا ولا يُقهر... لقد تنبّأنا أن يكون صدّام هكذا... فمن خلال لقاءاتنا به كمحامين، كان شديدا.. مصرّا على المبادئ مؤمنا بالمشروع الذي ضربه من أجله أعداؤه.
السّيرُ الشعبية، تضفي على البطل هالة، تضخّم الحسنات وتمحو السيّئات لهذا البطل... وهي سيَر تتناقلها الأجيال، جزء منها يكون أسطوريّا وخياليّا، لكن سيرة صدّام هالتها موجودة فيها، من خلال مواقف الرجل في كلّ ما تابعنا ورأينا... اليوم صدّام، وفي أي مكان سواء في الشارع أو في المجالس الخاصة، اسمه وسيرته محاطة بالحسنات.. الحديث عنه فيه هالة من القدسيّة.. كنا نتصوّر أشهرا قبل إعدامه، أنه إذا أعدم فسيصبح بطلا.. وقد قلت هذا الكلام للأمريكان وغيرهم.. قلت لهم: إذا كنتم ترنون من خلال إعدامه، طيّ اسمه واخفائه إلى الأبد... فأنتم مخطؤون.. فالعكس هو الذي سيحدث.. ما قلته هو نبض الشارع وموقفه.. ولم أكن أرجم بالغيب.
الرّأي العام العربي والعالمي، سجّل مأثرة لصدّام، وغفَر له الكثير في ما يمكن أن يُقال عنه، حتى لو كانت صحيحة.. شعب حفظ له بقاؤه وإصراره على البقاء في وطنه إلى جانب شعبه مهما كلّفهُ الأمر.. قائد لم تنفرط قيادته أبدا، ولم نشهد تصدّعا لجدار هذه القيادة... هذا ما يسجّله له التاريخ... وقف مع شعبه والى جانبه في محنة الاحتلال، بينما كان ممكنا له أن يغادر إلى المنفى.. طوال هذه السنة التي تلت أيامها يوم الاستشهاد، وخلال أسفاري وكلّما التقيت بأحد، بالناس، بأمّهات يكشفن لي أنهن كنّ يتابعن جلسات المحاكمة ويتابعن أدقّ التفاصيل.. كنّ يتركن، كربّات بيوت كل شؤون المنزل، ويتسمّرن أمام التلفزيون لمشاهدة «المحاكمة».. إنهنّ يجسّدن إحساس الأمومة، وكنّ يقلن لي مباشرة أو عبر الهاتف، إنهنّ يعتبرن صدّام الأسير، ابنا لهنّ... هن أمهات الأمّة، وكأن كل واحدة منهن هي أم لصدّام.. هذه الأمة ستحفظ لصدّام هذا الموقف... لذلك، ستغفر له كما الأم كل أعمال المشاغبة التي قد تصدر عن صغيرها... لقد رفع صدّام، بمواقفه رؤوس الجميع... صدّام تحوّل إلى رمز رغما عن الاحتلال...
هناك أشخاص أعرفهم، كانوا ضدّ صدّام، في المعارضة، وكانوا يعملون كلّ شيء لتخليص العراق منه، اليوم لا تصدر عنهم أيّة كلمة في أي اجتماع أو لقاء... لا تصدر عنهم كلمة واحدة ضدّ صدّام لأن الجميع سيكون ضدّهم. دون أن ننسى أن قسما من هؤلاء المعارضين تحوّل إلى جانب صدّام، بعد أن فهموا اللعبة الاستعماريّة. هذه ملاحظات تشكّل حالة الثبات العربي، في وجه المؤامرة ضدّ الأمة، حالة من الثبات خلقها صدّام حسين.
استطردت الاستاذة بشرى الخليل حديثها، قائلة: أريد أن أحكي أيضا، بأن المخطط الأمريكي من عملية الإعدام في ذاك التوقيت، كان يهدف إلى تحويل الأنظار باتجاه هذه المجموعة التي تحكم العراق بقانون احتلال ، وليلبسهم الأمريكان تهمة شنق صدّام، وقد حاول الأمريكيون أن يتفصّوا من مسؤولية التوقيت والتصوير.. عندي قناعة أن صدّام حالة أمريكية بالكامل.
بوش هو الذي كان يقرّر مصير صدّام ولا أحد غيره يتخذ القرار.. بوش هو الذي اتّخذ قرار إعدام صدّام وتوقيته.. اتخذ القرار شخصيّا. وهنا سأضيف أمرا أقوله لأول مرة، وأخصّ به «الشروق»، هناك من وشوش معلومة في أذن بوش، وكان صدّام رهن الاعتقال، من أن العراقيين يخشون صدّام.. وأن هناك بعثيّون سينخرطون في العمليّة السياسية وقد شجّعوا بوش على اتخاذ قرار الاعدام ـ وأنا هنا مسؤولة عن كل كلمة أقولها ـ بل إن شخصية عربية كبيرة اجتمعت ببوش وقالت له هذه النصيحة، أي التّسريع بتنفيذ حكم الاعدام في حق صدّام. وهكذا كان.
سألت الأستاذة بشرى عن اسم الشخصية العربية أو على الأقل بعض ملامحها، فرفضت، أما عن صدقيّة مصادرها، فقالت إنها موثوقة، وقريبة من جورج بوش... ثم تواصل: ولكن ما حصل كان عكس ذلك وما كانا يتوقّعانه (بوش والشخصية العربية) هو خطأ... حتى من كانوا يشجّعون على العملية السياسية فشلوا في رهانهم. لأن حزب البعث وببساطة رفض المنشقّين... بعد استشهاد الرئيس، أقل شهر كان فيه القتلى الأمريكيون (مارينز وقوات) بين 100 و120 جنديّا... الرهان إذن كان خاسرا... والانشقاق رُفض.
ليس هناك بعثيّ واحد انخرط في العملية السياسية، وليس هناك رئيس عشيرة واحد من المحترمين، انخرط في لعبة الاحتلال...
قلت لمحدّثتي، لو نعود إلى عائلة الرئيس، كيف استذكرتم الذكرى.. فردّت بسرعة: سألت «الست رغد» إذا كان فيه نشاط سيقام في الأردن... فهم يحبّون الرئيس صدّام.. فأكيد أن هناك نشاط أو مجموعة أنشطة سيعرفها الأردن، كان هذا السؤال مدخلا للحديث عن الساعات الصعبة قبل وبعد الاستشهاد.. فقد كنت معهم، كأفراد عائلة وقتها... كنت معهم يوم صدر القرار بردّ (رفض) التّمييز وتثبيت حكم الإعدام... توجّهت إلى عمّان وحاولت مقابلة الرئيس، أي دخول بغداد، فمنعوني بالكامل. وقالوا حرفيّا: «بشرى الخليل لا»... وحاول الأمريكان إفهامي أن حياتي غير مضمونة، وهذه حجّة غير صحيحة.
قلت لمحامية صدّام، وقد كانت المرأة المحامية الوحيدة وسط فريق من المحامين العرب والدوليين، في الدفاع عنه وعن العراق ضدّ الاحتلال، ما إذا كانت تشعر أنها فشلت في مهمّتها بمجرّد أن منوّبها وصل إلى حبل المشنقة، فردّت:
أولا هو لم يكن متّهما ولم يكن عاديّا والذي يتّهمه هو احتلال، ثانيا أنا كمحامية شعرت، منذ اطّلعت على قانون بريمر (حاكم الاحتلال في العراق) وعلى القانون رقم 10 الذي يشكّل المحكمة واطلعت على كل النصوص التي وضعها الاحتلال بطبيعة الحال، قلت هذه محكمة مفصّلة على مقاس صدّام حسين من أجل إعدامه لا غير. طبعا صدّام وكامل القيادة العراقية.
عندما بدأنا بعمليّة الدفاع، لم نراهن على أن يتغيّر أو يمكن أن يتغيّر... لأن المؤشرات كانت غير ذلك... شخصيّا كانت عندي استراتيجية عمادها أن لا أحد يغيّر الحكم إلا بوش شخصيّا، لكن من هو المؤثّر الحقيقي على بوش، لن تكون بشرى الخليل أو غيرها من المحامين العرب.. لقد راهنت على المجتمع المدني الأمريكي، وأن الذي يؤثّر في هذا المجتمع يجب أن يكون مكتب محاماة أمريكي موجود بالولايات المتّحدة الأمريكية.. يجب أن يكون مكتبا محترما يطلع الرّأي العام الأمريكي، وذلك يكون كفيلا بأن يجعل الرّأي العام الأمريكي الذي أحترمه جدّا، يطّلع على عدم عدالة المحكمة، وبالتالي يُثني (الرّاي العام) بوش عن قراره... هذا طبعا لم يحصل ولم نعش بأمل كبير... لقد كان عندنا هدف من تلك «المحكمة» و»المحاكمة» وهو أن تكون منبرا لكي نفضخ طبيعتها ومن يقف وراءها.. لقد تمكّنا من كشف وجود ضبّاط أمريكان داخل القاعة، وكشف كيف أن المحاكمة تُدار من قبل أمريكيين محتلّين للعراق، وليس من عراقيين.
تقولين فشلتم أم نجحتم كهيئة دفاع، أقول لك: نجحنا... نجحنا من خلال فضحنا لتلك الأمور القانونية وفضحنا وجود رجال قانون أمريكان في المكان السرّي... هذه الفضيحة سوّقناها لكل العالم.

غالب ياسين
20/12/2007, 04:19 PM
نجحنا، وأقول لك حادثة حول المحكمة، وُجّهت لي دعوة في شهر ديسمبر الماضي من جامعة «إينوايو» بكلية الحقوق بأمريكا، حول المحكمة، وبعد ساعة وربع من المجادلة مع الطلبة، اقتنعوا (الطّلاب) بأن المحكمة غير شرعيّة... تغيّرت نظرتهم بالحجّة.. كان من بين الطلبة موظّفون بالخارجية الأمريكية، ومن «البنتاغون» وطلبة ماجستير من اقتنعوا بأن صدام لو حظي بمحاكمة عادلة، لخرج بريئا من قضية الدّجيل وغيرها...
وهنا كشفت الأستاذة بشرى الخليل النّقاب، عن أن دعوة أخرى وصلتها إلى نفس الجامعة، ومازال الاتفاق على الموعد لم يتمّ بعد...
هناك اهتمام بهذا الملف، ونحن لم نفشل بل نجحنا ضمن الأمر المتاح لقد حطّمنا صورة المحكمة، وصعب أن تقوم محكمة أخرى بنفس المواصفات، لأنها ستتحطّم أمام الرّأي العام.
أما وصول الرئيس صدّام الى المشنقة، وهل أن في ذلك فشل للمحامين، أقول أيضا لا، لم نفشل، فقد وجدنا أنفسنا جميعا، محامين ورأى عام أمام بطل تاريخي استثنائي... كانت لحظة عظيمة... صدّام كان المنتصر الأكبر في تلك اللحظة... لا أحكي شعرا هنا بل هي الحقيقة، الإدارة الأمريكية وقوات بوش أرادوا تحطيم صورة صدّام بتلك اللحظة، كما اشتغلت المخابرات الأمريكية، لكن كل ما خطّطوا له سقط في تلك اللحظة... كان صّدام كبيرا في نظر الغربيين وأكثر كبرا في نظر العرب. أرادوا تصويره حتى يثبّتوا ادّعاء «الحفرة» حين ألقي عليه القبض، فعكست الصورة تماما... كان كبيرا ومؤمنا بشعاراته... كل الثوابت والمنطلقات الأولى عاشت معه. لم يعد صدّام رجلا دكتاتوريا يحبّ العيش... بل هو بطل مقدام على التضحية من أجل المبدإ.
هذا هو صدّام.. اليوم، لا يُنظر لصدّام بمنظار الربح والخسارة.. فبالتاريخ يُقيّم صدّام بمنظار آخر.. ليس المجد لصدّام في أن يموت بعد سنوات على فراشه في المنفى بل هو المجد ما قرّره وما فعله وما أصر عليه: البقاء في العراق إلى جانب شعبه. لقد عُرض عليه الخروج أكثر من مرّة، من العراق، لكنه رفض.
كان كلام صدّام قاسي للجنرال الأمريكي الذي تقدّم له باقتراح وهو في الأسر... وصفه بالعرض الخسيس... فقد طلب الجنرال الأمريكي من صدّام، أن تتوقّف المقاومة، ليخرج هو (صدّام) إلى قطر... كان صدّام، وكل القيادة من عوّاد البندر الذي كان بطلا إلى طه ياسين رمضان الذي كان بطلا أيضا... أذكر أنني التقيت طه ياسين رمضان قبل اعدامه، كنا نتحدّث عن شؤون المقاومة والانشقاق، وقد نسي محدّثي أنه محكوم بالاعدام ومقبل عليه... بل كان، رمضان، يوصي ويستفسر الى حدّ أنه أنساني أنه محكوم بالاعدام وساعاته معدودة.. رحمه الله... كان يردّد أنهم كقيادة لا يفعلون أو يقولون إلا ما يرضي الله والأمة ومجدها.
وعن التاريخ وقوله في ما يحصل للعراق، قالت بشرى الخليل، إن التاريخ يتذكّر التفصيل الصغير كعنوان لمرحلة أو لشخص، الآن عندما تذكرين «هولاكو» فإن الناس يردّون بسرعة: أحرق مكتبة بغداد... بعد ألف عام، وعندما يُذكر «الأمريكان» سوف يشير الناس إلى نقطتين هما بمثابة العناوين: الأولى «أبو غريب» واغتصاب جيش دولة الاحتلال للرجال المعتقلين... فالجيش الأمريكي هو أول جيش احتلال بالتاريخ يغتصب الرجال.
الثانية، أن الأمريكان (الاحتلال) أعدموا صدّام حسين والقيادة، وأن صدّام حسين بطل...
بوش سوف ينسى، ويبقى صدّام، مثلما نُسي «اليزيد» وبقي «الحسين».
فمبجرّد أن تذكري «كربلاء» يُقال لك الحسين وبمجرّد أن تذكري العراق يقال لك صدام حسين. لن تُذكر أمريكا على مرّ التاريخ إلا بتلك النقطتين المشار إليهما أعلاه.
شكرت الأستاذة بشرى الخليل، التي نظمت فيها قصائد، على أساس أنها ماجدة من حرائر الأمة، وأنا أعرف أنها لم تحك كل شيء عن عائلة الرئيس، لأنها قالتها بعظمة لسانها، «فيه كلام ما أحكيه»... لكنّها أردفت في الأخير بالقول: قلت لبنات الرئيس إن أعظم مكانة أعطاكم إياها الله للتاريخ.. هو أنكنّ بنات صدّام.. هذه أعظم مكانة.. فأي مكسب دنيوي لن يكون بعظمة أنكن بناته...

غالب ياسين
20/12/2007, 04:20 PM
اعدام صدّام يوم العيد، تعمّد أمريكي لإهانة كلّ العرب!

المناضل الفلسطيني ناجي علّوش

كان صديقا لصدّام.. وكان على اختلاف سياسي وحزبي طفيف مع حزب البعث.. تحدث بإيجابية عن التجربة العراقية، وهو كلّما يستذكر العراق وصدّام حسين، «ينهال» على أعدائه ومن ناصبوا مشروعه (صدّام) العداء، بعصا النّقد.. عصا يضرب بها الاحتلال في فلسطين وفي العراق وينهال بها على أعداء الأمة من الأجوار والأبعاد..
المناضل الفلسطيني العربي ناجي علّوش، منظّر ومؤسّس حركة الماركسيين العرب، طلبت منه أن يشارك في هذا الملف، فقبل برحابة صدره المعهودة، ولما استهللت اللقاء بسؤال عن صدام حسين في الذكرى الأولى لاستشهاده، قال في ردّ عفوي وبأفكار منظمة: «إنّي أعتقد اعتقادا جازما أن الرئيس صدّام ظُلم كثيرا في حياته وظُلم بعد استشهاده.. فخلال حياته استطاعت الدعاية الايرانية أن تجيّش الكثيرين.. ولقد استهشد وهذه الاتهامات الباطلة تحوم حوله.. إنّ صدام قائد قومي ولقد ترك أمرين يذكران له في التاريخ: الحرب العراقية ـ الايرانية لصدّ النفوذ الايراني الذي نراه حاليا، والثورة القائمة حاليا وهي من أكبر الثورات ضد الامبريالية الأمريكية، كما أن الحرب التي يشوّهها المشوّهون، أدّت الى نتائج كبيرة، كان يبني ويعي ما يبني، أذكر مرة كنا في زيارة له (صدّام) وكان الحاضرون يتحدّثون عن المخاطر التي تحيق بالأمة نتيجة «الثورة الايرانية» والعدو الصهيوني، فقال: لا تخافوا إننا نبني جيشا مؤلّفا من مليوني جندي لحماية العراق والأمّة العربية. ولقد بيّن هذا الجيش الذي رأيناه في الحرب العراقية ـ الايرانية، لا يردّ العدوان فقط، يردّ بالهزيمة على العدو. كان الرئيس صدّام يعتقد أنه يبني في العراق قاعدة للأمة من العراق.. من قوات مسلّحة الى علماء.. وكان يعتقد أن تطوير الجيش وبناءه على أسس حديثة سيكون عاملا كبيرا لبناء دولة حديثة، قادرة على أن تقود التصنيع والثقافة والتقدّم الى الأمام، وأن تكون القاطرة التي تجرّ المنطقة العربية والعالم الثالث ـ كان صدّام، يبني والذين يهاجمونه لا يدرسو ن ماذا فعل في الثقافة، ولا أقول عن وزارة الثقافة التي كانت تنشر الكتب القيّمة والترجمة، بل أتحدث على مستوى الجامعات ومستوى الدراسة فيها، كانت جامعات مفتوحة لا للعراقيين فقط للوطنيين العرب كذلك.
أعتقد أنه وبعد عام من استشهاده، لا نستطيع أن نفي الرجل حقّه أو حقّ تجربته، فذلك بحاجة الى دراسة موثقة لدراسة تطوّر الصناعة والزراعة، ومما لم يعلن من برامج علمية.. لكن الذين عاشوا في العراق، يعرفونه بالأرقام والدلائل.
وقد كانت لي الفرصة أن أزور مصانع كبرى، وأن أرى الطرق التي شقّت والقنوات التي حفرت، والنّهر الذي شقّ بغداد نحو شطّ العرب، كلّ ذلك يغطَّى عليه ولا يقع الحديث عليه ولا يتحدث عنه المتحدّثون..
كان صدّام يرى، أن بناء جيش قوي مثقف ومصنّع سيقود الى تعزيز القوة الشعبية، والتأمين لحياة جديدة خالية من القمع والسطوة والعنجهية.
واصلت سؤال محدّثي عن نقاط أخرى، يعرّف بها صدّام الذي يعرفه جيدا، فأضاف: «إن الرئيس صدّام كان يلتقي بقواعد الحزب ويُلقي عليهم محاضرات استراتيجية مهمة حان لي أن أقرأ بعضها، لأن «دار الطليعة» للنشر كانت تطبعها.. كان «صدّام» يتحدّث حديث الاستراتيجي المناضل، لا الدّاعي.. قرأت له مرّة خطابا، في قمّة «الاتحاد العربي» الذي جمع مصر والأردن والعراق واليمن، وكان ذلك عندما سقط الاتحاد السوفياتي قال: «الآن يمكن للعرب أن يتقدّموا ويبنوا ويكونوا طرفا في المنطقة» ولم يجد هذا المقترح نتيجة ولم يفض إليها.. لقد انفرط «الاتحاد» عوض أن يتوطّد للقيام بمهام جديدة عربيا.
إن الذكرى الأولى لاستشهاد صدّام القائد بحاجة الى دراسات تجمع المعلومات عن التطور الاقتصادي والاجتماعي الفكري وتطوّر الجيش وفكرة انتاج الذرّة، وتطوّر الأبحاث في هذه المجالات، ورغم أن الأمريكان لم يستطيعوا أن يجدوا أثرا لذلك، لكن هذا لا ينفي محاولات العراق الجدية في ذلك الأمر، إذ لم يكن الاتهام الأمريكي بلا أسس، لأن العملاء الذين ادّعوا أنهم معارضة، كانوا ينقلون الى سادتهم الأمريكان، كلّ ما حصلوا عليه من معلومات. وكان بعضهم قادرا على الاطلاع على ما يخيف الأمريكان في العراق.
هولاء الذين عملوا كعملاء، عوض أن يكونوا معارضة داخلية، استغلوا كعملاء للمصالح الأمريكية، وقد أثبتت التجربة أنهم عملاء ولا يحظون بشعبية تُذكر. والدليل بأن المقاومة ضد الاحتلال قامت من بين صفوف حزب البعث وليس من قوى المعارضة. فهي «معارضة» تعمل من أجل خدمة المخطط الأمريكي في العراق بدلا من أن تقوم بمجهود لإخراج القوات المحتلة.. إن هذه المقاومة الباسلة التي نراها تتطور بحسب عدد القتلى الأمريكان، الذي يزداد ونصب الكمائن للدوريات الأمريكية، حتى أضحت لا تستطيع أن تدور في مناطق العراق، هي العنوان الكفيل بالتدليل على مشروع صدّام.. المقاومة العراقية تفعل ما لم تصل إليه حروب العصابات في حركات تحرّر ومقاومات أخرى.
المقاومة العراقية، تعمد الى اسقاط الطّوّافات، وهي أكبر عقدة في العمل المضادّ للاحتلال.. إننا نرى أن هذا الخطّ القومي الذي كان يقود العراق ويسعى لأن يكون خطا عربيا يقود جماهير كبرى، إن هذا الخط يستحق أن نتمسّك به، وأن نعتزّ بقائده الذي استشهد من أجله وأجل العرب ومن أجل هزيمة كل أشكال الاحتلال والعدوان في الوطن العربي..
إنني آسف أن صحّتي لا تسمح لي لأذهب الى العراق، للمشاركة في المقاومة، أو الحصول على المعلومات الكافية للموضوع. أعتقد أن الوفاء لهذه التجربة هي من أكبر مهمّات القوميين من أجل أن تكون للأمة قيادتها وأن يكون لها خطّها.
سألت المفكّر ناجي علّوش، عن احساسه الشخصي لحظة اعدام صدّام، في مثل فجر الغد من السنة الفارطة.. السّنة الهجرية طبعا، أي يوم العيد، فقال بعد صمت لبرهة: «أحسست بإهانة كبرى، كيف أنّهم اختاروا يوما عظيما.. يوم الحجّ الأكبر، يوم عيد الاضحى ليكون يوم إعدام الرئيس القائد صدّام حسين.. إنني أحسست أنهم (المحتلون الأمريكان) يتعمّدون إهانة كلّ منّا، وإهانة التاريخ العربي المشرق من فجر الاسلام الى الآن.. إنهم يختارون الأساليب ليهينوننا لبسالتنا وشجاعتنا المعروفة عنّا كأمّة. لقد أحسّ بهذه المعاني كلّ عربي، لكنها يجب أن تعلّمنا كيف نطردهم من العراق ونمنع العدو الصهيوني من أن يؤسّس لهم قاعدة في المشرق العربي تتقصّد إيذاء العرب. الامبريالية والصهيونية طرف واحد، وعدو واحد وقيادة واحدة.
انتهى الحوار مع المفكّر ناجي علّوش، وعلى وقع كلماته وتوصيفه، جالت خاطري مقارنة، لا أدري ان كانت جائزة أم لا، على كلّ هي اقتحمت مخيّلتي، مقارنة بين ناجي علّوش المسيحي العربي وأولئك «المسلمين» الذين رقصوا يوم عيد الاضحى ومثّلوا بجثة الشهيد.. والموقف يختزل كل التناقضات التي تشقّ صدر الأمّة لتؤرّقه..

غالب ياسين
20/12/2007, 04:21 PM
موقف صدّام أمام حبل المشنقة اختزل كل البطولات العربية

د. نزار السامرّائي

استبدل الحزن على رئيسه بالموقف الشجاع الذي لا يحيد عن الخط الذي وشّح الرسم البياني لمشروع صدّام... الدكتور نزار السامرائي الخبير الاعلامي العراقي عرف صدّام الرئيس وصدّام القائد عن قرب... سألته عن الشخصية التي عرفها وهو مسؤول بالاذاعة والتلفزيون العراقي يعلّق على الأخبار ويرتدي عباءة الخط السياسي النضالي في العراق زمن الثورة...
بادر بالجواب وفيه قصة ودون أن يأخذ برهة للتفكير قال:
«على خلاف ما يقال عنه إنه رجل مستبد ويتخذ القرارات بصفة منفردة، فإني امتلك تجربة خاصة في التعامل مع هذا الرجل. كنت أحضر اجتماعات أسبوعية مع الرئيس الراحل رحمه الله، في مكتب الثقافة والاعلام القومي، وكان يستمع أكثر مما يتحدّث ويستمع الى الجميع. ويعتبر كل رأي، مهما كان الموقف الوظيفي مهمّا جدا في رسم السياسة العليا للدولة. أذكر في هذا المجال حادثة في 1974 قبل القمة العربية السابقة بالرباط حيث استفتى جميع الحاضرين في اجتماع حول ما اذا كان العراق سيشارك او لا يشارك لأن العراق كان الى ذاك الوقت يقاطع مؤتمرات القمة. وأذكر أنه وجّه حديثه اليّ بشكل مباشر فسألني: «هل ترى أن نشارك في المؤتمر أم لا؟ وحينما أجبت أنه يجب علينا ان نشارك لأننا غادرنا موقع الخوف من الآخرين، وأصبحنا نحن الذين نؤثر فيهم، وبعد حديث قال: شكرا. ووجّه حديثه نحو شخص آخر، وقد كنت مديرا معلّقا سياسيا في الاذاعة والتلفزيون بالعراق.
وجّه حديثه نحو شخص آخر،اذن ليستطلع آراء الآخرين... قال الشخص الآخر، إن مؤتمرات القمة العربية وعاء للخيانة، وأن من يحضرها يرتكب خيانة بحق القضايا العربية. فوجه له الشكر على حديثه هذا أيضا. فأصبح الحضور في حيرة من أمرهم... لأن الرئيس صدّام حسين ـ رحمه الله ـ وجه «شكرا» لم قال نحضر، ووجه «شكرا» لمن قال ان من يحضر خائن! وبعد حوارات طويلة، بدأ بمناقشة كل رأي على حده... قال موجها حديثه اليّ شخصيا، حينما قُلت «يجب» فقد اختزلت رأي الآخرين، و كان ينبغي ان تقول: «من الافضل ان نحضر» أو «من الخير لنا وللأمة أن نحضر».
لا أن تحلّ محلّ القيادة العراقية وتقول «يجب» لأن هذه الكلمة فيها الزام قوي واختزال للآخرين، او الغاء لدورهم. من هذه الحادثة أستطيع ان أجزم دون تردد بأن الرجل كان يمتلك قابلية الاصغاء، على نحو لم أعهده حتى من المسؤولين الذين هم أقل منه موقعا.
كان صدّام يشبع القضايا بحثا ودراسة قبل اتخاذ القرار. كان يستطلع آراء الجميع ولكنه حينما يركن الى رأي فيه أغلبية للآراء، يعتمد على الآية الكريمة: {فإذا عزمت فتوكل على الله}.
هنا سألت محدثي الذي يعيش الآن خارج وطنه المحتل، عن صورة الاعدام وكيف يراها كإعلامي وكإنسان عراقي عمل مع صدّام طويلا، فقال وقد تخلل السؤال والجواب لحظة صمت: «في واقع الحال رأيت الفلم الذي تم تصويره، وحلّقتُ مع الرجولة التي كانت تمشي بخطوات واثقة وهي تتجه الى الله. لقد جسّد الرئيس صدّام معاني الرجولة والشجاعة. موقفه أمام حبل المشنقة اختزل كل ما قرأنا وسمعنا من قصص البطولة العربية. لقد كان الجلاّدون مرتاعين وكان شامخا... كان الخوف مرتسما على وجوههم، وكان «أودا» بأتم معنى الكلمة... واقفا على رجلين فارتعدت أرجلهم، وثبُتت رجلاه... مع ثقل القيود التي كانت بيديه ورجليه، كان يحمل همّ الأمة، أثقل من كل القيود. وكما ان حياة صدّام حسين كانت مشروعا لنهضة العراق والأمة، فقد كان اغتياله انجازا لمشروعه من حيث أراده أعداؤه أن يكون نحرا له. أرادوا تحويل عيد المسلمين، عيد الاضحى الى نكبة للمسلمين، ولكن الامة تعيش أعيادها ـ أيضا ـ بتضحيات رجالها.
رحيل صدّام حسين أضاف للأمة تجربة خالدة بالصوت والصورة لم يكترث وهو يواجه الموت لأن حياته ما بعد الموت أكثر ايذاء لأعداء الأمة مما لو أخفوا حقائق ماجرى، في عملية الاغتيال... فكان صدّام حسين في عيد الاضحى قربانا لهذه الأمة ومشروع نهوضها وصعودها الحضاري.





أكبر في صدّام شجاعته وبأسه... لكن النتيجة لم تكن وفق المأمول

السيد الطاهر بلخوجة

أتيحت لي مناسبة ما، وقد التقيت السيد الطاهر بلخوجة وزير الاعلام الأسبق، وسألته ان كان يعرف صدّام، وما كان شعوره والرّجل يعدم منذ عام يوم «العيد الكبير» فقال: كانت لي الفرصة وكان لي الشرف أن حضرت سنة 82 ببغداد، اجتماع وزراء الاعلام الخليجيين ومعهم العراق، و قد دعيت كضيف شرف، أو بصفة ملاحظ.. رابطنا لمدة أربعة أيام ببغداد وتحديدا في قصر الضيافة للرئيس صدّام.. أذكر أنني ولمّا كنت أتجول بمدينة بغداد، ما بقي في ذهني أو علق به، هو أن نوعا من الأسف انتابني، تجاه إزالة جزء كبير من المدينة العتيقة لبغداد، لتعوّضها بناءات عصرية وشاهقة. الملاحظة الثانية التي علقت بذهني، هي أن هناك نظام محكم في البلاد، وانضباط المواطنين وحسن أخلاقهم كانا سمة واضحة وجلية.. رغم أن هناك شعور بشيء من التشدّد الأمني في الشوارع وفي كامل البلاد (فقد كانت الحرب العراقية ـ الايرانية على أشدّها، حيث ناصفت مدتها في 1984).. قابلنا صدّام حسين، رئيس الجمهورية لمدّة ساعة تقريبا، واستمع إليناع أكثر ممّا تحدّث، وما قاله من كلام، كان حول مكانة بغداد من بين دول الخليج وفي العالم العربي، معبّرا عن آماله في أن ترى قوة عربية النّور، لكي تقدر على مواجهة التحديات.
كانت لغته رشيقة وسلسة وكلامه متأني ومتّزن، وكانت لقامته وللباسه شيء من الوقار بالنسبة لعديد المسؤولين الآخرين.
سألت السيد الطاهر بلخوجة عن شعوره يوم اعدام رئيس عربي على أيدي قوات الاحتلال وبأمرهم فقال: لا يمكن لأي عربي أو غير عربي أو أي انسان بصفة عامة، أن يقبل ما شاهدناه يومها، من أجل إبعاد صدّام حسين.. كان يمكن أن تكون العملية بشكل حضاري أفضل.. هذا رغم أن لصدّام مسؤولية في بعض الأخطاء، ومنها أخطاء أدّت الى أن يستغلّ الأعداء الموقف للوصول الى ما وصلت إليه الأمور اليوم.
وإن كنت أكبر في صدّام الشجاعة والبأس، يمكن أيضا أن نقول أن النتائج لم تكن في مستوى تلك الشجاعة.

غالب ياسين
20/12/2007, 04:22 PM
صدام تقدّم الى المشنقة... كنخل العراق شامخا... لا يهاب أحدا

المحامي زياد الخصاونة

الأستاذ زياد الخصاونة، هو المحامي الاردني، الذي ضمّته كوكبة المحامين الاول، الذين أخذوا على عاتقهم تكوين هيئة الدفاع عن صدام حسين وعن العراق...
كانت للرجل رؤى مخالفة، لما يمكن أن يكون مسموحا به، لمحام يدافع عن الرئيس العراقي صدام حسين... كما سألته عن الرئيس الشهيد، وعن أنباء لم يسرّ بها من قبل، كما سألته عن تقييمه لعملية الاعدام، وإحساسه بعد عام... وكيف كان الاعدام يوم عيد الاضحى المبارك، وقد حرّمت كل الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، إعدام إنسان في يوم عيده الديني أو عيده الوطني... تنهّد المحامي الاردني، الذي مازال يصرّ على نعت «صدام» بـ «السيد الرئيس» ويضيف الى هذه التسمية: «الشهيد»
«في الحقيقة ليس لديّ أسرار لم تُذع عن ملف المحاكمة والاستشهاد، لكني سمعت ولم أشاهد، أن السيد الرئيس الشهيد، ليلة إعدامه عرضت عليه وجبة العشاء بعد أن طلب أن يتعشّى، ثم طلب ستة أكواب ماء ساخن بالعسل، فشربها... توضأ وصلّى وقال لسجّانيه: «تفضلوا الى حيث أنتم ذاهبون»، وفي نفس اللحظة عرض عليه أحدهم أن يذهب الى الحمام، خوفا من خوفه أو ارتعاده أمام المقصلة... فرد السيد الرئيس: «اللّي مثلك يروحون على الحمام... لكن أنا لا».
ثم إنني قد لا أذيع سرا، إن قلت، إن الاحتلال الذي كان يتولى اعتقاله عرض عليه الاعتراف بالكيان الصهيوني، وإقامة قاعدتين للأمريكان في العراق لكنه رفض... وقد جاء الرد وحبل المشنقة يطوّق رقبته بأن عاشت فلسطين...
الأمريكيون الذين لم يقبل السيد الرئيس شروطهم حتى في الحد الادنى، ظل على مبادئه... فسلّمه الامريكيون الى حكومة الاحتلال، وجرى ما جرى...
كان الرئيس صدام لما يُسأل: لماذا لا توافق على هذه «الصفقة» أو هذا «المقترح» كان يسارع ليقول: «لو أن الحسين قال ـ نعم ـ لما كان الحسين»... أنت تعرفين أن السيد الرئيس تربّى تربية إيديولوجية ليس فيها لأنصاف الحلول مكان... طبعا، هنا لا أدري إن كانت هذه المعلومات، التي أثق من مصدرها تمام الوثوق قد أذيعت أم لا قبل هذا الموعد...
سألت محدثي عن شعوره أو بالاحرى تقييمه لمرور عام على رحيل صدام فقال بعد لحظة صمت مقصودة:
«هو شهيد الحج الاكبر... وهذا لا اختلاف فيه... لقد تدخلت القدرة الالهية وأظهرت صور الاعدام، فكذّبت ادعاء الربيعي، الذي قال إن السيد الرئيس كان يرتعد وهو يقترب من المشنقة... كذّبته الصور وسفّهت كل العملاء وأسيادهم... كان الرئيس وهو يتقدم الى المشنقة، كنخل العراق شامخا لا يهاب أحدا... والذي يدقق في صورة الاعدام يلاحظ كيف نظر الرئيس الى الزاوية وابتسم، والعارفون بهذه الامور، يقولون إن الشهيد وصاحب المقام الطيب والمنزلة الفضلى عند الله، يكون لحظة القضاء يرى ما يسرّه... نسأل الله أن يكون مع الشهداء والصديقين في علّيين... السيد الرئيس مؤمن شديد الايمان... بالله وبمبادئ الامة.
أما عن الاثر النفسي، فلن أكابر لأدعي أنني لم أتأثر... كان الاثر على النفس كبيرا وكان الاثر في وعلي مثلما كان عليه حال أبناء الامة العربية والاسلامية وأحرار العالم... لانه تم في صبيحة العيد الكبير... كانوا يعتقدون أن إعدامه سوف يؤثر سلبا على المقاومة العراقية... البطلة، لكنها بالعكس، ازدادت بأسا في مقارعة المحتل وعلى طريقه وسيرته... وهو الذي وعد أن الامريكان سوف ينتحرون على أسوار بغداد... وها هم كذلك، كما قالها السيد الرئيس قبل الحرب... ينتحرون على أسوار العراق كله... وإني أرى أن هذا المصير سينال الامريكان... بلا ريب. ما فعله الامريكيون مع الرئيس وشعبه، زاد المقاومة فعلا وصلابة، وقد كانت المراهنة الامريكية أن تنتهي المقاومة بعد استشهاد الرئيس، لكن العكس هو الذي حصل...
قلت للأستاذ زياد الخصاونة، وهو الذي كانت له لقاءات وتبادل للآراء، مع رجال قانون دوليين، لما كان رئيس هيئة الدفاع عن صدام والعراق، كيف يقبل دوليا، وفي القرن الواحد والعشرين، أن يعدم إنسان في يوم عيده الديني، رغم التنصيص أمميا ودوليا على تحريم وتجريم ذلك، في حين أن الذي تم مع الرئيس العراقي، لم يُثر أي اكتراث من أحد؟
قال: أنا أتفق معك أنهم خالفوا الشرائع السماوية والقوانين الوضعية... ولكني أقول إن الاحتلال ومن معه، ليست لهم علاقة بالقانون وبالشرائع... إن أكبر إدانة للاحتلال الامريكي، هو إعدامه لشهيد مسلم يوم الحج الاكبر... لقد ضربوا بالقوانين والشرائع عرض الحائط وضربوا معها المعاهدات الدولية، من معاهدات جنيف الى كل ما تملكه الاسرة الدولية من قوانين واتفاقيات ومواثيق... إن عدوانهم على العراق باطل... ويعدّ ضربة للقانون الدولي بكل أصنافه... وإعدام الرئيس صدام هو أحد أكبر وأهم المطالب الامريكية...وكان الرئيس يعي ذلك. كان الرئيس يقول لزملائي الذين يزورونه، إن الاعدام حاصل... ولم يساوره شك في أنهم سينفذون هذا الامر... وإني أذكّرك هنا، كيف طالب الرئيس المعتقل أن يُعدم بالرصاص، على اعتبار أنه القائد الاعلى للقوات المسلحة العراقية، لكنهم رفضوا... بل ومثّلوا بجثته... فعلوا بجثته ما لا يرضاه وجدان ولا ضمير، وهم (المحتلون وعملاؤهم) بلا وجدان وبلا ضمير. لكني هنا أعود، فأقول إنه كما هو معلوم وفقا للقاعدة القانونية فإن «فاقد الشيء لا يعطيه».
سألت ابن عمّان، عن ابنة الرئيس، عندما قال لي إنه يسأل عنهم كعائلة، بين الفينة والاخرى وأضاف: السيدة رغد وكامل بنات الرئيس وزوجته السيدة ساجدة، والاحفاد، مصابون بفقدان الأب والزوج وبالتالي يعانون الألم والحسرة، هذا حالهم كعائلة خاصة، ويشاركهم الكل بألم فقدان الزعيم والرئيس. ولكن ما عسانا نقول غير قوله سبحانه: {وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنا إليه راجعون}... هذا هو وعد ربّ العالمين. إنهم كأفراد عائلة وينضم اليهم شرفاء الأمة، سيبقون محافظين على وجدان وعقل الرئيس، ونطلب أن يحميهم المولى...
وفهمت من الاستاذ الخصاونة، أنه يشير الى بعض الاصوات في حكومة الاحتلال التي تطالب برغد أو بساجدة... (زوجة صدام حسين وابنته).





قتل صدّام.. قتل للعراق!

د. الفاضل الربيعي

هو معارض لصدّام ونظام حكمه طيلة 35 سنة.. لكنه، وما إن ناصب الاستعمار والرجعية العربية وقوى الهيمنة الاقليمية العراق العداء، حتى انبرى مناضلا وطنيا وقوميا وإنسانيا.. يدافع عن الوطن ولايرتضي أن يسيطر الاحتلال على شبر واحد من أرض الوطن.. هو من بين مجموعة الشخصيات المعارضة، التي عاودت الوصل مع الوطن، على أساس جبهوي، ضدّ الاحتلال وضدّ قوى الطّمع والهيمنة.. في هذه الذكرى الأولى لاستشهاد صدّام، يحلو للدكتور الفاضل الربيعي أن يشبّه صدام بوالي العراق داوود باشا الذي انتفض ضدّ الهيمنة العثمانية، سنة 1830 ... وتنبأ الربيعي أن يبكي العراقيون صدام لأكثر من مائة عام على غرار ما قاله مؤرخ بريطاني بعد إعدام التّرك لوالي بغداد من أن العراقيين سيبكون «واليهم» لمائة عام..
في البداية سألته عن رأيه في صدّام وفي الاعدام فقال:
«بداية مهما اختلف المختلفون حول صدام حسين، فإنهم في النهاية سيوافقون على الرأي القائل أنه كان رجل دولة من طراز استثنائي في تاريخ العراق الحديث، ليس من المهم من وجهة نظر التاريخ أن يرتبط بناة الدول بصورة رجال ديمقراطيين أو دكتاتوريين، بل المهم، أن يكونوا قادرين على بناء دول حديثة. ولذلك وبصرف النظر عن الآراء والمواقف بشأن «دكتاتورية» أو «ديمقراطية» صدّام حسين، فإن العراقيين يجمعون على أنه كان باني العراق الحديث.
وهذا وحده يكفي كشهادة يسجلها التاريخ، لصالح الدور الذي لعبه.
وأذكر عبارة شهيرة، لمؤرخ بريطاني عاش في العراق، مطلع القرن الماضي اسمه «لون قريك» في كتابه «أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث» قال فيه تعقيبا على مشهد قتل والي العراق داوود باشا عام 1830، بعد الاجتياح التركي لبغداد، قال: «لقد بكى العراقيون على داوود باشا، ولكنهم سيبكون لمائة عام أخرى عليه» ولذلك غالبا ما يقارن الكثير من المؤرخين بين شخصيتي «داوود باشا» و»صدام حسين». فهذا الوالي الذي تمرّد على مركز الخلافة بالسلطنة العثمانية، واندفع في مشروع التحديث ونقل العراق إلى مصاف الدول الراقية، وهذا ما يشهد به الديبلوماسيون الأوروبيون الذين زاروا بغداد خلال ولايته، هذا الوالي وجد نفسه في مواجهة دامية مع قوى خارجية حطّمت مشروعه لتحديث العراق. وذلك يقال أن داوود باشا هو بمنزلة محمد علي في مصر.. والحال هذه، فإن صدّام حسين، ومرّة أخرى، بصرف النظر عن رأينا في شخصيته، سيرتبط في أذهان العراقيين لمئات السنين، بصورة رجل الدولة الذي وضع العراق في قلب معادلات الشرق الأوسط والعالم، لكن سوء حظ صدام حسين، ولنقل قدره المأساوي أنه نجح في بناء دولة حديثة ولكنه أخفق في بناء مجتمع حديث، لأن مفهومه للدولة الحديثة كان يرتكز إلى فكرة، إنشاء سلطة قوية وجيش قويّ، ولكن من دون عمل جذريّ، على مستوى التحديث في المجتمع...
بكلام آخر، بنى صدّام حسين سلطة عملاقة بأرجل هشة في المجتمع، وكان عليه، لاستكمال هذا المشروع أن يبني ليس مجتمع دولة فقط، بل ان يقوم بعملية تحديث شاملة في المجتمع العراقي. والتحديث يعني، من بين ما يعني، توسيع إطار كلّ أشكال الحرية بما يدفع الأفراد الأحرار إلى الشعور بأنهم أحرار حقّا، وفي مجتمع حرّ. لكن هذا ويا للأسف، لم يحدث، ومع ذلك فإن التاريخ سيتوقف طويلا أمام صدّام حسين ويمعن النظر في مشروعه التاريخي.
ومشروعه التاريخي أن يتجلى ويتجسّد في أبلغ الصور، في حقيقة أنه استلم الحكم ولم يكن في العراق، أي عالم بالمقاييس العالمية. ولكنه حين صعد حبل المشنقة كان قد ترك خلفه جيشا من العلماء.
وهذا ما استهدفه مشروع الغزو بدرجة رئيسية، ان يحطّم حلم صدام حسين وحلم العراقيين، في التحوّل إلى دولة حديثة ترتكز على قاعدة العلم والعلماء، والنّظم الحديثة في الإدارة. وأنا على يقين أن هذا الحلم لن يموت بموت صدّام حسين، وأنه سيحيا في وجدان كلّ العراقيين.
اليوم وعندما يلتفت العراقيون من حولهم، ويرون قطعان القتلة والمجرمين، من قاتلي العلماء ويشاهدون الفوضى والخراب فإنهم سوف يبكون صدام حسين كما بكوا في الماضي على داوود باشا. وربما لمائة عام أخرى.
قلت لمحدثي ما هو شعورك الشخصي تجاه عملية الاعدام، وكيف يكون شعورك غدا، والذكرى الأولى تمرّ، فقال دون تردّد: «شخصيا أشعر أن الفاجعة أكبر من الخيال... وربما أكبر من كلّ تصوّر... وكما يقول العراقيون البسطاء، فقد كان قتل صدام حسين قتلا للعراق.. لقد شعرت أن الرجل الذي صعد إلى المشنقة، لم يكن صدام حسين بل كان العراق نفسه، يصعد المنصّة، ليلتفّ حول رقبته حبل الجلادين...
لقد كنت معارضا لسنوات طويلة، لنظام صدّام، ولكني لم أشعر للحظة واحدة، بأن الصراع ضدّ الدكتاتورية يمكن أن ينتهي بالجلوس في أحضان المحتلين والمجرمين الذين، لفّوا حبل المشنقة على عنق صدام حسين كانوا يقطعون رقبة العراق... ورقبة المشروع التاريخي... الذي جسّده بامتياز صدّام حسين».





يا نــائي الــدار

عبد الرزاق عبد الواحد
لا هُم يلوحون.. لا أصواتهم تصلُ
لا الدار، لا الجار، لا السّمّار، لا الأهل
وأنت تنأى، وتبكي حولك السّبل
ضاقت عليك فجاج الأرض يا رجلُ!
سبعين عاما ملأت الكون أجنحة
خفق الشّرار تلاشت وهي تشتعلُ
لا دفّاتك، ولا ضاء الظّلام بها
طارت بعمرك بينا أنت منذهلُ
ترنو إليهن مبهورا.. معلّقة
بهنّ روحك، والأوجاعُ، والأمَلُ
وكلّما انطفأت منهنّ واحدة
أشاح طرفك عنها وهو ينهملُ!
سبعون عاما.. وهذا أنت مرتحل
ولست تدري لأيّ الأرض ترتحلُ!
يا نائي الدّار.. كلّ الأرض موحشة
إن جئتها لاجئا ضاقت به الحيلُ!
وكنت تملك في بغداد مملكة
ودار عزّ عليها تلتقي المقلُ
واليوم ها أنت.. لا زهو، ولا رفلُ
ولا طموح، ولا شعر، ولا زجلُ
لكن همومُ كسير صار أكبرها
أن أين يمضي غدا.. أو كيف ينتقلُ!
يا ليلَ بغداد.. هل نجم فيتبعهُ
من ليل باريس سكرانُ الخطى ثملُ
الحزن والدّمع ساقيه وخمرتهُ
وخيلُهُ شوقهُ.. لو أنها تصلُ
إذن وقفت على الشّطآن أسألها
يا دجلة الخير، أهل الخير ما فعلوا؟
أما يزالون في عالي مرابضهم
أم من ذراها إلى قيعانها نزلوا؟
هل استفزّوا فهيضوا فاستهين بهم
عهدت واحد أهلي صبرُهُ جملُ!
فأيّ صائح موت صاح في وطني
بحيث زلزل فيه السّهلُ والجبلُ؟
وأيّ غائلة غالت محارمهُ
وما لديه على إقصائها قبلُ؟
يا دجلة الخير بعضُ الشرّ محتمل
وبعضه ليس يُدرى كيف يحتملُ!
خيرُ الأنام العراقيون يا وطني
وخيرهم أنّ أقسى مرّهم عسلُ!
وخيرهم أنّهم سيف.. مروءتهم
غمد له.. والتّقى، والحلمُ، والخجلُ
وهم كبار.. مهيبات بيارقُهُم
شُمّ خلائقهم.. خيّالهم بطلُ
لا يخفضون لغير اللّه أرؤسهم
ولا ينامون لو أطفالهم جفلُوا
فكيف أعراضهم صارت مهتّكة
وحولهنّ ستورُ اللّه تنسدلُ؟
وكيف أبوابهم صارت مشرّعة
لكلّ واغل سوء بينها يغلُ؟
وكيف يا وطن الثّوّار داس على
كلّ المحارم فيك الدّون والسّفلُ؟
أهؤلاء الذين الكونُ ضاء بهم
وعلّموا الأرض طرّا كيف تعتدلُ
ومن أعانوا، ومن صانوا، ومن بذلوا
ومن جميع الورى من مائهم نهلوا
دماؤهم هذه التّجري؟.. هياكلُهُم
هذي؟؟.. أقتلى بأيدي أهلهم قتلوا؟
تعاون الكفر والكفّار يا وطني
عليهمو.. ثم جاء الأهلُ فاكتملُوا!
يا ضوء رروحي العراقيّون.. يا وجعي
وكبريائي.. ويا عيني التي سملُوا
أنتم أضالع صدري.. كلّما كسروا
ضلعا أحسّ شغافي وهو ينبزلُ
فكيف تجرؤ يا أهلي بنادقكُم
على بنيكُم ولا تندى لكم مقلُ؟
وكيف تسفح يا أهلي خناجرُكُم
دما بنيكم ولا ينتابُها شللُ؟
وكيف يا أهلنا نالُوا مروءتكُم
فأوقعوا بينكم من بعد ما انخذلُوا؟
يا أهلنا.. ليس في حرب العدا خلل
بل قتلكم بعضكم بعضا هو الخللُ
لا تكسروا ضلعكم أهلي فما عرفتْ
أضلاعُ صدر لكي تحميه تقتتلُ
فديتكم أنتم الباقُون.. راحلة
هذي الـمُسوخُ كما آباؤهم رحلُوا
فلا تعينُوا عليكم سافحي دمكُم
كي لا يقال أهاليهم بهم ثُكلُوا
صونوا دماكم، فيوما من قذارتهم
كلّ العراق بهذا الدّمّ يغتسلُ!





مرايـا: ثلاث شهقات على العراق

شعر: عبد الرزاق عبد الواحد

سلاما أيها الوطن الجريح
متى من طول نزفك تستريح؟
سلاما أيها الوطن الجريح!
تشابكت النّصال عليك تهوي
وأنت بكلّ منعطف تصيح
وضجّ الموت في أهليك حتى
كأن أشلاءهم ورق وريح!
سلاما أيها الوطن الجريح
ويا ذا المستباح المستبيح
تعثّر أهله بعض ببعض
ذبيح غاص في دمه ذبيح!
وأدري.. كبرياؤك لا تدانى
يطيح الخافقان ولا تيطح
لذا ستظلّ تنزف دون جدوى
ويشرب نزفك الزّمن القبيح!
سلاما أيها الوطن الجريح!
***
لزوم ما لا يلزم من الوجع
خوفا على قلبك المطعون من ألمي
سأطبق الآن أوراقي على قلمي
نشرت فيك حياتي كلّها علما
الآن هبني يدا أطوي بها علمي!
يا ما حلمت يموت فيك، يحملني
به ضجيج من الأضواء والظلم.
أهلي، وصحبي، وأشعاري منثّرة
على الجنازة.. أصواتا بلا كلم
إلا «عراق» تناديني.. وها أنذا
أصحو بأنأى بقاع الأرض من حلمي
فأبصر الناس، لا أهلي.. ولا لغتي
وأبصر الروّح فيها ثلم منثلم
أموت فيكم، ولو مقطوعة رئتي
يا لائمي في العراقيين.. لا تلم!
***
يا بلاد الدموع
للأسى.. للفراق
للدماء التي سوف تبقى تراق
إهملي يا دموع العراق!
من ذرى كرده مند
من ذرى بيره مكرون
تجري دموع الينابيع
تملأ أوجاع بيخال
حتى حديثة
توقظ حزن النواعير
يا وطن الدّمع
كلّ بيوت العمارة تبكي المرازيب فيها
وفي الناصرية تبكي الشواطئ
يجري غناء المغنين نهرا من الدّمع
تنساب كلّ الدموع
وتشهق في كربلاء
يا بلاد الدماء
يا بلاد الدموع التي لا تجفّ
متى تغسل الشمس هذا البكاء؟!



* كرده مند، وبيره مكرون: أعلى جبال كردستان العراق
* بيخا ل: أكبر شلالاتها
* حديثة: مدينة عراقية مشهورة بأنين نواعيرها
* العمارة، والناصرية، وكربلاء: مدن في جنوب العراق
http://www.albasrah.net/pages/mod.php?mod=art&lapage=../ar_articles_2007/1207/thkra1_191207.htm