محمد الطواب
22/12/2007, 01:53 PM
كنا ذات يوم ثلاثة فى مهمة عمل وقد اوشكت الرحله على الانتهاء ووصلنا الى الطريق شبه الصحراوى الغربى للنيل فى تخوم محافظة قنا .
ودرجه الحراره كادت ان تقترب من الاربعين درجه او يزيد او هكذا احسسنا بها عندما ..اضطرتنا الظروف لتغيير اطار السياره الذى كان قد
خلا من الهواء اللازم لمواصلة السير و اضطررنا الى الخروج من السياره حتى ينتهى السائق من تغيير العجله الاحتياطى ( الاستبن) وواصلنا
السير بعد ذلك فى هذا الجو الخانق الحارق الذى يكاد يشوى الوجوه (خارج السياره فقط طبعا ) ....ومع ان الشمس قد اوشكت على الاختباء فى
الافق البعيد خلف الجبال التى تصطف بنتوءاتها و انخفاضاتها بطول الطريق على يسار السياره الا ان شدة الحراره جعلت الطريق تخلو تماما من
البشر و الحيوانات و الطيور و من كل اشكال الحياه وكأن الحياه على الارض قد اقتصرت على ثلاثتنا فقط .. وكنا نتجاذب اطراف الحديث و كنا نؤكد
لبعضنا البعض انه لولا خطورة و اهمية المهمه الموكله الينا لما كنا ابدا نفكر فى الخروج من بيوتنا فى مثل هذا الجو و نحن صائمين فى شهر رمضان ..
و لكن للضرورة احكام كما يقولون ..ولأن فضل الله علينا كبيرا بما سخره لنا من وسائل الراحة و تخفيف المشقه فقد كانت السياره و لله الحمد و
الشكر من النوع السريع المريح المكيف الهواء .. و الحق يقال ان السائق ايضا حاول جاهدا ان يصل الى نهاية الرحله قبل موعد الافطار او قبل
غروب الشمس و لكن لظروف الطريق و ضيقه ووعورته فى بعض الاحيان و اضطراره الى ان يهدئ من سرعته مما حال دون تحقيق هدفه النبيل
و كانت النتيجه ان حل علينا وقت المغرب و لازال امامنا بعض الوقت للوصول الى نهاية الرحله... فتوقفنا فى الطريق عند قريه صغيره متاخمه للجبل
و قد كنا نحمل معنا الكثير من المياه المثلجه و الاطمعه اللازمه للافطار و لكن المشكله لم تكن لا فى الطعام و لا فى الشراب و لكن المشكله كانت
فى المكان الذى وصلنا اليه وقد حان وقت الصلاة و لم نرى فى الافق اى اثر لمسجد اوحتى زاويه قريبه ...ودخلنا فى وقت الصلاه ..ففكرنا ان نصلى
على الارض مفترشين بعض اوراق الصحف عوضا عن المسجد او الزاويه .. ولكن ظهرت فى الافق مشكلة ثانيه اخطر ولا يصعب حلها وهى حاجتنا
الى الماء للوضوء والى مكان نتوضأ فيه حتى نتمكن من اللحاق بالمغرب ..لآن المغرب غريب كما يقول اجدادنا ...ووقفنا فى حيرة من امرنا الى أن
بدد حيرتنا ظهور رجل متوسط العمر..عارى الرأس و شعره يشوبه بعض البياض وكان يسير وحيدا على قارعة الطريق و يمسك بيده عصا صغيره ..
وكان فى عجلة من امره ويسير فى خطى سريعه كمن يريد اللحاق بأمر جلل...
استوقفناه سائلين عن اى مكان قريب نتمكن من الوضوء فيه من اجل اللحاق بالصلاه ..فغير الرجل من وجهته الذى كان ينتوى السير فيها وتخلى عن
الصرامه التى رسمت على وجهه وحل محلها بشاشه و ترحاب كبيرين و كأنه كان ينتظرنا لمساعدتنا و لكنه مع هذا قليل الكلام او يكاد يكون عديم الكلام
مما اضفى بعضا من الغموض على شخصيته ... و مع هذا قررنا مجبريين على ان نتبعه الى المكان الذى اشار اليه دون معارضه ...واحترمنا صمته ولم
نزعجه بالاسئله .ولم يقل لنا سوى جملة واحده : اتفضلوا يا بهوات ...يا مرحبا يادى النور ... وسرنا خلفه فى درب ضيق متعرج ثم دلف يمينا فجأه و بدء
الظلام فى مد استاره علينا ولم نكن لنتبين شكل و لون حوائط الجدران الضيقه جدا و التى تكاد تطبق علينا .. و لاندرى لماذا هذا الضيق فى هذه الاراضى
الصحراويه الشاسعه ربما كان هذا يعكس نوعا من الحميميه بين افراد هذا المجتمع الى حد التصاق البيوت بعضها ببعض ... و الطرق ضيقه جدا بدرجه
انها لا تسمح لشخصين اثنين بالسير جنبا الى جنب علاوة على انحدارها بعض الشئ مما جعلنا نسير خلفه فى طابور و كأننا فى ثكنة عسكريه نؤدى بعض
التمارين الاجباريه و الخطوه المعتاده ... سرنا فى صمت مطبق لا نسمع فيه الا اصوات اقدامنا وفى اعتقاد كل منا انه يسير بنا الى مسجد قريب او زاويه ..
و لكن رغم كل هذا السير لم تظهر فى الافق اية شواهد او علامات لوجود ذلك المسجد المرجو او تلك الزاويه المنشوده الا فى مخيلتنا فقط .. و بدأ الشك
و الخوف و الحيره و التأفف و الضجر وشعور هو خليط مكون من كل هذه الاحاسيس يدب فى نفوسنا و تساؤل صامت خفى .. ترى الى اين يأخذنا ذلك الرجل ؟!!
الوقت يمر و الظلام يحل رويدا رويدا وكأنه لص يستلل بين ظهرانينا والمغرب غريب ..وقد يفوتنا موعد الصلاه ..ومر على الاذان وقت ليس طويلا و لكنه يمر
علينا و كأنه دهر ..
و فجأه توقف الرجل الغامض الصامت اما مبنى صغير مكون من دورين بالطوب النيئ ( اللبنى) ومدهون بالجير بلون فاتح لعله اصفر و محاط بخطوط طوليه
و عرضيه لعلها كما رايتها عندما فتح الباب و تسرب بعض الضوء عليها كانت باللون الازرق الفيروزى شأنه شأن الكثير من البيوت الريفيه فى دلتا مصر
و صعيدها ..وفتح باب قاعه فى خلفيه الدار واشار الينا بالدخول فدخلنا ففتح لنا بابا لدورة مياه صغيره متواضعه و لكنها نظيفه و مرتبه و بها كل ما نحتاجه
للوضوء و اسرع و احضر منشفه (فوطه) وقف امامنا ينتطر الواحد منا ليعطيها له بعد الانتهاء من الوضوء ..و كرر هذه المسأله مع ثلاثتنا ...و توضأنا
جميعا فى صمت و عندما خرج آخرنا من دورة المياه و جفف يده ووجهه بنفس الفوطه رغم تأففه و لكنه احترم رغبة الرجل الذى يقف زنهارا واخذها منه
و جفف بها وجهه و يديه ..ووقفنا للحظات ينظر كل منا الى الاخر متسائلا فى صمت ثم ادرنا ووجوهنا نحو الرجل دفعه واحده وكأننا نسأله ماذا بعد ..
اين سنصلى ؟ ...اين ؟ دون ان ننبس ببنت شفه .. و ادرك الرجل ذلك بفطنته وقال فى صوت قاطع ناهيا بذلك المشكله : صلوا هنا يا بهوات و باركونا ..
ثم احضر من ركن من اركان الغرفه حصيره بلاستيكيه نظيفه و كبيره و اشار لنا عن جهة القبله .. واذنت انا للاقامه و و اصطففنا و تلفتنا فيما حولنا
لنسأل هذا الرجل ان يأمنا فى الصلاه لانه اكبرنا سنا و .. و لكنه كما يقولون فص ملح وذاب و اختفى فى الحجرات المجاوره و لم يظهر ثانية الا بعد
ان انتهينا من الصلاة التى اديناها على عجل ولم نصبر على انتظاره خوفا من الدخول فى وقت العشاء ...وهممننا بالخروج لنستكمل رحلتنا و لنأكل
و نشرب ما جلبناه معنا فى السياره التى اصبحنا بعيدا عنها الى حدا ما ...
و انتظرنا قليلا لنستأذنه فى الرحيل و لكنه عندما ظهر مره اخرى .. صاح قائلا : لايمكن ابدا تخرجوا قبل ما تجرحوا صيامكم .. ده يبقى عيب قوى فى حقنا
....ووقف امام الباب معترضا و قد رسمت على وجهه صرامة شديده و لسان حاله يقول : هذه دعوه مؤكده لتناول الطعام و ليست عزومة مراكبيه ...وما كنا
لنرفض دعوته الكريمه و نجرح كبرياؤه و نقلل من قدره بين جيرانه اذا شاهدنا احدا من جيرانه خارجين من منزله فى مثل هذا الوقت وقت الافطار ...
هذا ما شرحته لمرافقى لاقنعهما بالبقاء و تناول الطعام حفاظا على مشاعر الرجل .. و ا دخلنا الرجل الى غرفه مجاوره و ارتشفنا بعضا من المشروبات التى
لا ادرى ما هيتها الى الان و لكنها كانت لذيذه و ذات مذاق فريد و روت عطشنا ..ثم اكلنا دجاجا محمرا طازج وارزا معمرا دافئ و هو اى الارز على مايبدوا كان
معدا من قبل لاناس غيرنا ..وما يؤكد وجهة نظرنا ان الدجاج كان طازجا و ذبح خصيصا لنا فور وصولنا .... هوأن زميلاى قد لاحظا على ملابس الرجل حين عاد
الينا بعد الصلاه كانت تحمل بعضا من بقايا دماء خفيفه وبعضا من الريش الصغير او الزغب الذى يكثر تحت رقبه الدجاج .. و هذا يعنى ان الرجل كان مشغولا
عنا و لم يصلى معنا لانشغاله بالذبح او المساعده فى الذبح و تحضير الطعام وهذا مجهود يشكر عليه على كل حال... و بعد الانتهاء من تناول الطعام سريعا ,
وكنا و كأننا قد تعودنا على البيت و اصبح بيننا وبينه الفه غريبه و محببه ...اخذ كل منا من تلقاء نفسه طريقه الى دورة المياه السابقه و التى توضانا بها من قبل
وغلسنا ايادينا و حمدنا الله و شكرنا للرجل كرمه و سعة صدره ...ذلك الرجل الذى كان يسرع الخطى عندما قابلناه ..نراه الان قد نسى الامر كلية ..و صب كل
اهتمامه علينا و على اكرامنا ... لم يعطنا الرجل الفرصه هذه المره للهرب او لمواصلة الرحله ..فقد امسكنى من يدى و قال مخاطبا الجميع : دلوقتى ميعاد الشاى
بعد الاكل .. و لم نستطع ان نقاوم او نرفض كل هذا الكرم الفياض ....كل هذا و لازالت علامات استفهام كبيره تدور فى روؤسنا جميعا لماذا لم يشاركنا الرجل
صلاتنا ..هل فعلا لانشغاله بأعداد الطعام ..ام ترى ايكون قد صلاها عند حلولها فى وقتها ؟
و الى اين كان يذهب هذا الرجل فى موعد كهذا ؟! ...و لكن لنستريح فقد اختار كل منا السبب الذى يستريح له قلبه وانا شخصيا و بعد مونولوج طويل مع نفسى
استرحت الى ان اشتراكه فى اعداد الطعام هو ما منعه من مشاركتنا الصلاه ..واي كان السبب فهو ليس مهم الان خاصة و اننا لم نرى من الرجل الا كل خير و كرم
......و هذا يكفى ... و بعد انتهاءنا من الاغتسال دلف بنا الرجل الى غرفه اخرى مقابله للغرفه التى اكلنا بها و سماها هو الصالون و حين فتح الباب رأينا بها
صالونا ضخم او تلك الكراسى الوثيره المطليه بالذهب و المغطاه بالمخمل الاحمر ..سمينا الله و دخلنا جميعا. و ما ان دخلت الغرفه و نظرت يمينى حتى تسمرت
مكانى بحيث سددت الباب على الاخرين .. فقد كانت المفاجأه ... رايت شيئا ما ..فسر لى الكثير من الغموض و التساؤلات الحيرى .. ولم يتمكن زملائى من
الدخول لوقوفى متسمرا بمدخل الغرفه .. الى ان افاقنى صوت زميلى .. و اخرجنى من غفوتى سائلا : فيه حاجه وقفت ليه ؟!.. فتداركت الامر بسرعه و دخلت
و القيت بجسدى المنهك و عقلى الحائر و دهشتى على احد تلك الكراسى الوثيره و كذلك فعل زملائى مثلما فعلت تماما ..وساد صمت طويل و حوار بدون صوت ..
حوار بالاعين ..و كأنما يقول كل منا للاخر كيف فاتنا هذا !!! ..كان من المفروض ان ندرك هذا لأول وهله و نستنتج ذلك من البدايه .. وان لم يكن ليغير هذا فى
شئ سواء عرفنا ذلك ام لم نعرف ... و لكن كيف فاتنا هذا ؟!! .... ترى ... ماذا رايته حينما استدرت يمينا و انا ادخل الحجره وجعلنى اتسمر مكانى ..... رأيت صوره
كبيره للسيدة العذراء مريم البتول تحتضن وليدها السيد المسيح عليه السلام .....عرفتم و عرفنا معكم اين كنا نحن ؟ ...كنا وبكل الحب فى بيت مواطن مصرى اصيل
.. تحياتى
ودرجه الحراره كادت ان تقترب من الاربعين درجه او يزيد او هكذا احسسنا بها عندما ..اضطرتنا الظروف لتغيير اطار السياره الذى كان قد
خلا من الهواء اللازم لمواصلة السير و اضطررنا الى الخروج من السياره حتى ينتهى السائق من تغيير العجله الاحتياطى ( الاستبن) وواصلنا
السير بعد ذلك فى هذا الجو الخانق الحارق الذى يكاد يشوى الوجوه (خارج السياره فقط طبعا ) ....ومع ان الشمس قد اوشكت على الاختباء فى
الافق البعيد خلف الجبال التى تصطف بنتوءاتها و انخفاضاتها بطول الطريق على يسار السياره الا ان شدة الحراره جعلت الطريق تخلو تماما من
البشر و الحيوانات و الطيور و من كل اشكال الحياه وكأن الحياه على الارض قد اقتصرت على ثلاثتنا فقط .. وكنا نتجاذب اطراف الحديث و كنا نؤكد
لبعضنا البعض انه لولا خطورة و اهمية المهمه الموكله الينا لما كنا ابدا نفكر فى الخروج من بيوتنا فى مثل هذا الجو و نحن صائمين فى شهر رمضان ..
و لكن للضرورة احكام كما يقولون ..ولأن فضل الله علينا كبيرا بما سخره لنا من وسائل الراحة و تخفيف المشقه فقد كانت السياره و لله الحمد و
الشكر من النوع السريع المريح المكيف الهواء .. و الحق يقال ان السائق ايضا حاول جاهدا ان يصل الى نهاية الرحله قبل موعد الافطار او قبل
غروب الشمس و لكن لظروف الطريق و ضيقه ووعورته فى بعض الاحيان و اضطراره الى ان يهدئ من سرعته مما حال دون تحقيق هدفه النبيل
و كانت النتيجه ان حل علينا وقت المغرب و لازال امامنا بعض الوقت للوصول الى نهاية الرحله... فتوقفنا فى الطريق عند قريه صغيره متاخمه للجبل
و قد كنا نحمل معنا الكثير من المياه المثلجه و الاطمعه اللازمه للافطار و لكن المشكله لم تكن لا فى الطعام و لا فى الشراب و لكن المشكله كانت
فى المكان الذى وصلنا اليه وقد حان وقت الصلاة و لم نرى فى الافق اى اثر لمسجد اوحتى زاويه قريبه ...ودخلنا فى وقت الصلاه ..ففكرنا ان نصلى
على الارض مفترشين بعض اوراق الصحف عوضا عن المسجد او الزاويه .. ولكن ظهرت فى الافق مشكلة ثانيه اخطر ولا يصعب حلها وهى حاجتنا
الى الماء للوضوء والى مكان نتوضأ فيه حتى نتمكن من اللحاق بالمغرب ..لآن المغرب غريب كما يقول اجدادنا ...ووقفنا فى حيرة من امرنا الى أن
بدد حيرتنا ظهور رجل متوسط العمر..عارى الرأس و شعره يشوبه بعض البياض وكان يسير وحيدا على قارعة الطريق و يمسك بيده عصا صغيره ..
وكان فى عجلة من امره ويسير فى خطى سريعه كمن يريد اللحاق بأمر جلل...
استوقفناه سائلين عن اى مكان قريب نتمكن من الوضوء فيه من اجل اللحاق بالصلاه ..فغير الرجل من وجهته الذى كان ينتوى السير فيها وتخلى عن
الصرامه التى رسمت على وجهه وحل محلها بشاشه و ترحاب كبيرين و كأنه كان ينتظرنا لمساعدتنا و لكنه مع هذا قليل الكلام او يكاد يكون عديم الكلام
مما اضفى بعضا من الغموض على شخصيته ... و مع هذا قررنا مجبريين على ان نتبعه الى المكان الذى اشار اليه دون معارضه ...واحترمنا صمته ولم
نزعجه بالاسئله .ولم يقل لنا سوى جملة واحده : اتفضلوا يا بهوات ...يا مرحبا يادى النور ... وسرنا خلفه فى درب ضيق متعرج ثم دلف يمينا فجأه و بدء
الظلام فى مد استاره علينا ولم نكن لنتبين شكل و لون حوائط الجدران الضيقه جدا و التى تكاد تطبق علينا .. و لاندرى لماذا هذا الضيق فى هذه الاراضى
الصحراويه الشاسعه ربما كان هذا يعكس نوعا من الحميميه بين افراد هذا المجتمع الى حد التصاق البيوت بعضها ببعض ... و الطرق ضيقه جدا بدرجه
انها لا تسمح لشخصين اثنين بالسير جنبا الى جنب علاوة على انحدارها بعض الشئ مما جعلنا نسير خلفه فى طابور و كأننا فى ثكنة عسكريه نؤدى بعض
التمارين الاجباريه و الخطوه المعتاده ... سرنا فى صمت مطبق لا نسمع فيه الا اصوات اقدامنا وفى اعتقاد كل منا انه يسير بنا الى مسجد قريب او زاويه ..
و لكن رغم كل هذا السير لم تظهر فى الافق اية شواهد او علامات لوجود ذلك المسجد المرجو او تلك الزاويه المنشوده الا فى مخيلتنا فقط .. و بدأ الشك
و الخوف و الحيره و التأفف و الضجر وشعور هو خليط مكون من كل هذه الاحاسيس يدب فى نفوسنا و تساؤل صامت خفى .. ترى الى اين يأخذنا ذلك الرجل ؟!!
الوقت يمر و الظلام يحل رويدا رويدا وكأنه لص يستلل بين ظهرانينا والمغرب غريب ..وقد يفوتنا موعد الصلاه ..ومر على الاذان وقت ليس طويلا و لكنه يمر
علينا و كأنه دهر ..
و فجأه توقف الرجل الغامض الصامت اما مبنى صغير مكون من دورين بالطوب النيئ ( اللبنى) ومدهون بالجير بلون فاتح لعله اصفر و محاط بخطوط طوليه
و عرضيه لعلها كما رايتها عندما فتح الباب و تسرب بعض الضوء عليها كانت باللون الازرق الفيروزى شأنه شأن الكثير من البيوت الريفيه فى دلتا مصر
و صعيدها ..وفتح باب قاعه فى خلفيه الدار واشار الينا بالدخول فدخلنا ففتح لنا بابا لدورة مياه صغيره متواضعه و لكنها نظيفه و مرتبه و بها كل ما نحتاجه
للوضوء و اسرع و احضر منشفه (فوطه) وقف امامنا ينتطر الواحد منا ليعطيها له بعد الانتهاء من الوضوء ..و كرر هذه المسأله مع ثلاثتنا ...و توضأنا
جميعا فى صمت و عندما خرج آخرنا من دورة المياه و جفف يده ووجهه بنفس الفوطه رغم تأففه و لكنه احترم رغبة الرجل الذى يقف زنهارا واخذها منه
و جفف بها وجهه و يديه ..ووقفنا للحظات ينظر كل منا الى الاخر متسائلا فى صمت ثم ادرنا ووجوهنا نحو الرجل دفعه واحده وكأننا نسأله ماذا بعد ..
اين سنصلى ؟ ...اين ؟ دون ان ننبس ببنت شفه .. و ادرك الرجل ذلك بفطنته وقال فى صوت قاطع ناهيا بذلك المشكله : صلوا هنا يا بهوات و باركونا ..
ثم احضر من ركن من اركان الغرفه حصيره بلاستيكيه نظيفه و كبيره و اشار لنا عن جهة القبله .. واذنت انا للاقامه و و اصطففنا و تلفتنا فيما حولنا
لنسأل هذا الرجل ان يأمنا فى الصلاه لانه اكبرنا سنا و .. و لكنه كما يقولون فص ملح وذاب و اختفى فى الحجرات المجاوره و لم يظهر ثانية الا بعد
ان انتهينا من الصلاة التى اديناها على عجل ولم نصبر على انتظاره خوفا من الدخول فى وقت العشاء ...وهممننا بالخروج لنستكمل رحلتنا و لنأكل
و نشرب ما جلبناه معنا فى السياره التى اصبحنا بعيدا عنها الى حدا ما ...
و انتظرنا قليلا لنستأذنه فى الرحيل و لكنه عندما ظهر مره اخرى .. صاح قائلا : لايمكن ابدا تخرجوا قبل ما تجرحوا صيامكم .. ده يبقى عيب قوى فى حقنا
....ووقف امام الباب معترضا و قد رسمت على وجهه صرامة شديده و لسان حاله يقول : هذه دعوه مؤكده لتناول الطعام و ليست عزومة مراكبيه ...وما كنا
لنرفض دعوته الكريمه و نجرح كبرياؤه و نقلل من قدره بين جيرانه اذا شاهدنا احدا من جيرانه خارجين من منزله فى مثل هذا الوقت وقت الافطار ...
هذا ما شرحته لمرافقى لاقنعهما بالبقاء و تناول الطعام حفاظا على مشاعر الرجل .. و ا دخلنا الرجل الى غرفه مجاوره و ارتشفنا بعضا من المشروبات التى
لا ادرى ما هيتها الى الان و لكنها كانت لذيذه و ذات مذاق فريد و روت عطشنا ..ثم اكلنا دجاجا محمرا طازج وارزا معمرا دافئ و هو اى الارز على مايبدوا كان
معدا من قبل لاناس غيرنا ..وما يؤكد وجهة نظرنا ان الدجاج كان طازجا و ذبح خصيصا لنا فور وصولنا .... هوأن زميلاى قد لاحظا على ملابس الرجل حين عاد
الينا بعد الصلاه كانت تحمل بعضا من بقايا دماء خفيفه وبعضا من الريش الصغير او الزغب الذى يكثر تحت رقبه الدجاج .. و هذا يعنى ان الرجل كان مشغولا
عنا و لم يصلى معنا لانشغاله بالذبح او المساعده فى الذبح و تحضير الطعام وهذا مجهود يشكر عليه على كل حال... و بعد الانتهاء من تناول الطعام سريعا ,
وكنا و كأننا قد تعودنا على البيت و اصبح بيننا وبينه الفه غريبه و محببه ...اخذ كل منا من تلقاء نفسه طريقه الى دورة المياه السابقه و التى توضانا بها من قبل
وغلسنا ايادينا و حمدنا الله و شكرنا للرجل كرمه و سعة صدره ...ذلك الرجل الذى كان يسرع الخطى عندما قابلناه ..نراه الان قد نسى الامر كلية ..و صب كل
اهتمامه علينا و على اكرامنا ... لم يعطنا الرجل الفرصه هذه المره للهرب او لمواصلة الرحله ..فقد امسكنى من يدى و قال مخاطبا الجميع : دلوقتى ميعاد الشاى
بعد الاكل .. و لم نستطع ان نقاوم او نرفض كل هذا الكرم الفياض ....كل هذا و لازالت علامات استفهام كبيره تدور فى روؤسنا جميعا لماذا لم يشاركنا الرجل
صلاتنا ..هل فعلا لانشغاله بأعداد الطعام ..ام ترى ايكون قد صلاها عند حلولها فى وقتها ؟
و الى اين كان يذهب هذا الرجل فى موعد كهذا ؟! ...و لكن لنستريح فقد اختار كل منا السبب الذى يستريح له قلبه وانا شخصيا و بعد مونولوج طويل مع نفسى
استرحت الى ان اشتراكه فى اعداد الطعام هو ما منعه من مشاركتنا الصلاه ..واي كان السبب فهو ليس مهم الان خاصة و اننا لم نرى من الرجل الا كل خير و كرم
......و هذا يكفى ... و بعد انتهاءنا من الاغتسال دلف بنا الرجل الى غرفه اخرى مقابله للغرفه التى اكلنا بها و سماها هو الصالون و حين فتح الباب رأينا بها
صالونا ضخم او تلك الكراسى الوثيره المطليه بالذهب و المغطاه بالمخمل الاحمر ..سمينا الله و دخلنا جميعا. و ما ان دخلت الغرفه و نظرت يمينى حتى تسمرت
مكانى بحيث سددت الباب على الاخرين .. فقد كانت المفاجأه ... رايت شيئا ما ..فسر لى الكثير من الغموض و التساؤلات الحيرى .. ولم يتمكن زملائى من
الدخول لوقوفى متسمرا بمدخل الغرفه .. الى ان افاقنى صوت زميلى .. و اخرجنى من غفوتى سائلا : فيه حاجه وقفت ليه ؟!.. فتداركت الامر بسرعه و دخلت
و القيت بجسدى المنهك و عقلى الحائر و دهشتى على احد تلك الكراسى الوثيره و كذلك فعل زملائى مثلما فعلت تماما ..وساد صمت طويل و حوار بدون صوت ..
حوار بالاعين ..و كأنما يقول كل منا للاخر كيف فاتنا هذا !!! ..كان من المفروض ان ندرك هذا لأول وهله و نستنتج ذلك من البدايه .. وان لم يكن ليغير هذا فى
شئ سواء عرفنا ذلك ام لم نعرف ... و لكن كيف فاتنا هذا ؟!! .... ترى ... ماذا رايته حينما استدرت يمينا و انا ادخل الحجره وجعلنى اتسمر مكانى ..... رأيت صوره
كبيره للسيدة العذراء مريم البتول تحتضن وليدها السيد المسيح عليه السلام .....عرفتم و عرفنا معكم اين كنا نحن ؟ ...كنا وبكل الحب فى بيت مواطن مصرى اصيل
.. تحياتى