سماح شيط
31/12/2007, 04:18 AM
الى اعضاء واتا الكرام
سعيدة بانضمامي اليكم ويسعدني جدا التفاعل معكم
:fl:
جذور الربيع المرتحلة
رحل ذلك الوجه المضيئ الباسم ،وسقطت رندا في حيرة قاتلة واندهاش مطبق ،وكلما أمعنت التفكير في سبب يقنع عقلها الفتي زادها التفكير ضياعا و إرباكا .
إنها تذكر جيدا كيف أنها استيقظت ذات يوم لتجد أنها لم تعد تلك الطفلة المدللة المحبوبة التي يبسم لضجيج طفولتها ثغر أبيها الحنون وتضيء قسمات وجهه الأسمر وخديه الممتلئتين حيوية وقوة ...تتفجر من تلك القسمات كل معاني الألفة والحب والأمان ....كيف لا... .وهو الأب الذي احتضن خوفها الطفولي من المجهول ولاعبَ روحها المغردة وبهره ذكاؤها الغض...فأمست وأصبحت رفيقة أيامه الوردية ...يعطران الصباح ياسمينا وضحكات , وفي المساء لاتجد إلاه قمرا منيرا ..
هو الأب والصديق والحب وهي زنبقته الفواحة دوما ..يطرب لهمساتها الناعمة ويتنشق عبير براءتها وتفرحه اهتماماتها الصغيرة ..حتى بات هذا الرجل وهو في الخمسين من عمره يشارك ابنته ذات الست سنوات كل شغفها وألعابها ،ويحاورها رغم حداثة سنها عن جمال الإله وماخلق وروعة النبل والقيم .تتلقى كل كلمة منه كأنها دستور لايقبل الحوار والتغيير ،إنما هو قرآن يتلى لما تجد فيه من الإخلاص والوفاء والصدق ..فالحب بين تلك الصغيرة وأبيها حب دافق رقراق عذب يزداد تدفقه قوة مع مضي الأيام وتمتد جذوره في قلبها الصغير لتزهر أشجاراً ورياحين .
تلك الأيام الخوالي التي استمر عبقها يعطر سنوات عمرها المليئة بالأحزان ..
أيام لن تعود أبدا ...وكلما حدَّقت في الماضي أكثر تنشقت عبير تلك المحبة ولمست دفء هاتيك اليدين واشتاقت للعينين الطيبتين والشعر الأسود المضيء ....
أصبح الماضي السعيد دنيا غير التي تحياها الآن وأبطاله أناس لم تعد تعرفهم فلا الأيدي الحانية بقيت ولاعيون الطفلة عاشت ...
كلاهما مضى واختفى ....
وقلبها الفتي لازال قريبا من عهد البراءة والزهور ..لم يعتد بعد مرور السنين وتغير الأحوال ....رفض كل الحواجز التي فُرضت والقصور التي أُقصيت ..ولم تقبل بأي حال أن تستيقظ لتجد أن أباها رحل ولازال يعيش ....وماعاد يلاعبها وهي تجلس قربه ..
ففجأة تغير كل شيء ،وغاصت في بحور المجهول،وباتت أيامها كالحة سوداء مؤلمة شديدة البرودة شديدة القتامة مريرة الوحدة وطال شتاء تلك الأيام ولما ينته.
استمرت رندا في بحثها عن أسباب تقنعها ..تطفؤ لهيب روحها المستعر ..تجهد في طرق الأبواب وتذليل العقبات غير أنها تفشل باستمرار ،ومع كل فشل جديد تزداد حدة الشتاء ضراوة وقسوة ويوما بعد يوم نفدت كل عيدان الثقاب ..
نفدت العيدان عندما أدركت بلاهة العادات وفراغ التقاليد وقوة الجهل المستحكم في عقول الناس ..احترقت جميعا عندما قررت أن تحاور أباها كما اعتادت في صغرها مشيرة إلى أنه أخطأ في قرار اتخذه ..
فنهرها بشدة ..صعقتها ..آلمتها ..
إنها تذكر تماما ذلك اليوم الذي ارتدت فيه أجمل ثيابها واشترت أحلى الهدايا وتجهزت لحضور حفل دعتها إليه صديقتها تشاركها فيه فرحة نجاحها .
ذهبت إليه وردة مضيئة باسمة مليئة بالأمنيات والمباهج وكعادتها قالت له :أبي أريدك أن توصلني عند داليا ...
التفت إليها مستغربا مستفهما ، وقال: داليا ؟!!.... لماذا ؟!
أجابت بثقة: أقامت حفلة ودعتني إليها .....
لم يخطر ببالها في تلك اللحظات سوى ما اعتادت عليه دوما وهو أن تمسك إصبعه بيدها الصغيرة ويغادران المنزل سوية ....
ففاجأها قوله : نحن لانحضر حفلات ...
اتسعت عيناها من الدهشة ....حملقت فيه طويلا ..لم تفهم ...لم تعِ ما سمعت ...اعتقدت للحظات أنه يمازحها ..فتسمرت في مكانها لتتلاحق كلماته تباعا بقوة وصرامة ..
هيا ألم تسمعي ؟؟
فتحت فاها لتسأل: لماذا ؟
لم يسعفها الوقت
زادت حدته وقال : ولاكلمة ..
تأكدت أنها لم تكن تحلم وأن ما يحصل إنما هي حقيقة واقعة .
نفذت رندا طلب أبيها وغادرت غرفة الجلوس مطأطئة الرأس مصابة بخذلان كبير ...وتدور في رأسها آلاف الأسئلة و قلبها ممتلئ بآلاف العبرات لاتدري أين تسكبها وقد اعتادت أن تفعل في حضن كبير ليس لسعته حدود ....
حملت الهدية ودخلت غرفتها ....بدلت ملابسها وجلست حزينة تقلب الهدية الجميلة بين يديها وتتخيل الحفلة البهية بحلواها اللذيذة وموسيقاها الصاخبة ورقصات الفتيات وضحكاتهم التي تملأ أرجاء المنزل ...
وتفكر أكثر وتتساءل أكثر وماعادت تجد جوابا شافيا ،فتناست الموضوع وفتحت قصة تبحر في عوالم الخيال فيها علها تحلق بعيداعن واقعها المحير ....
اعتقدت رندا في بداية تعارفها مع العالم الجديد أنها الوحيدة التي تعيش دوامته ويؤلمها تناقضه ..ورويدا رويدا أدركت أن أفكار أبيها وليدة مجتمع متناقض مزدوج لامكان فيه لمن يقرر الخروج على أعرافه ونواهيه .ولايكون الأب حاميا
لعرينه إلا بفرض الأعراف الهوجاء التي سبق ولاقت عنده قبولا ... بهذا فقط وجدت أنها تستطيع أن تلتمس بعض العذر له ....فالمجتمع الذي تعيش فيه لايرحم من يتجرأ عليه ،وربما احتاج أبوها بعض الشجاعة ليعطي فتاته الصغيرة حرية لم تحظ بها من قبل أمه أو أخواته بل وحتى بناته الأخريات اللواتي سبقنها إلى هذه الحياة.
وتوالت الأحداث المحيرة والمواقف التي لاتجد لها تفسيرا ..بدأت تعتاد الصمت والتفكير الطويل ....تستنجد بهما أن يعيداها إلى سابق عهود الرضى والقبول،وأوامر الأب تنهال دون توقف : فمرة لاتناقشي وأخرى أغلقي التلفاز وحينا هذه الأغاني لاتناسب الفتيات ...
وتستمر في تنفيذ الأوامر التي لاتفهم جدواها ....
وجملة واحدة يُجاب بها على كل الأسئلة المحيرة والمواقف الغامضة :
لقد كبرت يا صغيرة......
ويوما بعد يوم ...وبعد المزيد والمزيد من الحيرة
بدأت رندا تغير مسيرة حياتها المنطلقة ....تتوقف قليلا بدل أن تقتحم غمار الأمور .....لم تعد تتكلم كثيرا عن أحلامها وأهدافها ومشاريعها الضخمة ....
تغير الكثير مما اعتادت عليه في طفولتها ....
وشيئا فشئيا بدأت تتنازل عن الكثير من الأحلام وتحملها من قفص أمنياتها المعلق على جدار قصرها الصغير الآخذ بالتآكل وتطلقها من نافذة غرفتها ترفرف حرة علها تجد سربا يحملها إلى عالم الواقع .
وصدر الحكم الأخير ..الحكم الأليم ..وأُقصيت ذكريات الماضي السعيد بعيدا مشكلة لوحة دافئة حريرية تضم الأب الطيب بشعره الأسود الكثيف يلاعب عيني ابنته الضاحكتين في بستان الأمنيات ....
وعُلقت تلك اللوحة على جدار الماضي وأُديرت لها الظهور لتتابع رندا المسير إلى المستقبل المجهول ،فإذا أرادت استرجاع ذكرى الدفء الفريد فما عليها إلا أن تدير ظهرها لتلقي نظرة شوق محروق وابتسامة دامعة تعانق فيها اللوحة الأسطورية .وتعود لتتابع السير من جديد في شتائها القارص واثقة من إيجاد أعواد ثقاب جديدة ..
سعيدة بانضمامي اليكم ويسعدني جدا التفاعل معكم
:fl:
جذور الربيع المرتحلة
رحل ذلك الوجه المضيئ الباسم ،وسقطت رندا في حيرة قاتلة واندهاش مطبق ،وكلما أمعنت التفكير في سبب يقنع عقلها الفتي زادها التفكير ضياعا و إرباكا .
إنها تذكر جيدا كيف أنها استيقظت ذات يوم لتجد أنها لم تعد تلك الطفلة المدللة المحبوبة التي يبسم لضجيج طفولتها ثغر أبيها الحنون وتضيء قسمات وجهه الأسمر وخديه الممتلئتين حيوية وقوة ...تتفجر من تلك القسمات كل معاني الألفة والحب والأمان ....كيف لا... .وهو الأب الذي احتضن خوفها الطفولي من المجهول ولاعبَ روحها المغردة وبهره ذكاؤها الغض...فأمست وأصبحت رفيقة أيامه الوردية ...يعطران الصباح ياسمينا وضحكات , وفي المساء لاتجد إلاه قمرا منيرا ..
هو الأب والصديق والحب وهي زنبقته الفواحة دوما ..يطرب لهمساتها الناعمة ويتنشق عبير براءتها وتفرحه اهتماماتها الصغيرة ..حتى بات هذا الرجل وهو في الخمسين من عمره يشارك ابنته ذات الست سنوات كل شغفها وألعابها ،ويحاورها رغم حداثة سنها عن جمال الإله وماخلق وروعة النبل والقيم .تتلقى كل كلمة منه كأنها دستور لايقبل الحوار والتغيير ،إنما هو قرآن يتلى لما تجد فيه من الإخلاص والوفاء والصدق ..فالحب بين تلك الصغيرة وأبيها حب دافق رقراق عذب يزداد تدفقه قوة مع مضي الأيام وتمتد جذوره في قلبها الصغير لتزهر أشجاراً ورياحين .
تلك الأيام الخوالي التي استمر عبقها يعطر سنوات عمرها المليئة بالأحزان ..
أيام لن تعود أبدا ...وكلما حدَّقت في الماضي أكثر تنشقت عبير تلك المحبة ولمست دفء هاتيك اليدين واشتاقت للعينين الطيبتين والشعر الأسود المضيء ....
أصبح الماضي السعيد دنيا غير التي تحياها الآن وأبطاله أناس لم تعد تعرفهم فلا الأيدي الحانية بقيت ولاعيون الطفلة عاشت ...
كلاهما مضى واختفى ....
وقلبها الفتي لازال قريبا من عهد البراءة والزهور ..لم يعتد بعد مرور السنين وتغير الأحوال ....رفض كل الحواجز التي فُرضت والقصور التي أُقصيت ..ولم تقبل بأي حال أن تستيقظ لتجد أن أباها رحل ولازال يعيش ....وماعاد يلاعبها وهي تجلس قربه ..
ففجأة تغير كل شيء ،وغاصت في بحور المجهول،وباتت أيامها كالحة سوداء مؤلمة شديدة البرودة شديدة القتامة مريرة الوحدة وطال شتاء تلك الأيام ولما ينته.
استمرت رندا في بحثها عن أسباب تقنعها ..تطفؤ لهيب روحها المستعر ..تجهد في طرق الأبواب وتذليل العقبات غير أنها تفشل باستمرار ،ومع كل فشل جديد تزداد حدة الشتاء ضراوة وقسوة ويوما بعد يوم نفدت كل عيدان الثقاب ..
نفدت العيدان عندما أدركت بلاهة العادات وفراغ التقاليد وقوة الجهل المستحكم في عقول الناس ..احترقت جميعا عندما قررت أن تحاور أباها كما اعتادت في صغرها مشيرة إلى أنه أخطأ في قرار اتخذه ..
فنهرها بشدة ..صعقتها ..آلمتها ..
إنها تذكر تماما ذلك اليوم الذي ارتدت فيه أجمل ثيابها واشترت أحلى الهدايا وتجهزت لحضور حفل دعتها إليه صديقتها تشاركها فيه فرحة نجاحها .
ذهبت إليه وردة مضيئة باسمة مليئة بالأمنيات والمباهج وكعادتها قالت له :أبي أريدك أن توصلني عند داليا ...
التفت إليها مستغربا مستفهما ، وقال: داليا ؟!!.... لماذا ؟!
أجابت بثقة: أقامت حفلة ودعتني إليها .....
لم يخطر ببالها في تلك اللحظات سوى ما اعتادت عليه دوما وهو أن تمسك إصبعه بيدها الصغيرة ويغادران المنزل سوية ....
ففاجأها قوله : نحن لانحضر حفلات ...
اتسعت عيناها من الدهشة ....حملقت فيه طويلا ..لم تفهم ...لم تعِ ما سمعت ...اعتقدت للحظات أنه يمازحها ..فتسمرت في مكانها لتتلاحق كلماته تباعا بقوة وصرامة ..
هيا ألم تسمعي ؟؟
فتحت فاها لتسأل: لماذا ؟
لم يسعفها الوقت
زادت حدته وقال : ولاكلمة ..
تأكدت أنها لم تكن تحلم وأن ما يحصل إنما هي حقيقة واقعة .
نفذت رندا طلب أبيها وغادرت غرفة الجلوس مطأطئة الرأس مصابة بخذلان كبير ...وتدور في رأسها آلاف الأسئلة و قلبها ممتلئ بآلاف العبرات لاتدري أين تسكبها وقد اعتادت أن تفعل في حضن كبير ليس لسعته حدود ....
حملت الهدية ودخلت غرفتها ....بدلت ملابسها وجلست حزينة تقلب الهدية الجميلة بين يديها وتتخيل الحفلة البهية بحلواها اللذيذة وموسيقاها الصاخبة ورقصات الفتيات وضحكاتهم التي تملأ أرجاء المنزل ...
وتفكر أكثر وتتساءل أكثر وماعادت تجد جوابا شافيا ،فتناست الموضوع وفتحت قصة تبحر في عوالم الخيال فيها علها تحلق بعيداعن واقعها المحير ....
اعتقدت رندا في بداية تعارفها مع العالم الجديد أنها الوحيدة التي تعيش دوامته ويؤلمها تناقضه ..ورويدا رويدا أدركت أن أفكار أبيها وليدة مجتمع متناقض مزدوج لامكان فيه لمن يقرر الخروج على أعرافه ونواهيه .ولايكون الأب حاميا
لعرينه إلا بفرض الأعراف الهوجاء التي سبق ولاقت عنده قبولا ... بهذا فقط وجدت أنها تستطيع أن تلتمس بعض العذر له ....فالمجتمع الذي تعيش فيه لايرحم من يتجرأ عليه ،وربما احتاج أبوها بعض الشجاعة ليعطي فتاته الصغيرة حرية لم تحظ بها من قبل أمه أو أخواته بل وحتى بناته الأخريات اللواتي سبقنها إلى هذه الحياة.
وتوالت الأحداث المحيرة والمواقف التي لاتجد لها تفسيرا ..بدأت تعتاد الصمت والتفكير الطويل ....تستنجد بهما أن يعيداها إلى سابق عهود الرضى والقبول،وأوامر الأب تنهال دون توقف : فمرة لاتناقشي وأخرى أغلقي التلفاز وحينا هذه الأغاني لاتناسب الفتيات ...
وتستمر في تنفيذ الأوامر التي لاتفهم جدواها ....
وجملة واحدة يُجاب بها على كل الأسئلة المحيرة والمواقف الغامضة :
لقد كبرت يا صغيرة......
ويوما بعد يوم ...وبعد المزيد والمزيد من الحيرة
بدأت رندا تغير مسيرة حياتها المنطلقة ....تتوقف قليلا بدل أن تقتحم غمار الأمور .....لم تعد تتكلم كثيرا عن أحلامها وأهدافها ومشاريعها الضخمة ....
تغير الكثير مما اعتادت عليه في طفولتها ....
وشيئا فشئيا بدأت تتنازل عن الكثير من الأحلام وتحملها من قفص أمنياتها المعلق على جدار قصرها الصغير الآخذ بالتآكل وتطلقها من نافذة غرفتها ترفرف حرة علها تجد سربا يحملها إلى عالم الواقع .
وصدر الحكم الأخير ..الحكم الأليم ..وأُقصيت ذكريات الماضي السعيد بعيدا مشكلة لوحة دافئة حريرية تضم الأب الطيب بشعره الأسود الكثيف يلاعب عيني ابنته الضاحكتين في بستان الأمنيات ....
وعُلقت تلك اللوحة على جدار الماضي وأُديرت لها الظهور لتتابع رندا المسير إلى المستقبل المجهول ،فإذا أرادت استرجاع ذكرى الدفء الفريد فما عليها إلا أن تدير ظهرها لتلقي نظرة شوق محروق وابتسامة دامعة تعانق فيها اللوحة الأسطورية .وتعود لتتابع السير من جديد في شتائها القارص واثقة من إيجاد أعواد ثقاب جديدة ..