المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السقف.. نص تجريبي



عاطف علي الفراية
01/01/2008, 08:11 AM
السّـقـف
نص مسرحي تجريبي
تأليف : عاطف علي الفراية


وردت عبارات شعرية في النص من أشعار عاطف الفراية وحكمت النوايسة ويوسف أبو لوز وابراهيم نصرالله وكاظم حجاج وبيت للمعري وآخر لحيدر محمود.. وربما غير ذلك.
.................................
يقوم محترف بسمة المسرحي والمخرج محمد الشركي في المغرب إنشاء الله في العام الجديد 2008 بإنتاج هذا العمل على الخشبة.








الشخصيات
1ـ المرأة: شاردة ودائمة البحث
2ـ الشاعر: متأمل وميال إلى فلسفة أي حوار
3ـ البائع: فتى متشرد تربى في الملجأ يعلق في رقبته حبلا يحمل
فرشا خشبيا يضع عليه الشوكولاتة التي يبيعها
4ـ ماسح الأحذية: جندي سابق مهزوم من الداخل
5ـ حارس القط: هو الآخر جندي سابق وساخر مما حوله
6ـ التاجر: رجل أعمال أنيق .. نزق ومتكبر
7ـ صوت





المسرح ملجأ له سقف معلق، تنتشر في أرض الملجأ جثث وقاذورات / في السقف ثقب لا يسمح بخروج شخص وإنما يسمح بدخول الضوء / على اليمين وعلى اليسار سلم له درجات قليلة

يبدأ العرض المسرحي بجلبة قوية وفوضى / ويعلو صوت الحرب من أعلى الملجأ / يبدأ الأشخاص بالتجمع من جانبي المسرح الأيمن والأيسر / يتراكضون ويصرخون ... غارة .. غارة .. / يتكتلون في العمق وهم يتلفتون / ثم يسرعون إلى المقدمة وهم يتلفتون أيضا / ولا يتوقفون عن الصراخ بكلمة غارة .. غارة .. استر يا رب .. يا رب استر ...إلخ // المرأة فقط تسير ببطء وعدم اكتراث وذهول ولا تبدي ردود فعل تجاه الجلبة والفوضى .
أثناء كل ذلك تتدخل الإضاءة في تقلبات المشهد بشكل سريع جدا بين إظلام وإنارة .
يتوقف صوت الغارة بالتدريج / تبدأ الحركة في الملجأ بالهدوء الحذر والبطيء حتى تنتهي إلى الصمت للحظات .
التاجر يقف مسندا يديه إلى الجدار في العمق وظهره إلى الصالة .
ماسح الأحذية يجلس على كرسيه الصغير والصندوق أمامه ويتشاغل بمسح حذاء .. ظهره إلى جانب المسرح.
البائع يجلس قبالة الصالة يده على خده وفي رقبته حبل فرش الكعك والشوكولاتة الذي يسنده على ركبتيه .
الشاعر يتمشى ببطء متأملا السقف.
المرأة لا يتغير حالها ومشيتها البطيئة الشاردة .
حارس القط يأخذ الجانب المقابل لماسح الأحذية ويجلس القط أمامه ويمسح عليه بحنان .

يكسر الصمت صوت المرأة الذي يأتي ببطء
المرأة : يا من رآه / .. يااااااامن رآه /// ياااااااامن رآه
حارس القط: من يا امرأة ؟؟
المرأة : يا من رآه .. ( تكررها )
حارس القط: يا من رآه؟؟؟؟؟ من هو ؟
(ترمقه بنظرة غامضة فيتشاغل بملاعبة القط)
المرأة : كان وردة مثل السيف /
الشاعر: اللااااااه / وردة مثل السيف / فعلا أنت شاعرة
حارس القط: لا أفهم شيئا
البائع مخاطبا الحارس: إنها تبحث عنه في كل الملاجيء والشوارع
المرأة: يا من رآه
( يتقدم البائع من المرأة بحركة
سريعة وهو ينادي )

البائع: شوكولاتة / شوكوشوكو شوكولاتة
(المرأة لا تكترث / يتراجع البائع ببطء ويتباطأ صوته
البائع: (بنبرة الشعور بالخذلان) شوكو .. لا ..
(التاجر يلتفت للمرة الأولى بتأفف وقرف )
التاجر: أووف / أية شوكولاتة وسط رائحة الجثث / ما هذا المكان المنتن
يجب أن أخرج من هنا
الشاعر : أخرج تحت القصف
( يدوي صوت القصف)
الشاعر يتابع: حتى نستمتع بشم رائحة جثتك المعطرة / فقد سئمنا من
روائح جثث المتسولين وماسحي الأحذية
التاجر: أووف / هذا المكان لا يحتمل
ماسح الأحذية : كان عليهم أن يبنوا لك قبل الحرب ملجأ خمس نجوم
( يضحك الجميع)
الشاعر: خمس نجوم!! تخيلوا هذا الملجأ خمس نجوم لسيدنا هذا
... أيتها النادلة ... (مشيرا إلى المرأة)
المرأة: (بسخرية).. أمرك سيدي
الشاعر: أحضري لسيدنا هذا قدحا ليستمتع بصوت موسيقى الرصاص
وطبول القصف ......
المرأة: في الحال يا سيدي ( تبتعد مقلدة مشية النادلة)
(يضحكون)
الشاعر: (مشيرا إلى ماسح الأحذية) أيها العامل
ماسح الأحذية: نعم سيدي
الشاعر: لمع حذاء السيد ليدوس به على الجثث برفق
ماسح الأحذية: في الحال يا سيدي
التاجر : كفى هذرا.. أووف / أعصابي تعبت / تعبت من الوقوف / ألا
يوجد شيء نظيف يمكن أن أجلس عليه؟
ماسح الأحذية : ها.. ها.. هاك الصندوق / بعشرة دولارات في الساعة
التاجر: أغرب عني أنت وصندوقك القذر
الشاعر( يتدخل غاضبا) : اسمع يا هذا / نحن جميعا هنا تحت هذا السقف
يجمعنا مصير واحد / ومتساوون في كل شيء / هنا لا قيمة
لدولاراتك وملابسك وعطرك / إما أن تسكت أو تخرج تحت
القصف وتريحنا
التاجر( متأففا) : متساوون !! ألمجرد أن سقفا واحدا يضمنا أصبحنا
متساوين ؟؟؟ سقف أي قصر قد يضم السيد والخدم
الشاعر: هذا سقف ملجأ لا قصر/ وليس فوقه إلا الدمار
المرأة : يااااااا من رأى فارسا يكسر السيف بوردة
يلتف منذ الولادة في كفن طرزته يدي
منذ علمته أن يحب المساكين
التاجر: إذا طال بقاؤنا هنا .. كيف سأغير ملابسي ؟ أو أحلق ذقني ..
إذا طال بقاؤنا هنا هل سيحضرون لنا طعاما .؟ إذا طال ...
حارس القط (مقاطعا) : إذا طال ... إذا طال .. / / لقد طال عمرنا أكثر
من اللازم بسبب هذه الملاجيء / لقد أدمناها
التاجر : حسنا / يعني.. أنا ضيف عليكم ..
البائع : لدينا شوكولاتة ...........
التاجر : اخرس أنت
البائع :هيء هيء.. قل لي يا حارس القط / ماذا ستفعل إذا لم يهدأ
القصف وتأخر الطعام ؟ لا بد أنك ستشوي هذا القط وتقيم وليمة
على شرف ضيفنا الأنيق هذا
الحارس: إيه .. تناديني حارس القط ؟ أجل أنا حارس القط / كنت جنديا
أحرس حدود الوطن / ولما استغنوا عني أصبحت حارسا لقط السيدة
المرأة: ولماذا استغنوا عنك؟
حارس القط: لا أدري.. قالوا لي إن أعداء الوطن لا يأتون من الحدود
الخارجية/ والموازنة لم تعد تتحمل راتبي.
(يلتفت إلى البائع)
لا تحلم كثيرا بالوليمة / فهذا القط لسيدة من ذوات المكانة والنفوذ
في المجتمع / وسرعان ما تفتقده وترسل من يستعيدنا
ماسح الأحذية: يستعيدكم؟
الحارس: القط وأنا
الشاعر: ولماذا وضعت القط أولا ؟
الحارس: لأنني لست من أملاكها مثله
البائع: (مخاطبا الحارس) قل لي أيها الجندي السابق.. لماذا تشتعل هذه
الحرب فوقنا؟
الحارس : وما أدراني أنا .. سل ماسح الأحذية هذا / فقد كان جنديا هو
الآخر
ماسح الأحذية: أنا لم أتعلم في خدمتي العسكرية لماذا تدور الحروب ولا
كيف تدور / تعلمت أن أخوضها فقط/ سلوا هذا المثقف (يشير إلى الشاعر)
الشاعر: ربما حصلت مشكلة على الحدود مثلا.....
البائع : مثل ماذا ؟
الشاعر: ( بتفلسف ) كأن يكون ذباب من الدولة (طاء) دخل إلى
صناديق قمامة تابعة للدولة (زاي)
البائع: (متأملا)... الدولة(ط) ... والدولة (ز) !!
الحارس: (للبائع) إياك أن تحاول لصق الحرفين وإلا وقعت في المحظور
الشاعر: أو ربما أحدهم لديه فائض في السلاح/ والآخر لديه فائض في
الأجساد .. وكل يتخلص مما لديه من فائض

( يدوي القصف عنيفا / تعم الفوضى في المسرح / ينهدم الجانب الأيمن ويغلق / ينحسر صوت القصف والهدم تدريجيا / الجميع يهدأون ما عدا التاجر الذي يبقى يتراكض يمينا ويسارا )
التاجر : (بهلع) هل حوصرنا ؟؟ لا.لا هذا الجانب فقط أغلق علينا /
الجانب الآخر ما زال مفتوحا / والسقف ما زال مفتوحا
البائع: نعم هذا الجانب مفتوح / إن شئت فاخرج وخلصنا
التاجر: و..و..و..ولكن صفارات الأمان لم تنطلق بعد
المرأة : لعلها معطلة .. أخرج وتوكل على الله
التاجر: أنتم تبحثون عن موتي .. من يضمن لي أن صفارات الأمان
معطلة؟
حارس القط: واضحة.. صفارات الإنذار تعمل ليل نهار / أما صفارات
الأمان فلم تنطلق على الدنيا منذ زمن طويل
التاجر: كفاكم هذرا .. تتظاهرون بعدم الاكتراث؟ لا تلعبوا أمامي لعبة
الشهداء/ وابحثوا عن طريقة للخروج من هنا / ما زال في الحياة
ما يستحق العيش من أجله
( يضحكون بهستيريا)
المرأة: حقا !! ما زال في الحياة ما يستحق العيش من أجله
(يضحكون)
البائع: (يقترب من التاجر) ولكن قل لي.. ما الذي جمعك بنا في هذا
المكان؟
التاجر: حين بدأت الغارة الأخيرة / كنت في السوق أجمع النقود والأشياء الثمينة من متاجري
الشاعر: امممم .. لتجهز نفسك للهرب إذا أشرفت المدينة على السقوط
حارس القط: بل ليدفعها رشوة للأعداء إذا أمسكوا به
التاجر: لالالا .. بل لأضعها في أيدي المقاتلين حتى يتمكنوا من تحرير
المدينة إذا سقطت
المرأة: ابحث عن جواب آخر .. مثلك لا يفعل هذا
التاجر: لماذا ؟ أليست مدينتي كما هي مدينة المقاتلين ومدينتكم ؟ ألم أعفّر جدرانها بتراب طفولتي / ألم أشارك بأموالي في عمرانها ؟
المرأة : مثلك لا يفهم غير شيء واحد .. أن يبقى حيا
التاجر: ( كمن فطن إلى شيء) يبقى حيا ؟؟ كفى .. كفى .. هل نضيع
الوقت في المهاترات إلى أن يتحول الملجأ إلى قبر جماعي؟
فكروا معي بطريقة آمنة للخروج بسرعة

الشاعر: صدقني ... مهما فعلنا فلن نخرج من تحت هذا السقف إلا إلى
سقف أكثر انخفاضا
التاجر: ليكن أكثر انخفاضا.. ولكنه لا يحمل الموت المحتم

(صفارات خطر وقصف / ينهدم الجانب الأيسر / يتراكض الجميع ما عدا المرأة / يصبح الملجأ قبرا مغلقا سوى من فتحة السقف التي يدخل منها الضوء وينفلش في الوسط/ / يتوقف صوت القصف والهدم تدريجيا // تتوقف حركة الجميع ما عدا التاجر الذي يستمر في الركض في عدة جهات يبحث عن مخرج / ينظر الجميع إليه ويشيرون بأصابعهم وهم يضحكون عليه ضحكات هستيرية /
الشاعر: منها وإليها ( يستمر الضحك)
ماسح الأحذية: منها.. و.. إليها ( يستمر الضحك)
حارس القط : منها و ... فيها (يستمر الضحك )
البائع: منها وإليها وعليها وفيها (يستمر الضحك)
ماسح الأحذية: هكذا أصبح الملجأ قبرا
حارس القط: قبرا جماعيا
التاجر ( وما زال يتخبط) : لا لا .. ما زال الأمل معقودا على هذه
الفتحة في السقف ( ينظر إلى الفتحة ويصرخ ) يا فرق الإنقاذ .. يا
فرق الإنقاذ
( يضحك الجميع وهم يشيرون إليه)
الشاعر : أشششششششششش
( يسكت الجميع بينما التاجر ما زال يتخبط)
الشاعر: دع هذه الفتحة وشأنها / إنها تشبه الروزنا / الملجأ الآن صومعة ... وهذه الفتحة .. روزنا
المرأة: ( تغني) عالروزنا عالروزنا كل الحلا فيها
شو عملت الروزنا الله يجازيها
(تتابع المرأة ناظرة إلى الفتحة في السقف) : يا روزنا.. بالله عليك
إذا رأيت يوما وردة على تلة تراب تتطلع نحو الشمس// فقبليها عني
هذي الوردة يا روزنا تطلع من كبدي / تطلع من ولدي
الشاعر: ويا روزنا .. لا تفتحي الدرب للعابرين
(يرددون) : لا تفتحي الدرب للعابرين
التاجر يضيق ذرعا بما يجري حوله ويعود إلى التخبط والتأفف والمناداة على فرق الإنقاذ
الشاعر : كفاك ضربا للأرض بأقدامك / خفف الوطء / خفف الوطء فما
أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد / لماذا تزعج الأموات
ونحن سنلحق بهم بعد قليل ؟ كيف سنعتذر لهم عن فوضاك
وإزعاجك ؟ (بلهجة الآمر) اسمعوا جميعا .. نحن لم نكن يوما
منظمين في حياتنا.. دعونا نكون منظمين في موتنا على الأقل،
(ملتفتا إلى التاجر) خفف الوطء
(يبدأ التاجر بالهدوء التدريجي والإحساس باليأس وقد بدا مستسلما لمصيره)
التاجر: عندما قال شاعرك الفيلسوف هذا الكلام لم يكن يدري أن الأجساد
تتحول في الأرض إلى نفط
الشاعر: إذا خفف الوطء لئلا تفجر النفط بقدميك فتغرقنا
( يضحكون)
التاجر: ليته يتفجر / لعلنا نطفو فوقه ونخرج إلى أعلى
ماسح الأحذية: عندها ستتوقف عند هذا السقف.. ثم تغوص إلينا في الأسفل لنغرق معا / فهذا السقف.. هو سقف طموحك في أن تبقى حيا
الشاعر: (مسرورا ) أصبت .. أصبت.. هذا هو مربط الحمار.
التاجر: تعني مربط الفرس
الشاعر: كل يتكلم حسب قوته الشرائية
حارس القط: ليكن مربط الديك.... المهم ... بماذا أصاب؟ أنا لم أفهم شيئا مما قال
البائع : ولا أنا
ماسح الأحذية: بصراحة.. ولا أنا
الشاعر : حسنا سأقول لكم .. أخبروني أولا... لماذا وجد السقف؟
ماسح الأحذية: ليظللك من الشمس .. مثلا
المرأة: يسترك حين تنام
البائع: ويقيك من المطر
التاجر : يخفيك إذا سرقت شيئا
الشاعر: حسنا // هذا السقف
الجميع: ما به؟
الشاعر: يتدلى مثل الرسن على الأنفاس ..... الأنفاس تخنقها رائحة
الجثث .. وهو يتدلى مثل الرسن على الأنفاس
التاجر: لماذا لا نبحث عن هواء أنقى
الشاعر: أين؟؟
ماسح الأحذية: نحطم هذا القبر
الشاعر: نصبح في دهليز
البائع: نحطم الدهليز
الشاعر: نصبح في بئر نفطي
التاجر: اووو ...نبيع البئر النفطي
حارس القط: نشرب البئر النفطي
البائع: نجفف البئر النفطي فيتحول إلى شيء ... يشبه الشوكولاتة
الشاعر: عندها سنصبح تحت سماء ..(بتأمل): سماء
الجميع : ما بها ؟؟
الشاعر : أيضا تتدلى مثل الرسن على الأنفاس
( يتأملون العبارة الأخيرة)
البائع: إم م م م
ماسح الأحذية: آ آ آ آ
حارس القط : بدأت أفهم .. تريد أن تقول إنه لم يعد هناك فرق بين
السقف والسماء إلا في حجم الرسن الذي .......
البائع (مقاطعا): يتدلى على الأنفاس
الشاعر: هذا بالضبط ما أردت قوله .. لم يعد هناك سقف يحميك أو
يظللك أو يسترك .. هناك فقط سقف حريتك .. سقف طموحك
.. سقف أهدافك / لذلك أنت تدمن السقف / ولكن ... كما يدمن
الفراش الاحتراق / ولا فرق بين سقف وسماء .. / السماء نفسها
كانت سقفا حنونا حين كانت صافية وجميلة .. ولكنها الآن
أصبحت خائنة وعميلة / مزروعة بأجهزة التنصت والأقمار
الصناعية
ماسح الأحذية: وماذا الآن بعد أن فهمنا؟
الشاعر: نتابع حياتنا في هذا القبر بشكل عادي
(ينتشرون)
البائع: إذا .. لدينا شوكولاتة
المرأة : يا من رآه .. يا من رآه
الماسح : لمع .. لمع.. هل من أحد يريد أن يلمع حذاءه أو صلعته؟
الحارس: ( وهو يداعب القط) مياو .. مياو
التاجر: (يشعل سيجارا)
(يهجمون عليه .. يخطفون السيجار)
التاجر: ألم تقل نمارس حياتنا بشكل طبيعي؟
الجميع: نحن بحاجة إلى هواء وأنت تريد أن تدخن؟؟
التاجر: ولماذا تحتاجون الهواء؟ ألستم فرحين بالموت القادم؟ أنتم إذا
مثلي تتشبثون بالحياة
المرأة: على الأقل كي لا يكون الموت بدخان سيجارتك
التاجر: سأدفع لكم رشوة .. وتتركوني أدخن
البائع : وماذا نفعل بالنقود في مثل هذه الظروف !
التاجر: تتركونها للوقف
الشاعر: وهل تركت أنت أوقافا؟
التاجر: أجل .. كان لدي خشب كثير.. أوصيت أن يصنعوا منه توابيت
للموتى ويوزعوها مجانا .
الشاعر: ألم تترك شيئا للأحياء؟ مدرسة.. مستشفى..
التاجر: بلى .. بلى .. عندي قطعة أرض تركتها لتصبح مقبرة مجانية
المرأة: ( هازئة ) يا من رآه
(صوت جلبة من الأعلى)

التاجر: أششششش .. فرق الإنقاذ .. ( يصرخ ويقفز باتجاه الفتحة في السقف) .. . يا فرق الإنقاذ .. يا فرق الإنقاذ .. نحن هنا
صوت: هل القط معكم
حارس القط : القط وأنا هنا
( يتدلى حبل فيه دلو)
الصوت: ضع القط أولا
( الحارس يضع القط في الدلو فيرتفع الحبل)
الحارس: والآن جاء دوري
الصوت: ليس لدي أوامر بذلك، لقد قالت السيدة أن أذهب ولا أعود إلا
والقط معي ، ولم تذكر شيئا عنك ( يختفي الصوت)
(يضحك الجميع بما فيهم الحارس ضحكة هستيرية)
البائع: لم تذكر السيدة شيئا بخصوصك .. أرأيت ما أتفهك ؟

الحارس: ( وهو يضحك) ليس لديه أوامر.. لقد تورط هذا القط المسكين
في الحياة مرة أخرى .. آه.. أنا الآن سعيد جدا
المرأة: سعيد لنجاة القط؟؟ أم لأنك ستموت معنا ؟
الحارس: بل سعيد لأني أصبحت حرا .. أتدرون؟؟ هذه أول مرة لا
أكون فيها حارسا لشيء .. الآن فقط تعرفت على نفسي / فهل
عرفتم أنفسكم مثلي ؟ ( مشيرا إلى التاجر) هل عرفت نفسك ؟
التاجر:سس س سأعينك حارسا شخصيا لي وأدفع لك بالدولار
الحارس: ومم تريدني أن أحرسك؟
التاجر: من أي شيء قد يسبب الموت
(يضحكون بهستيريا وهم يشيرون إلى التاجر)
الحارس: (مشيرا إلى الشاعر) وأنت ؟
الشاعر: كنت زعيم قبيلة من الورد / ولكنها تحولت إلى سيوف ومزقتني
(إني زعيم قبيلة
قلبت عليّ سيوفها..
وبكت علي!!!!!)
كتبت الشعر حتى ملني ومللته.. ثم كتبت المقالة والخاطرة
والمسرحية.. وأنا الآن أكتب النهاية الأخيرة في رواية هذه المدينة ،
لو كان هذا الملجأ ينطق ، أو كان السوق الذي فوقه ينطق لأخبركم
كم تسكعت في زقاقه وطرقاته وكل طرقات المدينة التي قد كنت
بلبلها .. يوما ولي في هواها نهر ألحان..
وربما ليس في أرجائها قمر.. إلا وأغويته يوما وأغواني

الحارس: ( يشير إلى ماسح الأحذية) وأنت ؟
ماسح الأحذية: أنا حين خرجت من الجيش لم أكن تعلمت سوى مسح
الأحذية
الحارس: أنت تمسحها وهي تدوسك ..
ماسح الأحذية: صدقت..كلنا نمسحها وهي تدوسنا
(صمت)
ينقلب المشهد إلى مشهد استرجاع / تطفأ الإنارة إلا بقعة ضوء على وجه ماسح الأحذية عندما كان جنديا / وبقعة أخرى على وجه التاجر الذي ينتقل إلى دور الضابط
الضابط: هل لمعت حذائي جيدا؟
الجندي: نعم سيدي
الضابط: هل لمعت حذاءك جيدا؟
الجندي نعم سيدي
الضابط: هل لمعت صندوق عتادك جيدا؟
الجندي: نعم سيدي
الضابط: هل لمعت أزرار معطفك جيدا؟
الجندي : نعم سيدي
الضابط: هل لمعت البندقية جيدا؟
الجندي : نعم سيدي
الضابط: والحمّام؟؟
الجندي: لم يبق سوى الحمام يا سيدي .. سألمعه في الحال
الضابط: أنت جندي مهمل وكسول .. ومحروم من الإجازة هذا الشهر
(يعود المشهد إلى ما كان عليه)

الحارس:( مشيرا إلى البائع ) وأنت؟ لماذا تبيع الشوكولاتة ولا تأكل
منها؟
البائع: لأنني لا أقدر على ثمنها
الحارس: هل عرفت نفسك مثلي؟
البائع: أنا صحوت على الدنيا في هذا الملجأ وبقيت فيه.. قال لي بعضهم
إن أمي كانت خادمة عظيمة/ لا تخدم إلا في بيوت السادة الكبار/
وقال لي بعضهم إنني قد أكون ابنا لأحد أولئك السادة
الحارس: (ضاحكا) أنت ابن لبغي
البائع: (ساخرا) هيه .. ليت لي أما .. ولو بغي
الحارس: ( مشيرا إلى المرأة) وأنت ؟
المرأة: شرف يبحث عن حارس
فرس تبحث عن فارس
حمل بندقية وكفنا وخرج ولم يعد
ينقلب المشهد إلى مشهد استرجاع بين المرأة التي تأخذ دور الأم والشاعر الذي يأخذ دور ابنها وقد حمل بندقية على كتفه
الابن: كل شيء جاهز يا أمي / ولم يعد ينقصني سوى دعائك
الأم: أوصيك يا ولدي
حين تمتد أرض السواحل عارية
أو يكثر الجند حولك...
كن في امتداد السهول جبل
وكن أنت دولتك العالية..
حين تسقط خلفك كل الدول
لا تطلق النار يا ولدي باتجاه الشجر..
فهي أشجارنا......
وإذ تطلق النار حاذر إذا أن تصيب صغيرا
لأنك ما زلت في عين أمك تخطو على طرقات الصغر
الابن: (يقبل يد أمه ويخرج)
(يعود المشهد إلى ما كان عليه)

البائع : (يسكت الجميع بصرخته)
عرفته.. عرفته....... رأيته مرة يطلق النار دفاعا عن هذا
الوغد (يشير إلى التاجر) الذي اختبأ خلفه .. ولكنه قتل
(يتجهون إلى التاجر مستفهمين)
التاجر: ) بخوف) كان يدافع عن الناس .. وأنا من الناس / بندقيتي كانت
من الذهب / والذهب لا يحتمل الرصاص
المرأة: (ساخرة) عن ماذا يمكن للمرء أن يدافع ببندقية من الذهب؟
الحارس: عن الماس مثلا..
التاجر: مثلا
ماسح الأحذية: يا ظالم لك الله.. بندقية من الذهب!!؟؟
الشاعر: الذهب ... الذهب أساس المشكلة
(يتجه إلى الجمهور .. تتباطأ الحركة على المسرح ليشكل الجميع ما يشبه الجوقة)
الشاعر: (يتابع بنبرة إلقاء عالية ) حين مات سليمان .. كان يتكئ على
عصاه وينظر إلى جنوده وهم يبنون الهيكل / ولم ينتبهوا لموته
إلا حين أكل الدود تلك العصا وسقطت الجثة

المرأة: (بالنبرة ذاتها) ترى ماذا كان سيحدث .. لو كانت
عصا سليمان من الذهب الخالص؟؟؟
(تتابع المرأة بنبرة إلقاء الشعر )
ذهب يذوب على الموائد لا يبرره سوى دمنا
ومفتاح الذنوب يذوب في غبش من النسيان

الشاعر: وأنت ذوّبت النعاس
دما / وأنت ترتسمين في وجع السهول الحمر ،

المرأة: واحترقت يدي حين اشتهت شيئا من الحناء
أفراس تذوب أمام أجنحة الحمام ،
الشاعر : الخيل حملت الحمام نعاسها الورديّ
أسرجة تذوب ........
تذوب أوطان تجدول دينها سبعين عاما قادما ،
وتذوب صحراء تجدول رملها…
وتذوب أزهار تجدول عاشقيها

المرأة: كم كان يلزم كي أفر من الغرامْ !!
كم كان يلزم كي أذوب مع الزحامْ!! (تكرر)
كم كان يلزم كي أفر من الغرامْ !!
كم كان يلزم كي أذوب مع الزحامْ!!

الشاعر: كم كان يلزم كي ... أزيل قميصي الكاكيّ عن ريح
الحروب .. وأرتدي ثوبا جديدا كي أزف إلى الحمام

(صوت القصف من جديد ...
تتقلب الإضاءة ..
يتحرك الممثلون في كل الاتجاهات..
ينهدم السقف على الجميع)
النهاية