المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحصاد المر للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط والعالم



محمد بن سعيد الفطيسي
01/01/2008, 06:33 PM
قد تكون الولايات المتحدة الاميركية قد نجحت من الناحية الجيوستراتيجية (البحتة او النظرية) على خلفية سياستها الخارجية في العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص, والدليل على ذلك انتشارها العسكري الواسع, وتغلغل قواعدها العسكرية والاستخباراتية في كل بقعة من الأرض, وتأثير مؤسساتها السياسية على الكثير من القرارات والسياسات المتخذة على الصعيد الدولي, مع الإقرار بتراجع القوة والتأثير السياسي للسياسة الخارجية الاميركية في عدد من مناطق الصراع في العالم ككوريا الشمالية وإيران وبعض دول أميركا الجنوبية, وكل ذلك بالطبع كان نتيجة مباشرة لعدد من العوامل السياسية والاقتصادية وغيرها من المؤثرات الإقليمية والعالمية التي كانت السبب المباشر لذلك النجاح في بعض الأماكن او الفشل في الأماكن الأخرى من الناحية الجيوستراتيجية, بحيث تدين المؤسسة العسكرية الاميركية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر من العام 2001 بذلك النجاح الذي كان السبب المباشر لانتشارها وتغلغلها العسكري الواسع, مع الإشارة إلى كون ذلك الحدث التاريخي الذي غير مجرى التاريخ السياسي الحديث ناتج عن رؤية أكان للولايات المتحدة الاميركية يد (خفية) بشكل مباشر او غير مباشر فيها, ام هي الصدفة التي لعبت الدور الأكبر في ذلك النجاح الذي استثمرته الإمبراطورية الاميركية بشكل عسكري لا نقدر إلا أن نسميه (بالناجح والمبهر) بالمفهوم العسكري والاستراتيجي البحت.
ولكن ماذا ستكون النتيجة لو جئنا لتقييم الولايات المتحدة الاميركية من الناحيتين الإنسانية والأخلاقية؟ وبشكل خاص النتاج النهائي لتأثير سياستها الخارجية على شعبيتها والى محصول التأثير الايجابي والمردود السياسي الناتج عن الإجابة على السؤال التالي, والذي أرى انه حان الوقت لتطرحه الولايات المتحدة الاميركية على نفسها قبل أن تجد نفسها غارقة في وحل عميق من الإخفاقات والفشل الذريع والشعور بالأسى على إمبراطورية كانت لتستحق وبكل جدارة أن تقود العالم لولا سياستها الرعناء ونظرتها الاستعلائية للعالم وانقيادها وراء بعض قياداتها التي لم تثبت موضوعيتها وحياديتها في القيادة وادارة سياستها الخارجية, بل صبت جام غضبها على كل الإيديولوجيات والأفكار السياسية والعقائدية التي واجهتها من الناحيتين العقلية والفكرية, بحيث تركزت حربها ـ أي ـ الولايات المتحدة الاميركية على الدول والشعوب والثقافات التي رفضت السير والانقياد خلفها, وقد ثبت ذلك من خلال العديد من التصريحات التي تناقلتها وسائل الإعلام الاميركية والغربية عن كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين في الإمبراطورية الاميركية, وكان أبرزها على الإطلاق ما نقلته وكالة CNN عن لوس انجلوس تايمز أن جيمس وولزي, رئيس المخابرات المركزية الاميركية الأسبق القي محاضرة أمام مجموعة من الدارسين, قال فيها: ان الولايات المتحدة الاميركية تخوض الآن الحرب العالمية الرابعة, وهذه الحرب قد تستمر لعدة سنوات, والأعداء فيها ثلاثة هم (الملالي الذين يحكمون إيران, والفاشيت في العراق وسوريا, والمتطرفون الإسلاميون مثل تنظيم القاعدة) ـ وحزب الله ومنظمة حماس ـ وغيرها من المنظمات الإسلامية, والملاحظ هنا أن ساحة هذه الحرب ومن خلال الأعداء الذين تم انتقاؤهم بكل براعة هي العالم الإسلامي.
والسؤال الذي أود أن تعيد الولايات المتحدة الاميركية من خلاله تقييم سياساتها الخارجية خلال القرن العشرين بشكل عام والسنوات التي تلت أحداث 11 سبتمبر من العام 2001 بشكل خاص هو: (ماذا جنت الولايات المتحدة الاميركية من قوتها السياسية (الفضفاضة) ومواجهتها للشعوب التي ظلت وستظل على خلاف فكري معها وخصوصا شعوب العالم الإسلامي, وما الذي كسبته من خلال توسعها العسكري الجيواستراتيجي الامبريالي وانتشار وكالات مخابراتها في كل مكان في العالم ودعمها المتواصل لحكومة الكيان الإسرائيلي في مقابل كل هذا الكم الهائل من العداء والكراهية لها والذي زرعته بيدها في قلوب الكثير من شعوب الأرض بسبب تلك الغطرسة والقرارات التي كانت السبب في انتهاك الحقوق وسيادة الشعوب وتشريد الملايين من أرضهم وقتل الباقي وخلافه من الفظائع والفضائح التي تركتها هذا الإمبراطورية في كل بقعة وضعت أقدامها فيها؟ مع إدراكها بان المواجهة ستكون شبه مستحيلة وخصوصا حين تتركز المواجهة على صراع المعتقدات والأفكار والإيديولوجيات, فليس من السهولة أن تستطيع أي قوة في العالم أن تغير إرادة الشعوب ومعتقداتها وأفكارها تحت قوة النار والسلاح والإرهاب.
وهل كان ذلك المقابل من الانتشار (الدرامي) على قدر الخسائر المعنوية التي تكبدتها ولازالت الولايات المتحدة الاميركية من الناحيتين الأخلاقية والإنسانية؟ والتي أدت بالطبع لكل ما تعاني منه هذه الإمبراطورية التي بدا مخططوها يشعرون بانهيارها الأخلاقي والحضاري وتراجعها الشعبي الدولي وسوء سياستها الخارجية مع كل موجات العداء والكراهية والحقد النابع من دماء ودموع الأطفال والعجائز والشيوخ في أفغانستان والعراق, وآهات وأحزان الأرامل واليتامى في فلسطين ولبنان وغيرها من شعوب الأرض والتي ذاقت مرارة ذلك الطغيان والظلم الذي سيظل في قلوب ونفوس الأجيال القادمة والتي استبعد أن تستطيع أي توازنات سياسية او إصلاحية محوها او التقليل منها على المدى المتوسط وربما الطويل إن لم تعد الولايات المتحدة الاميركية النظر في سياستها الخارجية, مما يؤكد أن ظاهرة العداء والكراهية المتزايدة تجاه هذه الإمبراطورية ناتجة عن ردة فعل طبيعية على الأقل تجاه الأعمال والأفعال السياسية والعسكرية والثقافية والإيديولوجية السيئة التي تقوم بها في كل مكان في العالم, (فالمعطيات التاريخية تؤكد مدى الترابط بين التزامات الولايات المتحدة الاميركية في النزاعات العالمية, وتصاعد وتيرة العمليات الإرهابية ضدها) كما وضحت ذلك دراسة قام بها مجلس البحوث العلمية التابع لوزارة الدفاع الاميركية في أكتوبر من العام 1997م.
كما يعود ليؤكد نفس الملاحظة مستشار الأمن القومي (سابقا) ساندي برغر وذلك اثر تعرض سفارتي الولايات المتحدة الاميركية في أفريقيا للاعتداء في 7 أغسطس 1998 حيث يقول: (اعتقد أن على الشعب الاميركي أن يعي أن ثمة علاقة جدلية بين مفهوم قيادتنا للعالم وبين تنامي الغرائز الأصولية المتطرفة ضدنا) كما أن وقوف الولايات المتحدة الاميركية مع حكومة الكيان الإسرائيلي وبشكل سافر في اعتداءاتها المتواصلة على الشعب الفلسطيني الأعزل وتغاضيها عن المجازر التي ارتكبتها في قانا ودير ياسين وصبرا وشاتيلا وغيرها الكثير, وصمتها بل ودعمها لانتهاكات هذا الكيان لكل من سيادة الجمهورية العربية السورية ولبنان كان له دور لا يقل اثرا في زيادة كراهية الكثير من شعوب الأرض لها, وان استطاعت التاريخ أن يلملم الجراح فانه لن يستطيع أن يداويها أبدا, فرصيد هذه الإمبراطورية من حصادها المر يزداد كل دقيقة بل ثانية في قلوب كل الشعوب المقهورة في كل مكان في العالم, بداية من شعوب أميركا الجنوبية التي لا تقل عداء وكراهية لسياسة الولايات المتحدة الاميركية عن غيرها, إلى شعوب أفريقيا وليس انتهاء بالقارة الآسيوية وشعوب الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
فسياسة الولايات المتحدة الاميركية وغطرستها وأخطاؤها التي اعترف به الكثير من قادتها وزعاماتها في العراق هي التي أدت إلى تردي حال الوضع العراقي وزيادة تيار العنف والإرهاب والقتل والفوضى في كل بقعة منه, كما هي نفسها السياسة الاميركية التي كانت السبب في تردي حال واقع الشعب الفلسطيني كما أوضحنا سابقا من خلال دعمها لإسرائيل, وفي الاعتداء على لبنان وما يحدث حاليا في السودان من تفعيل وتيرة الأزمة في دارفور ـ وللأسف ـ ورغم إدراك الولايات المتحدة الاميركية واعترافها بكل تلك الأخطاء فهي مازالت متمسكة بعالم من الفوضى يكون تحت قيادتها وزعامتها, بحيث لم تكتف بكل ما فعلته في شعوب الدول سالفة الذكر, بل هي اليوم تحاول ربط مشكلة الإرهاب وفوضى الوضع العراقي وغيرها من الأخطاء على الجمهورية العربية السورية وكل ذلك من اجل هدف واحد يدركه الجميع وهو محاولة إخضاع الجميع لأفكارها ومعتقداتها السياسية والإيديولوجية, وغيرها من (الشماعات) التي تعلق عليها أخطاء سياستها الفادحة في كل مكان في العالم.
وختاما نود أن نوضح بان الولايات المتحدة الاميركية ومن خلال تلك السياسة الرعناء فإنها لن تحصد سوى الحقد والمرارة والكراهية التي ستتواصل إلى الأبد مع كل قطرة دم تنزف من جسد طاهر ومع كل دمعة الم في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان, ومع كل بيت يهدم وشجرة تقطع وأم ترمل وطفل ييتم وغيرها من مظاهر الحزن والألم التي كانت تلك السياسة الاميركية الامبريالية سببا مباشرا او غير مباشر فيها, وانه قد حان الوقت لإعادة النظر في تلك السياسات تجاه شعوب العالم بوجه عام وسياسة الولايات المتحدة الاميركية في الشرق الأوسط على وجه الخصوص, وكما يقول الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر غداة انتهاء ولايته وبكل صراحة من انه وكما أرسلت الولايات المتحدة الاميركية جنودها إلى لبنان ـ والعراق ـ فانه قد يكون من (المفيد الآن التوجه لزيارة لبنان وسوريا والأردن لنعاين عن كثب مدى الحقد الذي يكنه مواطنون كثر للولايات المتحدة التي قصفت ودمرت وقتلت بلا هوادة سكانا أبرياء ـ نساء وأطفال ومزارعون وربات بيوت ـ في تلك البلدات المحيطة ببيروت... ونتيجة لكل ذلك تحولنا إلى نوع من الشيطان الرجيم في نظر كل من عانى من تصرفاتنا, هذا ما دفعهم فيما بعد إلى احتجاز رهائن منا (في إيران) والى القيام باعتداءات إرهابية ضدنا لم نستطع تقبلها إطلاقا).