المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رواية الأديب الأردني يحي القيسي/ عرض : ماجدولين الرفاعي



نهاد عبد الستار رشيد
21/11/2006, 11:29 AM
عن جريدة " الوطن " / امريكا



ماجدولين الرفاعي: باب الحيرة": عوالم سحرية تدق باب المحرمات



ماجدولين الرفاعي*
مابين الكفر والالحاد وبين البكاء لدرجة النشيج عند سماع سورة مريم بصوت عبد الباسط، مابين حوران وتونس سافر قيس حوران في رحلة مغرقة بالتفاصيل والاحداث الغريبة اخذته في غرابتها لعالم يتارجح بين الحقيقة والخيال.
ولعل دراسته للتاريخ وتعمقه بفهمها ومتابعة كل ما يتعلق بها جعل كل ابطال التاريخ تدخل في ذاته فلم يعد قادرا على التمييز بين الحقيقة والخيال.
رواية باب الحيرة" للروائي الأردني يحيى القيسي اقتحمت بكل جراة عالم الممنوعات او مايسمى الثالوث المحرم (الدين والجنس والسياسة). وهي تاخذك في رحلة الى عوالم مسكونة بالمجهول عوالم مرصوفة في باتقان كفسيفساء اثرية، تشدك حيث اللغة الاسرة والسرد المشوق نحو تسعة وتسعين بابا تلجها مع الكاتب فتسافر بك من الاردن وحرب 1967وماتركته تلك النكسة من حزن وسواد، فيعرف قيس حوران على نفسه قائلا: انا "قيس حوران" ولدت في زمن الهزائم والانكسارات، والعلل والنكسات، كان عمري سبع سنوات حينما قرعت طبول حرب 1967، واحتل العبرانيون المدججون بالتوراة واسلحة بريطانيا واميركا ما تبقى من فلسطين، واتبعوها بسيناء والجولان، ودخلوا المسجد الاقصى وعاثوا فيه كما فعلوا اول مرة، واندحرت جيوش العرب العاربة والمستعربة في اوكارها، وشرد الاف الخلق الى كل مفترق.(ص20)
يصف "قيس حوران" خوفه الطفولي وفرحه بالمساعدات التي كانت ترسلها بريطانيا وكان يظن كطفل ان تلك المساعدات محبة بريطانية للشعب العربي حتى عطل استشهاد اخيه تلك الرغبة تماما وادراكه على صغر سنه حقيقة الامر.
ليصل بنا القيسي الى تونس وبواباتها وحواريها واسيادها واسماء مدنها فتعرف "هاديا" على نفسها بقولها:
ولدت في "حي الحلفاويين" بالعاصمة، جاء اليها والدي من "تستور"، وهو ينحدر اساسا من اسرة اندلسية رحلت من بلدة تدعى "الزاهرة" بقرطبة، امي قيروانية ،ربيبة كتاتيب وزوايا الاولياء، التي انشاها اجدادنا المرابطون هناك(ص26).
من خلال قراءة الرواية يلاحظ القارئ كثافة المعلومات الواردة مع قصرفي الرواية على مئة صفحة دون ان يؤثر هذا القصر على التكثيف مع تبسيط الافكار فالاماكن حاضرة بقوة يتنقل بينها الكاتب بيسر وسهولة فما بين المكتبة الوطنية ومخطوطات التاريخ والروض العاطر والشيخ النفزي الى نهج سيدي عبد الله قش وبغاياه اللواتي اتلفهن كثرة تردد الرجال عليهن ، واستعمال الطلاء مابين هنا وهناك مساحة لنقد التطرف الديني والالحاد من جهة والتطرف والاصولية من جهة اخرى، اضف الى ذلك ذكر الكثير من الفلاسفة والمؤرخين.
من خلال "باب الحيرة" ترى تونس الحديثة بقوانينها الخاصة من منع الحجاب الى منع الزواج باكثر من امراة (حسب الشريعة الاسلامية) الى تحرر المراة ونيل حقوقها بالكامل فجاء على لسان "الطيب بن محمود": تعرف ان النساء لدينا اخذن حقوقهن بالكامل، وربما حقوقنا ايضا، وماعادوش يحشمو، والقوانين تمنع علينا الزواج باكثر من واحدة، بعكس الشريعة، ثم انت تدري بانني لست متدينا، ولااهتم الا بتطبيق نقطة واحدة منه على الاقل، وفاء لاجدادنا(ص49).
"قيس حوران" تلبسته نقمة المخطوط الذي بدأ بمطالعته مع بداية وصوله للدراسة في تونس وانتهاء بعودته الى الاردن، وترك "هاديا" له اشفاقا على حاله بعد أن اتفقا على الزواج. مرورا "بسعيدة" المتحررة التي سلمته جسدها بعد الاعتراف له بفقدها عذريتها بموافقتها من قبل صديقها "لطفي" تلك العذرية التي لاتعني لها شيئا (تعتذرين دون ندم عن عذريتك التي اطاح بها بها صديقك الاثير ذات ليلة بموافقتك، تقولين انك لاتفكرين بالزواج اصلا، وانه ان جاء في قادم الايام فان على الرجل ان يتفهم هذا الامر الشديد التفاهة، والا فليذهب الى الجحيم) ثم سفرها الى باريس لمتابعة دراستها وزواجها برجل فرنسي.
تنتهي الرواية دون معرفة الكاتب او القارئ ما اذا كانت تلك العوالم السحرية التي دخلها "قيس حوران" حقيقية ام انها خيال ووهم من تاثير المخطوطات التاريخية المغرقة في القدم.
ضجيج الشوارع والسيارات وصوت عجلات القطار وصياح الباعة وصوت زقزقة العصافير شكلت جميعها موسيقى تصويرية رافقت الرواية من مطلعها حتى نهايتها.
اللهجة التونسية المحببة الممزوجة بكلمات فرنسية اضافة للهجة الشامية التي احبها التونسيين تداخلت جميعها في السرد فاعطته بعدا جغرافيا جميلا.
لن ندخل في تفاصيل الرواية اكثر كي لا نفقد القارئ متعة القراءة والدخول الى عالم الروائي يحيى القيسي وبطله "قيس حوران" وهو يردد :
"مرحى لمدرعاتنا ..،ودبابات الجنزير..، وين ع رام الله..، وّحنا للموت وحنا للسيف...، ربع الكفاف الحمر..، وهيه هيه يلا يابوعبد الله بدنا نحارب".


كاتبة وصحفية سورية