المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المرتزقة الجدد وخصخصة الحروب



غالب ياسين
04/01/2008, 08:57 AM
لا تنتهي قصة خبرية عن الشركات العسكرية الخاصة إلا لتبدأ أخرى، فقد بات حجم هذه الشركات وعدد أعضائها وممارساتها من الأخبار الهامة التي تتصدر عناوين الصحف والتحقيقات التلفزيونية، ومن أشهرهذه الشركات "بلاك ووتر"، و"فرسان مالطا"، وطبقًا لآخر التقارير بلغ عدد هذه الشركات قرابة 100 شركة، وأصبح حجم نشاطها المالي يفوق ميزانية حكومات ودول كثيرة.


ساعدت تطورات العصر الحديث على انتشار شركات المرتزقة في الحروب الحديثة، وعلى ظهور المرتزقة الجدد في العصر التكنولوجي الحديث؛ وذلك لعدد من لأسباب، منها: رغبة الحكومات في التخفي عند القيام ببعض الأعمال القذرة، أو خشية السياسيين من أن تؤثر مشاهد توابيت القتلى من جيوشهم المسلحة - في حالة استخدامها بدل المرتزقة- في إثارة غضب الرأي العام الداخلي ضدهم، بعكس المرتزقة الذين لا بواكي لهم.
ومنها أيضًا ميل الخبراء العسكريين وخبراء التكنولوجيا والاتصالات والكمبيوتر لبيع خدماتهم لهذه الشركات الخاصة التي تدفع مبالغ مالية أعلى من الحكومات، ومن ثَم اتجاه الحكومات للاستفادة من هذه الشركات في القيام بالعديد من الأعمال، خصوصًا في الحروب والغزوات لمساعدة قواتها.

والأهم من هذا وذاك أن الاعتماد على المرتزقة في الحروب يقلل من أعداد القتلى الرسميين - باعتبار أن أرقام قتلى المرتزقة لا تذكر رسميًّا- ما يسمح للحكومات بالكذب فيما يخص خسائرها البشرية لتظهر نفسها منتصرة أحيانًا، وهذه حالة ظاهرة في حالة الغزو الأمريكي للعراق، حيث أعداد القتلى تتوزع على جنود أمريكيين هم الذين يجري إعلان عدد قتلاهم فقط، وجنود أمريكان آخرين ليسوا حاصلين على الجنسية بشكل كامل وإنما "جرين كارد"، وهؤلاء لا يذكر عدد قتلاهم؛ لأنهم ليسوا جنودًا رسميين، ثم المرتزقة أو "المتعاقدين العسكريين أو المدنيين"، وهم أيضًا لا تذكر أي أرقام دقيقة عن خسائرهم.

والقصة الكاملة لهؤلاء المرتزقة تناولها كتاب (المرتزقة الجدد.. و"خصخصة" الحروب) الصادر عن دار (الناشرون) بالقاهرة 2007، لمؤلفه الكاتب والمحلل السياسي محمد جمال عرفة.

ويجيب الكاتب عن عدد من التساؤلات أهمها من هم هؤلاء المرتزقة الجدد؟ وماذا تعرف عن علاقتهم بفرسان مالطا والصليبيين القدامى؟ وما هي خطط شركات المرتزقة الجدد لخصخصة الحروب؟ وما هي علاقة كل ذلك بخطط السعي لبناء شبكات إسلامية معتدلة من المسلمين العلمانيين؟ وهل نحن مقبلون على عالم جديد تقوده شركات الحروب الخاصة ذات الخلفيات الأيدلوجية المتطرفة؟

حروب القطاع الخاص


مرتزقة بلاك ووتر أثناء تأدية مهمة في العراق

ويذكر عرفة في كتابه أنه مع مرور الوقت وتطور الأحداث توسع نشاط هذه الشركات الخاصة العسكرية وزادت أعدادها حتى بلغت قرابة 100 شركة، وأصبح حجم نشاطها المالي يفوق ميزانية الحكومات، ويزيد على 200 مليار دولار وفق بعض التقديرات، وبعد أن كانت الجيوش المحاربة في الغرب تضم نسبة 10 - 20% من المرتزقة للقيام بوظائف مختلفة (حماية - تأمين إمداد القوات المحاربة بالمؤن والسلاح - تدريب - وظائف فنية)، أصبحت الاستعانة بجيوش المرتزقة الجدد من الشركات الخاصة أكبر حجمًا ويصل أحيانًا لنصف هذه الجيوش المحاربة وأكثر، حتى إن دراسات أمريكية وتقريرًا نشرته وكالة رويترز كشف عن أن عدد المتعاقدين الأمنيين المرتزقة في العراق بلغ 100 - 130 ألف مرتزق متعاقد، في حين أن عدد القوات الأمريكية الرسمية 150 ألفًا؟!

وهكذا أصبح العالم على أبواب نوع جديد من الحروب هي حروب القطاع الخاص أو الحروب المخصخصة، وأصبحت "خصخصة الحروب" هي آخر صيحة في عالم حروب اليوم، بعدما انتشرت شركات المرتزقة وأصبحت تطلق على نفسها أسماء أكثر لياقة وتنبذ كلمة "مرتزقة"، مثل تسمية نفسها "شركات حماية" أو "متعاقدين مدنيين" أو "متعهدين".

أما الحقيقة التي يؤكدها الكتاب الذي بين أيدينا فهي أن هذه الشركات تعمل من الباطن مع الحكومات، بل غالبًا ما يديرها مسئولون سابقون سياسيون أو عسكريون، وقد يعين بعض مسئوليها كوزراء في الدول المختلفة -تشيني نائب بوش كان رئيس شركة "هاليبرتون" التي لها عدة تعاقدات في العراق-، وبالتالي فهي تدير الحروب والغزو وتدير الأزمات نيابة عن الحكومات التي تظل كامنة بعيدًا في الظل تنفي عن نفسها التورط في هذه الجرائم.

البحث عن غطاء أخلاقي


ومع تضخم شركات المرتزقة الجدد، بدأت هذه الشركات تلجأ للبحث عن غطاء أخلاقي أو سياسي أو اقتصادي أو حتى من الأمم المتحدة؛ لتبرر نشاطها وتحظى بمصداقية وشرعية دولية، وكي توفر لعملائها من المرتزقة الجدد قدرًا من الحماية، خصوصًا أن القانون الدولي والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة تجرم نشاط هؤلاء المرتزقة وتعتبرهم مجرمين وقتلة ولا تعترف بهم -لو وقعوا في الأسر- كمجرمي حرب أو أسرى.

وفي سبيل ذلك بدأت هذه الشركات -تساندها الحكومات التي تديرها أو تستفيد منها- تتجمل وتسعى للترويج لنفسها باعتبار أنها شركات تقدم خدمات تكنولوجية وتدريب وخدمات، وأن دورها ليس إشعال الحروب أو القيام بأي أنشطة تتعلق بالصورة السلبية القديمة للمرتزق حامل السلاح وقاتل الأبرياء.
وكان النموذج الإيجابي الذي طرحته هذه الشركات لنفسها هو الدور الذي قامت به شركة "أكسكيوتف أوتكوم" أو النتائج المضمونة Executive Outcomes الجنوب إفريقية في سيراليون عام 1995، حينما نجحت في إعادة الاستقرار للبلاد وطرد المتمردين، وإعادة 300 ألف لاجئ إلى وطنهم نظير نصيب من ثروات البلاد من البترول والماس، أي دورها كشركات لحفظ السلام لا للحروب.

من هنا بدأت شركات المرتزقة الجدد تتحرك لتحظى بموافقة مسئولي الأمم المتحدة على إسناد مهام لها، وبدأت في البحث عن غطاء أخلاقي وديني عبر التعاون مع بعض الحكومات أو المنظمات المشهورة بدورها الخيري المعلن والتي لا يعرف أحد تاريخها الأسود، مثل دولة ما يسمى "فرسان مالطا" التي تشبه "الفاتيكان" وتوجد مقراتها داخل الفاتيكان في إيطاليا والتي ينتمي لها غالبية رؤساء شركات المرتزقة الجدد، ولها تاريخ قديم في أعماق الحروب الصليبية التي استهدفت السيطرة على كنوز الشرق.

وفي اللحظة التي بدأ فيها هؤلاء المرتزقة الجدد البحث عن تاريخ لهم أو غطاء شرعي يتدثرون به من عار "الارتزاق"، بدأت تتكشف حقيقتهم الصليبية القديمة، وأهدافهم في السيطرة على خيرات العالم النامي وفي القلب منه العالم العربي والإسلامي.

بلاك ووتر.. الصليبيون الجدد


إريك بيرنس مؤسس بلاك ووتر

أحدث وأشهر شركات المرتزقة وهي شركة (بلاك وتر) Black water (المياه السوداء) لخدمات المرتزقة والحماية والتي تلعب دورًا كبيرًا في العراق، وتسعى للعب ذات الدور في السودان ودارفور، ويقول أصحابها إن لهم أنشطة في دول إسلامية عديدة يرفضون الإفصاح عنها، هذه الشركة تبين أن صاحبها مسيحي متعصب ينتمي للتيار اليميني المسيحي المتطرف في أمريكا والذي يدير الولايات المتحدة منذ صعود الرئيس بوش لسدة الحكم عام 2001، كما أنه وكبار مسئولي الشركة أعضاء في "فرسان مالطا".

وأخطر ما في عمل هؤلاء المرتزقة الجدد هو نشأتهم الصليبية وسعي الشركات التي يعملون فيها للمزاوجة بين الدين وبين العمل السياسي والعسكري، وهو ما ينعكس على طريقة أداء مرتزقيها في المناطق العربية والمسلمة، والدليل ظهر بوضوح في الفلوجة العراقية حينما تعمدوا قصف وتدمير قباب المساجد وتدمير المنازل على أهلها ولم يسلم منهم لا طفل ولا شيخ، وكأنهم يقلدون الصليبيين القدامى في قتلهم الشيوخ والعجائز في القدس.

ولأن "خصخصة الحروب" موجهة بالشكل الأساسي نحو شعوب العالم النامي التي ترفض سيطرة الدول الكبرى على مقدراتها ومواردها وفي القلب منها العالم الإسلامي الذي يتمتع بموارد طبيعية غزيرة، فمن الطبيعي أن تثير خطط هذه الشركات وأنشطتها التي تتجمع فيها كل أحقاد الصليبيين القدامى "فرسان مالطا" والجدد "اليمين المسيحي المتطرف في إدارة بوش"، المخاوف من عصر جديد تسيطر فيه هذه الشركات على عالم المستقبل وعلى ثروات العالم الإسلامي.

مرتزقة من المسلمين


والأكثر خطورة أن هذه المخططات التي توجه نحو العالم الإسلامي ليست قاصرة على التحالف العسكري السياسي الديني لهؤلاء المرتزقة الجدد الأجانب لغزو العالم الإسلامي، كما يسعون حاليًّا في دارفور السودان والصومال ودول إسلامية أخرى لم يعلنوا هم عنها، لم تَعُد قاصرة على المرتزقة الأجانب من الخارج، وإنما بدءوا يخططون لتشغيل أو الاستفادة من مرتزقة "وطنيين" من داخل العالم الإسلامي يتحدثون بلسان عربي مبين، ويدينون بالإسلام في أوراق هوياتهم لهدم الدين من الداخل على طريقة طروادة.
فمنذ هجمات 11 سبتمبر على أمريكا وهناك تحفز أمريكي وأوروبي ضد العالم الإسلامي، وسعي لوضع خطط إستراتيجية جديدة لمواجهة هذا العالم الإسلامي كعدو بديل للشيوعية.

ومع أنهم سعوا في البداية لوضع خطط للتفرقة بين المسلم "المعتدل" والمسلم "المتطرف" والسعي لنصرة "المعتدلين" من الإسلاميين باعتبار أنهم ينبذون العنف، وضغطوا في هذا السياق على حكومات إسلامية لتسمح بانتخابات حرة نسبيًّا كحل لتقليل حدة الاحتقان والتطرف الداخلي الذي ينتقل للغرب، فقد أقلقتهم نتائج الانتخابات الحرة؛ لأنها جاءت بهؤلاء الإسلاميين الذين يعارضون التدخلات الغربية في شئون بلادهم، وفشل فيها الليبراليون الذين عوّل الغرب عليهم للفوز.

من هنا بدأ التركيز على فكرة أكثر خبثًا تدور حول زرع أو الاستفادة من مرتزقة "وطنيين" من أبناء الدول العربية والإسلامية يدينون بنفس الأفكار الليبرالية العلمانية الغربية ويناهضون الفكر الإسلامي الحقيقي القائم على الشريعة، بحيث يكون هؤلاء هم شوكة الاستعمار الجديد في بلاد العرب والمسلمين.

هذا الأمر كشفه تقرير مهم نشره مركز (راند) التابع للقوات الجوية الأمريكية تحت عنوان: "بناء شبكات مسلمة معتدلة" Building Moderate Muslim Networks، وكشف عن أن المسلم المعتدل أو المرتزقة الوطنيين هنا هم المصنفون على أنهم مسلمون يأخذون من الدين مظاهره الفلكلورية في حين لا يؤمنون بشريعة الإسلام ويناهضونها، ويعادون كل المظاهر الإسلامية الأخرى.

===============

إسلام أون لاين - السيد زايد