المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العراق شموخ في زمن الانكسار



محمد بن سعيد الفطيسي
06/01/2008, 08:55 PM
لقد كان العراق ولا زال وسيظل جزءا لا يمكن فصله او تجزئته من كينونة الأمة الإسلامية العربية , وهذا هو السر في كون العراق كان وما زال وسيظل عصيا وصامدا في وجه كل المحاولات الخارجية او الداخلية الآثمة لتجزئته وتقسيمه وإبعاده عن إسلامه وعروبته , وقد تنبهت الامبراطورية الاميركية وغيرها من الدول الاستعمارية التي كان لها أطماع من وراء احتلال العراق إلى نقطة هامة هي من ابرز النقاط التي جعلت من الولايات المتحدة الاميركية وغيرها تسعى إلى غزوه او المساعدة في ذلك العدوان بتلك الطريقة الهمجية التي ستظل إلى الأبد وصمة عار لكل الديمقراطيات في العالم , ألا وهي أن العراق هو احد أهم وابرز الخطوط المناعية لحماية الجسد العربي من الاختراق الخارجي , وبالتالي فإن غزوه واحتلاله ضروري وهام للغاية لتحقيق بقية الأهداف العدوانية الاميركية الإسرائيلية من وطننا العربي بشكل عام والعراق على وجه الخصوص , بل مهم لدرجة الاستعجال وعدم انتظار أي قرار أممي نابع من مبررات حقيقية وقانونية وشرعية وليس مبررات زائفة ومبنية على التهديد والوعيد كما فعلت الولايات المتحدة الاميركية مع كثير من الدول التي رفضت فكرة غزو العراق وقاومتها منذ البداية.
وكما هي المبررات الواهية للغزو والتي بدأت بمزاعم أن العراق يحاول صنع أسلحة دمار شامل وعدم تعاون القيادة العراقية في تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشان إعطاء بيانات كاملة عن ترسانته من تلك الأسلحة المحظورة , مع انه لم يتم اكتشاف أي من تلك الأسلحة إلى يومنا هذا , وكذلك برواية العراق الإرهابي الذي يرتبط بتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية الدولية.
تلك الأعذار التي اخفت وراءها الأسباب الحقيقية لتلك الجريمة التاريخية النكراء بحق هذا الجزء العزيز من وطننا العربي , وأبرزها على الإطلاق حماية الكيان الإسرائيلي مما اعتقدت الصهيونية الاميركية الإسرائيلية انه تهديد خطير قادم عليها من هذا البلد العربي , حيث شكل العراق منذ البداية قوة عربية هائلة في مواجهة التهديدات الإسرائيلية , وكان من ابرز الدول العربية التي ساندت ودعمت القضية الفلسطينية في كل مراحلها , وعليه فإن غزو العراق سيمكن الحكومة الإسرائيلية من وضع حل نهائي للقضية الفلسطينية , او سيعطيها الوقت الكافي لفرض قوتها وهيمنتها على فلسطين في ظل عدم وجود أي منغصات تحول دون تلك الغاية , كما بين ذلك العديد من القيادات الإسرائيلية والاميركية بعد ذلك العدوان , تلك القيادات التي طالما أعلنت أن العراق ـ واليوم توجه نفس التهمة إلى الجمهورية العربية السورية ـ على أنهما جزء من معوقات الحل النهائي للقضية الفلسطينية والسلام في الشرق الأوسط , ( وبالتالي تقرر صهيونياً وأميركيا تدمير العراق وليس إسقاط نظامه فقط ، فالذي وجد في العراق كان ذخيرة للمستقبل العربي ) بأكمله.
هذا بخلاف الكثير من الأهداف الامبريالية الاستعمارية التوسعية التي كانت الولايات المتحدة الاميركية وحليفتها إسرائيل تطمح لتحقيقها من وراء احتلال العراق العربي , وعلى رأسها المياه العراقية التي سيتم تحويلها لإطفاء الظمأ الإسرائيلي المتزايد , والذي تدرك القيادة الإسرائيلية من انه وبدون هذه المياه ستكون إسرائيل في وضع اقتصادي صعب يهدد حياتها وبقاءها بالخطر والفناء , هذا بالإضافة إلى النفط العراقي الذي يشكل ثاني اكبر احتياطي في العالم , والذي طالما شكل ارقا متزايدا للقيادات الاميركية المتوالية والذي اعتبرته تهديدا لا يمكن السكوت عليه مطلقا , وخصوصا في ظل وجود قيادة ينظر إليها الساسة في البيت الأبيض على أنها من اشد القيادات عدائية وإرهابية وتهديدا لمصالحها في الشرق الأوسط , وقد زاد ذلك الإحساس بالتهديد والخوف بعد القرار العراقي في العام 2000 باستعمال اليورو ليكون العملة الوحيدة لشراء النفط العراقي.
هذا بالإضافة إلى الطموح الأكبر والذي طالما تكلمت عنه تلك القيادات الاميركية المتوالية وهو " الشرق الأوسط الجديد " , الذي لابد أن تكتمل السيطرة عليه بأكمله , وبالطبع فإن ذلك لن يكون ممكنا سوى بالدخول من البوابة العراقية , وهذا ما وضحته مذكرة جيني- رامسفيلد- ولفوتز التي كتبت عام 2000 والتي تمهد لدور استراتيجي أكثر فاعلية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط , ( وتعني الترجمة الشرق أوسطية لهذه الأجندة العمل على التحكم بمنابع الطاقة , واحتياطياتها في العراق ومن ورائه في منطقة الخليج بأسرها وإخضاعها لأهداف الاستراتيجية المهيمنة ، كما تعني تعزيز التحالف الأميركي الإسرائيلي لقطع الطريق على أي معارضة إقليمية عربية وأخيرا تقزيم الدول العربية وترويع نخبها وأنظمتها لمنع نشوء أي حركة تعاون أو اندماج أو تفاهم إقليمي ينتج عنه ازدياد في هامش مناورة المجتمعات العربية الاستراتيجي وربما احتمال تحول تدريجي في ميزان القوى الإقليمية)
المهم في الأمر بأن غزو العراق قد تم , وقد دخلت القوات الاميركية الغازية المحتلة إليه , فهل وجدت الإمبراطورية الاميركية ما كانت تبعث عنه ؟ وهل حقا أن تلك الامبراطورية سعت إلى غزو العراق لمجرد أن العراق يمتلك أسلحة محرمة قد يهدد بها إسرائيل او المصالح الغربية المنتشرة في هذا الجزء من العالم وقد ثبت عدم وجودها أصلا , أم من اجل نفط لم تتمكن الحكومة الاميركية من السيطرة عليه او الاستفادة منه إلى يومنا هذا ؟ ربما كانت تلك هي الأهداف الظاهرة والمبررات الاستراتيجية لذلك العدوان البربري الآثم على العراق , ولكن تبين بعد ذلك بأن هناك حقيقة أخرى , هي أكثر خطورة من ثروات العراق وخيراته المادية , حقيقة أن ذلك الغزو قد كان لأهداف اكبر من تلك المذكورة سابقا , أهداف بعيدة المدى وعلى رأسها إدخال هذا الجزء من العالم العربي في خضم الفوضى وعدم الاستقرار , وذلك من اجل أهداف مستقبلية وعلى رأسها تقسيم هذا الوطن العربي إلى أجزاء متفرقة ومتباعدة من اجل سهولة السيطرة والانقضاض عليه , وقد مثلت " سياسة أحجار الدومينو " انسب وسيلة لذلك العدوان , وقد كان العراق العربي العزيز البداية لذلك المشوار الطويل الذي قد يمتد إلى الجمهورية العربية السورية والسودان وغيرها العديد من الأقطار العربية المستهدفة.
وقد ثبتت تلك الحقيقة التي تقول بان العراق قد تم استهدافه من اجل تحطيم عروبته من خلال العديد من الملاحظات التي سبقت الغزو وواكبته واستمرت إلى ما بعد ذلك , ومن أبرزها على الإطلاق تدمير وتفكيك المؤسسات العراقية العلمية والثقافية والأدبية التي تهتم بحفظ ورعاية تراث العراق العربي كمراكز الآثار والأبحاث والمراكز العلمية والأدبية والتراثية وأهمها المتاحف العراقية التي نهبت تحت أنظار القوات الأميركية والتي كانت من أهم ذخائر وثروات الأمة العربية , كذلك من خلال تصفية كوادر العراق العلمية والثقافية والسياسية وممارسة القتل على الهوية ونشر الفوضى وتعميق الطائفية السياسية والسعي المتواصل والمستمر لطمس الهوية الوطنية لشعب العراق , واستئصال الفكر القومي العربي وطمس عروبة العراق من خلال السعي لإعادة تركيب المجتمع العراقي على قواعد التقسيم العرقي والطائفي , وغيرها الكثير مما يثبت أن تفتيت عروبة العراق كان على أولويات الغزو الاميركي ومن أهم أهدافه على الإطلاق.
ولكن ورغم كل تلك الضربات الموجعة للجسد العراقي العربي منذ القديم والى أيامنا هذه , ظل العراق لابنائه وغادر المستعمر مدحورا منحورا , يجر خلفه أذيال الخيبة والصغار , وقد ثبت تاريخيا رفض ذلك الجسد العربي الطاهر لكل موجات التغيير والاحتلال بداية من البيزنطيِّين والتتار والمغول والاحتلال البريطاني المقيت واليوم بهذا الاحتلال الاميركي الكريه , تلك الضربات التي هدفت إلى زرع الفتنة والبلبلة بين أبنائه , او تقسيمه وتجزيئه إلى أقسام او " فدراليات " طائفية او عرقية قد باءت بالفشل , وظل العراق متوحدا صامدا قويا لا يمكن استئصال عروبته او انتمائه لهذا الوطن العربي العزيز بالقوة والسلاح , فالعراق عربي حتى النخاع , عربي في كل مساماته , عربي بالدم والفطرة والعقيدة والانتماء , ولهذا فان ( عروبة العراق مسلَّمة وحقيقة تاريخيَّة لا تستطيع قوى هامشيَّة ولدت خارج رحم التاريخ من تغيرها , وإنَّ محاولات تغيير هويَّة العراق القوميَّة تبقى محاولات عبثيَّة غير مجدية , وإذا كان الاحتلال قد أوجد مناخًا شاذًّا ملائمًا لنموِّ الطفيليَّات العنصريَّة وتكاثرها ، فإنَّ هذا الوضع استنادًا على كلِّ الحسابات يبقى وضعًا مؤقَّتًا وزائلاً لا محالة )