المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خدمات ومصائد



حسين نوح مشامع
07/01/2008, 12:40 PM
خدمات ومصائد
تأثر كما تأثر غيره بالإعلانات الكثيرة المنثورة في الشوارع، التي وضعت لاقتناص الزبائن واجتذابهم. ولكثرة مروره عليها - ذاهباً إلى عمله، ورجوعاً إلى بيته - لم يستطع مقاومة تلك الإغراءات. إغراءات متنوعة وكثيرة مدروسة بعناية، أخذ مصممها في حسبانه، كل الأبعاد المهمة من لون - ومقاس - وموقع. بحيث لو هرب الفرد من تأثيرها في المرة الأولى، فلابد وأن يقع في مصيدتها في المرات القادمة. فوقع أخيراً في ما يحذر، رغم محاولاته الكثيرة، تفادي النظر إليها والانبهار بأشكالها وموضوعاتها. وقع أخيراً بسبب وجود تلك الكلمات السحرية، على صفحات تلك اللوحات، التي لم يعد يخفى معناها على الصغير قبل الكبير، تجذبهم جذباً لا يمكن الفرار منه. تلك الكلمات التي يبقى معناها كما هو ولو تغير مضمونها وتعدد، بدون مقابل – بدون قيمة – جربها دون مسؤولية.

قرر الذهاب إلى مكتب الشركة صاحبة الإعلان، محدداً هدفه وواضعاً إياه نصب عينيه – أن لا يقع في فخاخها مهما كانت قوة الإغراءات، التي تقع عليه. ذهب فقط ليستعلم عن تلك الخدمة، ويرجع ومعه بعض المنشورات يستطيع من خلالها التعرف على نوعيتها ومواصفاتها. دخل المكتب، فكان بانتظاره شاب وسيم مبتسم في كامل أناقته. استقبله بكل حفاوة وترحاب، وأجلسه على مقعد بجواره، حتى ينهي خدمة الزبون الذي قبله. كما عرض عليه احتساء بعض المشروبات، المجهزة خصيصاً للزبائن. وعندما حان دوره، طلب منه الموظف المختص الاقتراب لخدمته. تقدم إليه طالبا معرفة التفاصيل عن الخدمة المعروضة على اللوحات الإعلانية؟! عندها بلل الموظف شفتيه – مندوب مبيعات مطالب بنسبة معينة من المبيعات ليحصل على عمولته – وفرقع أصابعه وفرك كفيه. استعداداً لالتهام هذا الحمل الوديع، الذي جاء بنفسه، ووقع بين فكيه دون تعب أو جهد! فعرض عليه البرنامج، ولم يترك كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها وعدها عدا. وعمل جاهداً على أن لا تمر في مخيلته، إي سيئة أو قصور. بل جعله كله حسنات، صيغت ليجني ثمرها وفوائدها.

وقع على حر وجهه رغم تحفظاته التي أبداها، وشروطه التي قدمها. محاولاً عدم الوقوع في الشرك الذي يعلم أنه منصوباً له، بدخوله ذلك المكان. أخبره إنه لا يستطيع الاشتراك حالياً في الخدمة، لأنه لا يملك الجهاز المطلوب لتشغيلها؟! فبدوره طمأنه حتى أوقعه في حبائله، فهذا جزء من خططه الشيطانية التي درب عليها، ويعطى مقابلها راتبه وعمولته. قائلاً له: لا تخف فإنك لن تدفع مليماً أحمراً حتى تستعملها! خرج فرحاً مسروراً عائداً إلى بيته، مهنئاً نفسه على عدم تمكن تلك الخدعة منه! ولم يعلم بأنه اخذ من حيث يحذر - ومن حيث لا يحذر، وانه وقع من حيث يعلم - ومن حيث لا يعلم! فهو لم يبلع الطعم فقط - كما اعتقد - بل انزل الطعم مع السنارة، إلى بلعومه ثم إلى معدته وهو فرحاً مسروراً. لم ينتبه من غفلته، ولم يتأكد من تمكن تلكم الخدعة منه، إلا حين استلامه للفاتورة. رأى فيها ما يسود الوجه، و يقصم الظهر. كانت محملة بالأوزار والآثام التي لا تغتفر. جعلته يقذف ما في أحشاء راتبه الضعيف الذليل، مقابل شيء لم يستعمله ولم يستخدمه، بل لبسها مقلوبة مغصوبة!

ذهب من فوره إلى من البسه سرجاً، وجعل منه حماراً يبتسم فرحاً! دخل عليه غاضباً أسفا، فاستطاع رغم جفوله وخوفه تهدءة روعه، واحتواء المصيبة التي أوقعه فيها. وبخبرته الطويلة في التعامل مع الناس، وبما أعطي من تدريب ومران وتوجيه، أن يقلب المجن على رأسه ويجعله السبب في هذه المشكلة. فاحتد مشعلاً حربا، بعد ما سمع من كلام غير منطقي قائلاً له: أنا لم استعمل الخدمة كما قلت سابقا، ولم أعين نوعية مواصفاتها، ولا املك جهاز لتشغيلها، فكيف بي أدفع ثمن شيء لم استخدمه؟! وأردف قائلاً الم تقول لي: أني لن ادفع قيمتها إلا حين استعملها؟! عندها أحس الموظف أنه أوقع نفسه مع شخص عنيد لا يمكن احتوائه. ولكن ليس هناك توثيق لما يثبت تورطه في عملية نصب، إلا كلمته أمام كلمة الزبون. فاستعان بإبليسه وحيله الماكرة، فأقنعه بدفع المطلوب منه، لان لا يتعرض للمطالبة والمسائلة. فاقتنع لطيبة نفسه وسذاجته، ولخوفه أن لا يجد من يعينه ويصدق كلامه، فدفع ما عليه على أمل إقناع الشركة بإرجاع حقوقه.
بقلم: حسن نوح مشامع – محافظة القطيف – السعودية
husseinoah@yahoo.com