المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : باي العربان / الفصل الثالث



جمال عبد القادر الجلاصي
11/01/2008, 01:54 PM
سلطانة اللذّة

كان يمكن للثروة التي خلّفتها لي جدتي أن تجعلني بمأمن من الفقر والخصاصة طول عمري، أن أعيش سلطانة أو كما يقولون عندنا بيّة زماني: أن أشغّل خادمة أو شوشانة لشؤون الدار وأن أمتهن عمل جدتي الذي أتقنته منذ صغري، ولكن شيء وسوس لي أن طريق المرأة العادية ليس طريقي وأني لست باحثة عن استقرار ولا عن ثروة، بل أن طريقي الذي نويت أن أسلكه عند خروجي من المنزل قبل أسبوع هو الطريق المثالي بالنسبة لامرأة مثلي، فسلكته ولازلت أسلكه إلى الآن ولم أعرف إن كنت اتخذت القرار الصائب أم لا.
لا أدري من أين جاءتني الجرأة لفعل كل ما فعلت، لكني فعلته وكأن شخصا آخر يتصرف عوضا عني...
بعت المنزل الذي وجدت حجّة ملكيته التي نقلتها لي جدتي عند الحبر شلومو، وقد حاول الحبر المسكين أن يستجلي قرارة نفسي وأن يعرف ماذا أنوي أن أفعل في المستقبل، وقد اقترح عليّ العمل في الدير لحفظي من الشيطان وأعوانه لأن الجمال الذي ورثته عن أمي سيكون سببا في تهافتهم عليّ، وهو لا يعلم أني قرّرت أن أكون من أعوانه البررة. سلّمني حجة الملكية وغادرت الدير وأنا لا أعلم أني سأزوره يعد سنوات في ظروف مغايرة تماما. اتجهت بعد ذلك مباشرة إلى سوق البركة لأول مرّة في حياتي، أدخل هذا المكان المخصّص للصاغة وبيع الذهب. بعت بعضا من أساور جدتي والليرات الذهبية واشتريت دارا فخمة بطابقين بسيدي المرجاني، الحي المخصص للرعايا الأجانب من المسيحيين خاصة، وجهّزتها بأثاث عصري من المتجر الإيطالي. ثم اتصلت سرّا بالوجيه سوسو بيشي الذي يعرفني منذ سنوات طفولتي بحكم علاقته الوطيدة بجدتي، وأعلمته أني أنوي فتح فندق وملهى على الطريقة الأوروبية وأغريته بمشاركتي حتى أضمن ألاّ يتعرّض لي أحد من أرباب الدولة أو من الأجانب الذين اتسع نفوذهم منذ انتصاب الحماية، فرحّب بالأمر بعد أن ذاق من عسلي، وسهّل كل المصاعب التي صادفت مشروعي وأعطاني من المال أكثر مما كنت أتمنى.
ثم قدّمني إلى نائب القنصل الفرنسي على أني فرنسية الأصل كنت أقيم بالشام وأن زوجي الشامي قد توفّي وخلّف لي ثروة وأني قد أضعت كلّ أوراق هويتي، وأنا بحاجة لأوراق جديدة لأني أنوي الإقامة نهائيا بتونس وأريد بعث مشروع بالحاضرة. وهكذا أصبحت، بقدرة نائب القنصل وأموال الوجيه سوسو وشبكة علاقاته، "مدام شامي" وحصلت على اسم مسكة الذي اخترته وفاء للمرحوم زوجي!!!

بعد أن يغادر جميع الزبائن والعاملين في الدار، ويخلد جميع من في المنزل من بنات وخدم أفتح زجاجة النبيذ المفضّلة لدى "أبي" وأمسك الدفتر الأزرق ورسائل أبي الشاهد الوحيد على تاريخي وأصلي وأبدأ بالنحيب وبالقراءة:



مجاز الباب في غرّة سبتمبر 1864

عزيزتي صفية:

أكتب لك من مجاز الباب، جالسا على الأرض على عادة الأعراب في ظل خيمة متخذا من حقيبتي مستندا للكتابة. كما تعلمين أنا في مخيّم الفريق سيدي رستم المكلّف بإتمام تأمين هذا الرّبع من البلاد وباستجباء ما تمّ تأمينه.
لقد اشتريت كما أوصيتني برنسين يقياني برد تلك الربوع ولبست "الطربوش التونسي"علامة الوظيفة.
ولو لم أعدك بأن أكتب لك كل ما أراه فإني أشفق على رقّتك المتناهية من المناظر التي اعترضتني أول ما دخلت المخيم، وجدت الفريق رستم يعاين بضع مئات من الأنفار التعساء شدّت في أعناقهم أطواق حديدية وكبّلوا بعضهم إلى بعض بأغلال قصيرة جدّا أحكمت في أرجلهم.
إن هذا الفريق يعتبر من أفضل المماليك وأكثرهم تفتّحا على الحضارة الأوروبية وتفهّما لجوهرها، كما أنه يتكلم الفرنسية مما يمكّنني من خوض بعض الحوارات المهمة معه.
لو سألتني عما أفتقد في هذه المدينة الرومانية القديمة لأجبتك بلا شكّ وجهك الصبوح وصوتك الملائكي الذي يحملني إلى عوالم تقرب من الفردوس.
واصلي كتابة مذكراتك وإذا أردت كتابة رسالة لي سيتكفّل صديقي شميدت بإيصالها.
عليك ألاّ تشغلي بالك بي أنا هنا في تمام الصحّة والعافية.
مع حبي الأبدي
غوستاف.







سيدي عبد ربّه في 20 نوفمبر 1864
عزيزتي صفيّة:
أشتاق إلى الالتقاء بك والتمتع برؤية وجهك النوراني.
لاحت بوادر عودة البلاد إلى الطاعة فليس للحكومة هدف أوكد من جبي الضرائب والأداءات لضمان بقائها العسير دون فقدان الهيبة، وها نحن نسير نحو الغرب المشهور من قديم الزمان بصعوبة جمع الضرائب فيه. لكن ليس هناك أي خطر لأن الباي وعد الأهالي بالصفح عن زلّتهم دون شرط، وها نحن قرب المكان الذي قتل فيه الجنرال فرحات وكان ذلك منعرج الثورة الخطير.
كل يوم يقبل علينا أصحاب الجريمة فينكبّون على يد الجنرال رستم ليقبّلوها بخنوع. وسنقصد لاحقا الكاف التي كانت تدعى في عهد الرومان " سيكا فنيريا ". وهي بمثابة عاصمة غرب الإيالة وحصنها المنيع حيال الحدود الجزائرية.
لقد اتبعنا في سيرنا مجرى نهر مجردة وها نحن على بعد يومين من هدفنا المنشود، تعترضنا المساحات المزروعة ولاحت الأرض أكثر خصوبة. إن سهل وادي مجردة والوديان المتفرّعة عنه على درجة عظيمة من النضارة والخصوبة فيثمر خيرا وفيرا رغم الطرق البدائية التي يتوخّاها العرب في الحرث وتثمير الأرض.
من يوم لآخر يتضح أكثر فأكثر أن الجنرال رستم رجل طيب للغاية ومثابر على أداء واجبه، وهو على تمام الوعي بنقاط ضعف الحكومة الحالية وسلبياتها، لكن لا قدرة له ولا نفوذ لتغيير الأوضاع.
إنه لعمري مشهد حافل ذلك الذي يتهيأ كل صباح، يختلط فيه الحابل بالنابل: جند بأزياء أوروبية وعساكر الزواوة بملابسهم التقليدية وفرسان الصحراء ببرانسهم البيضاء وجمال وخيل وحمير وبغال وثيران ودجاج وكلاب.
أكتفي عزيزتي بهذا الوصف للواقع الذي أعيشه أما شوقي إليك فهو عصيّ عن الوصف، لك أن تعلمي أن طيفك هو الفكرة الوحيدة التي تستطيع انتشالي من واقعي هذا، والأمل بلقائك هو الأمر الذي يجعلني أصبر على ما أنا فيه من ضنك العيش.
لا تقلقي إن تأخر البريد فقد ابتعدنا عن تونس وبتنقلنا من مكان لآخر يطرأ بعض الخلل على انتظام البريد.
المخلص إلى الأبد
غوستاف.

محمد فؤاد منصور
24/02/2008, 03:15 PM
أخى الحبيب جمال الجلاصى

أسلوبك القصصى جذاب للغاية ويشد القارئ من أول حرف ،لكنى أصدقك القول لاأحب الدخول فى الرواية من منتصفها ,,قرأت الفصل الثالث ولكنى كنت أود أن أقرأ الرواية من بدايتها وأعدك أننى سأقرأ بقية الفصول .الرواية كما ينبئ بذلك الفصل الثالث متقنة وأنت تمتلك بالفعل قدرة هائلة على إستدراج القارئ ليبقى معك حتى النهاية ولكن أين أول فصلين؟..تقبل عميق مودتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :fl:

جمال عبد القادر الجلاصي
26/02/2008, 05:49 PM
أخى الحبيب جمال الجلاصى

أسلوبك القصصى جذاب للغاية ويشد القارئ من أول حرف ،لكنى أصدقك القول لاأحب الدخول فى الرواية من منتصفها ,,قرأت الفصل الثالث ولكنى كنت أود أن أقرأ الرواية من بدايتها وأعدك أننى سأقرأ بقية الفصول .الرواية كما ينبئ بذلك الفصل الثالث متقنة وأنت تمتلك بالفعل قدرة هائلة على إستدراج القارئ ليبقى معك حتى النهاية ولكن أين أول فصلين؟..تقبل عميق مودتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :fl:

المبدع الدكتور محمد فؤاد

شكرا على كلماتك المشجعة

الأجزاء الأولى موجودة في ركن الرواية

محبتي

فايزة شرف الدين
23/06/2008, 08:00 PM
الأخ / جمال الجلاصي
لقد قرأت هذه الرواية سابقا باسم آخر .. وها أنا ذا اقرأ الفصل الثالث للمرة الثانية ، وأشعر بنفس متعة قراءته في المرة الأولى .. لأتابع باقي الفصول التي أضفتها مجددا .

جمال عبد القادر الجلاصي
28/08/2008, 11:31 AM
الأخ / جمال الجلاصي
لقد قرأت هذه الرواية سابقا باسم آخر .. وها أنا ذا اقرأ الفصل الثالث للمرة الثانية ، وأشعر بنفس متعة قراءته في المرة الأولى .. لأتابع باقي الفصول التي أضفتها مجددا .

المبدعة المميزة فائزة:

كلماتك الرقيقة تبعث فيّ الرغبة في مزيد الكتابة والكتابة،

شكرا على مرورك الأنيق

محبتي واحترامي

ابراهيم درغوثي
01/09/2008, 07:37 PM
العزيز جمال

تحياتي

هذه وثيقة عن تاريخ تونس
أسعد دائما بقراءة أحداثها

دام لك الود

جمال عبد القادر الجلاصي
12/09/2008, 03:49 PM
العزيز جمال

تحياتي

هذه وثيقة عن تاريخ تونس
أسعد دائما بقراءة أحداثها

دام لك الود

المبدع القدير إبراهيم

أسعد الله قلبك

وأنا أسعد دوما بمرورك

وكلماتك الرقيقة

محبتي