المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حق العودة بين القرار 194 ووثيقة جنيف - علي عقلة عرسان



إسماعيل حمادة
16/01/2008, 11:16 AM
حق العودة بين القرار 194 ووثيقة جنيف

بقلم :علي عقلة عرسان – البيان

بدأت القرارات المهمة الخاصة بقضية فلسطين بالقرار 181 بتاريخ 29/11/1947 الذي عُرِف بقرار التقسيم، وقد أعطى هذا القرار من فلسطين للكيان الصهيوني أقل مما أقامت عليه الدولة "77% من أراضي الانتداب" كما أعطى الفلسطينيين الحق بإقامة دولتهم.

وقد رفض العرب هذا القرار لأنه ينتزع من وطنهم وطناً لليهود، ويقيم دولة يهودية على حساب الفلسطينيين سوف تهدد دائماً الوجود والاستقرار العربيين والأمن والسلام الدوليين، وتشكل رأس حربة للاستعمار وقوة للهيمنة والتدخل والتهديد وغطاء لهما، فضلاً عن أن قيام مثل هذه الدولة سيخلق وضعاً شاذاً يحرم الشعب الفلسطيني من وطنه.

وعلى أساس هذا القرار أعلن الكيان الصهيوني دولته ومارس سيادة فوق تراب اغتصبه، وعامل العرب الواقعين تحت الاحتلال معاملة لا تتفق مع أحكام القرار 181 ولا مع أحكام أي من القرارات والاتفاقيات الدولية والمبادئ الإنسانية، وأخذ يسن القوانين ومن بينها قوانين راعت نوعاً غريباً من حق العودة يسمح لأي يهودي أن يعود إلى فلسطين المحتلة بوصفها "وطنه"؟!.

يقول وليد الخالدي: "إن قانون العودة لسنة 1950 وقانون الجنسية لسنة 1952 يضمنان لجميع اليهود حقاً تلقائياً مطلقاً في الهجرة إلى إسرائيل وأن يصبحوا مواطنين إسرائيليين". وهذا "الحق" الذي يراعَى تطبيقه في فلسطين المحتلة، ويمكِّن كل يهودي مهما كانت جنسيته ولغته وثقافته من الدخول إلى فلسطين واكتساب جنسية "إسرائيلية فوراً بوصفه عائداً إلى "وطنه" الذي لم تربطه أو تربط أجداده به صلة من أي نوع بينما لا يتاح للفلسطيني الذي كانت فلسطين .

وما زالت وطنه الأصلي ووطن أجداده على مدى التاريخ وجبلت تربتها بدمه ودمعه وعرقه، وأقام فيها أقدم الحضارات والتصق بها مدى العصور وانتمى إليها ولم ينتم لسواها قط. وتلك مأساة لا يمكن أن يتم إدراك أبعادها إلا من خلال المعاناة ولا يمكن حسمها إلا من خلال امتلاك القوة والإرادة السياسية لتحرير فلسطين بقوة السلاح، ونشوء وعي دولي يدرك مدى الظلم الذي لحق بالفلسطينيين والعنصرية الدموية التي عاملتهم الحركة الصهيونية بها.

وفي مقاربة لهذه المفارقة المؤلمة نلامس بعض التعاريف والمفاهيم القانونية لحق العودة متخذين من ذلك مدخلاً لحديث ذي شجون، ونبدأ بالتساؤل: ما هو حق العودة من وجهة النظر القانونية؟

يرى فريليك (Frelick) أن "من حق كل لاجئ في العالم العودة إلى دياره. وكل لاجئ تجبره الأوضاع على البقاء في المنفى إنما يُحرم حقاً إنسانياً أساسياً». فهذا الحق ضروري لأن المنفى حرمان أساسي من الوطن، حرمان ينفذ إلى صميم الخصائص الثابتة التي تكوّن هوياتنا الشخصية والجماعية، فلنا الحق في وطننا، في العيش بسلام وأمان حيث ولدنا، وفي مرابع أسلافنا وثقافتنا وتراثنا. ففي نفي الإنسان من وطنه، بل في سلخه بالقوة عن علاقة حميمة بأفراد عائلته جيلاً بعد جيل، ما يخلق عذاباً روحياً لا يمكن أبداً الشفاء منه بصورة تامة. قد يمثل الدمج المحلي وإعادة التوطين في بلد آخر خيارات ممكنة توفر الحماية للاجئين .

وتمكنهم من بدء حياة جديدة، لكن ليس لأي منهما حقاً في ذاته، ولا يحل أي منهما المشكلة التي جعلت من الشخص لاجئاً. كما أن أياً منهما لا يبدد الحرمان من الحقوق الأساسية الذي سيحمله اللاجئ العاجز عن العودة إلى دياره، طوال حياته، وربما لعدة أجيال لاحقة. إن حل مشكلة غربة اللاجئ وانسلاخه هو الشرط المسبق للصحة الروحية والعقلية السليمة؛ وبينما يبقى الدمج الكامل هدفاً وأملاً للاجئين الذين يجري إعادة توطينهم في ثقافات غريبة، إلاّ أن الحل الأمثل لهذا الانسلاخ يكمن في وضع حد لغربته، أي، في العودة إلى دياره، أي عودته إلى وطنه".

ومن المعروف عامة أن أي دولة كانت لا يحق لها شرعياً طرد شعب خاضع لسيطرتها، ومن الواضح أن لدى المطرودين الحق في نقض عمل غير شرعي، أي العودة إلى وطنهم.

وقد ضمن ذلك الحق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نصت الفقرة 2 من المادة 13 منه على أنه: "لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إلى بلده". قرار الجمعية العامة رقم 217 ألفاً (الدورة 3)، 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.

وتنص الفقرة 4 من المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الآتي: "لا يجوز حرمان أي فرد بصورة تعسفية من حقه في دخول بلده".

وهذا بدوره جعل الحديث عن القضية يأخذ منحى حق تقرير المصير ولكنه لم يلغ الحديث عن قضية "«لاجئين". وتم تكريس الحديث عنها بوصفها قضية لاجئين فيما بعد في اتفاقات: "كامب ديفيد" و"إعلان المبادئ" أي "اتفاق أوسلو"، وفي "اتفاق وادي عربة" الذي أصبح المعاهدة الأردنية ـ "الإسرائيلية"، وفي "خريطة الطريق"، ثم نسف حق العودة من جذوره في "وثيقة جنيف" ووعد الرئيس بوش لشارون خلال زيارة الأخير للبيت الأبيض في شهر نيسان/إبريل 2004 ذلك الوعد الذي أعاد إلى الأذهان .

"وعد بلفور" وأعاد القضية بنظر كثيرين إلى بعدها القانوني والأخلاقي من الجذور من خلال إحياء التساؤلات: هل يجوز للمستعمر، أو لدولة الانتداب، أن يعطي أرض شعب احتل أرضه لشعب آخر، وأن يوافق على طرد ذلك الشعب منها؟ هل يجوز لمن لا يملك أن يعطي أرض غيره لمن لا يستحق؟ هل القوة هي القانون الذي يغير العقول والحقوق والمفاهيم والضمائر في آن معاً.. أم أن شيئاً ما في الإنسان يبقى أقوى من القوة العمياء والعنصريين والدمويين والأشرار؟.. أقوى من منطق القتل والإبادة والإرهاب المتنكر في ثوب من يدعي محاربة الإرهاب والدفاع عن الحقوق والحريات؟!

على أرض الواقع حدث أن أعطى المستعمِر البريطاني والمستعمِر الفرنسي أرضاً احتلاها أو انتدبا للوصاية عليها لبلد أو " شعب" آخر، وحدث هذا في سوريا بشكل خاص، أي في بلاد الشام، وما زلنا نحن العرب نعاني من نتائجه الكارثية حتى الآن وسنبقى إلى أن تزول آثار ذلك العدوان أو تزال.. ولن يكون ذلك إلا بامتلاك قوة تبدأ منا وبنا.. فالقول الكريم ثابت وجلي: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

2 ـ يتداخل حق العودة للفلسطينيين المبعدين عن وطنهم بصورة عضوية مع حق تقرير المصير الذي أقر من هيئة الأمم المتحدة بالقرار رقم 1514 ففي قضية الشعب الفلسطيني جاء في القرار 3236 لعام 1974: "إن حق الفلسطينيين غير قابل للتصرف» و«الحق في تقرير مصيرهم دون تدخل خارجي" فقضية هذا الشعب ليست قضية لاجئين مؤقتة لأنه شرِّد من وطنه وطرد أو أقتُلِع منه ليتم اغتصاب ذلك الوطن وتهيئته ليكون وطناً لآخرين.

وحلت محله في ذلك الوطن دولة بموجب قرار الأمم المتحدة الجائر رقم 181 لعام 1947 ولم يعلن الشعب الفلسطيني دولة بموجب ذلك القرار بل رفضه ورفضته الدول العربية لأنه قرار ظالم يسرق من الشعب الفلسطيني معظم وطنه التاريخي فلسطين ويؤسس لصراع طويل ما زلنا نشهد فصوله الدامية. ولذلك يعيش الفلسطيني حالة فريدة فهو محروم من حق تقرير المصير بحرية فوق أرضه التي يسطر عليها المحتل ويقيم فوقها كياناً له، ومحروم من العودة إلى ذلك الوطن لأنه مغتصب بقوة القهر والتواطؤ الدولي.. لأنه وطن مشطوب من لائحة الأوطان في الأمم المتحدة.

ويتضمن حق تقرير المصير عملياً وطناً مستقلاً سيداً، وحق العودة إليه، وممارسة ذلك الحق فوق ترابه بحرية تامة، وهو يستند إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لاسيما المادة 13 (2) منه التي تنص على أنه: "لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إلى بلده". / قرار الجمعية العامة رقم 217 ألفاً (الدورة 3)، 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.

يعرّف براونلي حق تقرير المصير بأنه: "حق جماعات وطنية متماسكة (شعوب) في أن تختار لنفسها شكلاً من التنظيم السياسي وعلاقتها بجماعات أخرى. قد يكون الاختيار الاستقلال كدولة، أو الارتباط بجماعات أُخرى في دولة فدرالية، أو حكماً ذاتياً، أو الاستيعاب في دولة وحدوية (غير فيدرالية)".

وبهذا المعنى يتلازم حق العودة مع حق تقرير المصير فلا يمكن لشعب أن يعود إلى وطنه إذا كان لا يملك وطناً ومشروعية دولية وقوة ذاتية أو قومية أو دولية تمكنه من تلك العودة. لقد أصبح حق العودة في رأس سلم الأوليات والمطالب الشعبية والنضالية الفلسطينية والعربية.. ولكن الرأي الفلسطيني الرسمي والرأي العربي الرسمي أيضاً لا يضعان هذا الحق في مكانته اللائقة به من "الاستراتيجية" الوطنية والقومية، ولا يختار أي منهما الطريق والمنهج والاستراتيجية المؤدية إلى تحقيق ذلك بالوسائل المتاحة أو الممكنة والمنشودة.. فمن يضع السلام خياراً استراتيجياً وحيداً ويلغي الخيارات الأخرى عملياً.

ويقف ملوحاً برايته البيضاء وغصن زيتونه في وجه قوة مدججة بأنواع السلاح تحصده في أي وقت، وبإيديولوجية عنصرية استعمارية شريرة تكرهه وتمارس الإبادة الشاملة ضده وفق برنامج مرحلي مستمر يؤدي إلى هدف نهائي هو الإبادة، لا يستطيع تحقيق شيء ولن ترجح كفة ميزانه أبداً. و"من المفيد التمييز بين وجود الحق من حيث المبدأ وبين تطبيقه العملي في حالة معينة. و نؤكد أن تحليل القواعد الدولية ذات الصلة أظهر أن للاجئين الفلسطينيين الحق في العودة إلى بلدهم فلسطين".

فمن الواضح أن اللاجئين الفلسطينيين سيكون فقط في إمكانهم ممارسة حقهم في العودة بالاقتران مع حقهم في تقرير المصير، إذا استطاعوا أن يفرضوا ذلك الحق بقوة.. وقد أثبتت تجارب الشعوب أن هذا الحق ينتزَع انتزاعاً.

3 - تضمن القرار رقم 194 تاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر 1948 الصادر عن الأمم المتحدة الذي جاء في 867 كلمة تضمَّن النص بالدرجة الأولى على أمور ثلاثة هي:

أ ـ تشكيل لجنة توفيق من ثلاث دول أعضاء في الأمم المتحدة تقوم بالمهمات التي أوكلت إلى وسيط الأمم المتحدة إلى فلسطين بموجب قرار الجمعية العامة رقم 186 (د إ ـ 2) الصادر في 14 مايو سنة 1948. وقد نص على كيفية تشكيلها ومهامها. ويلاحظ أن اللجنة ليست مكلفة من مجلس الأمن الدولي بالقيام بأي عمل فيما عدا ما نص عليه القرار من متابعة للمهام التي كُلِّف بها وسيط الأمم المتحدة الذي اغتالته الحركة الصهيونية في القدس ولم ينجز مهمته بالكامل.

ب ـ وضع القدس حيث نص القرار على جعلها مدينة مفتوحة بإشراف دولي، ووضع الأماكن المقدسة في فلسطين كلها حيث نص على حمايتها.

ج ـ حق العودة ونص على ذلك في الفقرة 11 من القرار في 95 كلمة مستعملاً كلمة اللاجئين، وأشار إلى بعض التفاصيل القليلة المتصلة بهذا الموضوع من خلال لجنة التوفيق.

وقد جاء نص الفقرة 11 كما يلي: "تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب تاريخ عملي، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع التعويض عن أملاك الذين يختارون عدم العودة وعن كل خسارة في الأملاك أو أي ضرر لحق بها، عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عنها من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.

وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل عودة اللاجئين إلى وطنهم، وإعادة توطينهم، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، ودفع التعويض، وبالمحافظة على صلات وثيقة بمدير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة التابعة للأمم المتحدة".

لم يذكر القرار 194 الشعب الفلسطيني ولا حق تقرير المصير، وأشار فقط إلى "اللاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم"، و"العيش بسلام مع جيرانهم". ولم يذكر صراحة تلازم حق العودة مع التعويض وإنما أشار إلى "وجوب دفع التعويض عن أملاك الذين يختارون عدم العودة وعن كل خسارة في الأملاك أو أي ضرر لحق بها، عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عنها من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة". وفي موقع آخر أشار إلى "ودفع التعويض".

ويبقى السؤال مشروعاً: ما ذا عن التعويض لمن يعودون ويتعرضون لـ "خسارة في الأملاك أو أي ضرر لحق بها"، أو لمن يعودون ويجدون أن أملاكهم قد دمرت كلياً أو جزئياً؟ لقد سكت النص عن ذلك وأشار إلى أنه موضوع يحتمل الجدل ويكتنفه الغموض مما يفتح باب الاجتهاد في التفسير، إذ ماذا تعني الإشارة إلى "عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عنها من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة"؟ فمن الذي يحدد الوجوب.

ومن الذي يقرر مبدأ الإنصاف في ظل انحياز صارخ "إسرائيل" وازدواجية معايير تزري بالعدالة ذاتها، وفي ظل تحالف بين الخصم والحكَم ضد الضحية تسكت عنه الدول؟! ولماذا لم ينَص على ذلك التلازم بين حق العودة والتعويض بشكل لا يقبل الجدل وعلى المرجعيات بوضوح ودقة وصراحة؟

لقد رفض العرب القرار 194 عند صدوره، وكانوا على حق في ذلك الوقت وتلك الظروف، بل ما زال أساس القرار ومناط اهتمامه الرئيس غير مقبولين من كثيرين جداً في الوطن العربي والعالم الإسلامي. فالقرار في معظمه يركز على تدويل القدس، وعلى حماية الناصرة وأماكن فلسطينية مقدسة أخرى..

إنه لم يذكر الأماكن المقدسة للمسلمين وانتزع منهم القدس ودوَّلها، وحين نص على حق العودة لم يذكر حق تقرير المصير لشعب وبلد كانا قد وضعا تحت الانتداب ومن حقهما أن يعلن استقلالهما وأن يمكَّنا من تقرير المصير لا أن يكون دور قوة الانتداب، بتكليف من عصبة الأمم، هو تغيير التركيب السكاني وتأهيل اليهود وفلسطين لتكون دولة لهم؟!

لقد نص القرار 194 أيضاً على لجنة توفيق تتابع مهام مندوب الأمم المتحدة الذي اغتاله الصهاينة في القدس، ولكن اللجنة لم تنجز شيئاً من عملها ولم يسأل أحد عن وجودها.. وقد أشير إليها في القرار رقم 302 (الدورة 4) بتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر 1949. حيث تم تأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى.

4 - لقد أشار القرار 242 تاريخ 22 ت2 1967 إلى مشكلة اللاجئين مطالباً بإيجاد حل لها، وجاءت الإشارة في الفقرة (ب) من النص كما يلي: "(ب) إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين".

ولأن اتفاق كامب ديفيد استند إلى القرار 242 في مرجعياته فقد نص أيضاً على إيجاد حل لقضية اللاجئين، وجاء النص على ذلك أيضاً في إعلان المبادئ "اتفاق أوسلو" حيث نقف على فاجعة التراجع عن حديث المنظمة عن حق العودة، وتجريد حق تقرير المصير من التلازم العضوي مع حق عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه وتقرير مصيره بحرية فوق ترابه الوطني المحرر!؟

إن إعلان المبادئ لم يشر إلى حق العودة للاجئي سنة 1948 وتم النص فيه على تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 والقرار رقم 194. وتشير المادة 5 من الإعلان إلى "اللاجئين" على أنهم إحدى القضايا التي سوف تعالج خلال "مفاوضات الوضع الدائم" بين الكيان الصهيوني من جهة وحكومتي الأردن ومصر من جهة أُخرى، تلك المفاوضات التي ستقرر "بالاتفاق أشكال السماح للأشخاص النازحين من الضفة الغربية وقطاع غزة في 1967 بالتوافق مع التدابير الضرورية لمنع الفوضى والإخلال بالنظام. وكانت "إسرائيل" وافقت من حيث المبدأ على عودة هذه الفئة من الفلسطينيين كجزء من اتفاقيات كامب ديفيد". ولكن ذلك لم ينفذ.

لقد كانت ثوابت الميثاق الوطني الفلسطيني ومبدئية منظمة التحرير تأخذ بوجوب أن يُنظر إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين بوصفه "قضية متصلة بتقرير المصير بدلاً من كونها قضية يزجّ بها في المسألة الأضيق نطاقاً وهي ما إذا كان هناك حق في العودة".

ولكن بعد اتفاق إعلان المبادئ "أوسلو" والاعتراف بـ "إسرائيل" في الرسائل المتبادلة بين عرفات (رئيس منظمة التحرير الفلسطينية) وإسحاق رابين رئيس الكيان الصهيوني أصبح من الواضح تماماً أن "منظمة التحرير الفلسطينية لم تعد ترى حق تقرير المصير الفلسطيني داخل إسرائيل".

وبدأ التوجه كله نحو الأراضي المحتلة في حرب 1967 الأمر الذي جعل حق العودة المنصوص عليه في القرار 194 يتلازم مع إرادة الكيان الصهيوني الذي قد يقر التعويض وأخذ يطرح موضوع تعويض اليهود عن ممتلكاتهم في الدول العربية، كما أخذت بعض الدول العربية وبعض المسئولين العرب يتحدثون عن حقوق اليهود وتعويضاتهم؟!

وهذا أمر عجيب دفع المتطرفين الصهاينة إلى موقف كنا نتوقعه ونحذر منه مما هو أعجب، فقد نقلت (رويترز): "أن وزير النقل افيغدور ليبرمان الذي يرأس حزب الاتحاد الوطني دعا إلى مقايضة سكانية تشمل الأقلية العربية في "إسرائيل" والمستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة.. ورأى أن على 90 في المئة من عرب "إسرائيل" البالغ عددهم 2,1 مليون نسمة أي ما يقرب من خمس السكان العثور على كيان عربي جديد يعيشون فيه خارج حدود إسرائيل"؟

ـ 5 ـ قامت خريطة الطريق على رؤية الرئيس بوش في خطابه الذي ألقاه في 24 يونيو 2002 وقبل أن نقدم موجزاً مكثفاً لتلك الخريطة التي سميت «الخدعة المميزة لإدارة بوش»، نريد أن نعرض لصورة الشعب الفلسطيني والمطلوب منه في خطاب الرؤية المشار إليه من خلال مقارنة للكلام الذي ورد على لسان الرئيس وتسجيل ملاحظات عليه.

إسماعيل حمادة
16/01/2008, 11:16 AM
حق العودة بين القرار 194 ووثيقة جنيف

بقلم :علي عقلة عرسان – البيان

بدأت القرارات المهمة الخاصة بقضية فلسطين بالقرار 181 بتاريخ 29/11/1947 الذي عُرِف بقرار التقسيم، وقد أعطى هذا القرار من فلسطين للكيان الصهيوني أقل مما أقامت عليه الدولة "77% من أراضي الانتداب" كما أعطى الفلسطينيين الحق بإقامة دولتهم.

وقد رفض العرب هذا القرار لأنه ينتزع من وطنهم وطناً لليهود، ويقيم دولة يهودية على حساب الفلسطينيين سوف تهدد دائماً الوجود والاستقرار العربيين والأمن والسلام الدوليين، وتشكل رأس حربة للاستعمار وقوة للهيمنة والتدخل والتهديد وغطاء لهما، فضلاً عن أن قيام مثل هذه الدولة سيخلق وضعاً شاذاً يحرم الشعب الفلسطيني من وطنه.

وعلى أساس هذا القرار أعلن الكيان الصهيوني دولته ومارس سيادة فوق تراب اغتصبه، وعامل العرب الواقعين تحت الاحتلال معاملة لا تتفق مع أحكام القرار 181 ولا مع أحكام أي من القرارات والاتفاقيات الدولية والمبادئ الإنسانية، وأخذ يسن القوانين ومن بينها قوانين راعت نوعاً غريباً من حق العودة يسمح لأي يهودي أن يعود إلى فلسطين المحتلة بوصفها "وطنه"؟!.

يقول وليد الخالدي: "إن قانون العودة لسنة 1950 وقانون الجنسية لسنة 1952 يضمنان لجميع اليهود حقاً تلقائياً مطلقاً في الهجرة إلى إسرائيل وأن يصبحوا مواطنين إسرائيليين". وهذا "الحق" الذي يراعَى تطبيقه في فلسطين المحتلة، ويمكِّن كل يهودي مهما كانت جنسيته ولغته وثقافته من الدخول إلى فلسطين واكتساب جنسية "إسرائيلية فوراً بوصفه عائداً إلى "وطنه" الذي لم تربطه أو تربط أجداده به صلة من أي نوع بينما لا يتاح للفلسطيني الذي كانت فلسطين .

وما زالت وطنه الأصلي ووطن أجداده على مدى التاريخ وجبلت تربتها بدمه ودمعه وعرقه، وأقام فيها أقدم الحضارات والتصق بها مدى العصور وانتمى إليها ولم ينتم لسواها قط. وتلك مأساة لا يمكن أن يتم إدراك أبعادها إلا من خلال المعاناة ولا يمكن حسمها إلا من خلال امتلاك القوة والإرادة السياسية لتحرير فلسطين بقوة السلاح، ونشوء وعي دولي يدرك مدى الظلم الذي لحق بالفلسطينيين والعنصرية الدموية التي عاملتهم الحركة الصهيونية بها.

وفي مقاربة لهذه المفارقة المؤلمة نلامس بعض التعاريف والمفاهيم القانونية لحق العودة متخذين من ذلك مدخلاً لحديث ذي شجون، ونبدأ بالتساؤل: ما هو حق العودة من وجهة النظر القانونية؟

يرى فريليك (Frelick) أن "من حق كل لاجئ في العالم العودة إلى دياره. وكل لاجئ تجبره الأوضاع على البقاء في المنفى إنما يُحرم حقاً إنسانياً أساسياً». فهذا الحق ضروري لأن المنفى حرمان أساسي من الوطن، حرمان ينفذ إلى صميم الخصائص الثابتة التي تكوّن هوياتنا الشخصية والجماعية، فلنا الحق في وطننا، في العيش بسلام وأمان حيث ولدنا، وفي مرابع أسلافنا وثقافتنا وتراثنا. ففي نفي الإنسان من وطنه، بل في سلخه بالقوة عن علاقة حميمة بأفراد عائلته جيلاً بعد جيل، ما يخلق عذاباً روحياً لا يمكن أبداً الشفاء منه بصورة تامة. قد يمثل الدمج المحلي وإعادة التوطين في بلد آخر خيارات ممكنة توفر الحماية للاجئين .

وتمكنهم من بدء حياة جديدة، لكن ليس لأي منهما حقاً في ذاته، ولا يحل أي منهما المشكلة التي جعلت من الشخص لاجئاً. كما أن أياً منهما لا يبدد الحرمان من الحقوق الأساسية الذي سيحمله اللاجئ العاجز عن العودة إلى دياره، طوال حياته، وربما لعدة أجيال لاحقة. إن حل مشكلة غربة اللاجئ وانسلاخه هو الشرط المسبق للصحة الروحية والعقلية السليمة؛ وبينما يبقى الدمج الكامل هدفاً وأملاً للاجئين الذين يجري إعادة توطينهم في ثقافات غريبة، إلاّ أن الحل الأمثل لهذا الانسلاخ يكمن في وضع حد لغربته، أي، في العودة إلى دياره، أي عودته إلى وطنه".

ومن المعروف عامة أن أي دولة كانت لا يحق لها شرعياً طرد شعب خاضع لسيطرتها، ومن الواضح أن لدى المطرودين الحق في نقض عمل غير شرعي، أي العودة إلى وطنهم.

وقد ضمن ذلك الحق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نصت الفقرة 2 من المادة 13 منه على أنه: "لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إلى بلده". قرار الجمعية العامة رقم 217 ألفاً (الدورة 3)، 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.

وتنص الفقرة 4 من المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الآتي: "لا يجوز حرمان أي فرد بصورة تعسفية من حقه في دخول بلده".

وهذا بدوره جعل الحديث عن القضية يأخذ منحى حق تقرير المصير ولكنه لم يلغ الحديث عن قضية "«لاجئين". وتم تكريس الحديث عنها بوصفها قضية لاجئين فيما بعد في اتفاقات: "كامب ديفيد" و"إعلان المبادئ" أي "اتفاق أوسلو"، وفي "اتفاق وادي عربة" الذي أصبح المعاهدة الأردنية ـ "الإسرائيلية"، وفي "خريطة الطريق"، ثم نسف حق العودة من جذوره في "وثيقة جنيف" ووعد الرئيس بوش لشارون خلال زيارة الأخير للبيت الأبيض في شهر نيسان/إبريل 2004 ذلك الوعد الذي أعاد إلى الأذهان .

"وعد بلفور" وأعاد القضية بنظر كثيرين إلى بعدها القانوني والأخلاقي من الجذور من خلال إحياء التساؤلات: هل يجوز للمستعمر، أو لدولة الانتداب، أن يعطي أرض شعب احتل أرضه لشعب آخر، وأن يوافق على طرد ذلك الشعب منها؟ هل يجوز لمن لا يملك أن يعطي أرض غيره لمن لا يستحق؟ هل القوة هي القانون الذي يغير العقول والحقوق والمفاهيم والضمائر في آن معاً.. أم أن شيئاً ما في الإنسان يبقى أقوى من القوة العمياء والعنصريين والدمويين والأشرار؟.. أقوى من منطق القتل والإبادة والإرهاب المتنكر في ثوب من يدعي محاربة الإرهاب والدفاع عن الحقوق والحريات؟!

على أرض الواقع حدث أن أعطى المستعمِر البريطاني والمستعمِر الفرنسي أرضاً احتلاها أو انتدبا للوصاية عليها لبلد أو " شعب" آخر، وحدث هذا في سوريا بشكل خاص، أي في بلاد الشام، وما زلنا نحن العرب نعاني من نتائجه الكارثية حتى الآن وسنبقى إلى أن تزول آثار ذلك العدوان أو تزال.. ولن يكون ذلك إلا بامتلاك قوة تبدأ منا وبنا.. فالقول الكريم ثابت وجلي: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

2 ـ يتداخل حق العودة للفلسطينيين المبعدين عن وطنهم بصورة عضوية مع حق تقرير المصير الذي أقر من هيئة الأمم المتحدة بالقرار رقم 1514 ففي قضية الشعب الفلسطيني جاء في القرار 3236 لعام 1974: "إن حق الفلسطينيين غير قابل للتصرف» و«الحق في تقرير مصيرهم دون تدخل خارجي" فقضية هذا الشعب ليست قضية لاجئين مؤقتة لأنه شرِّد من وطنه وطرد أو أقتُلِع منه ليتم اغتصاب ذلك الوطن وتهيئته ليكون وطناً لآخرين.

وحلت محله في ذلك الوطن دولة بموجب قرار الأمم المتحدة الجائر رقم 181 لعام 1947 ولم يعلن الشعب الفلسطيني دولة بموجب ذلك القرار بل رفضه ورفضته الدول العربية لأنه قرار ظالم يسرق من الشعب الفلسطيني معظم وطنه التاريخي فلسطين ويؤسس لصراع طويل ما زلنا نشهد فصوله الدامية. ولذلك يعيش الفلسطيني حالة فريدة فهو محروم من حق تقرير المصير بحرية فوق أرضه التي يسطر عليها المحتل ويقيم فوقها كياناً له، ومحروم من العودة إلى ذلك الوطن لأنه مغتصب بقوة القهر والتواطؤ الدولي.. لأنه وطن مشطوب من لائحة الأوطان في الأمم المتحدة.

ويتضمن حق تقرير المصير عملياً وطناً مستقلاً سيداً، وحق العودة إليه، وممارسة ذلك الحق فوق ترابه بحرية تامة، وهو يستند إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لاسيما المادة 13 (2) منه التي تنص على أنه: "لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إلى بلده". / قرار الجمعية العامة رقم 217 ألفاً (الدورة 3)، 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.

يعرّف براونلي حق تقرير المصير بأنه: "حق جماعات وطنية متماسكة (شعوب) في أن تختار لنفسها شكلاً من التنظيم السياسي وعلاقتها بجماعات أخرى. قد يكون الاختيار الاستقلال كدولة، أو الارتباط بجماعات أُخرى في دولة فدرالية، أو حكماً ذاتياً، أو الاستيعاب في دولة وحدوية (غير فيدرالية)".

وبهذا المعنى يتلازم حق العودة مع حق تقرير المصير فلا يمكن لشعب أن يعود إلى وطنه إذا كان لا يملك وطناً ومشروعية دولية وقوة ذاتية أو قومية أو دولية تمكنه من تلك العودة. لقد أصبح حق العودة في رأس سلم الأوليات والمطالب الشعبية والنضالية الفلسطينية والعربية.. ولكن الرأي الفلسطيني الرسمي والرأي العربي الرسمي أيضاً لا يضعان هذا الحق في مكانته اللائقة به من "الاستراتيجية" الوطنية والقومية، ولا يختار أي منهما الطريق والمنهج والاستراتيجية المؤدية إلى تحقيق ذلك بالوسائل المتاحة أو الممكنة والمنشودة.. فمن يضع السلام خياراً استراتيجياً وحيداً ويلغي الخيارات الأخرى عملياً.

ويقف ملوحاً برايته البيضاء وغصن زيتونه في وجه قوة مدججة بأنواع السلاح تحصده في أي وقت، وبإيديولوجية عنصرية استعمارية شريرة تكرهه وتمارس الإبادة الشاملة ضده وفق برنامج مرحلي مستمر يؤدي إلى هدف نهائي هو الإبادة، لا يستطيع تحقيق شيء ولن ترجح كفة ميزانه أبداً. و"من المفيد التمييز بين وجود الحق من حيث المبدأ وبين تطبيقه العملي في حالة معينة. و نؤكد أن تحليل القواعد الدولية ذات الصلة أظهر أن للاجئين الفلسطينيين الحق في العودة إلى بلدهم فلسطين".

فمن الواضح أن اللاجئين الفلسطينيين سيكون فقط في إمكانهم ممارسة حقهم في العودة بالاقتران مع حقهم في تقرير المصير، إذا استطاعوا أن يفرضوا ذلك الحق بقوة.. وقد أثبتت تجارب الشعوب أن هذا الحق ينتزَع انتزاعاً.

3 - تضمن القرار رقم 194 تاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر 1948 الصادر عن الأمم المتحدة الذي جاء في 867 كلمة تضمَّن النص بالدرجة الأولى على أمور ثلاثة هي:

أ ـ تشكيل لجنة توفيق من ثلاث دول أعضاء في الأمم المتحدة تقوم بالمهمات التي أوكلت إلى وسيط الأمم المتحدة إلى فلسطين بموجب قرار الجمعية العامة رقم 186 (د إ ـ 2) الصادر في 14 مايو سنة 1948. وقد نص على كيفية تشكيلها ومهامها. ويلاحظ أن اللجنة ليست مكلفة من مجلس الأمن الدولي بالقيام بأي عمل فيما عدا ما نص عليه القرار من متابعة للمهام التي كُلِّف بها وسيط الأمم المتحدة الذي اغتالته الحركة الصهيونية في القدس ولم ينجز مهمته بالكامل.

ب ـ وضع القدس حيث نص القرار على جعلها مدينة مفتوحة بإشراف دولي، ووضع الأماكن المقدسة في فلسطين كلها حيث نص على حمايتها.

ج ـ حق العودة ونص على ذلك في الفقرة 11 من القرار في 95 كلمة مستعملاً كلمة اللاجئين، وأشار إلى بعض التفاصيل القليلة المتصلة بهذا الموضوع من خلال لجنة التوفيق.

وقد جاء نص الفقرة 11 كما يلي: "تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب تاريخ عملي، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع التعويض عن أملاك الذين يختارون عدم العودة وعن كل خسارة في الأملاك أو أي ضرر لحق بها، عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عنها من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.

وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل عودة اللاجئين إلى وطنهم، وإعادة توطينهم، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي، ودفع التعويض، وبالمحافظة على صلات وثيقة بمدير وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة التابعة للأمم المتحدة".

لم يذكر القرار 194 الشعب الفلسطيني ولا حق تقرير المصير، وأشار فقط إلى "اللاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم"، و"العيش بسلام مع جيرانهم". ولم يذكر صراحة تلازم حق العودة مع التعويض وإنما أشار إلى "وجوب دفع التعويض عن أملاك الذين يختارون عدم العودة وعن كل خسارة في الأملاك أو أي ضرر لحق بها، عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عنها من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة". وفي موقع آخر أشار إلى "ودفع التعويض".

ويبقى السؤال مشروعاً: ما ذا عن التعويض لمن يعودون ويتعرضون لـ "خسارة في الأملاك أو أي ضرر لحق بها"، أو لمن يعودون ويجدون أن أملاكهم قد دمرت كلياً أو جزئياً؟ لقد سكت النص عن ذلك وأشار إلى أنه موضوع يحتمل الجدل ويكتنفه الغموض مما يفتح باب الاجتهاد في التفسير، إذ ماذا تعني الإشارة إلى "عندما يكون من الواجب، وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عنها من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة"؟ فمن الذي يحدد الوجوب.

ومن الذي يقرر مبدأ الإنصاف في ظل انحياز صارخ "إسرائيل" وازدواجية معايير تزري بالعدالة ذاتها، وفي ظل تحالف بين الخصم والحكَم ضد الضحية تسكت عنه الدول؟! ولماذا لم ينَص على ذلك التلازم بين حق العودة والتعويض بشكل لا يقبل الجدل وعلى المرجعيات بوضوح ودقة وصراحة؟

لقد رفض العرب القرار 194 عند صدوره، وكانوا على حق في ذلك الوقت وتلك الظروف، بل ما زال أساس القرار ومناط اهتمامه الرئيس غير مقبولين من كثيرين جداً في الوطن العربي والعالم الإسلامي. فالقرار في معظمه يركز على تدويل القدس، وعلى حماية الناصرة وأماكن فلسطينية مقدسة أخرى..

إنه لم يذكر الأماكن المقدسة للمسلمين وانتزع منهم القدس ودوَّلها، وحين نص على حق العودة لم يذكر حق تقرير المصير لشعب وبلد كانا قد وضعا تحت الانتداب ومن حقهما أن يعلن استقلالهما وأن يمكَّنا من تقرير المصير لا أن يكون دور قوة الانتداب، بتكليف من عصبة الأمم، هو تغيير التركيب السكاني وتأهيل اليهود وفلسطين لتكون دولة لهم؟!

لقد نص القرار 194 أيضاً على لجنة توفيق تتابع مهام مندوب الأمم المتحدة الذي اغتاله الصهاينة في القدس، ولكن اللجنة لم تنجز شيئاً من عملها ولم يسأل أحد عن وجودها.. وقد أشير إليها في القرار رقم 302 (الدورة 4) بتاريخ 8 كانون الأول/ديسمبر 1949. حيث تم تأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى.

4 - لقد أشار القرار 242 تاريخ 22 ت2 1967 إلى مشكلة اللاجئين مطالباً بإيجاد حل لها، وجاءت الإشارة في الفقرة (ب) من النص كما يلي: "(ب) إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين".

ولأن اتفاق كامب ديفيد استند إلى القرار 242 في مرجعياته فقد نص أيضاً على إيجاد حل لقضية اللاجئين، وجاء النص على ذلك أيضاً في إعلان المبادئ "اتفاق أوسلو" حيث نقف على فاجعة التراجع عن حديث المنظمة عن حق العودة، وتجريد حق تقرير المصير من التلازم العضوي مع حق عودة الشعب الفلسطيني إلى وطنه وتقرير مصيره بحرية فوق ترابه الوطني المحرر!؟

إن إعلان المبادئ لم يشر إلى حق العودة للاجئي سنة 1948 وتم النص فيه على تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 والقرار رقم 194. وتشير المادة 5 من الإعلان إلى "اللاجئين" على أنهم إحدى القضايا التي سوف تعالج خلال "مفاوضات الوضع الدائم" بين الكيان الصهيوني من جهة وحكومتي الأردن ومصر من جهة أُخرى، تلك المفاوضات التي ستقرر "بالاتفاق أشكال السماح للأشخاص النازحين من الضفة الغربية وقطاع غزة في 1967 بالتوافق مع التدابير الضرورية لمنع الفوضى والإخلال بالنظام. وكانت "إسرائيل" وافقت من حيث المبدأ على عودة هذه الفئة من الفلسطينيين كجزء من اتفاقيات كامب ديفيد". ولكن ذلك لم ينفذ.

لقد كانت ثوابت الميثاق الوطني الفلسطيني ومبدئية منظمة التحرير تأخذ بوجوب أن يُنظر إلى وضع اللاجئين الفلسطينيين بوصفه "قضية متصلة بتقرير المصير بدلاً من كونها قضية يزجّ بها في المسألة الأضيق نطاقاً وهي ما إذا كان هناك حق في العودة".

ولكن بعد اتفاق إعلان المبادئ "أوسلو" والاعتراف بـ "إسرائيل" في الرسائل المتبادلة بين عرفات (رئيس منظمة التحرير الفلسطينية) وإسحاق رابين رئيس الكيان الصهيوني أصبح من الواضح تماماً أن "منظمة التحرير الفلسطينية لم تعد ترى حق تقرير المصير الفلسطيني داخل إسرائيل".

وبدأ التوجه كله نحو الأراضي المحتلة في حرب 1967 الأمر الذي جعل حق العودة المنصوص عليه في القرار 194 يتلازم مع إرادة الكيان الصهيوني الذي قد يقر التعويض وأخذ يطرح موضوع تعويض اليهود عن ممتلكاتهم في الدول العربية، كما أخذت بعض الدول العربية وبعض المسئولين العرب يتحدثون عن حقوق اليهود وتعويضاتهم؟!

وهذا أمر عجيب دفع المتطرفين الصهاينة إلى موقف كنا نتوقعه ونحذر منه مما هو أعجب، فقد نقلت (رويترز): "أن وزير النقل افيغدور ليبرمان الذي يرأس حزب الاتحاد الوطني دعا إلى مقايضة سكانية تشمل الأقلية العربية في "إسرائيل" والمستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة.. ورأى أن على 90 في المئة من عرب "إسرائيل" البالغ عددهم 2,1 مليون نسمة أي ما يقرب من خمس السكان العثور على كيان عربي جديد يعيشون فيه خارج حدود إسرائيل"؟

ـ 5 ـ قامت خريطة الطريق على رؤية الرئيس بوش في خطابه الذي ألقاه في 24 يونيو 2002 وقبل أن نقدم موجزاً مكثفاً لتلك الخريطة التي سميت «الخدعة المميزة لإدارة بوش»، نريد أن نعرض لصورة الشعب الفلسطيني والمطلوب منه في خطاب الرؤية المشار إليه من خلال مقارنة للكلام الذي ورد على لسان الرئيس وتسجيل ملاحظات عليه.

الدكتور أسعد الدندشلي
16/01/2008, 12:23 PM
حقا هو السؤال:
من الذي يقرر مبدأ الإنصاف في ظل انحياز صارخ لـ"إسرائيل" وازدواجية معايير تزري بالعدالة ذاتها، وفي ظل تحالف بين الخصم والحكَم ضد الضحية تسكت عنه الدول؟! ولماذا لم ينَص على ذلك التلازم بين حق العودة والتعويض بشكل لا يقبل الجدل وعلى المرجعيات بوضوح ودقة وصراحة؟
أشكرك أستاذ علي عقله عرسان وآمل أن تستتبع هذه القضايا بقراءات نقديه تتمحور حول تداعيات القرارات الدولية، وتأثير ردة فعل الأنظمة العربية عليها، فقراءة النظام الرسمي العربي للقضية الفلسطينية كان قراءة قطرية، ومما يؤسف له أن عدوى القراءة هذه امتد ليشمل السلطة الوطنية الفلسطينية نفسها، على الرغم من أنها نهضت معمدة بالكفاح والنضال والتضحيات، ومن خلال بنية مغايرة لطبيعة النظام الرسمي ولكنها عادت لتهجئة القرارات الدولية بنفس المعايير ...