المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة الكف بين الطب والتنجيم



د.عبدالمطلب السح
18/01/2008, 08:14 PM
أحياناً تداعب الذاكرة أحداث وذكريات يصعب نسيانها ولعل منها مايلح على جنبات مخي الآن، فذات يوم مدت إحدى الممرضات في المستشفى يدها وقالت: "إقرأ كفي يا دكتور"، فبادرتها باسماً بعبارة تتداولها معظم الألسن : "كذب المنجمون ولو صدقوا"، وأردفت قائلاً: "ولكن من قال لك أنني أقرأ الكف"، قالت: "توقعت أنك تعرف الكثير ولا بد أنك تعرف قراءة اليد"، نظرت إلى راحتها المفتوحة وقلت مازحاً: "سيحصل معك كذا" وصرحت لها بخبر سعيد لا على التعيين، المصيبة أن الأمر تحقق، وما كانت النتيجة إلا أن فوجئت بطابور من الممرضات والموظفين وحتى بعض الأطباء على باب عيادتي في المستشفى، أقسمت لهم يومها أنها مجرد صدفة لا أقل ولا أكثر، وأنني أنظر للأمر على أنه حرام، أطرقت ملياً أفكر بالأمر وعلمت كم هو ضعيف الإنسان كي يتعلق بسراب أوهام، وعرفت كم هو سهل على المشعوذين وأشباههم خداع البشر والاحتيال عليهم، كان ذلك منذ اثني عشر عاماُ، وبعدها تجنبت حتى المزاح بهذا الأمر، ولكن في قرارة نفسي بقيت أمام سؤال من نوع آخر: هل هناك قراءة للكف تنطبق عليها المعايير العلمية وقراءة أخرى هي الدجل بعينه وبين هذه وتلك حالات وحالات؟.
كما يقولون ذهبت السكرة وأتت الفكرة وأعترف أننا معاشر الأطباء نولي اليد وراحتها أهمية استثنائية سواء في التشخيص أو في متابعة المريض ناهيك عن علاجها عندما ينتابها عارض، وبعض المدارس الطبية تعالج أمراض الجسد أو قل بعضها عبر اليد كما سنرى، وإذا كانت القراءة واستنطاق اليد بهذا الوضوح والشفافية العلمية فإنها ممارسة طبية سليمة لا غبار عليها شرعاً وقانوناً وأخلاقاً، وهي مثل فحص أو "قراءة" الجلد أو العين أو أي عضو بالبدن، ولكن إن كانت قراءة في الغيب واعتداءاً على ماحرم الله وخداعاً للناس فهي الكذب بعينه، وقد قال صلى الله عليه وسلم أن المؤمن لا يكذب، والكذب لايوصل إلا إلى النار – والعياذ بالله-.

سأحاول في السطور التالية الدخول برفقتكم لعالم اليد الفسيح وذلك عبر بوابة الطب لأصل منها لعوالم من قراءة اليد والكف، واضعاً بذهني محاولة الإجابة على تساؤلي السابق والذي أختزله ليصبح: متى نقرأ اليد؟ وعند أي حد نتوقف؟، مع علمي أن الأمر متحرك وليس بساكن بمعنى دخول متغيرات عليه كلما علمنا الله سبحانه المزيد من أسرار اليد.
في الحقيقة تنطوي يد الإنسان على أسرار كبرى وميزات فريدة وضعها الخالق عز وجل بها، ولذلك لا عجب إن كانت تشتمل بالفعل على مفاتيح للعديد من الحالات والأمراض والمتلازمات التي قد يكون الإنسان مصاباً بها أو قد تعتريه في وقت ما، وربما عرف بعض أدعياء الطب من مشعوذين ومنجمين وغيرهم بعضاً من هذه الأسرار منذ قديم الزمان، واستغلوا ذلك ليمزجوه بخرافاتهم وأكاذيبهم فتخرج بصفة ينخدع الناس بها، وبمرور الأيام تراكم إرث ثقيل أخذ اسم قراءة الكف، ولا يزال له بؤر وحتى مدارس – لوجاز التعبير- في يومنا هذا لأن الحالات التي تعتري النفس البشرية واضطراباتها، وحالات الجسد بين الصحة والمرض وخصوصاً عند تعقدها قد توصل الإنسان لحالة من اليأس فيصبح كالغريق يتعلق بأي "قشة".
لكل إنسان يدان بشكل طبيعي، ولكل يد كف وخمس أصابع، ويبدأ تكون اليد جنينياً كبراعم دقيقة، وتشتمل اليد تشريحياً على عظام هي عظام الرسغ "المعصم" وعظام الأمشاط وعظام السلاميات و غيرها،
ويكسو العظام عضلات كثيرة متخصصة ودقيقة بأداء وظائفها وعملها، ولا عجب إن علمنا على سبيل المثال لا الحصرأن للإبهام وحدها عضلة قابضة طويلة وعضلة مبعدة طويلة وأخرى باسطة قصيرة ورابعة مبعدة قصيرة وخامسة مقربة وسادسة مقابلة، لابل هناك عضلات تحرك أجزاء اليد وتتواجد خارجها في منطقة الساعد مثلاُ.
ولليد عروقها الدموية الخاصة بها والتي تتوزع على شكل شبكة رائعة التصميم والبنيان تصل لأقاصي اليد، فهناك الشريان الكعبري والزندي والشريان بين العظام الأمامي وتفرعاتهم حتى نصل العروق الشعرية والتي تجتمع مع بعضها لتشكل شبكة أخرى لا تقل روعة وبهاءاً هي الأوردة.
أما بخصوص المفاصل فباليد العديد منها فهناك المفاصل المشطية السلامية والسلامية السلامية وغيرها، ولكل إصبع على سبيل المثال مفصلين إلا الإبهام فيتوسطه مفصل واحد.
وأعصاب اليد منها الكعبري وشقيقه الزندي وأخوهما الناصف، وهي أعصاب تتفرع لتكون شبكة بمنتهى الدقة والإحكام تقتسم فروعها راحةَ اليد وظهرها وما اتصل بها.
تشتمل اليد تشريحياً إضافة لما سبق على جلد يخلو براحته من الشعر ويكسوه بعضه من جهة ظهر اليد، وهناك أظافر هي مرآة للبدن، وكذلك لا يخلو الأمر من نهايات عصبية متنوعة، وهذا الكم الهائل من الموجودات وما يتبعه من وظائف هائلة الكم والتنوع نجده بوضوح على خارطة الدماغ حيث تتمثل اليد برقعة حسية وحركية كبيرة نسبياً تفوق ما تحتله أعضاء أخرى أكبر حجماً من اليد بكثير، وما ذلك إلا تقديراً لأهميتها وكثرة وتنوع وظائفها.
تعتري اليد حالات مرضية عديدة قد تكون موضعية، وقد تكون جزءاً من إصابات معممة، هناك الحالات المكتسبة وهناك الخلقية، وللإصابات أنواعها فهناك الرضية والالتهابية والورمية والوراثية والمناعية والجلدية والاستقلابية والغذائية والسمية والحركية والحسية إلى ماهنالك من إصابات يصعب حصرها، كما أن درجاتها تتنوع وتتعدد.
قد يولد الإنسان بيد واحدة والأسباب مختلفة، وقد يولد ولديه اضطراب بشكل اليد أو اختلاف بعدد الأصابع زيادة أو نقصاناً، وقد كنت أعتبر نفسي محظوظاً لامتلاكي صورة لمريض لي لديه سبعة أصابع "أباخس" في كل قدم من قدميه، وستة أصابع في كل يد، ولكنني وجدت في الأدب الطبي صورة من كان عنده تسعة أصابع في يد واحدة والعاشرة كانت في أعلى فخذه، إن الأصابع الزائدة عادة ماتكون قرب الإصبع الصغير أو الإبهام عند المفصل مابينها وبين الأمشاط، وفي حال كونها من دون عظم وصغيرة الحجم قد يمكن ربطها بسهولة لتسقط وينتهي الأمر، وإلا فالجراحة بعمر سنة، إن زيادة الأصابع تكثر في متلازمات صبغية "كروموزومية" عديدة منها تثلث الصبغي (13)، ومتلازمة كاربنتر، ومتلازمة ميكيل غروبر وغيرها، وكذلك قلتها تحدث في عدة حالات، كما قد تلتصق الأصابع ببعضها في حالات أخرى وبدرجات مختلفة كما في متلازمة أبرت، وتثلث الصبغي (13) أو (18) أو (21)، ومتلازمة دواء الهيدانتوئين الجنينية، وحالة نقص كريات الدم الشامل لفانكوني وغيرها، وقد يختلف شكل الأصابع في بعض المتلازمات الوراثية كأن تنحني أو يزداد عرضها أو يقصر طولها، والأمثلة كثيرة، ففي قصور جارات الدرق الكاذب هناك شكل خاص للأصابع مع رصعات أو علامات معينة على ظهر اليد.
إن العديد من إصابات اليد الخلقية تعتبر من التشوهات الصغرى والتي إن غابت كان احتمال إصابة الإنسان بتشوهات كبرى (1.4%)، أما إن وجد تشوه صغير واحد سواء باليد أو غيرها فإن احتمال وجود التشوهات الكبرى يرتفع ليصل (3%)، و إن اجتمع اثنان صغيران كان الاحتمال (11%)، وإذا صدف واجتمع ثلاثة فما فوق عند نفس الشخص فإن احتمال وجود تشوه كبير عنده يصل إلى (90%) والله أعلم.
إن الأصابع تصبح طويلة وتدعى آنئذٍ بالأصابع العنكبوتية أو الحالة العنكبية كما في متلازمة مارفان مثلاً ولكن هذا لا يمنع وجودها عند إنسان طبيعي تماماً، وقد تصبح نهاياتها وكأنها مضارب الطبل في الإصابات التنفسية المزمنة كتوسع القصبات والآفات القلبية وحتى الهضمية والدموية وربما بعض الأمراض السرطانية، وهذا مايسمى بتبقرط الأصابع، قد يحدث هناك عدم تناظر بنمو الأصابع أو غياب بنموها جنينياً أو غياب لبعضها أو تحدد بحركتها أو غياب لبعض أجزائها، وتمثل الأظافر وإصاباتها مدخلاً لحالات عديدة من اضطرابات المناعة واضطرابات جارات الدرق والإصابات الفطرية، وعلى ذكر الأظافر فإن شكلها ولونها وطبيعتها ووصفها كلها مؤشرات ودلائل لحالات عديدة في حال اختلافها، أما احمرار اليد فنجده بالإصابات الكبدية المزمنة وفي حالات زيادة نشاط غدة الدرق التي قد تؤدي لزيادة تعرق الكفين أيضاً، وهذا الأخير يحدث أيضاً في حالات الاكتئاب والقلق والتوتر النفسي ويرافقه في هذه الحالة برودة، أما في حالة السكري فقد نرى تأخراً باندمال الجروح والتهابات على جوانب الأظافر.
وعلى ذكر البرودة فإن طبيب الأطفال الذي يستشعرباليد برودة وبجلد الصدر أو البطن حرارة يعرف أن الحرارة الداخلية للطفل مرتفعة ويبدأ علاجه دون انتظار قياس الحرارة، وقد حصل معي ذات مرة أن طلبت من ممرضة حديثة العهد بمهنتها أن تعطي طفلاً خافض الحرارة فترددت وظهر الاضطراب عليها، وعندما سألتها، أفصحت لي أنها شعرت برودة شديدة بيد الطفل فابتسمت وقلت لها أعطه الدواء ومن ثم خذي له حرارته، وكم كانت دهشتها كبيرة عندما رأت ميزان الحرارة ترتفع أرقامه بشكل لم تكن تتصوره.
إن زرقة اليدين تشير للبرودة الشديدة أو لنقص في دورة الدم أو لنقص بالأكسجين، وهذا له أسبابه العديدة القلبية والدموية الدورانية، ومن أمراض القلب الالتهابية كالتهاب الشغاف مايكون له علاماته اليدوية من طفح وعقد وغير ذلك.
أما الحالات الجلدية وما أكثرها فاليد مسرح لها، هناك البهاق الذي يزول لون الجلد الطبيعي فيه على شكل بقع، وهو من الحالات التي تشغل بال الكثيرين رغم عدم عدواه للغير، على عكس الجرب ذلك الذي تعشق القارمة الجربية "هامة الجرب" التي تسببه مابين الأصابع لتحفر فيها الأنفاق وتثير حكة لا مثيل لها تحرم صاحبها حتى من النوم، وعدواه شديدة، وقد تحدث باليد التهابات جرثومية أو فطرية أو فيروسية أو سمية أو تحسسية عديدة، ولعل الأكزيمة لا يوجد شخص إلا ويعرفها، أما متلازمة اليد والقدم والفم فهي إصابة يعرفها أبناء المهنة، وسببها فيروس عادة، بينما متلازمة اليد والقدم "دون الفم" فتحدث في تكسر الكريات المنجلي الشائع الحدوث في بقاع عديدة من العالم ومنها بلادنا.
قد تضمر عضلات اليد في أمراض النخاع الشوكي وإصابات الأعصاب واعتلالات العضلات، وقد تتورم المفاصل وتؤلم، وإصابة البعيدة منها تشير عادة لتآكل الغضاريف وحالات النقرس "داء الملوك" والصدفية، أما القريبة فَتَسِم الروماتيزم عادة.
قد تتعرض اليد لجروح وعضات ووخزات ولدغات وحروق، وقد يكون لبعض ذلك تأثيراته المستقبلية، كما قد تتأثر اليد من اضطرابات التغذية وبعض حالات نقص الفيتامينات، ويبقى ببالنا أن حالات فقر الدم والشحوب المرافق له واليرقان بأسبابها المختلفة كلها تظهر على اليد.
إن خطوط اليد تصبح داكنة في داء أديسون الذي هو عبارة عن قصور بغدة الكظر التي تعتلي الكلية، وقد تختفي التجاعيد ويلتصق الجلد بما تحته في حالات تصلب الجلد.
إن خطوط اليد الكبيرة والدقيقة هي روائع ولوحات فنية بالفعل، وتعطي الكف لمسة خاصة من الجمال والسحر والخصوصية، ولها أشكالها وأنواعها الطبيعية وغير الطبيعية، وتشكل البصمة جزءاً منها، ولا يتشابه بالبصمة اثنان، ولذلك اعتمد عليها الطب الشرعي تقليدياً، وهناك مدارس لطرق عد ودراسة واستنطاق الخطوط.
لقد نسج خيال الإنسان كثيراً من القصص حول الخطوط التي تقسم راحة الكف، فلو قرأنا الكف اليسرى بالأرقام المتداولة لدينا لوجدناها وكأنها الرقم واحد وثمانون واليمنى وكأنها الرقم ثمانية عشر وبطرح الرقمين نحصل على ثلاث وستين، وقد استغل البعض حتى هذه النقطة لتوافقها مع عمر النبي صلى الله عليه وسلم عند وفاته.
قد يصبح الخطان البعيدان الكبيران خطاً واحداً يسمى بالخط الوحيد أو السيامي، ويكثر ذلك في العديد من المتلازمات الوراثية والصبغية ومنها متلازمة داون "المنغولية"، ولا ننسى أنه يوجد بشكل ثنائي الجانب أي في اليدين عند (1%) من البشر الطبيعيين تماماً، و عند (4%) من البشر يوجد بيد واحدة، ولا زلت أذكر صديقاً لي درس الطب معنا وتخصص بطب الأطفال أيضاً وكنا ندعوه الأب لأطفال متلازمة "داون" كون كفه كانت تشبه كفوفهم.
لقد اهتم الطب بأنواعه وتخصصاته باليد ذلك الكتاب المفتوح، وقد أولتها بعض مدارسه كالطب الصيني ومدارس ما يسمى بالطب البديل أهمية خاصة، وصارت عندها ليست مدخلاُ للتشخيص فحسب بل بوابة للعلاج أيضاً.
وبالنسبة للجانب الآخر من قراءة الكف فإنه بالفعل يمكن الربط بينه وبين التخلف والجهل بالمفهوم الشامل، ونظراً لأن المرأة في بلادنا قد نالها من ذلك نصيب واسع لأسباب عديدة فإنها كانت الأكثر لهثاً وراء القراءة الغيبية للكف، وبالنسبة لهذا الجانب أيضاً تنقسم الآراء، فمنهم من يرى به علماً يدافع عنه، ومنهم من لا يرصد به إلا الوهم والشعوذة والمساهمة في التخلف.
لقد حمَّل المنجمون والمشعوذون اليد أكثر مما تحتمل فأدخلوها في متاهات تحديد مستقبل الشخص ومصيره، وعلاقاته الاجتماعية والعاطفية وأحواله النفسية والمزاجية، واحتمالات سعادته أو نكده، وأوضاعه العائلية، وكان هدفهم البعيد تحقيق السطوة والسيطرة الدينية والاجتماعية والمعنوية والاقتصادية كمنفذ لسلطة دنيوية كاملة في المحصلة.
إن الإنسان بطبعه تواق إلى كشف أسرار ما وراء الطبيعة ومعرفة خفايا الكون وما يحجبه في ثناياه عن أعين الناس، وقد حاول هذا الإنسان دوماً وبشتى الوسائل الوصول إلى هذا الهدف الغيبي سواء ما كان متعلقا بالكون عامة أم بكيانه الشخصي، وكثيراً ما نرى بعض الناس يتقبلون الخبر الغيبي برحابة صدر حتى ولو لم يعتقدوا بصحته، ولتحقيق حب الاستطلاع والفضول هذا لجأ الإنسان لطرق عديدة واستخدم وسائل متنوعة، ومن بين ذلك كانت اليد إحدى ضحاياه –لو جاز التعبير-.
إن التنجيم وقراءة الفنجان وقراءة الأفكار وقراءة الطالع واستحضار الأرواح والمندل وهذا الوجه من قراءة الكف وبعض التنويم المغناطيسي بالوسائل قديمها أو حديثها ماهي إلا أعمال ترمي إلى نتيجتين أولاهما الرغبة في الاطلاع على الغيب والثانية كما أسلفنا تحقيق السيطرة، ولذلك نجد أن هده الوسائل تجد رواجاً في كل الأوساط ولدى جميع الطبقات في كل العالم فالأغنياء يتخذونها وسيلة لثرائهم والفقراء للتخلص من فقرهم والعلماء لوضع أسس علمية لهذه الظواهر والجهلاء لاكتساب صفة العارفين وهكذا، لقد شاعت في هذا القرن وفي الغرب خاصة قراءة الكف، ولا يعرف بالضبط تاريخ بزوغ هذا الأمر، ولكنه كان معروفاً وشائعاً منذ آلاف السنين في الهند وعند قدماء المصريين، ثم انتقل إلى أقوام آخرين حتى يكاد لا يوجد مجتمع إلا وعرف نوعاً من هذه القراءة، ثم انقرض حتى ظهر إلى العالم مجدداً على يدي جان غاسبار لا فاتير الشاعر الفيلسوف السويسري المولود سنة 1741م ، والذي ابتدع علم قراءة الهيئة، ثم تبعه الطبيب الألماني فرانز جوزيف غال المولود سنة 1758 والذي أتم ما بدأ به زميله، وتلاهما الفرنسي شارل دار بنتيني الذي اكتشف علم قراءة اليد وحاول معرفة طباع الإنسان وميوله من تركيب يده وشكلها، ثم أتى آخرون درسوا الكف أمثال روتمان وبنتريدج الذي سمى الخطوط بأسمائها الحالية المعروفة لدينا وأكمل المسيرة أدريان ده بارول.
لقد كتب حول قراءة اليد أو قراءة الكف مئات الكتب وبلغات كثيرة، ولقد اعتاد الناس أن يطلقوا على قراءة اليد وقراءة الكف اسماً واحداً، والسبب في ذلك يرجع إلى إن كلاهما متصل بالآخر اتصالاً وثيقاً، ويجادل المدافعون عن قراءة اليد والكف بأن علم قراءة اليد يكشف لنا عن الأخلاق والعادات والميول الفطرية أو الإرثية التي لا دخل للمرء في تكوينها أو بكلمة أخرى الموروث، بينما يكشف علم قراءة الكف أفعال المرء المكتسبة والحوادث التي مرت أو تمر عليه أو بكلمة أخرى نتائج التفاعل مع البيئة، مع تحفظنا الأكيد على رأي هؤلاء الذي أوردناه من باب أن المعرفة بالأمر أولى من الجهل به.
ويذكر أولئك المدافعين أيضاً أن الخطوط في اليد لها ارتباط بالأعصاب والفروع العصبية ، وهي تتغير بتغير الأفكار والميول الروحية والقلبية، وتتخذ أشكالاً معينة حسب تلك التغيرات، كما يذكرون وجود رابطة خفية بين العقل الباطن والحياة الظاهرية.
على الهامش أذكر أن بعض الخاطبات أو الأمهات عندما يبحثن عن عروس لابنهن فإن من بين الأمور الهامة التي يتمعنّ بها ويدققن النظر بها هي اليد وشكلها وطولها وطول أصابعها، هذا ما أعرفه يحصل في بلدي سورية ولا أعلم إن كان يحصل ببلدان أخرى، والطريف أن بعض الصفات التي يتجنبنها أولئك النسوة هي صفات تعمل كمؤشر لأمراض أو صفات مرضية حقيقية.
إننا نعيش في زمن الثورة الوراثية ونتائج الخريطة الوراثية ومشروع الجينوم البشري تغزو كل مكان وأملنا كبير بتطبيقاتها وفوائدها للبشرية ولو أطلقنا على اليد تسمية الكتاب المفتوح أو الموسوعة الرحبة فإن الخريطة الوراثية هي موسوعة الموسوعات في زماننا والله أعلم.
و ختاماً لا أنسى أن أقول أن وظائف اليد السامية والرائعة يعرفها كلنا، وحتى عند الوليد والرضيع نجدها تقوم بوظائف هي غاية في الروعة والجمال، وأكثر من ذلك هي العين التي يقرأ بها الكفيف لغة
"برايل"، وهي وسيلة الأصم للغة الإشارة، ووسيلة كسب القوت والرزق، وهي التي تخطّ هذه السطور، ولا يسعني إلا أن أهمس لأخوتي المعوقين بأن فقد يد أو حتى يدين ليس آخر الدنيا أو نهاية المطاف، بل هناك
مايحيل الدمعة بسمة والكآبة سعادة بإذن الله، وختاماً ندعو الله أن يجعل أياديكم وأيادينا طريقاً للخير كل الخير ويبعدها عن كل شر إنه على كل شيء قدير.


المراجع:

1-Behrman R. E., Nelson Textbook of Pediatrics, 16th edition, Philadelphia, WB Saunders, USA. 2000.
2- Polnay L., hull D., Community Paediatrics, 2nd edition (reprinted), Edinburgh, Churchill Livingstone, UK, 1999.
3-Thompson & Thompson, genetics in medicine, 5th edition, USA, 1991.
4- Lissauer T., Clayden G., Illustrated Textbook of Paediatrics, 1st edition (reprinted), Mosby, London, UK, 1999.
5- Jones K. L., Smith’s Recognizable Patterns of Human Malformation, 5th edition, Philadelphia, WB Saunders, USA, 1997.
6- Parveen Kumar, Michael Clark, Clinical medicine,3rd edition, London, 1995.
7- John Queenan & Carrien Queenan, A new life pregnancy, birth & your child’s first year, Toronto, 1990.
8- T.W. Sadler, Langman’s Medical Embryology, 6th edition, Egypt, 1993.
-9 Schefer’s textbook of newborn, 6th edition, USA, 1991.
10- Emery & Rimoin’s, Principles of practice of medical genetics, 3rd edition, New York, 1997.
11. Campbell A.G.M., McIntosh N., Forfar and Arneil's Textbook of Pediatrics, 5th edition, Churchill Livingstone, New York, USA, 1998.
12- Emery’s Elements of medical genetics, 9th edition, Singapore, 1997.
13- Enkin M. W., Keirse M. J. N.C.,Renfrew M. j., Neilson J.P., A Guide to Effective Care in Pregnancy and Child Birth, 2nd edition, Oxford University Press, Oxford, UK, 1996.
14- Michael Connor & Malcolm Ferguson-Smith, Essential medical genetics, 5th edition, U.K. 1997.
15- السح، د.عبدالمطلب، زواج الأقارب تحت المجهر، مجلس العالم الإسلامي للإعاقة وإعادة التأهيل،2004

مراجع على شبكة المعلومات العالمية ( الإنترنت ) :

http://www.google.com
http://www.ornl.gov/hgmis/
__________________