المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بكل هذا الدم.. الآن عرفت لماذا سموه البحر الميت (عزف على مشاهد اقتحام الجدار)



محمد هجرس
25/01/2008, 08:34 PM
بقلم: محمد هجرس **
مالحةٌ في فمِنا القصائد
مالحةٌ ضفائرُ النساء
والليلُ، والأستارُ، والمقاعد
مالحةٌ أمامنا الأشياء
ـــــــــــــــــــــــــــــــ (نزار قباني(
ـ هل نظر الباحثون عن السلام إلى هذا الوجه؟
ـ هل أدركوا معنى القهر عندما نغمض العيون على أشلاء جثة؟
ـ هل تأتي كلمات المواساة بديلا عن "الدم" الذي لا يوازي قنينة ماء في ملوحة البحر الميت؟ أو يساوي حتى برميل نفط في أكثر الأحيان تفاؤلا!
نعم.. نعم..
هكذا يمكنني أن أتمتم، وأنا أرقب هؤلاء الغاضبات على الحصار، فيمّمن وجوههنّ صوب الغرب، جدار الحدود الذي انهار كقطعة من الجبن، مثلما انهرنا نحن منذ زمن بعيد..
وعندما صحونا، كنا مثل "عم الحج" رئيس الحزب إياه، الذي أنقذته العناية الإلهية من غيبوبة شهر عسل، حاول من خلالها وهو في الثالثة والتسعين من عمره، أن يستعيد حيوية ابن العشرين ليلة زفافه على بنت الأربعين! وكان هو الذي كان كما قال زميل "غافيا علي الكنبة وراء الباب، حاسر الرأس، متجها في نومته كعبدٍ صالح ناحية القبلة، جاءه هاتف يرتدي بالطو كاكي وماسك خيزرانة مخبر وهزه برفق: قوم يابا الحاج.. أذن في الناس بالحزب"!
لم يكن المشهد مفتعلاً، فثورة الجياع فاقت كل قوانين الجغرافيا، وصارت الحياة مثلاً أعلى.. فلا صوت يعلو على صوت الرغيف، واسطوانات الغاز وقطع الجبن.. وكان منظر عربات تجرها حمير تخطت الحدود بلا باسبور أو تأشيرة، قادراً على قلب المعادلة!
معادلة الحصار، ومعادلة أخرى، لا تعترف بالسن، في وجود زعامات تعمل "من المهد إلى اللحد" لتغرس فسيلتها في وجداننا، وتشبعنا أحاديث عن "اللهو الخفي"..
ـ عن التغيير من الداخل..
ـ عن المشروع الديموقراطي الكبير الذي يسمح لنا بأن نتنفس..
ـ عن التحديات الاستاتيكية التي تهدد عقولنا ووجودنا.
بينما في المقابل، كان على عجوز فلسطينية أن تصرخ فينا نحن الذين ادعينا معرفة ألاعيب الثلاث ورقات، وخفايا التفاوض، وكيفية التعامل مع أبناء العمومة، وترفع أيديها إلى السماء، فالزعماء بالتأكيد يعرفون بحسهم الأمني "القرد مخبي أولاده فين" أما نحن الشعوب التي اكتفت بمتاعبة المشهد على التلفاز لن نأخذ من طربوش عم الحج "إلا ما يطيره هواء العصاري من الزر الأحمر".
***
آه ..
الآن ، والآن فقط أدركت لماذا سموه البحر "الميت"!
لم اكن على استعداد لأن أكذب كتب الجغرافيا وما سطرته رحلات "ابن بطوطة"، منذ مهد مناهج التعليم التي درسنا فيها أن فلسطين دولة عربية على الخارطة.
ولم أكن على استعداد لأن أكذب كتب التاريخ ـ الذي يحاولون تغييره ـ من أن أبناء العمومة هم أول من يطعن في الظهر، منذ أن رفع "يهودي" في المدينة طرف ثوب مسلمة، وكيف خان بنو قريظة وبنو النضير، وكيف نافقوا وجادلوا وأخيرا تواتروا علينا.
الآن أيضا أصبح مفروضا عليّ أن أصدق أن رحلات "بن جوريون" ودبابات بيجين وقنابل شامير وأباتشي شارون وسلامات أولمرت.. هي المقرر الذي يجب أن نعتمده ونعترف به ونرفع أيدينا تسليما بقضاء الله وقدره.
الآن بعد البحر الميت عرفت معنى الحياة فوق برميل من البارود التلمودي أو السير على لغم من وصايا الحاخامات الذين فرّخوا للمستوطنين أعشاشا من الدبابير الخارجة من الشقوق.
هل شاهدتم فيلما اسمه " The Play Of Peace " أي لعبة السلام؟ البطل ليس إلا شاهدا لا يسمح له بالحــديث أو الاعتراض ؟ والبطلة لا ترى.. والمتفرجون لا يسمعون !
وكأن أربعين عاما في دمي .. لا تساوي دقائق تسمر العالم أمام مشهد افتتاح لم يستغرق سوى دقائق كان على دبابة أن تبسط هيمنتها علنا وتدفعه أرضا، كان قبلها جندي يلف رأسه بعلم الاحتلال، وكثير من الجموع ترميه بحجارة من سجيل.. أما المذهولون خلف الشاشات فقد تحجروا ..
ها هي الأسطورة تهوي إلى جحيم المارّةِ ونعال أحذيتهم، فمتى يكون القصاص كتابا مفتوحا على رقاب كل المجرمين.
دمي .. لا ينتمي لجبل صهيون.. لذا لا يلتفت العالم إليه!
ودمي الأحمر ليس ماء تبخره الحرارة فيعود مطرا يظلل المستوطنين.. وجسدي مجرد نوع من السماد كي يورق الزيتون في الأرض المحتلة.
يا أيتها الأم الغارقة في دماء أبنائها.. كوني كالخنساء
ولا تبكي بعد الجاهلية صخراً .. أو حجراُ أو حرفا ًأو رجلاً..
كوني في "القادسية"..
قصيدة رثاء تبكي الجميع؟!
واسألي البحر "الذي مات" منذ 1000 عام .. ولا يزال!
اسألي الجدار الذي أقيم الأرض وانهار على الحدود
اسألي القابعين خلف مكاتبهم، يشربون كأساً على قبر الشهيدة
ويضربون بالأنخاب، يستجدون أعواماً مديدة
أوقدي ناراً بلا حطب
فتبت يدا أبي لهب
...
...
ولا تسألي العزاء!!
ــــــــــــ
** كاتب صحافي مصري
mediasoso@yahoo.com