مروة كريدية
27/01/2008, 12:47 PM
الأحد,كانون الثاني 27, 2008
بيروت عروس أعطت للوطن ألف حياة - بقلم: مروة كريدية
عجوز عتيقة من رأس بيروت
أمام باب حديدي مهترئ قديم ، لبناءٍ بيروتي عتيق ، مبني على طراز أواخر العصر العثماني، غرقت أتأمل الجدران والطوابق وحافّة الباب ، فما زال على حاله ، وهو عالق في مخليتي بكلّ تفاصيله ، كيف لا وهو المكان الذي كنا نلعب عنده ونتجمع فيه ونشرب "الجلول" ونأكل كعك العصرونية ...
كان المشهد كفتيل اشتعل فجأة ليفجّر قنبلة مدويّة ، مليئة بحنين عميق وشوق جامح ولحظات لا تنسى ؛ هممت بقرع الباب مترددة ،فأنا أعرف ساكنيه منذ طفولتي الاولى، غير ان مرور ربع قرن كفيل بأن أنمحي من ذاكرتهم ...
وفيما أنا غارقة في لجّة ذكرياتي وحيرة ترددي ، اطلت من الباب عجوز تجاوزت الثمانين تداعب طفلة رضيعة ، فبادرت على الفور بالقول : يا حجة بتسمحي لي فوت؟ " فرحبت بعفوية بالغة "أهلين" فقلت: " بتذكرتيني ؟ انا فلانة بنت بنت فلانة "
كدت أطير من فرحي و الحديث يتدفق كنهرٍ ربيعيّ جارف يحمل كلّ أطياف البشر والشجر والحجر الذين عرفتهم ، كنت احتضن الثواني بقلبي أخشى ان تهرب اللحظات مني فيما كنت أنمحي في مفردات البيت واهله
و أسألها عن كل الاشياء الصغيرة: الطيور وقن الدجاج وشجرة الليمون والحامض في فناء الدار وبركة الماء والسمك.... كنت أتنشق رائحة التربة المبتلة وشجرة الياسمين ..
كانت تجيبني بلهجة بيروتية قديمة تكتنز إرث عائلات عريقة عراقة صخرة شامخة في وجه ريح صرصرٍ عاتية ، لتختم حديثها بالقول :" بعدو كل شيئ على حالو بس الحجّ الله يرحمه مات ، و البناية عتيقة ، ومثل ما بتعرفي المنطقة صارت غالية كتير ، وهيّ مربّع أمني والحركة فيها صعبة، عم يقنعونا هلق نبيع الملك وناخد شقق جديدة برّات منطقة قريطم!"
ودّعتها كسكرى خارجة من حانة مع انبلاج الفجر ، وعيني تدمع وفي قلبي غصّة ؛ فانبرى طفلي بسؤال ايقظني : "ماما ليش زعلانة؟ "
اجبت دون وعي مني : "هؤلاء هم أهل بيروت يا ماما وهكذا كانوا يعيشون وبفضل زعمائهم لا شك سينقرضون !"
فمن أعماق روحي..
لبيروت مني
شوق ...جريحٍ
وأحلام.. مَنْفيٍّ
يراوده حنين الصِبا
كيف لا أهوى عبيرَ تربة ٍ
تشرّبت لحنًا سرمديّا
وأعطت للوطن ألف حياة
أحن إليها ... وأشتهي وصلها
أطير إليها كل فجر
وأولد مع انفجار الذاكرة
ولها من قلبي ألف سلام
فعذرًا يا حبيبية
إن تَغرَّبَ عنك جسدي
فقلبي مازال هناك
في باطن بيروت مصلوبًا
وعلى شجرة الشوحِ معلّقًا
مروة كريدية - دبي 27 يناير 2008
بيروت عروس أعطت للوطن ألف حياة - بقلم: مروة كريدية
عجوز عتيقة من رأس بيروت
أمام باب حديدي مهترئ قديم ، لبناءٍ بيروتي عتيق ، مبني على طراز أواخر العصر العثماني، غرقت أتأمل الجدران والطوابق وحافّة الباب ، فما زال على حاله ، وهو عالق في مخليتي بكلّ تفاصيله ، كيف لا وهو المكان الذي كنا نلعب عنده ونتجمع فيه ونشرب "الجلول" ونأكل كعك العصرونية ...
كان المشهد كفتيل اشتعل فجأة ليفجّر قنبلة مدويّة ، مليئة بحنين عميق وشوق جامح ولحظات لا تنسى ؛ هممت بقرع الباب مترددة ،فأنا أعرف ساكنيه منذ طفولتي الاولى، غير ان مرور ربع قرن كفيل بأن أنمحي من ذاكرتهم ...
وفيما أنا غارقة في لجّة ذكرياتي وحيرة ترددي ، اطلت من الباب عجوز تجاوزت الثمانين تداعب طفلة رضيعة ، فبادرت على الفور بالقول : يا حجة بتسمحي لي فوت؟ " فرحبت بعفوية بالغة "أهلين" فقلت: " بتذكرتيني ؟ انا فلانة بنت بنت فلانة "
كدت أطير من فرحي و الحديث يتدفق كنهرٍ ربيعيّ جارف يحمل كلّ أطياف البشر والشجر والحجر الذين عرفتهم ، كنت احتضن الثواني بقلبي أخشى ان تهرب اللحظات مني فيما كنت أنمحي في مفردات البيت واهله
و أسألها عن كل الاشياء الصغيرة: الطيور وقن الدجاج وشجرة الليمون والحامض في فناء الدار وبركة الماء والسمك.... كنت أتنشق رائحة التربة المبتلة وشجرة الياسمين ..
كانت تجيبني بلهجة بيروتية قديمة تكتنز إرث عائلات عريقة عراقة صخرة شامخة في وجه ريح صرصرٍ عاتية ، لتختم حديثها بالقول :" بعدو كل شيئ على حالو بس الحجّ الله يرحمه مات ، و البناية عتيقة ، ومثل ما بتعرفي المنطقة صارت غالية كتير ، وهيّ مربّع أمني والحركة فيها صعبة، عم يقنعونا هلق نبيع الملك وناخد شقق جديدة برّات منطقة قريطم!"
ودّعتها كسكرى خارجة من حانة مع انبلاج الفجر ، وعيني تدمع وفي قلبي غصّة ؛ فانبرى طفلي بسؤال ايقظني : "ماما ليش زعلانة؟ "
اجبت دون وعي مني : "هؤلاء هم أهل بيروت يا ماما وهكذا كانوا يعيشون وبفضل زعمائهم لا شك سينقرضون !"
فمن أعماق روحي..
لبيروت مني
شوق ...جريحٍ
وأحلام.. مَنْفيٍّ
يراوده حنين الصِبا
كيف لا أهوى عبيرَ تربة ٍ
تشرّبت لحنًا سرمديّا
وأعطت للوطن ألف حياة
أحن إليها ... وأشتهي وصلها
أطير إليها كل فجر
وأولد مع انفجار الذاكرة
ولها من قلبي ألف سلام
فعذرًا يا حبيبية
إن تَغرَّبَ عنك جسدي
فقلبي مازال هناك
في باطن بيروت مصلوبًا
وعلى شجرة الشوحِ معلّقًا
مروة كريدية - دبي 27 يناير 2008