المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "أبو الشهيدين"



غالب ياسين
29/01/2008, 03:32 PM
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام



هكذا كان ولا يزال، مزيج من الهيبة والفخر والتقدير تشعر به عندما تحاور قائداً كبير نجا من محاولة اغتيال ولا يزال على القائمة، قدم شهيدا تلو شهيد. لا بد أن تشعر بالهيبة والفخر والتقدير، إنه أبو الشهيدين، الدكتور محمود الزهار، القيادي البارز في حركة "حماس". دمّر جيش الاحتلال بيته، حاول اغتياله بالطائرات وعبر العملاء، اغتالوا زوج ابنته ثم فلذة كبده خالد وألحقوا به مهجة القلب حسام، فما وهن ولا ضعف وإن دمعت عيناه دموع القوة والحب لتعكس إنسانيته.

في الحوار المؤثر التالي؛ يسترجع مراسل "المركز الفلسطيني للإعلام"؛ مع القائد "أبي خالد"، الدكتور محمود الزهار، لحظات الألم والفخر، وإرهصات الأمل والانتصار، بعد أيام قليلة من استشهاد نجله حسام، المجاهد في كتائب الشهيد عز الدين القسام.

ـ بداية لا بدّ أن نهنئك باستشهاد نجلك المجاهد حسام، وهو الشهيد الثاني بعد خالد. دعنا نسأل كيف تلقيت النبأ؟

الدكتور محمود الزهار: بارك الله فيكم، نسأل الله له الرحمة ولنا الثبات وأن يلحقنا بدربه إن شاء الله. أما بخصوص سؤالكم، فقد أبلغ أحد الأشخاص ابني محمد الساعة السابعة والنصف صباح الثلاثاء (15/1)، وقام محمد بإبلاغي أنّ حسام أُصيب، ولكنني شعرت لحظتها أنه نال الشهادة.

شعور من عايش التجربة

ـ ما طبيعة هذا الشعور؟ وكيف؟

الزهار: هذه أشياء لا يعرفها إلاّ من جربها؛ لأنه نفس الشعور الذي شعرت به أيام خالد رحمه الله, والحقيقة أنه بعد سماعي بذلك؛ توجهنا على الفور إلى المستشفي، بحثنا في كل مكان لم نجد أحداً، ذهبنا إلى غرفة العمليات، اطلعت على حجم الإصابات الموجودة في كل المستشفى وأوضاع المصابين بغض النظر عمن هم سواء كان ابني أو غيره، إذ أننا اعتدنا كلما كان يصاب أي شخص من الكتائب (كتائب القسام) أو أي من أبناء شعبنا الفلسطيني كنا نذهب للاطمئنان والمؤازرة. انتظرت لمدة ساعة، حيث تم إحضاره وكان من الواضح أنّ أحداً لم يكن قادراً على إحضاره بسبب تواجد قوات الاحتلال ووجوده في مكان متقدم.



ـ ما هي أول كلمة قالها "أبو خالد" لدى رؤية نجله حسام والتأكد من استشهاده؟
الزهار: أول كلمة هي: الحمد لله والاسترجاع (إنا لله وإنا إليه راجعون)، والحمد لله رب العالمين. فور مشاهدته قبّلته في الثلاجة وفحصت جسمه ورأيت مكان الإصابة وقبلته من جديد، وغمست منديلي بدمه ووضعته في جيبي.



قلب عامر بالإيمان والحب

ـ يُعرف حسام وهو أصغر الأبناء بأنه كان أعز الناس على قلبك بعد خالد رحمه الله؛ فبماذا تذكره اليوم؟

الزهار: حسام، رحمه الله، ليس في قلبه ذرة كره لأي إنسان في الكون، باختصار شديد؛ كان قلبه عامراً بالإيمان والحب. كما أنه إنسان حنون لأقصى درجة يمكن أن تتصوّرها. لا أستطيع أن أقول إنه يحمل ضغينة لمن أساء إليه بأي صورة من الصور؛ وكان هذا واضحاً عندما يحدث بينه وشخص ما إشكال يصل معه إلى القول "أنا عمري في حياتي ما أكلمه"، وتجده ثاني يوم هو الذي يذهب ليزوره. تجربة كل الناس تشهد له في ذلك. كان في جلسته مع أمه دائماً يضع رأسه في حجرها، فبقي صغيراً في نظرها مدللاً لأنه أكثر الناس حنيّة، فأمه كانت تقول أنها ستزوِّجه ويبقي هو وزوجته معنا، فشاءت إرادة الله أن يكون ذلك (استشهاده).



ـ قيل إنه كان كاتم أسرار والده؟

الزهار: لا (ليس وحده)، كلّهم (أشقاؤه) هكذا. يعني محمد في فترة صعبة كان معي ، ودور حسام كان في البيت والأسرة ورعاية والدته وأخته، وبالتالي كلهم، لكن في الفترة الأخيرة؛ لأسباب انشغال محمد في الدراسة، حيث أنه يكمل الفصل الجامعي؛ كان حسام يقوم بهذا الدور. كلهم والحمد لله على خير، لا أستطيع أن أميِّز بين أحدهم.



عندما بكى الجبل

ـ لوحظ في المستشفي تماسك "أبي خالد"، ولكن لمّا جاءت لحظة وداع حسام لم يتمالك نفسه، وقيل إنّ الجبل بكي؟

الزهار: الحقيقة إن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بكى ودمعت عيناه، والبكاء لا يعني عدم التماسك؛ البكاء يؤكد إنسانيتنا؛ ويؤكد حبّنا لأبنائنا؛ ولا يعني حبّنا لأبنائنا أننا لا نريد لهم أن يقوموا بدورهم تجاه فلسطين. وبالتالي من لا يبكي هو ليس بإنسان، وليس البكاء ضعف؛ بالعكس، فقوة الإنسان في بكائه. وأنا أيضاً، وهذا معلوم للناس؛ عندما استشهد المجاهد عوض سلمي بكيت، وأمام الناس في المسجد، والبكاء ما كان تمثيلاً ولا كان مسرحية؛ البكاء كان تعبيراً إنسانياً عن حالة إحساس بفقد عزيز كما حدثت في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام عندما بكى ابنه، وبالتالي نحن نحبّ أبناءنا، ونحبّ بناتنا، ونحبّ وطننا، ونحب مقدّساتنا؛ ولأننا نحبهم علمناهم هذا الطريق؛ ولأننا نحبهم ونحب أحفادنا نريد لهم ألاّ يعيشوا في فترة الاحتلال التي عشناها والتي كان فيها قتل وتشريد وإبعاد وسجون.

نريد لوطننا أن يتحرّر، وبالتالي نخرج من هذه الدائرة. نحن نحبّ أبناءنا الحبّ الذي علّمنا إياه القران الكريم أول شيء أن تحصنوهم من كل المفاسد، ثم تعطوهم الحرية التي يدافع الواحد منهم فيها عن شرفه ووطنه وعن مقدساته، هذا هو الحب الذي نعرفه، بالإضافة إلى الحب الإنساني.

أعتقد أنّ أكثر الناس الذين يعيشون الحب الإنساني البشرى الفطري هم أخلص الناس لله تبارك وتعالى. كما أنّ الجبال تبكي ويقول الله تعالى:"فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ"، السماء والأرض .. فإذا كانت السماء تبكي والأرض تبكي، فهذا لا يعني أنّ هذا البكاء فيه ضعف. مخطئ من يقول ذلك، الاحتلال حاول أن يستغل ذلك وزعم أنّ الزهار انهار، وهم يعرفون جيداً أنّ هذا الكلام غير صحيح.



تضحيات متلاحقة

ـ ورد أنّ كثيراً من الناس الذين اتصلوا بك أصبحوا يستمدون منه الصبر والعزيمة بدلا من أن يعزوك، كيف حدث ذلك؟

الزهار: تجربتي الخاصة، تقول: عندما تشتد عليك الكوارث فاركع لله تبارك وتعالى واطلب منه العون وستجد كأنها شوكة وانخلعت، وهذه تجربتي مع ابني الشهيد خالد، ومع أحمد عوض زوج ابنتي، وتجربتي الجديدة مع حسام. ثم إننا نقدم الشهيد تلو الشهيد دفاعاً عن الدين والقدس والأرض والهوية، إيماناً بحتمية الانتصار وحقيقة الفجر القادم من دماء هؤلاء الشهداء الذين يرسمون بدمائهم الطاهرة خارطة الوطن الحقيقية، ويضيئونه بنورهم الذي لا يخبو، وجهادهم الذي لا ينضب، ويقدِّمون التضحيات المتلاحقة من صبر على الحصار والحرمان والجوع والموت، فهدفهم أسمى من ذلك وأقدس في الحرية والعزة والكرامة.



مشاركة وواجب

ـ رغم ألم الفراق إلاّ أنك آثرت أن تزور بيوت الشهداء الذين سقطوا في هذه المرحلة، كيف ذهبت؟ وكيف استقبلك الناس؟ وما هي الرسالة التي تريد أن ترسلها؟

الزهار: أولاً هذا واجبي لأنهم أبناء شعبي، وهؤلاء الذين كانوا بجوار حسام فآباؤهم مثلي يشعرون بلوعة الفراق، وهؤلاء الناس هم أصحاب المشروع إياه، وبالتالي ذهبت لأنني أدرك أنني لابد أن أكون معهم كما كانوا معي، لأنهم سبق وجاؤوا، وأنا لم أفرِّق بين أبناء "حماس" وأبناء "فتح"، في عزاءات "فتح" ذهبت إليها، وكان استقبال الناس أكثر حرارة من بقيتهم.



ـ قلت بعد الاستشهاد إنّ الاحتلال سيجد الردّ المناسب؟

الزهار: أكثر من 170 صاروخ نزل عليها (أهداف الاحتلال)، قالوا إننا عمدنا إلى إيقاف الصواريخ فأثبتنا لهم العكس.



سر التعاطف

ـ بماذا تفسر هذا التعاطف الواسع في الداخل والخارج حول العالم مع الدكتور الزهار؟

الزهار: الذين اتصلوا هم أصحاب مشروع، ليس كلهم لأسباب إنسانية، رؤوا في هذا نموذجاً يرسِّخ مشروعهم. أكثر الناس سعادة وحزناً في الوقت نفسه هم أصحاب المشروع الإسلامي، ولا أنكر الجانب الإنساني. لكلّ ذلك؛ أنا أتقدم باسم أهالي كل الشهداء الذين لم يتوانوا لحظة، ولم يتخاذلوا في الدفاع عن أرضهم ضد الدبابات والطائرات والمقاتلات، وعن شعبهم في الداخل والشتات أمام هذا العدوان المتلاحق والإرهاب المتفاقم من الجماهير، التي شاركت في جنازات الشهداء وأمّت بيوت العزاء ومن أمتنا العربية والإسلامية والقادة والزعماء العرب والمسلمين وأصحاب المعالي الوزراء الحاليين والسابقين في فلسطين والدول العربية والشخصيات والعلماء والفعاليات المختلفة، وكل الخيرين في هذا العالم الذين شاركونا بالمشاعر الحارة والكلمة الصادقة بأصدق معاني الشكر النبيل.



العدوان نتاج الفشل

ـ بماذا تفسر التصاعد الذي طرأ في العدوان الصهيوني علي قطاع غزة ومحاولة الاستفراد بالقطاع؟

الزهار: فشل المشروع الصهيوني، فشل الحصار، وفشل القتل، وفشل التجويع، وفشل قطع الكهرباء، فشل كل شيء؛ وبالتالي جُنّ جنونهم.

المنطقة (القطاع) كلها لا تكاد تبدو على الخريطة؛ وتصمد هذا الصمود، وتقف أمريكا وأوروبا وبعض التيارات الخائنة ضدها (غزة)، وتصمد؛ لذلك فقدوا صوابهم، ومقابل من فقد صوابه هناك مقاومة باسلة وصمود؛ هذا ردّ على بعض المتهربين الذين كانوا يقولون أن "حماس" أوقفت المقاومة، انظر كم شهيداً من "حماس"، وحماس لم تجمع سلاح المقاومين، ولم تمنع أحداً أن يدافع عن نفسه. "حماس" هي التي استطاعت تحويل السلاح الذي جاء ليقضي علي المقاومة إلى سلاح المقاومة.



ـ هل ترى أنّ فريق سلطة رام الله يشارك في الحصار والمؤامرة؟

الزهار: هذا الموضوع يُترَك للمحللين ليقرؤوه قراءة موضوعية، أمامهم الصورة واضحة.



ـ ما تعقيبك على ما كشف عنه وزير الداخلية السابق سعيد صيام بخصوص محاولة الاغتيال بحق قادة حركة "حماس"، ومخطط التفجير الدموي في المساجد؟

الزهار: كان لدي معلومات قبل استشهاد حسام عن الموضوع، ولكن كان لابد من استكمال كل خيوط الجريمة وتم إلقاء القبض على بعض المتورِّطين، وبعضهم موجود في رام الله ومصر. من الحكمة أن ترسل وزارة (الداخلية) إلى رام الله ومصر (طلبات) لاعتقالهم وتسليمهم لاستكمال المقتضى القانوني بحقهم.



ـ لكن السؤال هل تلك المحاولة تتعلق بحركة "فتح" التنظيم أم بمجرد أفراد؟

الزهار: "فتح" عندما غابت الأيديولوجية والمنهج بتغيير الميثاق؛ أصبحت في معظمها (تتجه) إلى المصلحة. عندما تغيب الفكرة يبزغ الصنم، كما قال مالك بن نبي. إنه صنم معه فلوس يُعبَد داخل هذه التنظيمات للأسف الشديد.



ـ ما هي رسالتك للأمة العربية والإسلامية؟

الزهار: رسالتنا إلى أمتنا العربية والإسلامية التي واكبت معنا هذا المشوار؛ أن يقفوا عند مسؤولياتهم لنصرة شعبنا المكلوم، وأن لا يتم تسليم شعبنا للاستفراد الصهيوني والظلم الأمريكي والدولي، وعهدنا بكم المضي قدماً في طريق الجهاد والمقاومة مهما بلغت التضحيات وعظمت المعاناة حتى النصر أو الشهادة.

إنني أستحلفكم (الأمة) بالله ألاّ تتركوا شعبكم الفلسطيني المجاهد وحده في مواجهة أمريكا الإجرام والصهاينة الغزاة، وعهدنا أننا صابرون صامدون مجاهدون مرابطون مقاومون حتى يأذن الله بتحرير فلسطين كل فلسطين.

غالب ياسين
29/01/2008, 03:32 PM
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام



هكذا كان ولا يزال، مزيج من الهيبة والفخر والتقدير تشعر به عندما تحاور قائداً كبير نجا من محاولة اغتيال ولا يزال على القائمة، قدم شهيدا تلو شهيد. لا بد أن تشعر بالهيبة والفخر والتقدير، إنه أبو الشهيدين، الدكتور محمود الزهار، القيادي البارز في حركة "حماس". دمّر جيش الاحتلال بيته، حاول اغتياله بالطائرات وعبر العملاء، اغتالوا زوج ابنته ثم فلذة كبده خالد وألحقوا به مهجة القلب حسام، فما وهن ولا ضعف وإن دمعت عيناه دموع القوة والحب لتعكس إنسانيته.

في الحوار المؤثر التالي؛ يسترجع مراسل "المركز الفلسطيني للإعلام"؛ مع القائد "أبي خالد"، الدكتور محمود الزهار، لحظات الألم والفخر، وإرهصات الأمل والانتصار، بعد أيام قليلة من استشهاد نجله حسام، المجاهد في كتائب الشهيد عز الدين القسام.

ـ بداية لا بدّ أن نهنئك باستشهاد نجلك المجاهد حسام، وهو الشهيد الثاني بعد خالد. دعنا نسأل كيف تلقيت النبأ؟

الدكتور محمود الزهار: بارك الله فيكم، نسأل الله له الرحمة ولنا الثبات وأن يلحقنا بدربه إن شاء الله. أما بخصوص سؤالكم، فقد أبلغ أحد الأشخاص ابني محمد الساعة السابعة والنصف صباح الثلاثاء (15/1)، وقام محمد بإبلاغي أنّ حسام أُصيب، ولكنني شعرت لحظتها أنه نال الشهادة.

شعور من عايش التجربة

ـ ما طبيعة هذا الشعور؟ وكيف؟

الزهار: هذه أشياء لا يعرفها إلاّ من جربها؛ لأنه نفس الشعور الذي شعرت به أيام خالد رحمه الله, والحقيقة أنه بعد سماعي بذلك؛ توجهنا على الفور إلى المستشفي، بحثنا في كل مكان لم نجد أحداً، ذهبنا إلى غرفة العمليات، اطلعت على حجم الإصابات الموجودة في كل المستشفى وأوضاع المصابين بغض النظر عمن هم سواء كان ابني أو غيره، إذ أننا اعتدنا كلما كان يصاب أي شخص من الكتائب (كتائب القسام) أو أي من أبناء شعبنا الفلسطيني كنا نذهب للاطمئنان والمؤازرة. انتظرت لمدة ساعة، حيث تم إحضاره وكان من الواضح أنّ أحداً لم يكن قادراً على إحضاره بسبب تواجد قوات الاحتلال ووجوده في مكان متقدم.



ـ ما هي أول كلمة قالها "أبو خالد" لدى رؤية نجله حسام والتأكد من استشهاده؟
الزهار: أول كلمة هي: الحمد لله والاسترجاع (إنا لله وإنا إليه راجعون)، والحمد لله رب العالمين. فور مشاهدته قبّلته في الثلاجة وفحصت جسمه ورأيت مكان الإصابة وقبلته من جديد، وغمست منديلي بدمه ووضعته في جيبي.



قلب عامر بالإيمان والحب

ـ يُعرف حسام وهو أصغر الأبناء بأنه كان أعز الناس على قلبك بعد خالد رحمه الله؛ فبماذا تذكره اليوم؟

الزهار: حسام، رحمه الله، ليس في قلبه ذرة كره لأي إنسان في الكون، باختصار شديد؛ كان قلبه عامراً بالإيمان والحب. كما أنه إنسان حنون لأقصى درجة يمكن أن تتصوّرها. لا أستطيع أن أقول إنه يحمل ضغينة لمن أساء إليه بأي صورة من الصور؛ وكان هذا واضحاً عندما يحدث بينه وشخص ما إشكال يصل معه إلى القول "أنا عمري في حياتي ما أكلمه"، وتجده ثاني يوم هو الذي يذهب ليزوره. تجربة كل الناس تشهد له في ذلك. كان في جلسته مع أمه دائماً يضع رأسه في حجرها، فبقي صغيراً في نظرها مدللاً لأنه أكثر الناس حنيّة، فأمه كانت تقول أنها ستزوِّجه ويبقي هو وزوجته معنا، فشاءت إرادة الله أن يكون ذلك (استشهاده).



ـ قيل إنه كان كاتم أسرار والده؟

الزهار: لا (ليس وحده)، كلّهم (أشقاؤه) هكذا. يعني محمد في فترة صعبة كان معي ، ودور حسام كان في البيت والأسرة ورعاية والدته وأخته، وبالتالي كلهم، لكن في الفترة الأخيرة؛ لأسباب انشغال محمد في الدراسة، حيث أنه يكمل الفصل الجامعي؛ كان حسام يقوم بهذا الدور. كلهم والحمد لله على خير، لا أستطيع أن أميِّز بين أحدهم.



عندما بكى الجبل

ـ لوحظ في المستشفي تماسك "أبي خالد"، ولكن لمّا جاءت لحظة وداع حسام لم يتمالك نفسه، وقيل إنّ الجبل بكي؟

الزهار: الحقيقة إن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بكى ودمعت عيناه، والبكاء لا يعني عدم التماسك؛ البكاء يؤكد إنسانيتنا؛ ويؤكد حبّنا لأبنائنا؛ ولا يعني حبّنا لأبنائنا أننا لا نريد لهم أن يقوموا بدورهم تجاه فلسطين. وبالتالي من لا يبكي هو ليس بإنسان، وليس البكاء ضعف؛ بالعكس، فقوة الإنسان في بكائه. وأنا أيضاً، وهذا معلوم للناس؛ عندما استشهد المجاهد عوض سلمي بكيت، وأمام الناس في المسجد، والبكاء ما كان تمثيلاً ولا كان مسرحية؛ البكاء كان تعبيراً إنسانياً عن حالة إحساس بفقد عزيز كما حدثت في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام عندما بكى ابنه، وبالتالي نحن نحبّ أبناءنا، ونحبّ بناتنا، ونحبّ وطننا، ونحب مقدّساتنا؛ ولأننا نحبهم علمناهم هذا الطريق؛ ولأننا نحبهم ونحب أحفادنا نريد لهم ألاّ يعيشوا في فترة الاحتلال التي عشناها والتي كان فيها قتل وتشريد وإبعاد وسجون.

نريد لوطننا أن يتحرّر، وبالتالي نخرج من هذه الدائرة. نحن نحبّ أبناءنا الحبّ الذي علّمنا إياه القران الكريم أول شيء أن تحصنوهم من كل المفاسد، ثم تعطوهم الحرية التي يدافع الواحد منهم فيها عن شرفه ووطنه وعن مقدساته، هذا هو الحب الذي نعرفه، بالإضافة إلى الحب الإنساني.

أعتقد أنّ أكثر الناس الذين يعيشون الحب الإنساني البشرى الفطري هم أخلص الناس لله تبارك وتعالى. كما أنّ الجبال تبكي ويقول الله تعالى:"فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ"، السماء والأرض .. فإذا كانت السماء تبكي والأرض تبكي، فهذا لا يعني أنّ هذا البكاء فيه ضعف. مخطئ من يقول ذلك، الاحتلال حاول أن يستغل ذلك وزعم أنّ الزهار انهار، وهم يعرفون جيداً أنّ هذا الكلام غير صحيح.



تضحيات متلاحقة

ـ ورد أنّ كثيراً من الناس الذين اتصلوا بك أصبحوا يستمدون منه الصبر والعزيمة بدلا من أن يعزوك، كيف حدث ذلك؟

الزهار: تجربتي الخاصة، تقول: عندما تشتد عليك الكوارث فاركع لله تبارك وتعالى واطلب منه العون وستجد كأنها شوكة وانخلعت، وهذه تجربتي مع ابني الشهيد خالد، ومع أحمد عوض زوج ابنتي، وتجربتي الجديدة مع حسام. ثم إننا نقدم الشهيد تلو الشهيد دفاعاً عن الدين والقدس والأرض والهوية، إيماناً بحتمية الانتصار وحقيقة الفجر القادم من دماء هؤلاء الشهداء الذين يرسمون بدمائهم الطاهرة خارطة الوطن الحقيقية، ويضيئونه بنورهم الذي لا يخبو، وجهادهم الذي لا ينضب، ويقدِّمون التضحيات المتلاحقة من صبر على الحصار والحرمان والجوع والموت، فهدفهم أسمى من ذلك وأقدس في الحرية والعزة والكرامة.



مشاركة وواجب

ـ رغم ألم الفراق إلاّ أنك آثرت أن تزور بيوت الشهداء الذين سقطوا في هذه المرحلة، كيف ذهبت؟ وكيف استقبلك الناس؟ وما هي الرسالة التي تريد أن ترسلها؟

الزهار: أولاً هذا واجبي لأنهم أبناء شعبي، وهؤلاء الذين كانوا بجوار حسام فآباؤهم مثلي يشعرون بلوعة الفراق، وهؤلاء الناس هم أصحاب المشروع إياه، وبالتالي ذهبت لأنني أدرك أنني لابد أن أكون معهم كما كانوا معي، لأنهم سبق وجاؤوا، وأنا لم أفرِّق بين أبناء "حماس" وأبناء "فتح"، في عزاءات "فتح" ذهبت إليها، وكان استقبال الناس أكثر حرارة من بقيتهم.



ـ قلت بعد الاستشهاد إنّ الاحتلال سيجد الردّ المناسب؟

الزهار: أكثر من 170 صاروخ نزل عليها (أهداف الاحتلال)، قالوا إننا عمدنا إلى إيقاف الصواريخ فأثبتنا لهم العكس.



سر التعاطف

ـ بماذا تفسر هذا التعاطف الواسع في الداخل والخارج حول العالم مع الدكتور الزهار؟

الزهار: الذين اتصلوا هم أصحاب مشروع، ليس كلهم لأسباب إنسانية، رؤوا في هذا نموذجاً يرسِّخ مشروعهم. أكثر الناس سعادة وحزناً في الوقت نفسه هم أصحاب المشروع الإسلامي، ولا أنكر الجانب الإنساني. لكلّ ذلك؛ أنا أتقدم باسم أهالي كل الشهداء الذين لم يتوانوا لحظة، ولم يتخاذلوا في الدفاع عن أرضهم ضد الدبابات والطائرات والمقاتلات، وعن شعبهم في الداخل والشتات أمام هذا العدوان المتلاحق والإرهاب المتفاقم من الجماهير، التي شاركت في جنازات الشهداء وأمّت بيوت العزاء ومن أمتنا العربية والإسلامية والقادة والزعماء العرب والمسلمين وأصحاب المعالي الوزراء الحاليين والسابقين في فلسطين والدول العربية والشخصيات والعلماء والفعاليات المختلفة، وكل الخيرين في هذا العالم الذين شاركونا بالمشاعر الحارة والكلمة الصادقة بأصدق معاني الشكر النبيل.



العدوان نتاج الفشل

ـ بماذا تفسر التصاعد الذي طرأ في العدوان الصهيوني علي قطاع غزة ومحاولة الاستفراد بالقطاع؟

الزهار: فشل المشروع الصهيوني، فشل الحصار، وفشل القتل، وفشل التجويع، وفشل قطع الكهرباء، فشل كل شيء؛ وبالتالي جُنّ جنونهم.

المنطقة (القطاع) كلها لا تكاد تبدو على الخريطة؛ وتصمد هذا الصمود، وتقف أمريكا وأوروبا وبعض التيارات الخائنة ضدها (غزة)، وتصمد؛ لذلك فقدوا صوابهم، ومقابل من فقد صوابه هناك مقاومة باسلة وصمود؛ هذا ردّ على بعض المتهربين الذين كانوا يقولون أن "حماس" أوقفت المقاومة، انظر كم شهيداً من "حماس"، وحماس لم تجمع سلاح المقاومين، ولم تمنع أحداً أن يدافع عن نفسه. "حماس" هي التي استطاعت تحويل السلاح الذي جاء ليقضي علي المقاومة إلى سلاح المقاومة.



ـ هل ترى أنّ فريق سلطة رام الله يشارك في الحصار والمؤامرة؟

الزهار: هذا الموضوع يُترَك للمحللين ليقرؤوه قراءة موضوعية، أمامهم الصورة واضحة.



ـ ما تعقيبك على ما كشف عنه وزير الداخلية السابق سعيد صيام بخصوص محاولة الاغتيال بحق قادة حركة "حماس"، ومخطط التفجير الدموي في المساجد؟

الزهار: كان لدي معلومات قبل استشهاد حسام عن الموضوع، ولكن كان لابد من استكمال كل خيوط الجريمة وتم إلقاء القبض على بعض المتورِّطين، وبعضهم موجود في رام الله ومصر. من الحكمة أن ترسل وزارة (الداخلية) إلى رام الله ومصر (طلبات) لاعتقالهم وتسليمهم لاستكمال المقتضى القانوني بحقهم.



ـ لكن السؤال هل تلك المحاولة تتعلق بحركة "فتح" التنظيم أم بمجرد أفراد؟

الزهار: "فتح" عندما غابت الأيديولوجية والمنهج بتغيير الميثاق؛ أصبحت في معظمها (تتجه) إلى المصلحة. عندما تغيب الفكرة يبزغ الصنم، كما قال مالك بن نبي. إنه صنم معه فلوس يُعبَد داخل هذه التنظيمات للأسف الشديد.



ـ ما هي رسالتك للأمة العربية والإسلامية؟

الزهار: رسالتنا إلى أمتنا العربية والإسلامية التي واكبت معنا هذا المشوار؛ أن يقفوا عند مسؤولياتهم لنصرة شعبنا المكلوم، وأن لا يتم تسليم شعبنا للاستفراد الصهيوني والظلم الأمريكي والدولي، وعهدنا بكم المضي قدماً في طريق الجهاد والمقاومة مهما بلغت التضحيات وعظمت المعاناة حتى النصر أو الشهادة.

إنني أستحلفكم (الأمة) بالله ألاّ تتركوا شعبكم الفلسطيني المجاهد وحده في مواجهة أمريكا الإجرام والصهاينة الغزاة، وعهدنا أننا صابرون صامدون مجاهدون مرابطون مقاومون حتى يأذن الله بتحرير فلسطين كل فلسطين.

محمد حسين العيسى
29/01/2008, 04:24 PM
ونحن بكينا يازهار؟؟؟؟
وشتان بين دموعنا ودموعك أيها الكبير... رفيق الكبار... وابا الكبار....
بخجل نقول: انتم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم ومنكم نتعلم... ولعلنا نتعلم؟
نستغفر الله من تخاذلنا، ونستميحكم (ايها المرابطون) عذرا عن تقاعسنا.
استغفر الله العظيم. استغفر الله العظيم. استغفر الله العظيم

محمد حسين العيسى
29/01/2008, 04:24 PM
ونحن بكينا يازهار؟؟؟؟
وشتان بين دموعنا ودموعك أيها الكبير... رفيق الكبار... وابا الكبار....
بخجل نقول: انتم ورثة محمد صلى الله عليه وسلم ومنكم نتعلم... ولعلنا نتعلم؟
نستغفر الله من تخاذلنا، ونستميحكم (ايها المرابطون) عذرا عن تقاعسنا.
استغفر الله العظيم. استغفر الله العظيم. استغفر الله العظيم