المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الازمة العراقية ومشروع انقاذ العراق



عبدالوهاب محمد الجبوري
03/02/2008, 01:01 PM
الازمة العراقية ومشروع انقاذ العراق
بقلم الباحث عبدالوهاب محمد الجبوري(*)

تمهيد

قبل الدخول في متاهة هذا الموضوع الشائك والمحزن والمبكي في آن معا علينا أن نعترف بان مأساة الشعب العراقي ومعاناته ليست وليدة اليوم ، فلو القينا نظرة متبصرة على تاريخ العراق القديم والحديث سنلاحظ أن أحداثه معمدة بالدم والماسي ، فهناك الكثير من القصص والروايات التي تذكّرنا بحجم العذاب والآلام والمصائب التي عاشها الإنسان العراقي منذ العصور السابقة .. واليوم ، فان ما يحدث لهذا الشعب المنكوب من اضطهاد وتهجير وقتل وابتزاز واعتداء يفوق ما تعرض له إباؤنا وأجدادنا من قبل ، فلقد طالت هذه الممارسات الملايين في داخل العراق وشملت كل أطياف المجتمع العراقي دون استثناء ..

سمات المشهد العراقي

والمتتبع للشأن العراقي يجد أن الوضع الراهن في العراق يتميز, بأنه الوضع الأكثر تخلخلا في تاريخ العراق المعاصر , ولعل هذه ألازمة التي تتحكم فيها الإدارة الأمريكية من جهة وضعف مؤسسات الدولة وسلطة القانون والنظام وانتشار الفوضى وتحكم الميليشيات المسلحة من جهة أخرى وتأثير القوى العربية والإقليمية والدولية في الشأن الداخلي العراقي من جهة ثالثة , أهّلت ( النموذج العراقي ) لان يكون النموذج الأكثر ضبابية في النظرة وإمكانية تحوله إلى النموذج المفتوح لكل الاحتمالات الممكنة في عالم السياسة الجديد .. فهل أن ما يجري في العراق تجاوز حد المعقول ووصل إلى نقطة اللا عودة في وجدان العراقيين وعقولهم ؟

ألا تحرك عمليات الموت والخطف والدمار اليومي في كل مدن العراق مشاعر الإنسانية وقلوب الأشقاء والأصدقاء , الذين ماتت ضمائرهم , منذ بدء الحصار الشامل على العراق عام 1991 وبدء عمليات تدميره الواسع مع دخول قوات الاحتلال عام 2003 بحجة تحريره وتطـــــــبيق ( ديموقراطية الكاوبوي ) فيه ؟ أما آن لنزف الدماء أن يتوقف وهو يجري انهارا بدلا من انهار اللبن والعسل التي بشر بها المحتل الأمريكي شعب العراق المبتلى ؟

والأكثر إيلاما, انه بعد كل عملية قتل جماعية أو مذبحة للعراقيين , يخرج الساسة والمسئولون ببيانات استنكار وإدانة ودعوات لضبط النفس وكأنهم يضغطون على ( أزرار ) تفجير أخرى , أو أنهم يقرا ون بيانات مجفرة تحمل تعليمات جديدة للانتقام والانتقام المتبادل الذي يطال كل مرافق الحياة في البلاد ..

خطابات متشنجة ومتوترة واحتقان طائفي يغلف حقيقة أهداف التيارات السياسية النافذة , وأهداف إقليمية ودولية ينفذها عراقيون , بعضهم يظن انه يعــمل بدافع من شعور وطني , والأكثرية يتحركون بأجندة غيرهم ويحـسبون أن الشعب العراقي غافل عن هذه الحقيقة ..!!

ويوما بعد آخر تتكشف تقاطيع الوجه البشع والكالح للسياسة الطائفية ، ويظهر بوضوح قبحها وخستها وعدم انتمائها , فالقراءة النظرية والتوصيف الفكري لها يتصاغر ويتلاشى أمام تطبيقاتها الخطــيرة على الأرض , فهي متوحشة , ضالة مفترسة , ورخص الحياة وضالة القيمة الإنسانية للفرد العراقي أمام همجيتها لم يعد بحاجة إلى برهان , والموت المجاني يطال حياة العراقيين يوميا وبالمئات دون تفريق أو تمييز بين أبناء هذا المذهب أو ذاك , بين أبناء هذا الدين أو ذاك , بين أبناء هذه الطائفة أو تلك ، في ظل قسوة همجية غريبة تنفذ بأكثر الأساليب بطشا وانحطاطا , ولا توجد ثمة رحمة أو استفاقة ضمير عندما يستفرد القتل العشوائي بالناس وآمالهم وتطلعاتهم إلى العيش بأمان واستقرار والتمتع بخيرات بلدهم ..

وبالطبع فان الذي خلق هذه الظروف وهيأ أسبابها هو الاحتلال الأمريكي الذي عمل منذ البداية على تدمير العراق تدميرا كاملا وأسس لإقامة نظام حكم طائفي غير مسبوق في المنطقة العربية بدءا بتشكيل مجلس الحكم المؤقت وليس آخرا بتهيئة الأجواء لإجراء انتخابات مشكوك فيها لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية أو لامرار الدستور ومن ثم انتخاب مجلس النواب إلى غيرها من الممارسات المغلفة بإطار ديمقراطي هش وزائف , وعزز إجراءاته هذه بحل الجيش العراقي ومؤسسات الأمن الوطني وحل الوزارات والدوائر السيادية وابعد شريحة مهمة من أبناء الشعب عن ممارسة دورها الوطني تحت أغطية وحجج غير منطقية وغير مقبولة وفسح المجال أمام نشوء مفهوم جديد لسياسة قائمة على التمييز بين مكونات الشعب العراقي بهدف خلخلة أركان هذا البلد وتمزيق نسيجه الاجتماعي المتماسك لأسبــــاب معروفة لن نخوض فيها هنا ..

ومع بدء العام الجديد (2008) مازال الوضع في العراق يتسم بانعدام حالة الأمن والاستقرار وتواصل أعمال العنف وفقدان الثقة بكل الوعود التي طرحت لإيجاد الحلول لهذه ألازمة الخانقة.. وأصبح المواطن العراقي على بينة من أن هذه الوعود هي لأغراض التسويق الإعلامي والتضليل ولحساب مصالح سياسية ضيقة على حساب مصالح الشعب وثرواته واستحقاقاته الوطنية ..

المميزات التي أصبحت تطغى على المشهد العراقي اليومي لا تنحصر فقط في أعمال العنف والتفجيرات المتتالية التي تطال الشوارع والأحياء والمواطنين، والتي يتم التخطيط لها من خارج الحدود وبالذات من بعض دول الجوار التي لا تريد الاستقرار للعراق في إطار سياسة تصفية حسابات قديمة والنيل من عروبة العراقيين ووحدتهم واستقرارهم، بل أصبحت تطال العديد من فئات المجتمع العراقي من أطباء وأساتذة ومعلمين وطلاب وحرفيين وتجار وعسكريين – وخاصة الطيارين منهم – وكل هؤلاء أصبحوا يناشدون بتوفير الأمن والاستقرار ويطالبون بتوفير ظروف العيش الآمن والتمكن من الوسائل التي توفر لهم المرافق الحياتية اليومية ..وآخر ما طالعتنا به الأخبار هو اغتيال اللواء الركن الطيار قيس المعماري في محافظة بابل ، حتى أن احد المسئولين في التيار الصدري صرح أن دولة مجاورة للعراق هي المسئولة عن اغتياله ، وكل هذا يأتي في إطار استمرار مخطط إضعاف العراق وإفراغه من العناصر الوطنية والعلمية لإحداث خلل في بنية المجتمع العراقي وشل قدرته على إعادة الأعمار و بناء جيش وطني قوي يدافع عن البلاد ضد كل من تسول له نفسه النيل من أمنه الداخلي وإلحاق الأذى بشعبه ونهب ثرواته..

في ضوء ما تقدم يرى العديد من الخبراء والمتابعين للشأن العراقي أن الحكومة الحالية غير قادرة على إيجاد حل لهذه ألازمة ويوعزون أسباب الفشل إلى حالة أللاستقرار واللا امن في البلاد والتي أصبحت تميز المشهد العراقي السياسي في كل مدن العراق من الجنوب إلى الشمال.. ويعتقد هؤلاء المتابعون أن هذا دليلا على أن الشعب العراقي لم يعد مقتنعا بما يجري ولا بالحلول التي يتم الحديث عنها أصبحت تهمه بالدرجة الأولى .. فالأمر الذي أصبح يشغل بال العراقيين ويشد اهتمامهم هو الوضع الأمني وعودة الاستقرار وخاصة توفر ظروف العيش الكريم وإنهاء الاحتلال والتدخل الأجنبي بكل أشكاله في شؤون البلاد الداخلية..

ولكن يبدو أن هاجس الحكومة العراقية لا ينحصر في هذه الاهتمامات الجماهيرية بل في كيفية توزيع الحصص السياسية والمناصب الوزارية لا غير بين هذه المجموعة وبين هذه الطائفة وتلك، بحيث أصبح اهتمام الطبقة السياسية يتصل فقط بتحقيق أهداف بعيدة كليا عن أهداف واهتمامات أفراد الشعب البسيط ، وهو ما من شانه أن يعمق الفجوة بين هذه الفئة السياسية وبين مختلف الشرائح الاجتماعية في العراق.. ويبدو أن بعض السياسيين تنبهوا لهذه المعضلة وأدركوا أن الشعب العراقي ليس في حاجة إلى توزيع حصص والاستحواذ على مقاعد بقدر ما هو في حاجة إلى مساعدات عاجلة والى تغيير أوضاعه بشكل عاجل وأن ينعم بالراحة والاطمئنان فيتفرغ للعمل والإنتاج وإعادة أعمار بلاده بالكد والاجتهاد .. وهي خصال عرف بها الشعب العراقي بكافة أطيافه عبر مختلف الحقبات التاريخية والحضارات المتعاقبة..

والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل يكفي فقط أن تتنبه بعض النخب إلى مأساة الشعب ولكن من دون طرح حلول ناجعة وفورية وجذرية لهذه المأساة ؟

فمن خلال استطلاع الباحث لأراء نخبة من أبناء الشعب العراقي ، من مثقفين وأساتذة ومهندسين ومهنيين وصحفيين ومواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية والسياسية ، حول الوضع في العراق وما هي الحلول المقترحة للازمة التي يمر بها حاليا وجد أن هؤلاء غير مقتنعين بالإجراءات الجارية لإنقاذ البلاد من محنتها ويطالبون باتخاذ إجراءات جدية وعملية وواقعية وفورية لحل ألازمة المستفحلة في بلدهم والمحافظة على حــــــياة العراقيين وأمنهم وممتلكاتهم ويطالبون الحكومة باتخاذ قرارات شجاعة تتسم بمسؤوليتها التاريخية في قيادة البلد ..

وفي ضوء دراسة ومعايشة هذه ألازمة وتطوراتها الخطيرة التي تهدد وحدة البلاد ومصيرها ومستقبلها نجد أن الوضع في العراق لازال غير قابل للتهدئة على كافة المستويات ، بل يسير نحو المزيد من التدهور والفوضى ، ورغم كل الإيحاءات بالتفاؤل وإعطاء الانطباع بان ألازمة العراقية ستجد طريقها نحو الانفراج ، ولا سيما بعد الإعلان عن عقد تحالفات ثلاثية ورباعية وخماسية ، لم يستطع الاحتلال والقوى السياسية الحاكمة لحد ألان من توفير الماء والغذاء والأمن للمواطنين ، كما لم تتوفر العناية الصحية والطبية والنفط والغاز والكهرباء ، ولا تزال العملية السياسية محددة في إطار توزيع الغنائم والمناصب بين الأطراف المشاركة في السلطة ، على مستوى سلطات الدولة الثلاث ، التنفيذية والتشريعية والقضائية وما يتبعها من مؤسسات ودوائر ومجالس محلية وفرعية ، ولم تعد إلا غطاء لإضفاء الشرعية على الأسس الطائفية والشوفينية التي تتمحور حولها برامج وأفكار معظم قوى وأحزاب سلطة المنطقة الخضراء ..


التحركات السياسية لحل ألازمة العراقية


وهكذا نجد أن المشهد العراقي أصبح غريبا بطبعه ومفارقاته وتناقضانه , فهو يذكرنا بقصص ألف ليلة وليلة وحبكتها الحاذقة أو بالغاز روايات أجاثا كريستي , التي نقف في نهايتها على حلول سعيدة لهذه الألغاز ، لكننا في المشهد العراقي نصاب بالدهشة أمام غرابة الحلول وممكناتها , فالحل والممكن يقودان إلى تعقيد المشكلة أكثر والى تعدد المخارج التي تشتت آليات التنفيذ , ذلك أن سلم الاولويات متقارب في أهميته وتأثيره , فالعنف متعلق بالمصالح السياسية الفئوية والخراب متلازم مع الفساد الإداري , وفقدان الأمن في جزئه المهم نتاج الميليشيات المســـــــــــلحة وهكذا الحال مع معضلات البلد الأخرى ..أما الحلول والإجراءات التي يفترض أن تكون جدية وحاسمة وعادلة فهي انتقائية بسبب مشاركة الجميع في صنعها أو تغاضي البعض عنها على الأقل إما لضعفه أو كجزء من صفقات سياسية ترعاها قوات الاحتلال والقوى الأجنبية الأخرى ..

وفي السياق نفسه كشفت التحركات السياسية خلال العام المنصرم , ومنها عقد المؤتمرات الخاصة بالعراق وإجراء التحالفات بين الفئات السياسية العراقية الفاعلة وكذلك عقد اللقاءات الثنائية والثلاثية والرباعية بين القوى الخارجية المتحكمة في المشهد العراقي , أن المناورات السياسية الخاصة بالعراق بدأت تتسع أكثر في مداها الإقليمي والدولي , ولن تقتصر فقط على السياسيين العراقيين , ومع هذا التوسع تزداد تعقيدات حل ألازمة العراقية على خلاف ما هو متوقع ، بسبب تضارب المصالح أو تقاطعها والاختلافات في الرؤى الاستراتيجية لطبيعة الحلول المعروضة والتي يحاول كل طرف التمسك بوجهة نظره وفرض رأيه ولعب دور اكبر على الساحة العراقية في ظل غياب التوجه الجاد والمخلص وحسن النية لدى عدد من الأطراف ، ويبدو في كل هذا أن الولايات المتـــحدة تحاول , بعد إخفاقاتها المتكررة في العراق , إشراك دول الجوار في حلحلة الوضع المأساوي في العراق لقناعتها بوجود تأثيرات كبيرة لهذه الدول في الشأن العراقي , وهذا يفسر حصول لقاءات خاصة أو على هامش تلك المؤتمرات بين مسئولين أمريكيين وإيرانيين وعرب لصالح أجندات تخدم بالدرجة الأساس مصالح دولهم , بالإضافة إلى هذا بدأنا نتلمس تحركا أمريكيا آخر باتجاه دول الخليج العربي لمعرفة ودراسة مدى التأثير المباشر لتلك الدول في قضية العراق المعقدة والخطيرة ..هذا عدا عن حديث يدور حول لقاءات سرية بين مسئولين حكوميين عراقيين وأمريكيين من جهة وبين عناصر من المقاومة العراقية من جهة ثانية لحصول القناعة أيضا بالدور الذي يمكن أن تلعبه المقاومة العراقية في الشأن الداخلي العراقي كونها تمثل شرائح مهمة من أبناء الشعب ، والتي من دون الالتقاء معها وأخذها لدورها الطبيعي في مجمل الأحداث على الساحة العراقية لا يمكن أن تستقر الأوضاع في العراق بأي حال من الأحوال ..

الخطاب الطائفي العراقي

وايا كانت هذه التحركات والنشاطات فان قراءة متأنية لما يحدث اليوم في العراق يؤكد أن ألازمة هي سياسية بالدرجة الأولى وان الصراع هو صراع سياسي يستند إلى مفردات وأجندات طائفية بين قوى وأحزاب سياسية تعمل على توظيف الانتماءات الطائفية والمذهبية والدينية لعموم الشعب العراقي من اجل تحقيق أهداف سياسية ومصالح ذاتية وإقليمية تتمثل بالهيمنة على السلطة والاستحواذ على الثروات الوطنية وفق مشاريع وخطط أعدت معظمها خارج الحدود..

أما ما نلاحظه في الوقت الحاضر من انجرا ر البعض من أبناء الشعب، بوعي أو بدون وعي ، وراء الخطاب الطائفي لهذه القوى والأحزاب ، فهو حالة طارئة ومحددة لا تعكس بالضرورة حقيقة الموقف الواحد للشعب العراقي الرافض لهذا التوجه والداعي للتخلي عن هذه المخططات وأهدافها المشبوهة ، وهذا ما تؤكده قرون التعايش السلمي بين شرائحه ومكوناته وصلات القربى والنسب والجيرة والصــداقة التي تربط بين أبنائه منذ آلاف السنين ،

وهذا الصراع السياسي القائم بين القوى والأحزاب السياسية ذات الأجندات الطائفية ، هو ابعد ما يكون عن تحقيق المشروع الوطني لبناء دولة المواطنة التي يتمتع فيها الجميع بنفس الحقوق والواجبات ، وان الأخطر في هذا الصراع هو محاولته تحويل العراق إلى دويلات طائفية وعرقية تقودها وتتحكم فيها هذه القوى لإسكان مجاميع بشرية أحادية الانتماء يراد منها أن تكون معزولة عن بعضها ثقافيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا ولا يربطها ببعض سوى شعارات براقة لمكون اسمه العراق ، والذي يشجع على هذا الاتجاه هو المشاريع والخطط الأمريكية والإسرائيلية التي سبق وان تم وضعها قبل عقود من الزمن من اجل تفتيت الوطن العربي ، والعراق منه بوجه خاص وأخرها مشروع الكونكرس الأمريكي بتقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات طائفية ..

والشيء الآخر الذي يود الباحث الإشارة إليه هو أن محاولات البعض من القوى السياسية التنصل من خطابها الطائفي وتطبيقاته على الأرض لا يعدو سوى تكتيكا أو مناورة وهو ما يزيد الوضع سوءا وتدهورا فكل الخطوات والإجراءات التي اتخذتها هذه القوى كشفت صراحة حقيقة أطماعها السياسية التي عززت البعد الطائفي للخلافات السياسية وأعطت الضوء الأخضر للقوى المتشددة لتكريس مفاهيمها ومدّها بطرق وأساليب طائفية مكشوفة , وخير دليل على ما نقول ما يجري على ارض الواقع من مظاهر وممارسات طائفية تسعى إلى جعل الطائفية خيارا سياسيا ، ولكن رغم هذه السياسة فان الأحداث أثبتت بما لا يقبل الشك أن الشعب العراقي بكافة أطيافه يرفض هذا التوجه ، ولتأكيد وجهة النظر هذه نقول انه لم يعد خافيا على احد أن العراق وشعبه قد مروا بمراحل سياسية صعبة وأزمات معقدة وحروب طاحنة لم يشهدها بلد عربي بمقدار ما شهده العراق عبر تاريخه الطويل ، ولم نسمع أو نقرا ، عبر هذا التاريخ السياسي الملي بالأزمات ، ما يشير إلى نشوب معارك طائفية أو اندلاع حرب أهلية بالرغم من أن الظروف كانت مهيأة وناضجة في أكثر من حالة لاندلاع مثل هذه الحرب وكانت التربة خصبة والمناخ مناسبا لنمو بذرة الفتنة الطائفية وإشعال الحرب الأهلية في مجتمع تعددت فيه الطوائف واختلفت فيه العقائد والانتماءات ..

كما لم نسمع أو نقرا أن الشعب العراقي انزلق أو انجر وراء أي حرب تهدد وحدته ، بل على العكس تماما ، كان الشعب دائما ومع كل أزمة يمر بها العراق ، يوحد صفوفه ويفوت الفرص على محاولات تمزيقه وتقسيمه ، وهذه الحقيقة التي نؤكدها هنا يجب أن لا تغيب عن بال احد وان المراهنة على خلافات أو صرا عات جماهيرية محتملة ومخطط لها , هي مراهنة خاسرة بالتأكيد ..

ولو أردنا تقييم هذه الحالة ومعرفة أسبابها لوجدنا أن المجتمع العراقي بطبيعته مجتمع متماسك مبني على روابط وقيم دينية واجتماعية وإنسانية راسخة ورافضة لأي محاولة تستهدف وحدته وتماسكه وترابطه الاجتماعي ..

تدخل دول الجوار في الشأن العراقي

هكذا يتأكد أن المشهد السياسي في العراق تحكمه مصالح واستراتيجيات داخلية وخارجية استغلت الفراغ السياسي والأمني الذي أوجدته ظروف الاحتلال لصالح مشاريع وخطط لا تخدم مصالح الشعب العراقي بأي شكل من الأشكال , وفي هذا يقول المفكر السياسي الإسلامي أياد جمال الدين في حوار نشره موقع إيلاف بتاريخ 3/3/2005 ( إن الوضع الداخلي في العراق يتميز بأمور عدة : أولا : انهيار مؤسسات الدولة في كل مفاصلها القضائية والأمنية والعسكرية والاستخبارية وكلها معطلة أو مشلولة ، وثانيا : وجود أحزاب سياسية تمتلك ميليشيات وأجهزة مخابرات خاصة بها ، وثالثا : هناك دول إقليمية تتدخل في الشـــأن العراقي , وكل دولة ترعى مجموعة من الأحزاب لها مصالح في العراق ، ورابعا : هناك شريحة من الناس تعتقد أن حقها قد سلب أو أنها قد أقصيت وهم السنة ...) ويضيف جمال الدين في تشخيصه للمشهد العراقي (وهذه النقاط الأربع تهيئ الأرضية لحرب أهلية )لكنه يوضح ( بان الحرب الأهلية قد لا تعني الاقتتال بين أبناء الشعب وان الشيعي يهجم على السني أو بالعكس , لكن الذي يدير الحرب السياسية هي القوى السياسية وهي التي تقرر ) ..

وعن تأثيرات التدخل الإيراني في العراق يقول ( مما لاشك فيه أن هناك تدخلا إيرانيا وغير إيراني في العراق حاليا , ولكن التدخل الإيراني ملحوظ بشكل كبير من خلال قوى سياسية وحركات ومنظمات يتم تمويلها بالكامل من قبل إيران .. وهناك تغيير لبعض الملامح الثقافية للعراق من خلال اســـتيراد ثقافة جديدة وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية على الوضع العراقي )ويضيف قائلا (وهذا أمر مرفوض أن تتدخل إيران بهذا الشكل السافر في شؤوننا الداخلية وبالتالي على الإيرانيين أن ينتظروا تدخلا معاكسا إذا ما استــــــــــــــــــقرت أوضاع العراق ) .. ..

من خلال التحليل المار ذكره يمكن الاستنتاج أن الأزمة السياسية في العراق ستبقى مستفحلة في المدى المنظور ومن الصعوبة أن نجد ضوءا في نهاية النفق , لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أين يكمن الحل ؟

المشروع الوطني لإنقاذ العراق

إن المطلوب لإنقاذ العراق هو عمل جاد وسريع وشامل ووعي كامل بما يحصل حتى يتم وضع العراق على طريق المعافاة وان الأولوية في سلم الحل المعقد هذا هو وضع وتطبيق مشروع وطني تتفق عليه جميع الأطراف السياسية العراقية داخل الحكومة والبرلمان وخار جهما وابرز ما في المشروع المقترح هو :

1. انسحاب قوات الاحتلال أو جدولة انسحابها كخطوة أولى لانسحابها تباعا ..

2.إعادة النظر بالعملية السياسية برمتها وإجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس المناطق وليس على أساس القوائم المغلقة لانتخاب برلمان يمثل جميع الأطياف العراقية والتي تم استبعادها في مرحلة سابقة ، بما فيها المقاومة العراقية ، وتشكيل حكومة وطنية حقيقية قادرة على فرض سلطة النظام والقانون ، وتستند إلى جيش قوي مسلح بأحدث الأسلحة وإبعاده نهائيا عن الارتباط بأي جهة سياسية أو حزبية ..

3.تعديل الدستور فورا وان تكف لجنة تعديل الدستور عن التسويف والتأخير وتضييع الوقت لتوفير الفرص أمام تمرير مواد غير متفق عليها أساسا وتهدد الأمن الوطني.

4.الإسراع بتوفير المناخ الصحي لإجراء الانتخابات المحلية فوراً والتي تأخرت بسبب مماطلة بعض الكتل السياسية التي استغلت الظروف السابقة للفوز بانتخابات ناقصة الشرعية.

5.حل جميع الميليشيات فورا في كل أنحاء العراق وبدون استثناء (تعتبر أي قوة مسلحة غير خاضعة مركزيا لقيادة الجيش ميليشيا) وبناء جيش وطني قوي محترف وغير مسيس ولا سلطة عليه لأي حزب من الأحزاب العاملة في الساحة العراقية. ولتحقيق ذلك على الحكومة أن تتخذ قرار شجاعا وحاسما لإعادة التجنيد الإجباري للخدمة العسكرية والذي سيحقق التوازن في الجيش الوطني دون تمييز

6.إعادة صياغة قانون النفط والغاز الجديد بما يضمن مصالح العراق النفطية والحيلولة دون عودة الاحتكارات النفطية الأجنبية إلى العراق ومن ثم عرضه على الشعب للاستفتاء عليه ..

7.تفويت الفرصة على أي جهد محلي أو خارجي يستهدف تقسيم العراق والنيل من وحدته وسيادته ..

8.إلغاء قانون اجتثاث البعث وكافة القرارات الجماعية الجائرة التي اتخذت من عهد بريمر وحتى الوقت الحاضر ضد أبناء الشعب وعدم التعويل على بديله المسمى قانون المساءلة والعدالة من اجل المصالحة الوطنية وإعادة الكوادر الوطنية المدنية والعسكرية لتأخذ دورها في إعادة أعمار العراق.

9.القضاء على البطالة وتوفير الخبز اليومي والدواء والعمل لكافة أبناء الشعب ..

10. وقف التدخل الإيراني والأجنبي في الشؤون الداخلية العراقية فورا ..

إننا نعتقد أن هذا المشروع الوطني يمثل الحل الأمثل والأسرع لإنقاذ البلاد من محنتها وإخراجها من أزمتها المهددة بالاستمرار وحصول الاسوأ والأخطر لا سمح الله في حالة عدم التوصل إلى حل شامل وسريع يرضي جميع الأطياف العراقية دون استثناء


(*)باحث واكاديمي من العراق

M. Alobidi
20/02/2008, 11:01 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ الباحث العزيز
جهد مشكور وتقيم للوضع العام يعبر عن احساس بالوطنية المطلوبة وقد قرأت المقال ولدي بعض الملاحظات ارجو ان يتسع لها صدرك
1- الاعتماد على تصريحات شخصية غير متفق عليها ومجهولة التاريخ لايعطي صدقية للبحث باستشهادك بشخص مثل اياد جمال الدين لان اي تفسير او تقيم يقدم من امثال هؤلاء السياسيين المعممين الذين يرتدون لكل حال لباسه وكونه عنصر وذيل في الحكومة العميلة اساسا للامريكان وخدم لمصالح الاحتلال فكيف اعتمدته كمثال في تقيم واقع الحال السياسي الذي هو احد مسانديه.
2-لايخفى على القاصي والداني ان ايران وراء كل اعتداء على الطيارين والضباط السابقين وغيرهم ولايعفي ان احد من التيار الصدري يشير الى ان ايران وراء ذلك من مسؤولية موالاة ايران والذهاب للتدريب في معسكراتهم لتنفيذ اجندة ايران.
3-كنت ارجو ان تلقي الضوء على الدور الاسرائيلي والامريكي في القضاءعلى البنية التحتية والحضارية للعراق .
4-اراك تريد خروج الاحتلال مع اعترافك بالعملية السياسية والدستور رغم رغبتك في اعاده مراجعتهما وكأن العراق لم يكن دولة ومن الدول التي لها دور مهم في الساحة العربية والعالمية.
5- اين دور الدول العربية في الحل

واخيرا ارجو ان تعذر عجالة ملاحظاتي واشكر ثانية سعة الصدر
ابو عمر

M. Alobidi
20/02/2008, 11:01 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ الباحث العزيز
جهد مشكور وتقيم للوضع العام يعبر عن احساس بالوطنية المطلوبة وقد قرأت المقال ولدي بعض الملاحظات ارجو ان يتسع لها صدرك
1- الاعتماد على تصريحات شخصية غير متفق عليها ومجهولة التاريخ لايعطي صدقية للبحث باستشهادك بشخص مثل اياد جمال الدين لان اي تفسير او تقيم يقدم من امثال هؤلاء السياسيين المعممين الذين يرتدون لكل حال لباسه وكونه عنصر وذيل في الحكومة العميلة اساسا للامريكان وخدم لمصالح الاحتلال فكيف اعتمدته كمثال في تقيم واقع الحال السياسي الذي هو احد مسانديه.
2-لايخفى على القاصي والداني ان ايران وراء كل اعتداء على الطيارين والضباط السابقين وغيرهم ولايعفي ان احد من التيار الصدري يشير الى ان ايران وراء ذلك من مسؤولية موالاة ايران والذهاب للتدريب في معسكراتهم لتنفيذ اجندة ايران.
3-كنت ارجو ان تلقي الضوء على الدور الاسرائيلي والامريكي في القضاءعلى البنية التحتية والحضارية للعراق .
4-اراك تريد خروج الاحتلال مع اعترافك بالعملية السياسية والدستور رغم رغبتك في اعاده مراجعتهما وكأن العراق لم يكن دولة ومن الدول التي لها دور مهم في الساحة العربية والعالمية.
5- اين دور الدول العربية في الحل

واخيرا ارجو ان تعذر عجالة ملاحظاتي واشكر ثانية سعة الصدر
ابو عمر

عبدالوهاب محمد الجبوري
23/02/2008, 10:46 PM
اخي ابو عمر المحترم
اشكرك كثيرا على ملاحظاتك واود ان ابين ان كل ما ذكرته هو امر وارد وان الاستشهاد بمقولة معينة تدين حالة معينة هي في صالح البحث وانت تفهمني جيدا بالتاكيد ، وثانيا ان الاشارة الى دور ايران واضحة في سياق الحديث وثالثا يمكنك الرجوع الى مقالات اخرى اشرت فيها بالتفصيل الى الدور الاسرائيلي والامريكي في تدمير العراق ورابعا ان فقرات المشروع المقترحة موضوعة على التوالي فمتى ما خرج المحتل يمكن الحديث عن بدء عملية جديدة تساهم فيها المقاومة الوطنية والقوى الاخرى ...
تقبل تحياتي وعذرا في تاخري بالرد لاني اليوم اطلعت عليه ومرة اخرى سعدت كثيرا بمرورك اخي العزيز ابو عمر