المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عودي .. يقتلني إبداعك



خيري حمدان
03/02/2008, 05:23 PM
عاد سامر الى البيت والصفرة تعلو وجهه، كان ما يزال غاضباً وحانقاً وكان على يقين من أنّ زينب ستعمل على تغيير عنوانها الإلكتروني، وستكون حريصة على إرضائه ومراضاته. لكنّه تفاجأ بالعتمة تلفّ البيت والصمت القاتل يقبع في أطرافه.
عادة يكون التلفاز يهدر بالغناء حتّى وإن كانت زينب مشغولة بالمطبخ أو بترتيب المنزل أو بالكتابة والقراءة. ولكن هذه الليلة كان البيت وحشاً لا يطاق .. لم يجرؤ على نزع ملابسه أو خلع حذائه. لم يجرؤ على إطلاق الزفير من رئتيه. لم يجرؤ على النظر الى المرآة.
قرأ الورقة التي كتبتها زينب ونظر غاضباً الى الوردة الحمراء "أرجو يا زوجي العزيز ان ترسل هذه الوردة الى حبيبي سامر". هذا تمرّد واضح على بيت الزوجية، ولكن ما الذي يمكنه القيام به الآن، بعد أن أصبحت زينب بعيدة عن متناول يديه؟ زينب أصبحت بعيدة أيضاً عن لطماته وصفعاته وبصاقه ولعناته وهديه وغضبه .. زينب هجرت فراش الزوجية وأصبح وحيداً في سرير عريض لم يكن مخصّصاً يوماً ما لشخصٍ واحد ينام هانئاً في فضائه الكبير.

بقي واقفاً يحدّق بالوردة ساعة أو يزيد، ثمّ ألقى بنفسه على السرير من شدّة التعب. وعندها فاجأته رائحتها .. فاجأه انعكاس وجهها في رجع الذاكرة. للحظة أراد أن يصرخ بكلّ ما أوتي من صوت "عودي يا زينب". لكنّه أحجم لأنّه كان يخشى الجيران. ماذا عساهم يقولون: جنّ سامِر بعد أن هجرته زوجته؟ يا لها من مهزلة!.
أراد أن يحرق صورها ويبعد طيفها وكيانها عن وجوده الرجوليّ المكلوم. ولكن شهقة قَدِمَتْ من أعماق بحاره المتلاطمة "أحبّك يا سامِر" . زينب كانت تردّد هذه الجملة عشرات المرات ولم تكن هذه الكلمات تعني لها سوى التبعية وكأنّ بوحها واجب عليها القيام به دون مقابل. والآن يتوق سامر الى هذا الاعتراف مجدّداً. وكان على استعداد لحملها بين يديه هامساً في أذنها "وانا أحبك يا زينب".
- قد أصفعها على أية حال حتّى أثبت لها رجولتي وإلا أصبح المركب دون قبطان.
وبقي سامر يحدّث نفسه حتى أدركه النوم اخيراً.
استيقظ الساعة الخامسة صباحاً وقال تلقائياً:
- القهوة يا زينب ..
استيقظ الساعة الخامسة صباحاً وقال منهكاً:
- الرحمة يا عالم .. أنا لا أستحق هذا العقاب؟

رفع سماعة الهاتف وطلبها في بيت أبيها
- زينب ..
- لقد ذهبت الى بيت جدّها في القرية.
- أنا زوجها سامِر.
- وأنا والدها عامر .. ما الذي تريده يا سامر؟
- لا شيء .. سأنتظر عودتها. وسارع بإغلاق سمّاعة الهاتف.

لم تكتب حرفاً ولم تهتم ببريدها الذي أغرقته الرسائل بعد أن هجرت عاداتها المحبوبة.
كانت تفكّر مطوّلاً بطريقة حياتها وكانت مهمومة بعد أن أخذ الجنين يركل بطنها وكانت حزينة لأنّها أدركت بأنّها تعيش مع منافق لا يرغب مشاهدة نجاحها وتألقها واستقلالها.
كانت عذراء وكان هو كذلك؟
كانت وحيدة وكان هو كذلك!
اقترفت ذنباً وكان هو الجزء الآخر من الخطيئة.
لماذا عليها إذن أن تدفع الثمن وحدها بعد أن اقتنعت بما تملك. هل من المعقول أن تكون الحريّة التي يتمتّع بها قلمها وهو يجري على الورق قد تسبّب بكلّ هذه المعاناة. كيف سنواجه إذن تحدّيات العصر. لقد أصبحت الحريّة الشخصية من المسلّمات في الغرب ولكن؟ ألم تحصل المرأة السورية على حقّها بالتصويت قبل المرأة الفرنسية؟ نعم .. هذه حقيقة تاريخية. إذن مجتمعنا فادر على العطاء ولا ضرورة للمقارنة مع هذا الغرب. فهم يعيشون حياتهم ولديهم مشاكلهم الخاصّة كذلك.

- طلبك سامر يا ابنتي.
- لقد تفدّمت بطلب الطلاق قبل أن يطالبني بالطاعة العمياء.
- وإذا لم يفعل يا زينب؟
- لا أدري يا أبي .. ولكنّي لن أعود الى بيت الطاعة، أنا امرأة حرّة وهذا العام خصّص للدفاع عن المرأة في العالم العربي. لماذا لا تسأل السيد عامر العظم؟
- أنا أسأل ضميري فقط .. وأنت لا تنسِ بأنّك تحملين طفله في أحشاءك.
- ولن أنسى بأنّني لست حقل تجارب أيضاً. ولكنّي أعدك بالتفكير يا أبتي .. أنا لست متهوّرة. أنا لست مراهقة. بل امرأة عربية تصرّ على تحقيق كرامتها وإلا فالوداع للرجال.