المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حول توحيد المصطلحات العلمية \ الأستاذ أحمد شفيق الخطيب



عبد الحفيظ جباري
03/02/2008, 05:27 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسعدني أن أوافي الواتاويين بهذا المقال. مطالعة مفيدة.
والسلام عليكم.
****************



حول توحيد المصطلحات العلمية

الأستاذ / أحمـد شفيـق الخطيـب(*)

في تأريخ تطوُّر اللغات يقولون إنّه عندما ينشأُ المفهومُ، تدريجيّاً أو فُجاءة،سرعان ما يتنشأله اسم يعرف به أو يستدل به عليه. وقد يحمل هذا المفهوم اسمه معه،أو يلتمس له مقابل من اللغة حسبما توحي به علائق الاشتقاق أو القياس أو المجاز. وفي هذه الحال تنقل له اللفظة الاسم من معناها اللغوي إلى معناها الجديد وتسمّى مصطلحا.
ومتى ترسّخ هذا المصطلح عن طريق الاستخدام ووسائل الاتصال والإعلام يدخل كتب الدّراسة والبحث ويثبت في المعاجم.
وهذه المقولة كما تنطبق على لفظ "سيّارة" كما ورد في سورتي المائدة ويوسف من القرآن الكريم(1) وصار إلى مصطلح "سيّارة" المستحدث، تنطبق أيضاً على كلمة "مصطلح" نفسها. فلفظ "مصطلح"، من صلح أو صلُح صلاحاً وصلوحاً وصلاحةً، بمفهومه الحاليّ،لم يدخل المعاجم إلاّ أواسط هذا القرن -فلا ذكر له في المعاجم التُّراثية ولا حتى في الطبعات الثلاث من المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، إلاّ إذا اعتبرناه كاسم مفعول من "اصطلح" وارداً ضمنا من جملة مئات ألوف الاشتقاقات الممكنة التي لا توردها المعاجم.
فالمعاجم العربية تضمّن مفهوم المصطلح لفظة "اصطلاح". صاحب محيط المحيط يقول في "اصطلاح": "إنّه العرف الخاصُّ، وهو عبارة عن اتفاق القوم على وضع الشيء؛ وقيل هو إخراج الشيء عن المعنى اللغويّ إلى معنى آخر لبيان المراد منه، وذلك لمناسبة بينهما كالعموم والخصوص، أو لمشاركتهما في أمر أو مشابهتهما في وصف إلى غير ذلك، ج.اصطلاحات".
والوسيط يعرّف « اصطلاح » بالمفهوم نفسه مطوراً نوعاً حيث يقول: « الاصطلاح مصدر اصطلح، و ~ اتفاق طائفة على شيء مخصوص، ولكل علم اصطلاحاته".
لكنّ لفظ "مصطلح" فرض نفسه، بالانتخاب الطبيعي والاستعمال، كمدخل مستقل. أليس اللغة كائناً حيّاً ينمو ويتطور ويتأثّر بالبيئة،كما كل الكائنات الحية؟،فنجد المعجم الوجيز،لمجمع اللغة العربية،وليد المعجم الوسيط يتجاوز عرابه، فيضيف في تعريف "اصطلاح" تحديد "أنه اتفاق في العلوم والفنون على لفظ أو رمز معيَّن لأداء مدلول خاص". ثم يورد لفظ "مصطلح" كمدخل مستقل، تاليا، بالمعنى الذي أضافه في "اصطلاح".

قيل "المصطلحات هي لغة التفاهم بين العلماء، ولكل علم اصطلاحاته" - هذا صحيح؛ لكن قسماً وافراً من المصطلحات في مختلف المجالات غزانا في المنزل والشارع والحقل والهواء والفضاء من حولنا - نرى آثار ذلك في ملبسنا ومأكلنا ومشربنا وتسلياتنا، شيباً وشبّاناً، وفي ألعاب أطفالنا وسائر محتويات بيوتنا، كما في متاجرنا ومدارسنا وجامعاتنا وشتّى مناحي حياتنا. إنّ الغمر الحضاريّ الذي اجتاح الوطن العربيّ، ولو سطحياً أُفُقيّاً في معظمه، خلال بضعة العقود الماضية أغرقنا بمستوردات الحضارة الحديثة - حاجيات وتقانيات وأفكارا ومخترعات وأساليب عيش في مختلف المجالات الحياتية والاقتصادية والعلمية والصحية والاجتماعية. وكان لا بدّ لأم اللغات من تسميات لهذه المستجدات. فكان أن انبرى المترجمون واللغويون والأدباء والصحافيون والمعجميون، ثم المجامع والمؤسسات والاتحادات المهنية، لوضع مقابلات تعرف بها هذه المستجدات وتتداول كمصطلحات.
لقد غدت المصطلحات جزءاً مهمّا من اللغة العربية، كما من كلّ اللغات المعاصرة - باعتبارها مفاتيح للمعرفة الإنسانية في شتّى فروعها، ووسيلة التفاهم والتواصل بين الناس في مختلف المجالات العملية والعلمية.
وكان من الطبيعي والوطن العربي في الأوضاع التي كان عليها، والتي لا يزال الكثير منها قائما فعلا - ولو مرفوضاً قولاً؛ كان من الطبيعي أن تتباين هذه التسميات في أرجاء العالم العربي، أو حتى في القطر الواحد نفسه منه قليلاً أو كثيراً.
هذا التباين كانت له خلفياته ومسبباته - أستعرض بعض أهمِّها في ما يلي:
المعروف أن العالم العربي، منذ بدأ يفيق من غفوة عهد الظلمة الذي دمس عليه قرابة خمسة قرون، تنازعته قوى سياسية طبعته إجمالاً بثقافتين مختلفتين - انكليزية في بعض أقطاره، وفرنسية في بعضها الآخر - معاملات إجرائية بدءاً، ثم درساً وثقافة وبعض علم، ثم مصدراً يترجم عنه كل ما يمت بصلة إلى العلم والثقافة ومختلف أسباب الحضارة. وبالطبع، انعكس اختلاف لغات المصدر تباينا في مصطلحات المفاهيم العلمية والتقانية وغيرها، للمفاهيم نفسها.
فصار عندنا مثلا آزوت azote ونتروجين nitrogen، فحم charbon وكربون carbon، أمينت amiant وأسبست asbestos، علبة السرعة boite de vitesse وعلبة التروس (أو المسننات) gearbox؛ مخروط الانصباب cone de déjection ومروحة غرينيّة alluvial fan، ثم نظّامة (أو رتّابة) ordinateur وحاسوب (أو حاسب الكتروني) computer، الخ.
ومن التباين ما جاءنا عن لغتين أخريين، كما في طماطم tomato (عن الانكليزية)، وبندورة (عن الإيطالية) pomma dora(2).
أو كأن تقول في تسمية العناصر الجديدة مما وراء اليورانيوم، كورشتوقيوم للعنصر 104 (عن الروسية)، وروثرفورديوم (عن الانكليزية)، أو نيلزبوريوم للعنصر 105 (عن الروسية) وهاهنيوم (عن الانكليزية)(3).
وقد يأتي التباين عن مرادفات للمفهوم الواحد في اللغة الأجنبية نفسها فنقول : في
muffler مخمد الصوت، وفي silencer كاتم الصوت. كما صمام في valveوأنبوبة في tube. حين كلاهما لمسمّى واحد في الانكليزية - بريطانيّا أو أمريكيا.
ونقول في bascule bridge جسر قلاّب،
وفي مرادفه balance bridge جسر أو قنطرة موازنة،
وفي ثالث ترادفه counterpoise bridge قنطرة الثقل الموازن
أو نقول فيها جميعا جسر قبّان.،
وفي condenser، في سياق كهربائي، نقول مكثّف (كهربائي)، وفي مرادفه capacitorالأوسع انتشاراً حديثاً(4) نقول مواسع، وغالباً اليوم مكثّف.
وقد تزيد مرادفات المصطلح الأجنبي، فتتزايد مصطلحاتنا العربية المترجمة تبعاً لذلك -كما في المصطلح الجغرافي: watershed ومرادفاته gathering ground أو catchment (area) أوcatch basin أو drainage area (or basin) بين مستجمع أمطار أو أرض تجميع أو منطقة تجميع أو حوض تجميع أو حوض الصرف أو منطقة الصرف أو مستجمع فقط فيها جميعاً.
كذلك تعدّدت المصطلحات حتى ضمن القطر الواحد نفسه نتيجة صدورها عن مصادر متعددة - أفراد متخصصين أو أساتذة أو حرفيين أو صحافيين أو مترجمين أو مؤلفين أو معجميين، يعملون بأذواق مختلفة ومنهجيّات مختلفة -قياساً واشتقاقاً ومجازاً ونحتاً وتركيباً مزجيّاً وترجمة حرفيّة أو تصرفية أو تعريباً لفظيا؛ ومع ثراء العربية الواسع في المفردات والمرادفات يصبح عدم تباين المصطلحات هو المستغرب. حتى المصطلحات التي صدرت عن الاتحادات العلمية وهيئات التوحيد والتنسيق والمجامع لم تخل من هذا التباين، وهي التي تعمل في شتى أقطار الوطن العربي بمنهجية موحدة شاركت كل المراجع والهيئات المصطلحية العربية في إقرارها في "ندوة توحيد منهجية وضع المصطلحات الجديدة » التي عقدت في الرباط عام 1981 بدعوة من مكتب تنسيق التعريب والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم(5)، حتى قيل إن مشكلتنا مع المصطلح العلمي الأجنبي لم تعد في تعريبه بقدر ما هي في توحيده.
إنّ بعض العلماء والطلاب العرب مثلا ما زالوا يستخدمون المصطلح معدن مقابل metal -التي يقول فيها آخرون فلِزّ، ويصطلحون على معدن لمصطلح mineral. والذين يمعدنون metal يصطلحون على فلِزّ مقابل ore. وقسم كبير من طلاّبنا في سوريا لايزال يفهم لفظة molecule بمعنى ذرّة (وليس فيهم طبعاً من لم يسمع بالقنبلة الذريّة atomic bomb). حتى طلاّب السنة الخامسة في كلية الطب يتحدّث كتاب لهم في أمراض الدم عن ذرّة الهيموسدرين (وهو بروتين غنيٌّ بالحديد يحوي جزيئه آلاف الذرات) -رغم أن مجمع اللغة العربية في دمشق عدّل هذا التباين مؤخراً، ليوافق ما هو متعارف في الأقطار العربية الأخرى. ولعلّ ذلك هو من قبيل قوّة الاستمرار inertia التي يطلق عليها أيضا مرادفا "القصور الذاتي" و "العطالة".
وفي التقسيم النباتي يحتار المرء في الإشارة إلى طائفة Algae -
- هل هي الطُّحلبيات، كما هو المصطلح القاهري؛
أو الأشنات، كما هو المصطلح الدِّمشقي؛
وكذلك إلى النباتات Mosses - هل هي الحزاز، كما هو المصطلح القاهري؛ أم الطحالب، كما المصطلح في دمشق؛
ومثلها النباتات Lichens -هل هي الأشنات، حسب المصطلح القاهري، أم الحزاز، كما المصطلح الدمشقي - رغم أن الأمير مصطفى الشهابي العريق في رئاسة مجمع اللغة العربية في دمشق وعضوية مجمع اللغة في القاهرة يقول « وأظهرت دراساتي أن الاستخدام المصري أقرب إلى الصواب »(6).
وكنت منذ حوالي عشرين عاما قد قابلت مصطلحات مشتركة من حرف A في الجغرافية والجيولوجية في معجمين متخصِّصين صدرا عن مجمع اللغة العربية، في سياق مقدمة كتبتها لمعجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية لاحظت فيها بعض التباين. وقد خطر لي إعادة المقابلة على الطبعتين المجدّدتين من المعجمين(7) بعد توحيد المنهجيات، فكان الجدول التالي(8):

المصطلح الأجنبي المرادف العربي في المرادف العربي في
المعجم الجغرافـــي معجم الجيولوجية
ablation تذرية، تلاشٍ تذرية، تلاشٍ
كانت سحج في طبعة سابقة كانت تذرية في طبعة سابقة
abrasion بري، سحج سحج، بري
كانت سحج في طبعة سابقة كانت بري في طبعة سابقة
abyssal rocks الصخور الغورية الصخور العميقة، صخور الأعماق
كانت صخور الأعماق
aeolian deposits رسابات هوائية الرواسب السفوية (الريحية)
كانت رواسب هوائية كانت رواسب ريحية
agglomerate راهصة بركانية رصيص بركاني
alluvial plane سهل غريني سهل طمييّ
anticline حدبة حنيرة، تحدّب
كانت قبو، طيّة محدّبة
anticlinorium حدبة متغضنة حنيرة مركبة
كانت تحدّب مركّب
aquifer طبقة خازنة للماء مكمن ماء أرضي
كانت مستودع ماءٍ أرضي
Archean era الحقب الأركي الحقب السحيق
barchan برخان كثيب برخاني، قوز
basalt بازلت، نسف بازلت
batholith سنام غائر باثوليت
corrasion تأكّل طبيعي تحات طبيعي
crevasse(s) صدع الجليد شقوق جليديّة
detritus حطام حتات (فتات)
estuary مصب خليجي مصب نهريّ
extrusive rock(s) صخور طفحية صخر نابط
fumarole نافثة داخنة
geosyncline(s) بحر جيولوجي قعائر عظمى
glaciation تجلد تثلج
gravel حصى جرول (جراول، حصى)
hatch(ing) ترقين، هاشور تظليل
hard pan كتيم الطبقة الصمّاء
horst جبل اندفاعي النّتق
laterite بصرة، تربة حمراء لاتيرايت
lithosphere غلاف صخري الغلاف الحجري
(المحيط الحجري)
mantle rock ثرى، غلاف الصخر وشاح صخري (غلاف صخري)
plateau نجد، هضبة هضبة
pumice نشف الخرفُش، النشف (بيومس)
quicksand رمال رخوة رمل سوّاخ
runoff مدد النّهر الصّرف السطحي
shale طفل، طينُ صفحي طفل، طفال
subsidence خسف هبوط
till طفال جليدي حريث جليدي
tsunami سنامة موجة الميناء، تسونامي

وقد لحظ الزّميل الدكتور صادق الهلالي تباينات من هذا القبيل في مصطلحات المعجم الموحد للمصطلحات العلمية في مرحلة التعليم العام الصادر عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، في جزأيه الخاصّين بعلمي الحيوان والنبات بالمقارنة مع مقابلاتها المشتركة في المعجم الطبي الموحد لاتحاد الأطباء العرب(9). وأختار عيناتي هنا ممّا تتباين فيه المصطلحات المشتركة في جزأي المعجم الموحّد نفسه في الحيوان والنبات.

المصطلح الأجنبي المرادف العربـــي (في المرادف العربـــي في
معجم الحيوان (جـ4) معجم النبات (جـ 5)
achromatic لاصبغي لالوني
adaptation مواءمة تكيُّف
bleeding نزف إدماء
(والمتوقع هو العكس)
decay تفسُّخ انحلال، تلف
dehydration تجفيف نزع الماء
fossil أحفوريّة، كائن متحجِّر حفري
gelatinous هلامي جيلاتينيّ
spiral حلزوني لولبي
hibernation سبات شتوي بيات شتوي
microhabitat موطن أصغر بيئة محليّة

وأحياناً يكون التباين في موقعين مختلفين من المعجم نفسه للمصطلح نفسه، فتجد مثلا في معجم الفيزيقا الحديثة(10)، مقابل المدخل propagation المرادف العربي انتشار، ثم بعد صفحات في مقابل sound propagation constant ثابت انتقال الصوت. وكذلك مقابل المدخل triboluminescence تجد الاستضواء بالحك، لكنك تجد مقابل luminescenceضيائيّة (وهو المرادف الصحيح).
وفي معجم حديث قيّم في العلم والتكنولوجيا(11) تجد مقابل المصطلح centrifuge المرادف العربي طاردة، لكنّك مقابل المدخل disc centrifuge تجد نابذة قرصيّة. وكان يفترض على الأقل إيراد المرادفين طاردة ونابذة مقابل المدخل centrifuge لتبرير ذلك.
ومن نوادر هذا التباين أني لحظت في مخطوطة لمعجم في الرياضيات، كلفتنا إحدى وزارات التربية في الدول العربية بنشره، مقابل المصطلح function المرادف العربي اقتران؛ وفي ثلاثين سطراً يشرح المؤلفون ميزات هذا المصطلح على المرادف الشائع "دالّة" ثم في أكثر من ستين مصطلحاً مركّباً تابعاً أساسها لفظة function مثل ~ compound، ~ continuous، ~ explicit، ~ periodic الخ لايورد المعجم إلا دالّة.
هذا التباين في معظمه كما تلحظون هو ترادف صحيح في غالبيته لمصطلحات أجنبية -فقد يكون المرادفان العربيان أحيانا ليسا صحيحين معجميّا فقط بل إنهما من الشيوع بحيث يتعذّر تفضيل واحدهما على الآخر، كما في : سحابة وغيمة مقابل cloud أو نجد وهضبة مقابل plateau. أو قد يكون أحدهما أو كلاهما وافياً بالغرض، لكنّهما متكاملان نوعاً -يشرح واحدهما الآخر أو يضفي عليه مسحة دعم قد تكون ضرورية في فترة مخاض المصطلح الذي لمّا يترسّخ، مثل: كتيم وطبقة صمّاء مقابل hard pan أو نافثة وداخنة مقابل fumarole؛ وفي هذه الحال يدرس أمر تفاضلهما.
وأحياناً يكون المرادف العربي صحيحاً أو لا يكون، في مقابل المصطلح الأجنبي المحدّد المفهوم، لإبهام في المعنى المعجمي له، مثل: فلز ومعدن مقابل metal أو فلز وخام مقابل ore. ومثل هذا الترادف لامجال للتساهل فيه.
وأحياناً يكون المصطلح الأجنبي ذو المفهوم المحدّد من النوع المميّز بما يتجاوز معناه المعجمي أو المتعارف؛ وفي هذه الحال يصبح ترادف المصطلح العلمي العربي مرفوضاً مصطلحيّاً، ولو كان صحيحاً معجميّاً، كما في: ضيائية واستضواء مقابل luminance أو luminescence، اللذين سيرد تفصيلهما، لاحقا.
أسائل نفسي موقفاً من الترادف أو التوحيد من حين لآخر، فأجدني لا من أنصار الترادف - ولا من مؤيِّدي التشدُّد المطلق في قضية التوحيد. فالواقع اللغوي والعلمي أيضاً يبدو لي أنه يضع المصطلحات على اختلافها في مستويات ثلاثة: المستوى الأوّل، هو المستوى اللغوي المعجميّ المحض - اللفظة كما يشرحها المعجم؛ وهذا لا يد لنا فيه.
والمستوى الثاني هو المستوى المفرداتي الشائع (المطوّر نوعاً عن المستوى المعجمي). وهذا ينظر في أمره، فقد يكون الترادف وهميًّا فيرفض، أو صحيحاً تفاضليًّا أو صحيحاً شائعاً راسخاً - فيقبل الراسخ الشائع منه، ويرادف المتفاضلان بأولوية الأنسب، أو يقتصر على الأنسب فقط.
وثالث المستويات هو المصطلح المميّز - حيث يعني المصطلح شيئاً محدّداً يتجاوز معانيه المعجمية أو حتى الشائعة. وهذا يتوجَّب توحيده دون تردُّد.
ولعلِّي استكمالاً لما أسلفت - أُقدم مثالا يوضح المستويات التي أشير إليها على مصطلحات من مادة ضاء.
يقول المعجم العربي(12): ضاء، يضوء ضوءاً وضياءً: أنار وأشرق. وأضاء: ضاء، و~ الشيء: جعله يضيء أو يضوء. وقيل: أضىء لي أقدح لك؛ فسَّره بعضهم: كن لي أكن لك، وقيل: كن لي أكثر مما أكون لك، وقيل: بيِّن لي حاجتك حتى أسعى فيها. و ~ ببوله: حذف. واستضاء: استنار، و ~ استشار، وفي حديثك لا تستضيئوا بنار أهل الشرك. والضوء: النور وهما مترادفان، أو الضوء لما بالذّات كالشمس والنار، والنّور لما بالعرض كالقمر -مصداقاً لقوله تعالى في سورة يونس « هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً ». فنعتبر الضوء والضّوء والضياء والإضاءة، والاستضاءة بهذه المعاني المصدرية كلّها مصطلحات في المستوى الأول، وهي من اختصاص النحاة.
فإذا حدّدنا لفظي الضوء والإضاءة مقابل light و illumination بالمفهوم العاديّ (أو حتى الفيزيائي) نعتبرهما من المستوى المصطلحي الثاني؛ ولا بأس حينئذٍ بالمرادفين ( نور وإنارة).
لكن إذا تجاوزنا المفهوم العاديّ وقلنا:
الضياء مقابل luminosity بمفهوم "شدّة إضاءة المنطقة أو زهوِّها في اتِّجاه معيَّن بالنسبة للناظر".
أو قلنا ضيائيّة مقابل luminescence لمفهوم « ابتعاث الضوء دون عامل حراري »، كضيائية اليراعة أو ضيائية التفسفر أو ضيائية الحك،
أو قلنا استِضْواء مقابل luminance بمعنى « شدّة الإضاءة المنبعثة من وحدة المساحة للسطح المضيء (مقيسة بالقنديلة للمتر المربّع)"،
فإنا حينئذٍ نتعامل مع مصطلحات مميزة لاتقبل الترادف -مصطلحات من المستوى الثالث لاتقبل البديل- مصطلحات يتوجّب توحيدها مقابل المفهوم المحدّد علميًّا، والاّ اختلف المفهوم وضاع المعنى.
ان الترادف في المصطلحات في مستوييها الأول والثاني قد تفرضه طبيعة اللغة أو انحيازية ذوق الواضعين، وهو في الحالين لايضير العلم ولايضير المتعلمين. وفي غالبيّة الأحوال سيترسّخ المرادف الأنسب بالانتخاب الطبيعي. فالمعنى لايضيع والمفهوم بالتالي لن يختلف في قول القائلين:
معونة فنِّية أو ~ تقنيّة مقابل technical assistance
تعليق وحاشية مقابل annotation
سمة وعلامة مقابل mark
تحسُّس واستشعار مقابل sensing
زمن التلمُّس ووقت التفتيش مقابل seek time
ضرر بالصقيع ودمار بالصقيع مقابل frost damage
موطن أصغر وبيئة محلية مقابل compaction
رصّ ودك مقابل compaction
أو خطأ فرز وخطأ تصنيف مقابل mis-sort

وهي مصطلحات يعود تباينها إلى تباين ألفاظ تعوّد الناس في كلامهم استخدامها لمعنى واحد، وهي في غالبها مصطلحات مستجدّة. ونحن على مدى عمر العربية قديماً وحديثاً ألفنا أمثالها في
غيمة وسحابة مقابل cloud
نِقْي ونخاع مقابل marrow
تناسل وتوالد مقابل reproduction
حلزوني ولولبي مقابل spiral
ابتعث وأصدر مقابل emit
تغاير وتباين مقابل variation
جذر، أرومة وأصل مقابل root
خليط، مزيج ومخلوط مقابل mixture
رأسي، عمودي وشاقولي مقابل vertical
حطّ وهبوط مقابل landing
حثّ وتحريض مقابل induction
أوتعجيل وتسريع مقابل acceleration

ومئاتٍ من أمثالها جرت على الألسنة وشاعت، وهي حتّى وإن قلنا إنّ لاترادف في اللغة، فإنها بموقعها في السِّياق المستخدم اليوم في حقلها، تتجاوز الفروق الدقيقة بينها كمرادفات يسدُّ واحدها مكان الآخر. ثم ماذا عن المرادفات من تعدّد مصادر الفعل كمثل:
زحزحة وإزاحة وانزياح مقابل displacement
وجذب وتجاذب وانجذاب مقابل attraction
(وجاذبية أحياناً)
واختمار وتخمُّر وإخمار مقابل fermentation

وكذلك الجموع المختلفة الصيغة كأحماض وحوامض وحموض مقابل acids وجرع وجرعات مقابل dosesوشموع وشمعات مقابل candles؛
ثم الصفات المختلفة الصيغ - كملفوف وملتف وملفّف، ومليس وأملس، وموجب وإيجابي - مذكرة ومونّثة ومثنّاة ومجموعة.
ويبدو لي أن مثل هذه المرادفات في مصطلحات المستوى الثاني تتحدّى صرامة التوحيد.
وبالإشارة إلى ما أوردته من تباينات مصطلحية في جزأي المعجم الموحد للمصطلحات العلمية في مرحلة التعليم العام - في الحيوان والنبات، فإنّي كنت أفضّل لو أن المعجم دمج المترادفات العربية للمفهوم الواحد، في جزأيه، مقابل المصطلح الأجنبي. فلا أجده من المناسب لا علميا ولا تربويا أن يدرس الطالب في حصة النبات مفهوما بمصطلح معيّن، ثم يواجه المفهوم نفسه (وقد يكون في المدرسة نفسها) بمصطلح مغاير في درس الحيوان. إنّ دمج أمثال مواءمة وتكيّف، وسبات وبيات، وتجفيف ونزع الماء، وموطن وبيئة، وتفسّخ وانحلال، وغيرها في الأمثلة التي أسلفت، ليس فقط ممّا يتسامح فيه، بل لعلّه دعمٌ محبّذ.
وإنّي من هذا المنطلق لا أشاطر الإخوان واضعي المعجم الطبي الموحد، الذي نقدره جميعنا، وأقدرهم عالياً (وبعضهم من أعزّ الأصدقاء)، لا أشاطرهم السياسة المتشدّدة التي جروا عليها في اختيار كلمة عربية واحدة مقابل التعبير الأجنبي حتى في مقابل المصطلحات الأجنبية المتعددة المترادفة، للمفهوم الواحد. ولعلّي أرى أنّ مجاوزة ذلك كانت تكون السبيل الأجدى في حالات أكثر بكثير من القليل القليل الذي أردفوه. فماذا يقال في علم الطبيب إذا لم يعرف.
أن النِّقي marrow هو النخاع أيضاً،
وأن النُّكاف mumps هو أبو كعيب،
وأن الخراج abscess هو الدّمّل،
وأن القيح puss هو المِدّة والصديد،
وأن المِرّة gall أو bile هي الصّفراء،
وأن الكتف scapula (حسب تسميتهم) هو عظم اللوح أو لوح الكتف،
وأن الأمعاء intestinesهي المصران أو المصارين،
وأن الأنيورين aneurin(e) الذي عرّبوه تيامين هو الفيتامين ب 1،
وأن الهواء الأصفر هو أيضاً من أسماء الكوليرا؟

فهذه وأمثالها هي غالبا الألفاظ التي سيتعامل بها الطبيب مع زبائنه وبيئته، ولا يفترض فيه أن يتعلّمها منهم.
وفي غير الطبيات، كنت أتمنى لو أن المرادف العربي الموحد في المعجم الطبي دعم بمرادف تال (بحرف أصغر أو أقل بروزاُ).
فيضاف إلى مسرى كهربائي (المبهم) مقابل electrode قطب كهربائي أو إلكترود،
وإلى زمير مقابل isomer مماكب: مماثل التركيب أو مصاوغ: مشارك في الصيغة
وإلى مَنْسَب مقابل index دليل أو معامل أو مؤشر
(مع اعجابي بلفظ منسب كبديل مستقبلي عنها جميعاً)،
وإلى راسب مقابل deposit قُرارة (كمرادف شائع الاستعمال)،
وإلى كوثرة مقابل polymerization بلمرة أو مضاعفة الأصل،
وإلى مَعْلَم مقابل parameter وسيط أو بارامتر،
وإلى سفاق مقابل aponeurosis لفافة
وإلى صِفاق مقابل peritoneum خلب أو بريتون.
ولا أدري ما حظّ نص طبي عربي، ترد فيه أمثال هذه المصطلحات الموحدة، من المفهومية، دون أن يكون لدى القارئ شارح أو نص أجنبي مقابل. فالمنسب مثلا غير محدد، والزمير في اللغة مصدر زمر يزمر، والمسرى الكهربائي قد يكون سلكاً، والسفاق والصفاق، معجميّا بمعنى واحد.
إنّ سياسة دعم المصطلح العربي، بخاصة الذي لما يستقر، بمرادف شائع أو بمرادف يشرحه، تلقى تأييد العديد من المعجميين(13) والمجمعيين(14). إن ردف مصطلح مثل مبدّل مقابل commutator بمرادف مثل عاكس تيّار أو عضو توحيد، أو مثل دعم المصطلح متحرِّض بمرادف مثل عضو إنتاج في مجال الهندسة الكهربائية، هو كسب لا نقص في العمل المعجمي المصطلحي. وإنّي أحيانا أتحمّس لإضافة مرادف أصوغه أو أقتبسه، تابعاً أو مقدّماً، إلى بعض المصطلحات الرجراجة - توسُّماً أن هذا المصطلح ستكون له الغلبة يوماً مقابل اللفظ الأجنبي مدار المفهوم.
ولعلّي في عرض بعض هذه الأمثلة، لا أعرضها شرحاً لموقف بقدر ما هو استمزاج لآراء حضراتكم، سدنة اللغة، في مثل هذا الموقف. مثلا قيل في switch مفتاح ومفتاح كهربائي ومحوال ومُحوِّلة ومبدِّل ومبدِّلة وقاطع ومفتاح توصيل (مجمع اللغة العربية) ومفتاح قطع ووصل - في مجالي الهندسة الكهربائية والسِّكك الحديدية وسواهما. وصادفت مؤخَّراً المصطلح العراقي مقلاد. واللفظ من مرادفات مفتاح في المعجم - ومدعوم بنص قرآني {له مقاليد السموات والأرض} مكرّر(15)، فتوسّمت فيه المصطلح الموحد الأنسب، وأوردته في النسخة المجدّدة من معجم المصطلحات العلمية والفنية والهندسية، مرتبطاً بـ switch حيثما ترد اللفظة في مختلف السياقات مع مرادف مناسب حسبما يقتضي السّياق.
في dial التي تغيرت أشكالها وطريقة عملها، ولم يتغير مفهومها، قيل قرص وقرص مدرّج ومينا ومدرّجة ومِنظمة. ويظل المعنى حتى بهذه كلها غير شامل قرص أو مربع الأزرار في الهواتف الحديثة. والمصطلح الذي خطر لي هو مَدالة - وهو على شبهه اللفظي بـ dial، يرتبط بالجذر العربي دال الذي له معجميا معنى دار وتداول. وهو مصلطح أتوسم فيه المصطلح الموحد الأنسب مقابل dial ، في كل أشكالها وطرائق عملها(16).
في مقابل burner بخاصة Bunsen burner الكثير التوارد في الكيمياء بخاصة، قيل حارق ومِحرَق ومحراق وحرّاق ومصباح وموقد ومضرم وملهب، وكلها تطلق على مسمّيات أخرى. وأتوسم في حاروق مصطلحاً يسدّ عنها جميعاً دون إبهام.
مقابل المصطلح suspension في سياق الذوبانية، يقال معلق ومحلول معلّق ومزيج معلق. وفي نقاش لي مع زميل معجمي كان يعالج هذا المدخل لغويا؛ سألته هل المدخل emulsion وارد في معجمك؟ قال نعم، ومقابله مستحلب. فقلت له يعني، مستفعل، هذا ما أنصحك به، تقول: مُسْتَعْلَق - وزان مستحلب؛ فرفض هو، وأوردت أنا هذا المصطلح في أكثر من معجم، وقد لاقى شيوعاً.
وفي مقابل gradient درجنا على تدرّج ودرجة الانحدار ودرجة انحدار السّطح. وقال مجمعنا ممال وهي جيّدة، لكنها لا تناسب كلّ السياقات. وقد لفتني لفظ مدروج في مرجع جديد. ولأني أتوسّم فيه المصطلح الموحد المأمول لارتباطه بـ grade، أعطيه أولوية في مداخل متعددة يقتضيه السياق فيها.
وأكتفي بمثل أخير من البوادئ، هو السابقة tele-، التي قيل فيها بعيد وبعديّ ومن بُعد وعن بُعد. والمفردة اللفظة منها لها معانٍ أخرى، والأخريان تثلثان كلّ مصطلح عربي تسبقه tele-. وأتوسّم في لفظة بعادي مقابلا أنسب لهذه البادئة. فنقول في telethermoscope مثلا مكشاف حرارة بعادي، بدل مكشاف حرارة عن بعد أو من بعد.
المرادف المضاف توسماً في أن يكون المصطلح الموحّد الأنسب، كما المرادف الصحيح الذي يضاف لدعم المصطلح الرَّجراج وتقريبه إلى مفهوم المراجع حتى يأتي وقت يعود فيه ذاك المصطلح بغير حاجة إلى دعم - هذه المرادفات لاتضير العلم ولا المتعلمين، وبالتالي لا تضيرنا.
ما يضير العلم والمتعلمين، ويجب أن يضيرنا، فنعمل جاهدين على تلافيه، هو المصطلحات المضلِّلة - مفردة قصد التوحيد كانت، أو مرادفة. وأذكِّر هنا بما أسلفت حول اختلافنا القطريّ في مصطلحات مثل طحلب وحزاز وأشنة مقابل alga و moss و lichen.
أو أن يفهم الطالب السوري molecule بمعنى ذرّة، أو أن يدرس الطلاب في بلد عربي، متسارع الحضارة، فصلاً كاملاً في مقرر الفيزياء عن التفاعلات النووية، عنوانه الانصهار النووي مقابل nuclear fusion، ويتكرّر تعبير انصهار مقابل fusion(17) حيثما ترد اللفظة في سياق النص في الفصل بكامله.
أو أن يقال استثمار مقابل investment في سياق الصب الإحداقي أو المغلف investment casting،
أو أن يقال قوّة أو شدّة في مقابل strength حين السياق مقاومة، في مجال الميكانيكا كما في torsional strength،
أو أن يقال ثنائية المغنطيسية مقابل diamagnetism و dia غير di،
أو أن يقال في معجم ممتاز بعد تعريف جيد للمكروفون وصورة له « وهو المعروف بالسماعة ».
أو أن يقال ردّ فعل مقابل مصطلح reaction في سياق التفاعلات الكيماوية(18).
أو أن يقال استضواء بالحك مقابل triboluminescence في معجم فيزيائي مجمعي حديث، ثم نجد أن استضواء هو المرادف الذي يخص به المرجع نفسه مصلطح luminance. وقد سبق أن تعرّفنا الفرق المميز بين المصطلحين (ص20).
أو أن يقال رافد مقابل estuary مصبّ خليجي،
أو ملائمة (كذا) مقابل feasibility جدوى،
أو تماسك مقابل stability استقرار؛

وغيرها كثير مما يتجمع لديّ في بطاقات خلال ممارستي اليومية، في مجال المصطلحات.
وقبل الانتقال إلى بحث توحيد المصطلحات - في المستوى المصطلحي الثالث، الذي حدّدناه، للمصطلحات المميزة، تحضرني مقولة للعلاّمة سيبويه حول طبيعة اللغة وكلام أهلها، يقول فيها "اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد ، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين »(19)، لأشير إلى أنه، كما إن لنا في اختلاف اللفظين والمعنى واحد دعماً عند الحاجة للمصطلح، فإن لنا أحياناً في اتفاق اللفظين واختلاف المعنيين إيجازاً مصطلحيّاً توحيديا وإثراء معنويا لبعض ألفاظ اللغة، تجاري فيه الألفاظ المتعددة المشتركة فيها. إني كثيراً ما أجد المقابلات التي نصوغها لمصطلحات أجنبية مركّبة تفاوتاً للفظ الصفة فيها، يضعها في رتبة المترادفات المتباينة، في حين يمكن للمشترك العربي أن يؤديها بدقة كما يؤديها اللفظ الأجنبي:
مثلا يقال في hard rays أشعة حادّة(20) (معجم الفيزيقا الحديثة م ل ع)، و ~ نفّاذة و ~ عالية الاختراقية،
وفي hard tube صمام صلْد (معجم الفيزيقا الحديثة)،
و ~ عالي الخلاء و ~ ضعيف الاختراقية و ~ خفيض الاختراقية و ~ ناقص التفريغية -
هذا في سياق الالكترونيات، وفي سياقات أخرى، يقال:
في hard negative سلبيّة شديدة التباين
وفي ~ detergent منظّف لا يتحلّل حيويًّا
وفي ~ grease شحم جامد
وفي ~ liqueur شراب عالي الكحوليّة
وفي ~ spin غزل شديد الفتل.
والتعبير صلد الذي استخدمه معجم الفيزيقا لمجمع اللغة العربية في مصطلحه الثاني أعلاه صمام صلد مقابل hard tube مرشّح أن يستبدل بها جميعا في مختلف السياقات فنقول: أشعة صلدة وإشعاع صلد وسلبيّة صلدة ومنظِّف صلد، كما نقول في الاستخدام المألوف مادة صلدة.
ولولا ترسّخ تعابير شاعت بوصف مغاير لقلت
وعملة صلدة مقابل ~ currency
وماء صلد مقابل ~ water، الخ.

وهكذا نحقق مطلبا توحيديا بأن يكون للكلمة الأجنبية الواحدة المقابل العربي نفسه حيثما دخلت في جميع تراكيبها أو مشتقّاتها.
ولست آتيا بجديد، فهذا من كلامهم حسب معلوميّة سيبويه في طبيعة اللغة وكلام أهلها، والعربية ألفته في مختلف المجالات حيث السياق يحدد المفهوم المتعدد للفظ الواحد، كما في حاد مثلا - فنحن نقول: رائحة حادّة وطعم حادّ ومنحدر حاد ونقاش حادّ ونغمة حادّة وسكِّين حادّ ولسان حادّ وبصر حادّ وفرق حاد وذهن حاد ومزاج حادّ...الخ.
فهي كلها موحدة اللفظ الصفة الذي له في كل سياق معنى متعارف محدد مختلف. وكلها بفضل توافقية الفكر الإنساني تحملها أيضاً اللفظة الانكليزية sharp.
وأحياناً تترادف مصطلحاتنا مقابل المصطلح الأجنبي الواحد في السياق نفسه، كما في سياقات أخرى:
فنحن نقول في الأجنبية electrode قطب وقطب التيار ولاحب ومسرى، وقد نضيف إليها جميعاً لفظة كهربائي - هذا في الجهاز الكهربائي، أو في البطارية. وفي سياق اللّحام نقول فيها: قضيب لحام وقطب لحام، وربما سواهما. بينما اللفظ المشترك إلكترود بالتعريب اللفظي، وهو مصطلح مجمعي يؤديها جميعا للمفهومين؛ فلعلّه مفرداً أو بمرادف وحيد مثل لاحب يوفِّر علينا الترادف غير المجدي ويفيدنا دقة دلالة وتوحيداً مصطلحيا في المجالات المتخصِّصة.
وبالعود إلى سياسة المتشدِّدين في قضية التوحيد المصطلحي المطلق في أن لا يكون للمصطلح الأجنبي الواحد، بل للمفهوم العلمي الواحد، إلاّ مقابل عربي واحد؛ ولا يكون المصطلح العربي الواحد مقابلا لأكثر من مفهوم علمي واحد، نقول: لا خلاف في ضرورة ذلك، طبعاً، في نطاق المصطلحات، التي بحكم خروجها إلى مفهوم علمي أو تقني محدّد ومتميز، اتخذت ما أسميناه المستوى المصطلحي الثالث فلا تقبل الترادف ولا التباين ولا المشاركة، وإلاّ اختلف المفهوم وضاع المعنى.
وخشية أن يكون المثال على تراتبية هذه المصطلحات، بخاصة المتقاربة المعنى معجميا (وكان من مادة ضاء) معقَّداً، أدعم ذاك المثال بمثل أبسط آخر من مادة طفا.
المعجم العربي يقول(21):
طفا الشيء فوق الماء يطفو طفْواً وطُفُوًّا: علا ولم يرسب،
و ~ الفرس: شمخ برأسه، و ~ الثور: علا الأكم،
و ~ الظبي: خفّ على الأرض واشتد عدوه،
و ~ فلان: مات، و ~ في الأمر : دخل،
و ~ فوق الفرس: وثب،
و ~ ت الخوصة فوق الشجرة: ظهرت، فهو طافٍ وهي طافية، فتكون هذه كلها مفاهيم مصطلحية في المستوى الأول - المستوى اللغوي المعجمي الذي لا يدَ لنا فيه؛ إذ لا مجال ولا مصلحة بل صلاحية أحـد فــي المساس به.
فإذا قلنا الطفو كظاهرة فيزيائية أرخميدية، إن شئتم، تنطبق على الموائع - سوائل كانت أم غازات - بمفهوم flotation، نقلنا المصدر إلى مستواه المصطلحيّ الثاني كمرادف للعَوم: شيءٌ يطفو أو يعوم على مائع.
لكن حين نحدِّد مصطلح الطفويَّة buoyancy لمفهوم « مقدار دفع السائل صعداً على جسم مغمور فيه » - طفا أم لم يطف (لاحظوا: طفا أم لم يطفُ) نكون مع مصطلح مميَّز - مصطلح من المستوى الثالث - لا يسدُّ لفظ آخر مكانه. وأمثال هذه المصطلحات، والكثير منها جاءنا ويجيئنا عادة في المستوى المصطلحي الثالث مباشرة - من أمثال و susceptance و conductance و adsorption و polymerization و isomer وآلاف وآلاف غيرها - لدينا مقابل كل منها عدة مرادفات؛ هذه هي المصطلحات التي يجب أن تركز جهودنا على توحيدها - بل يتراءى لي أنها هي المصطلحات التي يمكن، حسب طبيعة اللغة، توحيدها. وتكون مقولة سيبويه الثلاثية صحيحة في المصطلحات كما هي صحيحة في طبيعة اللغة وكلام أهلها.

توحيد المصطلح العلمي :
ونحن إن حصرنا قضية توحيد المصطلحات في المستوى الثالثي المميز، نكن قد حللنا بعض المشكلة لاكلّها. فالمصطلحات العلمية في هذا المستوى، يكاد لا يحصى ما تجمّع منها اليوم، وهو إلى مزيد. على ذمّة مدير مكنزة (بنك معلومات) شركة سيمنز، في ألمانيا، تبلغ المفاهيم المسجلة لديهم في الهندسة الكهربائية فقط أربعة ملايين - ولا نتطرّق إلى مواضيع أخرى في علوم الكيمياء والحيوان والطب والنبات، وهي بالملايين أيضاً. فالمصطلحات العلمية ليست مشكلة اللغة العربية وحدها - إنها مشكلة كلّ اللغات. إنّ كلمات المعجم -أي معجم في أي لغة- تعدّ في أقصاها ببضع مئات الآلاف، حوالي نصف مليون في معجم وِبْستر الدولي الثالث؛ وأكسفورد الكبير يزيد على ذلك بحولي مئة ألف. ولا أدري إن كان لدينا في العربية على ثرائها في عدة مجالات، وفي أوسع معاجمها، ما يزيد على المئتي ألف من الألفاظ العاملة.
لعلّ بعض المتشدّدين في إعمال التوحيد لفظة بلفظة يتمثلون بما حققه التوحيد في مجالات المقاييس والمواصفات في المجال الصناعي -فأنت حين تعوزك قطعة غيار مهما كانت، أصمولة لبرغي أم إطارا لدولاب أو صماما لتلفاز، تطلبها من مستودعها بالمواصفات المقيسة الموحدة -دون حاجة إلى أن تحمل معك البرغي أو الدولاب أو التلفاز، فتأخذ القطعة البديلة بمواصفاتها في أي بلد كنت. وقد سمعت هذا من أشخاص، كما سمعته في ندوات. والرد على منطق هذه المقولة يتلخص في أمرين -أوّلهما إنّ ما ينطبق على الصناعة والمصنّعات، على كثرتها، لا ينطبق على اللغة؛ ولا حتى على اللغة المصطلحية العلمية في غير المستوى المصطلحي المتميز -ما أسميناه المستوى الثالث. وكل محاولة لاستحداث لغة للعلم مستقلة عن اللغة عامة لا أجدها أنجح من العدّة اللغات الحاسوبية التي غدت بالعشرات، ولا إلى مآل غير ما آلت إليه اللغات المصطنعة خلال هذا القرن وأواخر سابقه -من الإسبرانتو إلى اليورويا إلى الإنتر لنغوا والمونْد لانغ والسِّمبلو والإكسيرسّو حتى الانكليزية الأساسية Basic English وسواها. إن غاية ما نرجوه هو أن ننجح في توحيد مصطلحات المستوى الثالث، وهي ليست بالمهمة السهلة.
والأمر الثاني، الذي نفتقده دوماً، هو أنّ ما حققته المنظمة العربية للمواصفات والمقاييس، ما كان يتحقق رغم الحاجة إليه محليا ودوليا، لولا أن مكاتب المواصفات والمقاييس في كل بلد عربي هي مؤسسات رسمية تتبع وزارات معينة؛ وما تقره يصبح، عن طريق الوزارة المعينة، قرارا حكوميا. وهذا ما لا تحظى به، لا المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ولا المؤتمرات والندوات والمكاتب التي ترعاها هذه المنظمة، كما لا تحظى به أيضا الهيئات العلمية أو المجمعية داخل البلد العربي نفسه.
والذي يتتبع مسار حركات التوحيد المصطلحي على الصعيد العالمي يجدها في غالبيتها دولية الدعم من حكومات الدول، كما في دول المجموعة الأوروبية التسع، واتحاد أكاديميات الجمهوريات الناطقة باللغة (أو على الأصح باللهجات) الإسبانية؛ كما نجدها من حكومة القطر نفسه، كما في إسرائيل وكندا والاتحاد السوقييتي سابقا. حتى في فرنسا نجد أن توحيد المصطلحات الصادرة عن أشهر خمس مؤسسات فرنسية لغوية ومصطلحية عريقة لم يتم إلا حين بادرت اللجنة العليا للغة الفرنسية في باريس التي يرأسها رئيس الجمهورية نفسه، بتأسيس الجمعية الفرنسية للمصطلحات عام 1985 مكلفة بتنسيق نشاطات المؤسسات الخمس(22) تلك.
ونحن كان لنا مكتب تنسيق التعريب الذي تعرفون منذ 1961 -وهو قد أصدر قرابة الثلاثين معجما بهدف توحيد المصطلحات(23). والذي لا ينكره أحد على إنجازات مكتب التنسيق، أنه أسهم في إيصال المصطلحات المجمعية، وبخاصة مصطلحات مجمع اللغة العربية في القاهرة، التي تحظى بثقة وتقبل واسعين بين العلماء والمثقفين أينما كانوا، فحملها إلى الكثيرين في العالم العربي ممن لم يك يتاح لهم، لولاه، الاطلاع عليها. لكنه حين راح منذ عام 1972، بتكليف من اليونسكو العربية (ألكسو) يستكمل هذه المصطلحات، من مختلف المصادر، لم يتسن له مجاراة المستوى الموازي والمنشود- لأسباب غير خافية على مسؤوليه. والآمال معلّقة على اتحاد المجامع العربية فلعلّه المؤهل الأول الأجدر للقيام بمهمة التوحيد المرجوّة والإشراف على مخططات هذا التوحيد.

مُخطَّطُ تَوحيد
ينقسم هذا المخطّط في مجمله إلى قسمين: عاجل وآجل -القسم العاجل ينطوي على تعاون اتحاد المجامع العربية ومكتب تنسيق التعريب لتأليف هيئات دائمة شبه متفرغة، بمشاركة أعضاء من المجامع كلها. فتحصر لها مصطلحات الموضوع المعين من المعاجم أو المسارد أو الكتب المؤلّفة والمترجمة كما من الذخيرة اللغوية في المؤلّفات التراثية الموسوعية، وتدرس هذه المصطلحات مع مقابلاتها الأجنبية لاستنساب المصلطح الموحد (أو المصطلح الموحد والمرادف الداعم أو المرشح كرديف إن اقتضى الأمر) مقابل المصلطح الأجنبي، آخذين بالاعتبار توافق هذه المستنسبات في المواضيع العلمية المترابطة- كما أسلفت في الأمثلة من جزأي المعجم الموحد للمصطلحات العلمية في مرحلة التعليم العام. فيقال مثلا في بعضها:
لا صبغي، لا لوني مقابل achromatic
(باعتبار صبغي أقرب إلى تلوّنية الأنسجة بالصبغ، وتبقى أولوية لالوني للفيزياء)،
ومواءمة، تكيّف adaptation
(باعتبار تكيّف قد تأخذ الأولوية مقابل accomodation)،
وسبات شتوي فقط مقابل hibernation)،
ونزف فقط مقابل bleeding، ولولبي، حلزوني مقابل spiral
(باعتبار حلزوني ذات ترابط عضوي بالحيوان المعروف).

وهكذا يحدد ما يقال في قطب، مسرى، لاحب والمعرب إلكترود مقابل electrode،
وفي محوال، مغيّر، محوِّل طاقة، مُحوِّر طاقة، متحسِّس وتِرجام - مقابل transducer،
وفي تزامر، مجازاة، مصاوغة والمعرب دون تحوير أيسومرية، مقابل isomerism.
وفي مسامحة ومسايرة وقبولية وسماحية ومطاوعة مقابل admittance،
وفي تقبلية ومهاودة ومطاوعة وقبولية وتأثرية مقابل susceptance،
وفي مسامت المغنطيسية وثنائي المغنطيسية، وممغطس ومستمغظ ومتسامت المغنطيسية والمعرب بارامغنطيسي مقابل paramagnetic، وهكذا -دون أن تقتصر الهيئة التي تعالج المصطلحات الفيزيائية على الفيزيائيين فقط، ولا الهندسية على المهندسين فقط، ولا الطبية على الأطباء فقط، كما جرت العادة في هيئاتنا واتحاداتنا المصطلحية وفي معاجمنا الموحِّدة والموحَّدة التي صدرت.
وفي حال المصطلحات الأجنبية المتقاربة تعالج هذه كمجموعة أمام المصطلحات العربية المقابلة لكل منها؛ فتمحص المصطلحات الأجنبية مقابل مرادفاتها العربيات لتثبَّت أو يعاد توزيعها بالشكل الأنسب، واحداً لواحد:
oscillation, vibration, vacillation, swinging, wobbling, swaying, rocking, etc.
مع مقابلاتها العربيات: ذبذبة وتذبذب واهتزاز وترجُّح (أو ارتجاح) وتراوح وخطران ونوسان وسواها، أو المصطلحات:
impedance, inertance, reluctance, resistance
مع المرادفات العربية: معاوقة، مقاصرة، ممانعة، مقاومة، أو المصطلحات:
hard, solid, brittle, dry, stiff, rigid
مع المرادفات: صَلْد، صُلْب، جامِد، قصِف، يابِس، قامسٍ، جاسىء،
أو المصطلحات :
flexibility, plasticity, elasticity, pliancy, pliability etc
مع المرادفـــات :
مُرونيّة، لَدانة، مُرونة، مطواعية، مَرانة، طواعِية،
أو المصطلحات :
adapt, accommodate, adjust, condition, modify
مع المرادفات : هايأ، كيَّف، ضبط، هيّأ بالمُكيّفات، عدّل.. الخ.
ومن الهندسيّات، المصطلحات:
factory, workshop, atelier, plant, mill
مقابل المرادفات :
مصنع، مشغل، ورشة، محترف، منشأة، معمل،
والمصطلحات :
bolt, bar, latch, lock, padlock, breech, shutter
مع المرادفات:
مِزلاج، رِتاج، ترباس (درباس)، قُفل، غال، مِغلاق، غلَق،
ومن الكيمياء أمثال المصطلحات :
composition, structure, synthesis
مع المرادفات: تركيب، بنية، تخليق،
والمصطلحات:
dissociation, solution, dissolution, analysis
مع المرادفات: تفكُّك، حلّ (ومحلول)، انحلال، تحليل،
ومن الجيولوجيا أمثال المصطلحات:
eon, era, age, chron, period, epoch, hemera
مقابل المرادفات دهر، حقب، حين، زمن، عصر، فترة (أو حقبة)، أوان؛
ومن الزراعة أمثال المصطلحات:
forest, wood, bush, jungle, grove, scrub, coppice, thicket etc
مقابل المرادفات: غابة، حرجة، حُرش، أيكة، مَشْجَر، دغَل، أجَمة، بيّارة، منسَغة...الخ.
وهكذا يُحدَّدُ لكل مصطلح أجنبي مقابله العربي الأوفق والأنسب.
وفي حال المصطلحات الأجنبية المتعددة، مقابل المرادف العربي الواحد، يحدد أو يصاغ مصطلح عربي مميز خاص لكل مصطلح أجنبي.
فلا نقول مثلا "وسيط" مقابل المصطلحات الأربعة:
parameter, median, mean, intermediary,
ولا "استبدال" مقابل الثلاثة:
replacement, substitution, commutation,
ولا "منفصل" مقابل الثلاثة:
discrete, separate, discontinuous,
ولا " تناظر" مقابل المصطلحات الخمسة:
correspondence, symmetry, parallelism, homology, analogy,
ثم "تماثل" مقابل المصطلحات السبعة:
symmetry, similarity, similitude, resemblance, homology, likeness, sameness.
أو « رئيسي » مقابل الثلاثة:
cardinal, principal, main;
وأمثال هذه المجموعات كثير.
وفي حال تعذّر تأليف هذه الهيئات المشتركة، وحتى قبله، يمكن أن نبدأ بما لدينا فتقوم لجان متخصصة من بين أعضاء كل المجامع العربية - كل موضوع اختصاصها -في نطاق اتحاد المجامع العربية وإشرافه، مصطلحات الموضوع المعين التي كان أقرها كل مجمع مستقلا عن المجامع الأخرى، فتنسقها في ما بينها أو تقر ما أصدره أحدها فيها (كما سبق لمجمع اللغة الأردني إقرار كل المصطلحات التي أقرها مجمع اللغة العربية)- وتصدرها، لعله حينئذ بالتعاون مع مكتب تنسيق التعريب، باسمها مجتمعة وبمباركة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم. وأتصور أن يكون لمثل هذا الإصدار دعم من الجهات الرسمية، وتقبل بلا تحفظ من جميع الأوساط المصطلحية والمعجمية في كل بلد عربي.
وينبغي أن تترافق عمليات التوحيد هذه، على المصطلحات تحديدا وضبطاً واستكمالا، مع الرفد المتواصل بكل جديد من المصطلحات المستحدثة عن طريق رصدها في مصادرها في حينه -من الدّوريات والمنشورات والكتب في لغات العالم المتقدم. والمرشح للقيام بمهمة كهذه هم طلاب وأساتذة وخريجو جامعة المصطلحات التي سمعنا وقرأنا مشروعا بها، كان عرضه سيادة الزميل رئيسنا في مجمع اللغة العربية الأردني الدكتور عبد الكريم خليفة. وهذا المشروع هو قوام القسم الآجل من مخطط التوحيد العتيد الذي أتصوره- آجلا نترقت نتائجه، وعاجلا في ضرورة التحضير له.
إنّ قرابة عشرين جامعة في العالم الغربي اليوم تُدرِّس علم المصطلح والمعجمية؛ وفي العديد منها تقدم المعاجم المعدة في موضوع الاختصاص أطروحة تؤهل صاحبها لدرجة الدكتوراه(24).
والعالم العربي في حاجة أشد من سواه إلى جامعة من هذا القبيل يتخرج لنا فيها جيل، بل أجيال، من العاملين في اختصاصاتهم- كيماويون وفيزيائيون وأطباء وصحافيون بخاصة. ولا يستغربن أحد تشديدي على صحافيين، فليس أفعل من وسائل الإعلام في مجال المصطلحات وضعا وتوحيدا، إن تُطَعَّمْ بصحفيين مصطلحيين علماء -ولا مثل أفضل من المقتطف، أيام ضم فريق العمل فيها أمثال يعقوب صَرُّوف وفارس نمر وأنستاس الكرملي وشِبْلي الشميِّل.
وينبغي أن يدعم مخطط التوحيد هذا في قسميه العاجل والآجل بوسائل نشر على شكل دوريات أو معاجم متخصصة وعامة، توصل هذه المصطلحات إلى مستعمليها فتقطع الطريق على استمرارية تجدد مشاكل المصطلحات وتباينها.
وقد لحظنا بالفعل أن المعجم الجيد، في موضوع معين، الذي يصدر مزامنا لانتشار الموضوع المعين، يكون ذا مفعول توحيدي ظاهر في مصطلحات ذلك الموضوع. وأمثل على ذلك بالمعجم العربي الموحد لمصطلحات الحاسبات الإلكترونية الذي صدر عن المنظمة العربية للعلوم الإدارية عام 1981، فكان مرجعا موحدا لكثير من المؤلفات والمعاجم التي صدرت تاليا في العالم العربي(25).
لكن كل ما ذكرناه أو تخططونه، حتى لو تحقق، لن يكون فاعلا حقا ما لم توضع هذه المصطلحات موضع التطبيق العملي العلمي اليومي في مداولات العلماء والمدرسين والدارسين ومناقشاتهم ومختبراتهم وتنتشر في أوساطهم وبيئاتهم. وأني لنا ذلك وجامعاتها السبعون في العالم العربي إلا أقل القليل منها، تدرّس العلوم -لاسيما التقانيات والطب والهندسات باللغات الأجنبية، حتى ليجد الكثير من المعاهد الثانوية والمتوسطة وأحيانا الابتدائية وأهل الطلبة أنفسهم منطقا في تدريس مواد العلوم والرياضيات باللغة الأجنبية. فيتخرج الجيل الطالع غريبا عن المصطلحات بلغته القومية -حتى ليأنف من استخدامها عاملا، أو يتهرب من التدريس بها أستاذا في ما بعد.
اللغة العربية نالت اعتراف العالم منذ 1973 وأصبحت لغة رسمية مع اللغات الخمس الكبرى في مؤسسات هيئة الأمم المتحدة كافة عام 1982(26). لكن العالم العربي، للأسف، يتنكر للغته.
وأنهي كلمتي بهذه التذكرة العبرة لنا جميعا - في أي موقع كنا:
أوائل العشرينيات من هذا القرن افتتحتْ الجمعيةُ اليهودية الألمانية "معهد التخنكو" -التكنولوجية- في حيفا، الذي أنشأته بأموالها وجهد خبرائها؛ وارتأت الجمعية جعل الألمانية لغة التدريس فيه، على اعتبار أن العبرية ليست متطورة بالقدر الذي يسمح باستعمالها في حقل العلوم والتكنولوجية، فقامت الدنيا بموجات الاحتجاج وإضراب المعلمين والتلاميذ، تلاها استقالة الكثيرين من العاملين في المدارس الألمانية -معتبرين ذلك إهانة قومية، فهدّدوا، بل وأنشأوا فعلا، مدارس عبرية بدلاً منها. فتراجعت الجمعية وتمّ للمعتزين بلغتهم الواهنة ما أرادوا.

يا سادتي
لقد وجهتم التوصيات مرارا وتكرارا في مؤتمرات عديدة سابقا إلى الحكومات لدعم استخدام العربية كلغة التدريس العلمي والمهني في مراحل التعليم كافة - والاستجابة حَنجرية!
هلاّ وجّهتُم التوصيات آنيا وتاليا إلى الرأي العام العربي من مشرقه إلى مغربه، إلى الجسم الطلابي عامة وأولي أمرهم، إلى الصحافيين ومسؤولي الإعلام والكتّاب والأدباء، إلى الجامعيين -شباباً وأساتذة- جيل المستقبل وقادته- علّهم يتحركون لتصحيح هذا الوضع الشاذ. فلعَلَّ الخلل ليس في القمة بقدر ما هو في القاعدة - وإلاّ ما كانوا على هذه الإهانة القومية!


-
الهوامش:
1) سورة المائدة، الآية 99، سورة يوسف، الآيتان 10 و 19.
2) والذين يريدون ترجمة الاسم العلمي للتوحيد، سيقولون "درّاق الذِّئب المغدّي" Lycopersicum esculentum.
3) تم مؤخرا الاتفاق على تسمية هذه العناصر أسماء موحدة تبدأ بأونيل ثم الرقم، فنقول في العنصر 104 أونيلكوادريوم وفي الـ 105 أونيلينتيوم وأونيلهِكسيوم في الـ 106 وهكذا.
4) معجم الالكترونيات المصور
R.P. Turner, Illustrated Dictionary of Electronics - TAB Books Inc, 1982.
يعرف condenser في هذا السياق بأنه مصطلح مهجور لـ capacitor.
1: An obsolete term for capacitor.
2:........
5) هنالك ملحق بالمبادئ الأساسية التي أقرت في هذه الندوة (التي كان لي شرف المشاركة فيها) في نهاية هذا الكتيب.
6) انظر المدخل Algae في "معجم الشهابي في مصطلحات العلوم الزراعية" - انكليزي- عربي، الشهابي - الخطيب، مكتبة لبنان.
أو معجم الألفاظ الزراعية، فرنسي - عربي، الأمير مصطفى الشهابي - مكتبة لبنان.
7) معجم الجيولوجيا - 1990، المعجم الجغرافي - 1974.
8) المقارنة الأولى لم تشمل إلا مداخل حرف A في المعجمين، أما الثانية فشملت حروفا عدّة.
9) « تباين مصطلحات المعاجم العلمية وأثره على التعريب »، د.صادق الهلالي، مجلة اللسان العربي العدد 30 ص219.
10) مجمع اللغة العربية، 1986.
11) معجم مصطلحات العلم والتكنولوجيا - معهد الإنماء العربي 1982 - 1988
12) المعجم الوسيط - مجمع اللغة العربية، ومحيط المحيط - بطرس البستاني.
13) في معجم انكليزي - انكليزي حديث - Dictionary of Computing Oxford صدرت طبعته الثالثة 1990، أحصينا حوالي 500 مترادفة، تؤلف زهاء عشرة في المئة من مداخله البالغة حوالي 4500. ولا نطلب نسبة مرادفات أكثر من المتشددين.
14) في مجموعة القرارات العلمية الصادرة عن مجمع اللغة العربية، القاهرة، قراران ينص أولهما على أن « الاصطلاحات العلمية والفنية يجب أن يقتصر فيها على اسم خاص واحد لكل معنى". ويعدله ثانيهما بعد بضع جلسات بأن تضاف كل لفظة سرت في البلاد العربية إلى جانب ما وضعته اللجنة المجمعية ».
15) الآية 63 سورة الزمر والآية 12 سورة الشورى.
16) هذا الاشتقاق مثيل لاختيار الإخوان في العراق مصطلح ساتل من الجذر العربي ستل، بمعنى تبع مقابل satellite، وأتوسم أنه المصطلح الموحد الأنسب لشبهه اللفظي بـ satellite وارتباطه بالجذر العربي ستل. بخلاف مصطلح « ديال » الموحد مقابل dialysis في المعجم الطبي الموحد. فلعل ما جاء في جزأي المعجم الموحد لمصطلحات العلوم في الحيوان والنبات ديلزة وميْز غشائي، مترادفين، المقابل الأفضل.
17) هذا المقابل صحيح لـ fusion في سياق تغير الحالة بالحرارة، كما في انصهار الجليد.
18) والمرادف صحيح أمام المصطلح reaction في سياق ميكانيكي، كما في قانون نيوتن الثالث.
19) كتاب سيبويه، ج1، ص 7، مطبعة بولاق 1316هـ.
20) من اللافت أن معجم الفيزيقا إياه يقول مقابل soft rays "أشعة لينة". ولا أرى أن "لينة" هي الضد الملائم لـ « حادة » كما يوردها مقابل hard rays.
21) المعجم الوسيط، ومحيط المحيط - مادة طفو.
22) هذه المؤسسات هي :
L'Association Française de normalisation
Le Centre d'étude du Français moderne et contemporain
Le Comité d'études des termes techniques
La Société Françaice des traducteurs
L'Académie des Sciences
23) هنالك ملحق بأسماء هذه المعجمات في نهاية هذا الكتيب
24) وقد عرض علينا في دائرة المعاجم اثنان منها للنشر - لكنها مع تميزاتها التقنية تظل مبتسرة تعوزها الحنكة والدراية والشمولية.
25) في مقارنة أجريناها في دائرة المعاجم، مكتبة لبنان، على مداخل الثلاثة الأحرف A، M و S مع مقابلاتها في ثلاثة معجمات صدرت تاليا في موضوع الحاسوب والحوسبة لمؤلفين من الكويت ولبنان وجماعة من الخبراء في المملكة العربية السعودية، وجدنا التطابق تاما في أكثر من تسعين في المئة من مداخلها المشتركة.
26) ولعلّ أفضل مجموعة مترجمين في أي مؤسسة أعرفها هي مجموعة الترجمة في الأمم المتحدة، وهي تضم مهندسين وأساتذة جامعيين ولغويين ومحامين وصحافيين متفرغين - وكلهم منتقون من ذوي الكفاءات العالية.

نعيم عواشرة
23/01/2012, 03:09 AM
[الحمد لله رب العالمين، حل تلك المشكلة عند مكتب تنسيق التعريب في الرباط فجزاه الله كل خير لما يقدمه للعربية.
www.arabization.org.ma/