المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا اقول للعراق في عامه الجديد؟



عبدالوهاب محمد الجبوري
04/02/2008, 10:41 PM
ماذا اقول للعراق في عامه الجديد ؟!!

بقلم الباحث : عبدا لوهاب محمد الجبوري (*)


مع بدء العام الجديد ( 2008) مازال الوضع في العراق يتسم بانعدام حالة الأمن والاستقرار وتواصل أعمال العنف وفقدان الثقة بكل الوعود التي طرحت لإيجاد الحلول لهذه ألازمة الخانقة .. وأصبح المواطن العراقي على بينة من أن هذه الوعود هي لأغراض التسويق الإعلامي والتضليل ولحساب مصالح وأجندات سياسية أجنبية ومحلية على حساب مصالح الشعب وثرواته واستحقاقاته الوطنية في كافة المجالات ..وكل هذا يتم تحت سمع وبصر قوات الاحتلال الأمريكي التي باتت هي الراعي والعراب للأوضاع المأساوية في العراق بكل أبعادها واتجاهاتها ..
المميزات التي أصبحت تطغى على المشهد العراقي اليومي لا تنحصر فقط في أعمال العنف والدمار والتفجيرات المتتالية التي تطال الشوارع والأحياء والمواطنين ، والتي يرجح أن التخطيط لها يتم من خارج الحدود وبالذات من بعض دول الجوار التي لا تريد الاستقرار للعراق في إطار سياسة تصفية حسابات قديمة والنيل من عروبة العراقيين ووحدتهم واستقرارهم ، بل أصبحت تطال العديد من فئات المجتمع العراقي من أطباء وأساتذة ومعلمين وطلاب وتلاميذ وحرفيين وتجار وعسكريين وكل هؤلاء أصبحوا يناشدون بتوفير الأمن والاستقرار ويطالبون بتوفير ظروف العيش الآمن والوسائل التي توفر لهم المرافق الحياتية اليومية .. وكل هذا يتم في إطار مخطط أمريكي صهيوني مسند من جهات إقليمية ودولية أخرى الهدف منه إفراغ البلد من العناصر الوطنية والعلمية لإحداث خلل في بنية المجتمع العراقي وإضعاف قدرته على إعادة الأعمار و بناء جيش وطني قوي يدافع عن البلاد ضد كل من تسول له نفسه النيل من أمنه الداخلي وإلحاق الأذى بشعبه ونهب ثرواته ..
و يرى العديد من الخبراء والمتابعين للشأن العراقي أن الحكومة الحالية غير قادرة على إيجاد حل لهذه ألازمة ويوعزون أسباب الفشل إلى حالة أللاستقرار واللامن في البلاد والتي أصبحت تميز المشهد العراقي السياسي في كل مدن العراق من الجنوب إلى الشمال .. ويعتقد هؤلاء المتابعون أن هذا دليلا على أن الشعب العراقي لم يعد مقتنعا بما يجري ولا الحلول التي يتم الحديث عنها أصبحت تهمه بالدرجة الأولى .. فالأمر الذي أصبح يشغل بال العراقيين ويشد اهتمامهم هو تحسن الوضع الأمني وعودة الاستقرار وتوفر ظروف العيش الكريم وإنهاء الاحتلال الأجنبي وإيقاف كل أشكال التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية ..
ولكن يبدو أن هاجس الحكومة العراقية لا ينحصر في هذه الاهتمامات الجماهيرية بل في كيفية توزيع الحصص السياسية والمناصب الوزارية لا غير بين هذه المجموعة وبين هذه الطائفة وتلك ، بحيث أصبح اهتمام الطبقة السياسية يتصل فقط بتحقيق أهداف بعيدة كليا عن أهداف واهتمامات أفراد الشعب البسيط .. وهذا من شانه أن يعمق الفجوة بين هذه الفئة السياسية وبين مختلف الشرائح الاجتماعية في العراق .. ويبدو أن بعض السياسيين فطنوا ا لهذه المعضلة وأدركوا أن الشعب العراقي ليس في حاجة إلى توزيع حصص والاستحواذ على مقاعد بقدر ما هو في حاجة إلى مساعدات عاجلة والى تغيير أوضاعه بشكل عاجل وأن ينعم بالراحة والاطمئنان كي يتفرغ للعمل والإنتاج وإعادة أعمار بلاده بالكد والاجتهاد .. وهي خصال عرف بها الشعب العراقي بكافة أطيافه عبر مختلف الحقبات التاريخية والحضارات المتعاقبة ..
والسؤال الذي يطرح نفسه هل يكفي فقط أن تتنبه بعض النخب إلى مأساة الشعب وما هي الحلول التي ستتخذها لإنقاذهم من محنتهم ؟ وإننا كمثقفين وكصحفيين نضم صوتنا إلى أبناء شعبنا ونطالب بوضع الحلول الناجعة لإنقاذ البلاد من محنتها والمحافظة على حياة العراقيين الغالية علينا ومنهم العسكريين والطيارين والعلماء والمهنييين والأساتذة وكل شرائح المجتمع وإقامة حكومة وطنية مستقلة وغير مرتبطة بأي جهة أجنبية تشارك فيها جميع القوى الوطنية والشخصيات العلمية والسياسية المستقلة بما في ذلك المقاومة العراقية الوطنية ، حكومة وطنية قادرة على إنقاذ البلاد من محنتها وقادرة على المحافظة على ثروات البلاد ومنع كل أشكال التدخل الأجنبي في شؤون العراق الداخلية وقادرة على فرض سلطة القانون والعدالة وإشاعة أجواء الأمن والاستقرار و المحبة والتالف بين كافة أطياف الشعب العراقي ..
فبعد كل هذا ماذا أقول للعراق في عامه الجديد ؟ وماذا أقول عن محنته التي أدمت قلوبنا وأحزنتنا كثيرا بعد مضي سنين عجاف منذ احتلال بلدنا الغالي وليس هناك أمل جدي حقيقي يلوح في الأفق للخلاص من هذه المأساة التي ابتلينا بها منذ مجيء الاحتلال ومن كان على ظهر دباباته ليتحكم في شؤون البلاد والعباد ..!
ماذا أقول للعراق في عامه الجديد ؟ عام مضى بأحزانه ودمائه وشجونه وربما عام سيأتي بالمجهول أيضا أو سيأتي بآمال .. من يدري ، فالله قادر على كل شيء لأننا فقدنا الثقة في البشر ، اللهم إلا من كان يصارع الظلام ويعمل في السر والعلن على إنقاذ البلاد من محنتها وبالطريقة أو الأسلوب الذي يقدر عليه ....
في هذه الليلة .. تولد بسمة ... وتنطوي دمعة لترقد أخرى فوق الخد تترقب وتتثاءب فلعل المخاض يكون زهرة بيضاء تتفتح بين أحضان العام الجديد ..الدموع تترقرق في مقلتي والأحزان كظلي امسح بها همومي واغسل بها غبار الألم عن قلبي .. أنا لا اكره الابتسامة ولكني لا أتمكن من الوصول إليها والعيش بين ثناياها في ظل كابوس يجثم على صدورنا ولا ندري أيخنقنا أم يرحمنا فيغادرنا إلى غير رجعة؟ .. من يدري؟ .. انقضى عام من عمري وولد عام جديد من عمرك يا عراق .. وحبي لثراك وعشقي للأمل فيك لا يجعلني اتاسف على زهرة العمر التي ذبلت بين يدي بالأمس ...
أقول لو كان للبسمة أن تعبأ في القناني وتعرض في المخازن والدكاكين لبعت قلمي وقرطاسي وابتعت لك يا وطني سبعة وعشرين مثقالا منها أدسها بين سمائك الملبدة وأنهارك العطشى كيما تنقشع عن وجهك المشرق كل الغيوم الصفراء والسوداء ولو لبعض ساعة ونتذوق طعم هذه البسمة .. ولكن ، كيف ومتى وأين .. و السعادة محظور تداولها في الأسواق والمدارس والمتنزهات ؟ والى متى تظل ستائر الحزن مسدلة على الشبابيك وغرف الاستقبال والى متى يظل الحزن معلقا ، مثل التعاويذ ، على الأبواب ؟
إلى متى تظل الغربان تحوم فوق السطوح ، تنعق وتحط وتبيض وتفقس وتبني أعشاشها على الشرفات وفوق المنازل والأشجار ورياض الأطفال وتحت الأسرة ؟ إلى متى يظل الرعب والخوف والتوجس والقصف وعربدة السر فات زوار شوارعك ومدارسك وبساتينك ومساجدك وكنائسك ومعابدك يدخلون بلا استئذان ويشاركون الأهل والصبايا والزهّاد والعبّاد والأزهار موائدهم ويقاسمونهم كسرة الخبز ورشفة الماء ونسمة الهواء ؟
إلى متى يظل الرعب مقيما في حقائب السيدات أو محشورا بين قراطيس الأطفال ومعبأ في جيوب الفتيان والفتيان ومجدولا بين الشرائط في ضفائر العذارى ؟ إلى متى يظل المـوت بلا ثمن هو الثمن الذي ندفعه بلا ثمن ، موت ينهش في أجساد متسكعي الأزقة ومستجدي العطف والحنان والصدقات في مفترقات الطرق ومفترشي الأرصفة الباردة وعند مداخل المقابر التي أصبحت كثرتها لا تعد ولا تحصى ..
آه .. للجبال والأنهار والبساتين والصحارى والاهوار ..
آه لدجلة والفرات والشط وأشجار الحناء والتين والزيتون والنخل وشقائق النعمان ..
آه لماساتك يا عراق المجد والحضارة والتاريخ ، فكلام الدنيا كله لن يوفيك حقك أو بعــــــــــضا من آلامك وأحلامك .. فماذا تريدني أن أقول أكثر من ذلك وبعد ذلك أيها المبتلى ؟!!
لماذا الفرحة محرمة والأحزان مبتذلة ؟
آه يا عراق .. من تنادي .. ؟ من تستصرخ ؟ والى من ترفع شكواك ومآدب الشجون عامرة وعلى موائدها يجلس الصابرون والمحتسبون والفقراء واليتامى والثكالى والأرامل ينتظرون ؟
لنا الله فيك يا بلد الأنبياء يا مبتلى من صبرك وجلدك وعذابات يومك .. لنا الله فيك يا محتسب والكل من حولك مشغول بالتفرج ، مسكون باللعنة ، مدان بالصمت واللامبالاة .. لك الله يا بلد الصابرين من الصمت المر والثرثرة الفارغة والتجارة البائرة واللعب الرخيص والأقلام الخاوية والكلمات الباهتة والتسويق الإعلامي المدفوع الثمن مقدما .. لك الله في عامك الجديد .. وفر صرختك ، فالمعتصم قد مات منذ ألف من السنين .. كفكف دمعك وكف عن التقلب فوق حجر الانتظار وشمّر عن ساعديك وتوكل على الله وعلى الغيارى والمخلصين والشرفاء ، وعندها ستجد أن الجرح يمكن أن يندمل ولو بعد حين لان التاريخ خير شاهد على ما نقول ، ولأنك قد فعلت ذلك من قبل ألف مرة أو يزيد ..دع الأعناق تشرئب كي نصنع من شمسك فجرا جديدا وعندها سأسترد قلمي وقرطاسي وأبدا بالكتابة عنك من جديد ..

وأخيرا نقول لعراقنا الحبيب في عامه الجديد كما قال الشاعر :
في السنة الجديدة
يودّع الجرح التراب القديم
وينطفيء هم الزمان المقيم
في السنة الجديدة
تقيّد أوجاع المنى في قصيدة
يودّع الجرح
ويطلع القمح
في الستة الجديدة
ورحم الله الشاعر حين قال :
رب وا معتصماه ، انطلقت من أفواه الجياع اليتّم
لامست أسماعهم ، لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
********************
(*)باحث واكاديمي عراقي

عبدالوهاب محمد الجبوري
04/02/2008, 10:41 PM
ماذا اقول للعراق في عامه الجديد ؟!!

بقلم الباحث : عبدا لوهاب محمد الجبوري (*)


مع بدء العام الجديد ( 2008) مازال الوضع في العراق يتسم بانعدام حالة الأمن والاستقرار وتواصل أعمال العنف وفقدان الثقة بكل الوعود التي طرحت لإيجاد الحلول لهذه ألازمة الخانقة .. وأصبح المواطن العراقي على بينة من أن هذه الوعود هي لأغراض التسويق الإعلامي والتضليل ولحساب مصالح وأجندات سياسية أجنبية ومحلية على حساب مصالح الشعب وثرواته واستحقاقاته الوطنية في كافة المجالات ..وكل هذا يتم تحت سمع وبصر قوات الاحتلال الأمريكي التي باتت هي الراعي والعراب للأوضاع المأساوية في العراق بكل أبعادها واتجاهاتها ..
المميزات التي أصبحت تطغى على المشهد العراقي اليومي لا تنحصر فقط في أعمال العنف والدمار والتفجيرات المتتالية التي تطال الشوارع والأحياء والمواطنين ، والتي يرجح أن التخطيط لها يتم من خارج الحدود وبالذات من بعض دول الجوار التي لا تريد الاستقرار للعراق في إطار سياسة تصفية حسابات قديمة والنيل من عروبة العراقيين ووحدتهم واستقرارهم ، بل أصبحت تطال العديد من فئات المجتمع العراقي من أطباء وأساتذة ومعلمين وطلاب وتلاميذ وحرفيين وتجار وعسكريين وكل هؤلاء أصبحوا يناشدون بتوفير الأمن والاستقرار ويطالبون بتوفير ظروف العيش الآمن والوسائل التي توفر لهم المرافق الحياتية اليومية .. وكل هذا يتم في إطار مخطط أمريكي صهيوني مسند من جهات إقليمية ودولية أخرى الهدف منه إفراغ البلد من العناصر الوطنية والعلمية لإحداث خلل في بنية المجتمع العراقي وإضعاف قدرته على إعادة الأعمار و بناء جيش وطني قوي يدافع عن البلاد ضد كل من تسول له نفسه النيل من أمنه الداخلي وإلحاق الأذى بشعبه ونهب ثرواته ..
و يرى العديد من الخبراء والمتابعين للشأن العراقي أن الحكومة الحالية غير قادرة على إيجاد حل لهذه ألازمة ويوعزون أسباب الفشل إلى حالة أللاستقرار واللامن في البلاد والتي أصبحت تميز المشهد العراقي السياسي في كل مدن العراق من الجنوب إلى الشمال .. ويعتقد هؤلاء المتابعون أن هذا دليلا على أن الشعب العراقي لم يعد مقتنعا بما يجري ولا الحلول التي يتم الحديث عنها أصبحت تهمه بالدرجة الأولى .. فالأمر الذي أصبح يشغل بال العراقيين ويشد اهتمامهم هو تحسن الوضع الأمني وعودة الاستقرار وتوفر ظروف العيش الكريم وإنهاء الاحتلال الأجنبي وإيقاف كل أشكال التدخل الخارجي في شؤونه الداخلية ..
ولكن يبدو أن هاجس الحكومة العراقية لا ينحصر في هذه الاهتمامات الجماهيرية بل في كيفية توزيع الحصص السياسية والمناصب الوزارية لا غير بين هذه المجموعة وبين هذه الطائفة وتلك ، بحيث أصبح اهتمام الطبقة السياسية يتصل فقط بتحقيق أهداف بعيدة كليا عن أهداف واهتمامات أفراد الشعب البسيط .. وهذا من شانه أن يعمق الفجوة بين هذه الفئة السياسية وبين مختلف الشرائح الاجتماعية في العراق .. ويبدو أن بعض السياسيين فطنوا ا لهذه المعضلة وأدركوا أن الشعب العراقي ليس في حاجة إلى توزيع حصص والاستحواذ على مقاعد بقدر ما هو في حاجة إلى مساعدات عاجلة والى تغيير أوضاعه بشكل عاجل وأن ينعم بالراحة والاطمئنان كي يتفرغ للعمل والإنتاج وإعادة أعمار بلاده بالكد والاجتهاد .. وهي خصال عرف بها الشعب العراقي بكافة أطيافه عبر مختلف الحقبات التاريخية والحضارات المتعاقبة ..
والسؤال الذي يطرح نفسه هل يكفي فقط أن تتنبه بعض النخب إلى مأساة الشعب وما هي الحلول التي ستتخذها لإنقاذهم من محنتهم ؟ وإننا كمثقفين وكصحفيين نضم صوتنا إلى أبناء شعبنا ونطالب بوضع الحلول الناجعة لإنقاذ البلاد من محنتها والمحافظة على حياة العراقيين الغالية علينا ومنهم العسكريين والطيارين والعلماء والمهنييين والأساتذة وكل شرائح المجتمع وإقامة حكومة وطنية مستقلة وغير مرتبطة بأي جهة أجنبية تشارك فيها جميع القوى الوطنية والشخصيات العلمية والسياسية المستقلة بما في ذلك المقاومة العراقية الوطنية ، حكومة وطنية قادرة على إنقاذ البلاد من محنتها وقادرة على المحافظة على ثروات البلاد ومنع كل أشكال التدخل الأجنبي في شؤون العراق الداخلية وقادرة على فرض سلطة القانون والعدالة وإشاعة أجواء الأمن والاستقرار و المحبة والتالف بين كافة أطياف الشعب العراقي ..
فبعد كل هذا ماذا أقول للعراق في عامه الجديد ؟ وماذا أقول عن محنته التي أدمت قلوبنا وأحزنتنا كثيرا بعد مضي سنين عجاف منذ احتلال بلدنا الغالي وليس هناك أمل جدي حقيقي يلوح في الأفق للخلاص من هذه المأساة التي ابتلينا بها منذ مجيء الاحتلال ومن كان على ظهر دباباته ليتحكم في شؤون البلاد والعباد ..!
ماذا أقول للعراق في عامه الجديد ؟ عام مضى بأحزانه ودمائه وشجونه وربما عام سيأتي بالمجهول أيضا أو سيأتي بآمال .. من يدري ، فالله قادر على كل شيء لأننا فقدنا الثقة في البشر ، اللهم إلا من كان يصارع الظلام ويعمل في السر والعلن على إنقاذ البلاد من محنتها وبالطريقة أو الأسلوب الذي يقدر عليه ....
في هذه الليلة .. تولد بسمة ... وتنطوي دمعة لترقد أخرى فوق الخد تترقب وتتثاءب فلعل المخاض يكون زهرة بيضاء تتفتح بين أحضان العام الجديد ..الدموع تترقرق في مقلتي والأحزان كظلي امسح بها همومي واغسل بها غبار الألم عن قلبي .. أنا لا اكره الابتسامة ولكني لا أتمكن من الوصول إليها والعيش بين ثناياها في ظل كابوس يجثم على صدورنا ولا ندري أيخنقنا أم يرحمنا فيغادرنا إلى غير رجعة؟ .. من يدري؟ .. انقضى عام من عمري وولد عام جديد من عمرك يا عراق .. وحبي لثراك وعشقي للأمل فيك لا يجعلني اتاسف على زهرة العمر التي ذبلت بين يدي بالأمس ...
أقول لو كان للبسمة أن تعبأ في القناني وتعرض في المخازن والدكاكين لبعت قلمي وقرطاسي وابتعت لك يا وطني سبعة وعشرين مثقالا منها أدسها بين سمائك الملبدة وأنهارك العطشى كيما تنقشع عن وجهك المشرق كل الغيوم الصفراء والسوداء ولو لبعض ساعة ونتذوق طعم هذه البسمة .. ولكن ، كيف ومتى وأين .. و السعادة محظور تداولها في الأسواق والمدارس والمتنزهات ؟ والى متى تظل ستائر الحزن مسدلة على الشبابيك وغرف الاستقبال والى متى يظل الحزن معلقا ، مثل التعاويذ ، على الأبواب ؟
إلى متى تظل الغربان تحوم فوق السطوح ، تنعق وتحط وتبيض وتفقس وتبني أعشاشها على الشرفات وفوق المنازل والأشجار ورياض الأطفال وتحت الأسرة ؟ إلى متى يظل الرعب والخوف والتوجس والقصف وعربدة السر فات زوار شوارعك ومدارسك وبساتينك ومساجدك وكنائسك ومعابدك يدخلون بلا استئذان ويشاركون الأهل والصبايا والزهّاد والعبّاد والأزهار موائدهم ويقاسمونهم كسرة الخبز ورشفة الماء ونسمة الهواء ؟
إلى متى يظل الرعب مقيما في حقائب السيدات أو محشورا بين قراطيس الأطفال ومعبأ في جيوب الفتيان والفتيان ومجدولا بين الشرائط في ضفائر العذارى ؟ إلى متى يظل المـوت بلا ثمن هو الثمن الذي ندفعه بلا ثمن ، موت ينهش في أجساد متسكعي الأزقة ومستجدي العطف والحنان والصدقات في مفترقات الطرق ومفترشي الأرصفة الباردة وعند مداخل المقابر التي أصبحت كثرتها لا تعد ولا تحصى ..
آه .. للجبال والأنهار والبساتين والصحارى والاهوار ..
آه لدجلة والفرات والشط وأشجار الحناء والتين والزيتون والنخل وشقائق النعمان ..
آه لماساتك يا عراق المجد والحضارة والتاريخ ، فكلام الدنيا كله لن يوفيك حقك أو بعــــــــــضا من آلامك وأحلامك .. فماذا تريدني أن أقول أكثر من ذلك وبعد ذلك أيها المبتلى ؟!!
لماذا الفرحة محرمة والأحزان مبتذلة ؟
آه يا عراق .. من تنادي .. ؟ من تستصرخ ؟ والى من ترفع شكواك ومآدب الشجون عامرة وعلى موائدها يجلس الصابرون والمحتسبون والفقراء واليتامى والثكالى والأرامل ينتظرون ؟
لنا الله فيك يا بلد الأنبياء يا مبتلى من صبرك وجلدك وعذابات يومك .. لنا الله فيك يا محتسب والكل من حولك مشغول بالتفرج ، مسكون باللعنة ، مدان بالصمت واللامبالاة .. لك الله يا بلد الصابرين من الصمت المر والثرثرة الفارغة والتجارة البائرة واللعب الرخيص والأقلام الخاوية والكلمات الباهتة والتسويق الإعلامي المدفوع الثمن مقدما .. لك الله في عامك الجديد .. وفر صرختك ، فالمعتصم قد مات منذ ألف من السنين .. كفكف دمعك وكف عن التقلب فوق حجر الانتظار وشمّر عن ساعديك وتوكل على الله وعلى الغيارى والمخلصين والشرفاء ، وعندها ستجد أن الجرح يمكن أن يندمل ولو بعد حين لان التاريخ خير شاهد على ما نقول ، ولأنك قد فعلت ذلك من قبل ألف مرة أو يزيد ..دع الأعناق تشرئب كي نصنع من شمسك فجرا جديدا وعندها سأسترد قلمي وقرطاسي وأبدا بالكتابة عنك من جديد ..

وأخيرا نقول لعراقنا الحبيب في عامه الجديد كما قال الشاعر :
في السنة الجديدة
يودّع الجرح التراب القديم
وينطفيء هم الزمان المقيم
في السنة الجديدة
تقيّد أوجاع المنى في قصيدة
يودّع الجرح
ويطلع القمح
في الستة الجديدة
ورحم الله الشاعر حين قال :
رب وا معتصماه ، انطلقت من أفواه الجياع اليتّم
لامست أسماعهم ، لكنها لم تلامس نخوة المعتصم
********************
(*)باحث واكاديمي عراقي