المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فلسفة الحرب عند اليهود وانعكاساتها في الادب العبري المعاصر



عبدالوهاب محمد الجبوري
07/02/2008, 06:37 PM
فلسفة الحرب عند اليهود
وانعكاساتها في الادب العبري المعاصر

عبد الوهاب محمد الجبوري(*)
(باحث عراقي)
المقدمة:

منذ تأسيس اسرائيل عام 1948 تركز الاهتمام العربي على دراسة هذا (الكيان) من النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية ولم يكن هناك تفكير جاد واسع في دراسته من خلال الأدب اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ونفسياً إلا من بعض النشاطات الفردية الملحوظة لبعض الكتاب والمتخصصين في عدد من الاقطار العربية لا يمكنها أن تسد (الفجوة) التي ما زالت تعاني منها الدراسات العربية في هذا الجانب كما أن الكثير من الباحثين والدارسين لهذا الادب وبسبب (جدته) عليهم وقلة المصادر وعدم المامهم باللغة العبرية مضافاً اليها اعتبارات داخلية وخارجية ناتجة عن تأثيرات سياسية محددة نجدهم غالباً ما يغرقون في التفاصيل الجزئية والهامشية والتناقضات الثانوية والوقتية داخل اسرائيل وينسون التناقض الأساس بين العرب والحركة الصهيونية تجاه المسألة الجوهرية المصيرية ونعني بها قضية فلسطين والاغتصاب الاسرائيلي لها مدعومة من الامبريالية العالمية .. مقابل ذلك نجد أن الصهيونية السياسية قد جعلت من الأدب العبري سلاحاً لا يقل خطورة وأهمية عن الأسلحة الاخرى السياسية والعسكرية..
وحول هذا الموضوع المهم يعود بي حديث الذكريات الى بيروت عامي 72و1973 عندما كنت ادرس اللغة العبرية مساءً في جامعة بيروت العربية واعمل صباحاً في مؤسسة الدراسات الفلسطينية كمترجم لغة عبرية وباحث في الشؤون الفلسطينية والاسرائيلية حيث كنا مجموعة من المتخصصين في هذه المجالات نتحدث عن الادب العبري حيث اطلعني احدهم على بحث كان قد أعده الشهيد غسان كنفاني عن هذا الادب تحت عنوان (في الادب الصهيوني) قبل اغتياله في 8/7/1972 على ما اذكر.. وقد قادنا الحديث للتحدث عن الخلفية التاريخية والابعاد السياسية للادب العبري وكانت الاراء متفقة حول ما ذهب اليه الشهيد كنفاني من أن الصهيونية قاتلت بسلاح الأدب قتالاً لا يوازيه الا قتالها بالسلاح السياسي والعسكري لأن هذا الادب لا يمكن فصله عن الايديولوجية الصهيونية السياسية مع أن الصهيونية الادبية كانت سابقة للصهيونية السياسية التي ما لبثت أن تمكنت من تجنيد الأدب لخدمة مخططاتها والسعي لتحقيق اهدافها .. ولذلك نجد الادب العبري يتاثر بأهم الاحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تسود المجتمع الاسرائيلي وتبرز بشكل واضح بين الحين والاخر ويؤثر فيها .. وأحداث كالحرب تحفز الاديب العبري على التحرك للتعبير عن خوالج النفس اليهودية،المتشبعة بالفكر الصهيوني وانفعالاتها ونوازعها تبعث على القلق والمرارة فها هو الشاعر العبري (دان عومر) يصف في قصيدته (سن الثلاثين) مبلغ اليأس الذي آل اليه المجتمع الاسرائيلي فيقول:
في سن الثلاثين
انا كالبيت المهجور
تصغر بين أحلامي رصاصات الحرب
وأسمال بالية
تجفف في داخلي قطرات الدم
دم عزتي
مشاعري مدافع (عديمة الارجاع)
في (سبطاناتها) تنمو أشواك صفراء
تقصفني الى الداخل ..
وقد لازمت هذه الحقيقة الاستيطان الصهيوني منذ أن وطئت أقدام أول مستعمر صهيوني أرض فلسطين حيث راح المستوطنون اليهود يعيشون في حالة حرب دائمة وضع عناصرها وأسسها العدوانية القادة والمفكرون الصهاينة الأوائل وأدت في مراحل لاحقة الى ظهور موجة من التمرد الادبي على(الموت بلا ثمن) إلا لتحقيق أطماع هؤلاء القادة حسب تعبيرات ادباء وشعراء من هذه الموجة الذين راحوا يعبرون عن ردود فعل عنيفة هزت مجتمعهم من الداخل هزاً عنيفاً بسبب حالة الحرب التي لا تطاق وذهب بعضهم الى القول ((إذا أستمرت الظروف على هذا النحو فليس بعيداً اليوم الذي نصل فيه حقاً الى الحالة التي يكون فيها لكل شاب ثلاث بنات)) ودعا البعض الاخر في قصائده بالويل والثبور على قادتهم حيث نجد الشاعر العبري (مئير شيلاف) يقول في قصيدته:
ويل للمحاربين من على الكراسي
ولجنود الورق والقلم
وللراقدين للكمين في السرير الدافئ
ولممثلي الاهداف على المكاتب
وللصارخين (الى القتال) المتدثرين بالعباءة
يا شعراء الدم والعنصر
يا كالحي الوجوه
في قبور عبثكم العميقة
يتمدد موتاي
ومع ظهور موجة التمرد آنفاً ظهر جيل آخر من الادباء والشعراء العبريين راحوا يعبرون بدقة ووضوح عما تطرحه فلسفة الحرب الصهيونية وعما تكنه للانسانية من حقد وكره ونزعة عدوانية وفي هذا يقول (حانوخ برتوف) (( ان التغيير هو معرفة القتل والمشكلة هي مشكلة وجود يهودي ولكي يستطيع الوجود توجب عليه القتل)) .. ومع تحقيق اسرائيل لانتصارها في حرب حزيران 1967 أخذ الاديب العبري يذوب تدريجياً في الآلة العسكرية ليصبح جزءاً منها وخلع الكثير من الادباء والشعراء (أفكار السلام) ومسوح الرهبان والتناقض ولبسوا أردية القسوة والشدة والعنف وألغوا كلمات الرحمة والشفقة وبدأوا ينغمسون بارادة ووعي ولا إرادة ووعي في خضم القتل الى درجة اصبح سفك الدم العربي متعة بالنسبة اليهم .. وأصبحت الاهداف العنصرية العرقية تجاه العرب واضحة في كل عمل أدبي (صهيوني) وفي (( نفس كل اسرائيلي لا يرى أي موجب لاحترام العربي أو تقديس حقوقه)) حسب تعبير الروائي (عاموزعوز) الذي يدعي بأن الانسان العربي يشكل تهديداً مباشراً لاسرائيل انطلاقاً من أفكار (بدائية) وبلا (سبب) او (منطق) وأن من الضروري أن يستعد اليهود لدحر العرب في عقر دارهم بصفتهم (أي اليهود) أمة متحضرة تصارع أمة (متخلفة) وذلك كما جاء في روايته (في مكان ما) .. وعلى غرار هذا الشعور لدى (عوز) نجد هناك قواسم مشتركة متشابهة للكثير من الادباء والكتاب والشعراء العبريين في اسرائيل وخارجه، الذين يرون في إبادة العرب مسألة أساسية لدعم المشروع الصهيوني وفق تعبير ((فوق ركام المجازر والجثث البشرية)) .. والابيات الاتية تمثل نموذجاً من الشعر العبري ذي النزعة الصهيونية العدوانية المتطرفة الذي ظهر بعد إحتلال جنوب لبنان عام 1982:
أطردوا كل (الخونة)
من البلاد اليهودية
لا نريد هنا ..
إلا كل صهيوني حقيقي
يصرخ أمام الملأ
يهوذا والسامرة لنا
وانتم سكان يهوذا والسامرة
اجلسوا بصمت بهدوء
وقولوا شكراً
لانكم لم ترحلوا بعد
الى ما وراء البحار
ومثلما تدعي الشاعرة العبرية (نعمي شيمر) فإن الدبابات لن تكون أبداً رمزاً لحمل البرتقال طالما انها لا تزال المركبة الجهنمية التي تحمل الموت والخراب وتزرعه في العالم:
ربما سنبحر غداً في سفن
من ساحل ايلات حتى ساحل العاج
وعلى المدمرات القديمة
سيشحن البرتقال
ومن نماذج نزعة الحرب والتطرف العرقي ما تجسده هذه الابيات للجنرال (رافائيل ايتان) وهو يتحدث عن الحرب العراقية الايرانية:
ماذا علينا !!
ليذبحوا بعضهم ..
ليذبح احدهم اخاه ..
لماذا نتدخل نحن ؟
وبالرغم من أن الحروب والاعتداءات الاسرائيلية كانت تقطعها بين الحين والاخر فترات من التوقف والهدوء فإن هذا لم يؤد على الاطلاق الى جعل المجتمع الاسرائيلي يعيش في حالة من السلام المستقر لأن الشعار الذي رسمته الصهيونية السياسية ونفذه الجيش الاسرائيلي وروج له الادب العبري هو (من يتقدم لقتلك أسبق أنت لقتله) وهكذا نجد اسرائيل تستعد بين حرب وأخرى لخوض حرب جديدة .. واستناداً الى هذه الحقيقة، أي تحول الحرب العدوانية الى سمة رئيسية للمجتمع اليهودي في فلسطين المحتله ، نجد البعض من الادباء الصهاينة يسعى دائماً الى تبرير هذه الحرب وإضفاء طابع الشرعية عليها فالاديب العبري (حانوخ برتوف) يقول ((حينما جاء الى هنا اوائل الطليعيين ذوي الافكار الراقية واقاموا المجتمع الكيبوتسي اعتقد الجميع انهم سينقلون بشرى المساواة الحقيقية الى العالم بالبنطلونات والقمصان الزرقاء .. ولكن ماذا حدث؟ لقد تحولنا الى مقاتلين وليس لنا خيار في ذلك)).
وفي أدب الطفل العبري نجد أن البناء الفني والفكري يكون أشد خطراً مما هو عليه في أدب الكبار ويمكن أن نرى المزيد من التطبيقات العملية للتوجهات الصهيونية حيث يتم التركيز على إدعاءات كاذبة وأفكار مضللة إطارها العام (وجود حق تاريخي لليهود في أرض فلسطين وأن العرب هو الذين تسببوا في غربتهم ألاف السنين وتصوير الاطفال اليهود بأنهم اطفال جبابرة عظماء لا يقهرون ويهزمون العرب الذين يريدون قتلهم من اجل المتعة فقط) .. وأنسجاماً مع هذا التوجه فإن أحد المشاهد الاولى التي يذكرها الطفل مشهد



أبيه الذاهب الى الحرب التي ترافقه حتى حينما لا يكون لها ذكر في الاخبار .. وفي هذا يقول المفكر الصهيوني (أمنون روبنشتاين) ((لقد نما في الدولة جيل اصبحت الحرب جزءاً من حياته .. لقد آمن جيل 1948 ان حربه هي الاخيرة ولكنه اكتشف فيما بعد ان هذا كان وهماً)) .. والمؤلفات الادبية التي تتعامل مع موضوعات الطفل الاسرائيلي هذه تعود بداياتها الاولى الى فترة الخمسينات حين قام متطرف هو (ييغئال ماسيتيون) باصدار كتاب خاص بالاطفال، أسماه (عصابة حصبمة) وهي عصابة سرية من الاطفال اليهود، تستطيع إلحاق الهزيمة بأعدائها بسهولة ويسر وذلك خلال مغامرات كثيرة تنتهي دائماً بنفس النتيجة .. بعد ذلك ظهر جيل آخر من الكتاب ساروا على نهج (ماسيتيون) في التأليف للاطفال منهم (أرنونة غادوت) وكتابها (فتيات تزوبتك) و(روفائيل ساهار) الذي نشر كتاباً أسماه (عملية في الاهرامات) ..الخ أما أكثر الكتب رواجاً فهي كتب (إيدو ستير) وبطله (عوزيا عوز) و(أن ساريج) وبطله (داندين) .. وتدور هذه السلسلة من الكتب حول الطفل الاسرائيلي (عوزيا عوز) أو(القوي الشجاع) الذي لا يقهر ويسعى دائماً الى تحقيق أهدافه .. ويتساءل الكاتب (هازي لابين) عن الكتب التي يفضل أن يقرأها لو كان طفلاً يعيش زمن الصراع مع العرب فإنه يرى أن من واجب الكتاب والادباء العبريين الابتعاد عن كتابة القصص الجميلة التي تتحدث عن الفراشات والزهور وزيت الزيتون النقي لأن هذا سيوقعهم، حسب ادعائه، في كارثة هم في غنى عنها .. أما (أن ساريج) فيرى أن هدفه الرئيس من وراء هذه الكتب هو تغذية قرائه من الاطفال بحب (أرض اسرائيل) وتراثها .. ويسعى لان يكون الطفل الصهيوني مثل بطل القصة تماماً .. وهكذا نجد ان معظم المختصين في أدب الطفل العبري يعملون على جعل أطفال المستعمرين اليهود يرددون هذه الاغنية التي وضعها لهم (لابين) والتي تقول كلماتها:
سوف نهاجم (الاعداء)
خلال الظلام بكل قوة
لانه لا يوجد لدينا لذة
غير لذة الجريمة
وحين سئل (لابين) عن مثل هذه المؤلفات الحاقدة التي تغذي الشعور بالنقمة والحقد والجريمة لدى الاطفال نراه يحصر التبرير في الحرب التي يخوضها اليهود ضد (أعدائهم) وأن من حقهم مواجهتهم بقوة وبكل الأسلحة!.. ويتفق (لابين) مع الأدباء العبريين الاخرين على رسم نتاجهم الادبي داخل إطار المقولة العسكرية الاسرائيلية (إذا أراد أحد أن يقتلك فلا بد لك أن تعجل أنت بقتله) .. وفي قصيدة (المشكلة) نجد الشاعر (يعقوب تسيم) يخلق جواً مشحوناً بالرعب يسيطر على البيت الاسرائيلي ولا يوجد هناك من يحميه من شبح الرعب هذا ..
فالزوج الذي تجد الزوجة أمنها في حضنه مشغول في الخارج بحراسة الحدود والزوجة التي تجد الطفلة أمنها في حضنها خائفة ومذعورة .. وهنا تكتمل صورة (المشكلة) التي رسمها (تسيم) بنزعة صهيونية خبيثة بالقاء اللوم على العرب المسؤولين عن خلق جو الرعب هذا وفقدان الأمان الذي بدونه لا يمكن للطفلة أن تنام .. وهكذا في قصيدة (حكاية) لرافي دان فهي الاخرى تتحدث عن القتل والرعب وأسطورة الحق اليهودي في فلسطين .. زئيف طفل يهودي عاش على ارض فلسطين (منذ الاف السنين) ومات (منذ الاف السنين) لا أحد يدري كيف مات: جوعاً أو تحت التعذيب او برمح طائش .. ألخ .. والسبب هم العرب .. هذا ما يريد أن يوحي به الاديب (رافي دان) كما أوحى بقدوم اليهودي في فلسطين .. ثم يأتي القصد وهو: أن اقتلوا .. اقتلوا .. فإذا أراد الاطفال ألا يموتوا مثل زئيف اذن عليهم أن (يصوبوا بنادقهم تجاه الشرق) .. أي أتجاه العرب .. أما عن علاقة الادب العبري بالتوراة فإننا نجد ما يسمى بالصهيونية الدينية قد جعلت من الحرب أساساً لوجودها ومرتكزاً للانطلاق نحو غاياتها ولذلك لا نفاجأ عندما يعبر الحاخام العسكري (موشيه جوران) عن تمسكه بمبادئ التضليل وتشويه التاريخ نفسها ويعلق ((ان الحروب التي خاضتها اسرائيل هي في منزلة الحروب المقدسة! وأن حرب 1948 هي لتحرير أرض أسرائيل وحرب 1956 هي لاستمرار الدولة وحرب 1967 هي لتحقيق نبوءات اسرائيل)) وهنا نجد ان هذا الاعلان من جانب الحاخام العسكري الاسرائيلي يعبر بوضوح أيضاً عن النوايا الصهيونية التوسعية التي تضمنها المشروع الصهيوني والرامية الى تحقيق (اسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل) والتي تقرر تعليق خارطتها على مدخل الكنيست الاسرائيلي (البرلمان) لتذكير ممثلي الاحزاب الاسرائيلية دائماً بهذا الهدف الاسرائيلي الستراتيجي .. كما لا نستغرب عندما يسمح (بن غوريون) لنفسه بالتحدث عن اعداء (دولة اسرائيل) على انهم مصر وبابل وكان (زئيف جابوتنسكي)، الذي يسميه البعض بفيلسوف العنف والإرهاب في الحركة الصهيونية الاصلاحية، واضحاً مع نفسه عندما قال مخاطباً رئيس جامعة فينا اليهودي ((تستطيع أن تلغي كل شيء أما السيف فلا .. وعليكم أن تحتفظوا به لأن الاقتتال بالسيف ليس ابتكاراً المانياً بل هو ملك لأجدادنا الاوائل .. ان السيف والتوراة نزلا علينا من السماء)) .. كما نجد الارهابي (مناحيم بيغن) يطلق صرخته المشهورة ((لولا النصر في دير ياسين لما كانت هناك دولة اسرائيل))!! ويقول (عاموس كينان) في كتابه (الاسرائيليون والمؤسسون الابناء) ((إن الصهيونية الاولى قامت على اساس العقيدة في اجراء التغيير بالطرق السلمية ولما تبين أن هذا غير ممكن إرتبط الخلاص بفكرة العنف)).. والاستنتاج الذي نخلص إليه مما تقدم هو أن الحرب والعدوان كانا وما زالا بالنسبة لفلسفة الحرب والفكر الصهيوني حقيقة وجودية أو كابوساً وجودياً لا مفر منه ولذلك تحول المجتمع في اسرائيل بفعل هذا الكابوس الى ثكنة عسكرية تغذى فيها الافكار العسكرية وفي مقدمتها النزعة العدوانية والحربية وفي جو مشبع بالحقد والكراهية لكل ما هو عربي وفي إطار من المفاهيم البراقة كالامن والدفاع والشعارات المضللة كالتمرد على الحرب لكنها تخدم هدفاً مركزياً يمثل الحلم الذي يسعى اليهود لتحقيقه بدعم مطلق من الولايات المتحدة والصهيونية العالمية والمتمثل (باسرائيل الكبرى) ثم (اسرائيل العظمى) والاستحواذ على المنطقة أو كما تسميه المصادر الاسرائيلية (اقليم الشرق الاوسط) باستخدام مختلف الوسائل والاساليب كمشاريع التسوية على حساب الحق الفلسطيني والعربي والتعاون العسكري الاقليمي واقامة العلاقات الاقتصادية والثقافية..




ملاحظة :
هذه الدراسة تمثل مقدمة لسلسلة دراسات كتبها الباحث منذ الثمانينات من القرن الماضي وحتى الوقت الحاضرعن( فلسفة الحرب عند اليهود وانعكاساتها في الادب العبري المعاصر) وسيتم نشرها تباعا ان شاء الله.

المـصادر


1. عبد الوهاب محمد الجبوري/اللاسامية في الفكر الصهيوني –الموسوعة الصغيرة/ العدد 119/ بغداد منشورات دار الجاحظ للنشر- ط ، 1982.
2. مجلة الاقلام/ العدد التاسع – حزيران 1979 إصدار وزارة الثقافة والفنون – بغداد.
3. د. رشاد عبد الله الشامي/ الشخصية اليهودية الاسرائيلية والروح العدوانية/ عالم المعرفة – العدد 102، اصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب – الكويت، 1986.
4. جودت السعد/ الشخصية اليهودية عبر التاريخ – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 1981.
5. جودت السعد/ الادب الصهيوني الحديث بين الارث والواقع – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 1985.
6. غسان كنفاني/ في الادب الصهيوني/ مركز الابحاث/ بيروت.
7. مجلة آفاق عربية/ العدد 7 – 1987. بغداد
8. مجلة آفاق عربية/ العدد 1 – 1984. بغداد
9. محمد الصالح العياري/ الشعر العبري والصهيوني المعاصر/ كتاب المعارف يصدر عن دار المعارف للطباعة والنشر بسوسة/ تونس.
10. د. فاروق محمد جودي – مدرس اداب القاهرة – الصهيونية واحياء اللغة في العصر الحديث، مطابع النشر العربي، 8 شارع الصحافة – القاهرة.
11. مجلة الكاتب العربي، تصدر عن الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب – دمشق، السنة العشرون، العدد (53) ايلول 2001 – عدد خامس/ عنصرية الصهيونية والنازية.
(*)باحث واكاديمي عراقي/ استاذ اللغة العبرية واللغات العاربة في جامعة الموصل

عبدالوهاب محمد الجبوري
07/02/2008, 06:37 PM
فلسفة الحرب عند اليهود
وانعكاساتها في الادب العبري المعاصر

عبد الوهاب محمد الجبوري(*)
(باحث عراقي)
المقدمة:

منذ تأسيس اسرائيل عام 1948 تركز الاهتمام العربي على دراسة هذا (الكيان) من النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية ولم يكن هناك تفكير جاد واسع في دراسته من خلال الأدب اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ونفسياً إلا من بعض النشاطات الفردية الملحوظة لبعض الكتاب والمتخصصين في عدد من الاقطار العربية لا يمكنها أن تسد (الفجوة) التي ما زالت تعاني منها الدراسات العربية في هذا الجانب كما أن الكثير من الباحثين والدارسين لهذا الادب وبسبب (جدته) عليهم وقلة المصادر وعدم المامهم باللغة العبرية مضافاً اليها اعتبارات داخلية وخارجية ناتجة عن تأثيرات سياسية محددة نجدهم غالباً ما يغرقون في التفاصيل الجزئية والهامشية والتناقضات الثانوية والوقتية داخل اسرائيل وينسون التناقض الأساس بين العرب والحركة الصهيونية تجاه المسألة الجوهرية المصيرية ونعني بها قضية فلسطين والاغتصاب الاسرائيلي لها مدعومة من الامبريالية العالمية .. مقابل ذلك نجد أن الصهيونية السياسية قد جعلت من الأدب العبري سلاحاً لا يقل خطورة وأهمية عن الأسلحة الاخرى السياسية والعسكرية..
وحول هذا الموضوع المهم يعود بي حديث الذكريات الى بيروت عامي 72و1973 عندما كنت ادرس اللغة العبرية مساءً في جامعة بيروت العربية واعمل صباحاً في مؤسسة الدراسات الفلسطينية كمترجم لغة عبرية وباحث في الشؤون الفلسطينية والاسرائيلية حيث كنا مجموعة من المتخصصين في هذه المجالات نتحدث عن الادب العبري حيث اطلعني احدهم على بحث كان قد أعده الشهيد غسان كنفاني عن هذا الادب تحت عنوان (في الادب الصهيوني) قبل اغتياله في 8/7/1972 على ما اذكر.. وقد قادنا الحديث للتحدث عن الخلفية التاريخية والابعاد السياسية للادب العبري وكانت الاراء متفقة حول ما ذهب اليه الشهيد كنفاني من أن الصهيونية قاتلت بسلاح الأدب قتالاً لا يوازيه الا قتالها بالسلاح السياسي والعسكري لأن هذا الادب لا يمكن فصله عن الايديولوجية الصهيونية السياسية مع أن الصهيونية الادبية كانت سابقة للصهيونية السياسية التي ما لبثت أن تمكنت من تجنيد الأدب لخدمة مخططاتها والسعي لتحقيق اهدافها .. ولذلك نجد الادب العبري يتاثر بأهم الاحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تسود المجتمع الاسرائيلي وتبرز بشكل واضح بين الحين والاخر ويؤثر فيها .. وأحداث كالحرب تحفز الاديب العبري على التحرك للتعبير عن خوالج النفس اليهودية،المتشبعة بالفكر الصهيوني وانفعالاتها ونوازعها تبعث على القلق والمرارة فها هو الشاعر العبري (دان عومر) يصف في قصيدته (سن الثلاثين) مبلغ اليأس الذي آل اليه المجتمع الاسرائيلي فيقول:
في سن الثلاثين
انا كالبيت المهجور
تصغر بين أحلامي رصاصات الحرب
وأسمال بالية
تجفف في داخلي قطرات الدم
دم عزتي
مشاعري مدافع (عديمة الارجاع)
في (سبطاناتها) تنمو أشواك صفراء
تقصفني الى الداخل ..
وقد لازمت هذه الحقيقة الاستيطان الصهيوني منذ أن وطئت أقدام أول مستعمر صهيوني أرض فلسطين حيث راح المستوطنون اليهود يعيشون في حالة حرب دائمة وضع عناصرها وأسسها العدوانية القادة والمفكرون الصهاينة الأوائل وأدت في مراحل لاحقة الى ظهور موجة من التمرد الادبي على(الموت بلا ثمن) إلا لتحقيق أطماع هؤلاء القادة حسب تعبيرات ادباء وشعراء من هذه الموجة الذين راحوا يعبرون عن ردود فعل عنيفة هزت مجتمعهم من الداخل هزاً عنيفاً بسبب حالة الحرب التي لا تطاق وذهب بعضهم الى القول ((إذا أستمرت الظروف على هذا النحو فليس بعيداً اليوم الذي نصل فيه حقاً الى الحالة التي يكون فيها لكل شاب ثلاث بنات)) ودعا البعض الاخر في قصائده بالويل والثبور على قادتهم حيث نجد الشاعر العبري (مئير شيلاف) يقول في قصيدته:
ويل للمحاربين من على الكراسي
ولجنود الورق والقلم
وللراقدين للكمين في السرير الدافئ
ولممثلي الاهداف على المكاتب
وللصارخين (الى القتال) المتدثرين بالعباءة
يا شعراء الدم والعنصر
يا كالحي الوجوه
في قبور عبثكم العميقة
يتمدد موتاي
ومع ظهور موجة التمرد آنفاً ظهر جيل آخر من الادباء والشعراء العبريين راحوا يعبرون بدقة ووضوح عما تطرحه فلسفة الحرب الصهيونية وعما تكنه للانسانية من حقد وكره ونزعة عدوانية وفي هذا يقول (حانوخ برتوف) (( ان التغيير هو معرفة القتل والمشكلة هي مشكلة وجود يهودي ولكي يستطيع الوجود توجب عليه القتل)) .. ومع تحقيق اسرائيل لانتصارها في حرب حزيران 1967 أخذ الاديب العبري يذوب تدريجياً في الآلة العسكرية ليصبح جزءاً منها وخلع الكثير من الادباء والشعراء (أفكار السلام) ومسوح الرهبان والتناقض ولبسوا أردية القسوة والشدة والعنف وألغوا كلمات الرحمة والشفقة وبدأوا ينغمسون بارادة ووعي ولا إرادة ووعي في خضم القتل الى درجة اصبح سفك الدم العربي متعة بالنسبة اليهم .. وأصبحت الاهداف العنصرية العرقية تجاه العرب واضحة في كل عمل أدبي (صهيوني) وفي (( نفس كل اسرائيلي لا يرى أي موجب لاحترام العربي أو تقديس حقوقه)) حسب تعبير الروائي (عاموزعوز) الذي يدعي بأن الانسان العربي يشكل تهديداً مباشراً لاسرائيل انطلاقاً من أفكار (بدائية) وبلا (سبب) او (منطق) وأن من الضروري أن يستعد اليهود لدحر العرب في عقر دارهم بصفتهم (أي اليهود) أمة متحضرة تصارع أمة (متخلفة) وذلك كما جاء في روايته (في مكان ما) .. وعلى غرار هذا الشعور لدى (عوز) نجد هناك قواسم مشتركة متشابهة للكثير من الادباء والكتاب والشعراء العبريين في اسرائيل وخارجه، الذين يرون في إبادة العرب مسألة أساسية لدعم المشروع الصهيوني وفق تعبير ((فوق ركام المجازر والجثث البشرية)) .. والابيات الاتية تمثل نموذجاً من الشعر العبري ذي النزعة الصهيونية العدوانية المتطرفة الذي ظهر بعد إحتلال جنوب لبنان عام 1982:
أطردوا كل (الخونة)
من البلاد اليهودية
لا نريد هنا ..
إلا كل صهيوني حقيقي
يصرخ أمام الملأ
يهوذا والسامرة لنا
وانتم سكان يهوذا والسامرة
اجلسوا بصمت بهدوء
وقولوا شكراً
لانكم لم ترحلوا بعد
الى ما وراء البحار
ومثلما تدعي الشاعرة العبرية (نعمي شيمر) فإن الدبابات لن تكون أبداً رمزاً لحمل البرتقال طالما انها لا تزال المركبة الجهنمية التي تحمل الموت والخراب وتزرعه في العالم:
ربما سنبحر غداً في سفن
من ساحل ايلات حتى ساحل العاج
وعلى المدمرات القديمة
سيشحن البرتقال
ومن نماذج نزعة الحرب والتطرف العرقي ما تجسده هذه الابيات للجنرال (رافائيل ايتان) وهو يتحدث عن الحرب العراقية الايرانية:
ماذا علينا !!
ليذبحوا بعضهم ..
ليذبح احدهم اخاه ..
لماذا نتدخل نحن ؟
وبالرغم من أن الحروب والاعتداءات الاسرائيلية كانت تقطعها بين الحين والاخر فترات من التوقف والهدوء فإن هذا لم يؤد على الاطلاق الى جعل المجتمع الاسرائيلي يعيش في حالة من السلام المستقر لأن الشعار الذي رسمته الصهيونية السياسية ونفذه الجيش الاسرائيلي وروج له الادب العبري هو (من يتقدم لقتلك أسبق أنت لقتله) وهكذا نجد اسرائيل تستعد بين حرب وأخرى لخوض حرب جديدة .. واستناداً الى هذه الحقيقة، أي تحول الحرب العدوانية الى سمة رئيسية للمجتمع اليهودي في فلسطين المحتله ، نجد البعض من الادباء الصهاينة يسعى دائماً الى تبرير هذه الحرب وإضفاء طابع الشرعية عليها فالاديب العبري (حانوخ برتوف) يقول ((حينما جاء الى هنا اوائل الطليعيين ذوي الافكار الراقية واقاموا المجتمع الكيبوتسي اعتقد الجميع انهم سينقلون بشرى المساواة الحقيقية الى العالم بالبنطلونات والقمصان الزرقاء .. ولكن ماذا حدث؟ لقد تحولنا الى مقاتلين وليس لنا خيار في ذلك)).
وفي أدب الطفل العبري نجد أن البناء الفني والفكري يكون أشد خطراً مما هو عليه في أدب الكبار ويمكن أن نرى المزيد من التطبيقات العملية للتوجهات الصهيونية حيث يتم التركيز على إدعاءات كاذبة وأفكار مضللة إطارها العام (وجود حق تاريخي لليهود في أرض فلسطين وأن العرب هو الذين تسببوا في غربتهم ألاف السنين وتصوير الاطفال اليهود بأنهم اطفال جبابرة عظماء لا يقهرون ويهزمون العرب الذين يريدون قتلهم من اجل المتعة فقط) .. وأنسجاماً مع هذا التوجه فإن أحد المشاهد الاولى التي يذكرها الطفل مشهد



أبيه الذاهب الى الحرب التي ترافقه حتى حينما لا يكون لها ذكر في الاخبار .. وفي هذا يقول المفكر الصهيوني (أمنون روبنشتاين) ((لقد نما في الدولة جيل اصبحت الحرب جزءاً من حياته .. لقد آمن جيل 1948 ان حربه هي الاخيرة ولكنه اكتشف فيما بعد ان هذا كان وهماً)) .. والمؤلفات الادبية التي تتعامل مع موضوعات الطفل الاسرائيلي هذه تعود بداياتها الاولى الى فترة الخمسينات حين قام متطرف هو (ييغئال ماسيتيون) باصدار كتاب خاص بالاطفال، أسماه (عصابة حصبمة) وهي عصابة سرية من الاطفال اليهود، تستطيع إلحاق الهزيمة بأعدائها بسهولة ويسر وذلك خلال مغامرات كثيرة تنتهي دائماً بنفس النتيجة .. بعد ذلك ظهر جيل آخر من الكتاب ساروا على نهج (ماسيتيون) في التأليف للاطفال منهم (أرنونة غادوت) وكتابها (فتيات تزوبتك) و(روفائيل ساهار) الذي نشر كتاباً أسماه (عملية في الاهرامات) ..الخ أما أكثر الكتب رواجاً فهي كتب (إيدو ستير) وبطله (عوزيا عوز) و(أن ساريج) وبطله (داندين) .. وتدور هذه السلسلة من الكتب حول الطفل الاسرائيلي (عوزيا عوز) أو(القوي الشجاع) الذي لا يقهر ويسعى دائماً الى تحقيق أهدافه .. ويتساءل الكاتب (هازي لابين) عن الكتب التي يفضل أن يقرأها لو كان طفلاً يعيش زمن الصراع مع العرب فإنه يرى أن من واجب الكتاب والادباء العبريين الابتعاد عن كتابة القصص الجميلة التي تتحدث عن الفراشات والزهور وزيت الزيتون النقي لأن هذا سيوقعهم، حسب ادعائه، في كارثة هم في غنى عنها .. أما (أن ساريج) فيرى أن هدفه الرئيس من وراء هذه الكتب هو تغذية قرائه من الاطفال بحب (أرض اسرائيل) وتراثها .. ويسعى لان يكون الطفل الصهيوني مثل بطل القصة تماماً .. وهكذا نجد ان معظم المختصين في أدب الطفل العبري يعملون على جعل أطفال المستعمرين اليهود يرددون هذه الاغنية التي وضعها لهم (لابين) والتي تقول كلماتها:
سوف نهاجم (الاعداء)
خلال الظلام بكل قوة
لانه لا يوجد لدينا لذة
غير لذة الجريمة
وحين سئل (لابين) عن مثل هذه المؤلفات الحاقدة التي تغذي الشعور بالنقمة والحقد والجريمة لدى الاطفال نراه يحصر التبرير في الحرب التي يخوضها اليهود ضد (أعدائهم) وأن من حقهم مواجهتهم بقوة وبكل الأسلحة!.. ويتفق (لابين) مع الأدباء العبريين الاخرين على رسم نتاجهم الادبي داخل إطار المقولة العسكرية الاسرائيلية (إذا أراد أحد أن يقتلك فلا بد لك أن تعجل أنت بقتله) .. وفي قصيدة (المشكلة) نجد الشاعر (يعقوب تسيم) يخلق جواً مشحوناً بالرعب يسيطر على البيت الاسرائيلي ولا يوجد هناك من يحميه من شبح الرعب هذا ..
فالزوج الذي تجد الزوجة أمنها في حضنه مشغول في الخارج بحراسة الحدود والزوجة التي تجد الطفلة أمنها في حضنها خائفة ومذعورة .. وهنا تكتمل صورة (المشكلة) التي رسمها (تسيم) بنزعة صهيونية خبيثة بالقاء اللوم على العرب المسؤولين عن خلق جو الرعب هذا وفقدان الأمان الذي بدونه لا يمكن للطفلة أن تنام .. وهكذا في قصيدة (حكاية) لرافي دان فهي الاخرى تتحدث عن القتل والرعب وأسطورة الحق اليهودي في فلسطين .. زئيف طفل يهودي عاش على ارض فلسطين (منذ الاف السنين) ومات (منذ الاف السنين) لا أحد يدري كيف مات: جوعاً أو تحت التعذيب او برمح طائش .. ألخ .. والسبب هم العرب .. هذا ما يريد أن يوحي به الاديب (رافي دان) كما أوحى بقدوم اليهودي في فلسطين .. ثم يأتي القصد وهو: أن اقتلوا .. اقتلوا .. فإذا أراد الاطفال ألا يموتوا مثل زئيف اذن عليهم أن (يصوبوا بنادقهم تجاه الشرق) .. أي أتجاه العرب .. أما عن علاقة الادب العبري بالتوراة فإننا نجد ما يسمى بالصهيونية الدينية قد جعلت من الحرب أساساً لوجودها ومرتكزاً للانطلاق نحو غاياتها ولذلك لا نفاجأ عندما يعبر الحاخام العسكري (موشيه جوران) عن تمسكه بمبادئ التضليل وتشويه التاريخ نفسها ويعلق ((ان الحروب التي خاضتها اسرائيل هي في منزلة الحروب المقدسة! وأن حرب 1948 هي لتحرير أرض أسرائيل وحرب 1956 هي لاستمرار الدولة وحرب 1967 هي لتحقيق نبوءات اسرائيل)) وهنا نجد ان هذا الاعلان من جانب الحاخام العسكري الاسرائيلي يعبر بوضوح أيضاً عن النوايا الصهيونية التوسعية التي تضمنها المشروع الصهيوني والرامية الى تحقيق (اسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل) والتي تقرر تعليق خارطتها على مدخل الكنيست الاسرائيلي (البرلمان) لتذكير ممثلي الاحزاب الاسرائيلية دائماً بهذا الهدف الاسرائيلي الستراتيجي .. كما لا نستغرب عندما يسمح (بن غوريون) لنفسه بالتحدث عن اعداء (دولة اسرائيل) على انهم مصر وبابل وكان (زئيف جابوتنسكي)، الذي يسميه البعض بفيلسوف العنف والإرهاب في الحركة الصهيونية الاصلاحية، واضحاً مع نفسه عندما قال مخاطباً رئيس جامعة فينا اليهودي ((تستطيع أن تلغي كل شيء أما السيف فلا .. وعليكم أن تحتفظوا به لأن الاقتتال بالسيف ليس ابتكاراً المانياً بل هو ملك لأجدادنا الاوائل .. ان السيف والتوراة نزلا علينا من السماء)) .. كما نجد الارهابي (مناحيم بيغن) يطلق صرخته المشهورة ((لولا النصر في دير ياسين لما كانت هناك دولة اسرائيل))!! ويقول (عاموس كينان) في كتابه (الاسرائيليون والمؤسسون الابناء) ((إن الصهيونية الاولى قامت على اساس العقيدة في اجراء التغيير بالطرق السلمية ولما تبين أن هذا غير ممكن إرتبط الخلاص بفكرة العنف)).. والاستنتاج الذي نخلص إليه مما تقدم هو أن الحرب والعدوان كانا وما زالا بالنسبة لفلسفة الحرب والفكر الصهيوني حقيقة وجودية أو كابوساً وجودياً لا مفر منه ولذلك تحول المجتمع في اسرائيل بفعل هذا الكابوس الى ثكنة عسكرية تغذى فيها الافكار العسكرية وفي مقدمتها النزعة العدوانية والحربية وفي جو مشبع بالحقد والكراهية لكل ما هو عربي وفي إطار من المفاهيم البراقة كالامن والدفاع والشعارات المضللة كالتمرد على الحرب لكنها تخدم هدفاً مركزياً يمثل الحلم الذي يسعى اليهود لتحقيقه بدعم مطلق من الولايات المتحدة والصهيونية العالمية والمتمثل (باسرائيل الكبرى) ثم (اسرائيل العظمى) والاستحواذ على المنطقة أو كما تسميه المصادر الاسرائيلية (اقليم الشرق الاوسط) باستخدام مختلف الوسائل والاساليب كمشاريع التسوية على حساب الحق الفلسطيني والعربي والتعاون العسكري الاقليمي واقامة العلاقات الاقتصادية والثقافية..




ملاحظة :
هذه الدراسة تمثل مقدمة لسلسلة دراسات كتبها الباحث منذ الثمانينات من القرن الماضي وحتى الوقت الحاضرعن( فلسفة الحرب عند اليهود وانعكاساتها في الادب العبري المعاصر) وسيتم نشرها تباعا ان شاء الله.

المـصادر


1. عبد الوهاب محمد الجبوري/اللاسامية في الفكر الصهيوني –الموسوعة الصغيرة/ العدد 119/ بغداد منشورات دار الجاحظ للنشر- ط ، 1982.
2. مجلة الاقلام/ العدد التاسع – حزيران 1979 إصدار وزارة الثقافة والفنون – بغداد.
3. د. رشاد عبد الله الشامي/ الشخصية اليهودية الاسرائيلية والروح العدوانية/ عالم المعرفة – العدد 102، اصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب – الكويت، 1986.
4. جودت السعد/ الشخصية اليهودية عبر التاريخ – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 1981.
5. جودت السعد/ الادب الصهيوني الحديث بين الارث والواقع – المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت 1985.
6. غسان كنفاني/ في الادب الصهيوني/ مركز الابحاث/ بيروت.
7. مجلة آفاق عربية/ العدد 7 – 1987. بغداد
8. مجلة آفاق عربية/ العدد 1 – 1984. بغداد
9. محمد الصالح العياري/ الشعر العبري والصهيوني المعاصر/ كتاب المعارف يصدر عن دار المعارف للطباعة والنشر بسوسة/ تونس.
10. د. فاروق محمد جودي – مدرس اداب القاهرة – الصهيونية واحياء اللغة في العصر الحديث، مطابع النشر العربي، 8 شارع الصحافة – القاهرة.
11. مجلة الكاتب العربي، تصدر عن الاتحاد العام للادباء والكتاب العرب – دمشق، السنة العشرون، العدد (53) ايلول 2001 – عدد خامس/ عنصرية الصهيونية والنازية.
(*)باحث واكاديمي عراقي/ استاذ اللغة العبرية واللغات العاربة في جامعة الموصل