المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صبرا يا مدينة السلام



محمد بن سعيد الفطيسي
07/02/2008, 09:27 PM
منذ الأزل وجميع المقدسات الدينية في جل أنحاء الأرض لها منزلة خاصة جدا عند أصحابها، لما تمثله لهم من تجسيد لمعتقداتهم وأفكارهم الدينية والإنسانية والحضارية، وبالتالي لها احترام وتقدير يمنحها المكانة التي تسبق النفس والمال والولد، لذا فإن الحفاظ على مكانتها تلك، واحترام منزلتها الدينية والسماوية والدفاع عنها والذود عن مقدراتها واجب ديني وأخلاقي لا يمكن التغافل عنه مطلقا، وقد طالعتنا العديد من الكتب التاريخية والأسانيد والصحاح الدينية ما يدل على تلك الحرمة والمكانة والقدسية في التاريخ القديم والحديث، بحيث لم تقتصر تلك المنزلة المقدسة لتلك المعالم على الدين الإسلامي فقط، بل كانت واحدة في كل الأديان السماوية كالمسيحية واليهودية والديانات الأرضية الإنسانية منها والجاهلية، كما كان يفعل العرب سابقا قبل الإسلام مع الكعبة المشرفة على سبيل المثال، والدليل على ذلك أن قوم عاد وهم أقوام سبقوا مبعث إبراهيم عليه السلام وبالتالي بناؤه لها، كانوا يقدسون هذه البقعة الطاهرة من الأرض ويحترمون مكانتها السماوية والدينية، حيث إنهم علموا وعرفوا منزلتها وقدسيتها لدى الخالق عز وجل، وبالتالي حرمتها وحصانتها السماوية، ومن بعض الأمثلة على تلك المكانة والمنزلة أنهم (أتوا الكعبة المشرفة، وهي يومئذ ربوة عالية، وقد كانوا يدركون أن في هذا الموضع حرم الله تعالى، حيث تستجاب الدعوات، وعند هذه الربوة العالية اخذوا يدعون الله عز وجل، ويطلبون السقيا من جدب ومحل كان قد أصاب أرضهم).
ولم يقتصر تعظيم تلك المقدسات الدينية وأماكن العبادة على العرب فقط بل كان كذلك كما يثبت التاريخ عند الفرس والهنود وغيرهم في ذلك الوقت، والقصص التاريخية كثيرة على ذلك، وكذلك لدى الديانات الأخرى كالبوذية والسيخية والكونفوشيوسية والهندوسية وخلافه، وعندما جاء الإسلام إلى هذه الأرض أعطى جميع الأديان السماوية الأخرى حق ممارسة العبادة على أراضيه دون ترهيب او تخويف، بل اقر ممارسة الحرية الفكرية والدينية ما دامت لا تقلل من مكانة الإنسان وأخلاقه وبأرقى أساليب التحضر والاحترام، وقد كانت صور التسامح والمدنية واضحة للعيان منذ اليوم الأول الذي وطد فيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أركان هذا الدين، ومع اليهود على وجه الخصوص، وتشهد على ذلك وثيقة إنشاء الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، حيث جاء بخصوص اليهود أن اليهود من بني عوف وغيرهم من يهود المدينة امة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوقع إلا نفسه وأهل بيته.
وهكذا كان وما زال لتلك المعالم الدينية قدسية استثنائية خاصة منحت لها من قبل السماء والأرض، ولها حرمتها ومكانتها الدينية والأخلاقية التي تمنحها الحصانة السماوية الإلهية والأرضية الإنسانية والقانونية من أي اعتداء يمكن أن يوجه إليها من أي جهة ما، أكان ذلك الاعتداء في زمن السلم أم وقت الحرب، وبالتأكيد أن من ضمن تلك المقدسات الدينية العالمية "المسجد الأقصى الشريف" أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لدى المسلمين، وكذلك لدى المسيحيين بسبب وجود ابرز المعالم الدينية المسيحية وهي كنيسة القيامة من ضمن معالم مركز القدس، وكذلك لدى يهود ـ أن حقا لهم ذلك ـ بعض من تلك المقدسات التي لم يحترموها، وهو هيكل سليمان الذي بناه نبي الله سليمان عليه السلام بيتا للرب كما تشير نصوص التوراة (ولكن اليهود لم يوقروا حرمة هذا البيت في عهودهم المختلفة، ولذا يسجل التاريخ عنهم أنهم اعتدوا على حرمة هذا المعبد وأضاعوا بهاءه ورونقه، إذ حولوه إلى سوق للبيع والشراء، ويتزاحم في ساحته تجار الثيران والكباش والحمام، ويصبح مربطا للأنعام في عهودهم الأولى، وهكذا غطى خوار البقر وثغاء الأنعام على صلوات الكهنة وتراتيل اللاويين)، ولذا (تنبأ المسيح عليه السلام بنهاية هذا البناء وقال لتلاميذه "أترون هذه الأحجار العظيمة، لا يترك حجر على حجر إلا وينقض" وقد تحققت نبوءته بعد خمس وثلاثين سنة على هذا الحديث، إذ اختفى هذا الصرح من البناء بعدها) وعليه فإن بني يهود عندما يبحثون عن هذا الصرح الذي يتصورون وجوده، فإنهم يبحثون عن آثار لا أكثر، وهم يدركون ذلك، ولكن وكما يدرك الجميع فإن ما يقومون به من حفريات ليست بهدف البحث عن مكان ذلك الصرح او ذلك الأثر، وإنما محاولات حاقدة لتدمير المسجد الأقصى الشريف، ولأهداف يعلمه الكثيرون من كتاب ودارسي التاريخ اليهودي.
وبالتالي ليس جديدا ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاصبة هذه الأيام من اعتداءات سافرة على مدينة السلام والحب والطهر الأبدية والتاريخية ـ القدس الشريف ـ وعلى وجه التحديد تجاه المسجد الأقصى، من محاولات الهدم والدمار وتغيير المعالم التاريخية والإسلامية، فمنذ وجود هذه التي يطلقون عليها الدولة الإسرائيلية بقرار ظالم من قبل الأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 1947م، وهي تمارس أبشع أنواع الإرهاب والعنف والقتل والتدمير تجاه شعب بأكمله، فرض عليه أن يجاور ويقاسم ثرواته ومقدراته وخيرات وطنه من سلبوه أرضه وأمنه واستقراره، وقد تعودنا تلك الأفعال المخالفة لكل قوانين السماء والأرض من ذلك الجنس الذي يعتبر نفسه أفضل شعوب الأرض جميعا، بل هو شعب الله المختار، وبهذه العقيدة التي يتمسك بها ويعتبرها صكا إلهيا لا يمكن التراجع عنه، بل يلقنه لأطفاله فينشئون على عقيدة الجنس الخاص، سعت زمرهم المتوالية على مدى تاريخهم الأسود في هذه الأرض إلى إيجاد الايديولوجيا التاريخية العقائدية التي ستكون الدافع للتمسك بتراب ارض الإسلام والعرب فلسطين، وبالطبع فإن الوسيلة الوحيدة لذلك هي بعض من أساطيرهم ومعتقداتهم التاريخية التي ستكون كفيلة بذلك، وعلى رأس تلك المعتقدات والأفكار، فكرة الهيكل المزعوم الذي يبحثون عنه منذ زمن طويل تحت أركان وأساسات المسجد الأقصى الشريف.
وها هي قطعانهم الوحشية وأرتال دباباتهم وجرافاتهم بين الفينة والأخرى، وبناء على تلك الأساطير والمعتقدات التاريخية والأيديولوجية الواهية، تعود لتقوم بأبشع ما يمكن أن يمارس من إرهاب الاحتلال على بني الإنسان في أرضه ووطنه ومعتقداته، وعلى وجه التحديد من خلال تلك الأعمال الابتزازية المبيتة والقائمة على محاولات تشويه وتغيير وتهويد واحد من ابرز معالم ورموز المسلمين الدينية وهو المسجد الأقصى الشريف، وقد تناقلت وسائل الإعلام الدولية مشاهد تلك الصور البشعة لتلك الأعمال الوحشية والإجرامية التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والتي جرحت مشاعر المسلمين في كل أنحاء العالم، ومن أبرزها تجريف التل الصغير الواقع عند باب المغاربة أحد أبواب البلدة القديمة والمؤدية إلى الحرم القدسي وإلى حائط البراق، رغم مزاعمهم بأن الأفعال التي يقومون بها هي مجرد أعمال تهدف إلى تدعيم جسر خشبي تضرر خلال عاصفة ثلجية منذ سنتين.
ولكن الحقائق واضحة وضوح الشمس، فليست هذه الابتزازات والأفعال بالجديدة وليست هـذه الأعمال بالأعمال المؤقتة، بل هي أفعال مبنية على امتدادات أيديولوجية وتاريخية قديمة قدم حقدهم وكراهيتهم لما دونهم من شعوب الأرض، ويؤكد ذلك تاريخهم الدموي الأسود الذي مثلته اصدق تمثيل تلك المجازر الوحشية المتكررة والمتوالية منذ وجودهم على ارض العروبة والطهر فلسطين العربي المسلم، وان ما يقومون به هذه الأيام من أعمال حفر تحت أساسات المسجد الأقصى الشريف، ما هي سوى امتداد لذلك الحقد وتلك الأعمال الخارجة عن القوانين السماوية والأرضية، ويؤكد ذلك ما أفاد به مدير جمعية الأقصى الشيخ فريد الحاج يحيى، والذي أكد أن هذه (الأعمال تتم عن طريق دائرة الآثار الإسرائيلية التي استطاعت عن طريق السماسرة شراء دكان صغير يقع في شارع الوأد مقابل مطعم البراق بالقرب من حائط المبكى، والذي لا تزيد مساحته عن مترين عرضا ومترين طولا من مواطن مقدسي من سكان منطقة رأس العمود بمبلغ 60 ألف دولار، وهذا الدكان هو المخبأ الذي شرع بحفر النفق من داخله، حيث يتم الحفر بصورة سرية وسريعة بعد أن يغلق باب الدكان، والعمل لا يزال متواصلا بحيث بدأت الحفريات من شارع الوأد وامتدت باتجاه باب السلسلة وصولا إلى المسجد الأقصى ويتم هذا العدوان في وضح النهار، ودون أن يعلم أي شخص من سكان المنطقة، كما يتم بناء "كنيس" يهودي فوقه وتشير الجمعية إلى أن هذه ليست حادثة فردية، وأكدت في بيان لها أن هناك العديد من الحفريات التي تتم بهذا الأسلوب)، وهو ما يؤكد وقوع هذه الجرائم مع سبق الإصرار والترصد.
ولو عدنا قليلا إلى استقراء التاريخ الحديث لتلك الأعمال والمخططات اللااخلاقية والاعتداءات الوحشية المبيتة تجاه المسجد الأقصى الشريف على وجه التحديد، وتجاه كل ما يمد بصلة إلى الأديان والعقائد السماوية الأخرى بشكل عام، والتي من خلالها يتأكد لنا بشاعة أيادي الإسرائيليين منذ اللحظة الأولى التي وطئت أقدامهم الملوثة بدماء الأبرياء والضحايا، وسوء أفكارهم ارض العروبة والإسلام فلسطين، لوجدنا ما لا يمكن أن تضمه الكتب والمجلدات من امتدادات لتاريخ مظلم ومليء بالجرائم والإرهاب وبشاعة الأهداف والمخططات، (وقد تم لهم تنفيذ بعض هذه المخططات، بل كثير منها، بعد أن انطلقوا من القماقم كالمردة، الذين يمثلون الشيطان في الأرض، واستغلوا غفلة الأمم عن أهدافهم الدنيئة، وكم قامت من حروب بتدبيرهم لهدم الأديان والمذاهب الإسلامية والمسيحية، ونشر العداوة والبغضاء بين أصحاب هذه الأديان والعقائد، والوقيعة بينهم).
لذا فإنه قد أصبح من الضرورة الملحة والقصوى الإسراع إلى إيجاد آلية دولية قانونية ملزمة وغير مؤقتة، وضمن نطاق الأمم المتحدة وتحت إشرافها، ووفق الاتفاقيات الدولية المعمول بها في هذا الخصوص، تلزم حكومة الكيان الإسرائيلي المحتل احترام تلك القوانين الدولية ووضع القدس الشريف الديني والاممي والقانوني وعلى وجه التحديد المسجد الأقصى ومعالمه الدينية والتاريخية، كاتفاقية لاهاي التي توصلت إلى إبرامها اليونسكو في عام 1954م، بشأن حماية الممتلكات الثقافية، واتفاقية جنيف المبرمة في عام 1945م، وفي الملحقين المنضمين إليها عام 1977م والتي تضع أسس حماية المقدسات الدينية وقت السلم والحرب على السواء، كذلك اتفاقية فيينا بشأن خلافة الدول في ممتلكاتها ومحفوظاتها وديونها المبرمة عام 1983م، والتي تضفي الحماية القانونية للمقدسات الدينية، والقرار الدولي رقم 533 لعام 1986 والذي يقضي بإدانة محاولة تهويد بيت المقدس وإزاحة الطابع العربي والإسلامي منه، والقرار رقم 476 الصادر في 5 يونيو 1980، والذي شجب تمادي إسرائيل في تغيير الطابع العمراني لها، وتكوينها الديموغرافي وهيكلها المؤسسي، وغيرها الكثير من القوانين الرسمية المعترف بها دوليا.

* المقال قديم للعلم

هشام عبد المؤمن
07/02/2008, 10:58 PM
http://www.arabswata.org/forums/showthread.php?p=178960#post178960