المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فهد الخليوي يصدر مجموعته القصصية الأولى



مسعد الحارثي
11/02/2008, 06:46 PM
http://i28.servimg.com/u/f28/11/53/02/12/nadi10.png




الخليوي يقدم مجموعته الأولى بعد ربع قرن من الزهد..


جريدة عكاظ/ عبدالعزيز الخزام (جدة)

عندما وقع عقد "النشر المشترك" مع النادي الأدبي بحائل, كان يبدو سعيدا ومرتاحا للحفاوة التي استقبل بها ابداعه القصصي, وكان يبدو في غاية الرضا وهو يعلن: "سأكرر نشر وطباعة ما لدي من أعمال أدبية لا تقتصر على السرد فحسب". واليوم يطل "فهد الخليوي" متأخرا لأكثر من ربع قرن, بمجموعته القصصية الاولى "رياح وأجراس", والتي صدرت في كل من: حائل وبيروت, لدى: النادي الأدبي بحائل ومؤسسة الانتشار العربي, ضمن مشروع النشر المشترك الموقع بين المؤسستين الثقافيتين.
ولايخلو هذا الإصدار المميز والمهم من بعض المفارقات: مجموعة كبيرة من نصوص المجموعة ترجمت الى الفرنسية ونشرت قبل فترة طويلة من نشرها بالعربية.
وقد قام بذلك المترجم التونسي ابراهيم درغوثي منذ أكثر من عامين, في مبادرة شخصية من المترجم الذي اعتبرها بمثابة "تحية صغيرة" لهذا المبدع الذي عرفته الساحة المحلية بوصفه واحدا من ابرز الكتاب الصادقين والزاهدين في الاضواء والشهرة.
ويبدو الخليوي في هذه المجموعة مشدودا الى القصة القصيرة جدا, ليجعل القارئ يستحضر البعد الزمني الكامن خلف هذه التجربة الثرية التي كان الخليوي, وهو أحد الرواد في الصحافة الثقافية ايضا, ويعد واحدا من الاسماء الاولى التي خاضت تجربة الكتابة القصصية القصيرة جدا في الساحة المحلية.

مقدمة الزهد والصمت

ولايخفي الشاعر علي الدميني, الذي كتب مقدمة المجموعة, مشاعر البهجة الخاصة باحتفائه بموافقة الخليوي على اصدار مجموعته الاولى, ويقول الدميني في المقدمة التي جاءت تحت عنوان "فهد الخليوي: الزهد في الاضواء وكتابة الصمت", بأن هذا الاحتفاء يتيح لنا رؤية كاتب وقاص عمل في سياق تطور مفهوم الكتابة الادبية في بلادنا, منذ أوائل السبعينات الميلادية وحتى اليوم.
[
جماليات القصص

ومن "المقدمة" نقتطف الأجواء التالية:
فهد الخليوي اسم يحتل في الذاكرة مساحة أكثر غنى وتأثيرا من جماليات نصوصه التي استمتعت بقراءتها ضمن هذه المجموعة وخارجها, لأن كتابته الثقافية والإبداعية, التي احتفظ قراؤه ومجايلوه بفاعلية حضورها أكثر مما زهد الكاتب في الحفاظ على نصوصها الاصلية (حيث مزق الكثير منها), تؤرخ لمرحلة انتقال من ذائقة الى ضدها, ومن حساسية إلى بديلها, على الصعيدين الدلالي والجمالي معا"."منذ كتاباته المبكرة في الصحافة المحلية في مطلع السبعينات, اختط "فهد الخليوي" لنفسه مسارا واضح المعالم, لايركن الى المهادنة أو استمراء مجانية الكلمة, كما لم ينخدع بما تعد به من مغانم زائفة.
ولذلك ذهب الى صومعة "الزهد" الفاضلة منذ مطلع التسعينات, بعد أن أسهم بشكل فاعل في الاشراف على الصفحات الثقافية في مجلة "إقرأ", وحفر اسمه خلالها كمثقف تنويري, ومبدع يعمل ضمن سياق الباحثين عن رؤى متسائلة, وآفاق ممكنة لكتابة جديدة".

http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20080208/Con20080208171567.htm

نجوى الظافري
17/02/2008, 01:31 AM
خبر طالما انتظرناه
مبروك استاذي فهد لإصدار مجموعتك القصصية الأولى.
والسوآل هو كيف ألحصول على نسخة منها.
تهنئة لك من القلب.

دكتور/ مخلص أمين رزق
17/02/2008, 02:14 AM
الأخ الفاضل الأستاذ/ فهد الخليوى
مبارك لكم إصدار هذه المجموعة القصصية.
وأتمنى أن أكون أول الحاجزين لنسخة منها.
وحبذا لو تنشر هنا فى واتا أجزاء منها حتى تعم الفائدة.
دام قلمك يثرى المكتبة العربية ببديع فكركم؛؛؛؛مخلص أمين

عبد الحميد الغرباوي
17/02/2008, 02:32 AM
أهنئ أخي العزيز الأديب فهد الخليوي بمناسبة صدور مجموعته القصصية البكر" رياح و أجراس"...
و أتمنى أن تكون فاتحة إصدارات أخرى تليها...
مودتي

ابراهيم اسعد
18/02/2008, 07:42 PM
شكرا أستاذ مسعد على نقل هذا الخبر المبهج
مبروك لنا وللأستاذ المبدع فهد الخليوي

ناجي عزيز
20/02/2008, 06:15 AM
تهنئة من الأعماق للمبدع الأستاذ فهد الخليوي
كما اسئل بدوري نفس السوآل الذي سبقتني في طرحه الأخت نجوى.
كيف الحصول على نسخة من هذه المجموعة التي أسعدني خبر صدورها.
تحية لناقل الخبر السعيد أخي مسعد الحارثي.

ناجي عزيز
20/02/2008, 06:15 AM
تهنئة من الأعماق للمبدع الأستاذ فهد الخليوي
كما اسئل بدوري نفس السوآل الذي سبقتني في طرحه الأخت نجوى.
كيف الحصول على نسخة من هذه المجموعة التي أسعدني خبر صدورها.
تحية لناقل الخبر السعيد أخي مسعد الحارثي.

الدكتور أسعد الدندشلي
20/02/2008, 09:39 AM
الأستاذ فهد الخليوي المحترم
تحية طيبة وتهنئة من قلبي مباركة لك مع أحلى الأمنيات لمزيد من العطاء والتألق المثمر
مع محبتي واحترامي وتقديري

الدكتور أسعد الدندشلي
20/02/2008, 09:39 AM
الأستاذ فهد الخليوي المحترم
تحية طيبة وتهنئة من قلبي مباركة لك مع أحلى الأمنيات لمزيد من العطاء والتألق المثمر
مع محبتي واحترامي وتقديري

مسعد الحارثي
20/02/2008, 10:39 PM
مقدمة

فهد الخليوي:" الزهد في الأضواء" و"كتابة الصمت "
بقلم/علي الدميني


باطمئنان مبكر يمكنني القول بان " فهد الخليوي " الإنسان ، والكاتب ، والمبدع ، ينتمي إلى شجرة صحراوية تمتلك قدرتها على التعاطي مع وسطها الحياتي – في مختلف أبعاده- وفق منطلقين هما : الزهد في الأضواء ، والاحتفاظ بالقدرة على متابعة "كتابة الصمت" الفاعلة، مدفوعا بوعيه الثقافي وحساسيته الفنية ، في صياغة معادلة ذهبية تضمن للذات استقلاليتها وتفردها إزاء تعالقاتها مع الواقع وإكراها ته.

وهذه الشجرة من الكتاب الذين عرفتهم ساحتنا الثقافية المحلية في المملكة ، (من "حمزة شحاته، ومحمد العلي إلى فهد الخليوي ، وأقرانه )، تمتعت بقدرات متفردة مكنتها من المحافظة على معادلات الحرية والاستقلالية الذاتية ، إزاء اشتراطات التواصل مع الآخر، وامتلكت الجرأة والجلد على نقد أنجاز الذات المبدعة أولاً، من خلال نسيانه أو حجبه عن الظهور، وبالتالي امتلكت الشجاعة والمصداقية في نقد منجز الآخر تالياً، بحيث استطاعت من خلال ما انطوت عليه من ملكات " الزهد" في الأضواء والشهرة، أن تمضي في العمل على إبداع كتابة تتسم بالجرأة و الصدق و التقشف في آن .

ولعل في هذه التشكيلة الثقافية والإبداعية والنفسية لهذا النمط من الكتاب، ما يفسر لنا أسرار " الزهد " في جمع كتاباتهم بين دفتي كتاب، مثلما غدت حاضناً فنياً لا يمكن أن يرشح عنه إلا تلك الكتابات الاختزالية المكثفة ، التي تغلف ما ينشرونه في الصحف السيارة ، للتعبير عن انشغال كل منهم بالبحث الدائب عن أنموذج فني يجعل الكلام قريباً من الصمت الموجز، والبوح المرموز، المحمّل بطبقات كثيفة من إمكانات التأمل والتأويل.

2- لا نحتفي بمجموعة " فهد الخليوي" الأولى، من خلال النص الماثل بين أيدينا وحسب، وإنما نستحضر البعد الزمني العميق الكامن خلف هذه الإطلالة المتأخرة، لأكثر من ربع قرن على الأقل، لنرى إلى كاتب وقاص عمل في سياق تطور مفهوم الكتابة الأدبية في بلادنا، منذ أوائل السبعينيات الميلادية ، وحتى اليوم. ذلك أن الكاتب ومجايليه، المهمومين بقضايا الكتابة الواعية والمتجاوزة ، كانوا من الأسماء المؤسسة لحساسية كتابة مغايرة، ومغامرة أيضاً، شهدت على أزمنة التحولات المفصلية في حياتنا الثقافية، فغدوا نصاً آخر اختط طريقه ، وأثث بيته الأدبي وفق ما استدعته المرحلة من معادلات التحدي والاستجابة...التفاعل والتراكم... الحنين والإفاقة.
"فهد الخليوي " اسم يحتلّ في الذاكرة مساحة أكثر غنى وتأثيراً من جماليات نصوصه التي استمتعت بقراءتها ضمن هذه المجموعة وخارجها، لأن كتابته الثقافية والإبداعية ، التي احتفظ قراؤه ومجايلوه بفاعلية حضورها أكثر مما زهد الكاتب في الحفاظ على نصوصها الأصلية ( حيث مزق الكثير منها ) ، تؤرخ لمرحلة انتقال من ذائقة إلى ضدها، ومن حساسية إلى بديلها، على الصعيدين الدلالي والجمالي معاً.

فهد الخليوي " شكّل مع آخرين قنطرة للعبور ما بين حالين ، وما بين مناخين ، مشتبكين بجدل المبنى والمعني، و أخطوطة الرؤيا والتعبير، وشراسة البحث عن أفق دال على ذاته، إلى مدلول يبحث عن تحقق تلك الذات.
وتحفل قصته " أجراس " ، من خلال بطل النص الذي يضطر لحمل متاعه وكتبه ومغادرة بيته القديم في إحدى الحارات الشعبية، بما يدلنا على الكتابات المؤسسة لوعي السارد في تلك المرحلة التاريخية ، حيث يقول " أخذ يشحن الكتب ذات الحجم الأكبر.. (الوجود والعدم)، يحتاج بمفرده لكرتون (الحرية سابقة للوجود العدم خارج الوجود) سارتر أديب وفنان .... ،( تدهور حضارة الغرب) لاشبنغلر ، ثلاثة أجزاء ، تحتاج لأكثر من كرتون......ستنتهي مهلة اليومين وأنت تقرأ قبل أن يجيبك هذا الموسوعي الجبار على سؤالك ، أما (هكذا تكلم زاردشت) فأقل حجما ويمكن شحنه مع بقية الكتب (على كل سائر أن يكون جسرا للمتقدمين وقدوة للمتأخرين) نيتشه.....

ومنذ كتاباته المبكرة في الصحافة المحلية في مطلع السبعينيات، اختط " فهد الخليوي " لنفسه، مساراً واضح المعالم ، لا يركن إلى المهادنة أو استمراء مجانية الكلمة، كما لم ينخدع بما تعد به من مغانم زائفة. ولذلك ذهب إلى صومعة "الزهد" الفاضلة منذ مطلع التسعينات، بعد أن أسهم بشكل فاعل في الأشراف على الصفحات الثقافية في مجلة " إقرأ " ، و حفر اسمه خلالها كمثقف تنويري، ومبدع يعمل ضمن سياق الباحثين عن رؤى متسائلة ، وآفاق ممكنة "لكتابة جديدة".

أيها الصامتان الوقوران كالثلج فوق المآذن
والوشم في عتبات المكانْ
كيف تبلى الليالي بأقراطها البيض بين ثياب المدينة ،
من دون سوءٍ ،
ولا تبليانْ

غابةً كنتُ، لكنني قد حسبت بأنكما
طائرانْ
توّج الصمت حبركما
فامنحاني من الحبر ما يترع القلبَ
قبل انطفاء الأوانْ.

في أواخر عام 1990م، الذي ينطوي على العديد من الدلالات، حضر الصديقان، المغموسان في طيات حضورهما البهي في ذاكرتي (فهد الخليوي و جبير المليحان ) في هذا النص القصير ، متيمناً فيه، بكتاباتهما المكثفة، و واقفا من خلاله أمام ما تميزا به من جماليات " صمت الكتابة" ، و " الزهد في الأضواء "، و مؤملاً في نفس الوقت أن يعاودا ملء فراغ موقعيهما الشاغرين في حراك ساحتنا الثقافية .
ولكم تغمرني مشاعر البهجة الخاصة اليوم باحتفائي بموافقة " فهد الخليوي" على إصدار مجموعته القصصية الأولى عبر نادي " حائل الأدبي "، و ممارسته لدوره الثقافي من خلال ديوانية " القلب المفتوح " في دارته المحروسة بشمال جدة، مثلما كنت قد سعدت من قبل بمعاودة " جبير المليحان " شغفه بالإبداع القصصي ، وحضوره كفاعل مؤثر، عبر مواقعه العديدة ، في ساحتنا الثقافية .

4- وإذ لا يتيح لي فضاء كهذا الذي اخترته كمقدمة احتفائية بموافقة "مبدعنا " على المضي في تجربة نشر مختارات من نصوصه القصصية، لتدوين قراءة مستمتعة بالنص، فسأكتفي بالإشارة إلى ما تحفل به هذه المختارات من ممكنات القراءة التأويلية المبنية على مفهوم النص القصصي القصير ، من حيث ارتباطه بالسرد البدائي وبناه الأسطورية الرمزية ، القريبة من تشكيل البنية الشعرية ، في ارتكازهما على " التكثيف لا التوسع ، والتركيز لا التشتيت " ، بحسب الناقد عواد علي " *،( وأذكِّر القارئ هنا بأن القاص يكتب القصيدة إلى جانب كتابته للقصة القصيرة ، والقصيرة جداً ).
ولذا فإننا نلحظ في هذه القصص غياب البعد الواقعي ( الكنائي) للشخصيات والأمكنة، وحضورها كشخصيات وأمكنة مؤسلبة ، أكثر من حضورها كذوات حقيقية ، كما يقول بذلك " نورثورب فراي ". فالمرأة في قصة " سطور من تراث الوأد " التي تتعرض إلى عملية وأد جماعية ، لا تحيل إلى مخيال امرأة محددة الملامح والسيرة الحياتية، وإنما تتحول إلى مكمن للتأمل والتـأويل، يستذكر تراث الوأد القديم والمعاصر للمرأة، مثلما تغدو موازيا رمزياً لوأد الحقيقة ... وأد المستقبل... و وأد الحرية أيضا.
والمرأة في قصة " ظلام " لا تشير إلى كينونة إنسانية بذاتها وحسب ، وإنما إلى حالة اجتماعية عامة تشمل الوجود الفردي والجمعي معاً ، حتى يصبح التعبير عنها في النص دالاً على صراع رغبات مقموعة و هواجس مضمرة لكسر حواجز القيد، تتهيأ لكشف الحجاب عن مكنوناتها، التي غشيتها الظلمة من شدة لبس (القناع / الأقنعة).
فالقناع لا يخص المرأة المؤسلبة في النص، وإنما يغدو دالاً شديد الاتساع لحالة مجموعة من الناس ، أو قوم من الأقوام، هم في أمس الحاجة لنزع الحجاب عن أعينهم ، لكي يروا واقعهم كما هو، ولكي يبلغوا مساحات الأزمنة المضيئة.
ويمكن أن نمد زاوية النظر إلى تلك التقنية الكتابية في بنائها لفضاء الأمكنة، حين نرى إلى أن " القرية التي هجرتها شاحنات القمح " بفعل سطوة سيد الأرض، وأن المدينة التي تقاوم التغيير فيما تهددها الريح ، ليست قرية بذاتها ، أو مدينة بعينها، وإنما هي أمكنة مؤسلبة ، يمكن أن نتقرى فيها ملامح التعبير عن الذات الإنسانية ، والكيان الوطني ، وعن الأمة الباحثة أيضاً، عن أفق للتشكل الجديد ، عبر رؤى أعين قلقة على مصيرها ، و باحثة عن مستقبلها في هذا الكون.

وفي هذا السياق لا أجد أجمل من اجتزاء مفتتح كتابة الدكتورة"شادية شقروش " من الجزائر عن مجموعة الخليوي بعنوا ن " سلــطة الكتابة بين المبدع والمتلــقي قراءة في نصوص فهد الخليوي السردية"، والتي نشرتها في صحيفة عكاظ على مدى ثلاث حلقات ، قائلة : (( يرتكز المقياس الجمالي والفني والحضاري على إنتاج المتميز والأجمل والخالد، وبصورة أدق، المختلف.
من هذا المنطلق يكون الإبداع الحقيقي في براعة البناء والسعي إلى مخالفة السائد، والمألوف، وبالتالي فالتمرد الأدبي القائم على رؤيا فيها نوع من الصفاء والحكمة، سيقودنا بالضرورة إلى الاختلاف، لذا كان لكل انحراف وعدول منطقه الخاص.
من هذا المنطلق تصبح الكتابة عنتا والقراءة متعة أو ما يسميه رولان بارت (Roland Barth)- "لذة النص)). **

ولا شك عندي في أن ما يكتبه القاص "فهد الخليوي" يقع ضمن هذا الإطار الذي نستمتع به ، ونتشوّف معه إلى مزيد من العمل الدءوب على الاستمرا رفي تطوير فاعلية ما يضمره من إضافة وتميز.

* عواد علي – صحيفة الزمان – 27/1/2003م
** شادية شقروش – جريدة عكاظ – 7/9/2007م


نماذج من قصص المجموعة:


رياح


لم تعهد المدينة تلك الرياح التي أزّّت بعنف قرب شواطئها , مما اضطر أمن السواحل لإصدار تحذير عن مدى خطورة ارتياد البحر.
وردت أخبار من محيطات بعيدة تفيد بأن المدينة ستمنى برياح أشد , وأكد فلكيون بانتقال الرياح من البحر إلى قلب المدينة.
كان سرب من الطيور يغرد فوق البحر, ثم دفعته شدة الرياح للتحليق بعيدا باتجاه الصحراء.
أقفرت الشواطئ , بعد أن هجرها الناس وظلوا فى بيوتهم وجلّ أحاديثهم تدور عن الرياح.
قال كهل يقطن شرق المدينة : ( ليس باليد حيلة إنها الرياح ).
ازدحمت بالسماء سحب كثيفة , وكأنها تنذر بحدوث شيء ما لكن البعض رجّح بأنها مجرد أمطار غزيرة ستدفع بها الرياح إلى أماكن أخرى.
استبد شغف لدى الناس بتقصي كل ما يتصل بمعرفة الرياح , وتوصل باحثون إلى أن كلمة رياح هي أكثر المفردات انتشارا بالكتب المقدسة وفي معاجم الأمم القديمة والحديثة.
كما أن الكتب المهتمة بتاريخ الرياح أشارت إلى أن مدنا مشتتة بأصقاع العالم اجتاحتها رياح عاتية , ودكت سكونها وبدلت أزمنة بأزمنة وأنماط بأنماط .
وأوضحت تلك الكتب بأن بعض الرياح تجري بالفضاء الشاسع وتبدل رونق الطبيعة ولكل ريح في ممالك السماء فلك ومدار.
ازداد هيام الناس بالتقاط أخبارالرياح من كل منفذ متاح ، بعض المهتمين عاد به البحث إلى أزمنة سحيقة وروى أن للرياح أساطيرها وطقوسها وهي تضرب بأعماق البحار ، وتجتاح الصحارى، وتدك أقوى الحصون, وتهزم أعتى ألأباطرة, وتحيل الساكن إلى متحرك والثابت إلى رماد.
وحكى الراوي أسطورة القرية التي نسفتها الرياح عن بكرة أبيها, ولم ينج من أهلها عدا بضعة رجال ونساء تناسلوا عبرالأزمنة وأعادوا بناء القرية بأنساق جديدة بعد أن هبت عليهم رياح ، حملت أمطاراً غزيرة جلبتها من سماء بعيدة ، وارتوت بعد هطولها الأرض ، وأينعت السنابل ، وتكاثر النسل وأقيمت الأعراس ، وأضيئت الشموع في كل دار وسابلة.
وصلت الرياح إلى وسط المدينة ، وأخذ أزيزها يصطخب ويصل إلى أطرافها القصية.
انطوى اليوم الأول من مجيء الرياح بعد أن حاصرت المدينة من جميع الجهات.
تعامل الناس مع ظاهرة الرياح ، تعاملا ينم عن الاستسلام للأمرالواقع
وصدرعن مرصد المدينة ، توضيح أفاد بأن المدينة لم تتعرض طوال تاريخها لرياح بهذه القوة والتأثير.
تضرع الآباء والأمهات إلى الله بأن تصبح هذه الرياح ، فواتح خير ومحاصيل بركة ورحمة ، وتجنيب المدينة من شرورها وعواصفها المتقلبة.
كان القلق يرتسم على الملامح خوفا من انهيار البيوت ، والصروح والأعمدة سيما وأن المدينة بنيت على النسق القديم ذي الطبيعة العشوائية وربما تصبح في مرمى الخطرالمحدق أمام هول الرياح وضراوتها.


إبادة

حرك جسده الضامر , فتح بيديه المرتعشتين خزانته المثقلة بأقفال صدئة.
قرأ أوراقا نسخت بمداد زمنه الآفل تذكر ، ضحاياه وكأنهم طيور متوحشة تهبط فوق روحه المتلاشية.
شعر بهمود ذهنه ونفور عروقه , وقرقعة عظامه ، نشطت حشرة الإبادة وأنجبت سلالتها المدمرة في ربوع بيته الكبير.
قاومها بكل مقتنياته الفتاكة , انهارت مقاومته أمام الزحف الكاسح للحشرة.
توغلت الحشرة في بطون الجدران ودلقت عناصر الإبادة في كل زوايا البيت.
اطل عبر النافذة إلى بهو بيته الكبير , كان البهو يغرق في لزوجة صفراء والحشرة تسبح في تلك اللزوجة تلتصق بجسدها القاتم أثداء مملوءة بسوائل نتنة.
انتشر فحيح الحشرة وفاضت اللزوجة في أرجاء المكان.
تحسس نبض عروقه وصرخ:
- كياني يحترق!
تسلقت سلالات الحشرة أبدان حاشيته وأخذت إحدى زوجاته تعوي من قسوة داء الجرب , وعصف (الدرن) بأطفاله وفلول خدمه.
حدق بالشمس وترجرج دمع آسن في قاع عينيه أسلمه إلى ظلام دامس.
- إنه الفناء!!
قال ذلك واستسلم لعواء طويل!



أجراس

خمسون حولا دقت أجراسها في غضون الزمن , بين صخب جرس وآخر تقبع ارتعاشة مرهفة داخل مسرحية طويلة , يشدها قضيبان , هزلي وتراجيدي.
كان في تلك الليلة ضجرا , رغب لو تمطر السماء وتبلل الأرض وتنقر بزخاتها هياكل السيارات التالفة وبقايا الأخشاب المهملة وكميات العلب الفارغة المتناثرة على جنبات الشوارع.
كان يحلم أن تمطر السماء وتثير في مشاعره عبق الذكريات الآفلة0
قاد سيارته باتجاه جنوب المدينة , كانت منظومة من النجوم مصطفة في السماء وقد نسجت عقدا ضوئيا تلاشى سريعا وسط غيوم بيضاء تمزقت كنتف القطن وسمحت لشفافية ضوء بعيد بالتسرب بين فجواتها الباردة.
الأحياء القديمة جنوب المدينة ، تلتصق في بعضها كالتلال الرملية الصغيرة ، وتشيع عبقها الطيب الممزوج بالسكينة والإستكانة.
للأمكنة في هذه الأحياء المتصلة بغوابر الأزمنة حضورمتألق في ذاكرته.
عبر شارع ضيق ، أفضى به إلى حيه القديم ،ها هو مسجد الحي عند بوابته الخشبية نعشان متقابلان لم يتغير مكانهما ثم مقهى(عبده اليماني) الذي رحل إلى اليمن قبل سنوات وباع المقهى لأحد الهنود
توغل داخل الحي إلى أن وصل لمنزله الصغير الذي تركه قبل ثلاثين عاما ، بسبب عجزه عن دفع أجره الشهري ،مالك المنزل أمهله يومين للبحث عن منزل آخر.
ـ آنذاك ـ جلب عشرات الكراتين ، من مرمى مستودعات الأغذية لشحن كتبه ، أما باقي الأمتعة فأمكن شحنها بكيس صغير ، إبريق شاي من النحاس الأصفر، سخان كهربائي عتيق ، كوب من
الزجاج الباهت ، فراش من الإسفنج الهابط ، أقلام ، ناي , شريط غنائي ل (فيروز) ، وآخر ل(فوزي محسون).
أخذ يشحن الكتب ذات الحجم الأكبر (الوجود والعدم) يحتاج بمفرده لكرتون (الحرية سابقة للوجود العدم خارج الوجود) سارتر أديب وفنان أكثر منه فيلسوفا ومنظِرا.
(تدهور حضارة الغرب) لاشبنغلر ، ثلاثة أجزاء ، تحتاج لأكثر من كرتون (المدينة ليست نواة حضارة سكان المدن يكررون الحياة والموت بطريقة رتيبة وليس لهم علاقة بصنع الحضارة البتة) كيف؟
ستنتهي مهلة اليومين وأنت تقرأ قبل أن يجيبك هذا الموسوعي الجبار على سؤالك ، أما (هكذا تكلم زاردشت) فأقل حجما ويمكن شحنه مع بقية الكتب( على كل سائر أن يكون جسرا للمتقدمين وقدوة للمتأخرين) نيتشه 00 فيلسوف عظيم لا يتكرر.
أقلع عن همهماته وانهمك في ترتيب الكتب ، ذات الحجم الأكبر ، ثم الأوسط ، فالأصغر.
حمل كراتينه المدهشة وكيس متاعه الصغير ، ورحل عن هذا الحي قبل ثلاثين عاما.
إيقاعات حزينة وشجية ، تناغمت في فضاء روحه شعر أن ذاكرته تشتعل وتصهر المكان والزمان ، وكأنها تحيل حقبة توارت إلى دقائق معدودات.
قاد سيارته متجها إلى الشارع العام ، ثم سلك الطريق المؤدية الى
البحر هناك وقف على الشاطئ منصتا لدمدمة البحر.


عن قرية هجرتها شاحنات القمح

عندما جاء سيد الأرض إلى القرية خاطب الأهالي قائلا:
- نظرا للظروف المناخية والجيولوجية ، تقرر عدم مرورالطريق الإسفلتي الجديد عبر القرية.
أنهى إمام المسجد على عجل ، خطبة الجمعة مختصرا شتائمه على اليهود وحث خطاه للحاق بالركب المتجه إلى مقر سيد الأرض.
دخل أعيان القرية ، يتقدمهم الإمام وشيخ القرية ، وانحنوا أمام سيد الأرض وقبلوا يديه ملتمسين عدوله عن هذا القرار، الذي سيدمر اقتصاد القرية ويحيلها إلى مجرد أكواخ متناثرة وسط صحراء قاحلة.
لكن شاحنات القمح سلكت الطريق الجديد ، وظلت القرية معزولة تعاني من هجير الرمال.
اتفق أعيان القرية على تزويج سيد الأرض لعلمهم بنهمه الجنسي ، على أجمل بنات القرية ، وأكثرهن إغراءا وجاذبية ، بهدف جره للعدول عن قراره.
وضعوا آلية دقيقة ، للبحث عن أجمل فتاة في قريتهم.
أقحموا زوجاتهم بهذه المهمة ، لم تترك زوجة شيخ القرية بيتا إلا وطرقته
تدخل وتسلم على أصحاب البيت ، تشرح الموضوع على أنه يتعلق بمستقبل القرية.
ويأتون بالموجود لديهم من البنات ، تحدق زوجة شيخ القرية بكل فتاة على حدة ، مستغرقة بأدق التفاصيل ، العينان ، صلابة النهدين ، اكتناز الصدر، المؤخرة ، تناسق الجسد ومدى طراوته.
تخرج زوجة شيخ القرية وهي تتمتم.
- سعيدة الحظ من ستفوز بقلب سيد الأرض!!
تطوع نساء كثيرات ، في تنفيذ هذه المهمة وانتشرن بكل أرجاء القرية وتكللت تلك الجهود المضنية بالنجاح.
تم انتخاب ، "مضاوي" المفرطة بجمالها وأنوثتها وذكائها ، لكي تزف إلى سيد الأرض.
خرموا جسدها الغض بالخماخم الذهبية ، والحجول الفضية ، ومشطوا ضفائرها بالمسك والعنبر، وخضبوا كفوفها بالحناء.
علموها كيف تشعل أنوثتها المثيرة ، وتحكم سيطرتها على غرائز السيد
التهم سيد الأرض روائع أنوثة مضاوى.
لكنه أصيب بسعار مخيف ، قرر بعده التهام كل بنات القرية.

عرس

هبط سرب من الطيور الجميلة على ضفاف قرية نهرية صغيرة ، تجمعوا فوق شجرة قرب النهر، كانت زقزقاتهم شبيهة بزغاريد الأفراح ، طافوا فوق البيوت لبرهة من الوقت ثم غادروا سماء القرية.
سيطرت مشاعر الدهشة على أهل القرية ، فهم لم يشاهدوا طوال حياتهم طيورا بهذا الجمال وهذه الرشاقة.
أخذوا يغرسون الورود ويشعلون القناديل على ضفاف النهر بانتظار عودة الطيور الجميلة التي أقامت عرسها الفاتن في ذلك الصباح المميز.
تبرع الكثيرون من أهل القرية بوقتهم ، لرصد قوافل الطيورالعابرة من سمائهم ، خصوصا تلك التي تحلق علي مستوى منخفض قرب النهر.
كانت تعبرمن الأفق طيورا يصعب تحديد أحجامها وألوانها نظرا لتحليقها الشاهق في متاهة الفضاء ، واستبعدت الأغلبية من أهل القرية بأن تكون الطيور الجميلة التي استولت علي ألبابهم وجل أوقاتهم في ذلك الصباح ، تنتمي لهذه الأسراب المهاجرة التي لم يحدث أن هبطت فوق أرضهم.
شرح رجل كان قريبا من شجرة النهر، تفاصيل مشوقة عن عرس الطيور الجميلة.
وأكد أن تلك الطيور ليست من جنس واحد ، ولا من سماء محددة وفسر سر تآلفهم ووحدتهم بأنه يعود إلي تجانس طبيعتهم وعشقهم للتحليق في فضاءات أوسع ، ومغامرات أجمل ، وقال إنه سمع ألحانا شجية تنساب من حناجرهم ، وكانت أعناقهم مرتفعة نحوالأفق ويكسو أجنحتهم ريش كثيف بألوان أنيقة.
وأفاد آخر بأنهم خليط من الصقور والبلابل ، ورجح أن العطش هو الذي دفعهم للهبوط إلى النهر.
أخيرا أجمع أهل القرية بأن يطلق على ذلك الصباح بيوم عرس الطيور الجميلة ويحفر الإسم للذكرى ، فوق الصخرة الكبيرة في القرية.


بحر وأنثي

كانت الشمس قد أوشكت على الغروب.
بدت خيوطها الذهبية تمتزج بزرقة البحر
وكأنها قناديل صغيرة تضيء من بعيد.
اقتربت المرأة نحو الشاطئ حدقت عبر الفضاء الرحيب..
لم يكن بينها وبين البحر حجاب.
تركت أسمالها الرثة قرب الشاطئ المقفر.
توغلت عميقا نحو البحر وهوت كنجمة مضيئة.




مكابدة


على قمة جبل شاهق ، استفاق الصقر من إغفاءة قصيرة.
نفض جناحيه الأسودين ، رأى سحابة مكللة بالبروق
تجري في السماء..
هب لمطاردتها ،عندما شعر بالهزيمة
أدرك أن هذه سحابة وليست طريدة.
تدفق قليل من غيث السحابة على قمة الجبل.
أسدل الصقر جناحيه وعاد لغفوته من جديد.

ظلام

تعثرت بعباءتها وهي تعبر للجهة المقابلة.
كادت عربة مسرعة ، تحيلها إلى أشلاء.
أزاحت الغلالة السوداء من عينيها..
أبصرت المصابيح المعلقة تتلألأ في أسقف المتاجر.
وضعت يدها على قلبها وهي تلعن الظلام.


ذكرى

انهمك في إزالة الغبار من بندقيته (ستينية) الصنع.
دارت في شريط ذاكرته ملامح لرجال قتلوا في معارك طاحنة
وبنادقهم الجديدة مبعثرة قرب جثثهم.
أحصى كمية الطلقات النارية التي استلمها من أمين مستودع الذخيرة.
ثمانون رصاصة كانت في عهدته ، نفدت كلها في الهواء الطلق.




لص

سأل السيد بعض أعوانه:
هل أحصيتم ثروات الأرض؟!
أجاب أحدهم:
كل شيء أحصيناه وحفظناه في خزائنك ، لكن الجوع
تفاقم في البلاد سيدي.
قال:
خذوا القليل من الفتات وأطعموا كلابي.

مسعد الحارثي
20/02/2008, 10:39 PM
مقدمة

فهد الخليوي:" الزهد في الأضواء" و"كتابة الصمت "
بقلم/علي الدميني


باطمئنان مبكر يمكنني القول بان " فهد الخليوي " الإنسان ، والكاتب ، والمبدع ، ينتمي إلى شجرة صحراوية تمتلك قدرتها على التعاطي مع وسطها الحياتي – في مختلف أبعاده- وفق منطلقين هما : الزهد في الأضواء ، والاحتفاظ بالقدرة على متابعة "كتابة الصمت" الفاعلة، مدفوعا بوعيه الثقافي وحساسيته الفنية ، في صياغة معادلة ذهبية تضمن للذات استقلاليتها وتفردها إزاء تعالقاتها مع الواقع وإكراها ته.

وهذه الشجرة من الكتاب الذين عرفتهم ساحتنا الثقافية المحلية في المملكة ، (من "حمزة شحاته، ومحمد العلي إلى فهد الخليوي ، وأقرانه )، تمتعت بقدرات متفردة مكنتها من المحافظة على معادلات الحرية والاستقلالية الذاتية ، إزاء اشتراطات التواصل مع الآخر، وامتلكت الجرأة والجلد على نقد أنجاز الذات المبدعة أولاً، من خلال نسيانه أو حجبه عن الظهور، وبالتالي امتلكت الشجاعة والمصداقية في نقد منجز الآخر تالياً، بحيث استطاعت من خلال ما انطوت عليه من ملكات " الزهد" في الأضواء والشهرة، أن تمضي في العمل على إبداع كتابة تتسم بالجرأة و الصدق و التقشف في آن .

ولعل في هذه التشكيلة الثقافية والإبداعية والنفسية لهذا النمط من الكتاب، ما يفسر لنا أسرار " الزهد " في جمع كتاباتهم بين دفتي كتاب، مثلما غدت حاضناً فنياً لا يمكن أن يرشح عنه إلا تلك الكتابات الاختزالية المكثفة ، التي تغلف ما ينشرونه في الصحف السيارة ، للتعبير عن انشغال كل منهم بالبحث الدائب عن أنموذج فني يجعل الكلام قريباً من الصمت الموجز، والبوح المرموز، المحمّل بطبقات كثيفة من إمكانات التأمل والتأويل.

2- لا نحتفي بمجموعة " فهد الخليوي" الأولى، من خلال النص الماثل بين أيدينا وحسب، وإنما نستحضر البعد الزمني العميق الكامن خلف هذه الإطلالة المتأخرة، لأكثر من ربع قرن على الأقل، لنرى إلى كاتب وقاص عمل في سياق تطور مفهوم الكتابة الأدبية في بلادنا، منذ أوائل السبعينيات الميلادية ، وحتى اليوم. ذلك أن الكاتب ومجايليه، المهمومين بقضايا الكتابة الواعية والمتجاوزة ، كانوا من الأسماء المؤسسة لحساسية كتابة مغايرة، ومغامرة أيضاً، شهدت على أزمنة التحولات المفصلية في حياتنا الثقافية، فغدوا نصاً آخر اختط طريقه ، وأثث بيته الأدبي وفق ما استدعته المرحلة من معادلات التحدي والاستجابة...التفاعل والتراكم... الحنين والإفاقة.
"فهد الخليوي " اسم يحتلّ في الذاكرة مساحة أكثر غنى وتأثيراً من جماليات نصوصه التي استمتعت بقراءتها ضمن هذه المجموعة وخارجها، لأن كتابته الثقافية والإبداعية ، التي احتفظ قراؤه ومجايلوه بفاعلية حضورها أكثر مما زهد الكاتب في الحفاظ على نصوصها الأصلية ( حيث مزق الكثير منها ) ، تؤرخ لمرحلة انتقال من ذائقة إلى ضدها، ومن حساسية إلى بديلها، على الصعيدين الدلالي والجمالي معاً.

فهد الخليوي " شكّل مع آخرين قنطرة للعبور ما بين حالين ، وما بين مناخين ، مشتبكين بجدل المبنى والمعني، و أخطوطة الرؤيا والتعبير، وشراسة البحث عن أفق دال على ذاته، إلى مدلول يبحث عن تحقق تلك الذات.
وتحفل قصته " أجراس " ، من خلال بطل النص الذي يضطر لحمل متاعه وكتبه ومغادرة بيته القديم في إحدى الحارات الشعبية، بما يدلنا على الكتابات المؤسسة لوعي السارد في تلك المرحلة التاريخية ، حيث يقول " أخذ يشحن الكتب ذات الحجم الأكبر.. (الوجود والعدم)، يحتاج بمفرده لكرتون (الحرية سابقة للوجود العدم خارج الوجود) سارتر أديب وفنان .... ،( تدهور حضارة الغرب) لاشبنغلر ، ثلاثة أجزاء ، تحتاج لأكثر من كرتون......ستنتهي مهلة اليومين وأنت تقرأ قبل أن يجيبك هذا الموسوعي الجبار على سؤالك ، أما (هكذا تكلم زاردشت) فأقل حجما ويمكن شحنه مع بقية الكتب (على كل سائر أن يكون جسرا للمتقدمين وقدوة للمتأخرين) نيتشه.....

ومنذ كتاباته المبكرة في الصحافة المحلية في مطلع السبعينيات، اختط " فهد الخليوي " لنفسه، مساراً واضح المعالم ، لا يركن إلى المهادنة أو استمراء مجانية الكلمة، كما لم ينخدع بما تعد به من مغانم زائفة. ولذلك ذهب إلى صومعة "الزهد" الفاضلة منذ مطلع التسعينات، بعد أن أسهم بشكل فاعل في الأشراف على الصفحات الثقافية في مجلة " إقرأ " ، و حفر اسمه خلالها كمثقف تنويري، ومبدع يعمل ضمن سياق الباحثين عن رؤى متسائلة ، وآفاق ممكنة "لكتابة جديدة".

أيها الصامتان الوقوران كالثلج فوق المآذن
والوشم في عتبات المكانْ
كيف تبلى الليالي بأقراطها البيض بين ثياب المدينة ،
من دون سوءٍ ،
ولا تبليانْ

غابةً كنتُ، لكنني قد حسبت بأنكما
طائرانْ
توّج الصمت حبركما
فامنحاني من الحبر ما يترع القلبَ
قبل انطفاء الأوانْ.

في أواخر عام 1990م، الذي ينطوي على العديد من الدلالات، حضر الصديقان، المغموسان في طيات حضورهما البهي في ذاكرتي (فهد الخليوي و جبير المليحان ) في هذا النص القصير ، متيمناً فيه، بكتاباتهما المكثفة، و واقفا من خلاله أمام ما تميزا به من جماليات " صمت الكتابة" ، و " الزهد في الأضواء "، و مؤملاً في نفس الوقت أن يعاودا ملء فراغ موقعيهما الشاغرين في حراك ساحتنا الثقافية .
ولكم تغمرني مشاعر البهجة الخاصة اليوم باحتفائي بموافقة " فهد الخليوي" على إصدار مجموعته القصصية الأولى عبر نادي " حائل الأدبي "، و ممارسته لدوره الثقافي من خلال ديوانية " القلب المفتوح " في دارته المحروسة بشمال جدة، مثلما كنت قد سعدت من قبل بمعاودة " جبير المليحان " شغفه بالإبداع القصصي ، وحضوره كفاعل مؤثر، عبر مواقعه العديدة ، في ساحتنا الثقافية .

4- وإذ لا يتيح لي فضاء كهذا الذي اخترته كمقدمة احتفائية بموافقة "مبدعنا " على المضي في تجربة نشر مختارات من نصوصه القصصية، لتدوين قراءة مستمتعة بالنص، فسأكتفي بالإشارة إلى ما تحفل به هذه المختارات من ممكنات القراءة التأويلية المبنية على مفهوم النص القصصي القصير ، من حيث ارتباطه بالسرد البدائي وبناه الأسطورية الرمزية ، القريبة من تشكيل البنية الشعرية ، في ارتكازهما على " التكثيف لا التوسع ، والتركيز لا التشتيت " ، بحسب الناقد عواد علي " *،( وأذكِّر القارئ هنا بأن القاص يكتب القصيدة إلى جانب كتابته للقصة القصيرة ، والقصيرة جداً ).
ولذا فإننا نلحظ في هذه القصص غياب البعد الواقعي ( الكنائي) للشخصيات والأمكنة، وحضورها كشخصيات وأمكنة مؤسلبة ، أكثر من حضورها كذوات حقيقية ، كما يقول بذلك " نورثورب فراي ". فالمرأة في قصة " سطور من تراث الوأد " التي تتعرض إلى عملية وأد جماعية ، لا تحيل إلى مخيال امرأة محددة الملامح والسيرة الحياتية، وإنما تتحول إلى مكمن للتأمل والتـأويل، يستذكر تراث الوأد القديم والمعاصر للمرأة، مثلما تغدو موازيا رمزياً لوأد الحقيقة ... وأد المستقبل... و وأد الحرية أيضا.
والمرأة في قصة " ظلام " لا تشير إلى كينونة إنسانية بذاتها وحسب ، وإنما إلى حالة اجتماعية عامة تشمل الوجود الفردي والجمعي معاً ، حتى يصبح التعبير عنها في النص دالاً على صراع رغبات مقموعة و هواجس مضمرة لكسر حواجز القيد، تتهيأ لكشف الحجاب عن مكنوناتها، التي غشيتها الظلمة من شدة لبس (القناع / الأقنعة).
فالقناع لا يخص المرأة المؤسلبة في النص، وإنما يغدو دالاً شديد الاتساع لحالة مجموعة من الناس ، أو قوم من الأقوام، هم في أمس الحاجة لنزع الحجاب عن أعينهم ، لكي يروا واقعهم كما هو، ولكي يبلغوا مساحات الأزمنة المضيئة.
ويمكن أن نمد زاوية النظر إلى تلك التقنية الكتابية في بنائها لفضاء الأمكنة، حين نرى إلى أن " القرية التي هجرتها شاحنات القمح " بفعل سطوة سيد الأرض، وأن المدينة التي تقاوم التغيير فيما تهددها الريح ، ليست قرية بذاتها ، أو مدينة بعينها، وإنما هي أمكنة مؤسلبة ، يمكن أن نتقرى فيها ملامح التعبير عن الذات الإنسانية ، والكيان الوطني ، وعن الأمة الباحثة أيضاً، عن أفق للتشكل الجديد ، عبر رؤى أعين قلقة على مصيرها ، و باحثة عن مستقبلها في هذا الكون.

وفي هذا السياق لا أجد أجمل من اجتزاء مفتتح كتابة الدكتورة"شادية شقروش " من الجزائر عن مجموعة الخليوي بعنوا ن " سلــطة الكتابة بين المبدع والمتلــقي قراءة في نصوص فهد الخليوي السردية"، والتي نشرتها في صحيفة عكاظ على مدى ثلاث حلقات ، قائلة : (( يرتكز المقياس الجمالي والفني والحضاري على إنتاج المتميز والأجمل والخالد، وبصورة أدق، المختلف.
من هذا المنطلق يكون الإبداع الحقيقي في براعة البناء والسعي إلى مخالفة السائد، والمألوف، وبالتالي فالتمرد الأدبي القائم على رؤيا فيها نوع من الصفاء والحكمة، سيقودنا بالضرورة إلى الاختلاف، لذا كان لكل انحراف وعدول منطقه الخاص.
من هذا المنطلق تصبح الكتابة عنتا والقراءة متعة أو ما يسميه رولان بارت (Roland Barth)- "لذة النص)). **

ولا شك عندي في أن ما يكتبه القاص "فهد الخليوي" يقع ضمن هذا الإطار الذي نستمتع به ، ونتشوّف معه إلى مزيد من العمل الدءوب على الاستمرا رفي تطوير فاعلية ما يضمره من إضافة وتميز.

* عواد علي – صحيفة الزمان – 27/1/2003م
** شادية شقروش – جريدة عكاظ – 7/9/2007م


نماذج من قصص المجموعة:


رياح


لم تعهد المدينة تلك الرياح التي أزّّت بعنف قرب شواطئها , مما اضطر أمن السواحل لإصدار تحذير عن مدى خطورة ارتياد البحر.
وردت أخبار من محيطات بعيدة تفيد بأن المدينة ستمنى برياح أشد , وأكد فلكيون بانتقال الرياح من البحر إلى قلب المدينة.
كان سرب من الطيور يغرد فوق البحر, ثم دفعته شدة الرياح للتحليق بعيدا باتجاه الصحراء.
أقفرت الشواطئ , بعد أن هجرها الناس وظلوا فى بيوتهم وجلّ أحاديثهم تدور عن الرياح.
قال كهل يقطن شرق المدينة : ( ليس باليد حيلة إنها الرياح ).
ازدحمت بالسماء سحب كثيفة , وكأنها تنذر بحدوث شيء ما لكن البعض رجّح بأنها مجرد أمطار غزيرة ستدفع بها الرياح إلى أماكن أخرى.
استبد شغف لدى الناس بتقصي كل ما يتصل بمعرفة الرياح , وتوصل باحثون إلى أن كلمة رياح هي أكثر المفردات انتشارا بالكتب المقدسة وفي معاجم الأمم القديمة والحديثة.
كما أن الكتب المهتمة بتاريخ الرياح أشارت إلى أن مدنا مشتتة بأصقاع العالم اجتاحتها رياح عاتية , ودكت سكونها وبدلت أزمنة بأزمنة وأنماط بأنماط .
وأوضحت تلك الكتب بأن بعض الرياح تجري بالفضاء الشاسع وتبدل رونق الطبيعة ولكل ريح في ممالك السماء فلك ومدار.
ازداد هيام الناس بالتقاط أخبارالرياح من كل منفذ متاح ، بعض المهتمين عاد به البحث إلى أزمنة سحيقة وروى أن للرياح أساطيرها وطقوسها وهي تضرب بأعماق البحار ، وتجتاح الصحارى، وتدك أقوى الحصون, وتهزم أعتى ألأباطرة, وتحيل الساكن إلى متحرك والثابت إلى رماد.
وحكى الراوي أسطورة القرية التي نسفتها الرياح عن بكرة أبيها, ولم ينج من أهلها عدا بضعة رجال ونساء تناسلوا عبرالأزمنة وأعادوا بناء القرية بأنساق جديدة بعد أن هبت عليهم رياح ، حملت أمطاراً غزيرة جلبتها من سماء بعيدة ، وارتوت بعد هطولها الأرض ، وأينعت السنابل ، وتكاثر النسل وأقيمت الأعراس ، وأضيئت الشموع في كل دار وسابلة.
وصلت الرياح إلى وسط المدينة ، وأخذ أزيزها يصطخب ويصل إلى أطرافها القصية.
انطوى اليوم الأول من مجيء الرياح بعد أن حاصرت المدينة من جميع الجهات.
تعامل الناس مع ظاهرة الرياح ، تعاملا ينم عن الاستسلام للأمرالواقع
وصدرعن مرصد المدينة ، توضيح أفاد بأن المدينة لم تتعرض طوال تاريخها لرياح بهذه القوة والتأثير.
تضرع الآباء والأمهات إلى الله بأن تصبح هذه الرياح ، فواتح خير ومحاصيل بركة ورحمة ، وتجنيب المدينة من شرورها وعواصفها المتقلبة.
كان القلق يرتسم على الملامح خوفا من انهيار البيوت ، والصروح والأعمدة سيما وأن المدينة بنيت على النسق القديم ذي الطبيعة العشوائية وربما تصبح في مرمى الخطرالمحدق أمام هول الرياح وضراوتها.


إبادة

حرك جسده الضامر , فتح بيديه المرتعشتين خزانته المثقلة بأقفال صدئة.
قرأ أوراقا نسخت بمداد زمنه الآفل تذكر ، ضحاياه وكأنهم طيور متوحشة تهبط فوق روحه المتلاشية.
شعر بهمود ذهنه ونفور عروقه , وقرقعة عظامه ، نشطت حشرة الإبادة وأنجبت سلالتها المدمرة في ربوع بيته الكبير.
قاومها بكل مقتنياته الفتاكة , انهارت مقاومته أمام الزحف الكاسح للحشرة.
توغلت الحشرة في بطون الجدران ودلقت عناصر الإبادة في كل زوايا البيت.
اطل عبر النافذة إلى بهو بيته الكبير , كان البهو يغرق في لزوجة صفراء والحشرة تسبح في تلك اللزوجة تلتصق بجسدها القاتم أثداء مملوءة بسوائل نتنة.
انتشر فحيح الحشرة وفاضت اللزوجة في أرجاء المكان.
تحسس نبض عروقه وصرخ:
- كياني يحترق!
تسلقت سلالات الحشرة أبدان حاشيته وأخذت إحدى زوجاته تعوي من قسوة داء الجرب , وعصف (الدرن) بأطفاله وفلول خدمه.
حدق بالشمس وترجرج دمع آسن في قاع عينيه أسلمه إلى ظلام دامس.
- إنه الفناء!!
قال ذلك واستسلم لعواء طويل!



أجراس

خمسون حولا دقت أجراسها في غضون الزمن , بين صخب جرس وآخر تقبع ارتعاشة مرهفة داخل مسرحية طويلة , يشدها قضيبان , هزلي وتراجيدي.
كان في تلك الليلة ضجرا , رغب لو تمطر السماء وتبلل الأرض وتنقر بزخاتها هياكل السيارات التالفة وبقايا الأخشاب المهملة وكميات العلب الفارغة المتناثرة على جنبات الشوارع.
كان يحلم أن تمطر السماء وتثير في مشاعره عبق الذكريات الآفلة0
قاد سيارته باتجاه جنوب المدينة , كانت منظومة من النجوم مصطفة في السماء وقد نسجت عقدا ضوئيا تلاشى سريعا وسط غيوم بيضاء تمزقت كنتف القطن وسمحت لشفافية ضوء بعيد بالتسرب بين فجواتها الباردة.
الأحياء القديمة جنوب المدينة ، تلتصق في بعضها كالتلال الرملية الصغيرة ، وتشيع عبقها الطيب الممزوج بالسكينة والإستكانة.
للأمكنة في هذه الأحياء المتصلة بغوابر الأزمنة حضورمتألق في ذاكرته.
عبر شارع ضيق ، أفضى به إلى حيه القديم ،ها هو مسجد الحي عند بوابته الخشبية نعشان متقابلان لم يتغير مكانهما ثم مقهى(عبده اليماني) الذي رحل إلى اليمن قبل سنوات وباع المقهى لأحد الهنود
توغل داخل الحي إلى أن وصل لمنزله الصغير الذي تركه قبل ثلاثين عاما ، بسبب عجزه عن دفع أجره الشهري ،مالك المنزل أمهله يومين للبحث عن منزل آخر.
ـ آنذاك ـ جلب عشرات الكراتين ، من مرمى مستودعات الأغذية لشحن كتبه ، أما باقي الأمتعة فأمكن شحنها بكيس صغير ، إبريق شاي من النحاس الأصفر، سخان كهربائي عتيق ، كوب من
الزجاج الباهت ، فراش من الإسفنج الهابط ، أقلام ، ناي , شريط غنائي ل (فيروز) ، وآخر ل(فوزي محسون).
أخذ يشحن الكتب ذات الحجم الأكبر (الوجود والعدم) يحتاج بمفرده لكرتون (الحرية سابقة للوجود العدم خارج الوجود) سارتر أديب وفنان أكثر منه فيلسوفا ومنظِرا.
(تدهور حضارة الغرب) لاشبنغلر ، ثلاثة أجزاء ، تحتاج لأكثر من كرتون (المدينة ليست نواة حضارة سكان المدن يكررون الحياة والموت بطريقة رتيبة وليس لهم علاقة بصنع الحضارة البتة) كيف؟
ستنتهي مهلة اليومين وأنت تقرأ قبل أن يجيبك هذا الموسوعي الجبار على سؤالك ، أما (هكذا تكلم زاردشت) فأقل حجما ويمكن شحنه مع بقية الكتب( على كل سائر أن يكون جسرا للمتقدمين وقدوة للمتأخرين) نيتشه 00 فيلسوف عظيم لا يتكرر.
أقلع عن همهماته وانهمك في ترتيب الكتب ، ذات الحجم الأكبر ، ثم الأوسط ، فالأصغر.
حمل كراتينه المدهشة وكيس متاعه الصغير ، ورحل عن هذا الحي قبل ثلاثين عاما.
إيقاعات حزينة وشجية ، تناغمت في فضاء روحه شعر أن ذاكرته تشتعل وتصهر المكان والزمان ، وكأنها تحيل حقبة توارت إلى دقائق معدودات.
قاد سيارته متجها إلى الشارع العام ، ثم سلك الطريق المؤدية الى
البحر هناك وقف على الشاطئ منصتا لدمدمة البحر.


عن قرية هجرتها شاحنات القمح

عندما جاء سيد الأرض إلى القرية خاطب الأهالي قائلا:
- نظرا للظروف المناخية والجيولوجية ، تقرر عدم مرورالطريق الإسفلتي الجديد عبر القرية.
أنهى إمام المسجد على عجل ، خطبة الجمعة مختصرا شتائمه على اليهود وحث خطاه للحاق بالركب المتجه إلى مقر سيد الأرض.
دخل أعيان القرية ، يتقدمهم الإمام وشيخ القرية ، وانحنوا أمام سيد الأرض وقبلوا يديه ملتمسين عدوله عن هذا القرار، الذي سيدمر اقتصاد القرية ويحيلها إلى مجرد أكواخ متناثرة وسط صحراء قاحلة.
لكن شاحنات القمح سلكت الطريق الجديد ، وظلت القرية معزولة تعاني من هجير الرمال.
اتفق أعيان القرية على تزويج سيد الأرض لعلمهم بنهمه الجنسي ، على أجمل بنات القرية ، وأكثرهن إغراءا وجاذبية ، بهدف جره للعدول عن قراره.
وضعوا آلية دقيقة ، للبحث عن أجمل فتاة في قريتهم.
أقحموا زوجاتهم بهذه المهمة ، لم تترك زوجة شيخ القرية بيتا إلا وطرقته
تدخل وتسلم على أصحاب البيت ، تشرح الموضوع على أنه يتعلق بمستقبل القرية.
ويأتون بالموجود لديهم من البنات ، تحدق زوجة شيخ القرية بكل فتاة على حدة ، مستغرقة بأدق التفاصيل ، العينان ، صلابة النهدين ، اكتناز الصدر، المؤخرة ، تناسق الجسد ومدى طراوته.
تخرج زوجة شيخ القرية وهي تتمتم.
- سعيدة الحظ من ستفوز بقلب سيد الأرض!!
تطوع نساء كثيرات ، في تنفيذ هذه المهمة وانتشرن بكل أرجاء القرية وتكللت تلك الجهود المضنية بالنجاح.
تم انتخاب ، "مضاوي" المفرطة بجمالها وأنوثتها وذكائها ، لكي تزف إلى سيد الأرض.
خرموا جسدها الغض بالخماخم الذهبية ، والحجول الفضية ، ومشطوا ضفائرها بالمسك والعنبر، وخضبوا كفوفها بالحناء.
علموها كيف تشعل أنوثتها المثيرة ، وتحكم سيطرتها على غرائز السيد
التهم سيد الأرض روائع أنوثة مضاوى.
لكنه أصيب بسعار مخيف ، قرر بعده التهام كل بنات القرية.

عرس

هبط سرب من الطيور الجميلة على ضفاف قرية نهرية صغيرة ، تجمعوا فوق شجرة قرب النهر، كانت زقزقاتهم شبيهة بزغاريد الأفراح ، طافوا فوق البيوت لبرهة من الوقت ثم غادروا سماء القرية.
سيطرت مشاعر الدهشة على أهل القرية ، فهم لم يشاهدوا طوال حياتهم طيورا بهذا الجمال وهذه الرشاقة.
أخذوا يغرسون الورود ويشعلون القناديل على ضفاف النهر بانتظار عودة الطيور الجميلة التي أقامت عرسها الفاتن في ذلك الصباح المميز.
تبرع الكثيرون من أهل القرية بوقتهم ، لرصد قوافل الطيورالعابرة من سمائهم ، خصوصا تلك التي تحلق علي مستوى منخفض قرب النهر.
كانت تعبرمن الأفق طيورا يصعب تحديد أحجامها وألوانها نظرا لتحليقها الشاهق في متاهة الفضاء ، واستبعدت الأغلبية من أهل القرية بأن تكون الطيور الجميلة التي استولت علي ألبابهم وجل أوقاتهم في ذلك الصباح ، تنتمي لهذه الأسراب المهاجرة التي لم يحدث أن هبطت فوق أرضهم.
شرح رجل كان قريبا من شجرة النهر، تفاصيل مشوقة عن عرس الطيور الجميلة.
وأكد أن تلك الطيور ليست من جنس واحد ، ولا من سماء محددة وفسر سر تآلفهم ووحدتهم بأنه يعود إلي تجانس طبيعتهم وعشقهم للتحليق في فضاءات أوسع ، ومغامرات أجمل ، وقال إنه سمع ألحانا شجية تنساب من حناجرهم ، وكانت أعناقهم مرتفعة نحوالأفق ويكسو أجنحتهم ريش كثيف بألوان أنيقة.
وأفاد آخر بأنهم خليط من الصقور والبلابل ، ورجح أن العطش هو الذي دفعهم للهبوط إلى النهر.
أخيرا أجمع أهل القرية بأن يطلق على ذلك الصباح بيوم عرس الطيور الجميلة ويحفر الإسم للذكرى ، فوق الصخرة الكبيرة في القرية.


بحر وأنثي

كانت الشمس قد أوشكت على الغروب.
بدت خيوطها الذهبية تمتزج بزرقة البحر
وكأنها قناديل صغيرة تضيء من بعيد.
اقتربت المرأة نحو الشاطئ حدقت عبر الفضاء الرحيب..
لم يكن بينها وبين البحر حجاب.
تركت أسمالها الرثة قرب الشاطئ المقفر.
توغلت عميقا نحو البحر وهوت كنجمة مضيئة.




مكابدة


على قمة جبل شاهق ، استفاق الصقر من إغفاءة قصيرة.
نفض جناحيه الأسودين ، رأى سحابة مكللة بالبروق
تجري في السماء..
هب لمطاردتها ،عندما شعر بالهزيمة
أدرك أن هذه سحابة وليست طريدة.
تدفق قليل من غيث السحابة على قمة الجبل.
أسدل الصقر جناحيه وعاد لغفوته من جديد.

ظلام

تعثرت بعباءتها وهي تعبر للجهة المقابلة.
كادت عربة مسرعة ، تحيلها إلى أشلاء.
أزاحت الغلالة السوداء من عينيها..
أبصرت المصابيح المعلقة تتلألأ في أسقف المتاجر.
وضعت يدها على قلبها وهي تلعن الظلام.


ذكرى

انهمك في إزالة الغبار من بندقيته (ستينية) الصنع.
دارت في شريط ذاكرته ملامح لرجال قتلوا في معارك طاحنة
وبنادقهم الجديدة مبعثرة قرب جثثهم.
أحصى كمية الطلقات النارية التي استلمها من أمين مستودع الذخيرة.
ثمانون رصاصة كانت في عهدته ، نفدت كلها في الهواء الطلق.




لص

سأل السيد بعض أعوانه:
هل أحصيتم ثروات الأرض؟!
أجاب أحدهم:
كل شيء أحصيناه وحفظناه في خزائنك ، لكن الجوع
تفاقم في البلاد سيدي.
قال:
خذوا القليل من الفتات وأطعموا كلابي.

فيصل الزوايدي
21/02/2008, 02:16 AM
مبروك استاذ فهد لإصدار مجموعتك القصصية الأولى مع تمنياتي بدوام التألق و الاصدارات و الشكر للاخ مسعد الحارثي لنقل الخبر

فيصل الزوايدي
21/02/2008, 02:16 AM
مبروك استاذ فهد لإصدار مجموعتك القصصية الأولى مع تمنياتي بدوام التألق و الاصدارات و الشكر للاخ مسعد الحارثي لنقل الخبر

فهد الخليوي
21/02/2008, 04:11 PM
الصديق العزيز القاص مسعد الحارثي
شكرا لهذا الجهد الكبير
تحياتي.

فهد الخليوي
22/02/2008, 12:16 AM
خبر طالما انتظرناه
مبروك استاذي فهد لإصدار مجموعتك القصصية الأولى.
والسوآل هو كيف ألحصول على نسخة منها.
تهنئة لك من القلب.
شكرا أخت نجوى على تهنئتك الكريمة
يسعدني أن أهدي لك نسخة مع كل التقدير.

فهد الخليوي
22/02/2008, 03:19 PM
الأخ الفاضل الأستاذ/ فهد الخليوى
مبارك لكم إصدار هذه المجموعة القصصية.
وأتمنى أن أكون أول الحاجزين لنسخة منها.
وحبذا لو تنشر هنا فى واتا أجزاء منها حتى تعم الفائدة.
دام قلمك يثرى المكتبة العربية ببديع فكركم؛؛؛؛مخلص أمين
العزيز الدكتور مخلص أمين رزق.
تقديري وامتناني لتهنئتك الكريمة
يسعدني أن أهدي لك نسخة من المجموعة
كرما تزويدي بعنوان صندوق بريدك على ايميلي alkelwe@hotmail.com

تحياتي

فهد الخليوي
22/02/2008, 08:13 PM
أهنئ أخي العزيز الأديب فهد الخليوي بمناسبة صدور مجموعته القصصية البكر" رياح و أجراس"...
و أتمنى أن تكون فاتحة إصدارات أخرى تليها...
مودتي
أخي الفاضل المبدع عبد الحميد الغرباوي.
تقديري العميق لتهنئتك الكريمة..
شكرا لك وتقبل خالص تحياتي وفائق احترامي.

فهد الخليوي
23/02/2008, 06:27 PM
شكرا أستاذ مسعد على نقل هذا الخبر المبهج
مبروك لنا وللأستاذ المبدع فهد الخليوي
أشكرك أخي ابراهيم على مشاعرك الطيبة.
تحياتي.

فهد الخليوي
24/02/2008, 09:18 PM
تهنئة من الأعماق للمبدع الأستاذ فهد الخليوي
كما اسئل بدوري نفس السوآل الذي سبقتني في طرحه الأخت نجوى.
كيف الحصول على نسخة من هذه المجموعة التي أسعدني خبر صدورها.
تحية لناقل الخبر السعيد أخي مسعد الحارثي.
ويسعدني اهد ئك أخي ناجي واهداء الأخت نجوى نسختان من المجموعة.
ما عليكما سوى أرسال العنوان الذي يمكن عن طريقه وصول الإرسالية
على ايميل alkelwe@hotmail.com
وشكرا لتهنئتك الكريمة.
تحياتي.

فهد الخليوي
26/02/2008, 04:29 PM
الأستاذ فهد الخليوي المحترم
تحية طيبة وتهنئة من قلبي مباركة لك مع أحلى الأمنيات لمزيد من العطاء والتألق المثمر
مع محبتي واحترامي وتقديري
الدكتور الفاضل أسعد الدندشلي.
تقديري وامتناني لتهنئتك الكريمة.
سعدت كثيرا بمرورك البهي.
تحياتي.

فهد الخليوي
27/02/2008, 09:08 PM
مبروك استاذ فهد لإصدار مجموعتك القصصية الأولى مع تمنياتي بدوام التألق و الاصدارات و الشكر للاخ مسعد الحارثي لنقل الخبر
العزيز فيصل الزوايدي،
شكرا لمباركتك الكريمة.
كل التقدير ووافر المودة.

شوقي بن حاج
27/02/2008, 09:58 PM
قولي : مبارك
لا يكفي

لك آلاف التباريك
أستاذنا فهد الخليوي

سعيد جدا بالخبر السار............

فهد الخليوي
02/03/2008, 12:56 AM
قولي : مبارك
لا يكفي

لك آلاف التباريك
أستاذنا فهد الخليوي

سعيد جدا بالخبر السار............
شكرا أخي العزيز شوقي على مشاعرك الفياضة.
لك مني كل التقدير ووافر المحبة.