المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رصاصة الرحمة



خيري حمدان
12/02/2008, 06:16 PM
استيقظ من النوم والقلق بادٍ على وجهه. كان الضجيج الذي يصدره الحصان في الاسطبل لا يحتمل، تُرى، ما الذي دهاه؟. غسل وجهه وحلق ذقنه على عجل. كان يعشق هذا الحصان بالذات .. أسماه (رمضان) نسبة لجده، وكان يهتم به ويعتني بصحته ونظافته قدر ما يستطيع، وكان يقضي مع (رمضان) أوقاتاً طويلة؛ يدلّك جسده وجلده ويعانق رقبته الملساء اللامعة في وهج الشمس. لم يكن يرغب مشاركة (رمضان) في المباريات وسباق الخيول، بالرغم من معرفته المسبقة بقدراته وأصله العربي الأصيل. وهذه صفات تجعل منه حصاناً ثميناً يتهافت على شراءه الأثرياء.
ذهب لرؤية (رمضان) والاطمئنان عليه، لكنه وجده متهيجاً على غير العادة. كان الحصان يشيح بوجهه عن صاحبه وكأنه عاتبٌ عليه لسبب ما. زادت حيرة الرجل وأراد أن يغسله بالماء. لكن (رمضان) نفر كالملسوع وكاد يضرب صاحبه بقدميه الخلفيتين. أصابته الحيرة ولم يدر ماذا يفعل ليهدئ من روع الحصان الثائر. ولكن جميع جهوده باءت بالفشل.
اتصل بطبيب بيطري وتمنّى عليه الحضور لمعاينة حصانه المفضّل. لم يتمكن الطبيب من معرفة الكثير عن حالة الحصان. كان وكأنه قد أصيب بلوثة.
- أرجوك ساعدني .. لا أقوى على رؤيته يتعذب بهذه الطريقة؟.
- سأقدم له بعض المهدئات .. ولكني عاجز عن تشخيص حالته، أمره غريب للغاية. هل حدث أمر ما في هذا الاسطبل؟ أمر قد يكون عادياً بالنسبة لك، لكنه مفتاح الحلّ؟.
- لا شيء يُذْكَرْ .. الأمور الرتيبة التي نقوم بها كلّ يوم.
- أنا آسف .. على أية حال أخبرني إذا طرأ أي جديد على حالته.لقد لقمته إبرة مهدئة، ربمّا تعيده الى وضعه الطبيعي.
لم يهدأ صاحبنا طوال النهار، وبقي باله مشغولاً بحصانه المدلل. ما الذي جعله يثور بهذه الطريقه. وبقي يحاول أن يتذكر كلّ ما حدث خلال النهار، علّه يجد العلّة والدواء. وعند المساء، ذهب الى الاسطبل مجدّداً، وجد (رمضان) مطروحاً على الأرض. لم يتناول شيئاً من البرسيم والعلف وباقي الأطعمة التي يحبّها هذا المخلوق الغريب. أشاح الحصان برأسه عن صاحبه ولم يُعِرْهُ أدنى انتباه. عندها أدرك السبب الذي قلب أحوال (رمضان).
- (حَسْنَة) صرخ بأعلى صوته. وما أن سمع الحصان هذا الاسم حتى وقف على قدميه وصهل بكلّ ماأوتي من قوة.
- نعم .. إنها المهرة (حَسْنَة) يا رمضان. هذا هو علاجك. لقد بعتها يوم الأمس، لم أكن أتوقع بأنها عشيقتك. يا لك من فحل يا (رمضان). أنت مغرم يا صديقي. يا ويلي، لقد تسببت لك بألم شديد. بسيطة، على أية حال .. ستعود (حَسْنَة) إليك في القريب العاجل.
اطمأن الرجل ونام ليلته على أمل إعادة (حَسْنَة) الى اسطبله مجدّداً، لكي تعيد الفرحة الى قلب (رمضان). وعند الصباح أجرى اتصالاته مع الوكيل التجاري الذي أشرف على عملية بيع المهرة الرشيقة (حسنة). طلب منه الوكيل أن يمهله بعض الوقت حتّى يتمكن من جمع المعلومات بهذا الشأن.
اتصل به العميل بعد حين، وأخبره بعنوان المالك الجديد لحسنة. ذهب إليه وكلّه أمل بإعادتها الى اسطبله حتّى يعيد الفرح والحياة لرمضان. وما أن قابله المالك الجديد حتّى عانقه وأخذ يكيل عليه القبل وقال.
- (حَسْنَة) كنزٌ لايقدّر يا رجل. حصاني المفضّل (رعد) كان على وشك الموت قبل أن تدخل (حَسْنَة) الى أملاكي من الحصن والجمال. أتدري أنه اليوم أضحى أقوى من أي وقت مضى. لقد أعادت (حَسْنَة) لرعد الحياة. إنها مهرة وعروس لا تقدر بمال الدنيا كلّه.
كان الجواب واضحاً، ولم يكن هناك أي مجال للفصال. لم تعد القضية موضوع تجارة ومال. وفي مساء ذلك اليوم، جلس الى جانب رأس (رمضان) وقال: ما الذي فعلته بك يا عزيزي. لقد حطّمت فؤادك. صدرت عن (رمضان) أصواتاً وكأنها تأوّهات. كان الألم يعتصر قلبه ويطوي قدميه الشابين القويين. وبقي الحصان على حاله عدّة أيام لا يقوى على ممارسة الحياة. توقّف عن تناول الطعام، وأصبحت الدنيا في عينيه (حَسْنَة) .. لا شيء سوى (حَسْنَة)!.
وبعد أيام. تناول بندقيته وذهب بخطىً ثقيلة الى (رمضان). كان الدمع يسيل من عينيه .. وكان الدمع يسيل أيضاً من عينيّ (رمضان). عانقه، ومرّ بيديه على رقبته الجميلة شديدة اللمعان.
- سامحني يا صديقي .. لقد خنتك. لم أقدر على إرجاع حبيبة القلب (حَسْنَة) وانطلقت الرصاصة ملعلعة من عمق البندقية، لتستقر في رأس الحصان الحزين. سقط الرأس بثقل الى جانبه ولم يعد في الجسد حِراك. – لم أكن أعلم بأنك قادرٌ على كلّ هذا الحبّ والغرام. وأنا لا أملك سوى رصاصة الرحمة يا (رمضان).

اسماعيل ابو مديغم
12/02/2008, 06:32 PM
اخي خيري ابهرتني فعلا .. شددت اعصابي .. وجعلت عيناي تحدق بالكلمه تلو الكلمه ولا تكاد تستطيع ان تفارق الشاشه .. ما هذا .. اسلوب جذاب جدا بحيث انه كل من يقرا هذه القصه لا يستطيع ان يتوقف الى ان يصل الى نهاية القصه المؤسفه والمؤلمه .. احييك اخي على هذا الاسلوب الراقي والرائع .. الذي تتحلى به ...
اخي الحصان كالانسان .. فهو من لحم ودم .. يحس كما يحس اي انسان او (رمضان) اخر .. والفرس (حسنه) تحس كما وتحس اي انسانة اخرى .. لكن هذه نهاية فحل من الفحول! .. نهايه صعبة جدا .. لكن كان بدا من رصاصة تريحه من حياة لا استمرارية لها .. ولا فائده منها .. عذاب بعذاب .. ذكرتني باخوتي في مكان ماه .. الله معهم ومعنا .. رحماك يا الله ...

خيري حمدان
14/02/2008, 07:28 PM
الحيوانات تشعر مثلها وتنتابها حالات من العشق والجنون أيضاً.
أشكرك على هذا التفاعل الجريء مع النصّ. وأتمنّى ان أقرأ لك قريباً.
دمت بكلّ الخير والمحبّة.

اسماعيل ابو مديغم
15/02/2008, 08:53 AM
حياك الله اخي ,, وانت اعز يا طيب ,, ارجو لك التوفيق ,, وباذن الله سوف اكتب وانشر هنا في هذا المنبر الشامخ واتا,,,

طارق عليان
15/02/2008, 03:26 PM
خيري حمدان
قصة جميلة وسرد رائع
الى الامام

طارق عليان
15/02/2008, 03:26 PM
خيري حمدان
قصة جميلة وسرد رائع
الى الامام

خيري حمدان
15/02/2008, 05:25 PM
أشكرك على مرورك وتوقيعك وحضورك.
التقدّم لا يتمّ الا بالكتابة والبحث عن آفاق جديدة في عالم الأدب.
دمت بخير إن شاء الله.:hi:

خيري حمدان
15/02/2008, 05:25 PM
أشكرك على مرورك وتوقيعك وحضورك.
التقدّم لا يتمّ الا بالكتابة والبحث عن آفاق جديدة في عالم الأدب.
دمت بخير إن شاء الله.:hi: