المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور اللوبي الإسرائيلي في عزل عرفات سياسياً وحصاره وتصفيته (الجزء الأول)



غالب ياسين
17/02/2008, 02:10 PM
كان الأستاذان الأمريكيان جون ميرشيمر وستيفن والت قد نشرا رسالة لهما عن اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة والتي تقع في ستين صفحة والتي قمت بترجمتها ونشرها على المواقع الإلكترونية ، والآن أصدرا كتاباً تفصيلياً لتلك الرسالة ، وتكميلياً بالتعرض للأحداث التي تبعت تاريخ نشر الرسالة ، ويقع كتابهما في 482 صفحة من القطع المتوسط ، وسوف أقوم بترجمة واقتباس بعد المواضيع الهامة لأضعها بين يدي القارىء العربي تطوعاً بدون مقابل من منطلق الواجب الوطني ، وذلك في أجزاء متتابعة حتى لا يمل القاريء من طول الموضوع وتكراره. ففي الباب السابع من الكتاب وتحت عنوان "اللوبي ضد الفلسطينيين" جاء فيه:

بداية المكيدة لعرفات

بانقضاء عام 2001 وحلول ربيع عام 2002 ، سعت إدارة بوش الى التخفيف من نقمة المشاعر والعواطف العربية والإسلامية التي تنمو ضدها وذلك في العالمين العربي والإسلامي وذلك بالضغط على اسرائيل للتغيير من سياستها وقبضتها وممارساتها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ، والعمل مع المجتمع الدولي على إقامة الدولة الفلسطينية ، فبعد أحداث 11 سبتمبر اعتقد صانعوا السياسة الأمريكية بأن إغلاق ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو على الأقل إبداء محاولات جادة في ذلك ، سوف يضعف الجماعات الإرهابية مثل القاعدة ، ويسهل عملية إقامة حلف دولي مناويء لها ، ويضعف الحلف الداعم لها في سوريا وايران.

وحيث أن إدارة بوش ولغاية التاريخ اعلاه (ربيع 2002) لم تستطع إقناع اسرائيل بتغيير سياساتها وممارساتها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ، كان عليها التوقف عن دعمها المادي والمعنوي للضغط عليها من أجل تحقيق هذا الهدف وعلاوة على ذلك فإن الرئيس بوش والمحيطون به في إدارته عمدوا الى تأييد سياسات اسرائيل وممارساتها وكانوا يبررون هذه السياسات والممارسات ، وبالتالي فإن السياسة الأمريكية قد انحرفت عن أهدافها التي تتناغم مع مصالحها وانحازت الى السياسة الإسرائيلية لخدمة المصلحة الإسرائيلية وأصبحت تتكلم بنفس اللغة التي تتحدث بها اسرائيل ، ولخصت الواشنطن بوست هذا الوضع في عناوينها الرئيسية في فبراير 2002 بما يلي " بوش وشارون يقتربان من التماثل في سياستهما حيال الشرق الأوسط". لقد كان تأثير اللوبي الإسرائيلي سبباً رئيسياً في حرف وثني السياسة الأمريكية وصانعيها عن مسارها الصحيح باتجاه المصالح الأمريكية. كيف؟

بدأت القصة في اواخر سبتمبر 2001 ، حين بدأ الرئيس بوش بدفع وتشجيع اريل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بإبداء أعلى درجات ضبط النفس من أجل احتواء وكبح الإنتفاضة الثانية وهذا ما وصفته النيويورك تايمز آنذاك في عناوينها الرئيسية "ضغط هائل" على شارون للسماح لشمعون بيرس بمقابلة ياسر عرفات بالرغم من الحساسية العالية لدى بوش من عرفات. وفي بداية أكتوبر 2001 ، قال الرئيس الأمريكي الجديد (بوش) أمام العالم ولأول مرة أنه يدعم قيام دولة فلسطينية ، وهذه الظاهرة كانت بحد ذاتها تطوراً مستغرباً ومذهلاً ، بالرغم من أن الرئيس كلنتون الذي عمل على الموضوع بفترتي رئاسته لم يتفوه بذلك صراحة "دولة فلسطينية" وبشكل علني وللعالم وذلك لآخر شهرٍ في ولايته ، وقد أكد بوش قبل 11 سبتمبر نيته بتحريك الصراع العربي الإسرائيلي نحو التسوية والحل وأبدى رغبة ظاهرة وعلنية بذلك.

تنبه القادة الإسرائيليون لهذا التطور الخطر والجديد من السياسة الأمريكية ، وخافوا من "أن تبيع وشنطن الدولة اليهودية ، مقابل شراء مصالحها (وشنطن) في العالم العربي". وكتبت صحيقة الواشنطن بوست "نقلاً عن المصادر المقربة من شارون أنها قالت إنه خائف من المحاولات الأمريكية لضم ايران وسوريا وغيرهم من الدول التي لديها كفلاء ووكلاء يقومون بتنفيذ هجمات ضد اسرائيل الى الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة." وفي مطلع أكتوبر 2001 ، ثار شارون غاضباً وقال متهماً بوش بأنه يحاول استرضاء العرب على حسابنا ، هل هذا حقيقة؟ لن نكون تشيكسلوفاكيا ، وبعد ساعات من قوله هذا قام جيش الدفاع الإسرائيلي باجتياح مناطق متعددة في الأراضي الفلسطينية في منطقة الخليل.

وصرح بوش بأنه كان غاضباً من شارون الذي شبه عمله أي عمل بوش بالنازيين ، وضغط البيت الأبيض على الناطق باسمه أري فليشر بالإتصال بشارون وإعلامه بأن تصريحاته غير مقبولة ، وقدم شارون اعتذاراً مبدئياً على ذلك للبيت الأبيض.ولكن المشكلة الأسايسة بقيت على حالها دون تسوية ، وبعد ذلك وفي أكتوبر وبعد اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحب عام زئيفي على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قام جيش الدفاع الإسرائيلي باجتياح واسع للمزيد من المناطق الفلسطينية التي هي تحت سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وقابل الرئيس بوش شخصياً شيمون بيرس وزير الخارجية آنذاك وطلب منه سحب القوات الإسرائيلية من المناطق التي اجتاحتها فوراً ، معبراً عن ذلك بقوله " إنني آمل أن يسحب الإسرائيليون جيشهم في أسرع وقت ممكن" ورفضت الحكومة الإسرائيلية طلب بوش وقالوا بأنهم سيسحبون جيشهم عند اطمئنانهم بأن عرفات سيطرد ويقضي على الإرهاب القادم من الأراضي الفلسطينية ، وكتبت صحيفة الغارديان " لقد أثار شارون أكبر عاصفة مواجهة مع واشنطن منذ ولاية جورج بوش حيث رفض بوضوح سافر الطلب الأمريكي لإنهاء الإحتلال للأراضي الفلسطينية والذي يهدد بقاء عرفات. وهنا تحرك شارون ومساندوه من اللوبي الإسرائيلي في أمريكا بسرعة لحل الخلاف المتنامي القائم بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية ، بإقناع الرئيس بوش ومعاونيه والشعب الأمريكي بأن الولايات المتحدة واسرائيل تواجهان نفس الخطر المشترك من الإرهاب. وأن المسؤولين الإسرائيليين ومفاتيح جماعات اللوبي الإسرائيلي كرروا تأكيداتهم أنه خلال السنوات القليلة القادمة سوف لن يكون هنالك فرق حقيقي بين أسامة بن لادن وعرفات وبالتالي فإنه يتوجب على الولايات المتحدة واسرائيل ليس فقط عزل ومقاطعة الرئيس الفلسطيني المنتخب سياسياً وعدم التعامل معه ، بل يجب حصاره في مقره وتقييد حركته وأنهم أي الإسرائيليين في حل من حمايته الأخلاقية بوصفه شريكاً لهم في السلام بل مهدداً لأمنهم مثله لإسرائيل كمثل أسامة بن لادن لأمريكا.

وكما أخبر شارون شبيهه فكرياً وداعمه الصحفي في النيويورك تايمز وليم سافيري في ديسمبر 2001 ، "أنتم في الولايات المتحدة في حالة حرب ضد الإرهاب ونحن في اسرائيل في حالة حرب ضد الإرهاب. إنها نفس الحرب".

إن اهتمامات شارون بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط بدأت بسرعة بعد أحداث 11 سبتمبر لأستثمارها أمثل استثمار ، وبعد عدة أسابيع من إفصاح بوش عن دعمه إقامة دولة فلسطينية ، أجرى شارون مكالمة هاتفية بالقادة اليهود الأمريكيين في 14 سبتمبر ومن خلالها أوضح لهم أنه مهتم جداً بإظهار ياسر عرفات أمام الإدارة الأمريكية بنفس مظهر أسامة بن لادن ، ويجب على الإدارة الأمريكية وضعه ومعاملته في نفس وضع ومعاملة بن لادن دون أي فرق بينهما ، وعبر عن قلقه لهم بأن بوش بدأ يبدي قساوة تجاه الإسرائيليين لكسب الود العربي لدعمه في حربه ضد الإرهاب ، وطلب منهم المساعدة في ذلك ، ولكن تحرك هؤلاء الحلفاء في اللوبي في البداية كان قليلاً بعد محادثة شارون نظراً لإنغماس الشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية في آثار هجوم 11 سبتمبر والإرتباك من المفاجأة والصدمة التي أحدثتها تلك الأحداث للإدارة وللشعب. وفي تلك اللحظات الصعبة وغير المصدقة ، بعث مجلس New American Century برسالة الى الرئيس بوش في 20 سبتمبر موقعة من عديد من المحافظين الجدد منهم: وليم بينت ، اليوت كوهين ، أرون فريدبرغ ، راؤول مارك غيرهتش ، روبرت كاغان ، تشارلز كروث همر ، جين كيركباترك ، وليم كريستول ، ريتشارد بيرل و نورمان بودهورتز ، وفي تلك الرسالة يصفون اسرائيل بأنها الحليف الأوفى للولايات المتحدة ضد الإرهاب العالمي ، وطلبوا من الرئيس أن يدعم دعماً كاملاً ومليئاً حليفنا وتابعنا الديمقراطي ، كما وأوصت الرسالة بقطع كل دعمٍ عن السلطة الفلسطينية.

بعد أحداث 11 سبتمبر ركزت السياسة الخارجية لإدارة بوش على الحرب على الإرهاب كأولوية لها وذلك بدعم بوش بإجراءات انطلقت من خطة تتلخص في حلَّين على مستوى الدولة ، ولكن هذا التوجه في السياسة الأمريكية الجديدة لم يعجب ويسرشارون والزعماء اليهود في الإدارة ومفاتيح جماعات اللوبي في أمريكا ، ولم تعجبهم هذه الأجندة للإدارة. وفوراً فإن اييابك AIPAC المنظمة الأمريكية اليهودية سارعت بالرد على اقتراحات بوش بدعم الدولة الفلسطينية بإصدار بيان قالت فيه " إن الناصحين للرئيس والداعمين لفكرة الدولة الفلسطينية يزرعون الألغام في سياسة الحرب على الإرهاب ، إنهم يشجعون الرئيس على المكافأة بدل العقاب للذين يمارسون الإرهاب وفي نفس الوقت فإن رئيس اييابك AIPAC مورتمر زكرمان قال بأن بوش يتبع سياسة قصيرة الرؤيا جداً وخاطئة ، وبدأ المؤيدون لإسرائيل تكرار هذه المقولة في أي مناسبة.

وبدأ الفاعلون والمتنفذون في اللوبي الإسرائيلي وضع إدارة بوش تحت الضغط للسماح بالجيش الإسرائيلي بالبقاء في الأراضي الفلسطينية التي أعيد احتلالها لفترة من الزمن يتمكن خلالها شارون من تثبيت نفسه بالحكم . فقد كتب أبراهام فكسمان رئيس Anti-Defamation League رسالة الى كولن باول وزير الخارجية عبر فيها عن انزعاجه العميق من طلب الولايات المتحدة من اسرائيل سحب قواتها من الأراضي الفلسطينية وقال إننا نعتبر ذلك غير سليم وهو مخالف لنهج السياسة الأمريكية تجاه اسرائيل والذي تتبعه منذ زمن بعيد ، إن اسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها. إن العالم موحد في محاربة الإرهاب ولسوء الحظ فإن السلطة الفلسطينية رفضت إتخاذ خطوات جدية لمحاربة الإرهاب. وأن زكرمان قلده في هذه النظرة بقوله " إن ذلك غير ملائم ومفرط ومنافي للمنطق وهو مناهض لسياسة الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب.

كما أن اللوبي عمل داخل ردهات الكونغرس ، ففي 16 نوفمبر بعث 98 سيناتور أمريكي رسالة الى بوش يشكرونه فيها على رفضه اللقاء مع عرفات ما دام لم يتخذ خطوات ملموسة ليضع حداً للإرهاب الذي يمارس ضد اسرائيل ، وطلبوا كذلك أن لا تتوقف الولايات المتحدة عن دعم اسرائيل وعدم مطالبتها بوقف الحرب على إرهاب الفلسطينيين وحرضوا الإدارة على دعم الأعمال الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والإستمرار في دعم الجهود الإسرائيلية في الدفاع عن نفسها.وطبقاً لصحيفة النيويورك تايمز فإن الرسالة قدمت قبل حوالي اسبوعين من من لقاء منظمة اييابك AIPAC مع مفاتيح الكونغرس والذين بدورهم أكدوا خلالها على توصيات الرسالة.

وفي أواخر نوفمبر تطورت وتحسنت العلاقات بين وشنطن والقدس بشكل ملحوظ ، وكان هذا نتيجة لتحرك اللوبي الإسرائيلي في جزء كبير منه ، وبسبب الإنتصار المبدئي للجيش الأمريكي الذي تحقق في أفغانستان وبدون الدعم العربي للمساعدة في القضاء على القاعدة. وزار شارون البيت الأبيض في بداية ديسمبر ليقابل بوش ، وفي الحقيقة وقبل أن تبدأ المقابلة فقد هاجم الجيش الإسرائيلي غزة رداً على ثلاثة تفجيرات انتحارية في اسرائيل. ولم ينتقد بوش اسرائيل ولم يطلب منهم التخفيف من إجراءاتهم وممارساتهم في المستقبل. وبدلاً فإن الناطق باسم البيت الأبيض صرح قائلاً "إن اسرائيل دولة ذات سيادة ولها الحق أن تعيش بسلام" وفي نفس الوقت طلب بوش من عرفات أن يعمل أكثر من أجل وقف الإرهاب ضد اسرائيل.

وزار شارون البيت الأبيض مرة ثانية في فبراير 2002 ، وكان له لقاءٌ حارُّ آخر مع بوش ، ووصف شارون عرفات بأنه يدعم الإرهاب وعرَّفه قائلاً بأنه يمثل عقبة في طريق تسوية الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وأصبح بوش الآن مخدوعاً بهذا الخط من النقاش والجدل. وقد صدَّق التقاريرالمثيرة للجدل التي تفيد بأن عرفات كان وراء Karine A (السفينة المحملة بالأسلحة) والمتجهة الى الشرق الأوسط والتي حدثت قبل شهر في يناير 2002 ، حيث كانت محملة ب 55 طن من المتفجرات والأسلحة وكانت مبحرة من ايران والتي احتجزت في عرض البحر الأحمر من القوات البحرية الإسرائيلية وكان ظاهراً أن ميناء وصولها هو غزة مع أن الدليل في ذلك الوقت لم يكن واضحاً ومثبتاً. وفي الحقيقة فإن البعض قال أنها كانت متجهة الى لبنان تحمل اسلحة لحزب الله. في حين أنه لم يتوفر دليل واضح أنها كانت متجهة لعرفات فقد عملت الحكومة الإسرائيلية واللوبي الإسرائيلي في أمريكا أقصى الجهود بتصوير الحالة على أنها كانت تحمل أسلحة ومتفجرات لعرفات ليدعم حملته الإرهابية ضد اسرائيل. وقد أنكر القائد الفلسطيني تلك التهمة ونفى مسؤوليته عنها كما وأن كولن باول وزير الخارجية وآخرون قالوا بأنهم لم يروا دليلاً أو إثباتاً يدل على عدم صحة تصريح عرفات بإنكار تلك التهمة.

في النهاية فإن بوش اتفق مع اسرائيل ومؤيديها وداعميها في إدارته ، وبينما كان شارون على جانبه بالبيت الأبيض قال بوش " لقد سمع منا السيد عرفات ، وليس باستطاعتي أن أكون أكثر وضوحاً .....عليه أن يعمل كل شيء بمقدوره لمحاربة الإرهاب وبكل وضوح ، لقد استغربنا ، ثم امتعضنا كثيراً عندما رأينا KARINE A محملة بالأسلحة ، تلك الأسلحة التي كان مقصوداً من ورائها شيئاً واحداً وهو الإرهاب".