المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإغتيال المقبل



غالب ياسين
18/02/2008, 09:56 AM
هل نعلم بأن الكلمة الغربية Assassin والتي تعني (الشخص الذي يقوم بعملية الاغتيال) هي كلمة من أصل عربي: الحشاشين؟ لكنها الحقيقة. وأياً كان مصدر هذه الكلمة فإن فعل هذه الكلمة على الواقع يمثل ظاهرة تاريخية لم تتوقف منذ العصور القديمة وقبل التاريخ. وبالطبع هناك دوافع عدة ومختلفة للاغتيال، مادية وفكرية وسياسية وعسكرية وعقائدية... إلخ.

لكن لم تثبت الاغتيالات بجميع أشكالها وعلى مر العصور أي مفعول ذي أثر قد يعتد به لدى مدبر جريمة الاغتيال إن لم يكن أثرا معاكسا لما هو مرسوم له، كما لم تثبت الحروب على مدى التاريخ إمكانية الحصول على نصر دائم لكل من ادعى النصر. فاغتيال شخصية ما هنا والتخلص من شخصية أخرى هناك، قد تنقص لبنة واحدة في جدار الخصم لفترة زمنية محدودة، لكنه سرعان ما يتم سدها بشخصيات أخرى مماثلة أو أكثر شدة ومناعة.

ويبدو أن جماعات المقاومة والمعارضة هي أكثر الجبهات تعرضا لمثل هذه الاغتيالات بهدف التخلص من رؤوسها المدبرة أو المنافسة التي تنظم هجماتها وتخطط لزحزحة الآخر من موضعه، حيث يبدو أن الاغتيالات السريعة لا تترك وراءها في الغالب بصمات منفذها الحقيقي.

وكما نعلم فإن الاغتيالات لا تقتصر فقط على رجال السياسة والحرب بل حتى على المعتقدات الفكرية، كما حصل لجان جوريس المناضل الفرنسي عام 1914 رغم أفكاره التي تدعو إلى نبذ العنف واللجوء إلى الحوار مع الخصم.

ولو رجعنا أكثر إلى الوراء لوجدنا أن أول عملية اغتيال سياسي عقائدي في التاريخ الإسلامي قد حصلت بعد الدعوة المحمدية بزمن قليل، حيث قتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه والأمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وتوالت الاغتيالات العقائدية ـ السياسية بعد ذلك.

وامتلأ التاريخ الغربي المسيحي والشرقي العربي والإسلامي بالعديد من المؤامرات والاغتيالات السياسية حتى تاريخنا هذا، واختلطت الدواعي الحقيقية بالأعذار المزيفة التي تكمن خلف كل عملية اغتيال. مع هذا، نجد أن اغتيال الخلفاء الراشدين الثلاثة رضي الله عنهم لم يغير من تقدم الدولة الإسلامية لتصبح الدولة الأعظم بلا منازع في التاريخ القديم.

كما لم يؤثر اغتيال العديد من الشخصيات السياسية الحديثة في الغرب كما في الشرق من استمرارية أفكارهم ومنظماتهم التي كانوا على رأسها. فعلى سبيل المثال، لم يغير اغتيال إبراهام لنكولن وجون كنيدي في الخطوط العامة لسياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية والداخلية.

ولم يؤثر اغتيال المهاتما غاندي في استقلال الهند أو اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات شيئا في نظام وسياسة الحكم في مصر، كما لم يغير اغتيال رشيد الصلح عام 1951، وكمال جنبلاط عام 1977، وبشير الجميل عام 1982 ورشيد كرامي عام 1987، ورفيق الحريري عام 2005 وبيار أمين الجميل عام 2006 من شيء في تاريخ ومواقف واتجاهات الطوائف في لبنان منذ استقلالها عن الاستعمار الفرنسي.

فكثيرا ما أدى اغتيال شخصية من هذه الشخصيات إلى بروز وريث شرعي آخر قد يكون أكثر تمسكا بمعتقداته من سابقه. ولا أدل على ذلك من انزعاج إسرائيل من عباس الموسوي الذي ساهم في تأسيس حزب الله عام 1982 والذي أصبح أمينا عاما له عام 1991، فقامت أجهزة المخابرات الإسرائيلية باغتياله عام 1992.

ولو كانت تعلم إسرائيل وقتها أن من سيحل مكانه هو رجل في حنكة وصرامة وبلاغة وتأثير وكارازمية حسن نصر الله الذي دوخ إسرائيل في فترة زمنية قصيرة جدا، لفضلت إبقاء عباس الموسوي حيا! فهل كانت إسرائيل تتصور وقتها بأنها سوف تقضي على حزب الله من خلال اغتيال عباس الموسوي؟

وهل حدث في التاريخ أن تم القضاء على سياسة أو منهج باغتيال صاحبه؟ فكل من اغتيلوا في التاريخ لم يكونوا رجالا عاديين، ولم يكونوا يعملون بمفردهم، فهم يمثلون فكرا وطائفة تؤمن بهم، وبالتالي يتطلب الأمر القضاء على فئة كاملة من البشر قد تمتد من القبيلة إلى مستوى الدولة! وهذا أمر مستحيل. وقد أثبتت الأحداث بأن اغتيال أي شخصية بهدف القضاء على فكرها أو منهجها أو سياستها تؤدي في الغالب إلى تثبيت هذا الفكر أو المنهج أو السياسة.

وأكثر البلدان في العصر الحديث تعرضا لسياسة الاغتيالات السياسية، هو لبنان. ولا يدرك اللبنانيون رغم التجربة الطويلة والمريرة من تاريخهم في الصراع الطائفي بأن اغتيال الخصم قد يقطع غصنا واحدا لكنه لا يقتلع الشجرة بأكملها.

ومع هذا ما زال اللبنانيون يستيقظون كل صباح على خبر اغتيال جديد لإحدى شخصيات تاريخهم المعاصر.. ومع هذا لا تغير الاغتيالات السياسية شيئا في حياة اللبنانيين ولا في اختلافاتهم المذهبية أو السياسية وتسير الأمور بعد ذلك كما كانت عليه.

كما أن جارهم اللدود تعلم منهم سياسة الاغتيال، ولم يطبقه بالطبع على نفسه، بل عليهم. فلائحة المواطنين اللبنانيين الذين تمت تصفيتهم على يد المخابرات الإسرائيلية أكبر من أن تحصى. بل إن كثيرا من اتهامات الاغتيالات التي ترمى بها طائفة من الطوائف اللبنانية تكون إسرائيل إما ممولتها أو منفذتها في الأصل.

وبالأمس انقسم اللبنانيون بين مبتهج حتى البكاء وبين مطعون حتى الصميم لاغتيال عماد مغنية، والذي يمثل بلا شك وباعتراف إسرائيل والولايات المتحدة بأنه أحد أشرس القياديين في حزب الله وأحد أهم المخططين العسكريين اللبنانيين ضد إسرائيل.

المصيبة أنه ليس فقط اللبنانيون الذين لا يتعلمون من دروس الاغتيالات غير المجدية، فحتى إسرائيل نفسها لم تتعلم بعد بأن لدى حزب الله من الإمكانيات المادية والبشرية ما يكفيها لأن تعوض بدلا عن عماد مغنية بألف عماد وعماد. والخوف كل الخوف أن لا يخلف عماد مغنية من هو أشرس منه.

إن دائرة الاغتيالات هذه لن تحل معضلة لبنان ولن ترد حق الشعب الفلسطيني في الوجود ولن تنهي أزمة الشرق الأوسط بأكملها، بل ستدفع الأطراف المتخاصمة والمتحاربة إلى السقوط في مستنقع الدم، بما فيها إسرائيل نفسها.

فهل سيظل حسن نصر الله عند تهديده بـ «حرب مفتوحة» مع إسرائيل؟

هذا ما سنعرفه عند سماع نبأ الإغتيال المقبل.
د. محمد العبودي

جامعة الإمارات

dralaboodi@gmail.com



2/17/2008

محسن رشاد أبو بكر
27/02/2008, 04:46 AM
أستاذى الفاضل / غالب

شكرا على ذلك المقال الهام ، فعلا لم ولن تؤثر الاغتيالات فى حركة التاريخ ، فالاغتيال لأشخاص أفراد فى مجتمعات ، كم من الأفراد الفلسطينيين اغتيلوا ، لكن القضية لا زالت باقية ، حيث لا يمكن أبدا اغتيال حقوق الشعوب.

وقطعا لن يكون خبر الاغتيال المقبل هاما ، حيث لن يمكن اغتيال شعب بأكمله يدافع عن حقوقه المشروعة.

أبو بكـر