المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الـمنـتـوج الـسـيـاحي المغربــي ورهـان الــجـودة



فؤاد بوعلي
01/10/2006, 02:44 AM
الـمنـتـوج الـسـيـاحي المغربــي ورهـان الــجـودة


تعيش السياحة المغربية ـ في السنين الأخيرة ـ طفرات نوعية تبرز على الخصوص في المحاولات الدائبة من طرف المسؤولين الحكوميين وأرباب المقاولات تطبيق مقتضيات الاتفاق الإطار وجعل المغرب من أهم الوجهات المفضلة على الصعيدين الإقليمي والعالمي سياحيا. وهكذا تعددت التحركات والزيارات والبرامج الرامية إلى النهوض بالمنتوج السياحي المغربي وتطوير أدائه وطريقة عرضه، لكن يبقى الإشكال الواجب مقاربته متعلقا بمدى حضور الجودة كعنصر محوري في اهتمامات الفاعلين داخل القطاع و نقله من مستوى القيمة المضافة إلى مستوى المكون الهيكلي.


أهمية تناول المنتوج السياحي

من خلال قراءة عرضية لبنود الاتفاق الإطار السياحة: رؤية، تحدي وإرادة، الذي وقع بين الحكومة وأرباب المقاولات، يبرز للعيان الاهتمام النصي ـ على الأقل ـ بدور الجودة في إنجاح الفعل السياحي المغربي وجعله في مستوى تطلعات الفاعلين وإقداره على المنافسة في سوق السياحة العالمي، حيث يركز على ضرورة تعميم مستوى معين من الجودة في كل الإنتاجات المتعلقة بالميدان (البند 15)، والعمل على إنشاء جهاز للمراقبة على الصعيد الوطني يهتم بالجودة ومتعلقاتها.

وتأتي أهمية هذا الموضوع من كونه الركن الثالث المؤسس للمنتوج السياحي، بالإضافة إلى العرض والثمن. فإذا كنا في عرض المنتوج نركز على تجهيز المواقع (مائي) و(جوي ) السياحية بعدد من المؤسسات الحديثة والنوعية، وعلى النقل بري باعتباره وسيلة أساسية في تشجيع الطلب، وعلى البنية التحتية طرق . تطهير . . .) باعتبارها الفضاء المؤثر في تطوير الحركة السياحية، فإن جودة الإنتاج المغربي هي العنصر الحاسم في إقبال السياح على الوطن، و العودة إليه باستمرار، باعتباره المكان المفضل لقضاء أوقات من الترفيه والمعرفة والاستجمام .

وتتأسس جـودة المنتوج السياحي على مستويات ثلاثة يلزم إدراجها في الاعتبار والإحاطة بها في كل محاولات النهوض بالقطاع. فلا يكفي إنشاء مؤسسات فندقية خاضعة لأحدث المواصفات الدولية، كما لا يبقى التحدي محصورا في عدد الأسرة المتوفرة على امتداد الأقطاب السياحية المعروفة أو المستحدثة، بل من الواجب العمل على النهوض بمستوى الجودة في: التكوين والعرض والتدبير.



جـودة الـتـكـويـن

إن تحديد وظيفة التكوين السياحي في تخريج الأطر المؤهلة مهنيا و تقنيا للعمل في القطاع وتسيير دواليبه، يجعل منه عنصرا حاسما في النهوض به وتأهيله للمنافسة. فإذا أخذنا بالاعتبار المعادلة: جودة التكوين = جودة السياحة، سنجد أنفسنا أمام ركام من الإشكالات والأسئلة من نحو

ـ ما نوع المقررات الدراسية التي تلقن لطلبة المعاهد السياحية ؟

ـ ما قيمة المناهج الدراسية المعمول بها في مؤسسات التكوين السياحي بيداغوجيا وتربويا ؟

ـ من هم الطلبة الذين يتم قبولهم داخل فضاء الفندقة والسياحة؟ وما هي معايير الولوج ؟

ـ ثم ، ما نوع النظام التربوي والإداري الذي تسير من خلاله معاهد الفندقة ؟

كل هذه الأسئلة تفرض علينا مراجعات عديدة لمستوى التعليم السياحي: إداريا وتربويا ومنهجيا، حيث ينبغي إخضاع العملية التربوية بأكملها لمجهر المراقبة والمراجعة حتى يتم الوفاء بمقتضيات الجودة .

صحيح أننا نتوفر في المغرب على مؤسسات من الطراز العالمي من حيث هندستها وأجهزتها الدراسية ومكونيها، لكن يبقى الطابع العام الذي يميزها هو غياب أية مراقبة بيداغوجية من لدن الوزارة الوصية، وإن كانت فهي غير فاعلة أو مؤثرة في تغيير مسار الفعل التربوي.

ومن ثمة، فجودة التكوين تفترض منا مسايرة الفعل التعليمي السياحي المعمول به في جل الدول المتقدمة، لكن الأهم هو الحرص على تفعيل الإدارة لتكون مهتمة بدورها التربوي أكثر من الانشغال بالأمور المالية الذي يفقدها جوهر وجودها و وظيفتها الأصلية. كما ينبغي مراجعة تامة لمناهج التعليم السياحي وجعلها في مستوى تطلعات واهتمامات الطلبة وذلك بأن تتصف بصفتين: الواقعية والتجديد .

فمن خلال واقعيتها تحذف كل المواد التي لا علاقة لها بالميدان والتي تضخم الركام المعرفي دون أن تضيف إليه أي قيمة علمية أو مهنية. ومن خلال التجديد يمكن للطالب مواكبة التطورات التي يشهدها الميدان السياحي عالميا، و مدى الإضافات النوعية الحريصة على جودة المنتوج السياحي.



جـودة الـعـرض

تبرز جودة المنتوج السياحي في أشكال عرضه وتقديمه للزبناء. فإذا علمنا أن القطاع السياحي، بالرغم مما يجمعه بباقي القطاعات الإنتاجية والمهنية من ضوابط اقتصادية واجتماعية، يتميز باعتماده الأساسي على الجانب الخدماتي. حيث تشكل فيه آليات العرض وأشكاله وطرق التقديم أهم مكوناته، بل هي الجانب الذي يصادف في كل فعل سياحي. فعند ولوجنا لأية مؤسسة سياحية أو فندقية يصادفنا الشكل الذي تقدم به المنتوجات، على اختلاف أنواعها، مما يعطينا الانطباع المبدئي الذي نؤسس عليه أحكامنا وتعاملنا مع الفضاء الذي نقتحمه. فبدءا بهندسة المكان، ومرورا بطرق الاستقبال، وبنيات الإيواء، وتنظيم الغرف، وقوائم الأكلات وطرق عرضها، وصولا إلى برامج التنشيط الاستجمامية والثقافية... تحدد الجودة قيمة الإنتاج السياحي في مجمله .

ولا داعي ـ في هذا المقام ـ أن نعطي نماذج مما تعيشه المؤسسات السياحية الوطنية من ضعف بَيِن لثقافة الجودة عرضا وبنية،حيث نشهد الأوضاع المتردية التي تعيش عليها جل المؤسسات الفندقية من حيث النظافة والتجهيز

والخدمات، إضافة إلى ما يعانيه التنشيط السياحي من فوضى وتدخل أطراف بعيدة عن الميدان تعرضه في أحيان كثيرة إلى الاضطراب والارتجال. كل هذه الأمور تساهم في الإضرار بمستوى السياحة المغربية، مما يفرض تدخلا حاسما للوزارة الوصية وأصحاب القرار من أجل التعجيل بإنشاء جهاز للمراقبة ومتابعة المؤسسات الفندقية في مدى حضور الجودة في صياغة عرضها للمنتوج السياحي.


جـودة الـتدبـيـر

تتمثل في أشكال التدبير الإداري والمالي للقطاع السياحي، فقد عاش القطاع السياحي ـ منذ الاستقلال ـ مشاكل مالية وتنظيمية جعلته لا يعبر بوضوح عن القدرات الطبيعية والثقافية التي تتميز بها أرض المغرب الحبيب، حيث ظل الرهان طوال العقود الماضية لا يتجاوز عددا محدودا جدا من السياح الأجانب، كما أن عدد المقاولات التي تنشط في الميدان ظل محصورا ومنحسرا، وقد يتراجع في بعض المناطق كالمنطقة الشرقية على سبيل المثال والعامل وراء هذا الأمر هو التدبير الارتجالي لملف السياحية، وتغييب أصحاب الاختصاص من الميدان.فيكفي أن نزور أية مؤسسة فندقية لنسائل جهازها الإداري عن عدد خرجي المعاهد السياحية الذين يعملون فيها ، لنكتشف السبب الرئيسي وراء ضعف الأداء الخدماتي وعدم جودته، إذ أن مواقع التسيير السياحي تسند في غالب الأحيان إلى أناس لا علاقة لهم بقطاع السياحة والفندقة، مما يؤدي حتما إلى أمرين م تلازمين: غياب الجودة وبطالة خريجي المعاهد الفندقية كما يبدو إشكال التدبير في غياب المراقبة المؤسسة من طرف الوزارة الوصية، حيث تغرد كل مؤسسة في سرب خاص بها، كما أن إدارة القطاع السياحي لازالت تسير بعقليات متقادمة ومتجاوزة من طرف مستحدثات السوق العالمية. وكأي قطاع اقتصادي تعاني السياحة من سيادة المقاولات العائلية وطغيان النظرة القصيرة المدى على أصحاب الشأن المالي وتعدد الجبايات والضرائب التي ترهق كاهل المستثمرين.

مما يعيق كل تفكير في إشكال الجودة صحيح أن الحديث عن جودة المنتوج السياحي، يدخل في رهان التحديث والتنظيم، الذي اعتمدته الحكومة، مما جعله محط انشغالات الدارسين وأصحاب القرار لكن انتقال الجودة لتكون عنصرا مكونا لبنية المنتوج وليست قيمة تضاف إليه، قد تحضر وقد تغيب، يفترض مأسستها في أجهزة خاصة للمراقبة يكون همها الأولي هو متابعة حضور الجودة في طرق التكوين والعرض والتدبير، حتى يقدم المنتوج السياحي المغرب بشكل يحافظ على هويتنا الحضارية وعلى قدراتنا الطبيعية والثقافية، وعلى طاقتنا في المنافسة في نطاق السوق العالمية .

محمد بن أحمد باسيدي
07/10/2006, 03:14 PM
أخي فؤاد المكرم
شكرا لك على تناولك لموضوع المنتوج السياحي بالمغرب من حيث جودة التكوين والعرض والتدبير. وأثني على ملاحظاتك النقدية التي عبرت فيها عن حاجة الصناعة السياحية المغربية نظريا وعمليا إلى مراجعات إدارية وتربوية ومنهجية لتحقيق معايير الجودة العالمية في هذا المجال الحيوي.
______
تحية سياحية
محمد بن أحمد باسيدي