المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطريق المسدود .. والسلام المفقود : د / لطفي زغلول



لطفي زغلول
22/02/2008, 08:51 AM
الطريق المسدود .. والسلام المفقود

د / لطفي زغلول

نابلس / فلسطين


كثيرون من المسؤولين الفلسطينيين الذين يخوضون معترك مفاوضات الحل النهائي ، لم يعودوا على يقين بأن الإسرائيليين جادون بتطبيق التزاماتهم بموجب ما تفترض تطبيقه خارطة الطريق التي رسمتها الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي الحالي جورج دبليو بوش قبل سنوات ، وأعادت التأكيد عليها في لقاء أنابوليس الأخير الذي عقد في نهاية العام المنصرم 2007 ، على اعتبار أن هذه الخارطة هي المرجعية والدليل إلى أية عملية سلمية محتملة بين الفلسطينيين والإسرائيليين .

وقد كان من المفترض لو صدقت النوايا أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بتجميد المشروعات الإستيطانية ، والتوقف عن الإجتياحات التدميرية المتكررة للمدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية ، والبدء بتخفيف الحواجز العسكرية بكافة أشكالها كمرحلة أولية لإزالتها نهائيا . إلا أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث على الإطلاق ، والمحصلة لقاءات غير مجدية بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين . وما زالت المعاناة على كافة الصعد الحياتية هي سيدة المشهد الفلسطيني العام .

وقراءة لهذا المشهد الفلسطيني ، ومثالا لا حصرا فإن موجة غير مسبوقة من المشروعات الإستيطانية إبان لقاء أنابوليس وامتداداته ، قد أخذت في التوسعين الأفقي والرأسي في الأراضي الفلسطينية المصادرة بعامة ، ومنطقة القدس بخاصة . أما ما يخص الإجتياحات والحواجز العسكرية فهي ما تزال على حالها ، إغتيالات واعتقالات ، وإعاقات وتحكم في الدخول والخروج .

واذا كانت هذه هي إجراءات دأبت كل الحكومات الإسرائيلية أيا كان لون طيفها السياسي على السير الحثيث بها ، فهناك كانت على الدوام تلك اللاءات الإسرائيلية المعروفة لحق العودة ، وحدود العام 1967 ، وتفكيك المستوطنات التي أقيمت على أراض فلسطينية مغتصبة ، وإعادة القدس الشرقية للفلسطينيين ، إضافة إلى رفض تخليها عن المعابر والحدود ومنطقة الأغوار ، ومصادر المياه والثروات الطبيعية ، والهواء ، وغيرها .


وفيما يخص خارطة الطريق تحديدا ، يجدر التذكير أن الحكومة الإسرائيلية ، وكانت آنذاك برئاسة الجنرال شارون ، قد رفضت في حينها هذه الخارطة ، أو بصحيح العبارة قد وضعت أربعة عشر تحفظا عليها . وليس هذا مستغربا فثمة أساسيات في السياسة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية لم تخضع مضامينها للتغيير برغم تغير كثير من الظروف والأجواء ذات العلاقة بالقضية .

وكان من المفترض أن يشكل مؤتمر مدريد في العام 1991 ، وما أعقبه من حالات وعلاقات جديدة على الساحتين الفلسطينية بخاصة والعربية بعامة مفترقا ومتغيرا خطيرين بقبول العرب معادلة الأرض مقابل السلام والإعتراف بدولة إسرائيل . وقد نصت المبادرة العربية صراحة على خيار السلام مع الكيان الإسرائيلي ، وقد أعادت الأنظمة العربية التأكيد على هذا الخيار مرات عديدة .

إلا أن تجارب العقد الأخير من القرن العشرين والعقد الحالي الذي أوشك على الإنتهاء من القرن الحادي والعشرين ، قد أثبتت أن السياسة الإسرائيلية لا تخضع لقوانين التغير أو التغيير كونها ترجمة واقعية لاستراتيجية نابعة من فكر معين . ومحور هذا الفكر نابع من الأسس الأولى التي قامت عليها دولة إسرائيل . وهذه الإستراتيجية تتضمن ثوابت خاصة بها باعتبارها خطوطا حمراء تقف عندها كل الاطياف السياسية ، لا فرق في ذلك بين يمين ويسار ووسط ، اللهم إلا في الشكليات التي لا تنتهك حرمة هذه الثوابت الآنفة الذكر .

فيما يخص هذه الثوابت السياسية الإسرائيلية ، فلم يعد خافيا على أحد أن أولاها تخص الجغرافيا والديموغرافيا اللتين تشكل الأرض من منظورها إسرائيل الممتدة من البحر إلى النهر على أقل تقدير لها . والديموغرافيا تعني الجغرافيا السكانية بلون التهويد الصارخ . ولقد كانت السنوات العشر الأخيرة التي اعتقدت الأنظمة العربية أنها زمن السلام هي بمثابة العصر الذهبي للجرافات الإسرائيلية التي افترست الأرض الفلسطينية ، ورسمت على ترابها خارطة استيطان كثيفة . وهذه الجرافات لم تكن لتتأثر بأي شكل من الأشكال بلون الطيف السياسي الحاكم يسارا كان أم يمينا أم أية تشكيلة أخرى .

واستكمالا فإن هذه الثوابت تتمثل في أن أي حل للقضية الفلسطينية لا ينبع وفق منظورها من الإعتراف بمسؤوليتها عن النكبة الفلسطينية ولا التهجير . وهي لا تعترف بأية حقوق تخص الفلسطينين المبعدين عن أوطانهم ، مضافا إلى ذلك كله أن القدس خارج نطاق أية تسوية ، وليس أدل على ذلك من هذا المد الإستيطاني المتمثل في مشروع واجهة القدس الذي يهدف إلى الإستحواذ على هذه المدينة المقدسة .

لقد برعت إسرائيل في إيهام العالم أنها أعطت الفلسطينيين الكثير ، وأنها تنازلت تنازلات مؤلمة إكراما لعيون السلام . وتمكنت من تصوير ردود الأفعال الفلسطينية على سياساتها الإحتلالية على أنها أعمال عنف وتخريب وإرهاب . كما أنها أقنعت حلفاءها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة أن المشكلة الرئيسة بينها وبين الفلسطينيين هي أمنية في الدرجة الأولى ، وصورت أمنها على أنه الوحيد المعرض للخطر ، وأن أصابع الإتهام مصوبة تجاه الفلسطينيين الذين يهددون هذا الأمن ويستهدفونه ، ملتفة بذلك على ممارسات احتلالها القمعية التي تمارسها منذ أن احتلت بقية الوطن في العام 1967 .

اما في ما يخص السلام العادل الذي ينشده الفلسطينيون والقائم على إنهاء الإحتلال الإسرائيلي واسترجاع الأرض ومنظومة الحقوق الاخرى ، فمن المؤكد ان صانعي قرارات السياسة الاميركية قد التزموا المنظور الاسرائيلي ، وسعوا الى تسويقها عربيا وفلسطينيا باساليب عدة . الا انها بكل اتجاهاتها ظلت منحازة انحيازا استراتيجيا الى هذا المنظور القائم على سياسة فرض الأمر الواقع .

فيما يخص مفاوضات التسوية النهائية ، وقيام الدولة الفلسطينية القابلة للحياة ، فقد أعلن مرارا وتكرارا أن العام 2008 سيكون هو الحد النهائي لها . وها قد مضى شهران من هذا العام ، وحتى اللحظة لم تبد في الأفق أية بادرة أمل لتحقيق هذا التوجه المفترض . إن كل الرياح تجري بعكس هذا التوجه الذي تتلاعب به السياسة الإسرائيلية وفق أهوائها وأهدافها وأجنداتها المعروفة مسبقا .

وفيما يخص الإدارة الأميركية التي يفترض بها أنها راعية هذا التوجه ، فقد دخلت في طور الكمون ، ولم تعد القضية الفلسطينية – وهي لم تكن في يوم من الأيام – تحتل حتى ذلك الإهتمام المشكوك فيه . إن السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض ، قد بدأ ، والإنتخابات التمهيدية وما سيليها من منافسة بين المرشحين ، ستكون هي وحدها الشغل الشاغل للولايات المتحدة الأميركية على كثير من الصعد .

ولا ينبغي الذهاب بعيدا ، فها هم الإسرائيليون يعلنون صراحة ، أنه ليس بالإمكان إيجاد تسوية نهائية مع الفلسطينيين هذا العام ، نظرا لاعتبارت كثيرة تخصهم وحدهم ، وإن أقصى ما يمكن التوصل إليه هو مجرد إعلان مبادىء .

كلمة أخيرة . إن السياسة الإسرائيلية وكما وضعها منظروها الأوائل ، وسار عليها كل ساسة الأطياف السياسية لم تأخذ بالحسبان إلا حساباتها ، وأسقطت حسابات الآخرين وهم دائما أصحاب الحق الفلسطينيون . لقد أثبتت هذه السياسة فشلها سواء اعترف أصحابها أم لم يعترفوا كونهم في الأساس لم يضعوا بدائل لها ، وهذه البدائل تخص الحقوق الفلسطينية التي تجاهلتها .

وحقيقة الأمر إن إسرائيل جراء سياستها هذه ، يمكن القول بما لا يدع مجالا للشك أنها ليست ناضجة للسلام الحقيقي الذي وحده يجلب لها الأمن والسلام ، وهما ما تفتقر إليه منذ قيامها . ووصفة الأمن والسلام هذه لا توجد إلا في منظومة الحقوق الفلسطينية الشرعية . وعنئذ ستدرك إسرائيل أن سياستها هي الطريق المسدود والسلام المفقود .