المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصص لا تصدق من سجن الأحداث في عراق الديمقراطية الأمريكية..!



غالب ياسين
28/02/2008, 10:39 AM
http://www.arabswata.org/forums/uploaded/1058_1204184335.jpg
في سجن الاحداث ببغداد..77 حدثاً مسجوناً في قاعة مخصصة لـ30 فقط..!

حقائق يرويها الأحداث وتكذبها حكومة الاحتلال وتزكيها الوقائع! بعضهم إنتهت محكومياتهم منذ سنة وما زالوا وراء القضبان- إصابات بالتدرن والمدافئ شبه عاطلة وشبابيك بلا ستائر! ايماناً منا بأن الكلمة الميدانية يمكن ان تتحول الى فعل يغير الثابت والمنسي والمسكوت عنه.. قررنا ان ندخل سجن الاحداث للمرة الثانية.

وخطت هذه الكلمات بعيدا عن الملق الاعلامي وبكل صدق الانسان العراقي الذي يهمه ان يكون ابناؤه بخير وان لاتحملّهم مؤسسات الدولة التي وضعت لحمايتهم ورعايتهم واصلاحهم مآسٍ فوق مآسيهم.. كان المكان في ذلك الصباح يعج بنشاط غير معتاد.. بعض العاملين يوزعون ملابس وضعت في اكياس كبيرة والصبية ببدلاتهم المبللة ينظفون القاعات والممرات ورائحة المادة المعقمة تصل حتى غرفة المدير، ولم يكن البرد ليضايق وجوههم الشاحبه وانوفهم المزكومة.

بعض الصبية ينقلون فرشاً اسفنجية الى القاعات. يدخل مسؤول المخزن قائلا: استاذ سلمت اليوم (66) فراشا. احببت ان اشاركهم نشوة نشاطهم فسألته ماذا تجهزونهم اليوم؟ فاجابني المدير بدلا منه: اننا نعطيهم كسوة الشتاء بيجاما شتوية (وتي شيرت) مثل هذا واشار الى التي شيرت الاسود الذي يرتديه. سألته: هل تكفي هذه الكسوة لفصل كامل فكيف اذا اراد غسلها؟ فاجابني: يغسل البيجاما ويبقى بالفانيلة..!

حين دخلت القاعات كانت الملابس المبللة والرطبة تنتشر فوق مساند الاسرة. اخبروني ان ملابسهم لا تجف قبل اربعة ايام ولاتوجد مدافيء قريبة يجففون عليها (اكتظاظ، وبرد، ورطوبة وملابس لاتجف). سألتهم عن الفرش الاسفنجية الجديدة. فأخبروني انها لبعض منهم وكانوا ينامون مع زملاء لهم في سرير واحد لايكفي الا لشخص واحد.

لم تكن مرافقة الباحثة الاجتماعية وأحد المراقبين لي يعيق حركتي. دخلت احدى القاعات وبالرغم من محاولة الاحداث تنظيفها باستخدام المعقمات التي اكثرت منها ادارة السجن في ذلك الا ان الرائحة الخانقة تستقبلك بلا رحمة،أسرّة متلاصقة، مدافيء كهربائية من شمعتين توزعت على الجدار في مكان عال واحدة منها يسمح لهم باستخدامها فطلبت منه تشغيل الاخريات لاعرف هل تعمل ام لا ؟ فنادوا على احدهم ليشغلها. كانت القاعة قد استوعبت (77) حدثا بدلا من (30) وهو العدد المفترض لكل قاعة وكانوا يستضاؤون بثلاث شموع متباعدة في سقف القاعة وما حاجتهم للضوء فهم لايقرؤون او يكتبون ولم تسمح ادارة السجن بادخال الورق والاقلام للضرورة الامنية...! في يسار قاعة رقم (2) ثلاثة حمامات صغيرة جداً، بائسة وقاعدة التواليت مهشمة والابواب مخلوعة، يقابلها حوض مستطيل رصفت فوقه اربعة انابيب مقفلة ولم توصل بالحنفيات. تكدست اغراض بعضهم في حقائب يضعونها فوق فراشهم او يكورونها عند ارجلهم اذ لايتسع المكان لوضع لوكرات في القاعات بل لايسمح المكان بالتنقل من دون ان يحتك الشخص بالاسرة والملابس المنشورة عليها.

فهل من المعقول ان يحتجز الحدث لاكثر من سبع سنوات وليس لديه اية خصوصية للمكان الذي يوجد فيه كبديل لاسرته وبيئة انسانية لاصلاحه.

اطلقواالاحداث في قاعة رقم (1) ليروا الشمس تلك الهبة التي صار لهم ان يستحموا بشعاعها بدلا من الماء البارد ولكن زمن الاستحمام بالشمس مشروط ايضا. قال المراقب الذي كان يرافقني: نخرجهم لنصف ساعة او ثلاثة ارباع الساعة لان الوقت لايكفي لجميع القاعات. دخلت إلى حمامات تلك القاعة فكانت جميعها بلا ابواب ووضع الاحداث شراشف ستارا لهم...! تحسست الماء الذي يصب في الطشت كان يهيئه احد الاحداث ليستحم فكان ماءا باردا. تساءلت قالوا ان المحولة التي تغذي السخانات انفجرت منذ شهرين لانها كانت تغذي ايضاً مركز قيادة الشرطة فضلا عن احد السخانات عاطل وتصليحه تأخر بسبب كتابنا وكتابكم وانتظار اطلاق ميزانية العام الجديد. سنحل المشكلة بان نقدم طلبا الى دائرة الكهرباء بان تخصص لنا محولة خاصة بنا والمشكلة بالمكان فليس لدينا مكان فضلا عن اجراءات الروتين..!

دخلت احدى القاعات واخبرتهم أن يجيبوا كلهم على اسئلتي برفع الابهام او عدم رفعها كي لا تقع مسؤولية الجواب على اشخاص معينين لنخلصهم من قضية المحاسبة بعد خروجنا. سألتهم هل تستحمون مرة في الاسبوع؟ كان الجواب: لا.. كل اسبوعين..!؟ فاجابوا بنعم. وحين سألتهم هل تستحمون بالماء البارد أو بالماء الحار؟ ارتفعت الايادي كلها ايجابا على استحمامهم بالماء البارد.

هل يسمح احدنا أن يترك فرداً يضيفه أن يستحم بالماء البارد في الايام التي كانت درجة الحرارة (4) تحت الصفر كما حدث في اوائل شهر كانون االثاني الا اذا ارادوا الانتقام منه. أين حقوق الانسان من سوء الخدمات هذه؟ ألم يسجلوا هذه الملاحظة في تقاريرهم الباردة؟

التدرن والجرب وقاعة العزل..

علمت ان اصابات بالتدرن انتشرت بين الاحداث واخبرني مدير السجن بأنه قد تمّ عزلهم في محجر صحي فذهبت لاراهم، كانوا قد انتهوا للتو من تنظيف محجرهم. كانت ثمة سجادة صغيرة مفروشة على الارض وقد وضعت في وسطها مدفاة شبه عاطلة لاتدفيء المكان، شباك بلا ستائر والنصف الاخر من الباب مكشوف. فيكون الهواء البارد شرسا مع اجسادهم العليلة في الليل وهم يعانون الاختناق من الماء المتجمع في صدورهم. لاحظ المراقب رغبتي في الدخول والتحدث معهم ففتح الباب قائلا: ادخلي انا اعرف انك لا تطمئنين الا اذا تحدثت معهم عن قرب. كانوا خمسة وآخرين اعادوهم الى القاعات لان الطبيب يعتقد ان مرضهم دخل المرحلة التي لايكون فيها معدياً. برغم ان القاعات في رطوبتها وظلامها واكتظاظها حاضنة حقيقية لفايروس التدرن.

احدهم كان متلفعاً ببطانيته اذ كان مريضا جداً. جميعهم يشكون من ماءً يتجمع في صدورهم.. الا ان طعامهم لايختلف عن الاخرين برغم علاجهم المكثف وحاجتهم للسوائل والفيتامينات.. من الغريب ان معظمهم كانوا في قاعة رقم (4) وانهم قد اصيبوا بالمرض قبل اربعة اشهر. فماذا فعلوا بشأن تلك القاعة؟ هل عفروا المكان بالمعقمات واخلوه من الاحداث لفترة من الزمن؟ بالطبع لا! لعدم توفر قاعة اخرى لنقلهم اليها لان الجناح الرابع من اكثر الاجنحة اكتظاظا واختناقا والمحتجزون معظمهم من البالغين.

حين خرجت وجدت الباحثة تنتظرني في الخارج فسألتها اين كانوا قبل ان يكملوا بناء المحجر الحالي؟ قالت: وضعناهم في الحجز الانفرادي. أدهشني الجواب..!إذ كنت قبل قليل في الحجز الانفرادي وهو عبارة عن غرفة مستطيلة قطعت بالطول الى نصفين وقسمت الى غرف مساحتها (2×2) ويتم قضاء الحاجة في الغرفة ذاتها في المكان المخصص لذلك,المكان رطب جدا ومظلم, وليس فيه شباك غير الشباك الموجود في الباب الحديدي.

توجهت بأسئلتي للطبيب الوحيد المعالج في السجن وردّ عليها قائلا: ليس لدينا الامراض التي تقلق...!! فمثلا التدرن لدينا خمسة انفار فقط.. واين الثلاثة الاخرون المسجلون لديك في الموقف الصحي لشهر كانون الثاني والمعلق على الجدار؟ وحين سالته عن اسباب المرض اجاب ان البرد والاكتظاظ من اهم اسباب هذا المرض. وماذا عن الامراض الجلدية والمرضى المصابين بالجرب فأجاب: ان الامراض الجلدية علاجها أسرع واخرى مزمنة علاجها بطيء وان مرض الجرب يستشري بسرعة الا انه يمكن معالجته...! ونستعمل لهم ادوية جاهزة وفي بعض منها خلطات. اما عن اسباب هذه الامراض من صعوبة الغسل اليومي زائدا الاكتظاظ. لم ار محجرا للاحداث المصابين بالجرب؟ فاجاب: بصراحة تمّ اخراجهم من العزل وصار مكانهم قاعة للاحداث الجانحين الصغار جداً تجنبا للمشاكل التي قد تحدث باختلاطهم بالبالغين.

حين أردت الخروج أبلغ الطبيب بان يقدم احصاءا بالمصابين بالجرب وترفع اعدادهم الى المدير العام لدائرة اصلاح الاحداث فورا قال لمديره المباشر ذلك يعني انني سأقوم بفحصهم جميعاً.وذلك يعني ان اعداد المصابين بالجرب اكثر من العدد المسجل في الموقف الصحي وهو (12). للطبيب ايضا مشاكله في هذا المكان اذ يشكو خطورة تعرضه للامراض والضغط والمسؤولية الملقاة على عاتقه اذ ليس له مساعدون من الاطباء سوى طبيب واحد يأتي يومي الاثنين والخميس, حتى اني لااستطيع ان اذهب الى اجتماعات وزارة الصحة اذا اقتضت الضرورة واني أقوم بفحص من (70 _80) حدثاً يوميا وبرغم ذلك لم نحصل على حقوقنا الادارية اذ نحن الثلاثة (انا وسائق الاسعاف وممرض يعمل معنا) لم نتسلم بدل الخطورة أسوة بجميع العاملين على ذمة دائرة اصلاح الاحداث. برغم خطورة عملنا اذ يضطر سائق الاسعاف الذهاب الى اماكن خطرة جدا توجد فيها مخازن للدواء. فضلا عن الاحداث وخطورتها ليلا اذ يعود في بعض الاحيان مع الفجر.فضلا عن انه من محافظة وكذلك الممرض الذي معنا.

قضايا الاحداث المحكومين (عجائب وغرائب)
من يريد ان يعرف ان العنف لا يولد غير العنف عليه أن ينظر واقع هؤلاء الاحداث المعتقلين فانت تجد اكثر من نصف المحتجزين متهمين بجرائم القتل وهم يتجاوزون المئة وضعفاً هذا العدد دعاواهم حيازة سلاح. والباقي تسليب وخطف وارهاب. ومما يؤلم ان قضايا القتل لم يرتكبها الحدث نفسه بل حملت على الحدث عشائريا كما هو واضح مع كثير من الحالات وهو دليل واضح على ان القضاة في المحافظات ربما يتعرضون لضغوط عديدة تضطرهم بقبول اعتراف الحدث نفسه بالجريمة والتسليم به. فعلى سبيل المثال ان الحدث (ع.ك) من بابل محكوما بـ (15) عاما عن جريمة قتل (واحد) وبحسب قوله انه لايعرف (من هو) ولايعرف كيف قتله ويجهل سبب الجريمة. رأسه منحن الى اسفل، ابتسامة تمازجها ضحكة خجولة كلما اجاب على اسئلتي. سلوكه هذا منحني احساساً وكأنني ازاء أحد تلاميذي الصغار حين كانوا يقصرون في واجباتهم. قال انني في الصف الثاني المتوسط واني اعترفت على نفسي وقال لي القاضي (مو انت القاتل) وحكمني (15) عاما.

أما الحدث (ا.خ) فيقول اقتحم غرباء دارنا وقتلوا والدي وهربوا وعندما خرجت بالسلاح خلفهم اتهمني اعمامي بالجريمة وتعرضت للتعذيب الشديد الذي مازالت اثاره ظاهرة على جسده برغم مرور زمن عليها تجاوز السنتين مما اضطرني إلى الاعتراف على نفسي وانا بريء. وحين اخبرت القاضية في بغداد قالت لي: لماذا اعترفت على نفسك؟

أما الحدث (م.ع) من الشامية مواليد 1993 يقول قتلت في حادث حين طلب مني ان اجلب له الرشاشة. كان هذا الطفل وحيدا لابيه ومن الواضح انه حمل القضية عن غيره فهو لايعرف حتى ان يجيب على الاسئلة. قال لي: عذبوني في المكافحة لعشرة ايام وجعلوني اعترف على نفسي وحكمت سبع سنوات.

الحدث (س.م) من مواليد 1994 من احدى محافظات الوسط محكوم لخمس سنوات بتهمة قتل عمه دفاعا عن النفس لانه اقتحم دارهم وتهجم على والده. ومن ضآلة جسده فمن الواضح انه حمل الجريمة عن ابيه.

اما الحدث (ح.م) مواليد 1993 محكوم لاربع سنوات عن تهمة كان شاهدا عليها يقول: القاتل هدد اهلي وارعبهم وبسبب التعذيب جلبت حتى اسم امي في القضية وجدي المعوق وكنت مستعدا ان اسحب كل عائلتي في الموضوع لان جسدي لم يكن ليتحمل التعذيب. ونحن نتساءل كلما رأينا احداثا بعمر لايتجاوز الثالثة عشرة ولاتزيد اوزانهم عن الثلاثين كيلوا غرام ولاتتجاوز قاماتهم المتر الا انهم محكومون لخمس سنوات او سبع بسبب جرائم من الواضح انهم لم يرتكبوها معنويا ولم يخططوا لها وانما دفعوهم بمساندتهم او حمّلوا الجريمة بالنيابة عن احد افراد الاسرة او العشيرة او ربما قاموا بشراء الجريمة مقابل مبلغ مجز ولايهمهم مصيره ومستقبله او نظرة المجتمع له كقاتل برغم صغر سنه.

وان هذه الظاهرة انسحبت حتى على الاناث الاحداث ففي زيارة لي الى الاحداث المودعات في سجن النساء عام 2006 التقيت فتاة في الرابعة عشرة من العمر محكومة لثلاث سنوات لانها بحسب قولها قتلت ابن زوج والدتها خنقا وكان عمره خمسة وعشرين عاما ولم يكن الامر معقولا لصغر حجمها وعمرها. ونتساءل كيف لقاضي الاحداث ان يأخذ بالمسلمات التي تصله من قاضي التحقيق واهمها اعتراف الحدث نفسه بجريمة لم يرتكبها ونحن نعلم معوقات وصعوبات اثبات الحقائق. ولكن من المهم ان يكون هناك الكثير من التمحيص في قضايا تأكل من عمر الحدث اهم مرحلة في حياته. واذا كان الاهل والعشيرة من القسوة،الا ينبغي لقاضي الاحداث ان يكون اكثر انسانية وشمولية بنظرته للامور لانه الطرف الحقيقي الذي يحمي الحدث من اسرته ومجتمعه وحتى من بعض القوانين المجحفة الصارمة؟

جرائم اسبابها غياب الامن:

حين تستمع لقصصهم ستلعن امراء العنف وتجار السلاح وتكفر بكل سياسات الماضي والحاضر لان سياسة الحروب في الماضي وعسكرة البلد وتسليح العقول والايدي أوجد جيلا من العتاة والمجرمين قايضوا طفولتهم باللقمة او بالجهل او بالاعراف. وساسة الحاضر لم ينظفوا آثار العنف من الماضي ولم يخلقوا البدائل ولم يمازجوا هذا الخليط من العنفوان والقوة والقدرة التي يمتلكها الاحداث ويوجهونها نحو ماهو مفيد وانساني وبنّاء من خلال برامج تنمية جديدة بل فعلوا الأسوأ على مستوى التاريخ..

الحدث (ط.ع) من موليد 1989 حين اخبرني انه محكوم بـ (42) عاما كان يتحدث بعدم الاكتراث من شدة يأسه. وحين سألته عن جريمته فاجابني ضاحكا: قتلت اربعة!!
اما الحدث (م. ك) 1989 محكوما بـ(30) عاما، قتل اثنين من جيرانه لانهم قتلوا اخيه.
اما (م.ا) 1989 محكوما بـ (24)عاما ودعوته تسليب وقتل كانت محافظة الكوت ساحة لها.
اما الحدث (ح.م) 1989 فيقول ابن عمي قتل اخي وسلب سيارته فقتل ابي ابن عمي وحكموا عليه بـ (20)عاما وحكموا علي ب (12) عاما.
اما الحدث (ع. ش) مواليد 1989 فيقول دعوتي انني اخذت بثأر ابن عمي وحكمت ب (7)سنوات.

اما الحدث (ع.ر) مواليد 1993 فحكم عليه بـ (15)عاما وقصته تشبه قصص الافلام كان نحيفا جدا ويتحدث بخوف كي لايسمعه احدهم قائلا: شاهدت زوجة ابي عندما خنقت امي وكنت في الصف الرابع الابتدائي وخفت ان اخبر احدا وحين كبرت ثأرت لامي واطلقت الرصاص على زوجة ابي. واخبرني لاياتي احد لزيارته فهو ليس لديه اخوة وتوفي. والده بعد دخوله السجن والاقرباء لايكلفون انفسهم عناء السفر اليه.

أي عنف انتهى اليه جيل آواخر الثمانينيات الذي ودع الحرب واستقبل حرب الخليج التي ادمنته الهم والجوع والحزن.

باحثون لايبحثون:

من الاهمية ان يكون فريق الباحثين في الجانب الذي يقف فيه الاحداث أي مع الطرف الاضعف لدعمه ومنحه الشعور بان الباحث يمكن ان يكون احد افراد الاسرة التي يفتقدها الحدث بتفهمه وصبره وسعة صدره وهذا بالطبع ماتلمسناه عند معظمهم. وفي الوقت نفسه يفتقدها البعض الاخر. حين طلبت مدير السجن ان ارى عددا من الذين ارتكبوا جرائم قتل، طلب مدير السجن من احدى الباحثات ان تحضر عددا منهم. بعد قليل جاءت بهم وجلسوا مصطفين على الاريكة. كانت واقفة وتؤشر فوق رؤوسهم ضاحكة هذا قاتل أبوه وهذا قاتل عمه وهذا قاتل صديقه..!

وقال لي احدهم اذا كانت نسبة الكذب 100 % فان كذب الحدث يصل الى 110 %. وآخر قال لي: لا تصدقي مايقولون انها نصيحتنا لك. وهي في الحقيقة النصيحة ذاتها التي نصحوا بها زميلي الصحفي قبل عامين. وانا اتساءل من اين نعرف الحقائق اذن وما يدور في السجن اذا كان معنا المراقب الداخلي والباحث وغير مسموح لنا بالتصوير وعلينا ان لا نصدقهم حين يقولون ان وجبة العشاء تالفة ولايستطيعون اكلها واجمعت على ذلك جميع القاعات. وعلينا ان لانصدقهم حين يقولون اننا ننام مع بعضنا حين يكون لدينا نقص في الفرش الاسفنجية. وعلينا ان لا نصدقهم حين يقولون انهم يستحمون بالماء البارد. وانهم محرومون من الاوراق والاقلام التي هي من ابسط حقوقهم والتي من المفروض ان توزع عليهم مجانا كجزء من حقهم في التعليم علينا ان لانصدقهم اذا قالوا لنا انهم يستلمون كوبين من التايت في الشهر وانهم منذ فترة لم يتسلموا حصتهم علينا ان لانصدقهم وان المصابين بالامراض الجلدية المعدية يحشرون معهم في القاعات علينا ان لانصدقهم. فهل أيّها الباحثون الاعزاء تجدون من الاسلم ان لانسمعهم؟؟

الباحث (منير عبد الله) تعاملي معهم كاخوان لان ديننا سمح واجاب عن سؤالي عن الجرائم التي يجدها مؤثرة من وجهة نظره بقوله: انها الجرائم التي يحملها الحدث عشائريا كقضايا الثأر. باحث آخر يجد لافائدة من اصلاحهم لانهم باختلاطهم مع الاخرين من المحترفين سيتغيرون نحو الاسوء. واحد الصبية كان محكوما في قضية سرقة موبايل قال حين اطلق سراحه: سوف لا اجعلهم يمسكونني بعد اليوم من اجل موبايلات لانها سرقة لا قيمة لها..! والباحثون محقون فيما لو يئسوا من اصلاح الاحداث لان معظم برامج التأهيل والبناء معطلة او غير مفعلة ومنها التعليم والرعاية اللاحقة. ومما يزيد الطين بلة ان التصنيف على اساس الفئة العمرية غير موجود بسبب الاكتظاظ. فضلا عن عدم وجود التصنيف بحسب نوع الجريمة وتدرجها.وبذلك يتحول الجانح الصغير مع البالغ والمدرب على ايدي عصابات التسليب والارهاب.

أما مدير السجن الاستاذ ولي جليل الذي تسلم مهامه قبل اكثر من شهر محاولا ان يصحح مسار العمل كمحاولة التغيير وتفعيل البرامج فاجاب عن سؤالي باسلوبه الحيادي المعتاد عن دور الباحث الاجتماعي بالنسبة للمودعين الاحداث: اذا لم تتوفر مستلزمات الباحث الاجتماعي لايستطيع العمل ، فنحن يتوفر لدينا الباحث الاجتماعي وفي الوقت نفسه لم نوفر له الظروف التي يؤدي عمله بشكل صحيح من خلالها. اذ من المفروض ان يكون لكل باحث غرفة مستقلة يستطيع خلالها الباحث التحدث مع الحدث ويكون للحديث خصوصية ويخفف عنه الا اننا لدينا غرفة واحدة فقط يتجمع فيها جميع الباحثين. فضلا عن قضية الاكتظاظ اذ لاينجح عمل الباحث الواحد مقابل ثلاثين حدثا. الا انه لدينا منهج محاضرات نفسية واجتماعية مع وجود واعظين حريصين على الحضور اكثر من مرة بالشهر ومتطوعين.

مشكلة بحاجة الى حل عاجل:

لقد حرم معظم الاحداث المودعين في سجن الاجداث من التعليم بسبب ظروف حياتهم باستغلالهم واعالتهم لأسرهم رغم صغر سنهم او تسربهم من المدارس لظروف اسرية مختلفة. لذا فان وجودهم في المعتقل فرصة ثمينة يجب ان لاتهدر لاسباب يمكن التغلب عليها وغلق باب المماطلة في تحمل المسؤولية بين وزارتي العمل والتربية. اذ توافق وزارة التربية على ارسال مدرسين شرط ان تصرف رواتبهم من نفقة وزارة العمل فضلا عن اهمية منحهم مخصصات بدل خطورة اسوة بالعاملين في دائرة اصلاح الاحداث. وازاء رفض وزارة العمل لهذا الشرط اغلق الصف الوحيد الذي كان مفتوحا لمحو الامية. وبدلا من ان تفتح لهم مدارس ابتدائية ومتوسطة وحتى اعدادية كحق لهم منصوص عليه في قانون رعاية الاحداث في المادة 15 منه اغلقوا الصف الوحيد.

وعلى مايبدو ان وزارة العمل تفضلهم ان يكونوا جانحين وجهلة على ان تغير فيهم ولو بمقدار بسيط من خلال الكلمة المقروءة لان تعليمهم يشكل هدرا لاموال الوزارة...! رغم ان الوزارة لم يتسن لها انفاق مخصصاتها لعام 2007 لذا عملت على مناقلة (2) مليار و(250) مليون دينار الى وزارة اخرى.

أحداث انتهت محكومياتهم ومازالو ينتظرون:
حين تجولنا بينهم اقترب بعضهم مني ليخبرونني ان محكومياتهم انتهت منذ شهور او مايقارب السنة ولم يطلق سراحهم لان مسؤولية متابعة معاملاتهم تفرقت بين اماكن عدة لذا اصبح من اليسير ان يتأخر الموضوع غير مبالين للزمن الذي يهدر وهم في انتظار مرير لايعرفون اين انتهى المطاف بمعاملاتهم لان الكبار يعتقدون ان الزمن غير مهم لهؤلاء الصبية وموقنين ان لارقيب ولاحسيب يمكن يتابع ويعاقب المقصرين.

الحدث (ح. ح) قال لي ان دعوتي تسليب وقد انتهت محكوميتي منذ 10 شهور ومازلت انتظر. ومثل حالة هذا الحدث كثيرين قد وجدت ملفاتهم مركونة عند مسؤول القانونية.

اما الحدث (م.ج)من محافظة الديوانية مواليد 1992 فاخبرني ان مدة حكمه هي سنة ونصف وهو الان في السجن منذ ثلاث سنوات وستة اشهر. لانه متهم بالمشاركة مع اخرين في سرقة كيبلات عندما كان في الثانية عشر من عمره. ويقول: ان اهلي حالتهم تعبانة ولاأراهم الامرة بالسنة (ماعدهم مصاريف الطريق). ونحن نناشد المسؤولين والسيد وزير العمل المحترم وهيئة رعاية الطفولة في الوزارة وممثلي حقوق الانسان لانقاذ هذا الحدث من هذه المشكلة التي دفع عقوبتها وجزءا من غرامتها وماتبقى منها 250 الف بحسب اعتقاده ومايخبره به اهله.. وليكن اولادنا اغلى من الكيبلات..!

وحين استفسرنا من مسؤول القانونية عن اسباب تأخر معاملات اطلاق سراحهم قائلا: ان معظم من تتأخر دعاويهم هم من المحافظات لان الشرطة لاتأتي لاخذ الدعاوي رغم اننا نقوم بمخاطبات عديدة منها ابلاغ ممثلي حقوق الانسان وبعد الجهد الكبير حولوا دعاويهم الى بغداد واخذنا نتحرك عليها. اما قضية شمول الاحداث بالافراج الشرطي سنطرح القضية على الدائرة العامة وننتظر الجواب.

قضية حدث تحولت الى حزورة:
الحدث (ع.ح) اذ سرق سيارة بعد احداث 2003 تعود ملكيتها لاحد الفرق الحزبية التي كانت تعود لحزب البعث المنحل. وحكم على الحدث بغرامة عليه تسديدها ومنذ سنة ونصف لايعرف اهل الحدث اين يسددون الغرامة ويقول مسؤول القانونية اتصلت بجميع الجهات ومنها وزارة المالية لاستلام الغرامة ويرفضونها لعدم صلتهم بالامر.والقاضي الذي حكم بالغرامة يرى ان ليس له علاقة بتحديد الجهة التي يسدد اليها. وحتى هذه اللحظة الحدث محتجز وعائلته تبحث عن حل!! وليفرح البعثيون لان اموالهم مصانة دائما.

أحداث عرب ينتظرون الافراج:
تفاجأت بعدد من الاحداث العرب دعوتهم تجاوز حدود وحكم معظمهم ب 15 عاما على المادة 10جوازات ومعظم هؤلاء لايعلم اهلهم بوجودهم واحدهم يعتقد قد انتهت مدة محكوميته الا انه لم يطلق سراحه والسبب؛ أن الاحداث العرب غير مشمولين بالافراج الشرطي الذي يرتبط بالرعاية اللاحقة،أي متابعة الحدث بعد خروجه من السجن لثلاثة اشهر.مع علمنا ان قانون الرعاية اللاحقة غير مطبق مطلقا على الجميع فكيف يصبح شرطا مانعا يوقف الافراج الشرطي ويخرق حقوق هؤلاء الاحداث.

ولابد من الاشارة اننا اعددنا جملة من الاقتراحات يهمنا أن نضعها بين يدي الوزير ومدير عام دائرة اصلاح الاحداث..
أولاً: العناية بموضوع تغيير موقع السجن الحالي عناية كبيرة لان البناية لاتصلح للاقامة الطويلة وهي غير معدة كمدرسة اصلاح وتأهيل الاحداث لانها كانت مركزاً للشرطة وللتسفيرات وان معظم المشاكل الصحية والنفسية وتعطيل برامج التأهيل والاصلاح وتعطيل عمل الباحثين سببه طبيعة المكان وضيقه والاكتظاظ الحاصل فيه.

ثانيا: من المهم ان تباشر الوزارة بدراسة فتح دور للملاحظة (للموقوفين الاحداث) في المحافظات لغرض التسريع بمعاملات الدعاوي والتقليل من الجهد والتأخير والاهمال المترتب على بعد المسافة بين مكان الدعوة ومكان حجز الحدث والتخفيف على عائلة الحدث من عبء البحث والتنقل بين المحافظات. مع اهمية نقل الاحداث من سكنة محافظة الموصل. وهم كثر ومازالوا متواجدين في بغداد.

ثالثا: أهمية التسريع بفتح مدارس ابتدائية، متوسطة، في الاقل وصف للمرحلة الاعدادية بحسب عدد الذين يرغبون بأكمال دراستهم كحق ملزم من قبل الوزارة اتجاه الاحداث في الوقت نفسه يعد برنامجاً مهما لتأهيل الاحداث وامتصاص طاقاتهم وتوعيتهم والاستفادة من سنوات الحجز في المدرسة.

رابعاً: تفعيل لجنة دراسة الحالة ودعمها من قبل الوزارة معنويا وماديا لغرض اتمام عملها بأسرع وأكمل وجه.

خامساً: تفعيل عمل الاشخاص المسؤولين عن متابعة قضايا الاحداث ومتابعتهم ومساءلتهم قانونيا في حالة تقصيرهم.

سادسا: الاهتمام بفتح مكتبة داخل المدرسة واتاحة الفرصة للجميع للاطلاع على محتوياتها حتى وان كانوا اميين لتتولد الرغبة لديهم في التعلم. مع اهمية مخاطبة وزارة الثقافة بتزويدهم بمطبوعات الاطفال من خلال هيئة رعاية الطفولة وايضا مخاطبة المسؤولين في صحيفة الصباح لتزويدهم اسبوعيا بمطبوع شمس الصباح اسبوعيا.

سابعا: اهمية وضع جهاز هاتف او اثنين في المدرسة لغرض اتصال الاحداث بأهاليهم والاطمئنان عليهم. وحتى لو دعت الحاجة لوضع جهاز نقال وتنسيق آلية استخدامه.

ثامنا: زيادة نسب وجبات الطعام والاهتمام بنوعها بوجه خاص للأحداث المرضى..