المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحوار سبيل الخلاص بقلم محمد ملوك



محمد ملوك
01/03/2008, 02:03 AM
من مقامات مفجوع الزمان الجوعاني :
الحوار سبيل الخلاص

حدثنا مفجوع الزمان الجوعاني ، وهو من ضحايا القمع المجاني ، فقال : في بلد تتساقط فيه العمارات على الرؤوسْ ، وتتسابق لدفن قيمه المعاول والفؤوسْ ، وتضيع خيراته في أقبية ضعاف العقول والنفوسْ ، ويجلد فيه العلم أمام قبة البرلمانْ ، ويقمع فيه القلم الساطع البيانْ ، ويكرم فيه اللص والمختلس والقامع والجبانْ ، في هذا البلد الشاهد على اختلاط مفهوم الحرية بالرذيلهْ ، الواقف على أزمات وانتكاسات ونكبات ثقيلهْ ، الباحث عن غد الكرامة والأمان والعدالة والفضيلهْ ، في هذا البلد الذي من ذكر أفعال مسؤوليه الخجل يخجلْ ، كنت كلما رأيت مصلحا في إصلاحه يفشلْ ، ومظلوما عن أسباب تضييع حقه لا يسألْ ، أهرع إلى خلي ابن أبي الرعايهْ ، التائه في زمن الشعارات والدعايهْ ، والحافظ لألف حكاية وحكايهْ ، لأخفف بما لديه جزءا من حرقتِي ، ولأجفف بما يرويه بقايا دمعتِي ، ولأنسى بما يحكيه سهادي ولوعتي ، ... ولأنني لا أرضى لبلدي حروف الدنية والتعتيمْ ، ولأنني لم أفهم وعدم الفهم مرض لئيمْ ، سر تربعنا على عرش الرتب الأخيرة الخاصة بالتعليمْ ، ولأنني لم أطلع على التقارير الدولية والمحلية المهتمة بهذا البلد الكريمْ ، خرجت من حي أسموه ظلما بـ " حي الفرحْ " ، وفتشت في كل المقاهي عن صاحبي الذي للظلم يا كم قدحْ ، فوجدته بعد جهد جهيد بمقهى " قوس قزحْ " ، وهي مقهى عرفت باحتضانها للحلقات الأدبيهْ ، واشتهرت بتنظيمها للأمسيات الشعريهْ ، وتميزت عن غيرها بمحافظتها على القيم المغربيهْ ، وسلمت على الجالس والواقف على حد سواءْ ، واتخذت لي مكانا قرب خلي الجالس القرفصاءْ ، واقترحت عليه أن يعرج على ما حملته التقارير من أرقام وأنباءْ ، فقال بعدما دعا الحاضرين للدردشة حول هذا الموضوعْ ، : << الحمد لله الذي وجب له لا لغيره السجود والركوعْ ، والصلاة والسلام على من رفع برسالته رؤوسنا بين الجموعْ ، وبعد فيا أيها الإخوة الأفاضلْ ، إني تأملت في هذا الوضع المخزي القاتلْ ، ونظرت في أرقام ورتب وتقارير تحصيل الحاصلْ ، فوجدت أن الجريض حال دون القريضْ ، وأن السكتة القلبية لا محالة ستجهز على حياة المريضْ ، وأن الأمل وحده لا يكفي للنهوض من الحضيضْ ، ووجدت أن لكل شيئ بداية ونهايهْ ، ولكل داء دواء موصوف بعنايهْ ، ولكل أزمة حل إذا ما وفرت له شروط النشأة والرعايهْ ، فبداية هذه الإنتكاسات والأزمات معلومهْ ، ونهايتها ستكون بما لا يحمد عقباه مختومهْ ، وحتى تكون الكلمة بالوضوح والصراحة مرقومهْ ، أقول إن سبب ما نعيشه اليوم من نكوص وتقهقرْ ، وأصل ما نتخبط فيه من تعثر وتبعثرْ ، راجع بالدرجة الأولى لا بدرجات التأخرْ ، إلى السياسة التي تنهجها سلطاتنا الغبية على كافة المستوياتْ ، فإذا كانت غزة المحاصرة بنيران الدبابات والطائراتْ ، وغيرها من البلدان المفتقدة لما نملكه من خيرات ومقوماتْ ، قد تقدمت علينا في شتى الميادين لا في ميدان التعليم فقطْ ، فهذا راجع بالأساس لسياسة تلك السلطْ ، وإعطائها للحروف ما يلزمها من حركات ونقطْ، وحري بسلطاتنا العتيدة القويَّهْ ، إن هي أرادت الرقي بالمنظومة التعليمية الوطنيهْ ، أن تحتك بتجارب المسؤولين على التعليم في غزة الأبيهْ ، أما أن تحتك بأجساد مغنيات الشهوة ومطربات النارْ ، وتصرف عليهن المليار تلو المليارْ ، بدعوى تشجيع الثقافة والفن والتفتح على عالم الأحرارْ ، مع تطبيق مثل " جزاه جزاء سنمارْ " على شعب يرفض المسخ الثقافي بالليل قبل النهارْ ، ويأبى تدنيس هويته في الصوم وفي الإفطارْ ، فهذا لعمري هو الضحك على الذقون والعقولْ ، وهذا هو بناء الحاضر والمستقبل بضمير المستتر المبني للمجهولْ ، ووضع اللبنات الأولى لانفجار لا تنفع معه عصي المسؤولْ ، وعلى ذكر المسؤول يا أيها الحاضر ويا أيها الغائبْ ، فوضع الرجل المسؤول المناسب في المكان المناسبْ ، هو بداية الحل لهذه الأزمات وهذه المصائبْ ، وللأسف الشديد فالرجل المناسب للمكانْ ، إما مرمي خلف ما للسجون من قضبانْ ، وإما محاصر أو متهم أو مضطهد أو مقصي في المكان والزمانْ ، فـ " المهدي المنجرة " وأمثاله يعوضه في الوزارة أمثال عباسْ ، و " غلام " و " السنوسي " وغيرهما من الفنانين المتميزين يا ناسْ ، تعوضهم في المهرجانات والملتقيات عاهرات وشواذ بلا لباسْ ، و " الزاكي " ومن مثله في الخبرة والتجاربْ ، يقصى في بلد أسوإ الملاعبْ ، ليعوض بأجنبي لا يعرف إلا الوفاء للأجانبْ ، ولا يهتم إلا برفع مستوى الأجرة والراتبْ ، وهكذا يا أيها الواقف على صراع الأدغال لا الأجيالْ ، فالوكلات الوطنية للماء والكهرباء والقضاء على الأزبالْ ، عوضت بشركات زبانية ولصوص كشركات ريضالْ ، وحركات الدكاترة والمجازين المعطلينْ ، وفرق النواب البرلمانيين الصادقينْ ، استبدلت كلها بحركة وفية للأمراء والجنرلات والسلاطينْ ، أسموها عبثا بـ " حركة لكل الديموقراطيينْ " ، والكلمة يا سادتي تجرُّ ما سبقها من سياقْ ، فإذا كانت الديموقراطية تعني في الغرب الذي كثر له هاهنا العشاقْ ، حكم الشعب نفسه بنفسه من غير قطع للأرزاق والأعناقْ ، عبر انتخابات شفافة ونزيهة من كل الجوانبْ ، يشارك فيها بهدف مسبوق كل ناخبْ ، لتفرز حكومات ونواب يدركون ثقل كلمة ومسؤولية النائبْ ، وإذا كانت الديموقراطية هناك تعني تداولا على السلطْ ، وأحزابا وهيآت ومنظمات تؤمن بأن السيل يعني اجتماع النقطْ ، ولا ترحم من زل في سلم المسؤولية أو سقـَطْ ، فإنها تعني في هذه الدولة المحنكـَـهْ ، أحزابا قديمة مفككهْ ، وحركات جديدة من الأعلى محرَّكـَهْ ، وحروفا وأرقاما وبيانات مفبركهْ ، فالديموقراطية تعني عندنا أربع تسعات في الإنتخاباتْ ، وقولو ا " العام زين " من غير مزايداتْ ، وعندما يرفض الشعب التصويت على الأحزاب والمنظمات والهيآتْ ، فالشيوخ والزعماء والمسؤولون لهم أمام هذا الرفض عدة تفسيرات وقراءاتْ ، فهذا الشعب إما أنه عدمي لا يفقه في أمور السياسهْ ، وإما أنه ظلامي تحركه جماعات أصولية وسواسة خناسهْ ، وإما أنه نكدي يهوى البقاء خلف أسوار التعاسة والنجاسهْ ، وحين يرد هذا الشعب على مثل هكذا قراءاتْ ، ويخرج في تظاهرات سلمية رافعا مجموعة من الشعاراتْ ، رافضا بذلك ما تصدره الوزارات والإدارات من قوانين وقراراتْ ، فالديموقراطية التي أنجبت له بعد ولادة قيصريهْ ، حكومة جبرية غير شرعيهْ ، يرأسها متهم سابق في فضيحة " نجاة " الإماراتيهْ ، تضمن له تكسير عظامه وحرمانه من الجنسية البشريهْ ... والديموقراطية تعني في بلد المكياج ـ السياسي ـ والديكورْ ، أن ترفض طلبات تعديل الدستورْ ، وأن تجمع كل السلط في هذا البلد المقهورْ ، بيد ملك يلقب بأمير المؤمنينْ ، ويدعى بحامي الحمى والملة والدينْ ، وعلى ذكر الملة والدينْ ، فنار التبشير والتهويد في هذا القطر الثمينْ ، أمست تحرق الضعفاء والفقراء والمساكينْ ، وآية " لا إكراه في الدينْ " صارت تفسر بالمقلوب لعموم المسلمينْ ، وإن تعجب فالعجب العجيب من تهمة مس المقدساتْ ، والتي تلصق بجبين كل من توجه للمسؤولين بنصائح أو بانتقاداتْ ، ليقضي ما تبقى من عمره خلف جدران الزنازن المرعباتْ ، مع ترك الحرية الكاملة للمبشرين والمبشراتْ ، وإفساح المجال للشواذ والسحاقياتْ ، وتشجيع ما للفساد والإفساد من جرائد وقنواتْ ، بحجج التقدم والإنفتاح على الآخر والحوار مع الحضاراتْ ، وكلي يقين لا يرد ولا ينتهِي ، أن الشعب للإنفتاح عليه والحوار معه لا مع غيره يشتهِي ، فالحضارات الأخرى بأمر شعوبها تأتمر وبنهيها تنهِي ، أما نحن فنحتاج أصلا لبناء حضارة وتحضر مكتمل في كل المجالات والمرافقْ ، وأولى خطوات هذا البناء الصعب الشاهقْ ، هو فتح حوار جدي مسؤول وصادقْ ، حوار للخلاص من كل الأزمات والنكباتْ ، حوار تدعى إليه الهيآت والأحزاب والمنظماتْ ، وتناقش فيه كل الأمور من غير استثناءاتْ ، ... حوار يحضره العالِم والسياسي والرياضي والأمي والأديبْ ، ويدعى إليه كل مسؤول وكل غيور وكل صحافي وكل رقيب ولبيبْ ، وتتداول فيه الآراء بعيدا عن خانات الإتهام والهروب والنحيبْ ، ... حوار على أرض الوطنْ ، على مسمع من آذان الوطنْ ، للخروج بالوطن من دائرة الفتنْ ، ... فبمثل هذا الحوار يمكن أن نتنفس الصعداءْ ، وبما قد يصدر عنه يمكن للأمور أن تتجه نحو الإعتدال والإستواءْ ، أما وكل مسؤول يخبط خبط عشواءْ ، ويلقي بظلال المسؤولية على غيرهْ ، ولا يهتم إلا بنماء رصيده وبسط نفوذه وظلمه وجورهْ ، ولا يآبه بما قد يفعله الشعب عند نفاذ صبرهْ ، فهذا ما سيعجل بأنباء العاجلة والآجلهْ ، وما هي إلا ثورات شعبية قاتلهْ ، تجعل من دولتنا دولة لكينيا والعراق والصومال مماثلهْ ، ... وما ذاك بالذي نريده لبلدي ، ولكنها الحقيقة يا ولدي ، فاغفر زلات لساني وارحم لوعة كبدي ، واللبيب من بالإشارة يفهمْ ، والخيـِّـر من للخير يغنمْ ، والغبي البليد من يظن أنه لكل أمر يعلمْ >> .