المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نهج عباس بين العبثية والكارثية



د. محمد اسحق الريفي
06/03/2008, 12:41 AM
نهج عباس بين العبثية والكارثية
يقوم النهج الذي يتخذه عباس في التعاطي مع القضية الفلسطينية على أساس أن المفاوضات هي خياره الاستراتيجي وأن المقاومة تجر إلى دوامة عنف لا يمكن الخروج منها، وهو نهج وإن كان يبدو في ظاهره أنه عبثي إلا أنه يؤدي إلى نتائج كارثية على الشعب الفلسطيني.

وتكمن خطورة هذا النهج الذي يتخذه عباس وجماعته في رام الله في أنه يجمع بين الاستمرار في مفاوضات عبثية من جهة وبين محاربة المقاومة ومحاولة القضاء عليها نهائياً من جهة أخرى، وهو منهج تقتضيه عملية أنابوليس، التي جعلت محاربة سلطة رام الله للمقاومة استحقاقاً صهيونياً وأمريكياً وغربياً على هذه السلطة وشرطاً لاستمرار المفاوضات العبثية.

ولا يقتصر خطر المفاوضات العبثية التي يمارسها عباس وجماعته على عدم فاعليتها وتغطيتها على جرائم العدو الصهيوني وتحسينها لصورته لدى الغربيين، فمن أجل ضمان استمرار تلك المفاوضات وتوفير أجواء مواتية لها، تسعى سلطة رام الله جاهدة للقضاء على المقاومة، وتساهم في حصار غزة وتجويع أهلها تحريضاً لهم ضد حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، كما توظف هذه السلطة حالة الانقسام في ثني العرب والمسلمين عن الاكتراث بالقضية الفلسطينية.

ويزعم عباس أن مفاوضاته العبثية مع قتلة أبناء شعبنا ستمكنه من جعل 2008 عاماً للسلام، ولا بأس أن يحلم عباس في مثل هذا الحلم رغم عبثيته، ولكن على عباس ألا يجعل مصير الشعب الفلسطيني ومسيرة جهاده ثمناً باهظاً لهذا الحلم الجنوني الذي لا تفسير له – في ظل ممارسات سلطة رام الله – سوى إقامة دولة يهودية إلى جانب دولة فلسطينية وهمية يتحكم فيها مجموعة من عملاء الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية.

فعباس يسير وفق خطة صهيوأمريكية مدعومة غربياً لتحقيق حلمه العبثي، وتتضمن هذه الخطة جر الشعب الفلسطيني إلى دوامة المفاوضات العبثية بالتزامن مع قيام سلطة رام الله وأجهزتها الأمنية بمحاربة المقاومة وتشويه صورتها وتفكيك بنيتها، وعزلها ومحاصرتها وقطع جميع روافدها، وتحريض الشعب الفلسطيني ضدها وتأليبه عليها.

ولا شك أن هذا النهج العباسي في التعامل مع المقاومة ضد الاحتلال يمثل حالة شاذة تاريخياً، فلو كان عباس وجماعته في رام الله حريصين على تحرير الأرض واستعادة الحقوق وطرد المحتل، لقاموا بتوظيف الإنجازات العظيمة التي تحققها المقاومة في تعزيز قوة المفاوض الفلسطيني، مثلما فعل الفيتناميون أثناء الاحتلال الأمريكي لبلادهم، فقد سارت المفاوضات بين الطرفين الفيتنامي والأمريكي جنباً إلى جنب مع المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي.

أما في الحالة الفلسطينية، فقد قبل عباس أن يجعل القضاء على المقاومة وشن حرب عليها ثمناً للمفاوضات وشرطاً لاستمرارها، رغم أن هذه المفاوضات لا يحدد أجندتها وأهدافها وسقفها ونتائجها إلا العدو الصهيوني، الذي يرهن نتائجها بتمكن سلطة رام الله من القضاء على المقاومة.

ومن المؤكد أن من يعول على النموذج العباسي للمفاوضات في تحرير الأرض واسترداد الحقوق إنما يلهث وراء سراب قاتل، فهذه المفاوضات لن تؤدي إلا إلى إقامة دولة يهودية بعد طرد الفلسطينيين من المناطق التي احتلها الصهاينة في 1948، وبعد إلغاء حق العودة وتهويد القدس المحتلة والاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية لإقامة المستوطنات اليهودية عليها.

ورغم أن عباس أعلن مراراً أن المفاوضات هي خياره الوحيد، وأنه يصر على عدم وقفها خوفاً من أن يكون قد استجاب لدعوة حركة حماس له بوقف المفاوضات، نجده قد علق المفاوضات لأيام معدودة تزامناً مع اجتياح الجيش الصهيوني لقطاع غزة وارتكابه جرائم دموية بشعة بحق الفلسطينيين، وذلك حتى يضفي عباس وجماعته في رام الله على أنفسهم مسحة من وطنية يفتقدونها تماماً، مع العلم بأن عباس يعتبر دعوة حركة حماس لوقف المفاوضات دعوة عاطفية!!

وما يؤكد هذا التمسح المفضوح بالوطنية، استجابة عباس وجماعته فوراً لأوامر رايس لهم باستئناف المفاوضات العبثية، التي تأتي في إطار دعم الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لأجهزة عباس وفياض الأمنية للقضاء على المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، وذلك دون إبداء سلطة رام الله أي مبالاة من جرائم العدو الصهيوني التي راح ضحيتها مئات من الشهداء والجرحى، إضافة إلى ما أحدثه هذا العدو الغاشم من خراب وتدمير واسعين.

أما فيما يتعلق باستخدام أجهزة عباس وفياض الأمنية للعنف ضد المقاومة في الضفة وللقمع ضد المعارضين للنهج الاستسلامي الذي تتخذه سلطة رام الله، يبرر عباس ذلك بخشيته من جر المقاومة للأطراف المتصارعة إلى دوامة عنف لا يمكنهم الخروج منها، ولهذا، وخوفاً على المفاوضات العبثية، يسعى عباس وفياض لسحق المقاومة واجتثاثها.

من هنا ندرك مدى كارثية النهج الاستسلامي الذي يتخذه عباس وجماعته على القضية الفلسطينية، فقد أصبحت وظيفة هؤلاء وهمهم محاربة المقاومة وإزهاق إنجازاتها وإعفاء الصهاينة من مسؤولية الجرائم التي يرتكبونها ضد شعبنا والتماس الأعذار الباطلة لهم، ولهذا فإن الأمر لا يتوقف فقط عند حد العبثية التي ينتهجها عباس في التعاطي مع القضية الفلسطينية، بل يتجاوز ذلك إلى حد التآمر على القضية الفلسطينية.

5/3/2008م