المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دور اللوبي الإسرائيلي في عزل عرفات سياسياً وحصاره وتصفيته (الجزء الأول)



غالب ياسين
13/03/2008, 09:32 AM
دور اللوبي الإسرائيلي في عزل عرفات سياسياً وحصاره وتصفيته (الجزء الأول)
أحمد إبراهيم الحاج

شاعر فلسطيني




2/16/2008














دور اللوبي الإسرائيلي في عزل عرفات سياسياً وحصاره وتصفيته (الجزء الأول)


كان الأستاذان الأمريكيان جون ميرشيمر وستيفن والت قد نشرا رسالة لهما عن اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة والتي تقع في ستين صفحة والتي قمت بترجمتها ونشرها على المواقع الإلكترونية ، والآن أصدرا كتاباً تفصيلياً لتلك الرسالة ، وتكميلياً بالتعرض للأحداث التي تبعت تاريخ نشر الرسالة ، ويقع كتابهما في 482 صفحة من القطع المتوسط ، وسوف أقوم بترجمة واقتباس بعد المواضيع الهامة لأضعها بين يدي القارىء العربي تطوعاً بدون مقابل من منطلق الواجب الوطني ، وذلك في أجزاء متتابعة حتى لا يمل القاريء من طول الموضوع وتكراره. ففي الباب السابع من الكتاب وتحت عنوان "اللوبي ضد الفلسطينيين" جاء فيه:

بداية المكيدة لعرفات

بانقضاء عام 2001 وحلول ربيع عام 2002 ، سعت إدارة بوش الى التخفيف من نقمة المشاعر والعواطف العربية والإسلامية التي تنمو ضدها وذلك في العالمين العربي والإسلامي وذلك بالضغط على اسرائيل للتغيير من سياستها وقبضتها وممارساتها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ، والعمل مع المجتمع الدولي على إقامة الدولة الفلسطينية ، فبعد أحداث 11 سبتمبر اعتقد صانعوا السياسة الأمريكية بأن إغلاق ملف الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو على الأقل إبداء محاولات جادة في ذلك ، سوف يضعف الجماعات الإرهابية مثل القاعدة ، ويسهل عملية إقامة حلف دولي مناويء لها ، ويضعف الحلف الداعم لها في سوريا وايران.

وحيث أن إدارة بوش ولغاية التاريخ اعلاه (ربيع 2002) لم تستطع إقناع اسرائيل بتغيير سياساتها وممارساتها ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ، كان عليها التوقف عن دعمها المادي والمعنوي للضغط عليها من أجل تحقيق هذا الهدف وعلاوة على ذلك فإن الرئيس بوش والمحيطون به في إدارته عمدوا الى تأييد سياسات اسرائيل وممارساتها وكانوا يبررون هذه السياسات والممارسات ، وبالتالي فإن السياسة الأمريكية قد انحرفت عن أهدافها التي تتناغم مع مصالحها وانحازت الى السياسة الإسرائيلية لخدمة المصلحة الإسرائيلية وأصبحت تتكلم بنفس اللغة التي تتحدث بها اسرائيل ، ولخصت الواشنطن بوست هذا الوضع في عناوينها الرئيسية في فبراير 2002 بما يلي " بوش وشارون يقتربان من التماثل في سياستهما حيال الشرق الأوسط". لقد كان تأثير اللوبي الإسرائيلي سبباً رئيسياً في حرف وثني السياسة الأمريكية وصانعيها عن مسارها الصحيح باتجاه المصالح الأمريكية. كيف؟

بدأت القصة في اواخر سبتمبر 2001 ، حين بدأ الرئيس بوش بدفع وتشجيع اريل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بإبداء أعلى درجات ضبط النفس من أجل احتواء وكبح الإنتفاضة الثانية وهذا ما وصفته النيويورك تايمز آنذاك في عناوينها الرئيسية "ضغط هائل" على شارون للسماح لشمعون بيرس بمقابلة ياسر عرفات بالرغم من الحساسية العالية لدى بوش من عرفات. وفي بداية أكتوبر 2001 ، قال الرئيس الأمريكي الجديد (بوش) أمام العالم ولأول مرة أنه يدعم قيام دولة فلسطينية ، وهذه الظاهرة كانت بحد ذاتها تطوراً مستغرباً ومذهلاً ، بالرغم من أن الرئيس كلنتون الذي عمل على الموضوع بفترتي رئاسته لم يتفوه بذلك صراحة "دولة فلسطينية" وبشكل علني وللعالم وذلك لآخر شهرٍ في ولايته ، وقد أكد بوش قبل 11 سبتمبر نيته بتحريك الصراع العربي الإسرائيلي نحو التسوية والحل وأبدى رغبة ظاهرة وعلنية بذلك.

تنبه القادة الإسرائيليون لهذا التطور الخطر والجديد من السياسة الأمريكية ، وخافوا من "أن تبيع وشنطن الدولة اليهودية ، مقابل شراء مصالحها (وشنطن) في العالم العربي". وكتبت صحيقة الواشنطن بوست "نقلاً عن المصادر المقربة من شارون أنها قالت إنه خائف من المحاولات الأمريكية لضم ايران وسوريا وغيرهم من الدول التي لديها كفلاء ووكلاء يقومون بتنفيذ هجمات ضد اسرائيل الى الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة." وفي مطلع أكتوبر 2001 ، ثار شارون غاضباً وقال متهماً بوش بأنه يحاول استرضاء العرب على حسابنا ، هل هذا حقيقة؟ لن نكون تشيكسلوفاكيا ، وبعد ساعات من قوله هذا قام جيش الدفاع الإسرائيلي باجتياح مناطق متعددة في الأراضي الفلسطينية في منطقة الخليل.

وصرح بوش بأنه كان غاضباً من شارون الذي شبه عمله أي عمل بوش بالنازيين ، وضغط البيت الأبيض على الناطق باسمه أري فليشر بالإتصال بشارون وإعلامه بأن تصريحاته غير مقبولة ، وقدم شارون اعتذاراً مبدئياً على ذلك للبيت الأبيض.ولكن المشكلة الأسايسة بقيت على حالها دون تسوية ، وبعد ذلك وفي أكتوبر وبعد اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي رحب عام زئيفي على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، قام جيش الدفاع الإسرائيلي باجتياح واسع للمزيد من المناطق الفلسطينية التي هي تحت سيطرة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وقابل الرئيس بوش شخصياً شيمون بيرس وزير الخارجية آنذاك وطلب منه سحب القوات الإسرائيلية من المناطق التي اجتاحتها فوراً ، معبراً عن ذلك بقوله " إنني آمل أن يسحب الإسرائيليون جيشهم في أسرع وقت ممكن" ورفضت الحكومة الإسرائيلية طلب بوش وقالوا بأنهم سيسحبون جيشهم عند اطمئنانهم بأن عرفات سيطرد ويقضي على الإرهاب القادم من الأراضي الفلسطينية ، وكتبت صحيفة الغارديان " لقد أثار شارون أكبر عاصفة مواجهة مع واشنطن منذ ولاية جورج بوش حيث رفض بوضوح سافر الطلب الأمريكي لإنهاء الإحتلال للأراضي الفلسطينية والذي يهدد بقاء عرفات. وهنا تحرك شارون ومساندوه من اللوبي الإسرائيلي في أمريكا بسرعة لحل الخلاف المتنامي القائم بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية ، بإقناع الرئيس بوش ومعاونيه والشعب الأمريكي بأن الولايات المتحدة واسرائيل تواجهان نفس الخطر المشترك من الإرهاب. وأن المسؤولين الإسرائيليين ومفاتيح جماعات اللوبي الإسرائيلي كرروا تأكيداتهم أنه خلال السنوات القليلة القادمة سوف لن يكون هنالك فرق حقيقي بين أسامة بن لادن وعرفات وبالتالي فإنه يتوجب على الولايات المتحدة واسرائيل ليس فقط عزل ومقاطعة الرئيس الفلسطيني المنتخب سياسياً وعدم التعامل معه ، بل يجب حصاره في مقره وتقييد حركته وأنهم أي الإسرائيليين في حل من حمايته الأخلاقية بوصفه شريكاً لهم في السلام بل مهدداً لأمنهم مثله لإسرائيل كمثل أسامة بن لادن لأمريكا.

وكما أخبر شارون شبيهه فكرياً وداعمه الصحفي في النيويورك تايمز وليم سافيري في ديسمبر 2001 ، "أنتم في الولايات المتحدة في حالة حرب ضد الإرهاب ونحن في اسرائيل في حالة حرب ضد الإرهاب. إنها نفس الحرب".

إن اهتمامات شارون بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط بدأت بسرعة بعد أحداث 11 سبتمبر لأستثمارها أمثل استثمار ، وبعد عدة أسابيع من إفصاح بوش عن دعمه إقامة دولة فلسطينية ، أجرى شارون مكالمة هاتفية بالقادة اليهود الأمريكيين في 14 سبتمبر ومن خلالها أوضح لهم أنه مهتم جداً بإظهار ياسر عرفات أمام الإدارة الأمريكية بنفس مظهر أسامة بن لادن ، ويجب على الإدارة الأمريكية وضعه ومعاملته في نفس وضع ومعاملة بن لادن دون أي فرق بينهما ، وعبر عن قلقه لهم بأن بوش بدأ يبدي قساوة تجاه الإسرائيليين لكسب الود العربي لدعمه في حربه ضد الإرهاب ، وطلب منهم المساعدة في ذلك ، ولكن تحرك هؤلاء الحلفاء في اللوبي في البداية كان قليلاً بعد محادثة شارون نظراً لإنغماس الشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية في آثار هجوم 11 سبتمبر والإرتباك من المفاجأة والصدمة التي أحدثتها تلك الأحداث للإدارة وللشعب. وفي تلك اللحظات الصعبة وغير المصدقة ، بعث مجلس New American Century برسالة الى الرئيس بوش في 20 سبتمبر موقعة من عديد من المحافظين الجدد منهم: وليم بينت ، اليوت كوهين ، أرون فريدبرغ ، راؤول مارك غيرهتش ، روبرت كاغان ، تشارلز كروث همر ، جين كيركباترك ، وليم كريستول ، ريتشارد بيرل و نورمان بودهورتز ، وفي تلك الرسالة يصفون اسرائيل بأنها الحليف الأوفى للولايات المتحدة ضد الإرهاب العالمي ، وطلبوا من الرئيس أن يدعم دعماً كاملاً ومليئاً حليفنا وتابعنا الديمقراطي ، كما وأوصت الرسالة بقطع كل دعمٍ عن السلطة الفلسطينية.

بعد أحداث 11 سبتمبر ركزت السياسة الخارجية لإدارة بوش على الحرب على الإرهاب كأولوية لها وذلك بدعم بوش بإجراءات انطلقت من خطة تتلخص في حلَّين على مستوى الدولة ، ولكن هذا التوجه في السياسة الأمريكية الجديدة لم يعجب ويسرشارون والزعماء اليهود في الإدارة ومفاتيح جماعات اللوبي في أمريكا ، ولم تعجبهم هذه الأجندة للإدارة. وفوراً فإن اييابك AIPAC المنظمة الأمريكية اليهودية سارعت بالرد على اقتراحات بوش بدعم الدولة الفلسطينية بإصدار بيان قالت فيه " إن الناصحين للرئيس والداعمين لفكرة الدولة الفلسطينية يزرعون الألغام في سياسة الحرب على الإرهاب ، إنهم يشجعون الرئيس على المكافأة بدل العقاب للذين يمارسون الإرهاب وفي نفس الوقت فإن رئيس اييابك AIPAC مورتمر زكرمان قال بأن بوش يتبع سياسة قصيرة الرؤيا جداً وخاطئة ، وبدأ المؤيدون لإسرائيل تكرار هذه المقولة في أي مناسبة.

وبدأ الفاعلون والمتنفذون في اللوبي الإسرائيلي وضع إدارة بوش تحت الضغط للسماح بالجيش الإسرائيلي بالبقاء في الأراضي الفلسطينية التي أعيد احتلالها لفترة من الزمن يتمكن خلالها شارون من تثبيت نفسه بالحكم . فقد كتب أبراهام فكسمان رئيس Anti-Defamation League رسالة الى كولن باول وزير الخارجية عبر فيها عن انزعاجه العميق من طلب الولايات المتحدة من اسرائيل سحب قواتها من الأراضي الفلسطينية وقال إننا نعتبر ذلك غير سليم وهو مخالف لنهج السياسة الأمريكية تجاه اسرائيل والذي تتبعه منذ زمن بعيد ، إن اسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها. إن العالم موحد في محاربة الإرهاب ولسوء الحظ فإن السلطة الفلسطينية رفضت إتخاذ خطوات جدية لمحاربة الإرهاب. وأن زكرمان قلده في هذه النظرة بقوله " إن ذلك غير ملائم ومفرط ومنافي للمنطق وهو مناهض لسياسة الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب.

كما أن اللوبي عمل داخل ردهات الكونغرس ، ففي 16 نوفمبر بعث 98 سيناتور أمريكي رسالة الى بوش يشكرونه فيها على رفضه اللقاء مع عرفات ما دام لم يتخذ خطوات ملموسة ليضع حداً للإرهاب الذي يمارس ضد اسرائيل ، وطلبوا كذلك أن لا تتوقف الولايات المتحدة عن دعم اسرائيل وعدم مطالبتها بوقف الحرب على إرهاب الفلسطينيين وحرضوا الإدارة على دعم الأعمال الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والإستمرار في دعم الجهود الإسرائيلية في الدفاع عن نفسها.وطبقاً لصحيفة النيويورك تايمز فإن الرسالة قدمت قبل حوالي اسبوعين من من لقاء منظمة اييابك AIPAC مع مفاتيح الكونغرس والذين بدورهم أكدوا خلالها على توصيات الرسالة.

وفي أواخر نوفمبر تطورت وتحسنت العلاقات بين وشنطن والقدس بشكل ملحوظ ، وكان هذا نتيجة لتحرك اللوبي الإسرائيلي في جزء كبير منه ، وبسبب الإنتصار المبدئي للجيش الأمريكي الذي تحقق في أفغانستان وبدون الدعم العربي للمساعدة في القضاء على القاعدة. وزار شارون البيت الأبيض في بداية ديسمبر ليقابل بوش ، وفي الحقيقة وقبل أن تبدأ المقابلة فقد هاجم الجيش الإسرائيلي غزة رداً على ثلاثة تفجيرات انتحارية في اسرائيل. ولم ينتقد بوش اسرائيل ولم يطلب منهم التخفيف من إجراءاتهم وممارساتهم في المستقبل. وبدلاً فإن الناطق باسم البيت الأبيض صرح قائلاً "إن اسرائيل دولة ذات سيادة ولها الحق أن تعيش بسلام" وفي نفس الوقت طلب بوش من عرفات أن يعمل أكثر من أجل وقف الإرهاب ضد اسرائيل.

وزار شارون البيت الأبيض مرة ثانية في فبراير 2002 ، وكان له لقاءٌ حارُّ آخر مع بوش ، ووصف شارون عرفات بأنه يدعم الإرهاب وعرَّفه قائلاً بأنه يمثل عقبة في طريق تسوية الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وأصبح بوش الآن مخدوعاً بهذا الخط من النقاش والجدل. وقد صدَّق التقاريرالمثيرة للجدل التي تفيد بأن عرفات كان وراء Karine A (السفينة المحملة بالأسلحة) والمتجهة الى الشرق الأوسط والتي حدثت قبل شهر في يناير 2002 ، حيث كانت محملة ب 55 طن من المتفجرات والأسلحة وكانت مبحرة من ايران والتي احتجزت في عرض البحر الأحمر من القوات البحرية الإسرائيلية وكان ظاهراً أن ميناء وصولها هو غزة مع أن الدليل في ذلك الوقت لم يكن واضحاً ومثبتاً. وفي الحقيقة فإن البعض قال أنها كانت متجهة الى لبنان تحمل اسلحة لحزب الله. في حين أنه لم يتوفر دليل واضح أنها كانت متجهة لعرفات فقد عملت الحكومة الإسرائيلية واللوبي الإسرائيلي في أمريكا أقصى الجهود بتصوير الحالة على أنها كانت تحمل أسلحة ومتفجرات لعرفات ليدعم حملته الإرهابية ضد اسرائيل. وقد أنكر القائد الفلسطيني تلك التهمة ونفى مسؤوليته عنها كما وأن كولن باول وزير الخارجية وآخرون قالوا بأنهم لم يروا دليلاً أو إثباتاً يدل على عدم صحة تصريح عرفات بإنكار تلك التهمة.

في النهاية فإن بوش اتفق مع اسرائيل ومؤيديها وداعميها في إدارته ، وبينما كان شارون على جانبه بالبيت الأبيض قال بوش " لقد سمع منا السيد عرفات ، وليس باستطاعتي أن أكون أكثر وضوحاً .....عليه أن يعمل كل شيء بمقدوره لمحاربة الإرهاب وبكل وضوح ، لقد استغربنا ، ثم امتعضنا كثيراً عندما رأينا KARINE A محملة بالأسلحة ، تلك الأسلحة التي كان مقصوداً من ورائها شيئاً واحداً وهو الإرهاب".

غالب ياسين
13/03/2008, 09:33 AM
دور اللوبي الإسرائيلي في عزل عرفات سياسياً وحصاره وتصفيته (الجزء الثاني)


اللوبي الإسرائيلي يُذِلّ الرئيس بوش ، وقرار العزل السياسي لعرفات

بالرغم من تقارب السياسة الأمريكية مع السياسة الإسرائيلية ، ولكن أثير بين تلك السياستين شيءٌ من الإرباك والفتور في مارس 2002 ، وذلك عندما قامت حماس بتفجير انتحاري في عيد الفصح اليهودي راح ضحيته 30 اسرائيلياً ، وأن السلطة الفلسطينية أدانت وشجبتب العملية ووعدت بملاحقة الفاعلين ومحاكمتهم ، ولكن سجل السلطة الفلسطينية في عقاب أمثال هؤلاء يتسم بالكآبة مما جعل الإسرائيليين يواجهون تلك الإدانة والشجب بالبرود وعدم التصديق. وفوراً قام شارون بشن عملية الدرع الواقي ضد الأراضي الفلسطينية والتي أعاد فيها الجيش الإسرائيلي السيطرة فعلياً على معظم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ، وقد علم وفهم في حينه الرئيس بوش أن تلك العملية سوف تسيءُ للولايات المتحدة وتسوِّد صورتها في العالمين الإسلامي والعربي ، وسوف تضر بعملية الحرب على الإرهاب التي يقودها ، وفي 4 ابريل طلب من شارون بالحرف "أوقف الغزوات وابدأ بالإنسحاب" ووضع خطاً تحت تلك العبارة بعد يومين قائلاً إن ذلك يعني "ألإنسحاب بدون تأخير" وفي 7 ابريل فسرت مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس ذلك الى الصحفيين بقولها "بدون تأخير تعني بدون تأخير إنها تعني (الآن). وفي نفس اليوم قام وزير الخارجية كولن باول بزيارة المنطقة للضغط على كل الأطراف للتهدئة وبدء المفاوضات للسلام.

ولكن الإدارة الأمريكية وتحت حرارة النار التي أشعلها اللوبي بدأت تحضر لطبخة أخرى مختلفة التكوين والتوجه والهدف عن تكوين وهدف واتجاه طبخة كولن باول. فكان مفتاح الهدف لهذا التوجه المغاير هو كولن باول ، الذي لا يعتبر فقط غير متعاطف ، بل هذا إن لم يكن معادياً لإسرائيل ، وكان أيضاً يخطط للقاء عرفات في تلك الجولة في الشرق الأوسط ، وبدأ كولن باول يشعر فوراً بلفح حرارة النار المتجهة نحوه من داعمي اسرائيل في مكتب نائب الرئيس ديك تشيني ومن البنتاغون الذين قادوا حملة محمومة لدفع بوش ورايس الى وقف الجهود الرامية الى كبح جماح اسرائيل ، وأجرت رايس مكالمة هاتفية مع كولن باول لتسمعه صوت الإدارة مثبطة ومحبطة له بمصطلح أمريكي “dressing-down” معناه "هَوِّن" أو طنِّش" ، وفهم من جوانب أحاديثها معه أنها تعكس له الرؤيا الجديدة لبعض المسؤولين المتنفذين في الإدارة وفي البيت الأبيض بالتحديد.

كما بدأ المحافظون الجدد في الإدارة يوجهون نقدهم لكولن باول أيضاً ، فكتب روبرت كاغان ووليم كريستول في Weekly Standard في 11 ابريل بأن باول قد فقد القدرة على الرؤيا ولم يعد قادراً على التمييز بين من هم الإرهابيين ومن هم الذين يحاربون ضد الإرهاب ، وفي اليوم التالي وصف ديفيد بروكس الذي يعمل في Weekly Standard جولة باول في المنطقة بأنها "كما أنها كارثة في مواجهة كارثة واضحة" وذهب بعيداً في وصفه ليقول " لقد جرح هيبة واحترام الولايات المتحدة ومزّق سياستها في الشرق الأوسط والأهم من ذلك أنه جرح وسوَّد أخلاقنا البيضاء الواضحة". وصادف ذلك وجود رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو في زيارة للولايات المتحدة لشرح الحالة الإسرائيلية والذي بدوره وصف زيارة كولن باول وقبل أن يصل باول للمنطقة بيومين بأنها (لا تساوي شيئاً) لقد كان محقاً في ذلك ، لأن ميزان القوة في الإدارة الأمريكية تغير كلياً وبسرعة فائقة في غير صالح كولن باول. وأثناء وجود باول في اسرائيل اتصل به نائبه من وشنطن يخبره بالحرف "I am holding back the fucking gates here. They are eating cheese on you" أي أنني أحاول إغلاق البوابات لحمايتك من هجومهم عليك ، ولكنني لم أوفق ولم أستطع منعهم من اقتحامها لينصبوا لك فخ المكيدة ويضعوا لك الطعم للسقوط بالمكيدة لإفشالك تماماً كما توضع الجبنة للفأر لاصطياده" . ووصف كولن باول جولته تلك بقوله " لقد كانت أكثرعشرة أيام مخجلة فوق التصوُّر والتوقع".

لقد فهم باول الرسالة ، وعبر عن ذلك في المؤتمر الصحفي المشترك مع شارون قبل مغادرته اسرائيل ، وكان واضحاً ذلك في لغته وعلى جسمه (تقاطيع وجهه).وعبر عن ذلك جون سمبسون في الصندي تلغراف بقوله " بالتأكيد لا يمكن للصراف أن يطلب من العميل أن يقوم بعدّ النقود " شبه كولن باول بالصراف وشبه شارون بالعميل الذي يقوم بعد النقود نيابة عن الصراف. وبدا كولن باول متملقاً ومختلفاً ، لا شك أنه تحقق من قوة الدعم التي يحظى بها شارون من وشنطن ، وقوة التأثير الذي يتميز به مساندوه وداعموه على الرئيس، وأن توقعات نتنياهو كانت صحيحة حقاً فقد كانت جولة كولن باول لا تساوي شيئاً.

والهدف الثاني للوبي وداعموه كان الرئيس بوش نفسه ، والذي تعرض لضغط شديد من القادة اليهود الأمريكيين والمسيحيين البروتستنت. وبالأخص فقد تحدث كل من توم ديليي وديك آرمي عن الحاجة لدعم اسرائيل ، وقام توم ديليي والسناتور ميناتري بزيارة البيت الأبيض في 10 ابريل وحذرا بوش شخصياً من وقف الدعم عن اسرائيل ، وفي اليوم التالي وحسب مجلة التايم فإن جماعة من القيادات الدينية المسيحية برئاسة ريفيرند جيري فالويل وغاري بايور بعثا برسالة الى الرئيس بوش يطلبان فيها من الإدارة بوقف الضغط على شارون من أجل الإنسحاب من الضفة الغربية وناشدوه للإستجابة لطلبهم وحثوا أتباعهم على المناشدة ، وبعد ذلك انهالت على البيت الأبيض رسائل بالبريد الإلكتروني وأغرق بها البيت الأبيض وكلها تناشد الرئيس بوقف الضغط على اسرائيل ، وفي اليوم التالي أفادت المصادر أن شخصاً رسمياً من مكتب الرئيس اتصل ب فالويل وأخبره أن الرئيس واقف خلف شارون.

وكانت الإشارة الخارجية الآولى بأن الرئيس أذعن للمطالب ففي نفس يوم 11 ابريل وبعد اسبوع من إصراره على ضرورة انسحاب شارون من الأراضي الفلسطينية ، صرح آري فلشر بأن الرئيس مؤمن بأن شارون رجل سلام ، وبعد ذلك أعلن بوش صراحةً للإعلام وردد نفس عبارة فلشر في 18 ابريل مرتداً على نواياه المجهضة وأخبر الصحفيين بأن شارون استجاب لمطالبه بالإنسحاب الكامل والسريع من الأراضي الفلسطينية في حين أن شارون فعلياً لم يفعل وينفذ شيئاً من هذا القبيل على الأرض. ولكن بوش في حقيقة الأمر لا يريد أن يثير قضية من ذلك كالنعامة التي تدفن رأسها بالرمال. وبعد ذلك أعلنت اسرائيل انتهاء عملية الدرع الواقي في 21 ابريل ، بالرغم من بقاء قواتها في المواقع التي أعادت احتلالها وما زالت القبضة الإسرائيلية محكمة على الأراضي الفلسطينية حتى هذا التاريخ.

وهنالك جماعات أخرى من اللوبي استمرت في ضغطها ، ففي مؤتمر رؤساء أمريكا السابقين مع الجمعيات اليهودية التي قامت بهذا الرالي الكبير في وشنطن لدعم اسرائيل في منتصف ابريل بظهور آرمي مع نتنياهو وزوكرمان وريتشارد غيفارت وبعض الرسميين. وأطلق الصقر نائب وزير الدفاع الأمريكي بول وولفتز صوته بازدراء صارخاً "Down with Arafat" أي (أطيحوا بعرفات)، وذلك عندما تطرق باختصار لموضوع معاناة الفلسطينيين وإمكانية إقامة دولة فلسطينية.

كما أن مورتن كلين رئيس المنظمة الصهيونية في أمريكا قال "إذا لم يفهم الرسالة بوش بوقف الضغط على اسرائيل سوف نفقد الفرصة الذهبية في هذا الرالي" . وتحدث أحد المسؤولين في الإدارة لا نريد تسميته مجيباً المجتمعين بما يلي "إن السياسة لا تستند على قاعدة ما يريده العامة من الشعب" ولكن المسؤول نفسه قال "سمعنا الكثير من قادة اليهود ، وأن نرى أن كثيراً من اليهود يأتون لهذا الرالي فإن ذلك يعني لنا الشيء الكثير والمهم".

وفي نفس الوقت كان الكونغرس يتحرك لدعم شارون ، فزار نتنياهو مبنى الكونغرس في منتصف ابريل ، والتقى هناك بأربعين سيناتور ومعهم السكرتير العسكري للإدارة. وفي 2 مايو فإن الكونغرس تجاوز اعتراضات الإدارة ومرر قرارين لدعم اسرائيل ، 94 صوت مقابل صوتين في مجلس نواب الولايات و352 صوت مقابل 21 صوت في الكونغرس ، وكلا القرارين أكدا بأن الولايات المتحدة تقف بحزم وصلابة مع اسرائيل ، وأن البلدين حليفين في صراعهما ضد الإرهاب ، وأن الكونغرس أدان الدعم الجاري من عرفات للإرهاب ، الذي صُوِّر (عرفات) بأنه عامل ومُحرِّك مركزي في قضية الإرهاب.

وبعد أيام قليلة وفي مؤتمر للكونغرس بموافقة الحزبين الجمهوري والديمقراطي وخلال زيارة شارون لبوش أقر المؤتمر بأن على شارون أن يقاوم أي ضغط من الإدارة للتفاوض مع عرفات. وفي 9 مايو قدم للكونغرس مشروع قرار بمنح اسرائيل معونة استثنائية بقيمة 200 مليون دولار لمحاربة الإرهاب. وقد عارض البيت الأبيض تنفيذ هذا القرار وقاد الحملة لإيقافه وزير الخارجية كولن باول الذي اجتمع بقادة الكونغرس في محاولة منه لوقفه ، ولكن اللوبي أفشل جهود باول بدعمه قراري دعم اسرائيل من الكونغرس والبرلمان ، وبذلك فشل باول ، وبوش صادق ووقع القرار للتنفيذ على مضض وأعطيت الأموال لإسرائيل.

بذلك فإن شارون ومن خلفه اللوبي انتصرا على الرئيس وعلى وزير خارجيته وابتهجا بهذا النصر. وكتب تشيمي شاليف في صحيفة معاريف الإسرائيلية "حلفاء شارون لم يخفوا رضاهم وسعادتهم في ضوء فشل كولن باول. وشارون نظر بعينيه المفتوحتين والمحملقتين على مصراعيهما في بياض عيني بوش ، وتفاخرت عيني شارون في حين أن بوش انكسر نظره عن شارون أولاً وأغمض عينيه.

وفي الحقيقة فإن انكسار بوش وذله أمام شارون لم يخف على المراقبين والمعلقين في كل العالم ، وعبر عن ذلك صحفي اسباني في جريدة قيادية في الحقل الاعلامي كاتباً فيها "إذا قيس ثقل أي دولة بحجم تأثيرها على الأحداث ، فإن القوة العظمى هي ليست الولايات المتحدة بل اسرائيل".

ولكن وفي الواقع والحقيقة كان ذلك التحول في السياسة الخارجية للولايات المتحدة من تأثير الداعمين لإسرائيل في الولايات المتحدة ، وليس شارون أو اسرائيل الذي أو التي أدَّت الى نهج بوش سياسة غير ذاتية بالتأثير على مفاتيح القرار الأمريكي وحرفها عن الإتجاه الصحيح للهدف الصحيح نحو خدمة مصالحها. إن الخلل في السياسة الأمريكية نفسها ، وهو ليس آتياً من اسرائيل التي لا لوم عليها للعمل من أجل مصالحها بتوظيف سياسات الغير لخدمة أهدافها.

وبالرغم من تلك المعوقات استمر بوش في سعيه لإيجاد طريقة لإحتواء الإنتفاضة الثانية ووقفها من أجل تهيئة الأجواء لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة بجوار دولة اسرائيل. إنه يفهم جيداً أن إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي مصلحة وطنية أمريكية ، ولكن بوش لم يستطع أن يقترب في نهجه لتحقيق ذلك ، نظراً لإختلال موازين القوة بينه وبين الداعمين لإسرائيل في الإدارة منذ ربيع 2002 بتوجيه من اللوبي الإسرائيلي وايعاز من الحكومة الإسرائيلية ، وهذه الحالة منحت القادة الإسرائيليين نفوذاً على السياسة الأمريكية وحرفتها عن الاتجاهات التي لا يرغبون بها. وفي 24 يونيو حزيران تحدث الرئيس بوش عن الشرق الأوسط وفهم من حديثه أن على عرفات أن يبذل جهوداً من أجل وقف الإرهاب قبل البدء بعملية السلام وقال "إن السلام يتطلب قائداً جديداً ومختلفاً عن عرفات وسياسته لقيادة الشعب الفلسطيني". وبعد ذلك كتب الصحفي الإسرائيلي ديفيد لاندايو في صحيفة معاريف "إن ياسر عرفات قائد الحركة الوطنية الفلسطينية والذي يحظى بشعبية ويصوره شعبه بأنه زعيم خالد قد اغتيل سياسياً من قبل الرئيس بوش " وأن الإسرائيليين الذين كانوا يطالبون بعزل عرفات قبل شهرين قد ابتهجوا وعلى الأقل هنالك زعيمين متطرفين بارزين قد ابتهجا هما ناتان شارانسكي وبنيامين نتنياهو واللذان أقنعا الرئيس بوش بتضمين تلك العبارة عن عرفات في حديثه المشار اليه في حزيران.

وبعد ذلك صرح بوش بأن الدولة الفلسطينية ستقام عام 2005 ، وعلى اسرائيل وقف بناء المستوطنات وسحب قواتها الى المناطق التي كانت تتمركز فيها قبل 28 سبتمبر 2000 أي بدء الإنتفاضة الثانية ، ويجب أن يتوقف الإرهاب الفلسطيني. وانتُقِد بوش لأنه لم يوضح الآلية لتحقيق قيام الدولة الفلسطينية وأن خطابه لم يكن ذا قيمة. وفي ذلك الوقت كانت إدارة بوش تعمل مع اللجنة الرباعية لصياغة خارطة الطريق التي تعتبر الآلية والخطة لتحقيق الهدف. واعتمدت في صيف 2002 من قبل أمريكا واللجنة الرباعية ،وخلال ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تحضر لشن حملة كبرى لغزو العراق والإطاحة بصدام حسين والتي بدأت بتنفيذها في 19 مارس 2003. وبعد ذلك اتخذ ياسر عرفات قراراً بتعيين السيد محمود عباس رئيساً للوزراء ليتقاسم معه السلطة. وزار بوش الشرق الأوسط في يونيو 2003 لتقوية محمود عباس على حساب عرفات. وجمع عباس مع شارون. ولكن شارون لم يرد انتقاد بوش مباشرة عند إعلانه خطة خارطة الطريق التي وافق عليها عرفات لأنه لا يريد تثبيطه في خوض الحرب على العراق وأبدى شارون تحفظات (14 تحفظاً) على خارطة الطريق لهدف في نفسه لإعاقتها وقتلها ، مستغلاً الإنشغال بحرب العراق ولمعارضته الخطة كلها وعدم موافقته على إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة بجوار اسرائيل. وكان الهدف الإستراتيجي لشارون ومستشاريه هو القفز على خارطة الطريق وإماتتها ولإستثناء الأطراف الثلاثة منها (الإتحاد الآوروبي وروسيا والأمم المتحدة) والذين هم الأطراف الرئيسية في مؤتمر مدريد. ولذلك قالت صحيفة هارتز " إن رئيس الوزراء لم يعمل داخلياً بمفاهيم وخطة خارطة الطريق بل استمر في إقامة المستوطنات وتوسيعها والزحف في أراضي الضفة الغربية. ومن طرفهم فإن اللوبي الإسرائيلي وداعموه في أمريكا صرحوا بأنها خارطة طريق لا تقود الى أي مكان. والتقت كونداليزا رايس في البيت الأبيض بالقادة اليهود في أمريكا للحصول على دعمهم من أجل تنفيذ خطة خارطة الطريق وتحييدهم بعدم التدخل لإعاقتها ، وطبقاً لمصادر مطلعة فإن رايس لم تستطع الحصول على ما تريد وأجمعوا في اللقاء بأن عليهم دعم اسرائيل إن أبدت تحفظات على الخطة. وبعثت منظمة إيابيك AIPAC برسالة الى بوش تطالب فيها بوش بأن لا يمارس ضغوطاً على اسرائيل من أجل الحصول على موافقتها عليها قبل أن يلتزم الفلسطينيون بالخطة الأمنية فيها. وفي مطلع مايو 2003 صادق 83 سيناتور و283ممثل للولايات على رسالة اييابك ووقعوها. وبينما وقعت اييابك بقبول خارطة الطريق مع التحفظ ولكنها لم تقد حملة في الكونغرس لدعمها. وفعلياً فقد وقفوا ضدها وقادوا حملة لإعاقتها. وكتب معارضوها في الوشنطن بوست " إن المضي في خطة خارطة الطريق مع احتفاظ عرفات بقوته يعتبر انتحاراً سياسياً" مما يعني أن لا مستقبل لخارطة الطريق.

وعليه فإن القادة الإسرائيليون لم يهتموا بالخطة وتوصلت القيادة الأمريكية الى سلسلة تفاهمات مع شارون تؤيد تحفظاته عليها وكتبت الفايناشل تايم " بأن إليوت أبراهام وستيفن هادلي اللاعبان الأساسيان في الأمن القومي الأمريكي قد أبلغا شارون سرياً بأنه لن يواجه ضغطاً من الولايات المتحدة لتنفيذ خطة خارطة الطريق".

وأغرق شارون خارطة الطريق وتملص من إلتزامات اسرائيل بمساعدة اليهود الأمريكيين وداعموهم في الإدارة الأمريكية.

غالب ياسين
13/03/2008, 09:35 AM
دور اللوبي الإسرائيلي في عزل عرفات سياسياً وحصاره وتصفيته (الجزء الثالث)


حصار عرفات وتصفيته جسدياً

بحلول 12 يونيو 2003 ، فإن البيت الأبيض قد استدار كليةً في سياسته وأصبح يدعم اسرائيل بقوة وإحكام ، وكتبت الوشنطن بوست " في تناسق مع التصريحات للمسؤلين الأمريكيين ، فقد لفتت الولايات المتحدة الأنظار السياسية عن التركيز على الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة الى التركيز على التزامات القادة العرب في محاربة الإرهاب وضبط المساعدات التي تتدفق للإرهابيين والعمليات الإرهابية ضد اسرائيل بعد مؤتمر القاهرة الأمني بين أمريكا ووزراء الداخلية العرب في الأسبوع المنصرم وذلك بمكالمات هاتفية من كولن باول مع وزراء الخاجية العرب ، وصرح آري فلشر الناطق باسم البيت الأبيض "بأن المشكلة ليست في اسرائيل ، إنها في الإرهابيين الذين يعملون جاهدين لوقف عملية السلام وعدم تقدمها ، وبعد ذلك بشهر فقد مرر البيت الأبيض قراراً من الكونغرس بتصويت 399 مقابل 5 يعبرون فيه عن دعمهم الصلب والمحكم لإسرائيل وأن اسرائيل لديها الحق في الدفاع عن نفسها وبكل قوتها لمحاربة الإرهابيين.

وبدأت أمريكا بإعادة سعيها لدفع عملية السلام للأمام في يوليو 2003 ، وبدأت الإدارة الأمريكية بانتقاد اسرائيل ببناء الجدار الأمني والذي فهم منه بوضوح ايجاد حقائق جديدة على الأرض ، والذي بدوره يشكل عائقاً أمام عملية السلام ، ولم يكن الموضوع هو بناء الجدار ، إنما مسار الجدار الذي يضيف أراضٍ فلسطينية لإسرائيل ، ويشكل عبئاً ثقيلاً على حياة الفلسطينيين ، وعبر بوش عن امتعاضه من هذا الإجراء في لقائه مع محمود عباس في البيت الأبيض في 25 يوليو 2003 ، وقال بوش "أعتقد أن الجدار يمثل مشكلة ، ناقشت ذلك مع شارون ، إنه من الصعوبة بمكان أن تتم عملية بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بجدار يتلوى داخل الضفة الغربية" ، ولكن بعد أربعة أيام من قوله لعباس ، وكان شارون واقفاً بجانبه ، أوضح شارون بأن عملية بناء الجدار مستمرة ومع أنه قال بأنه سيحاول التخفيف من متاعب الفلسطينيين ومعاناتهم ، ومع ذلك لم يجرؤ بوش على تحدي شارون وبدلاً من ذلك قبل طرحه بأن الإرهاب الفلسطيني هو لب المشكلة والعائق الرئيسي أمام عملية السلام بما يوحي بموافقته على طرح شارون وتبريره لبناء الجدار.

ومع ذلك استمرت الإدارة الأمريكية في إبداء عدم الرِّضا عن الجدار ، وفي مقابلة مع كولن باول اقترح فيها إن يكون الجدار على حدود دولة اسرائيل الحالية ، وبوضعه الحالي فهو محاولة اسرائيلية لتحديد حدود جديدة لها دون الإتفاق مع الفرقاء ، وأشارت رايس بأن الولايات المتحدة قد تطرح (تخصم) كلفة الجدار من المساعدات الأمريكية لإسرائيل على شكل إعتمادات ضمان تقدم كمنحة مجدولة على 3 سنوات لإسرائيل بقيمة 9 بلايين دولار ، والتي ووفق عليها في ابريل 2003. وهنا تحرك داعموا اسرائيل في الكونغرس وأكدوا للبيت الأبيض على لسان السيناتور تشارلز تشمر "إذا عارض الرئيس قرار الكونغرس وحاول عقاب اسرائيل التي تدافع عن نفسها ، فإن الكونغرس سوف يعمل جاهداً على إثبات وتأكيد أن هذه الإعتمادات هي في إطار المساعدات المعتادة والمقررة وهي غير كافية ويعمل على زيادتها". ولم يكن الإسرائيليون معنيين بالأمر وقال أحد المسؤلين الإسرائيليين "نحن لسنا تحت أي ضغط ، إن في الولايات المتحدة ديمقراطية جادة ، وهذه إدارة تتكيف سياسياً حسب الظروف ، وإن المصداقية تتجلى في بعض الأحيان في تقيد السياسة بالإلتزامات الأخلاقية".

إن تخيفيض اعتمادات الضمان لن يمر ، وفي أواخر نوفمبر قالت إدارة بوش بأنها سوف تطرح ما قيمته 289.5 مليون دولار من اعتمادات الضمان التي أقرت سابقاً في ذلك العام لإسرائيل بقيمة 3 بليون دولار والتي تمثل 10% من قيمة المعونة . ولم يعترض اللوبي بقوة لأن ما تم خصمه لا يمثل شيئاً وصرح وزير المالية الإسرائيلي بأن هذا الإقتطاع سوف يكلف اسرائيل 4 مليون دولار سنوياً نتيجة الفوائد المترتبة على حجزه وعدم تحويله لإسرائيل ولن يعيق الإقتصاد الإسرائيلي من المضي في مشاريعه المقررة ومن ضمنها الجدار.

وقد حققت الولايات المتحدة نصراً ضئيلاً أمام اسرائيل في مطلع عام 2003 حين هدد شارون بطرد عرفات خارج فلسطين وإرساله للمنفى ، وأخبر كولن باول وكونداليزا رايس اسرائيل أن نفي القائد الفلسطيني ليس مقبولاً لدى الولايات المتحدة ، وفهم الإسرائيليون الرسالة وبقي عرفات في الضفة الغربية. - إضافة مني أنا - (وهنا لا بد من الإشارة الى أنه يفهم من التحذير الأمريكي لإسرائيل هو من النفي فقط ولم يشر التحذير الى التصفية ، وعادة ما تتحذلق اسرائيل كعادتها في اللعب على حبل الألفاظ والمضامين التي تخدم أهدافها الخفية).

ولكن هذا النصر الضئيل لم يكن كفيلاً بكبح جماح اسرائيل ولم يؤدّ الى الضغط عليها. وفي محاولة من شارون للقفز على خارطة الطريق والتخلص من التزاماتها والالتفاف عليها ، ففي نوفمبر 2003 دعا شارون إليوت أبراهام مسؤول دائرة الشرق الأدنى وشمال افريقيا في الأمن القومي والمعروف من المحافظين الجدد الى مقابلة سرية معه في روما وطرح عليه الخطة الأحادية بانسحاب اسرائيل من غزة وتفكيك المستوطنات والإنسحاب الجزئي من الضفة الغربية وإخلاء بعض الجيوب الإستيطانية منها والإبقاء على البؤر الإستيطانية الرئيسية وتسليم المناطق التي ستنسحب منها اسرائيل للفلسطينيين دون إطار اتفاق سلام كخطة أحادية منه. إن قرار شارون بالإنسحاب من غزة وأجزاء من الضفة الغربية خارج الجدار لم يكن بدافع المشاعر الطيبة والحسنة تجاه الفلسطينيين ، ولكنه بدافع الخوف من أنه إذا عمدت اسرائيل الى الإحتفاظ بغزة وكل الضفة الغربية ، فسوف يزيد عدد العرب على اليهود في دولة اسرائيل الكبرى ، إنه العامل الديمغرافي الذي أرعبه والذي قاده لهذه السياسة الجديدة الطارئة والمفاجئة.

وفي الحقيقة والواقع والمنطق فإن الفلسطينيين لن يعترضوا أو يقولوا شيئاً تجاه هذه الخطوة التي تخلص جزءاً من أراضيهم من الإحتلال ولو بشكل ظاهري وسيرحبون بها ، بهذا تكون اسرائيل استجابت لمتطلبات التسوية ظاهرياً برضى الفرقاء ، وبالتالي سوف لن يحصل الفلسطينيون على دولتهم في نهاية المطاف كما جاء في خارطة الطريق. وعبر عن ذلك مستشارشارون المقرب منه دوف ويسغلاس قائلاً " إن المهم فيما فعلناه هو تجميد عملية السلام ، وعندما تجمد عملية السلام سوف تمنع إقامة الدولة الفلسطينية ، وسوف تمنع الحديث والمفاوضات عن اللاجئين وعن الحدود وعن القدس. وفعلياً فإن الحديث أو البحث حول إقامة دولة فلسطينية وكل هذه الرزمة من السياسة قد حُذِفت من أجندتنا بالتحديد" وأضاف قائلاً "إن خطة شارون في حقيقة الأمر هي غاز نافذ ، إنها تنفث غازاً طامساً للأبصار بكمية كافية وضرورية لتبعد الأنظار والنوايا والجهود عن عملية دبلوماسية حقيقية مع الفلسطينيين".

وهنا نتوقع أن بوش سوف يغضب من خطة شارون ويصر على خطة خارطة الطريق ، سيما وأنه مقتنع من مستشاره للأمن القومي أن خطة خارطة الطريق هي وحدها الكفيلة بإقامة الأمن والسلام في المنطقة ، ولكن هذا لم يحدث ، وفي ربيع 2004 ، وقف بوش ليعلن للعالم تقبله لخطة شارون الأحادية الجانب وترحيبه بها ، وقال عنها " إنها خطوة جريئة وشجاعة وأن العالم يدين لشارون بالشكر والإمتنان لإطلاقه هذه المبادرة الطيبة ، وبعد ذلك وفي تحول دراماتيكي فقد خالف بوش كل الرؤساء الأمريكيين من عهد ليندن جونسون (الرئسي الأمريكي عام 1967) عندما صرح بوش قائلاً "ليس من الواجب على اسرائيل أن تنسحب فعلياً من كل الأراضي التي احتلتها عام 1967 ، وأن اللاجئين الفلسطينيين لا يجب أن يعودوا الى أراضيهم وبيوتهم التي احتلت في داخل اسرائيل ، يجب توطينهم في الدولة الفلسطينية الجديدة التي ستقام بينما السياسة الأمريكية السابقة تقول أن على الفلسطينيين والإسرائيليين التفاوض للوصول الى إتفاق على هذه القضايا.إن هذه التصريحات أشعلت شرراً وغضباً في الشرق الأوسط لإنتهاكها القانون الدولي ومعارضتها للسياسة الأمريكية على لسان رؤسائها السابقين ، ولكنها وعلى المستوى الواسع في الولايات المتحدة نُظِر إليها على أنها كانت بادرة ذكية للترويج لبوش في انتخابات الفترة الثانية للرئاسة.

وكتب ثوماس فريدمان في صحيفة نيويورك تايمز في مطلع عام 2004 "إن السيد شارون وضع القائد الفلسطيني ياسر عرفات في المعتقل بمكتبه برام الله ، وأنه وضع الرئيس بوش في معتقل بالبيت الأبيض ، السيد شارون أحاط عرفات بالدبابات والمدرعات وأحاط بوش بالمسيحيين المتهوِّدين ومؤيدي اسرائيل من اللوبي الإسرائيلي ، وبنائب الرئيس ديك تشيني الذي لديه الإستعداد أن ينفذ كل ما يطلبه شارون مهما يكن هذا الطلب ، فالسيد شارون يملي مطالبه وبواسطة تلك الجوقة من مؤيدي اسرائيل التي تحاصر الرئيس وتتبنى مطالب شارون تخبر الرئيس بعدم ممارسة أي ضغط على اسرائيل في سنة الإنتخابات ، فالجميع يتآمر لكي يبقي الرئيس عاجزاً عن ذلك وغير قادر على فعل أي شيء.

وخلال تلك الفترة استمرت اسرائيل ببناء المستوطنات في الضفة الغربية بالرغم من الإعتراض الأمريكي ، وبالرغم من أن خارطة الطريق تنص صراحة على تجميد النشاطات الإستيطانية بما فيها النمو الطبيعي للمستوطنات القائمة وعدم توسعتها لإستيعاب ذلك النمو. وكذلك استمر الإسرائيليون بعمليات الإغتيال للقادة الفلسطينيين ، وفي مارس 2003 إغتالت اسرائيل الشيخ أحمد ياسين قائد ومؤسس حماس ، وهذه الخطوة أثارت غضب العالمين العربي والإسلامي ضد أمريكا ، ليس فقط بسبب أن اسرائيل تستعمل السلاح الأمريكي ، بل أيضاً لأن بعض المحللين السياسيين والكثير من العرب والمسلمين اعتقدوا بأن أمريكا أعطت الضوء الأخضر لإسرائيل لتنفيذ عملية الإغتيال وفي صبيحة الإغتيال كتب الصحفي جيم هوغلاند في أحد أعمدة الوشنطن بوست مقالاً جاء فيه " باستثناء شارل ديجول ، فإنه لم يعقد ويسيء للسياسة والإستراتيجية الأمريكية الحديثة على نحو رخيص ومهلك وبكل ثبات ووقاحة أي صديق أجنبي للولايات المتحدة مثلما فعل أريل شارون ، إنه يكافح من أجل المصلحة الإسرائيلية بتمسك وتشبث وبكل صراحة واضحة وفاضحة الى درجة الإزعاج والضرر والتي تحبس الأنفاس وتخنق الخيارات لأي كان".

وبعد أقل من مرور شهر على اغتيال الشيخ أحمد ياسين ، اغتال الجيش الإسرائيلي الرنتيسي الذي خلفه في القيادة. وبعد ذلك مرض عرفات بمرض مفاجيء ومات ولم يتغير شيء في عهد محمود عباس الذي انتخب خلفاً لعرفات والذي يصفه بوش بأنه رجل سلام ولم يستطع تقديم أي دعم أو عون له لكي يكون مقنعاً لشعبه في نهجه المختلف عن عرفات كما يعتقد بوش.

غالب ياسين
13/03/2008, 09:36 AM
أحمد إبراهيم الحاج

شاعر فلسطيني




2/16/2008














دور اللوبي الإسرائيلي في عزل عرفات سياسياً وحصاره وتصفيته (الجزء الرابع)


التخلي عن محمود عبَّاس .. توجيه السهام إلى كونداليزا رايس

مات عرفات في نوفمبر 2004 ، وانتخب محمود عباس رئيساً للشعب الفلسطيني ، وتسلم مهامه في يناير 2005 في انتخابات حرة ديمقراطية والتي أشرف عليها مراقبون دوليون من الخارج يتمتعون بالحرية بشكل جيد ، وربما يفكر أحدنا أنها الفرصة المناسبة والمثالية لدفع عملية السلام للأمام ، حيث أن عباس يعترف باسرائيل ، ويدين الإرهاب ، وكان تواقاً للمفاوضات التي تقود الى حل الصراع ، وعلاوة على ذلك فاز بوش بالإنتخابات الرئاسية لفترة ثانية ، وعليه فقد كان في وضعية حسنة وباستطاعته دعم الرئيس الجديد للفلسطينيين ، سيما وأن الإدارة الأمريكية تؤيده من البداية ، ولكنه لم يفعل أي شيء لتقديم الدعم لعباس في رؤيته لإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة ، وبدلاً من ذلك أضعف مكانته وأركان قوته. وكان السبب الرئيسي في ذلك هو دعم خطة شارون الأحادية الجانب ومن ثم خلفه ايهود اولمرت ، وبالتالي تخلى عن الشريك الآخر في الصراع.مخالفاً بذلك تصريحاته حول نجاعة خطة خارطة الطريق وضرورتها وأهميتها لتسوية الصراع ، وبذلك كان بوش يتبنى سياسة واستراتيجية لا تتفق مع وعده للفلسطينيين في إقامة دولتهم القابلة للحياة ، وتلك الإستراتيجية أعاقت التقدم والبدء بعملية السلام.

إن بعض جماعات المؤيدين لإسرائيل مثل المنظمة الصهيونية الأمريكية والجمعيات الأرثوذكسية كانت تعارض إعطاء أية أراضي للفلسطينيين. ولكن بعض المنظمات الرئيسية Anti-Deformation League - ADL- والكونغرس الأمريكي اليهودي والجمعية الأمريكية اليهودية قد دعموا فك الإرتباط مع خارطة الطريق والتخلي عنها ، إن بعض المسؤولين الرسميين في مؤتمر الرؤساء قدر بأن 60 غلى 75% يحبذون التخلي وهذا بحد ذاته أكثر من كافٍ للتأكد من أن اللوبي في الأساس يدعم شارون ويحرف السياسة الأمريكية وحتى لو لم يظهر ذلك بحماسة.

إن رفض التفاوض مع عباس يجعل من المستحيل عليه أن يقدم فوائد ملموسة للشعب الفلسطيني ، وبذلك فقد شارك شارون بشكل مباشر في دعم حماس في الإنتخابات التشريعية وفوزها بها.وكتب في صحيفة هارتز الصحفي برادلي برستون وقبل اجراء الإنتخابات بقليل " إنه يبدو لك واضحاً أن اسرائيل ستقود حملة انتخابية لحماس في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية في الأسبوع القادم ، وقليل ربما يعارض ذلك خاصة من حماس ". إن وجود حماس بالسلطة سوف يكزن مبرراً وسبباً آخر لإسرائيل بألا تفاوض للسلام ، وأن إدارة بوش سوف لن يكون لها قناة اتصال معها لتدفعها للمفاوضات.وبالتالي لن تدفع اسرائيل للمفاوضات وتتجمد عملية السلام لعدم وجود الشريك المؤهل من الفلسطينيين.ولجعل الوضع أكثر سوءاً فإن سياسة اسرائيل الأحادية الجانب قد أخفقت وتوقفت في صيف 2006 ، وذلك بعد شهرين من ترحيب بوش ودعمه لآولمرت في أول زيارة له للبيت الأبيض كرئيس وزارء جديد.وبعد الإنسحاب من غزة في آب 2005 ، فقد طبقت اسرائيل فعلياً حصاراً على هذه القطعة الصغيرة من الأرض (غزة) ، جعلت من الإستحالة بمكان على الفلسطينيين العيش فيها بشكل لائق بالإنسان بل أقل بكثير من مصطلح دولة قابلة للحياة. واستمر الفلسطينيون في اطلاق الصواريخ على اسرائيل وبعد ذلك اعتقلوا جندياً اسرائيلياً في 20 يونيو 2006 ، وقد شعر الإسرائيليون بأن هذا الوضع لا يطاق ، وأحسوا بالخوف من تكرار ما حصل في غزة من الفلسطينيين في الضفة الغربية إن انسحبوا من الأجزاء المقررة في خطة شارون الأحادية ، وأقفوا العمل بخطة شارون في الضفة الغربية ، واستمر الاسرائيليون على الوضع القائم حالياً بحصار الفلسطينيين. وبعد اسبوعين من ذلك اخترق حزب الله قواعد الجيش الإسرائيلي واختطفوا جنديين أسيرين في 12 يوليو 2006 وشنت اسرائيل حرباً واسعة على لبنان ، وأمطر حزب الله شمال اسرائيل بالصواريخ والقنابل. وفشلت خطتهم السابقة الأحادية الجانب مع اللبنانيين وأدرك الإسرائيليون ومعهم اولمرت فشل هذه الخطة الأحادية برمتها سواءً في لبنان أو في الأراضي الفلسطينية. وكان اولمرت مؤمناً بنجاعة خطة الإنسحاب الأحادية الجانب التي ورثها عن سلفه شارون ولكن تبين أنه كان مخطئاً وفي ظل هذه الإعتبارات فإن على اولمرت أن ينتهج الدبلوماسية في حل القضايا لأن خطط الحرب لن تجدي بجلب السلام ، وأن المفاوضات هي الحل الأمثل للصراع بدلاً من الخطط الأحادية المدعومة بوهم القوة المفرطة على الشعوب.

توجيه السهام من اللوبي على رايس

لقد عبر الكاتبان عن ذلك بخصوص رايس بما يلي في عنوان هذا الجزء : (بَوْلَنة رايس) Rice Gets Powellized ، أي أن رايس تواجه ما واجهه كولن باول من فشل في سعيه لدفع عملية السلام. كيف؟

لقد أدركت الإدارة الأمريكية بحساباتها أن الخطة الأحادية خاسرة وقد فشلت في تحقيق السلام ،وبدأت من جديد بالدفع الى خارطة الطريق ، وفي أواخر 2006 ، بدأت وزيرة الخارجية كونداليزا رايس محاولاتها وسعيها جمع القادة الإسرائيليين مع القادة الفلسطينيين للتفاوض مع بعضهم البعض ، وكان هدفها بدأ مفاوضات جادة بين الفرقاء بما أسمته : الأفق السياسي" لحل الصراع.. وعندما كانت رايس تدفع الفرقاء بهذا الإتجاه السياسي ، استطاع السعوديون إقناع العرب في مؤتمر القمة العربي بالرياض باعتماد المبادرة العربية للحل والتي اعتمدت بقمة بيروت عام 200 ، والتي تقوم على أساس مبادلة الأرض بالسلام ، أي انسحاب اسرائيل من كافة الأراضي العربية التي احتلت عام 1967 بما فيها مرتفعات الجولان مقابل الإعتراف العربي (22 دولة) باسرائيل وإقامة علاقات طبيعية ليس فقط مع الفلسطينيين وإنما مع الدول العربية كلها والتوصل الى حل متفق عليه بين الأطراف المعنية بقضية اللاجئين على أساس القرارات الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967 بما فيها القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية. وعبرت السعودية بوضوح أن المبادرة العربية تعتبر قاعدة للمفاوضات كصفقة لا يؤخذ بها كاملة أو يتم تركها.

إن كلاًً من السعودين والأمريكيين لديهم القوة والقدرة الكاملة لوضع نهاية للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وإن استمرار الولايات المتحدة في دعمها المطلق لسياسات لإسرائيل في اجراءاتها في الأراضي الفلسطينية لم يكن فقط سبباً أو وقوداً يزيد من اشتعال الإرهاب ضد الولايات المتحدة ، بل كان سبباً أيضاً في عدم دعم الولايات المتحدة من العرب في اجراءاتها في العراق وفي اجراءاتها ضد البرنامج النووي الايراني. وقد عمل السعوديون من طرفهم مع الولايات المتحدة بقرب لمساعدتها في احتواء ايران ولكن لم يكن لديهم القدر الكافي من الجهود التي كانت محدودة الفاعلية في ذلك الإتجاه الايراني نظراً لاستياء الشعب السعودي من دعم الولايات المتحدة المطلق لاسرائيل في سياساتها تجاه الفلسطينيين. يريد السعوديون إنهاء هذا الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لأن الايرانيين كان لديهم التأثير الواضح على الراديكالييين الاسلاميين الفلسطينيين في الاراضي المحتلة. وفي ضوء هذه المعطيات والظروف فإن الأحوال تسمح لسلسلة تحركات باتجاه الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.ودفع عملية السلام. ولكن ذلك لم يحدث ، حيث أبدى اولمرت اهتماماً قليلاً بالمبادرة العربية والاشارات المشجعة الصادرة منها ، والذي بدى مقيداً للاستجابة لتلك المبادرة ولم يبد استعدادا للتعامل معها.لقد كان رئيس الوزراء الاسرائيلي غير سعيد ببعض بنود المبادرة العربية ، مثال ذلك الشرط الذي يقضي بالانسحاب الكامل من الأراضي العربية ، و حق العودة للاجئين أيضاً ، وصرح لصجحيفة جيروسالم بوست " أنا لا أوافق على أية مسؤولية أو التزام تجاه قضية اللاجئين ، وذهب للقول بأن عودة لاجيء فلسطيني واحد لأرضه هو خارج الموضوع وغير قابل للنقاش".

ولكن نقاط الخلاف هذه يمكن بحثها بالتفاوض ولو فعلت ذلك اسرائيل لأثبتت أنها راغبة بالسلام بالمفاوضات على أساس المبادرة ، وصحيفة هارتز وضعت النقاط على الحروف في نهاية مارس "إن الحكومة الجادة يجب عليها تبادر الى اغتنام هذه الفرصة بالترحيب والحوارمعبرة عن تحفظاتها التي لا تقبلها وتبحث عن تبادل الأفكار بالحوار على مستوى المنطقة لحلها". وفي منتصف مايو انتقد اولمرت لفشله في عدم ابداء الرغبة الجادة في السلام مع العرب. وانتقده في هذا أبراهام فوكسمان من ADL وايلي ويزل الحائز على جائزة نوبل ,وفي مواجهة هذا الجبل من النقد عبر ايهود اولمرت عن رغبته في في الاستجابة للمبادرة العربية ، ولكن نهجه كان مختلفاً عن ذلك التعبير اللفظي المفرغ المحتوى العملي ، حيث اتخذ اجراءات ضئيلة تعبر عن ذلك التوجه. وبدلاً من ذلك جيشت اسرائيل حملة مناوئة للوم العرب على عدم رغبتهم وفشلهم في السير نحو السلام. ولم تعمل ادارة بوش شيئاً ملموساً لدفع اولمرت للاستجابة للمبادرة العربية وبدلاً من ذلك عمدت الى الضغط على العرب لتعديل المبادرة بما يوافق الرغبة الإسرائيلية.

وبالرغم من جهود رايس التي بدأتها لدفع عملية السلام للأمام واقتناعها بهذا المنحى إلا أنها في فبراير 2007 وأمام المؤتمر قادة المنظمات الدولية الخمسة عشر قالت "إن الإدارة سوف تمتنع عن أي ضغط على اسرائيل ، ولم تقف عند ذلك الحد بل أضافت أن الادارة لن تقترح خطوات من أجلها وقف الاستمرار في دعم سياسات اسرائيل وذلك منافياً للأفق السياسي الذي اعتمدته في معالجة الصراع". إن هذين التنازلين من رايس بحد ذاتهما قد حدّا كثيراً من المضي في عملية الأفق السياسي ومن فاعلية رايس في هذا المنحى.

وفي 19 فبراير سافرت رايس الى القدس لجمع اولمرت مع عباس للبدء بالمفاوضات ، ولكن جهودها فشلت في ذلك بسبب رفض اولمرت البحث في البنود الأساسية لمعاهدة السلام والقضايا الرئيسية وبالتالي رفض اولمرت وعباس الظهور معها في مؤتمرها الصحفي وبعد ذلك كتبت النيويورك تايمز في افتتاحيتها معبرة عن ذلك بقولها "لعبة التمثيلية التحزيرية في القدس".

وفي أواخر مارس عادت رايس لاسرائيل لتقنع اولمرت بأن تلعب هي دور الوسيط بين الاسرائليين والفلسطينيين ، وكانت زيارتها السابعة لاسرائيل في ثمانية شهور ، ورفض اولمرت بشدة فكرة أن تكون هي الوسيط الدبلوماسي ، وأجبرها على الغاء المؤتمر الصحفي بعد مقابلته ، وقالت صحيفة الديلي تلغراف اللندنية في عناوينها الرئيسية "اسرائيل وبخت كونداليزا رايس" ورجعت رايس الى الولايات المتحدة فارغة اليدين ، وبتوقع من أن ادارة بوش لن تحقق تقدماً معنوياً ومادياً بالمعنى الحقيقي في حل الصراع العربي الإسرائيلي قبل أن تغادر هذه الإدارة البيت الأبيض.

إن هذه النتيجة ليست فقط إذلالاً لوزير خارجية الولايات المتحدة ، بل هو ضد المصلحة الوطنية الأمريكية.وكانت تلك النتيجة بسبب عاملين رئيسيين:

1) اولمرت كسلفه شارون ليس لديه الرغبة والإهتمام بالمفاوضات للتسوية لأن ذلك ناتج من منطلق أن اسرائيل راغبة في ضم مناطق كبيرة من الضفة الغربية وعدم قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. وأن اولمرت عبر بوضوح عن نيته في الإنسحاب من بعض المناطق الضيقة من الضفة الغربية وضم اجزاء كبيرة منها لاسرائيل. وأعلنت حكومته في أواخر ديسمبر 2006 ، أنها تقيم مستوطنة جديدة في الضفة الغربية منذ عشرة سنين ، وأنها ستقوم بتوسعة مستعمرة معدي اونميم ببناء بيوت جديدة كأكبر مستوطنة اسرائيلية إن اسرائيل تفضل الإحتلال على السلام الذي سيعطي الفلسطينيين في حدود 95% من الضفة الغربية لإقامة دولتهم.

ربما يحاور أحدٌ ما بأن العائق الحقيقي للسلام ليس اسرائيل إنما هو حماس التي أتت للسلطة في يناير 2006 ، وبقيت تصرُّ على مباديء تأسيسها بتدمير دولة اسرائيل ، ليس هنالك من يعقل بأن حماس بقوتها وإمكاناتها واعتباريتها المتواضعة جداً أمام اسرائيل ، أو بسيطرتها النامية سوف تكون مطلقة على كافة الشعب الفلسطيني وبالتالي ستكون قادرة على تحقيق هذا الهدف التدميري لدولة اسرائيل ، أو أن تعقد عملية السلام الى هذا الحد التشاؤمي ، ولا يمكن أن تعطل هذه المشلكة الحمساوية عملية السلام ، وإن كان الإسرائيليون جادين حقاً بالسلام فبإمكانهم العمل مع مؤتمر القمة العربي ومع عباس والمعتدلين من حماس لدفع عملية السلام ، وعزل المتطرفين الراديكاليين من المعارضة الفلسطينية ومن الجماعات الراديكالية المعارضة مثل حركة الجهاد الإسلامي للوصول الى اتفاقية سلام دائم ، وبدلاً من ذلك فقد ابدى الإسرائيليون قدراً ضئيلاً من الرغبة و الشجاعة للعمل مع العرب الكثيرين و الطامحين بجد لعقد اتفاق سلام مع اسرائيل. وبإدارة ظهر اسرائيل للعرب الوسطيين العاملين للسلام فإن هذه السياسة الاسرائيلية بالقطع ستقوي الجماعات التي تنتهج الإرهاب التي تعتقد أن الحل يكمن في هذا التكتيك الإرهابي.

2) إن المؤيدين لاسرائيل في أمريكا جعلوا من المستحيل على الولايات المتحدة وبالأخص على لكونداليزا رايس أن تمارس ضغطاً على حكومة اولمرت لتنهج الأفق السياسي للحل. ففي داخل البيت الأبيض فإن العائق الرئيسي من الضغط على اسرائيل هو إليوت أبراهامز إنه يستمد قوة تأثيره من شخصين محافظين يعملان في مكتب نائب الرئيس هما جون حنا ، وديفيد وومسر. فقد كتب الصحفي جيم لوبّي بأن عدة مصادر أخبرته " إن أبراهامز يعمل بنظام محكم من أجل كبح جماح كونداليزا رايس ومنعها من محاولة عمل الجهود اللازمة للضغط على اسرائيل للتجاوب مع مطلب السلام الذي تؤمن به رايس وتطمح اليه وعدم اعطاء جهدها القيمة الحقيقية. والتجاوب مع الرغبة الملحة للملك عبدالله ال سعود لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم في تسوية من مدخل الأفق السياسي للتوصل الى اتفاقية سلام تعطيهم حقهم في انشاء دولتهم. إن أبراهامز يحتفظ بعلاقة وطيدة مع يورام توبووتز رئيس مكتب أولمرت ومع شالوم ترغيمان مستشار اولمرت السياسي والذين يعملون جميعهم بروح الفريق الواحد معاً للإحتفاظ بسياسة ادارة بوش في حالة عجز تام عن التحرك بقوة ضاغطة على اسرائيل للالتزام بعملية السلام وتنفيذ مطالب لا يرغب بها اولمرت.

إن دانيال ليفي المستشار السابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي دوَّن ملاحظاته "إذا نوت رايس على تنفيذ برنامجها الأفق السياسي وممارسة ضغط على اسرائيل وأبدت نشاطاً ملحوظاً في ذلك فإن كلاً من (تي + تي) (ياروم توربووتز و شالوم تورغنمان) سوف يقومان بدورهما من خلال إليوت أبراهامز في البيت الأبيض والذي بدوره سوف يحفز ديك تشيني نائب الرئيس ليحتفظ بالرئيس مربوطاً ومقيّداً. وانسجاماً مع ذلك فقد قال هنري سيغمان والذي عمل طويلاً على مواضيع الشرق الأوسط في القسم القنصلي بالعلاقات الدولية أكد :" أنه كلما بذلت الإدارة الأمريكية محاولات جادة نحو التسوية في الشرق الأوسط فأن إليوت أبراهامز يلتقي بجوقة اولمرت سرياً في اوروبا او اي مكان آخر ليطمئنهم وليقول لهم مؤكداً بأنه لا يوجد خطر من هذا القبيل" وفي زيارة رايس لإسرائيل في 19 فبراير ، فقد حجَّم رئيس الوزراء الاسرائيلي رايس ووضعها في حجمها الحقيقي عندما صرح للصفيين "بأنه هو والرئيس بوش متفقان العين بالعين" - أي أنهما متطابقان في وجهتي نظرهما. وكما كتب اوليوف بين وصموئيل روزنر في صحيفة هارتز "إن الرسالة فهمت خطاً ، كان يجب على رايس أن تقول بشق الأنفس أنها هزيلة وغير مؤثرة".

وكانت الإشارة الواضحة على كبح جماح رايس والتقليل من فاعليها في الإدارة استقالة فيليب زيكوو ،من منصبه في وزارة الخارجية ،في 2006 ، لقد كان صديقاً لرايس منذ زمن طويل ، وأقرب المستشارين المنظرين لها في الوزارة ، وقد شجع رايس في صيف 2006 على عمل الجهد الجاد في المفاوضات من أجل تسوية الصراع العربي الإسرائيلي من إعتقاده بضرورة ذلك للمصلحة الوطنية الأمريكية من أجل جلب العرب والاوروبيين الى حلفهم ضد ايران وأكد ذلك في محاضرة له في 15 سبتمبر 2006 ، في معهد وشنطن للشرق الأنى. وبعد المحاضرة كان هنالك هجوماً ضده من مؤيدي اسرائيل وطبقاً لصحيفة نيويورك تايمز "فإن الإدارة سارعت الى تبرئة نفسها مما قاله في المحاضرة وأصدرت مذكرة منكرة فيها علاقتها أو ارتباطها بهذا الطرح منه ، وامتعض الرسميون الاسرائيليون من محاضرته وأحبطوا مما جاء فيها. وأكدت رايس بعدها لوزيرة خارجبية اسرائيل تسيفي ليفني بأن الولايات المتحدة ترى ضرورة الفصل بين الموضوع الفلسطيني والموضوع الايراني. وفي الشهر التالي أعلن فيليب زيليكو استقالته من الإدارة وأعطى اسباباً مسكنة لاستقالته لا تنم عن الحقيقة ، ومع ذلك فقد صرح مسؤول أمريكي في البيت الأبيض غير مسمى بأن مغادرته الإدارة كان جزءاً كبيراًمنها بسبب عدم رضاه عن السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط ، وفي مطلع مارس 2007 عينت رايس المحافظ الجديد إليوت كوهين بدلاً منه.

وبالرغم من القيود على رايس فقد حاولت تقوية عباس على حساب حماس ، ولكن اللوبي حد من فعالية جهدها ، بالتحديد عندما قرر بوش دعم عباس بقيمة 86 مليون دولار لتقوية الجهاز الأمني التابع له ، ولكن عضوة الكونغرس نيتا لووي النائبة واسعة الصلاحيات والمتنفذة عن ولاية نيويورك والتي تدافع بقوة عن اسرائيل حجزت الطلب وأخرته ، وأن انتوني وينرالمؤيد لاسرائيل أيضاً وقليل النفوذ مقارنة مع لووي بعث برسالة الى رايس يطلب فيها سحب طلب مساعدة عباس. وأن مورتور كلين رئيس المنظمة الصهيونية الأمريكية وزن الأمر بقوله "يجب على بوش معاملة عباس بالمثل كما هو الحال مع حماس والقاعدة".إن نظرة كلين لعباس أنه متصلب وشاركه في ذلك العديد من قادة اليهود. فقد كانوا منزعجين وغير راضين عن عباس لموافقته في فبراير 2007 على تشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس بالرغم من أن عباس أكد بوضوح انه ملتزم بعملية السلام بإقامة دولتين متجاورتين تعيشان بسلام. وعملت منظمة اييابك بكل جهودها لثني الإدارة الأمريكية عن التعامل مع حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية ومن ضمنها عباس. ولكن جهودهم لم تؤتِ أكلها كاملة هذه المرة ، ولتهدئة نيتا لووي فإن الإدارة خفضت المبلغ الى 59 مليون دولار مشروطاً بأن يستخدم في التدريب وشراء معدات واسلحة خفيفة لقوات الأمن لحفظ الحدود مع اسرائيل وخاصة في نقطة العبور الى غزة فوافقت لووي عليها وتم تفويض الدفع.

وفي الحقيقة فإن الجهود الأمريكية لدعم عباس جاءت متأخرة خاصة بعد سيطرة حماس على غزة ، وأن الوعود الإسرائيلية لدعم عباس باطلاق سراح المعتقلين والإفراج عن المبالغ المحتجزة من الضرائب ذهبت أدراج الرياح ، فقد أبقت الولايات المتحدة واسرائيل تحفظاتها الإقتصادية تجاه عباس وليس هنالك أي دليل واضح قدمته اسرائيل أو فعلته لمساندة عباس ليكون أمام شعبه الورقة الموثوقة والرابحة على المعارضين له ولتمكنه فعلياً من إقامة الدولة القابلة للحياة. وعليه فسيبقى الصراع مستمراً والدُّمل متقيحاً ، مضيفاً خسائر إضافية لمكانة الولايات المتحدة في العالمين العربي والإسلامي.