رباب كساب
14/03/2008, 03:57 PM
رحلة ليلية
قد قارب الليل الانتصاف ، حين خرجت إلى شرفتها تاركة صدرها يستقبل نسمات تلك الليلة اللطيفة . دخل الهواء نقيا منعشا أرادت استبقاءه في داخلها إلا أنها لم تستطع ، فسارعت بطرده واستنشاق غيره بسرعة شديدة ، رغم أنه لن ينضب .
كانت رأسها تضج بكثير من الفِكَر التي لا تكف عن لكزها كل حين ، إلا أنها قد أخذت عهدا مع نفسها أن تصمت ، وألا تبوح بأي شيء ؛ لن تدون كلمة ، ولن تكتب حرفا ، ولتصمت أيضا تلك الأفكار العابثة التي تجعلها ترفل في سرابيل من الألم كلما تذكرت تفاهتها .
- تفاهتها !!!!!
توقف عقلها برهة أمام الكلمة وانطلق بسؤاله الذي يحاول به نسف تلك الإهانة التي وصمت بها عمله ، أما أفكر به تافها ؟!!!!!
كانت وكأنها تحاربه ، دخلت معه مبارزة لن يخرج منها إلا فائزا واحدا . إنها تقوده للجنون كلما رفضت أن تخرج ما به من أفكار حتى صار قدرا يغلي ، تزيد حمم الأحاسيس والمشاعر والدوافع بداخله ولا تحس به ، لماذا تعامله هكذا ؟
سؤال آخر انطلق منه عَبر قلبها عله يستحلفها أن تجيب ، حتى صدرها الذي يعب الهواء عبا صرخ بها وقال ليس هذا هوائي ، ولا تلك النسمة التي تصافح عظامي هي الحياة بالنسبة لي .
- حتى أنت !!!!
كل ما بها أراد أن يتنفس وهي أبدا لا تريد ، تتشبث بالموت حتى النهاية ، تمنع أسباب الحياة حتى أوشكت على الاختناق .
لازالت بالشرفة وقد قاربت الساعة أن تدق الثانية من صباح اليوم الجديد ، حين شعرت بيد تربت على كتفها ، تملكها الرعب فهي وحدها مَن هذا الآتي ؟
التفتت بغتة تنظر إليه ، لم تصدق عينيها أحقا أنت ؟!!
سيل من الدموع المحبوسة قد انطلق وهي تدفن رأسها بحضنه الذي افتقدته كثيرا ، أحقا أنت ؟!
لم تكن تكف عن ترديد السؤال .
مَسَّد شعرها المهوش بيديه كما كان يفعل دائما ، ثم حمل وجهها على طرفِ سبابته لينظر لعينيها المغرورقتين بالدموع وقَبَّل جبهتها فعادت لتدفن رأسها بصدره مرة أخرى .
حملها معه وقد فرد جناحيه ، حلقا معا في سماء المكان وهي فرحة منتشية ، شعرت بخفتها كلما صعد بها لأعلى ، أجلسها على كتفه ، طار بها من مكان لآخر قاصدا دنيا بعينها .
دخل بها حواري وأزقة ، أحياء ما هي بحية ولا سكانها بناس .
سألته مندهشة : أين نحن ؟ من هؤلاء ؟
لم يجب ، بل ملأ عينيها وعقلها بمشاهد ، ومشاهد فرضت ذاتها ، واصل اندفاعه وطيرانه من واد إلى آخر ، ومن مدينة إلى مدينة ، ومن قرية لأخرى .
وهي تواصل تعبئة عقلها الذي كَفَّ عن الاستيعاب ، وقلبها الذي اعتصره الوجع ، وصدرها الذي لم يعد يدخله هواء .
رحلة طويلة كان فيها البراق ، ولكنها لم تكن برسول ؛ كانت أضعف من تلك المهمة التي أوكلها لها ، سألته لماذا ؟
لم يُجب ، فقط أعادها لشرفتها مرة أخرى ، قَبَّل جبينها ، وانطلق من حيث أتى مبتعدا بأقصى سرعة .
نظرت لساعتها وهي لا تصدق ما حدث ، أكانت تلك الرحلة خارج حدود الزمن ؟!!
عقارب ساعتها تشير إلى الثانية صباحا .
لم تكن تدري ماذا تفعل ، فَجَّربداخلها بركان انطلقت حممه بلا توقف ، تصاعدت حتى فمها ألهبته ، وكذا عقلها ، كما حرقت قلبها ، فسارعت إلى أن تتنفس ،أمسكت بالقلم ، ووضعت سنه المدبب الرفيع الذي تنتقيه بعناية على الأوراق ، تركت روحها الميتة تعود للحياة ، دون خوف أو رهبة .
طرد عقلها أفكاره القديمة ، وعلل الحب المقيتة ، استفاق من مشاهد نشرات الأخبار المعتادة ، تمحور في تلك الرحلة التي وضعته أمام ما لا يتوقع ، وشاهد ما لم يتخيل ، تلك الرحلة التي حَمَّلته أوجاعا ، وخلقت منه سيفا قرر أن يكون محاربا بيد فارس في زمن قتل كل فرسانه .
وحين تبددت ظلمة الليل وبان الخط الأبيض كانت لازالت تمسك بأوراقها تخرج كما من الآهات المحبوسة في صدور من رأتهم .
بعد انتهائها وضعت القلم وتنفست بعمق .
فجأة فتحت عينيها التي أخذت تتجول بالمكان متعجبة ، وشعرت بيديها تنفض الغطاء عنها في روتينية تعهدها باحثة عن الساعة التي أشارت إلى السابعة صباحا موعد استيقاظها اليومي .
رباب كساب
13/3/2008
قد قارب الليل الانتصاف ، حين خرجت إلى شرفتها تاركة صدرها يستقبل نسمات تلك الليلة اللطيفة . دخل الهواء نقيا منعشا أرادت استبقاءه في داخلها إلا أنها لم تستطع ، فسارعت بطرده واستنشاق غيره بسرعة شديدة ، رغم أنه لن ينضب .
كانت رأسها تضج بكثير من الفِكَر التي لا تكف عن لكزها كل حين ، إلا أنها قد أخذت عهدا مع نفسها أن تصمت ، وألا تبوح بأي شيء ؛ لن تدون كلمة ، ولن تكتب حرفا ، ولتصمت أيضا تلك الأفكار العابثة التي تجعلها ترفل في سرابيل من الألم كلما تذكرت تفاهتها .
- تفاهتها !!!!!
توقف عقلها برهة أمام الكلمة وانطلق بسؤاله الذي يحاول به نسف تلك الإهانة التي وصمت بها عمله ، أما أفكر به تافها ؟!!!!!
كانت وكأنها تحاربه ، دخلت معه مبارزة لن يخرج منها إلا فائزا واحدا . إنها تقوده للجنون كلما رفضت أن تخرج ما به من أفكار حتى صار قدرا يغلي ، تزيد حمم الأحاسيس والمشاعر والدوافع بداخله ولا تحس به ، لماذا تعامله هكذا ؟
سؤال آخر انطلق منه عَبر قلبها عله يستحلفها أن تجيب ، حتى صدرها الذي يعب الهواء عبا صرخ بها وقال ليس هذا هوائي ، ولا تلك النسمة التي تصافح عظامي هي الحياة بالنسبة لي .
- حتى أنت !!!!
كل ما بها أراد أن يتنفس وهي أبدا لا تريد ، تتشبث بالموت حتى النهاية ، تمنع أسباب الحياة حتى أوشكت على الاختناق .
لازالت بالشرفة وقد قاربت الساعة أن تدق الثانية من صباح اليوم الجديد ، حين شعرت بيد تربت على كتفها ، تملكها الرعب فهي وحدها مَن هذا الآتي ؟
التفتت بغتة تنظر إليه ، لم تصدق عينيها أحقا أنت ؟!!
سيل من الدموع المحبوسة قد انطلق وهي تدفن رأسها بحضنه الذي افتقدته كثيرا ، أحقا أنت ؟!
لم تكن تكف عن ترديد السؤال .
مَسَّد شعرها المهوش بيديه كما كان يفعل دائما ، ثم حمل وجهها على طرفِ سبابته لينظر لعينيها المغرورقتين بالدموع وقَبَّل جبهتها فعادت لتدفن رأسها بصدره مرة أخرى .
حملها معه وقد فرد جناحيه ، حلقا معا في سماء المكان وهي فرحة منتشية ، شعرت بخفتها كلما صعد بها لأعلى ، أجلسها على كتفه ، طار بها من مكان لآخر قاصدا دنيا بعينها .
دخل بها حواري وأزقة ، أحياء ما هي بحية ولا سكانها بناس .
سألته مندهشة : أين نحن ؟ من هؤلاء ؟
لم يجب ، بل ملأ عينيها وعقلها بمشاهد ، ومشاهد فرضت ذاتها ، واصل اندفاعه وطيرانه من واد إلى آخر ، ومن مدينة إلى مدينة ، ومن قرية لأخرى .
وهي تواصل تعبئة عقلها الذي كَفَّ عن الاستيعاب ، وقلبها الذي اعتصره الوجع ، وصدرها الذي لم يعد يدخله هواء .
رحلة طويلة كان فيها البراق ، ولكنها لم تكن برسول ؛ كانت أضعف من تلك المهمة التي أوكلها لها ، سألته لماذا ؟
لم يُجب ، فقط أعادها لشرفتها مرة أخرى ، قَبَّل جبينها ، وانطلق من حيث أتى مبتعدا بأقصى سرعة .
نظرت لساعتها وهي لا تصدق ما حدث ، أكانت تلك الرحلة خارج حدود الزمن ؟!!
عقارب ساعتها تشير إلى الثانية صباحا .
لم تكن تدري ماذا تفعل ، فَجَّربداخلها بركان انطلقت حممه بلا توقف ، تصاعدت حتى فمها ألهبته ، وكذا عقلها ، كما حرقت قلبها ، فسارعت إلى أن تتنفس ،أمسكت بالقلم ، ووضعت سنه المدبب الرفيع الذي تنتقيه بعناية على الأوراق ، تركت روحها الميتة تعود للحياة ، دون خوف أو رهبة .
طرد عقلها أفكاره القديمة ، وعلل الحب المقيتة ، استفاق من مشاهد نشرات الأخبار المعتادة ، تمحور في تلك الرحلة التي وضعته أمام ما لا يتوقع ، وشاهد ما لم يتخيل ، تلك الرحلة التي حَمَّلته أوجاعا ، وخلقت منه سيفا قرر أن يكون محاربا بيد فارس في زمن قتل كل فرسانه .
وحين تبددت ظلمة الليل وبان الخط الأبيض كانت لازالت تمسك بأوراقها تخرج كما من الآهات المحبوسة في صدور من رأتهم .
بعد انتهائها وضعت القلم وتنفست بعمق .
فجأة فتحت عينيها التي أخذت تتجول بالمكان متعجبة ، وشعرت بيديها تنفض الغطاء عنها في روتينية تعهدها باحثة عن الساعة التي أشارت إلى السابعة صباحا موعد استيقاظها اليومي .
رباب كساب
13/3/2008