المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقطة في عصر الاختلاف...



سعيد نويضي
27/03/2008, 08:23 PM
:fl:بسم الله الرحمن الرحيم...و صلى الله على سيد الخلق و المرسلين و على آله و صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين



نقطة في عصر الاختلاف...

دخل المعلم إلى الفصل و هو يتحدث مع نفسه بصوت يشبه هلوسة المجانين...نظر إلى التلاميذ ثم قال لديهم: من يستطيع أن يوجز الفرق بين العرب و الغرب في كلمة واحدة؟ عم الفصل الصمت...فلا تسمع إلا بعضا الهمسات هنا و هناك...و لم يرفع أحد أصبعه ليجيب عن السؤال...

ثم شق الصمت أحد التلاميذ دون أن يرفع أصبعه متمتما هناك فروق كثيرة يا أستاذ؟ فكيف سنحسم الجواب في كلمة...فقال أحد التلاميذ:العلم/الجهل...قال آخر:التقدم/التخلف...قال ثالث:التنظيم/الفوضى...قال رابع:التخطيط/الارتجال...ثم تعالت الأصوات و تفاعلت الأجوبة...

فقال آخر و كان أكثر التلاميذ صمتا: الفرق في كلمة واحدة هي "نقطة"...
سأل المعلم كيف ذلك؟
قال التلميذ:عين العرب لا تحمل نقطة...و عين الغرب...تنقط و تنطق غينا...
فضحك المعلم و تبعه الفصل بموجة عالية من الضحك و قد وصل البعض إلى درجة القهقهة...
فقال التلميذ للمعلم: في عرف العرب ألا يكتب الصفر على شكل نقطة؟
قال المعلم:نعم...ولكن في لغة الغرب يكتب على شكل دائرة مجوفة...
فقال التلميذ: و من اكتشف الصفر؟
قال المعلم: هو محمد بن موسى الخوارزمي العالم المسلم(الخوارزمي) أبو عبد الله محمد بن موسى (أبو جعفر) (حوالي 781- حوالي 845 )، كان من اوائل علماء الرياضيات المسلمين حيث ساهمت اعماله بدور كبير في تقدم الرياضيات في عصره...و كان إنجازا عظيما ساهم به الفكر الإسلامي في حل العديد من الإشكالات المعرفية و الرياضية و الحسابية في العالم...و بذلك استطاعوا أن يقدموا إضافة نوعية للفكر العالمي و للتقدم العلمي والحضاري...

ثم تساءل المعلم و ما علاقة النقطة بالصفر بسؤال الفرق بين العرب و الغرب؟
قال التلميذ: لما اكتشف العرب النقطة أضافوها للفكر... و الفكر ليس له حدود...فتلقفه الغرب وأحسن استعماله و استغلاله و طوره و تقدم به...
و السؤال ماذا فعلنا نحن به؟
فبالصفر دخل الغرب عالم الرقميات و دخل العرب عالم التفاهات...
جلس الغرب على مقعد الفيتو و جلس العرب مع عالم الفيديو...
قام الغرب باكرا و نام العرب كثيرا...
صرخ الغرب في وجه الظلم و الفقر و الجهل بصوت عالم...
و صاح العرب في وجه الظلم و الجهل و الفقر بصمت غانم...
أخذ الغرب من الإسلام قيمه
و أخذ العرب من الإسلام اختلافه...
اتحد الغرب في جوهره رغم اختلاف لغته
و اختلف العرب في جوهره رغم اتحاد لغته...

هنا قاطعه تلميذ آخر متسائلا:أليس الغرب بكافر و ظالم في نفس الوقت؟

قال المعلم للتلميذ: ما جوابك عن هذه الحقيقة؟

قال التلميذ: هذا سؤال ليس في صلب الموضوع السابق و ليس الكل ظالم و كافر...و مع ذلك سأجيبك إن شاء الله على ذلك...الغرب كافرا في مفهومه لعقيدة التوحيد...لأن لا إله إلا الله...لا ثالث و لا رابع و لا أقل من ذلك و لا أكثر...ليس كمثله شيء...هي الركن الأساس في التوحيد...و من تم يعتبر الغرب كافر لأننا في هذا الجانب نمتلك الحقيقة بدون خوف أو خجل أو استعلاء أو استكبار أو غرور أو شيء آخر قد يخطر على الذهنية المريضة...و كذلك ظالم لأنه يعرف الحق و تغلب عليه المصلحة الذاتية أو الشخصية أو النفعية باسم المجتمع و المصالح العليا...باسم استقرار المجتمع و وصفة الديمقراطية و حقوق الإنسان...تحت العديد من المسميات...التي تبرر سلوكه و قراراته...فيجعل الباطل حقا و يضع له الركائز و الأسس و يؤيده بالقوة و يضع له الإطار النظري و التبريرات التي تجعل من بني جلدته يعتقد في صحة الطرح الذي يقدم و بالتالي ينضم إلى صفه و يعزز مكانته و هكذا... و التاريخ من جهة و الواقع الحالي يشهدان على ذلك...و تجد كذلك و هذا هو بيت القصيد في الحكمة من الاختلاف التي فطر الله عز و جل الناس عليها...أنه من بني جلدتهم من يشهد بالحق و من ينصف علنا الظالم من المظلوم بالعدل... و من منهم من يدين دين الحق وعلى بصيرة من أمره و يدعو إلى الحق دون الخوف إلا من الله جل و علا و لا يخاف في الله لومة لائم..

فقال تلميذ آخر:و لماذا نتعامل معهم و ظلمهم أكبر من عدلهم؟
فقال التلميذ:لأنه الجهل المزدوج...
جهلهم بحقيقة الله أكبر...فيعتقدون وهما أنهم الأكبر...و من منطلق الاستعلاء و الاستكبار يتصرفون طبقا لهواهم...فبدل التعارف كان التجاهل...بدل الاستمتاع بخيرات كل بلد على أساس التبادل كان استغلال خيرات كل بلد على أساس الاستعمار...عوض التعاون كان التطاحن...بدل الإنسان أخ للإنسان كان الإنسان ذئب على الإنسان...

و جهلنا نحن في العصر الحالي كذلك بحقيقة الله أكبر...إلا من رحم ربي ...
فخضعت رقاب و استسلمت عزائم و إرادات و تمت قرارات بحجة أنهم يملكون ما لا نملك و يعلمون ما لا نعلم و هم قد قطعوا أشواطا في التقدم و نحن لا زلنا في مؤخرة القطيع و لا يلفت نظرنا إلا إلى ما وصلوا إليه دون النظر و البحث و التنقيب عن كيف وصلوا إلى ذلك...

قال تلميذ آخر: وهل يختلف العلم عن الدين أم يكمل أحدهما الآخر؟
قال المعلم هذا سؤال يحتاج إلى مجلدات...
قال التلميذ: كيف سنلخص ذلك و نحن في زمن سماه الغرب "بزمن السرعة" و سماه العرب" بزمن الفتنة"...؟

قال المعلم: العلم الذي يعتقد فيه الغرب لا وجود للدين في مضامينه و أهدافه و أطروحاته...لأنه يدرس المادة بمعزل عن الروح...لأنه أصلا لا يعترف بجوهر اسمه "الروح"...إلا القليل منهم...فالمادة هي أساس الاعتقاد و ليس بعدها شيء...بدليل أن كل الأشياء في نظرهم يمكن حصرها في معادلات رياضية...أما الدين في تصورهم بشكل عام فهو أصلا متجاوز بالأجوبة التي أتى بها العلم عن الأسئلة التي طرحها الإنسان على نفسه و على الطبيعة و على المحيط الذي يعيش فيه...و من تم أصبح الدين شأن خاص و أصبح العلم شأن عام...بمعنى آخر حل العلم محل الدين في تنظيم كل شيء و انزوى الدين في ذاتية كل فرد على حدة...اللهم إلا إذا كان سيبرر مسألة اختلاف الحضارات و صراع الثقافات و تناحر المصالح و تطاحن الأهواء و المنافع و الحاجات...هذا في عرف الغرب...

أما في عرف العرب...فالدين و العلم و وجهان لعملة واحدة إن صح التعبير و العملة هي الإنسان...فكل من العلم و الدين له ارتباطات بحاجيات الإنسان...فالإنسان مادة و روح و لمعرفة المادة معرفة يقينية حقيقية لابد من العلم...و الإنسان روح و مادة و لمعرفة الروح معرفة حقيقية يقينية لابد من الدين...فالعلم "دين" المادة...و الدين"علم " الروح...و لا يمكن فهم الإنسان إلا إذا اتحدا العلمين أو اجتمعا على تصور شامل يجمع بين ما هو مادي و ما هو روحي في قلب عقل الإنسان...

رفع أحد التلاميذ صوته متسائلا:هل العرب لديهم هذا التصور عن العلم و الدين؟ أم أنهم على منهج الغرب في فصل هذا عن ذاك؟

حاول المعلم الإجابة عن السؤال، لكن جرس الاستراحة رن... فقفز التلاميذ من مقاعدهم بطريقتهم المعهودة...تعالت أصواتهم فيما بينهم...

في حين انشغل المعلم بإشكالية العصر...هل من المنطقي فصل الروح عن الجسد؟ أم ترك الجسد يعبث بالروح؟ فلا يمكن بتاتا نفي الجسد لأنه أصلا هو الحامل للروح؟ فكيف نصل إلى المعادلة-الحقيقة في علاقة الجسد بالروح؟ و على أي أساس سنقيم هذه المعادلة هل على الدين أم على الروح أم عليهما معا؟ خرج المعلم يتأمل قولان قمة في البحث عن الحقيقة و قمة في التناقض...

قال غوته:" من يعرف نفسه و يعرف الآخر فسوف يعترف أيضا بأن الشرق و الغرب لا ينفصلان"...

و قول كيبلنغ:" آه، الشرق شرق و الغرب غرب و لن يلتقيا إلى حين تمثل الأرض و السماء وشيكا أمام عرش الرب يوم الحساب العظيم"...

فقلت إذا كان المرجع هو العقل فالتناقض ليس مستحيلا في قول البشر أما في قول الله عز و جل فلا يحق ذلك و تذكرت آيات الله عز وجل في خلقه و مخلوقاته...

يقول الحق جل و علا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13...يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من أب واحد هو آدم, وأُم واحدة هي حواء، فلا تفاضل بينكم في النسب, وجعلناكم بالتناسل شعوبًا وقبائل متعددة؛ ليعرف بعضكم بعضًا, إن أكرمكم عند الله أشدكم اتقاءً له. إن الله عليم بالمتقين, خبير بهم...[التفسير الميسر]

ثم قرأ سورة العصر: ~§§ العصر(مكية)3 §§~
وَالْعَصْرِ{1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{2} إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ{3}...صدق الله العظيم...

و للحديث بقية إن كان في العمر بقية...دمتم في حفظ الله يا أحباب واتا...:fl:

:emo_m1::emo_m1::emo_m1: