المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقتصاد العراق: العلاقات والمسئوليات الإقليمية



الدكتور نوفل قاسم علي الشهوان
30/03/2008, 09:57 PM
ملخص
تبحث هذه الدراسة في سبل استعادة العراق لنهوضه الاقتصادي وعلاقاته الإقليمية وفيها آثار أزمته على المنطقة، ثم التركيز على الدور الإقليمي لدول الجوار في استقرار أوضاعه مع إمكانات النجاح الأفضل لدور اقتصادي وإقليمي.
كما تهدف إلى استشراف المجالات الرئيسة الممكنة للعراق لبناء علاقات إقليمية واقتصادية أفضل والوقوف على البديل في حال عدم التمكن من النهوض والاستمرار بالاستنزاف والأزمات بدون جدوى.

***
مدخل إلى التغيرات الحديثة في الاقتصاد العراقي وعلاقاته الإقليمية
تلاحظ بوضوح استمرارية الوضع الهش للاقتصاد العراقي وهو ينتقل من أزمة استهلاكية وتوزيعية إلى أخرى وتردي شبه كامل للخدمات الأساسية والسلعية العامة، تحت ضغوط القلق والاضطراب وظروف التجاذب الداخلية بقانون القوة لا قوة القانون، من أجل صياغة طابعه الجديد وهويته اللاحقة على أسس الرؤى السياسية والتنافسية اللا موضوعية في الهيمنة الفكرية والاقتصادية والاجتماعية لكل من مكوناته الأثنية. وطبيعي ان تكون لهذه الحالة تكاليفها الباهضة على المجتمع وآثارها الخطيرة على الفرد اقتصادياً واجتماعياً، ليس على مستقبله وإنما على مستوى الفرد في المنطقة بصورة عامة.
وقد تتعمق الحاجة يوماً بعد يوم إلى الاحتكام للدراسة الهادئة لتاريخ الاحتدامات المماثلة، وفي مضمار المجتمع العراقي ذاته، لكي يرى الباحثون في حقب التأزم بين المصالح الاقتصادية المختلفة أهمية إقبال كافة أطراف الشراكات الاقتصادية بثروات المجتمع، وخاصة الرئيسيون المؤثرون منهم وتشجعهم على القبول بالشراكات الحقيقة وليست الشكلية في إدارة المصالح وتسييرها وبضمنها السياسات الاقتصادية والتنمية المستدامة، وبالدرجة التي قبلوا فيها الانعتاق من سلطة الدولة في الحياة الاقتصادية وفي تحرر الأسواق ثم الانفتاح التجاري والاقتصادي، وذلك باتجاه تحديث المجتمع وتنمية اقتصاده وليس باتجاه تخلفهما, وإلا فجميع الثروات والجهود إلى هباء.
ويبدو ان هذا التشجع قد لا يبدر من أي طرف مالم تكن هناك جدية في تحديد الأهداف المشروعة والمطامح الخاصة التي لا تتعدى حدود أطراف الشراكات الأخرى، وعندها فقط ستكون هناك بداية صحيحة وعمل متواصل في سبل التعاون والمكاسب لكل فئات المجتمع. وقد يفيد الواقع كذلك بأن هذا التشجع سوف لن يكون سهلاً على الدوام مع محدودية التخلي عن ثقافة المزايا وعن نظرية التعويض عما فات مقابل إحقاق واسع لعملية البذل والعمل باتجاه البناء المادي والفكري والعملي لأفراد المجتمع.
لقد تغير كل شيء في التاريخ الاقتصادي الحديث للعراق وأطل على مرحلة التعددية والتنافسية وحرية الدخول والخروج من الأسواق وحرية التشغيل وخاصة تشغيل الموارد المادية والمالية ونشط الطلب الفعال مع زيادة القدرات الشرائية للناس مع تقويم الأسعار والأجور، وهناك مرحلة مهمة قادمة تتضمن رفع الدعم عن الميزانية الخاصة بأسعار الوقود والطاقة ( المشتقات النفطية والغاز والكهرباء ) وبرفع الدعم الغذائي ( بطاقة المواد الغذائية بأسعار مدعومة ). عند هذه المرحلة لابد من إطلاق القدرات والانتقال بالاقتصاد من إدارة ألازمات إلى إدارة مناخ الاستثمار الذي يتطلب بيئة نظيفة وآمنة واقتصاد مستقر لتحريك أسس العمل والإنتاج.
وحصيلة التغيرات التي شهدها الاقتصاد العراقي في السنوات الأخيرة تفيد بتزامن عمليتين متناقضتين مع بعضهما الأولى لا مركزية الاقتصاد والأعمال ( ليس باستكمال الإصلاحات الاقتصادية وإنما بغياب دور الدولة في الحياة الاقتصادية بالكامل تقريباً ) والثانية مع التحولات الاقتصادية المختلفة في البلدان المجاورة بدءً من الأردن وانتهاءً بسوريا مروراً بالمملكة السعودية والكويت وقبلهما تركيا وإيران. فأتسم الاقتصاد العراقي نتيجة لذلك وللأسباب السابقة بالتراجع والوقوف على حافة سكين(knife ridge) والتأرجح بين أعلى معدلين للبطالة وللتضخم، ومن ثم تردي علاقاته الاقتصادية بما لا يفسح المجال للاندماج والتكامل في الأمد المنظور.
تراجع الاقتصاد العراقي
تركت الحرب على العراق عام 1991 آثاراً سلبية على المنطقة بأسرها وعلى التجار والطلبة والخبراء والمستشارون والعلماء وأرباب الأعمال وغيرهم من فقدان مكاسب العمل المشترك والتحويلات النقدية وفرص التجارة الخارجية، وعانت القطاعات الاقتصادية والخدماتية ( كالمصارف وقطاعات النقل والتعليم والسياحة …) ومعها العلاقات العلمية والتقنية من تراجع الاقتصاد العراقي وامتدت تلك الآثار إلى أبعد من دول الجوار المباشر مثل اليمن ومصر ولبنان وجمهوريات آسيا الوسطى والهند وأفغانستان.
والأهم من هذا امتداد الآثار الناجمة عن العقوبات التجارية على العراق وانتقال التأثير السلبي على التنمية المستدامة والتنمية البشرية محلياً وإقليميا، وساهمت إلى حد ما في خلق الركود الاقتصادي في المنطقة العربية.
وتناسبت الخسائر مع بلدان المنطقة ذات التعامل الاقتصادي الأكبر مع العراق وبشكل خاص الأردن وفلسطين، وأصبح من البديهي قبول التحليلات المؤثرة للآثار المضاعفة عن التدهور البيئي في العراق على البيئات الاقتصادية المجاورة والإقليمية إلى التوازنات الدولية في المنطقة بعد حرب 2003.
وبذلك عزيت أهمية الجوار الإقليمي للعراق إلى صدارة الأحداث والمواقف المتعلقة بالملف العراقي وبات مستقبل العراق الأمني والسياسي وليس الاقتصادي فقط مرتبط عضوياً بجواره الإقليمي الذي تأثر منه كثيراً. وأصبح العراق بحاجة كبيرة ومتزايدة إلى شقيقاته العربية للحفاظ على وحدته أولا، وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني فيه ثانياً، والعمل على إعادة اعماره وتأهيله اقتصادياً ثالثاً.
وللبلدان العربية على وجه الخصوص مصلحة مباشرة في ذلك لان انهيار الوضع الاقتصادي العراقي أو تقسيمه لن يكون بلا آثار سلبية عليها ولن يكون أقل من آثار الحربين السابقتين وإنما تصل إلى حالة الحرب الأهلية وتداعياتها عليها وتلقيها الآثار المترتبة على أسس غير متوقعة على الدوام.
وهناك أكثر من مليون عراقي مهاجر يعيش في سوريا ونحو (800) ألف في الأردن، و(130) ألف في مصر ومثل هؤلاء في بلدان أخرى حسب تقديرات منظمة العمل الدولية لعام (2006)، وانتقلت رؤوس أموال عراقية بنحو ثلاثة مليارات دولار إلى عمّان وضعفي هذا المبلغ في سوريا، إضافة إلى التوجه نحو المصارف الأوربية في حسابات مجهولة وقد تركزت الأنشطة الرئيسية للأموال المهاجرة في المجالات غير الإنتاجية وخاصة العقارية منها أكثر منها في المجالات الاستثمارية مما ساعد على تضخم الأسعار فيها أكثر من تشجيعها للنمو الاقتصادي، فضلاً عن انخفاض الأجور إثر زيادة العرض في سوق العمل اكبر بكثير من الطلب عليها.
العلاقات الاقتصادية
يفترض بالعلاقات الاقتصادية والتجارية الطبيعية بين بلدين ان تزدهر وتنمو وتعود بالتأثير الايجابي المتبادل مع معدلات التبادل التجاري والانكشاف الاقتصادي، ويتراجع النمو الكلي والقطاعي لكل منهما مع تراجع تلك المعدلات.
وهذه المعادلة يعمل شطرها الأول فقط مع العراق وتتضاعف الآثار السلبية أكثر من انكماش علاقاته الاقتصادية مع دول الجوار لأن نمو العلاقات يزداد تدريجياً بشكل طبيعي بحسب السياسات الاقتصادية المشتركة وعوامل أخرى، إلا أن تردي تلك العلاقات وبشكل مفاجيء في كثير من الأحيان غالباً ما تكون أسبابه الاضطرابات السياسية وليس السياسات الاقتصادية.
وبسبب التكوين الاثني للمجتمع العراقي والموقع الجيوبولتيكي للعراق منذ منتصف القرن العشرين ولحد الوقت الحاضر فضلاً عن عوامل أخرى كلها أدت إلى ارتباط مستقبل العراق سياسياً وأمنياً واقتصادياً وبشكل حتمي ووثيق مع بلدان الجوار الجغرافي له. ولعله من بين العوامل الأخرى عدم وجود سياسات اقتصادية محلية كانت أم دولية يعوّل عليها في التسيير والإدارة المستقلة بما يخلق الاستقرار الاقتصادي المطلوب، ولذلك عقدت اجتماعات عديدة لدول الجوار في مصر ( شرم الشيخ ) وسوريا والأردن ( البحر الميت ) ولبنان وتركيا وايران والسعودية والبحرين، وفي كل مرة تخرج الآراء متفقة على وجود تعقيدات متزايدة في الشأن العراقي وخاصة في الملف الأمني. وأصبح لجامعة الدول العربية حضور أقوى في المشاركة بالاجتماعات لكي تعطي للأزمة العراقية بعداً عربياً في الشرق الأوسط وتؤكد مدى اتساع الانعكاسات عن تأزم دائرة المشكلة الأمنية وامتداد آثارها إلى آسيا الوسطى شرقاً والى شمال أفريقيا غرباً، وذلك من خلال تزايد الاهتمام المصري بالآثار التراكمية لهذه ألازمة على مصير النظامين الإقليمي والعربي وحتى على السلم والأمن الدوليين.
وتنبهت تركيا وايران مبكراً للآثار الانتقالية للأوضاع العراقية على اقتصادها وانعكاساتها عليها، فقد دعا الرئيس التركي السابق (سليمان ديميرل) إلى عقد اجتماع ثلاثي مع كل من سوريا لبحث مستقبل العراق السياسي منذ عام 1992، وتضاعفت المخاوف التركية كثيراً من محاولات التغيير لجغرافية العراق بعد تغيير نظامه السياسي في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق. وقد شاركت تركيا في معظم الاجتماعات المتكررة دورياً كل ستة أشهر على مستوى وزراء الخارجية، وكان التأكيد في كل مرة على الدول الثلاث والاتفاق كذلك على عدم تقسيم العراق أو انفصال أجزاء منه ثم المحافظة على استقلالية العراق وسيادته ووحدة أراضيه.
من جهتها رحبت سوريا بالتغيير في العراق لكنها أكدت على ضرورة إنهاء الاحتلال وآثاره لأنه جلب عدم الاستقرار ليس في العراق حسب وإنما في المنطقة بأكملها، حيث ارتفعت مؤشرات تأجج العلاقات العربية–الأميركية والإقليمية–الأميركية بسبب ارتفاع مؤشرات الفوضى محلياً وإقليميا. وقد عمت آثارها الاقتصادية والاجتماعية وبخاصة سوق النفط والعلاقات المشتركة في المنطقة.
وقد سبق وان رفضت البلدان العربية أي تواجد عسكري لجيوش البلدان المجاورة للعراق فيه وآثرت تأخير إرسال قوات ضمن القوات المتعددة الجنسيات ريثما يتحدد برنامج لاستقلال العراق وإقامة حكومة منتخبة في حال تغيير النظام في حينها.
تكررت المواقف والأصداء على مستوى جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحتى الأمم المتحدة تأكيداً للموقف الإقليمي الواضح من التغيير في المنطقة وانعكاساته على العلاقات المشتركة والمتعددة الأبعاد فيما بين بلدان المنطقة من ناحية وفيما بينها و بين المنظمات الدولية من ناحية أخرى. وهذا هو السبب في عدم مقدرة البلدان العربية على الإقدام على أي خطوة باتجاه التدخل الفعلي في أوضاع العراق أو تبني أي تحرك على الأرض للتعامل مع الأوضاع الأمنية فيه ومع الحكومة القائمة طالما كان ذلك سيتم بوجود القوات الأميركية وأهل العراق. فكانت الإشارات ترسل بخصوص عدم التدخل العسكري التركي أو الإيراني أو حتى العربي مقابل التمسك بوحدة العراق وسيادته وتأسيس حكومة عراقية دستورية كاملة الشرعية؛ بحسب التصريحات مع الإسراع دون التسرع بإعادة التوازنات التي كانت موجودة والمحافظة على مصالح الجميع.
وبذلك لا يتبقى سوى احتمال آخر وبديل ممكن قد يمكن اتخاذه للخروج من الأزمة المعقدة وهو إعادة تسليم الملف الأمني رسمياً إلى الأمم المتحدة لكي تتبنى تشكيل قوات دولية من جيوش غير البلدان المجاورة للعراق وغير المشاركة في الحرب عليه لتحل محل القوات الأميركية. وقد تفضي إعادة بناء العملية السياسية للسلطة الوطنية مع صيغة المقترح المذكور أو بدونه إلى أسس جديدة غير التي قامت وتطورت الأوضاع معها وفي ضوئها، حيث يمكن ان تجدي مليارات الدولارات نفعاً لاستعادة وحدة المجتمع العراقي ثم المضي بالتحولات الأخرى بعد ذلك.
وحيث ان الخيوط الأمنية بتفاعلاتها مع الاستقرار السياسي– الاقتصادي تبدو رهن تعاون البلدان الرئيسية المجاورة للعراق، تركيا وإيران وسوريا فإنها بالمقابل متأثرة بشكل أو بأخر باضطراباته أو باندماجه مع الأسواق العالمية في المجالات الاقتصادية والتجارية الرئيسة في خضم هذه المحن في المنطقة وما لم تتبلور صياغة أمنية جديدة تسهم فيها إسهاما فاعلاً وصحيحاً.
وهناك مسألة مهمة أياً كانت صورة المقترحات التي قد تبرز علاجاً للأوضاع المضطربة بالعراق قبل البدء بإعادة اعماره وبناءه وهي الضرورة القصوى للابتعاد بالسياسات الاقتصادية المترتبة داخلياً عن مهام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الإشراف على الإصلاحات السياسية والاقتصادية اللازمة وفي التشديد على وحدة المجتمع وتنميته، لأن كل التفاؤلات الممكنة في أي توسيع لجهود المسارات الحالية سوف يكون مشكوكاً فيها ان لم تكن مبنية بالقدرات المادية والفكرية والبشرية العراقية البحتة. أما السياسات الدولية وتحركاتها فقد أثبتت عدم صحتها كما حصل مع السفير أشرف قاضي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة بدءً من زيارته للعراق في تموز 2004 وتقاريره اللاحقة.
وقد صحّت مراهنة الأخضر الإبراهيمي المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون مناطق الصراع وذلك في مشاركاته في اجتماعات وزراء خارجية الدول المجاورة للعراق في القاهرة وحول الدور الذي يمكن ان تلعبه دول الجوار العراقي وليس الأمم المتحدة من اجل مساعدة الشعب العراقي في تجاوزه لظروفه الصعبة، في حين أن إعادة بناءه هي مهمة داخلية ومحض محلية ووطنية للحفاظ على البناء.
أما الأوربيون والآسيويون فقد كانوا يفضلون تدويل مثل هذه المبادرات الظرفية ولم يتم التوقع بأي تحرك منهم أزاء ازدياد الاضطرابات في العراق مالم تؤثر على مصالحهم الحيوية وخاصة النفطية منها. ولذا يمكن القول بأن التمكن الموعود لمجموعة البلدان العربية المحايدة عن تطورات الأحداث هي المسار الأفضل والبديل الأنجح لتخطي الأزمة التاريخية في العراق وعند ذاك يأتي الحديث مناسباً وبتفصيل أدق عن الدور البديل للجامعة العربية مع أهمية الأدوار التي يمكن ان تؤديها كل من تركيا وايران وسوريا للمنطقة.
وقد لا تتفوق المخاوف من المطامع الخارجية على مثيلاتها من المخاطر الداخلية لمسار الأحداث الجارية حتى نهاية 2006 واستمرارها على ذلك في العام 2007، وبالتالي فأن مستقبل العراق وقوة اقتصاده المتأتية من وحدة موارده واستخداماتها والتي باتت في دائرة حظر الضياع واستحكام حلقات الاستئثار على حساب مصلحة المجتمع العليا باتت شعاراً لا استشعارا في خضم الإدارات المتعاقبة على الحكم.
الدور الإقليمي لدول الجوار العربية
لعل بيان المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية أو بمعنى أدق " جامعة البلدان العربية " والذي صدر عن الدورة الطارئة بتاريخ الرابع عشر من أيلول 1996 كان أفضل تعبير عن الرؤية العربية المطلوبة في رصدها التطورات الداخلية والخارجية في الاقتصاد العراقي، منذ ذلك الوقت وحتى الآن، فقد أكد ذلك البيان على: " رفض تدخل دول الجوار وطالب بضرورة المحافظة على استقلالية العراق ووحدة أراضيه وسيادته الكاملة عليها وعدم تعريضها لأي خطر أو تهديد بصرف النظر عن الموقف من النظام الحاكم في العراق ".
ولكن المواقف العربية المعبرة عن تلك الرؤية تكررت كثيراً وخاصة بعد وقوع الاحتلال. والتأمت اجتماعات دول الجوار العربية الدورية ومعها تركيا وايران في البحرين ومصر والأردن والسعودية وايران وتركيا ولبنان.. ولم يصدر تأكيد إقليمي أو عربي يمثل ذلك البيان _ لهجةً وتحركاً _ في المحافظة على وحدة اقتصاد العراق ومجتمعه واستعادته لدوره الإقليمي كما في السابق، في ظل الظروف السياسية والمعادلات الإقليمية الجديدة.
لقد حصلت التغيرات وتبدلت الاستراتيجيات باتجاه عدم التدخل كلياً بعدما أصبح العراق مسرحاً للإضطرابات والحسابات.. إلى ان خرج مؤتمر القمة العربية ( الذي عقد في الخرطوم – آذار 2006 ) في احد مقرراته بأهمية العراق الموحد المستقل وحسم موضوع الوضع الداخلي باتجاه عودة الاستقرار بالوقوف على الأسباب التي أفقدته إياه، وكان يتوقع التحرك وفق شيء ما إلا أنه لم يتخط حدود العنوان الذي حمله في احياء الإخوة والتضامن العربي في الهواء وليس على الأرض.
وطالب البيان الصادر عن المؤتمر القومي العربي ( الدورة السابعة عشر في الدار البيضاء في أيار / 2006 ).. طالب البلدان العربية بتحمل مسؤولياتها تجاه العراق واتجاه ما يهدد وحدته وعروبته. وحذر من التمادي بتجاهل خطورة الموقف فيه وما ينجم عنه من تبعات على استقرار المنطقة. وحذر البيان من سياسات التنمية التي أسماها بالمشبوهة للمؤسسات الدولية تحت عناوين الإصلاح وإعادة الهيكلة، ودعا إلى تعزيز التوجهات القومية للتنمية بالتركيز على تكامل الاقتصادات العربية وتحقيق انسيابية طبيعية للموارد الاقتصادية والبشرية وتوسيع السوق ووحدتها. انتهى العام 2006 ولم تشهد المنطقة سوى التصريحات والتعابير عن القلق والمخاوف من الإخلال بمستقبل التوازنات القومية والأثنية في العراق بسبب التدخلات الخارجية فيه.
وتميز الموقف السياسي الدولي من قضية تفتيت الاقتصاد العراقي التي افترضتها السطور الأولى من هذه الدراسة. بالتحفظ بعيداً عن جادة الصواب في السياسات الاقتصادية والعامة المرهونة بالاحتلال. واتخذ التحفظ الدولي طابعاً غير مسبوق الرّهان، وعلى صعيدين، الأول: في إدماج معالجات الملف العراقي ضمن ملفات أخرى للإستراتيجية الاميركية وهي ما عرف (بالشرق الأوسط الكبير) أو (الجديد) و(الشرق أوسطية)، بدلا من تحمل المسؤولية عن انقشاع الموقف زيف الأسباب التي قام عليه الاحتلال والتغيير.. وما آلت إليه الأوضاع من تدمير للاقتصاد العراقي والفشل بإقامة نظام اقتصادي بديل وكل ذلك بدون تفويض دولي أساسا؛ والثاني: رهن المواقف الاميركية في العراق ومستجداتها وتطورات الأحداث فيه بما يدعم الحزب الحاكم في الولايات المتحدة ودعاياته الانتخابية وليس بمصلحة العراق نفسه أو مستقبله في المنطقة.
بهذا الانعطاف التاريخي لتطورات الاقتصاد العالمي في الشرق الأوسط تركت الصورة المنتظرة لمستقبل اقتصاد العراق مرن نتيجة الصراع الداخلي الدائرة فيه وتصادم المصالح الجزئية ولما سوف تسفر عنه وبذلك فأن الخاسر الوحيد في جميع الأحوال وكالمعتاد هو المجتمع العراقي، بتحمل تكاليف استنزاف الثروات النفطية والسياسات الاقتصادية والعلاقات الأحادية الجانب في التعامل مع الأحداث فضلاً عن طابع الفساد الإداري والمالي الذي أوصل العراق إلى صدارة قائمة الفساد المالي وفي المراتب المتقدمة فيه.
مع هذه المسارات استحكمت أركان المثلث الحرج بالاقتصاد العراقي (كفاءة اقتصادية وكفاية اجتماعية وبيئة وافية) بعيداً عن الموازنات الطبيعية في مجالات الأمن والتعاقد الاجتماعي تحت سلطة الاحتلال، وأفضت به إلى أركان أكثر عصفاً بكيانه المستقبلي وهي تدهور حالة البنى التحتية والأساسية وتفكك أثني تصعب إعادة التئامه تحت حالة من الفراغ والغياب للنظام المسؤول عن صياغة السياسات الاقتصادية وتنفيذها.
وعندما اتجه العراقيون عام 2005 إلى الاقتراع لممارسة أول التجارب التحررية الجديدة كانوا يفترضون ان هناك تنمية واعدة في الانتظار وسفر مناسب للتعاقد الاجتماعي هو الأفضل بما يكفل المحافظة على الأرض وما بداخلها ومن يعمل عليها. وعندما وجدوا ما حصل من تهميش بعضهم لبعض وتبديد للثروات من جانب والتسابق في مواصلة الهدم لا إعادة البناء بدوافع أثنية من جانب آخر حدت بهم إلى العزوف عن المشاركة التي كانت مقررة للاستغناء الشعبي لعام 2007 بصدد قضايا مصيرية مثل مدينة كركوك، وارتباط هذه المسألة وتطوراتها بمنظار إقليمي هو نظر تركيا إليها على أنها تطورات خطيرة تمثل تهديداً لأمن العراق ووحدته إقليميا وصعوبة إرجاع العراق إلى ما كان عليه في حال الاقدام على المضي بهذه التطورات.
وتقوم تركيا بدور مهم في فك ارتباط سوريا عن لبنان ومتواصلة في استخدام الدبلوماسية الدولية وسياسة الإقناع مع دمشق، وربما تعتقد تركيا بأن هذا الدور سوف يخولها المساهمة بانفراج الأجواء العراقية بهدف استعادة العراق لمكانته الدولية التي انعكست سابقاً في ازدهار التجارة الدولية والسياحة في المنطقة ومسعى للجيرة الحسنة في التنمية المشتركة للمنطقة. وتركيا معروفة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية في إيران ويفترض بها كذلك في العراق، ولذلك تدعم الحل التوافقي للدبلوماسية الدولية ومبادرات الاتحاد الأوربي من مواصلة جهود إيران للحصول على التكنولوجيا النووية لأغراض الطاقة السلمية.
وقد تأثرت تركيا بخسارة اقتصادها لشريك تجاري مجاور ومهم بعد الحصار الاقتصادي على العراق وتراجع صادراته النفطية عبر منفذها، وتميز موقفها من الحرب على العراق بالإصرار على عدم السماح باستخدام القواعد العسكرية الاميركية على أراضيها للانطلاق منها في مهاجمة العراق. وصمدت امام الضغوط الاميركية عندما هددتها بقطع المعونات الاقتصادية عن أنقرة ثم لجأت إلى التلويح بتقديم مساعدات مالية تصل إلى ست وعشرين مليار دولار ومع ذلك استمر البرلمان برفض ان تكون تركيا طرفاً في تلك الحرب.
والتزم الأتراك كعادتهم بالحيادية في التعامل مع ألازمات الدولية الكبيرة وبقيت الجبهة الشمالية للعراق آمنة مع حرص الموقف التركي على الحفاظ على استقرار العراق والاستفادة من اقتصاده سوقاً متميزة للسلع والبضائع التركية وتطوير العلاقات الاقتصادية المشتركة وبعيداً عن التيارات الأثنية والدينية التي تؤثر على الاستقرار.
ورغم ذلك فقد بادرت تركيا بعد احتلال العراق إلى الاعتراف بمجلس الحكم المؤقت الذي أعلن في بغداد في 13 تموز 2003، رغم إعلان حالة التأهب على الحدود المشتركة من اجل حمايتها من التداعيات، وسعت إلى استغلال فرص الاستثمار المتاحة في العراق من خلال عملية إعادة الاعمار فيه والدخول في مناقشات للحصول على عقود لمواصلة التطور المشترك والنمو الاقتصادي للبلدين. ولذا توخت تركيا عراقاً موحداً ومستقلاً واقتصاداً ديمقراطياً مستقلاً لأن استقراره يرسخ مجالات التعاون الكثيرة ويعود بالنفع على النمو المشترك. وهي بخلاف إيران التي لم تقدم ما يدعم القناعات الدولية بحرصها على الخصائص المذكورة للعراق.
أما سوريا التي رحبت بالتغيرات التي حصلت في العراق فهي تعرف ان العراق لا يدعم سياسة العزلة الكاملة للاقتصاد السوري عن العالم وان العراق يبحث عن مجالات الترابط والتزام الطبيعة التي تمكنه من التقارب السياسي والاقتصادي منها, غير ان مجريات السياسات الاقتصادية الدولية في المنطقة تقوض ذلك التقارب لأسباب كثيرة من بينها وفي مقدمتها الفشل الأميركي في العراق.
ومع ذلك فقد أصبح المجتمع العراقي يعاني من الحالة المماثلة للمجتمع الفلسطيني دون استطاعة احدهما تقديم موقف من معاناة الآخر، وان تقويض التماسك الداخلي يؤثر في أوضاع الآخر وفي أوضاع المنطقة بالكامل، والشيء ذاته يقال مع تداعيات حالة الأمن في لبنان. والأردن بلد صغير الاقتصاد رغم تقاربه مع التوجهات الغربية في إسناد حالة الأمن في العراق ويسعى إلى أبعد من ذلك في استقرار العراق وإرجاعه إلى المجتمع الدولي محرراً وعلى أساس اقتصاد السوق لا اقتصاد الدولة بعد التأثير السلبي البالغ بما حصل من تغيرات في العراق على الاقتصاد الأردني رغم المساعدات الاميركية التعويضية له.
وهناك دور كبير بنظر كل من السعودية والكويت باتجاه تعزيز حالة الأمن والمساعدة في استقرار الأوضاع في العراق إلا انهما غير قادرتين على فعل شيء بسبب التركيبة الشرق أوسطية التي أحلتها أميركا بالمنطقة بعد الحرب على العراق والتزام السياسات الخارجية العراقية لتوجهات الاحتلال والتركيز على الداخل أكثر من التركيز على الخارج الأمر الذي جمد الكثير من المساعي الحيوية الممكنة وترك المعالجات الداخلية للاقتصاد العراقي لأصحاب الشأن فيه، وأبقى على إشكالات اقتصادية قائمة قبل ديون العراق السابقة والتأرجح بين شطبها وبين اعتبارها قروضاً أو دعماً سابقاً فضلاً عن أنواعها واحجامها ومسائل أخرى غيرها...
إن إعادة بناء اقتصاد العراق ومن ثم تنميته والنهوض به لايمكن ان ترى النور بهذه الصيغة السياسية الحالية وهو يرزح تحت السيطرة الاميركية، وبدون معالجة حقيقية مشتركة لعوامل أمنه واستقراره، ويقتضي جوهر المعالجة إعادة النظر بهيكلية الإدارة العامة للدولة ولأسسها الجيوبوليتيكية، طالما ان حقيقة البناء والتنمية هي تنمية بشرية وعمليات اجتماعية بالمقام الأول وسوسيولوجية اقتصادية مادية حضارية بالمقام الثاني، لها قواعدها وشروطها الخاصة بها، إلا ان المطالب المبدئية للعمل بهذه الستراتيجية يمكن حصرها بما يأتي: عدالة توزيع الثروة الوطنية النفطية على أساس عدد الأفراد لكل محافظة والكثافات السكانية للمحافظات وليس على أساس الحجم الجغرافي أو البعد الكتلي في الحكم. مع التطمينات اللازمة امام المجتمع سبيلاً لأمن يكون مدخل الثروات الاقتصادية مقدمة لحل المشكلات غير الاقتصادية الأخرى القائمة في العراق، شفافية النظم والعمل في الإصلاحات السياسية والاقتصادية وجديتها وداخلية انبثاقها وليست مصدرة من المنظمات الدولية، أي ان تكون نابعة من الداخل وغير مسوقة من الخارج، مع اتسامها بالاستقلالية والوضوح، ان يضمن العراق تعاون جامعة الدول العربية في تقديم كافة القدرات التي تتيح وجود قوات عربية للسلام ومساعي مسبقة تضمن مشاركة جميع مكونات المجتمع للعمل بخطة سلام عربية في العراق وغير ذلك من مقدمات الحكم الجيد في إدارة التنمية الاقتصادية.
ولا بد من تعاون دول الطوق والجوار العراقي في القيام بمسؤولياتها بدعم عمليات الحفظ على وحدة اقتصاد العراق واستخدامات موارده وتماسك مجتمعه بما يعيد للعراق كيانه وتوازناته في المنطقة والمصالح المشتركة والاستفادة من مكاسب النمو الاقتصادي الإقليمي للمنطقة. وداخلياً تبني أسس الحكم الجيد في كل مستويات الإدارات العامة وخاصة ما يعرف بالتضمينية التي تضمن حق المشاركة لكل أفراد المجتمع، والمسائلة التي تضمن حق مساءلة كل من يتولى أمراً في البلاد فضلاً عن الأسس الأخرى التي تعمل بوصفها مقومات للحكم ولا مستدامة التنمية البشرية في المجتمع. وكذلك تقديم ولاء الوطن في المسؤولية التي تلتقي مع هدف صيانة ثروات البلد على أية ولاءات أخرى، وعدم إشراك الجهات الدولية في الاستثمار والإنتاج والتصدير، والتخلص من كل الاتفاقيات طويلة الأجل والعقود والامتيازات التي منحت تحت الاحتلال لكونها انتهاكاً لحقوق الأجيال القادمة.
وعليه يصعب القول من وجهة نظر تنموية سياسية اقتصادية اجتماعية ان النهوض باقتصاد العراق وكذلك إعادة اعماره وتنميته ومن ثم استعادته لدوره الإقليمي بمعزل عن توفر الأمن والاستقرار الداخليين كشرط ضروري لذلك، ومن بين أهم المحاور المهمة التي ينبغي الأخذ بمعالجاتها: عدالة توزيع الثروة النفطية في العراق على أساس الفرد الواحد والكثافة السكانية، وليس على أساس محافظة الوفرة النفطية أو الإقليم أو غير ذلك، وهذه قد تكون بداية لحل مشكلات سياسية كثيرة.
كما أن التغييرات والإصلاحات السياسية والاقتصادية التي يتطلبها اقتصاد قوي في العراق هو رهن بجدية الإصلاحات الداخلية، ثم مدى إلزام العراق لجامعة الدول العربية وللدول المجاورة بالتعاون معه فيها. ولابد من آلية حكم تتكفل بالقضاء على أخطر مشكلة اقتصادية في البلاد، وهي الفساد بكل أشكاله الإدارية والرادكالية وان يتكفل الحكم بالسياسات والبرامج الاقتصادية التي تكون معلنة وشفافة قبل إقرارها. بحيث تكون مدعمة من قبل ذوي الاختصاص في المجتمع المدني فضلاً عن المؤسسات الرسمية، ومن البرلمان الوطني وفق ركائز الحكم الجيد والتنمية المستدامة.
ملاحظة: جميع المصادر والمراجع المعتمدة سيتم إدراجها في الصيغة النهائية للبحث وينشر بعد مناقشة مباحثه. ولذا يستقبل الباحث الملاحظات والمداخلات الخاصة بالموضوع مع الشكر على العنوان لمركز الدراسات الإقليمية أو عنوان الباحث.
***
---------------------------------------------

The Iraqi Economy: Regional Relations
And Responsibilities
Dr. Nawfal Kasim Ali Al- Shahwan
Head of Economic & social studies Department,
Regional studies centre (RSC), Mosul University, Mosul, Iraq
Abstract
This Study tackles the methods of Iraq's regaining its economic promotion, its regional ties and its crisis upon the region. Then there is the concentration on regional role of the neighboring states in stabilizing its conditions with the probabilities of success for better economic and regional role.
The study also aims to orientation of the main aspects which are possible for Iraq to build better regional and economic relationships. Also it aims to select the alternative in case of lack of catching – up promotion and to continue in waste and crises without usefulness.