المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مِن (نيرون) إلى (بوش الصغير) - د.شاكر مطـلق



الدكتور شاكر مطلق
30/03/2008, 10:14 PM
مِن " نيرون " إلى " بوشْ " الصّغير
د. شاكر مطلق
دخلَ الإمبراطورُ الرّوماني" نيرون " بوابةَ التاريخ من بابها العريض الوَسيع – كما يقال - ولكنه دخله من البوابة السوداء أيضاً ، فلتاريخ العديدُ من الأبواب والبوابات ، ومن الدّهاليز والأقباء – جمع قبو – وكذلك مِن العروش والمَزابل وما بـينهما .
لقد التصق باسمه الكثيرُ من الأعمال غير المشرِّفةِ ولإجراميّة أيضاً حتى على أقرب المقرّبين إليه ، حيث بقيَ – كما وصلنا – يضرب ويـرفس زوجه الحامل حتى قضت نحبَها . أما التهمة الأشهر التي التصقت باسمه ، وهي قيامه بحرق عاصمته " روما " – 64 م. - ليستلهِم المشهدَ شعرياً وموسيقياً ، وكان من المهووسين بهما وبالتمثيل أيضاً ، هذه التهمة غير حقيقيةٍ لأنه كان خارج عاصمته عندما احترقت عاصمته التي وصلها في الوقت الذي أخذت النيران فيه تلتهم قصره . أمر بَـعدها بإعادة بناء " روما " بالحجر ومنعَ البناء بالأخشاب ، كما كان الوضع عليه في السابق .
التهمت هذه العملية الأموالَ الطائلة وأفرغَت خزينةَ الدولة ، ولاسيما أنه بالغ في البذخ وفي بناء المسارح والحمامات والملاعب ... الخ ، مما دفعه إلى فرض ضرائبَ عالية ، ليس على أفراد الشعب العاديين فحسب ،الذين كانوا يحبونه بسبب مقولة ( أعطِ الشعبَ خبزاً وألعاباً )، ولكن على الأثرياء والإقطاعيين أيضاً وتعادل عُشْر ما يملكونه ، مما جلب عليه نقمتهم ونقمة مجلس " السِّينات " – الشيوخ – الحاكم ، وبخاصة بعد أنْ أسرف في ممارسة نزعته الفنية وأخذ يظهر أمام العامة كممثل على خشبة المسرح ، ناهيك عن مِزاجيَّـته المُـفرطة في التخلص ممن كان يحسبه عدواً له ، وإن لم يكن كذلك حقاً .
عندما أعلنت منطقة " غاليا " التمردَ على روما وطالبوه باتخاذ إجراءات حيالها ، أعلنَ أنه سيذهب مع قواته إلى هناك ليحلَّ الأمر ، ولكن ليس بالسيف وإنما بالعزف أمامهم والغناء حتى تجري دموعهم ويعودون طوَاعية إلى حظيرة روما .
عندها أدرك مجلس الشيوخ أن لا مناص من التخلص منه جسدياّ ، بعد أن فشلوا في العثور على من يتخلص منه ، أعلنوه عدواً للدولة ، مما يعني تلقائياً إباحة دمه ، واستناداً إلى العرف السائد يومها إلى الانتحار الطّوعي ، وهذا ما حصل معه بعد هروبه من " روما " وانكشاف مخبئه الجديد ، وربما تمت عملية انـتحاره بمساعدة خَفيّة ما .
كان " نيرون " يعتبر نفسه إلهاً ، وليس محمِياً من الآلهة فقط ، لأنه لو لم يكن كذلك – على حسب زعمه – لوُجِدَ هناك منْ يردعه ويحاسبه .
كان هذا قبل ألفي عام من زمننا الحاضر الذي أتحَفنا – في ظل عَوْلمة العالم السّفليّ – بنيرون من طراز جديد لا يقل جنوناً وإجراماً عن سابقه. ماذا إذن عن النسخة الجديدة منه المسيطرة اليوم على مقدرّات العالم وشعوبه ؟.
روما لم يحرقها " نيرون "وإن تسبب بشكل ما في خرابها . نيرون الجديد لم يحرق " دار السلام " التي تبعد عن بلده آلاف الأميال فحسب ، وإنما حرق ودمّر ، ولا يزال ، بلاداً بأكملها وقضى بطائراته وصورايخه غير الذكية على أوابدَ أثرية أيضاً هي ملك البشرية جمعاء ولا سبيل بعد هذا الخراب لإخراجها من باطن الأرض الذي دمّرته وسمّمته ولوّثته نزواته العدوانية .
إن كان " نيرون " قد اعتبر نفسه إلهاً – وهذا ما فعله أيضاً " الإسكندر الثالث " ( الكبير ) بعد غزوه الشرق – فإن " نيرون " العصر يعتبر نفسه منفّذاً لمشيئة إلهية فوّضته بأن يعلن الحربَ على الشر ، وبالطبع على دول الشّر التي يصنفها حسب مزاجه في كل جهات الأرض ، وبخاصّةٍ إذا كانت تنتمي إلى بلاد العرب والإسلام . " نيرون " - روما أفرغَ الخزينة من أموالها للبناء والترف على الأقل ، بينما النسخة المعاصرة أفرغت أو كادت خزينة بلده بإلقاء الدمار على الشعوب وبتطوير أسلحة فتاكةٍ ، ومنها القنابل العنقودية المحرمة دولياً ، ناهيك عن تطوير أسلحة الدمار الشامل التي يمنعُ الآخرين حتى من استعمال طاقتها النووية ولو لأغراض سلمية ، بينما يسمح لكيان مجرم معتدٍ زُرع في قلب الوطن العربي أن يمتلكها ويهدد بها السلم الإقليمي وربما العالمي أيضاً . النسخة الرومانية من الطاغية كانت تتخلص من أفراد ( معادين ) له فحسب ، بينما النسخة المعاصرة تتخلص من شعوب بأكملها ودون رادعٍ أو حسيبٍ .
المقارنة تطول والموضوع يستحق أكثر من مجرد هذه اللمحة العابرة ، وربما جاء يوم يعلن فيه شعب الطاغية الجديد هذا المسخ عدواً للدولة وللمجتمع الإنساني بعامة ، فهل سيمتلك عندها الشجاعة لأن ينهي حياته بنفسه ؟ أم أنه سينتهي في سجون محكمة دولية حقيقية تضع المجرمين الحقيقيين وراء القضبان ، وليس كل من كان معارضاً لسياساته الحمقاء وعدوانيته المفرطة ؟!...
================================================== =====
حمص – سورية mutlak@scs-net.org :E.Mail