المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما بين وحدة الأرض ووحدة الشعب



إسماعيل حمادة
06/04/2008, 10:30 AM
(1)

الأرض .. يامجدها!

قليلة هي المواقف والمواجهات، في تاريخ أمتنا المعاصر، التي عبرت عن إرادة خالصة منزهة عن الأغراض المختلطة بخصوصيات "موجهيها" الشخصية أو الفئوية أو الفكرية.

من هذه المواقف والمواجهات معركة ميسلون التي كانت قراراً قومياً خالصاً اعتمد فيه القائد منهجية الهجوم المعاكس المباشر على الإرادة الأجنبية الطاغية المعتدية، لا منهجية الدفاع الخاسرة في جميع الأحوال وجميع مجالات الحياة، ودون أن يدخل في معادلة قراره حساب الربح والخسارة من الزاوية الشخصية، واستشهد وتمجد وتمجدت فيه الأمة.

من معركة ميسلون إلى يوم الأرض .. أدوار من الصراع والتضحيات، وأفواج من الشهداء، ترسّخت خلالها بالحديد والنار وبالاختراقات الثقافية والفكرية تقسيمات سايكس بيكو وقرار القوى الدولية بتنفيذ وعد بلفور، وتراجع النفس الصراعي – الهجومي تدريجياً، حتى التسليم شبه الكامل للقوى الدولية بحق تقرير مصيرنا في فلسطين وفي غير فلسطين تحت ذرائع ومبررات متعددة، تقع جميعها تحت عنوان العجز الذي وصل على الصعيد الرسمي والأكثريات "الصامتة" إلى التخلي حتى عن "الدفاع".

من هنا يتخذ يوم الأرض قيمة وأهمية جذرية استراتيجية استثنائية، بعد ثلاثة عقود من قيام حكم الاستعمار الاغتصابي الإفنائي في فلسطين، وبعد البيعة الثانية لفلسطين الحاصلة عام 1967. ففي أوائل عام 1976 فعّلت حكومة العدو الإفنائي في فسطين "قانوناً للأراضي "يسمح" لها بمصادرة الأراضي تحت مبررات ومسوغات متعددة. وقررت تنفيذاً لهذا "القانون" مصادرة خمسة آلاف دونماً من الأراض في خراج بلدة سخنين، في منطقة الجليل. فتنادى أهل البلدة والقرى المجاورة إلى اجتماع عام ومظاهرة في سخنين، احتجاجاً على مصادرة الأرض. وقد فشلت القوى الأمنية والمخابراتية العدوّة في منع الاجتماع الذي حصل في 30 آذار 1976. لذلك لجأ العدو إلى مهاجمة المتظاهرين العزل بالأسلحة النارية، وحصلت معركة بين المتظاهرين والعدو تمجد فيها ستة شهداء، ثلاثة منهم من سخنين، كما حصلت عدة إصابات في صفوف العدو.

إن أهمية هذه المعركة تتجسد بالنقاط التالية:

أولاً: أن امتنا كلها بمبادرة شعبية أصيلة تحيي ذكرى هذه المعركة كل عام كما تحيي ذكرى ميسلون.

ثانياً: إن هذه المعركة قد حصلت بإرادة شعبية خالصة، دون أي فعل "للقيادات" المقيّدة بالنظريات الجاهزة المعلـّبة والشعارت المقولبة وقوالبها.

ثالثاً: أنها حصلت في المناطق المحتلة عام 1948 التي تخلـّت عنها "القيادات" بالاعتراف بالحكم الاغتصابي الإفنائي فيها. فتمردت أرضها في وقفةٍ تنادى فيها أهلها أن عودوا إلى أرضكم التي لا تقبل الزرع المسموم ولا الحكم الموهوم. إنها خطوة مفصلية على طريق العودة والوحدة الوطنية الحقيقية.

إن مواقف شعبية عديدة ومواجهات مشهودة لا تزال تحفظ وجود الأمة وأصالتها وتسجل دوماً دروساً على طريق العودة، كان أعظمها بدون شك معركة تموز 2006، ومن أبرزها معركة حاجز رفح الذي جرفته السواعد الخلاقة والصدور العارية المؤمنة في المواجهات الأخيرة في غزة، وإننا نعلن يوم جرف حاجز رفح ذكرى قومية بامتياز على طريق العودة والوحدة الوطنية.

إن صرخة ميسلون وسخنين ورفح تتجدّد فينا في كل تموز، مع دروس الجغرافيا والتاريخ.

(2)

الوحدة الوطنية

من الشعارات التي كثر تداولها في المرحلة الراهنة، خلال التهاب الأزمات الفلسطينية الأخيرة، شعار الوحدة الوطنية الذي يُطرح كعلاج سحري للصراعات والخلافات الجذرية حول مفاهيم وممارسات تتناول المصير العام للفلسطينيين، دون أن يتكون حولها حد أدنى من الفهم المشترك أو الرأي المشترك أو السلوك المشترك. مع العلم أن شعار الوحدة الوطنية هو نفسه من المفاهيم غير المتفق عليها.

ومن مضمون التصريحات لهذا الشعار والحيثيات التي رافقتها نكتشف بأن "الوحدة الوطنية" العتيدة هي التوافق في موقف آني بين قطبي السلطة المنفسخين عن بعضهما البعض مع منظمات وحركات أخرى، من أجل تشكيل "وزن" في التفاوض وضبط العلاقات مع الاحتلال الإفنائي المغتصب.

ونسمع في بعض الأحيان مناداة بالويل والثبور على مواقف وآراء تنقصها "المرونة" السياسية، وتسيء إلى "الوحدة الوطنية". دون أن نسمع مرة واحدة ما هو النهج المنشود المستمر بعد تحقيق هذه الوحدة الوطنية السحرية التي ستمطر علينا انتصارات أكثر كثافة من المطر الإستوائي. أم أن الهدف هو فقط الحد الأدنى من هدن عدم الإقتتال في ظل هدن حقيقية للعدو؟؟

وهل ستنهج هذه الوحدة الوطنية نهج تحرير فلسطين الجغرافية التاريخية؟؟ وما دخل أعمدة السلطة بها في هذه الحالة؟؟ وهم نتاج اعتراف علني أو ضمني بحق ٍ للعدو في أرضنا ...
أم أنها ستنهج نهج البرنامج المرحلي الذي طوّب فلسطين 1948 للاغتصاب الإفنائي ؟؟ وما دخل حاملي شعار التحرير بها ؟؟ وأين يقفون منها ؟؟

مما يحدونا إلى الاستنتاج أن لا هدف لأي شعار أو برنامج سياسي أو مفهوم أو منطلق إلا بالتحديد والتعيين اللذين يوفران جهوداً عقلية كبيرة وتجارب فاشلة كثيرة.

فالوحدة الوطنية الفلسطينية الحقيقية هي التي تجسد وحدة إرادة جميع الفلسطينيين بشأن مصالح فلسطين المبعثرة. وفي المقدمة منهم أولئك المنزرعون في فلسطين 1948، وفي الدرجة الثانية المبعدون قسراً واقتلاعاً من ترابهم الذين اجترحوا معجزة "المخيم"، نبع العطاء والإبداع وأمواج الشهداء. وفي الدرجة الثالثة المعانون بصبر وعناد من كابوسين: الأول- كابوس العدو الاغتصابي الإفنائي، والثاني- كابوس الذين يقتتلون على حكمهم وهم لا يزالون تحت حكم الاغتصاب.

هؤلاء جميعهم هم الذين يجسدون الوحدة الوطنية الحقيقية. والذي يمتلك خطة تجمع هؤلاء وتجد عملاً سياسياً فاعلاً مؤثراً لهم يحقق مفهوم الوحدة الوطنية، فليتفضل بعرضها وشرحها وتحديد وتعميم نهجها وأهدافها القريبة والبعيدة.

وإلى أن تعرض خطة منهجية من هذا النوع نقول: أن الوحدة الوطنية مطلب وليست طلباً، تتحقق في عقول الناس ووجدانهم الاجتماعي الوطني اللافئوي أولاً وآخراً. وهي ثانياً واقع طبيعي قائم في وحدة الأرض والشعب وليست توافقاً تلفيقياً مصطنعاً.***

(3)

يوم الأرض بين الحدث والذكرى .. من 1976 إلى 2008

في يوم الأرض ،30 آذار 1976، جدد الفلسطينيون في المناطق المغتصبة عام 1948 إطلاق رسائلهم الواضحة وقولتهم الأولى والأخيرة، إلى العالم وإلى العدو وإلى شعبنا، بأن:

• أرضنا لا تقبل الزرع المسموم .. وكل تقنيات التسميد المصطنعة ووسائل الري الحديثة، لم تثمر .. واقتلاع هذا الزرع وتطهير الأرض منه، لا راد له.
• أرضنا .. أمنا الكبرى، لا ترتوي إلا من دمائنا.
• الإثم الكنعاني لا يزال فاعلاً فينا فداءً وبعثاً.
• نحن نُعبًد لأنفسنا طريق عودتكم بشراييننا وعظامنا وضياء عيوننا.
• لم ولن نذوب إلا في عروق أرضنا الممتدة في كل اتجاه حتى آخر وتد في خيمة في آخر مخيم، وحتى آخر ذرة تراب من أرضنا القومية.

وبغض النظر عمن فهم الدرس ومن لم يفهمه، وبدون اعتبار لحسابات اللحظة في الربح والخسارة ..حيث المهم أن تكون الأمة هي الرابحة في النهاية، فقد نُسِفت صفة "عرب إسرائيل"، لأن الهوية واحدة لا تتجزأ ولا تتلون ولا تتلوث. وأمحت صفة الاستكانة والاستضعاف لأننا لسنا ضعفاء إلا إذا أردنا أن نكون ضعافاً، ودم كل شهيد هو رصيد ذخيرة في معركة التحرير.

يفرض الحدث ذكراه في كل عام تجسيداً بدم الشهداء وتمجيداً على يد الشرفاء، مع تدرج في تنوع المشاهد ونبض المشاهدين.

فبعد هزيمة بيروت عام 1982 والخروج المعيب، وبعد تأديب العراق بالعصا نفسها وبالطريقة نفسها التي يؤدب بها الفلسطينيون، وبعد الدخول في نفق أوسلو واتفاقيتها الانتحارية، وبعد وادي عربة وإجراءاتها التجارية، وبعد وثيقة جنيف التي تشبه وجوه موقعيها، وبعد الانتفاضات الشعبية التي فرضت احترامها على العالم، إثر المجازر التاريخية، والتي كانت تختم بهدنات تحل أزمة العدو وتخرجه من العي والإرباك. وبعد خروج الغزو الهمجي من لبنان عام 2002 بالشحاطات، وبعد حرب تموز وعنتريات بيريس التهريجية وفشل جيشه الصبياني المسلي. وبعد مأثرة أبو دهيم في كبد التنين على أكف أحرار الجليل. وبعد جرف خازوق سايكس – بيكو في رفح على يد الجياع والمرضى النازفين. وبعد ملحمة جباليا التي قصًت زمن العدو.. تأتي ذكرى يوم الأرض الثانية والثلاثين في ظل خيمة "هدنة" جديدة للعدو، وفشل وساطة هدنة بين العشائر الفلسطينية المتعسكرة والمتفاوتة في البعد عن نطاق تأثير قرار العدو...

تستدعي الذكرى إعادة نظر دقيقة في المسلسل المتعرج الذي عرضنا، لأن نارها لم تتقد إلا في عيون الأطفال والزهرات والفتيان الذين لم يخبروا بعد أزمة أدعياء القيادة مع الجدية والصدق والمعرفة والثقافة والنظام...

إنه درس من مخيم اليرموك يستوجب تعيين وكلاء إفلاس قانونيين وشرعيين للذين يحملون شعارات المقاومة والتحرير في أسماء تنظيماتهم. إنه درس جديد من الذين قالوا لشهداء يوم الأرض: لا نريد أن نسمعكم، لسنا منكم ولستم منا. إن شروط الاعتراف والسلام لا تسمح لنا بالتعرف إليكم.

وقد سمع أحرار الجليل وشهداؤهم هذا العويل وسيأتي ردهم فاصلاً. أما المخدوعون بقياداتهم فلم يسمعوا بعد ولم يدركوا ولم يعوا.
في فمنا ماء ونار ودماء. فليرعو ِ الذين يتعاملون في شؤون المصير العام كما يتعاملون مع أدوات زينتهم وكماليات حاجاتهم. ليرعو ِ صبيان الحارات من درس مسيرة زواريب الحارات .. فليس لأرضنا العذراء المقدسة مثل هذا التكريم.

* * *

(4)

من هنا ← ←

لم تضرب تقسيمات سايكس – بيكو خلال عقود الصراع الناتج عنها ضربة استراتيجية عملية (لا نظرية) كتلك التي وجهتها إليها زخات الدم الحار المنطلقة من تحت حصار غزة، بجرف معبر رفح وفتحه بالاتجاهين .
وهذه الضربة ليست من تخطيط "قيادات عبقرية متجذرة في العمل السياسي ومتجذر فيها. لكنها تجسيد عفوي للألم والمعاناة والجوع والقهر المفروضة بالحديد والنار والدم (وتواطؤ أولاد العم) على الغزاويين، ومعظمهم من الفقراء والبريئين من الفئويات الشعاراتية.
لذلك جاءت ضربتهم محكمة وآثارها فاعلة وملحوظة، فأصابت " بالصفنة" العدو والعبيد وعبيد العبيد، فاستنفر الجميع للدفاع عن قواعد عجز شعبنا وللقضاء على هذا الوعي "المفاجئ" للذين يجهلون أصالة الشعب ونفسيته.
ومن أخطر مميزات هذه الضربة على الخطة المعادية أنها جاءت في زمن يجهز فيه الأميركان المتهودون خارطة تقسيمات جديد أمّر وأدهى من تقسيمات سايكس – بيكو، تطل برأسها في العراق وفي لبنان، في حين يهمل المنشغلون والمشتغلون بالسياسة ضرورة (إسقاط مفاعيل سايكس – بيكو) عملياً لابالبرهنة والتنظير، ليعود جسد أمتنا إلى قابليته للحركة الطبيعية والنمو السليم.
وهذه الضربة الشعبية الأصيلة الموفقة قد أدت باستنفار العدو إلى إعادة نظر في التعامل مع هذا الكنعاني العنيد الذي يعرف كيف ينتصر لمصالحه وكرامته وهونازف تحت المقصلة، فتنتفض أوصاله المقطعة وتعود إلى مجاريها الطبيعية دون حاجة إلى جراحة الأطباء والدجالين ولوائح عقاقيرهم الطويلة.
إن جرف خازوق سايكس – بيكو في رفح يكاد أن يوازي بفعله في معنويات العدو وقواعدتفكيره ما أحدثته حرب تموز من انهايارات وتغييرات وحسابات " منها الجاري ومنهاالمديد".
وقد أظهرت هذه الضربة، بالإضافة إلى معانيها السياسية الاستراتيجية، مدى التأثير السلبي لتقسيمات سايكس- بيكو على الشأن الاقتصادي، زكم هو مناقض لذلك فتح المعبر ولو ساعات قليلة، فيجري الدم في الجسم بسرعة فائقة فتبدو مظاهر العافية والارتياح فوراً دون حاجة حتى إلى نقاهة، مما يزيد في ارتعاب العدو وعبيده.
إن شعبنا يحتاج إلى درس دقيق لظاهرة رفح التي دخلت التاريخ من الباب الواسع. كما لا يزال يحتاج إلى تدقيق في ظاهرة حرب تموز 2006.
ولعل الأكثر حاجة إلى هذه الدروس هم بعض الذين لا يزالون يحملون عنوان التحرير في أسماء منظماتهم وينتظرون مناسبة الفرج للتخلص من هذا العبء الذي لا يناسب "صحتهم الغالية" وهم يحتجزون المارد الشعبي في زجاجاتهم الراكدة ركود المستنقعات، ليقوموا بدورهم في حماية بوابات سايكس- بيكو التي يتمترس ورائها إما العدو وإما عبيده.
إن كل ذلك يقودنا إلى التبصر في ظاهرة قائمة في أكثر شعوب العالم، وهي ظاهرة قيادة الأحزاب والتنظيمات الشعبية للمواقف الجذرية التي تقود إلى التغيير والثورة، إلا في بلادنا حيث يسبق دائماً إلى التعبير الحس الشعبي الهفوي البسيط "غير المرسوم"، في حين تبقى قياداتالتنظيمات الشعبية والأحزاب صمام أمان ضد التغيير والثورة!!؟؟ .. فهل من جواب علمي يغني وعينا ومداركنا وتجاربنا المريرة، ويصقل إرادتنا على الفعل والتقدم والإنجاز؟؟.

* * *

إسماعيل حمادة
06/04/2008, 10:30 AM
(1)

الأرض .. يامجدها!

قليلة هي المواقف والمواجهات، في تاريخ أمتنا المعاصر، التي عبرت عن إرادة خالصة منزهة عن الأغراض المختلطة بخصوصيات "موجهيها" الشخصية أو الفئوية أو الفكرية.

من هذه المواقف والمواجهات معركة ميسلون التي كانت قراراً قومياً خالصاً اعتمد فيه القائد منهجية الهجوم المعاكس المباشر على الإرادة الأجنبية الطاغية المعتدية، لا منهجية الدفاع الخاسرة في جميع الأحوال وجميع مجالات الحياة، ودون أن يدخل في معادلة قراره حساب الربح والخسارة من الزاوية الشخصية، واستشهد وتمجد وتمجدت فيه الأمة.

من معركة ميسلون إلى يوم الأرض .. أدوار من الصراع والتضحيات، وأفواج من الشهداء، ترسّخت خلالها بالحديد والنار وبالاختراقات الثقافية والفكرية تقسيمات سايكس بيكو وقرار القوى الدولية بتنفيذ وعد بلفور، وتراجع النفس الصراعي – الهجومي تدريجياً، حتى التسليم شبه الكامل للقوى الدولية بحق تقرير مصيرنا في فلسطين وفي غير فلسطين تحت ذرائع ومبررات متعددة، تقع جميعها تحت عنوان العجز الذي وصل على الصعيد الرسمي والأكثريات "الصامتة" إلى التخلي حتى عن "الدفاع".

من هنا يتخذ يوم الأرض قيمة وأهمية جذرية استراتيجية استثنائية، بعد ثلاثة عقود من قيام حكم الاستعمار الاغتصابي الإفنائي في فلسطين، وبعد البيعة الثانية لفلسطين الحاصلة عام 1967. ففي أوائل عام 1976 فعّلت حكومة العدو الإفنائي في فسطين "قانوناً للأراضي "يسمح" لها بمصادرة الأراضي تحت مبررات ومسوغات متعددة. وقررت تنفيذاً لهذا "القانون" مصادرة خمسة آلاف دونماً من الأراض في خراج بلدة سخنين، في منطقة الجليل. فتنادى أهل البلدة والقرى المجاورة إلى اجتماع عام ومظاهرة في سخنين، احتجاجاً على مصادرة الأرض. وقد فشلت القوى الأمنية والمخابراتية العدوّة في منع الاجتماع الذي حصل في 30 آذار 1976. لذلك لجأ العدو إلى مهاجمة المتظاهرين العزل بالأسلحة النارية، وحصلت معركة بين المتظاهرين والعدو تمجد فيها ستة شهداء، ثلاثة منهم من سخنين، كما حصلت عدة إصابات في صفوف العدو.

إن أهمية هذه المعركة تتجسد بالنقاط التالية:

أولاً: أن امتنا كلها بمبادرة شعبية أصيلة تحيي ذكرى هذه المعركة كل عام كما تحيي ذكرى ميسلون.

ثانياً: إن هذه المعركة قد حصلت بإرادة شعبية خالصة، دون أي فعل "للقيادات" المقيّدة بالنظريات الجاهزة المعلـّبة والشعارت المقولبة وقوالبها.

ثالثاً: أنها حصلت في المناطق المحتلة عام 1948 التي تخلـّت عنها "القيادات" بالاعتراف بالحكم الاغتصابي الإفنائي فيها. فتمردت أرضها في وقفةٍ تنادى فيها أهلها أن عودوا إلى أرضكم التي لا تقبل الزرع المسموم ولا الحكم الموهوم. إنها خطوة مفصلية على طريق العودة والوحدة الوطنية الحقيقية.

إن مواقف شعبية عديدة ومواجهات مشهودة لا تزال تحفظ وجود الأمة وأصالتها وتسجل دوماً دروساً على طريق العودة، كان أعظمها بدون شك معركة تموز 2006، ومن أبرزها معركة حاجز رفح الذي جرفته السواعد الخلاقة والصدور العارية المؤمنة في المواجهات الأخيرة في غزة، وإننا نعلن يوم جرف حاجز رفح ذكرى قومية بامتياز على طريق العودة والوحدة الوطنية.

إن صرخة ميسلون وسخنين ورفح تتجدّد فينا في كل تموز، مع دروس الجغرافيا والتاريخ.

(2)

الوحدة الوطنية

من الشعارات التي كثر تداولها في المرحلة الراهنة، خلال التهاب الأزمات الفلسطينية الأخيرة، شعار الوحدة الوطنية الذي يُطرح كعلاج سحري للصراعات والخلافات الجذرية حول مفاهيم وممارسات تتناول المصير العام للفلسطينيين، دون أن يتكون حولها حد أدنى من الفهم المشترك أو الرأي المشترك أو السلوك المشترك. مع العلم أن شعار الوحدة الوطنية هو نفسه من المفاهيم غير المتفق عليها.

ومن مضمون التصريحات لهذا الشعار والحيثيات التي رافقتها نكتشف بأن "الوحدة الوطنية" العتيدة هي التوافق في موقف آني بين قطبي السلطة المنفسخين عن بعضهما البعض مع منظمات وحركات أخرى، من أجل تشكيل "وزن" في التفاوض وضبط العلاقات مع الاحتلال الإفنائي المغتصب.

ونسمع في بعض الأحيان مناداة بالويل والثبور على مواقف وآراء تنقصها "المرونة" السياسية، وتسيء إلى "الوحدة الوطنية". دون أن نسمع مرة واحدة ما هو النهج المنشود المستمر بعد تحقيق هذه الوحدة الوطنية السحرية التي ستمطر علينا انتصارات أكثر كثافة من المطر الإستوائي. أم أن الهدف هو فقط الحد الأدنى من هدن عدم الإقتتال في ظل هدن حقيقية للعدو؟؟

وهل ستنهج هذه الوحدة الوطنية نهج تحرير فلسطين الجغرافية التاريخية؟؟ وما دخل أعمدة السلطة بها في هذه الحالة؟؟ وهم نتاج اعتراف علني أو ضمني بحق ٍ للعدو في أرضنا ...
أم أنها ستنهج نهج البرنامج المرحلي الذي طوّب فلسطين 1948 للاغتصاب الإفنائي ؟؟ وما دخل حاملي شعار التحرير بها ؟؟ وأين يقفون منها ؟؟

مما يحدونا إلى الاستنتاج أن لا هدف لأي شعار أو برنامج سياسي أو مفهوم أو منطلق إلا بالتحديد والتعيين اللذين يوفران جهوداً عقلية كبيرة وتجارب فاشلة كثيرة.

فالوحدة الوطنية الفلسطينية الحقيقية هي التي تجسد وحدة إرادة جميع الفلسطينيين بشأن مصالح فلسطين المبعثرة. وفي المقدمة منهم أولئك المنزرعون في فلسطين 1948، وفي الدرجة الثانية المبعدون قسراً واقتلاعاً من ترابهم الذين اجترحوا معجزة "المخيم"، نبع العطاء والإبداع وأمواج الشهداء. وفي الدرجة الثالثة المعانون بصبر وعناد من كابوسين: الأول- كابوس العدو الاغتصابي الإفنائي، والثاني- كابوس الذين يقتتلون على حكمهم وهم لا يزالون تحت حكم الاغتصاب.

هؤلاء جميعهم هم الذين يجسدون الوحدة الوطنية الحقيقية. والذي يمتلك خطة تجمع هؤلاء وتجد عملاً سياسياً فاعلاً مؤثراً لهم يحقق مفهوم الوحدة الوطنية، فليتفضل بعرضها وشرحها وتحديد وتعميم نهجها وأهدافها القريبة والبعيدة.

وإلى أن تعرض خطة منهجية من هذا النوع نقول: أن الوحدة الوطنية مطلب وليست طلباً، تتحقق في عقول الناس ووجدانهم الاجتماعي الوطني اللافئوي أولاً وآخراً. وهي ثانياً واقع طبيعي قائم في وحدة الأرض والشعب وليست توافقاً تلفيقياً مصطنعاً.***

(3)

يوم الأرض بين الحدث والذكرى .. من 1976 إلى 2008

في يوم الأرض ،30 آذار 1976، جدد الفلسطينيون في المناطق المغتصبة عام 1948 إطلاق رسائلهم الواضحة وقولتهم الأولى والأخيرة، إلى العالم وإلى العدو وإلى شعبنا، بأن:

• أرضنا لا تقبل الزرع المسموم .. وكل تقنيات التسميد المصطنعة ووسائل الري الحديثة، لم تثمر .. واقتلاع هذا الزرع وتطهير الأرض منه، لا راد له.
• أرضنا .. أمنا الكبرى، لا ترتوي إلا من دمائنا.
• الإثم الكنعاني لا يزال فاعلاً فينا فداءً وبعثاً.
• نحن نُعبًد لأنفسنا طريق عودتكم بشراييننا وعظامنا وضياء عيوننا.
• لم ولن نذوب إلا في عروق أرضنا الممتدة في كل اتجاه حتى آخر وتد في خيمة في آخر مخيم، وحتى آخر ذرة تراب من أرضنا القومية.

وبغض النظر عمن فهم الدرس ومن لم يفهمه، وبدون اعتبار لحسابات اللحظة في الربح والخسارة ..حيث المهم أن تكون الأمة هي الرابحة في النهاية، فقد نُسِفت صفة "عرب إسرائيل"، لأن الهوية واحدة لا تتجزأ ولا تتلون ولا تتلوث. وأمحت صفة الاستكانة والاستضعاف لأننا لسنا ضعفاء إلا إذا أردنا أن نكون ضعافاً، ودم كل شهيد هو رصيد ذخيرة في معركة التحرير.

يفرض الحدث ذكراه في كل عام تجسيداً بدم الشهداء وتمجيداً على يد الشرفاء، مع تدرج في تنوع المشاهد ونبض المشاهدين.

فبعد هزيمة بيروت عام 1982 والخروج المعيب، وبعد تأديب العراق بالعصا نفسها وبالطريقة نفسها التي يؤدب بها الفلسطينيون، وبعد الدخول في نفق أوسلو واتفاقيتها الانتحارية، وبعد وادي عربة وإجراءاتها التجارية، وبعد وثيقة جنيف التي تشبه وجوه موقعيها، وبعد الانتفاضات الشعبية التي فرضت احترامها على العالم، إثر المجازر التاريخية، والتي كانت تختم بهدنات تحل أزمة العدو وتخرجه من العي والإرباك. وبعد خروج الغزو الهمجي من لبنان عام 2002 بالشحاطات، وبعد حرب تموز وعنتريات بيريس التهريجية وفشل جيشه الصبياني المسلي. وبعد مأثرة أبو دهيم في كبد التنين على أكف أحرار الجليل. وبعد جرف خازوق سايكس – بيكو في رفح على يد الجياع والمرضى النازفين. وبعد ملحمة جباليا التي قصًت زمن العدو.. تأتي ذكرى يوم الأرض الثانية والثلاثين في ظل خيمة "هدنة" جديدة للعدو، وفشل وساطة هدنة بين العشائر الفلسطينية المتعسكرة والمتفاوتة في البعد عن نطاق تأثير قرار العدو...

تستدعي الذكرى إعادة نظر دقيقة في المسلسل المتعرج الذي عرضنا، لأن نارها لم تتقد إلا في عيون الأطفال والزهرات والفتيان الذين لم يخبروا بعد أزمة أدعياء القيادة مع الجدية والصدق والمعرفة والثقافة والنظام...

إنه درس من مخيم اليرموك يستوجب تعيين وكلاء إفلاس قانونيين وشرعيين للذين يحملون شعارات المقاومة والتحرير في أسماء تنظيماتهم. إنه درس جديد من الذين قالوا لشهداء يوم الأرض: لا نريد أن نسمعكم، لسنا منكم ولستم منا. إن شروط الاعتراف والسلام لا تسمح لنا بالتعرف إليكم.

وقد سمع أحرار الجليل وشهداؤهم هذا العويل وسيأتي ردهم فاصلاً. أما المخدوعون بقياداتهم فلم يسمعوا بعد ولم يدركوا ولم يعوا.
في فمنا ماء ونار ودماء. فليرعو ِ الذين يتعاملون في شؤون المصير العام كما يتعاملون مع أدوات زينتهم وكماليات حاجاتهم. ليرعو ِ صبيان الحارات من درس مسيرة زواريب الحارات .. فليس لأرضنا العذراء المقدسة مثل هذا التكريم.

* * *

(4)

من هنا ← ←

لم تضرب تقسيمات سايكس – بيكو خلال عقود الصراع الناتج عنها ضربة استراتيجية عملية (لا نظرية) كتلك التي وجهتها إليها زخات الدم الحار المنطلقة من تحت حصار غزة، بجرف معبر رفح وفتحه بالاتجاهين .
وهذه الضربة ليست من تخطيط "قيادات عبقرية متجذرة في العمل السياسي ومتجذر فيها. لكنها تجسيد عفوي للألم والمعاناة والجوع والقهر المفروضة بالحديد والنار والدم (وتواطؤ أولاد العم) على الغزاويين، ومعظمهم من الفقراء والبريئين من الفئويات الشعاراتية.
لذلك جاءت ضربتهم محكمة وآثارها فاعلة وملحوظة، فأصابت " بالصفنة" العدو والعبيد وعبيد العبيد، فاستنفر الجميع للدفاع عن قواعد عجز شعبنا وللقضاء على هذا الوعي "المفاجئ" للذين يجهلون أصالة الشعب ونفسيته.
ومن أخطر مميزات هذه الضربة على الخطة المعادية أنها جاءت في زمن يجهز فيه الأميركان المتهودون خارطة تقسيمات جديد أمّر وأدهى من تقسيمات سايكس – بيكو، تطل برأسها في العراق وفي لبنان، في حين يهمل المنشغلون والمشتغلون بالسياسة ضرورة (إسقاط مفاعيل سايكس – بيكو) عملياً لابالبرهنة والتنظير، ليعود جسد أمتنا إلى قابليته للحركة الطبيعية والنمو السليم.
وهذه الضربة الشعبية الأصيلة الموفقة قد أدت باستنفار العدو إلى إعادة نظر في التعامل مع هذا الكنعاني العنيد الذي يعرف كيف ينتصر لمصالحه وكرامته وهونازف تحت المقصلة، فتنتفض أوصاله المقطعة وتعود إلى مجاريها الطبيعية دون حاجة إلى جراحة الأطباء والدجالين ولوائح عقاقيرهم الطويلة.
إن جرف خازوق سايكس – بيكو في رفح يكاد أن يوازي بفعله في معنويات العدو وقواعدتفكيره ما أحدثته حرب تموز من انهايارات وتغييرات وحسابات " منها الجاري ومنهاالمديد".
وقد أظهرت هذه الضربة، بالإضافة إلى معانيها السياسية الاستراتيجية، مدى التأثير السلبي لتقسيمات سايكس- بيكو على الشأن الاقتصادي، زكم هو مناقض لذلك فتح المعبر ولو ساعات قليلة، فيجري الدم في الجسم بسرعة فائقة فتبدو مظاهر العافية والارتياح فوراً دون حاجة حتى إلى نقاهة، مما يزيد في ارتعاب العدو وعبيده.
إن شعبنا يحتاج إلى درس دقيق لظاهرة رفح التي دخلت التاريخ من الباب الواسع. كما لا يزال يحتاج إلى تدقيق في ظاهرة حرب تموز 2006.
ولعل الأكثر حاجة إلى هذه الدروس هم بعض الذين لا يزالون يحملون عنوان التحرير في أسماء منظماتهم وينتظرون مناسبة الفرج للتخلص من هذا العبء الذي لا يناسب "صحتهم الغالية" وهم يحتجزون المارد الشعبي في زجاجاتهم الراكدة ركود المستنقعات، ليقوموا بدورهم في حماية بوابات سايكس- بيكو التي يتمترس ورائها إما العدو وإما عبيده.
إن كل ذلك يقودنا إلى التبصر في ظاهرة قائمة في أكثر شعوب العالم، وهي ظاهرة قيادة الأحزاب والتنظيمات الشعبية للمواقف الجذرية التي تقود إلى التغيير والثورة، إلا في بلادنا حيث يسبق دائماً إلى التعبير الحس الشعبي الهفوي البسيط "غير المرسوم"، في حين تبقى قياداتالتنظيمات الشعبية والأحزاب صمام أمان ضد التغيير والثورة!!؟؟ .. فهل من جواب علمي يغني وعينا ومداركنا وتجاربنا المريرة، ويصقل إرادتنا على الفعل والتقدم والإنجاز؟؟.

* * *