المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكذب كذب و لو كان مزاحا



عبد الحميد الغرباوي
12/04/2008, 12:52 AM
كذبة أبريل أو "بواسون دو أفريل" أي (سمك شهر أبريل)..
السمك و ليس شيئا آخر..
ليس فيلا و لا دنفيلا..
السمك..
ورغم أنه يتطلب من صائده صبرا و ساعات من الانتظار، فإنه عند الكثيرين سهل الاصطياد...مما يعني أن الذي تنطلي عليه كذبة أبريل مثله مثل السمكة المسكينة التي تنطلي عليها حيلة الطعم فتنغرز في فمها شوكة الصنارة..
و من الفرنسيين من يرجع التسمية إلى أن السمك في هذا الشهر يضع صغاره مما يسهل اصطياده، ومن هنا حسب تفسيرهم، جاءت التسمية... و منهم من يقول: " لأن أبريل هو الشهر الذي تبدأ فيه الشمس بمغادرة برج الحوت"..
و لكذبة أبريل تاريخ..
و البعض يرجع حكاية الاحتفال بهذا اليوم الموافق الأول من أبريل من كل عام، إلى ارتباطه بالمهرجان الذي كان يقام احتفاء برأس السنة الجديدة وفقا للتقويم القديم في 21 مارس في العهد ما قبل الجريجوري في فرنسا. و عند تولي " تشارلز التاسع" الحكم عام 1564، تم تغيير التقويم الجريجوري لكي يكون الاحتفال بالسنة الجديدة هو الأول من شهر يناير كما هو معمول به الآن. لقي التعديل معارضة و رفضا من البعض و استمروا في الاحتفال بالتقويم القديم، فأطلق عليهم " حمقى أبريل"، و الهدايا التي كانت تبعث إلى الأهل و الأحباب بمناسبة السنة الجديدة صارت ترسل بغرض السخرية..و مع مضي الزمن، تبنت الكثير من الشعوب و الأمم و خاصة في أوروبا، فكر ة الاحتفال بيوم يكون مخصصا للمرح و الدعابة. ففي اسكتلندا مثلا يرسل أشخاص في مهام ذات طابع الحمق و الجنون، مثل البحث عن أسنان الدجاج أو لبن العصفور و هنا أستحضر رواية باللهجة المصرية تحمل نفس هذا العنوان..اشتريتها و لم أتمم قراءتها لثقلها ونفاد صبري على ملاحقة عباراتها و تهجي مفرداتها..و لعل عنوانها يدل على ما في داخل الرواية من مسخرة و هزل..
ومن القصص الأخرى التى تم روايتها بخصوص هذه الكذبة، ترجع إلى:
الآثار المتبقية من مهرجان سيريليا (Cerelia Festival). وهذا المهرجان هو عيد رومانى قديم يحتفل فيه بقصة بروسيربينا (Proserpina)، أسطورة تحكى قصة الفتاة الجميلة "بروسيربينا " التى خطفها الإله الرومانى "بلوتو" عندما كانت تجمع زهور السوسن من الوادى وبمجرد سماع أمها سيريس(Ceres) لخبر اختطافها صدمت وأخذت تبحث عنها فى كل مكان، لكن بدون جدوى ومن هنا وصفت محاولاتها غير المجدية في العثور على ابنتها باسم "مهمة الحمقى".
وأشهر الحيل أو الدعابات التي يقوم بها الأمريكان في هذا اليوم، أن يوقف أحدهم شخصا مارا (مثلا) أو صديقا و يخبره بأن رباطه غير معقود فينظر الشخص لحذائه ليرى أنها مزحة.
هناك باحثون يؤكدون أن كذبة أول ابريل لم تنتشر بشكل واسع إلا في القرن التاسع عشر و بغض النظر عن هذا التاريخ أو ذاك ، فإن الظاهرة الآن عمت كافة الشعوب و الأمم بمختلف معتقداتها و دياناتها و ثقافاتها، لا فرق في ذلك بين عجمي و عربي إلا بما تحمله الكذبة أو الكذبات من خصوصيات و علامات تفرق بين هذا البلد و ذاك..
فتفنن الناس في " الكذبة " و أبدعوا.. و التفنن و الإبداع هنا ليس بمفهومهما الإيجابي دائما، فبعضها أوقع بضحاياها في مهاوي الجنون أو أنزلت بها إصابات خطيرة، و بعضها أدى إلى نزاعات أسيلت فيها الدماء و كسرت الأضلع...
مآس كثيرة، حدثت بسبب كذبة أول أبريل، هذه واحدة منها، فقد ‏ ‏حدث أن اشتعلت النيران في مطبخ إحدى السيدات الإنجليزيات في مدينه لندن صباح فاتح أبريل، فخرجت إلى ‏ ‏شرفة المنزل تطلب النجدة ولم يحضر لنجدتها أحد اعتقادا منهم أنها تمارس عليهم كذبة أبريل...
لكن بعيدا عن ارتباط هذه المناسبة أو هذا التاريخ بالكذب، و هو تاريخ، على كل حال، يصادف حلول فصل الربيع، و عند البعض فإن لفصل الربيع بعض التأثير على هذه الظاهرة، ففي هذا فصل يكثر المرح و تتجدد الأرواح و تنشط و يعم الأنفس الانشراح، فهو فصل التفتح و الانطلاق و الاحتفاء بالحياة، بالطبيعة التي تكتسي أبهى حللها، فلا بأس إذن من أن يمزح الإنسان قليلا و يداعب الأهل و الأحباب و المقربين من الأصدقاء و لو بكذبة صغيرة...
قلنا ، بعيدا عن ذلك، فالكذب عموما، سلوك بشري، صفة يتميز بها الإنسان عن سائر المخلوقات، و يستخدمه (الكذب) في شتى مرافق الحياة و في اتصالاته العامة أو الخاصة...و هو شكل من أشكال رد فعل..هو علامة ضعف، تعويض عن نقص ما...
لذا فإن البعض يعتبر المرأة أكثر من الرجل لجوءا إلى الكذب، باعتبارها ضعيفة، و تعاني الاضطهاد و القهر !
و كي لا نقع في فخ التمايز بين الرجل و المرأة، فإن الكذب بصفة عامة سمة المستضعفين، المضطهدين، و وسيلة للهروب من واقع مر أليم...
الغريب في الأمر، أننا نحن العرب الذين أطلقنا على ظاهرة (بواسون دو أفريل) "كذبة أبريل"، يعني ذهبنا إلى المغزى الحقيقي من الاحتفال مباشرة دون الشعوب الأخرى التي خلعت عليه تسميات عدة، ساترة وجه الكذب بأكثر من قناع.. لحقارته و لحمولته اللاأخلاقية... فالكذب رذيلة تمجها الطباع الإنسانية السليمة..و لا علاقة للسخرية و الاستهزاء بالكذب. فالكذب كذب حتى و إن كان مزاحا...
مشكلتنا أننا سريعو التقاط ما يروج في المجتمعات الأخرى...بل الأخطر و الأدهى أننا نضيف إليه أفكارا و تلوينات جديدة، و نلبسه لبوسا أو "لبوسات" محلية كي يصير عربيا مئة في المئة...
و السيد فلانتاين..أمير الحب، لا تزال ذكراه عالقة بالأذهان عابقة بأريج ورودها، حارة بحرارة قبلها، إذ لم يمر على احتفالاته سوى بضعة شهور قلائل...
و بعيدا عن (بواسون دو أفريل) و (السيد فلانتاين) فديننا الحنيف يحرّم الكذب.
لكن و للأسف الشديد، طغى في زماننا الكذب على الصدق ، و القليل من يصدق في حديثه، في علاقاته ومعاملاته ووعوده .
علينا أن نعلم أن الكذب شيمة أهل النفاق. جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " آية المنافق ثلاث: إذا حَدَّث كَذَب، وإذا وعَد أخلف، وإذا أؤتُمن خان" فالكذب من صفات النفاق كما الصدق من أمارات الفلاح للمؤمن في الدنيا والآخرة قال عليه الصلاة والسلام : "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتبَ عند الله صديقاً" فلنتحرى الصدق في القول والفعل لنفلح في الدنيا والآخرة و لنتجنبه و لو كان لمجرد التفكه و الضحك.

الدكتور أسعد الدندشلي
12/04/2008, 12:59 AM
زميلنا الغالي عبد الحميد الغرباوي المحترم
تحية طيبة لهذه المعلومات ولهذا الإستعراض الديناميكي الحيوي ...وللعظة القيمة التي انهيت بها نصك...
مع وافر محبتي واحترامي و تقديري

سعيد نويضي
12/04/2008, 01:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الأخ الدكتور الكريم ...سلام الله عليكم و رحمته و بركاته....

جزاك الله عنا ألف خير...

أعتقد أن هذا المقال يسمي الأشياء بأسمائها و هذا من حسنات العرب أنهم سمو [بوسون دل أفريل] بالتسمية الحقيقة للفكرة أساسا...فالفكرة آتية من الغرب كما هي جل الأفكار التي غزتنا في عقر دارنا دون أن نجد بدا من التعامل معها و لكن بشكل يليق بشيم الأخلاق التي علمها لنا الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم ...و لنقل للحق هذا حق و للباطل هذا باطل...و الشهادة لله عز و جل...

و من هنا بكون الهدف الأساسي من الفكرة هو "تطبيع فكرة الكذب" و إدخالها للفكر على مستوى النكتة حتى تيسر الطريق لقبول ما هو أكبر و ما أعظم...ففكرة "كذبة أبريل" تسري بين الناس كالنار في الهشيم...أو نقل بلغة أخرى تجري كالماء البارد في يوم شديد الحرارة...فيتلقفها هذا لينشرها بسرعة الضوء إلى ذاك...و هذا يسهل عملية "انتشار الإشاعة"...و الإشاعة هي "أكذوبة تطلق للتصديق" سواء كانت إعلامية أو غير ذلك...

و لكم في هذا الرابط شرح من مثل ما تقدم به أستاذنا الكريم الدكتور عبد الحميد الغرباوي عن كون "الإشاعة هي أكذوبة إعلامية"...

http://www.annabaa.org/nba48/eshaahelameyah.htm

و هنا تحضرني الآية الكريمة التي قال فيها الحق جل و علا:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }الحجرات6...

مع كامل الاحترام و التقدير و في رعاية الله جل و علا...

عزيز العرباوي
12/04/2008, 07:44 PM
الأخ والمبدع عبد الحميد الغرباوي :

استمتعنا كثيرا بما أتيت به هنا في هذا المقال الراقي جدا ....

شكرا لك أخي عبد الحميد على هذاالبحث المستفيض ...

تحياتي

//
//