المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أزمة دارفور حقائق خفية



أمل عبدالحميد علي
13/04/2008, 02:40 PM
ازمة دارفور حقائق خفية


منذ أن انهار الإتحاد السوفيتي سابقاً في أوائل العقد الأخير من القرن الماضي، وانفردت الولايات المتحدة بقيادة النظام العالمي، بدأ عصر الأمركة الجديد يعيد النظر في كثير من أحوال الأوضاع السابقة لهذا العصر،وفي مقدمة هذه المراجعات حظي العالم الإسلامي بالنصيب الأوفر من الإستهداف الأمريكي على كافة الأصعدة، ولما كان السودان يعاني من حرب طاحنة وطويلة في جنوبه ، وتصطرع أحزابه على السلطة في الشمال، فقد مثَل نموذجاً تجرى عليه تجارب التدخل الأمريكي التي بدأت بمحاولات العزل والإسقاط للنظام الحاكم وانتهت إلى قناعات احتوائه وترويضه . والإشارة للدور الأمريكي لاتعني تجاهل الأطراف المحلية والإقليمية والعالمية الأخرى الضالعة في ما يجري في السودان عامة وما يجري في دارفور هذه الأيام على وجه أخص.
قضية دارفور التي استحوذت على اهتمام الكافة في داخل السودان، وعلى المستوى الاقليمي، ودول الجوار وعلى المستوى العالمي من الولايات المتحدة الى اوربا والى افريقيا والى آسيا واكبر دولة عظمى جاء رئيسها ليؤكد اهتمام الصين بدارفور ووجوب حلها بالحوار والاستعداد لتوفير الخدمات والتنمية لدى الاستقرار واحلال السلام في ربوعها، ولقد جاء قبله رؤساء دول وحكومات وممثلون على كافة المستويات، لان قضية دارفور تحولت الى قضية تخصهم في بلدانهم واصبحت تطرح في جدول اعمال برلمانهم الذي عادة يعني بالمسائل الداخلية وليس الخارجية.
اما الدور الامريكى فى تدويل قضية دارفور لايختلف عليها اثنان ونجد ان الكونجرس الامريكي ما يكاد يفرغ من مناقشة ميزانية الولايات المتحدة واستراتيجية الامن والدفاع الا ويعود مرة ثانية للتداول حول دارفور، وسجلت المضابط اقوالاً مهمة ومشروع محاسبة دارفور واعداد القوات وفرض العقوبات والمطالبة بوضع السودان كله تحت وصاية الامم المتحدة مثلما طالب السناتور كوزاين في محضر نقاش في الكونجرس عن دارفور في 12 مايو 2006، وقال السناتور بازن «ان قواتنا المسلحة فيها اثنتا عشرة فرقة منها عشر فرق اما ذاهبة للعراق او مقبلة منه، ولكننا لا نحتاج الى فرقة كاملة في دارفور انما نحتاج فقط الى سرب من الطائرات وبضعة آلاف من الجنود ولابد ان نقدر على ذلك» وقال السناتور دبرين «ان انزال قوات مارينز على الارض، في دارفور سيوقف الحرب « وان هؤلاء القتلة عندما يتأكدون انها مقبلة سيتراجعون» «وان القوات الافريقية التي ارسلت الى دارفور لم تقدر على تخويفهم» اما السناتورة فاينشتاين (ديمقراطية من ولاية كاليفورنيا) فدعت الى ضغط مكثف على حكومة السودان كل يوم حتى لا تعتقد بان امريكا تتسامح معها في مجال «اذا لم نفعل ذلك فسنكون جزءاً من المشكلة وليس الحل» ، ودعا السناتور فريستا «جمهوري ولاية تنيسي» الى تطويق قوات الجنجويد وطالب السناتور براونياك «كنساس» بزيادة حجم مسؤولية القوات الافريقية في دارفور والقيام بعمليات عسكرية استباقية لوقف العنف ، «والاشتراك في تنفيذ حظر الطيران فوق دارفور» «وتحقيق سلام شامل في كل السودان».
وقارن السناتور كورزاين «ديمقراطي» «بين احداث دارفور ومذابح اليهود خلال الحرب العالمية الثانية» وقال: «يجب ان نرفع شعار» «لا مرة اخرى حتى لا يتكرر في دارفور ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية» واقترح تعديل قانون محاسبة دارفور لوضع السودان كله تحت وصاية الامم المتحدة، ولحماية المدنيين في كل السودان بما في ذلك دارفور».
هذه الاقوال التي سجلت في مضابط الكونجرس الامريكي، وفي برلمانات اخرى في العالم ألا تستحق الالتفات وجمعها من كافة العواصم ليس للتأكيد ، ولكن للتوثيق بان قضية دارفور من عام 2002 الى 2008 انتفت عنها المحلية والاقليمية وانما اصبحت دولية تماماً وعلى كافة المستويات ، من البرلمان الى الفضائيات الي الحكومات الى المنظمات الى الصحف.. الخ ، ان دارفور سودانيا هي الاقليم الاهم الذي حظي علي مدى حقب بالتوثيق والمتابعة، من بريطانيين وفرنسيين وألمان واسبان وعرب وافارقة بدليل المؤلفات والمراجع التي طبعت ونشرت ونحتاج ان نتفق هذه المرة على جانب واحد خاص بدارفور، وهو جمع كل ما قيل وكتب ونقل وسجل عن دارفور واظن انه يفوق بكثير ما كتب وسجل عن فلسطين ولبنان والعراق وربما يقترب الى مستوى ما كتب ونقل وسجل عن الحرب العالمية الثانية، وبعدها يجري التداول والتحليل من وراء احداث دارفور؟ ومن شرد اهلها وقتل ابناءها واحرق قراها ومدنها؟ ومن ثم احراق السودان كله واستهدافه وجودا وكيانا وبشرا؟
الوجود الاجنبى فى ولايات دارفور
ربما يعود بداية التدخل لحقب الثمانينات، عندما اعلن النائب نور الدين آدم في صحيفة يومية 22 فبراير 1988 «ان في اقليم دارفور وجود اجنبي وان ما يدور في دارفور حرب غير معلنة ، لقد انتقلت الحرب الليبية - التشادية الى دارفور» ، «وان قوات الفيلق الاسلامي والجيش التشادي هناك». وقال تقرير في 27 فبراير 1988 ان اجتماعاً لنواب دارفور تم بدار اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ناقش مشاكل دارفور والمجاعة وان اقتراحا طرح لابتعاد النواب عن احزابهم للوقوف مع اهلهم والدفاع عن انفسهم وتحرير دارفور من الوجود الاجنبي».
وقال تقرير في اول مارس 1988 «ان القائد العام للجيش السوداني الفريق فوزي اصدر توجيها للقوات العاملة بدارفور للتصدي للقوات الموالية الي ليبيا واعادتها الى الجماهيرية»، وعلم ان تلك القوات الموالية الى ليبيا هي تحت اجهزة الرقابة الامريكية الفرنسية. وفي 2/3/88 قال «وزير الداخلية سيد احمد الحسين ان ما يجري في دارفور صراع بين دولتين تسعيان لتصفية حساباتهما داخل الاراضي السودانية حيث تستخدم الاسلحة الحديثة والصواريخ» هذه عينة عشوائية من عناوين وتقارير الخرطوم في فبراير 1988.
إن إنفجار الأحداث في دارفور العام 2003 جاء نتيجة لتفاعل عوامل محلية بحتة تتمثل في إنتشار ظاهرة النهب المسلح ومحاولة الدولة القضاء عليها ، وهذا ما دفع بالعامل القبلي للصراع.
العامل المحلي الذي ساهم بقوة في تأجيج نيران الفتنة هو إستغلال مجموعة من السياسيين للظروف التي أوجدها الصراع المسلح، فحاولوا أن يديروا صراعهم مع الحكومة بدماء الأبرياء والمخدوعين في دارفور، فأضفوا على المشكلة مسحة سياسية مطلبية وظلوا يطوفون بعواصم الغرب ـ خاصة لندن ـ ويعقدون المؤتمرات الصحفية ويصرحون لأجهزة الإعلام باعتبارهم ممثلين لأهل دارفور،بينما هدفهم الأول هو السماح لهم بنصيب في كعكة السلطة واقتطاع جزء لهم من موارد الثروة، وفي سبيل تحقيق هذه الغايات أطلقوا شرور العنصرية والجهوية من عقالها فأفسدوا لوحة التعايش السلمي بين القبائل في الإقليم . أمريكا على الخط:
الولايات المتحدة التي ورثت بريطانيا في المنطقة، تستخدم المبدأ الإستعماري نفسه :(فرق تسد) ولكن بأساليب جديدة وأدوات مستحدثة . وهي اللاعب الرئيس في الساحة السودانية وفي هذا السياق ليس مستغرباً أن يلمِح مسئول بوزارة الخارجية الأمريكية إلى إمكانية حل مشاكل دارفور بنفس الطريقة التي عولجت بها مشكلة الجنوب في إشارة إلى مبدأ تقرير المصير وهو ما بدأ يردده حاملوا السلاح هذه الأيام مع مطالب تقسيم الثروة والسلطة. ومن هنا ندرك أن السكين الأمريكي لن يتوقف عند توقيع اتفاقيتى نيفاشا وابوجا ـ وإنما سيتطاول لتقطيع أجزاء السودان الباقية. فقضايا دارفور وجبال النوبة والإنقسنا والبجا وغيرها مما اصطلحوا على تسميتها بالمناطق المهمشة تظل روافد تغذي الرغبة الأمريكية لتقسيم السودان وتطويعه.
إن الخيار العسكري خيار فاشل بالنسبة حاملى السلاح بدارفور ، لأن طبيعة الإقليم تختلف عن الجنوب مما يضعف أسلوب حرب العصابات ويجعل السيطرة العسكرية للجيش السوداني ميسورة وراجحة. ويظل الحل السياسي هو الأنسب والأجدى لهذه القضية إذا توافرت عوامل نجاحه وعلى رأسها إستبعاد التدخل الأجنبي والتدويل، وحل قضايا الإقليم حلاً يراعي العدالة ويوفِر التنمية، والكف عن فتنة تقرير المصير، وفوق كل ذلك عدم المساومة أو المتاجرة بالشريعة الإسلامية، حتى تكون سياجاً يصون وحدة البلاد ومرجعاً يحسم الخلافات.
الجنجويد
لايوجد تفسير متفق عليه لكلمة الجنجويد فالبعض يجعلها لفظا منحوتا من العبارة "جن على جواد" والبعض يقول بأنها نحتت من ثلاث كلمات تبدأ كلها بحرف الجيم وهي: جن وجواد وجيم ثلاثة (G3) السلاح المعروف. في حين يربطها البعض بصعلوك من عرب دارفور يدعى حامد جنجويت مارس الحرابة مع عصابته ضد القرى الأفريقية في الثمانينات من القرن الماضي فأدخل الرعب في قلوب السكان.
ومهما تعددت تفاسير اللفظ فإن له معنى مشتركا بينها جميعا وهو أنها جماعة مسلحة بدارفور يحملها أكثر من طرف مسؤولية الإخلال بالأمن في الإقليم.
كما أسلفنا فإن التدفق الإعلامي من خلال الصحف ووكالات الأنباء والإذاعات ومحطات التلفزة العالمية المتعلق بأزمة دارفور ربما يفوق أي تدفق أحرزه أي موضوع آخر ولا يقارن إلا بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وشأن العراق لقد ظلت صحفاً مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز ولوس انجلس تايمز وغارديان والتلغراف وغيرها من صحف الغرب، ووكالات مثل رويترز وبي بي سي وغيرها تتخذ من موضوع دارفور مادة يومية لها ، وفى اغلب الاحيان فان الافتتاحية أو المقال أو الخبر أو التقرير يرتكز على ذلك ولقد تميز ذلك التناول الآتي:
- تعدد المصادر في الخبر الواحد أو الافتتاحية الواحدة أو خلافها من المعالجات الإعلامية على ان تكون كلها مصادر تصب في خانة تجريم السودان وحتى في حالة إيراد تعليق من مسؤول سوداني فإنه يرد في صيغة المدافع عن ذات التهمة أو التهم ولما لذلك من أثر نفسي في ترويج التهم.
- إيراد ذات المصطلحات والطرق عليها بشدة وهو منهج إعلامي مرعى في تكريس المعلومة وتثبيتها ويكفي ان نذكر مصطلحات مثل (جنجويد) (المليشيات العربية المدعومة من الحكومة) (الأفارقة السود المسلمين) (الاغتصاب المنظم).
- إيراد ذات الخلفية التي تتحدث عن عدد مبالغ فيه من القتلى وممن هم عرضة للقتل ومن أن الملايين هجروا مساكنهم بعد عمليات التطهير العرقي والإبادة الجماعية وعمليات حرق القرى والاغتصاب المنظم الذي تمارسه مليشيات الجنجويد العربية المدعومة من الحكومة ضد المدنيين من الأفارقة السود المسلمين ومثل ذلك الإقرار اليومي هو الآخر نهج إعلامي معروف.
- استخدام الصورة مع تعليقها بتكنيك لا يمكن المتلقي تجاههه إلا أن يتعاطف معها وبالتالي يكون فكرة انطباعية تجاه مرتكبها.
- استخدام العنوان بصورة تجعل حتى الإيجاب سلباً حتى في وجود تطورات إيجابية يعترف بها مسؤول أو مراقب.
- الاستشهاد في كل معالجة إعلامية بأسوأ ما صرح به مسؤولون من الأمم المتحدة أو سياسيون أو رجال منظمات، كأن يزيل خبر بالقول (يذكر ان السكرتير العام للأمم المتحدة وصف ما يجري في دارفور بأنه أسوأ مما شهدته رواندا) ومثل ذلك كثير.
- انتقاء الكلمات والجمل والعناوين ذات الدلالة التحريضية ضد الحكم في السودان وإبراز المنظمات الدولية أو الدول على أنها أخفقت في الحيلولة دون ما يجري.
- ولتحقيق كل هذه الأغراض نشرت تلك الوسائل الإعلامية عدداً هائلاً من مراسليها ومصوريها إلى مواقع الأحداث ومعظمهم بمعسكرات اللاجئين في تشاد وبعضهم بالمناطق الحدودية السودانية التشادية يتحركون مع المتمردين ويتلقون ما يقرره هؤلاء
أهداف الحملة المعادية :
- منح الغطاء اللازم والتبرير الوافي لكثير من القوي المعادية للسودان وتمهيد الطريق أمامها لمفاقمة الضغوط أو للتدخل العسكري السافر.
- إعداد الرأي العام العالمي لأسوأ السناريوهات تجاه ما يمكن ان يحدث للسودان بما فى ذلك التدخل العسكري وبما هو أقل منه مثل الحصار الاقتصادي وخلافه من أنواع العقوبات.
- تفكيك الرؤى الكلية للمشروع الحضاري فى السودان.
- تشتيت الانتباه تجاه الاخفاق الأمريكي البريطاني في غزو العراق وفي المخازي التي شهدها سجن أبو غريب والتي ربما لم يشهدها العالم في تاريخه الحديث.
- من خلال الطرق على مصطلح المليشيات العربية ضد الأفارقة السود المسلمين، تقديم العرب على أنهم هم المعتدون دائما، وهم الذين يثيرون عدم الاستقرار وليس العكس واستعداء الرأي العام العالمي ضدهم تمهيداً لأية سيناريوهات مستقبلية ضد أي من الدول العربية مع التأكيدات المسبقة التي تؤكد أن أمريكا ومن ورائها الغرب يريدون شرقاً أوسطاً تدين فيه الساحة لإسرائيل.
- أما الهدف الأكثر عمقاً استراتيجياً فهو ذلك المتعلق بحرب الموارد وعلى رأسها النفط وفي هذا المنحى فإن القناعة باتت راسخة لدى العالم ان غزو أمريكا للعراق كان هدفه الرئيسي هو ضمان انسياب نفط الجزيرة العربية إلى أمريكا على رغم ذلك فإن الخبراء يؤكدون أن أمريكا لم تعد تملك القناعة الكافية بعدم امكانية حدوث عدم استقرار أو تغييرات دراماتيكية حتى وإن تكن موقوته من شأنها التأثير في انسياب النفط لها وللغرب ومن هنا فإن كثيراً من الدراسات والتقارير تشير إلى أن أمريكا تسعى أولاً لمصادر جديدة للنفط وتعول على منطقة غرب أفريقيا، كما أنها تسعى لإيجاد مسارات جديدة تتفادي الممرات المائية الحالية ممثلة في الخليج العربي وقناة السويس والبحر المتوسط بحسبان أنها ممرات غير آمنة على المدى الطويل وتؤكد بعض التقارير ان التفكير الأمريكي يتجه لإنشاء خطوط تعبر الغرب الأفريقي نحو سواحل غرب أفريقيا الأكثر أماناً أولاً والأبعد من المخاطر، سيما وأن مشاكل أفريقيا وان تعقدت تظل أيسر بالنسبة لأمريكا والغرب من مشاكل منطقة الشرق الأوسط من تركيا وحتى اليمن لأن الأولى تخلو من الطابع الحضاري والأيديولوجي، كما أن الطلب المتزايد على النفط وبروز الصين كأكبر مستهلك بعد الولايات المتحدة ودخولها الناجح للقارة الأفريقية وما يمثله ذلك من إمكانية الدخول في مشاريع جديدة في عمق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا سيما وأن كثيراً من التقارير يشير إلى أن ثمة فوارق كبيرة لدخولها في الاستثمار النفطي في الجزائر وليبيا وإيران وحتى العراق.
إن التقارير تشير إلى أن الشراكة بين الصين والسودان في مجال النفط ربما ترتفع بإنتاج السودان حتى العام 2007م إلى 800 ألف برميل في اليوم ما يوازي إنتاج دولة مثل قطر أو مثل أندونيسيا وكليهما عضو في أوبيك أو ما يوازي إنتاج سلطنة عمان.
ويتوقع مراقبون أن النذر اليسير من نفط السودان هو المكتشف حالياً، وأن احتياطات النفط السوداني قد تكون مذهلة لاسيما في ظل مساحاته الشاسعة ووجود النفط لدى الكثير من جيرانه في السعودية، مصر، ليبيا وتشاد.
النتائج:
لكل تلك الأسباب مجتمعة وجد السودان نفسه أمام حملة تتأسس على الآتي:
- إن البلاد تشهد أكبر مأساة إنسانية.
- إن الحكومة العربية الإسلامية تدعم مليشيات الجنجويد العربية التى تمارس الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد السكان الأفارقة السود.
- إن الحكومة أخفقت في حماية مواطنيها.
- إن الحكومة تعوق وصول الإغاثة للمتضررين، ورغم أن كثيراً من الدوائر الحكومية الرسمية في الغرب وكثيراً من تنظيمات الأمم المتحدة خففت من غلواء اتهاماتها خاصة تجاه تهم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لاسيما بعد أن تطورت مطالبة الأصوات التي تتبنى تلك الاتهامات لحكوماتهم وللأمم المتحدة بالتدخل العسكري وهنا يتوجب الانتباه لأمر هام وهو أن تردد كثيراً من الدول والمنظمات تجاه اعتبار ما يجري على أنه تطهير عرقي أو إبادة جماعية لا يجب ان ينظر إليه على أنه إقرار بالواقع المشاهد من أولئك المسؤولين أو كتبرئة لصحفة السودان، وإنما كان يمثل تخوف المنظمة الدولية والولايات المتحدة وبريطانيا من أن يملي عليها قبول ذلك الاتهام أو تأكيده تدخلاً عسكرياً تعلم مسبقاً نتائجه وتأثيراته لاسيما في ظل تجربتي أفغانستان والعراق إذن فتلك شهادة تحميهم من مطالبة إعلامهم وقوى الضغط من مثل ذلك التدخل.
- وعلى رغم الانتفاء النسبي لتلك التهم إلا أن المنظمات ووسائل الإعلام ظلت تطرق عليها وتجدد آلياتها شأن القول بأن الحكومة تلزم النازحين بعدم التحدث عن ما حدث لهم، وشأن الإدعاء بأن السلطات الحكومية تعيد النازحين إلى قراهم قسراً وشأن الإدعاء بأن العائدين ما يزالون يخشون تجدد الاعتداءات لقد تبارى مسؤولو الأمم المتحدة بدءاً بسكرتيرها العام السيد كوفي عنان وانتهاءاً بالمفوضين والموظفين العادين باستثناء قلة لالتقاط تلك الاتهامات واضفاء شيئاً من الصدقية عليها . وعلى مستوى الدول، استمرت تصريحات وزير خارجية أمريكا قبل أو بعد زيارته للسودان تتعامل مع الحكومة على أنها المسؤول الأول عما يجري وان عليها ان تضع حداً لذلك، وعلى ذات الشاكلة سارت تصريحات الرئيس بوش والمسؤولين بالإدارة الأمركيية وحتى المرشح الديمقراطي كيري الذي أصدر أكثر من بيان ينعي فيه على إدارة بوش عدم اتخاذها لخطوات حاسمة تجاه ما يحدث في السودان.
ولا يمثل الموقف البريطاني خروجاً على ذلك النسق بدءاً بتصريحات رئيس وزراء بريطانيا توني بلير أو وزير خارجتها جاك استرو، إلا ان البريطانيين حاولوا أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك عندما أعلن وزير دفاعهم عن استعداد 5 آلاف جندي للتدخل في السودان ومثل ذلك جاءت التصريحات الاسترالية بإمكانية إرسال جنود إلى دارفور ولقد كانت تلك التطورات هي الأكثر تطرفاً مما دعا كولن باول لإطلاق عدة تصريحات مفادها (إن الحديث عن تدخل عسكري مايزال بعيداً).
وعلى مستوى الدول والمؤسسات فقد نشط الكونغرس الأمريكي تجاه مسألة دارفور حتى توج كل ذلك بقرار اعتبر خلاله ما يجري على أنه إبادة جماعية، وعلى رغم أن الإدارة الأمريكية لم تأخذ بذلك القرار إلا أن الأمر لا يعني تناقضاً بل أنه توزيع للأدوار حتى تبدو الإدارة الأمريكية أمام العالم على أنها متساهلة بالمقارنة مع مجلسها التشريعي.
على صعيد الأمم المتحدة فقد أودعت الولايات المتحدة قراراً متشدداً يمنح السودان مهملة ثلاثين يوماً لنزع أسلحة الجنجويد وفتح الباب أمام الأنشطة الإنسانية والالتزام بوقف إطلاق النار وملاحقة المسؤولين أو الضالعين في الأحداث ومحاكمتهم والجلوس فوراً لطاولة المفاوضات لإيجاد حل سياسي للأزمة وفرض حظر على تسليح المليشيات وبعد سجال طويل وفي حال عجزها عن ذلك يهدد القرار بفرض عقوبات على حكومة السودان لعبت فيه فرنسا والمجموعة الأفريقية دوراً مقدراً علاوة على الدور الفاعل والمتقدم للصين وباكستان تم تعديل القرار ليتفادي فرض العقوبات ويستعيض عنها باتخاذ معايير والأهم من ذلك ان القرار جاء شاملاً المتمردين هذه المرة حيث الالتزام بوقف إطلاق النار والسماح بايصال المساعدات الإنسانية وفرض حظر الأسلحة عليهم ومطالبتهم بالجلوس لطاولة المفاوضات للوصول لحل سياسي سلمي ولقد صدر القرار الذي تبنته الولايات المتحدة بالرقم 1565 بمصادقة 15 دولة وامتناع دولتين هما الصين وباكستان.
مواقف الدول:
على المستوي الأوروبي ورغم أن فرنسا كانت جزءاً من الذين تقدموا بمشروع القرار المحدد إلا أن الموقف الفرنسي يمثل الأكثر اعتدالاً بالنسبة للدول الأوربية قاطبة كما ان علاقاتها الخاصة مع كل من تشاد ثم السودان افضت إلى وضع الأمور في سياقها حتى لا تتفاقم الأمور في مثل هذا المناخ الملتهب بين الدولتين كما ان تصريحات المسؤولين الفرنسيين كانت في الغالب هي الأكثر نزعة للموضوعية والاعتدال بين سائر الدول الأوروبية ولقد ظل موقف كل من الصين وباكتسان متميزاً من حيث الوقوف بصلابة مع الموضوعية وقد أحدث وجودهما في مجلس الأمن توازناً مطلوباً، ان التصريحات الصينية والباكستانية كانت وهى تعلم جيدا أغراض الغرب وأهدافه ومراميه من مفاقمة الضغوط على السودان.
وعلى المستوي العربي فقد جاءت المواقف المصرية متقدمة ورافضة لأية عقوبات تفرض على السودان حتى ان كولن باول اضطر بنفسه لزيارة مصر لاقناعها حتى بضرورة صدور قرار مجلس الأمن في نسخته المعدلة ولقد خف المسؤولون المصريون وعلى رأسهم وزير الخارجية ليؤكدوا منذ البداية رفضهم لمبدأ العقوبات على السودان، كذلك فقد جاء الموقف السعودي صريحاً وواضحاً في رفضه حتى لمبدأ التهديد في تعاطي المشكلة وأكد في ذلك الوقت قناعته بما تقوم به حكومة السودان من معالجات لحل الأزمة بل وعبّر عن تقديره لذلك الدور.
المسوغات:
أزمة دارفور ليست هي الأولى التي يشهدها العالم في تاريخه، وليست هي الأسوأ وليست هي الأولى من طرازها التي تجرى في العالم حالياً إذن ماهو الجديد الذي حملها نحو هذه المرحلة المتقدمة على المستويات الإعلامية والسياسية وجعلها على رأس أجندة العالم؟ ماهي المسوغات والمبررات وراء كل ذلك؟.
أولاً على المستوي العالمي:
ظلت القوتين العظيمتين أمريكا وبريطانيا تحظيان بأكبر قدر من النقد السياسي والإعلامي والشعبي حتى من داخل بلديهما إزاء المسوغات الواهية الضعيفة لاحتلالهما للعراق وأفضى ذلك لفقدان مصداقيتهما أمام شعبيهما، وأمام شعوب العالم وأمام المنظمات الدولية.
إخفاق الإدارة الأمريكية في محاربة الإرهاب بل حتى في إلقاء القبض على أسامة بن لادن أو الملا عمر حتى تظفر بنذر يسير من المشهدية التي يمكن أن تصب إيجاباً في تلميع نتائج حربها ضد الإرهاب.
ظاهرة سجن أبو غريب وما سببته من ضررعلى الإدارة الأمريكية أو السياسة الأمريكية والشعب الأمريكي والشعوب الغربية الأخرى، ان تلك الصور التي دخلت كل بيت قدمت أمريكا ككيان لا يعني أبداً ما يقول فهي دخلت العراق تحت ذريعه أسلحة الدمار الشامل وقد ثبت بطلان ذلك، وهي غيرت المبرر ليكون علاقة النظام العراقي بتنظيم القاعدة وثبت بطلان ذلك، وهي غيرت كل ذلك ليكون المبرر هو تحرير الشعب العراقي من الخوف والسجن ثم أثبتت أنها أسوأ سجان في العالم.
ولقد تهتكت أطراف ذلك الجرح المتقيح لتؤدي لشكوك تجاه ماجرى في غوانتانامو، ثم تجاه ما يجري في سجون أمريكا في أفغانستان .
ومثل كل ذلك المشهد قدم المنظمة الدولية على أنها مؤسسة أمريكية في المقام الأول غربية في المقام االثانى، لا حول لها ولاقوة والأمين العام للأمم المتحدة يشاهد أمام ناظريه أغتصاب نساء العراق ولا يطلب جلسة طارئة لمجلس الأمن ولا للجمعية العمومية لتنظر نظرة أشمل لكل تجاوزات أمريكا هذه.
وفي ذات الوقت فإن جنون الانتخابات الأمريكية كان يمضي نحو الأيام الحرجة وكان على الجمهوريين ان يصرفوا نظر العالم عن سناريو الحادي عشر من سبتمبر والعراق وأفغانستان ومن جانبهم كان الديمقراطيون يسعون لاستغلال كل ذلك للحيلولة دون وصول الجمهوريين للبيت الأبيض لفترة أخرى وإذا كانت الإدارة الأمريكية الجمهورية قد تخيرت موضوع دارفور حتى تصرف به الأنظار عن كل ما سبقه، وإذا كانت قد حققت النجاح بعض الشئ في هذا المنحى فإن من الطبيعي ان يثابر الطرف الآخر لإفساد ذلك السيناريو ولقد لاحظ المراقبون ان وتيرة تناول المرشح الديمقراطي كيرى للشأن السوداني تتزايد يوماً بعد يوم، بل وقد بدأ أنه أشد عنفاً من رصيفه بوش وإدارته.
وسوف يسعى كيري لمواصلة انتقاد إدارة بوش والعجز الذي تتعامل به على حد رأيه تجاه مايرى في دارفور وإصراره على أن ما يجري لا يحسمه سوى تدخل أمريكا العسكري فإما ان تتدخل أمريكا عسكرياً ويكون ذلك بمثابة رصاصة الرحمة على حكم الجمهوريين لحقب طويلة قادمة، وأما ان يفطن لهذه وهو ما يحدث الآن وينطلق كيري في ذات الحملة منتقداً غريمه بأنه لم يفعل شيئاً إزاء ما يجري في دارفور.
ولقد كانت أخطر الرسائل التي بثتها وسائل الإعلام وفرضتها كهدف استراتيجي هي تصوير الصراع على أنه عدوان من المسلمين العرب على المسلمين غير العرب أولا حتى يلمس ذلك شغاف المسلمين غير العرب في كل بقاع العالم الإسلامي ويجعلهم أكثر تقبلاً لما يحاك ضد العرب وضد المسلمين وثانياً لدق أسفين داخل الجسم الإسلامي بتقسيمه إلى عرب وغير عرب .
الدور الألماني:
لقد كان اللافت للنظر أن تمثل ألمانيا محوراً جوهرياً ليس في الدعم المعنوي والمادي للمتمردين وحسب ولكن حتى في تشديد نبرتها التجريمية والتهديدية للحكومة السودانية . بل إن الموقف الألماني يمثل الأكثر سوءاً في المجموعة الأوروبية حتى بالنسبة لبريطانيا ورغم الإنكار الواضح لوزير خارجية ألمانيا خلال مؤتمره الصحافي الذي عقده خلال زيارته للخرطوم والذى اكد فيه عدم دعمهم لحاملى السلاح وتبريره لذلك بان القوانين الالمانية هى التى منحت حق اللجوء السياسى للمتمردين. إلا أن كثيراً من المؤشرات تؤكد ان دور ألمانيا غامض ومشبوه في ذات الوقت وذلك لعدة اعتبارات.ومنذ الحرب العالمية الثانية وحتى بعد توحدها ظلت ألمانيا تنأى بنفسها عن الاعتراك في المعترك الدولي ولقد كان موقفها تجاه الغزو الأمريكى البريطانى للعراق أبلغ دليل على أنها انتقلت من خانة الحياد السلبي إلى خانة الحياد الإيجابي.
طوال أزمات أفريقيا الحالية لم يعرف أي دور مميز أو صوت مميز لألمانيا ولكن ظلت ألمانيا تولي اهتماماً خاصاً بدارفور منذ فترة ليست بالقصيرة وهو اهتمام غامض ما يزال بحاجة لتفسير لكنه على أي حال ينبئ عن مثابرة ألمانية لإيجاد موطئ قدم في الإقليم ويكفي في هذا الصدد حتى على المستوي القريب ان منظمة ألمانية كانت تنفذ مشروعاً لتوطين النخيل بمنطقة كتم خلال منتصف السبعينيات ولو قيل أنها تطور أشجار الصمغ العربي هناك لكان الأمر مفهوما ولو قيل أنها توطن النخيل بالأرياف الشرقية للخرطوم أو الجزيرة لما أثار الموضوع دهشة أما ان تدخل دارفور لتوطين النخيل فيحق ان يكون الأمر مثار دهشة وتساؤل.
استضافت ألمانيا رموز التمرد بلا استثناء وأصبحت مركزاً لحراكهم ومنطلقاً لنشاطهم، وعلى سبيل المثال فإن رمزاً مثل د. علي الحاج تلقى دراساته العليا في بريطانيا وتعرف عليها وكان يجدر به أن يجعلها منطلقاً لنشاطه لكنه إتجه إلى ألمانيا وطفق يدير كل حراكه من خلال وجوده بها ومثل ذلك يصدق تماماً على كل قادة الحركتين وحراكهم وتمويلهم ومنحهم الغطاء الإعلامي والسياسي.يعتقد بعض المراقبون ان ألمانيا تستضيف أكبر عدد من أبناء دارفور مقارنة بكل دول أوروبا الأخرى.
الدور اليهودي:
في تقرير له بوكالة جويش تلغرافك بتاريخ 8/7/2004م وتحت عنوان (السودان يصبح موضوعاً يهودياً) كتب الكاتب اليهودي بيتر أيغروس ليقرر أن الجماعات اليهودية ضاعفت جهودها خلال الأسابيع الأخيرة لإيقاف قتل عشرات الآلاف من المسلمين السود في السودان ويستطرد قائلاً ورغم ان معظم التمويل اليهودي يركز على المسائل اليهودية مثل دعم إسرائيل ودعم ضحايا الإرهاب من الإسرائيليين وتوفير حاجات المجتمعات اليهويدية إلا ان إيلي ويزل الحائز على جائزة نوبل والذي ظل لسنوات يحاول وضع العنف في السودان في واجهة الأجندة الجماهيرية يقرر أنه لا مانع من التركيز على مشاكل الآخرين ويوافقه في هذا الرأي – يستطرد الكاتب- رث ميسنجر رئيس الخدمات العالمية لليهود ويقول الكاتب أن المجلس اليهودي بواشطن استضاف ذات الأسبوع حملة لرفض عمليات القتل في السودان وفي الرابع والعشرين من يونيو جمد متحف الهولوكوست الأمريكي كل نشاطاته لمدة نصف ساعة للفت الإنتباه لما يجرى في السودان ويعلن الكاتب أن التحالف اليهودي لدرء الكوارث المكون من 45 جماعة يهودية ويجمع كل ألوان الطيف السياسي والديني وضع صندوقاً بريدياً خاصاً لجمع التبرعات لاؤلئك المتضررين من هجمات العرب المدعومين من الحكومة أطلق عليه صندوق التحالف اليهودي إغاثة السودان.
وبتاريخ 28/7 نشر موقع allafrica.com أن معرض الهولوكوست الأمريكي أصدر أول إنذار لطوارئ الإبادة الجماعية للمرة الأولى في تاريخه.
ويقرر الخبر أنها المرة الأولى التي يطرق خلالها المعرض ناقوس خطر الإبادة الجماعية منذ قيامه وان المتحف رعى برنامجاً تحت مسمى (شواهد العنف على ما يحدث في دارفور).. ورغم ذلك يسترسل الخبر – فإن مدير المتحف يعتقد ان رد فعلهم هذا ليس بالقوة الكافية المطلوبة، وان المطلوب هو استمرار تصعيد الجهود ويخلص إلى ان ما يحدث هو إبادة جماعية، ثم أنه يطالب الولايات المتحدة والأمم المتحدة ان تتحرك الآن لإيقاف المجزرة وبعد ذلك لمعاقبة المسؤولين عنها. ويشير محرر الخبر كخلفية إلى ما قررته منظمة هيومان رايتس ووتش إلى أنها تملك أدلة مادية على ضلوع مسؤولين في الإبادة الجماعية، ويستشهد بما قاله بيتر تاكيرا مبور المدير التنفيذي لمنطقة هيومان رايتس ووتش من ان تلك الوثائق تكشف ان نشاطات تلك المليشيا لا يتم التغاضي عنها وحسب ولكنها بدقة مدعومة بواسطة مسؤولين حكوميين في السودان.
ثم يستخدم الكاتب ذات الخلفية التقليدية السائدة في جل وسائل الإعلام من أن ما يقدر بـ(50) إلى (100) ألف قد لقوا مصرعهم بالفعل وان (350) ألف معرضون للموت خلال هذا العام.
وعندما ركزت أجهزة الإعلام الأجنبية على أزمة دارفور بشكل كبير، وأعطتها حيزاً لم يكن متوقعاً، فإن هذا الفعل لم يتم بصورة عفوية أو بدوافع مهنية بحتة من قبل تلك الأجهزة، إنما كان عملاً مخططاً بدقة من قبل جهات أجنبية لها أجندة خاصة تريد تحقيقها من خلال ثغرة دارفور…
على المستوى المحلي:
إن أكبر المسوغات على المستوي المحلي تمثلت في حالة
الاسترخاء وتعطيل التفكير ألاستباقي وكل ذلك بسبب التركيز مطلقاً على ما كان يجري في نيفاشا وان من شأنه ان يغير نظرة الغرب تجاه السودان من حيث المبدأ وحتى بالمعيار البراغماتي فقد كان التفكير ينصب على ان أمريكا فى أمس الحاجة لمثل ذلك النجاح الدبلوماسي وباعتبارها زعيمة الغرب فهي لن تسمح باختراقه لقد ظل هذا المفهوم يعشش في خلفية كثير من المفكرين والسياسيين وبالطبع الإعلام وفات على كل هؤلاء ان أمريكا ليست كلها قوة واحدة وإنما عدة قوى تتصارع لتظفر أي منها بمغنم متى ما يسرت الظروف ذلك.
وربما أن عمليات السلام نفسها وما بلغته من نجاح كانت تمثل الداء والدواء في حين واحد.. وإذا كانت قوى اليمين المسيحي قد حركت أمريكا في اتجاه وضع حد للحرب ووضع ثقلها في اتجاه إبرام اتفاق ليس بالضرورة أن الخيرية المحضة هي هدفه الأساسى فإن هؤلاء لابد ان يكونوا قد لاحظوا ان مثل هذا الاتفاق لابد ان يساهم في بروز السودان كقوة إقليمية مؤثرة سيان ان تكون الوحدة أو الانفصال هو النتيجة الحتمية عقب الفترة الانتقالية، وإذا كان سلام الجنوب من شأنه وضع حل لمشكلة الجنوبيين المسيحيين فلا بأس ان تثار مسألة دارفور لتمثل مخرزاً في خاصرة البعير أولا لتصوير الصراع على أنه إسلامي إسلامي، وثانياً لتقديم العرب كما أسلفنا على ان تاريخهم مع البغي والعدوان تاريخ متصل.
وبالنسبة للقطاعات السودانية فقد كانت تنظر لمشكلة دارفور كمشكلة محلية ولم يدر بخلدها أن تكون ملح طعام وسائل الإعلام على مدى يومي طوال السنوات المنصرمة، وبذلك فقد أقعدهم اللهاث لدفع الاتهام تلو الاتهام عن أية تحركات استباقية أو ربما لأن زمن الحراك الاستباقي كان قد فات بالفعل.
ومثل هذا الاسترخاء الذي يقتل الحس والحراك الاستباقي يضع أكثر من علامة استفهام حول المراكز الاستراتيجية في السودان وجودها وغيابها ودورها الحالي والمستقبلي وإذا كنا قد أبرزنا الدور السالب للمنظمات الطوعية بالمنطقة فإن المنطقة بما فيها معسكرات اللاجئين بالخارج والنازحين بالداخل تحدث أما عن غياب كبير للمنظمات الطوعية الوطنية أو عدم وجود دور مؤثر لها لا سيما بما يحقق التوازن في النشاط الإعلامي لهؤلاء العاملين بالمنظمات.
غني عن القول ان تلك الأحداث أثبتت ضعف الحس الإعلامي والتكنيك والدربة لدى العاملين بالمنظمات السودانية حيث قل ان نسمع لأحدهم تصريحات بإحدى الوكالات أو الصحف أو الإذاعات أو نقرأ مفكرة يومية لأي من هؤلاء أو صورة التقطها تحدث عن واقع مغاير لما يثيره الإعلام الأجنبي ومن هنا فقد دانت الساحة تماماً للمنظمات الأجنبية تسرح وتمرح وتصور وتلقن النازحين واللاجئين دون مدافعة من نظيرها السوداني.
ومع المعلومات التي تؤكد ان ما قدمته المنظمات الطوعية السودانية من دعم مادي قد يفوق بكثير ما قدمته المنظمات الأجنبية إلا ان ما قدمته المنظمات الطوعية العالمية على المستوي الإعلامي يمثل طوفاناً من المعلومات الكاذبة التي أعيت حيلة المنظمات السودانية في التصدي لها.
استهداف السودان في الاعلام الغربي
أرجع دكتور عبدالرحمن أبو دوم مستشار وزارة الشؤون الانسانية الحملة الاعلامية التي تستهدف السودان من خلال استغلال أحداث دارفور أرجعها الي أنها حملة منظمة و مقصود منها التدبير لما بعدها , و استشهد علي ذلك بما يوجد في الويب سايد في أي موقع يتحدث عن دارفور تجد أنه يستهدف أي فرد مثل أن يطرح مقولة ( هل تريد أن تكون ناشطا من أجل دارفور ؟ ) و تقدم هذه المواقع حتي التدريب علي كتابة المقالات المؤثرة علي الوضع ( المأسوي ) و تطرق دكتور ابودوم الي الجنجويد قائلا أن الاعلام الغربي قام بتصوير الجنجويد علي أنهم العرب المدعومين من الحكومة للقضاء علي الافارقة رغم معرفتنا بثقافة الهمباتة و علمنا بأنه ليس كل أفراد الجنجويد عرب و أن الجنجويد صاروا أسطورة أكثر من أنهم حقيقة , و كذلك قال د. أبودوم اننا عندما أحصينا تناول مشكلة دارفور في الاعلام العالمي وجدنا أنها ترد أكثر من مائة مرة في اليوم و هذا في وسائل الاعلام المعروفة و المشهورة وحدها.
و كدليل علي توجيه الاعلام الغربي علي الطرق علي مواضيع بعينها فإنه عندما أرادوا إستبدال قوات الاتحاد الافريقي بقوات أممية نجد أن كل أجهزة الاعلام إتجهت الي ترويج أن قوات الاتحاد الافريقي قامت بإغتصابات في دارفور و عندما واجهتهم الحكومة بموقف قوي حول التدخل الاممي صمت الاعلام عن موضوع الاغتصابات المزعومة.
و في سبل مقاومة الهجمة الغربية الاعلامية طالب د/عبدالرحمن أبودوم الاعلاميين و حتي الباحثين و الاكاديميين باستغلال جميع المنابر المتاحة لدعم ذلك الاتجاه و في نفس الحين اعترف د/أبودوم بأن هنالك عجزا كبيرا جدا في الاعلام الخيري و الانساني و طالب بتشجيع كل الافراد علي الولوج في هذا المجال .
آفة الإعلام السوداني:
وإذا كان الدور الحاسم فيما يجرى قد ظفر به الإعلام العالمي من خلال كل هذا التدفق المزيف فإن دور الإعلام السوداني لا يقل في ضآلته عن دور المنظمات أما آفاته الرئيسية فيمكن إجمالها في الآتي:
1. ضعف الامكانات.
2. ضعف الخبرات.
3. الضعف النسبي لمعايير الأمن القومي والمصالح القومية العليا.
4. ضيق المساحة التي يظفر بها مع المسؤولين وتعذر إنسياب المعلومة على نحو سريع ومواكب.
5. حجبه عن المعلومات حتى يبدأ تناولها في الإعلام العالمي ومن ثم يجد نفسه في خانة من يحاول تفنيد تهمة ترسخت بالفعل.
6. استغراقه في المحلية وعدم قدرته على مخاطبة العالم بالأنماط التي تلائم مزاجه.
7. قلة عدد المؤسسات الإعلامية التي تنشر باللغة الإنجليزية مع قلة موارد هذه القلة التي لا تترك لها مناخاً رحيباً للتحرك.
8. قلة عدد المواقع السودانية الوطنية على شبكة الإنترنت مع ضعف مواردها وقصورها من ناحية العناصر المدربة والتكنيك اللازم وأقرب دليل هو أن موقع وكالة السودان للأبناء على شبكة الإنترنت لا يحمل الصور وعلى ذلك يمكن قياس سائر المواقع.
إن مثل هذا الإعلام بصورته الراهنة وبالظروف التي يعانيها يظل قاصراً عن تقديم الصورة المطلوبة حتى في حالة التفكير الاستباقي ناهيك عن قدرته على تصحيح مفاهيم سبقه إلى ترسيخها إعلام لا يقارن به من حيث القدرة والكفاءة ووضوح الهدف.
فنجد ان صناعة الإعلام أصبحت متقدمة ومكلفة، وفي الحرب الحديثة المكوِّن الإعلامي أصبح عاملاً رئيسًا. إذا لاحظنا أن الحروب التي تقودها أمريكا تظهر للرأي العام أنهم يصنعون وحوشًا من الشخص الذي يريدون أن يحاربوه. وهذا يوضح إن أزمة دارفور الحقيقية تكمن في محاولات تصوير هذه الأزمة وكأنها حرب إبادة جماعية تقوم بها المليشيات التابعة للقبائل العربية ضد القبائل والمجموعات الموجودة في المنطقة، وهذا الأمر لا يتفق مع معطيات الواقع على الأرض.. ونعود لنؤكد أن مشكلة دارفور في الأساس هي التنمية، فجوهر التنمية ينطوي على إمكانية الوصول إلى الموارد واستغلالها لتحقيق مستوى معيشي لائق، إلى جانب العديد من المسائل الحيوية الأخرى كتوسيع الخيارات أمام أفراد المجتمع ليكونوا أكثر قدرة على المشاركة في الحياة العامة وغير ذلك من المسائل الأخرى التي تدخل ضمن التنمية في جوانبها المختلفة .وفي حقيقة الأمر إن ما يجري في إقليم دارفور الآن تقع مسؤوليته على الدوائر الغربية التى مولت ودعمت الجماعات المسلحة فى الاقليم .
دوافع الحملة الأمريكية الغربية لاطلاق فرية الجنجويد:
أما الدوافع المعلنة من قبل الإدارة الأمريكية والدول الغربية فهي الدوافع الإنسانية، ولعل الدوافع الإنسانية الأمريكية من العسير أن يصدقها العقل السليم ما لم تقرن بعقيدة أو مصالح ظاهرة، وإلاّ فأين تلك الدوافع الإنسانية يوم يباشر الإسرائيليون وظيفتهم في التخريب بكل إخلاص؟! فلا يبالون بهدم المنازل وإن كان فيها من فيها، حتى بلغ عدد القتلى من اللبنانيين خلال شهر نحواً من ألف قتيل، وبينما تقترف الجريمة الإسرائيلية وضح النهار، وتُنقل جهاراً على شاشات التلفزة، وعلى رؤوس الأشهاد ، وعلى الرغم من أن اليد الإسرائيلية قد طالت بقاعاً خارجة عن حدودها باعتبارها دولاً مستقلة كلبنان وقطاع غزة ولعله من الطبيعي بعد ذلك أن يشق على الشرق أوسطيين أن يصدقوا الدوافع الإنسانية للإدارة الأمريكيةوالدول الغربية.
ومهما حاولت الإدارة الأمريكية التفريق بين الصورتين تظل القناعة الراسخة في جمهور الشرق الأوسط بأنه لا فارق إلاّ من حيث الأيدلوجية الصهيونية أو المصالح الأمريكية. وهذا ما يفسر به بعض المعنيين سعي الإدارة الدؤوب للتدخل في منطقة دارفور.
فمن جهة فإن هناك حرباً مستترة بين الولايات المتحدة وفرنسا على مناطق النفوذ في القارة السمراء، وقد اكتسبت أمريكا جولات على أراض كانت السيطرة فيها فرنسية، مثل: زائير، وراوندا، وبوروندي، ولا تزال الحرب سجالاً في كل من: موريتانيا وأفريقيا الوسطى بما فيها تشاد، ولعل من الصعب فصل تطورات الأوضاع في السودان عن الأهداف الفرنسية في تشاد، فتشاد لا تزال في دائرة النفوذ الفرنسي، تتمركز فيها قوات فرنسية، كما تسيطر الشركات الفرنسية على المشروعات النفطية الناشئة فيها، وتذهب بعض التحليلات إلى اعتقاد أن الامتداد بين دارفور وتشاد ليس امتداداً قَبَلياً فقط، بل امتداد نفطي على الأرجح، فالخزانات النفطية الجوفية في تلك الرقعة يتوقع أن تكون ممتدة على جانبي الحدود.
ومن جهة أخرى فإن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لتخفيض وارداتها من نفط الشرق الأوسط بحلول عام 2025م بنسبة 75%، وقد جاءت هذه الدعوة على لسان الرئيس الأمريكي جوج بوش ولن يتأتى لها ذلك إلاّ مع الاستعانة بموارد النفط في آسيا الوسطى وأفريقيا. ومن وجهة نظر أخرى قد تفسر حرص بعض الأطراف الأوروبية على التدخل؛ فقد تحدث بعض المحللين عن تداول إمكانية ربط النفط السوداني، تحديداً من مناطق بحر الغزال، بشبكات أنابيب تمتد عبر تشاد إلى ليبيا، بما يسهل تصدير النفط السوداني والتشادي إلى أوروبا عبر سواحل البحر المتوسط. وهو مشروع تحدث عنه إبان اكتشافات النفط السوداني، وثمرته التقليل من تكلفة نقل النفط إلى أوروبا، كما أنه يؤَمِّن للأوروبيين مصادر نفطية إضافية قريبة، ويقلل من اعتماد الأوروبيين على النفط من مناطق يعد حلفها الأمريكي أقوى من الأوروبي.
ومن جهة ثالثة فإن تلك المنطقة الواسعة غنية بالثروات المهملة، فقد أشارت عدة تقارير صحفية إلى وجود معادن وثروات جديرة بالعناية الغربية.
ومن جهة رابعة فإن صورة (التوتسي) و (الهوتو) في راوندا ربما غلبت على مخيلة بعض القوى الدولية أثناء التفكير في شأن دارفور، ولا سيما مع كم أرقام القتلى الهائلة المتداولة في الإعلام الغربي بل العالمي، وقد كان لتأخر تدخل المنظمة الدولية في راوندا مطلع التسعينات من القرن الماضي؛ للحيلولة دون استمرار التطهير العرقي الذي مارسته مجموعتا التوتسي والهوتو بحق بعضهما؛ سبباً في إفناء مئات الآلاف في راوندا، وتبعاً لذلك تعطلت كثير من المصالح والطاقات.
ومن جهة خامسة فإن الفرصة سانحة لنشر قيم وأخلاقيات تعتقد صلاحيتها وجدارتَها بالانتشار بعضُ الدول التي عرفت برعاية (التنصير) باسم (التبشير)، وذلك وسط أمة مسلمة يغلب فيها الجهل، وتثار فيها النعرات تجاه كل أصل عربي.
ومن جهة سادسة فإن دخول القوات الأممية قد يمهد في مستقبله إلى ملاحقة المطلوبين أمريكياً بعد أن تعطى المطالبة طابعاً أممياً، أياً كانت مناصبهم.
ومن خلال ما سبق يظهر أن دوافع التدخل متعددة دينية، ودنيوية، وأخلاقية وفقاً للقيم والمعايير الغربية.
الدور العالمى فى أزمة دارفور
خلال مؤلف له صدر العام 2000 باسم ( أمريكا هل هي بحاجة لسياسة خارجية ) يورد د. هنري كيسنجر في معرض تناوله للقارة الأفريقية مقارنة مفادها أن المألوف في أعراف الدولة أن يجئ الحس القومي سابقاً للحدود الجغرافية للدول وذلك هو السائد في كل قارات العالم عدا أفريقيا التي تمثل خروجاً على ذلك المألوف من حيث أن الحدود الجغرافية حلت قبل تشكل الحس القومي
إن تلك المقولة تشير جلياً لحداثة عهد الدولة القومية في افريقيا ومجافاته لظروف نشأة الدولة القومية في أوروبا التي نشأت أساساً على معياري وحدة الثقافة واللغة وقد يظهر ذلك جلياً من خلال ترسيم حدود دول أفريقيا التي اضطلع بها المستعمر دون أن يكون لأهل تلك الدول دور في العملية وكل ذلك السياق بمجمله أدى لما يمكن أن يطلق عليه عدم نضج الدولة القومية في أفريقيا مع استثناء نسبي لدول الشمال الأفريقي وبالنظر لذلك الواقع وإذا ما أضيف له ضعف التنمية وضعف البنيات وضيق الموارد والكساد الاقتصادي العالمي الذي حد من العون العالمي للدول الفقيرة يمكن لكل ذلك أن يمثل خلفية لقراءة منهجية لخلفيات ومسببات تلك النزاعات.
على الرغم من تلك الخصوصية الأفريقية فإنه ما من قارة في العالم إلا وتشهد نزاعات تنشأ فى الغالب بين الحكومات ومتمردين على سلطانها مهما تكن مسوغات ذلك التمرد ففي أوروبا ما تزال أعرق دولها بريطانيا تلهث بغية الوصول إلى حل للمشكلة الإيرلندية، وفي روسيا الخارجة لتوها من عباءة الإيديولوجيا تنشط أزمة الشيشان ومابين العام 1994 م وحتى قبيل نهاية الألفية المنصرمة عانت أوروبا من مشاكل البلقان وكوسوفو وإسبانيا لاتزال تعاني من مشكلة إقليم الباسك ومنظمته التي تطالب بالانفصال.
وفي آسيا تعاني كلا الهند وباكستان من أزمة كشمير، وتعاني الصين من قضايا التبت وتايوان، وتعاني سيريلانكا من تمرد نمور التاميل التي استمرت لعقود دون حل وكل تلك القارات تعتبر أصلب عوداً وأعمق جزراً في طور نضج الدولة القومية.
وفي أفريقيا ولخصوصية ما سقناه تجاهها فإن النزاعات وأشكال التمرد على الحكومات تكاد تمثل بالنسبة لأي مراقب سمة ملازمة لسائر دول القارة، ولا تقف الظاهرة عند معاناة الدول التي تواجه معضلات التمرد والنزاعات مثل الكونغو أو ساحل العاج أو ليبريا أو يوغندا أو السودان أو سيراليون أو ليبريا وإنما تتعداها نحو مقومات حراك يعتمل في كثير من الدول الأخرى التى قد تبدو على السطح أكثر استقراراً وكل ذلك وفقاً للموضوعيات التي سقناها سابقاً غير ان الواجب هو ان تتضافر جهود الباحثين والسياسيين والإعلاميين لتشكيل وعي جديد بهدف التسريع بنضج الدولة الوطنية ، ولوضع الاستراتيجيات والخطط والبرامج لاستثمار واستغلال الثروات، والإفادة القصوى من الشراكات الاقتصادية الإقليمية وتقوية أدواتها حتى تخوض معركة التنافس العالمي وإرساء قواعد الحكم الرشيد الذي يضع نصب عينيه قضايا التنمية البشرية والمادية وفق خطط مستدامة عوضاً عن المعالجات الموقوتة إن مثل ذلك السياق كفيل بإخماد ما يمكن أن يكون معتملاً حالياً في كثيراً من الدول التي تبدو كما أسلفنا أكثر استقراراً في الظاهر.
إن السودان وعلى رغم ترامي أطرافه وحساسية وضعه الجيوبولوتيكي الذي جعله في تقاطع حاد مع كثير من قوى الضغط اليميني العالمي، وما أورثته إياه الحرب طوال ما يقارب نصف قرن والمردود الاستراتيجي الضعيف على مستوى المفاهيم والخطط والبرامج وتأثير كل ذلك على البنيات الأساسية والتنمية البشرية إلا أنه يمثل واحد من الأقطار الأفريقية الأكثر تماسكاً، والأقوى نسيجاً، اجتماعياً، والأبعد أهدافاً والأرسخ في مجالات المفاهيم والاستراتيجيات والخطط والبرامج وثمة ملاحظة جديرة بالاهتمام فيما يتعلق بالوضع الجيوبولوتيكي للسودان إذ أنه الدولة العربية الإسلامية الوحيدة التي يحدها أكبر عدد من الدول غير العربية، ومع تداخل الحدود والاثنيات فإن مثل ذلك الواقع فعل فعله في إشاعة عدم الاستقرار على حدوده ، ودعم كل الحركات التى رفعت شعارات المغاضبة الأفريقية ضد العرب.
وإذا ما أضيف لكل ذلك انهيار نظام توازن القوى وأيلولة نظام العالم لأحادية القطب وإذعان المنظمات الدولية غير الموضوعي للقطب الواحد، وتأثير صراع احتلال إسرائيل للإراضي العربية مع الانحياز الغربي المعلن لعدوانها، ونزعة الغرب لعداء كل ماهو عربي في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر كل ذلك مقروءاً مع ما انتهجه الحكم الحالي في السودان تجاه :
أ. اعتماد مرجعية القيم الإسلامية وكريم الأعراف واعتبارها قوام الأمر العام.
ب. انتهاج سياسة الاعتماد على الذات وما نتج عنها من تجاوز الأزمات الاقتصادية ، إلى التحرير التجاري والإنتاج الاستثماري وتتويج كل ذلك من استخراج وتصدير للنفط مثل أكبر اختراق اقتصادي تحدثه دولة تعانى ما عاناه السودان من حصار وحجب لحقوقه لدى مؤسسات التمويل الدولي ناهيك عن الدول والمنظمات المانحة.
ج. الاختراق الدبلوماسي الذي أحدثه السودان تجاه قرارات مجلس الأمن 1041، 1051، 1070 وترميم السودان لكل علاقاته الإقليمية والعالمية.
د. قدرات المدافعة التي أبداها السودان تجاه القتال في جبهة توصف بأنها الأطول في تاريخ الحروب امتدت من أقصى السودان مرورا بتخوم جبال البحر الأحمر وحتى الركن القصي من غربه في ظل دعم معلن من دول عظمى لكل تلك الجبهات.
هـ. وأخيراً ومع قدرات المدافعة والصبر وإعلان الحكم في السودان منذ العام 1989 م أن السلام هو هدفه الاستراتيجي والطرق على تلك الحقيقة حتى أثبتت أنها خلال تطورات السلام التي سوف نشير لها تفصيلاً في موقع آخر، إن كل تلك العوامل جعلت السودان هدفاً للعديد من القوى العالمية التي قد تختلف في أهدافها لكنها تجتمع في ضرورة الكيد له.. بعضها بهدف اسقاط الحكم القائم، وبعضها بهدف استمرار عدم الاستقرار، وبعض آخر بهدف تفكيك تكل الدولة إلى كيانات صغيرة تسهل السيطرة عليها ومن ثم الإملاء خدمة لمصالح الآخرين، كل تلك الخلفية تظل لازمة لكل باحث يلتزم سلامة المنهج حتى تتنزل استخلاصاته إلى موضوعيات لا تقف عند حدود الدهشة العارضة تجاه الظاهرة وإنما تنفذ بعمق نحو مسوغاتها ومبرراتها.
ونجد أن تداعيات أزمة دارفور تشير إلى غير ذلك، حيث عملت الإدارة الأمريكية على تأليب المجتمع الدولي ضد السودان مستنفرة امكاناتها الإعلامية والدبلوماسية لهذه الغرض، وراحت تشجع وتدعم المتمردين سياسياً ومعنوياً.وقد كانت تصريحات باول المتصلة بهذه الأزمة تنطوي على إشارات سالبة أثناء جولات التفاوض في أبواجا دفعت المتمردين إلى التعنت والتمسك بمواقف متصلبة تسببت في انهيار المفاوضات فى اكثر من مرة ويذهب البعض في محاولة تفسير هذا التحول في السياسة الأمريكية إلى أن حرب الجنوب قد بلغت مرحلة توازن القوة أوتوازن الضعف،بحيث إن معطياتها ما عادت تؤهلها على الاستمرار أكثر من ذلك، وإلا نتجت عنها عواقب قد تؤدي إلى تفتيت المقومات التي تعتمد عليها. فكان لابد من تسكين الأوضاع في الجنوب والانتقال إلى الغرب لتكون دارفور البديل في هذه المرحلة من خلال أدوات جديدة ومتطورة.
إلا أننا نعتقد وبشدة أن تحول السياسة الأمريكية وميلها إلى ممارسة صنوف من الضغوطات على الخرطوم من خلال هذه الأزمة مرتبطة بنوعين من الأهداف الأولى بعيدة المدى و الثانية آنية . الأهداف البعيدة المدى تدخل ضمن سياسة التفكيك وإعادة التركيب في إطار استرتيجية الشرق الأوسط الجديد، كما تدخل ايضاً ضمن مصالح اقتصادية مرتبطة بالنفط. إذ انضم كل من السودان وتشاد لنادي المنتجين,في ظل استثمارات أمريكية في القطاع تصل إلى خمسة مليار دولار في تشاد وسيعها لإنشاء خط أنابيب ( دوبا) التشادية الذي سيربط بخط آخر قادم من مدينة ينبع السعودية ويمر عبر دارفور.
أما الأهداف القريبة المدى أو الآنية فهي ذات ارتباط وثيق بحمى الانتخابات وهذا الزعم تؤيده حالة الانفراج النسبي الحالية التي طرأت على الأزمة فور انتهاء الانتخابات وإعلان فوز بوش بفترة رئاسة ثانية، والتي بعدها صدر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1574 الذي اعتبر إيجابياً لخلوه من التهديدات والضغوط. فنجد أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي خلال حملتهما حاولا استغلال أزمة دارفور وتوظيفها لكسب أصوات الافارقة الامريكان والذين صورت لهم هذه الازمة على أنها صراع بين القبائل العربية المدعومة من الحكومة مع القبائل الأفريقية . وهذا هو الأساس الذي يمكن أن تستند إليه في تفسير دوافع صدور قرار الكونغرس الأمريكي الذي كان قد وصف أحداث دارفور بعمليات الإبادة الجماعية، وكذلك مطالبة كتلة السود في أروقة الكونغرس الرئيس بوش بالعمل على استصدار قرار قوى من مجلس الأمن الدولي يخول تكوين قوة متعددة الجنسيات لوقف ما اعتبروه فظاعات ترتكب ضد المدنيين الأفارقة .
وفي السياق ذاته قام وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول في تموز / يوليو من العام الماضي بزيارة إلى السودان استهلها بالتهديد والوعيد فور وصوله إلى مطار الخرطوم مطالباً الحكومة السودانية بوقف هجمات الجنجويد، مما يوحي بأن هدف زيارته لم يكن الوقوف على الأوضاع والتعرف على الواقع عن كثب كما هو مفترض بقدر ما أنه جاء لطرح املاءات وإضافة المزيد من الضغط. ثم جاء دور الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان الذي لم يختلف موقفه كثيراً عن موقف كولن باول، فعقب زيارته للسودان في تموز / يوليو 2004 م كرر ما ذكره باول نفسه بأتهام ميليشيات الجنجويد التي قال إنها تقوم وبدعم من الحكومة بقتل آلاف الأفارقة من سكان الإقليم، وهدد بأن المجتمع الدولي لايمكن أن يكتفي بمشاهدة ما يدور من أعمال في ظل تقاعس السلطة السودانية عن توفير الحماية والأمن.
ولم يخب ظن المتابعين للسياسة الدولية في توني بلير رئيس الوزراء البريطاني من ناحية اتساق مواقفه مع توجهات السياسية الأمريكية. فقد صرح بأنه سيمضي في الضغط على الخرطوم من أجل منع أعمال الإبادة الجماعية في إقليم دارفور. وكان قائد الجيش البرطاني مايك جاكسون قد أعلن أن بلاده متأهبة لإرسال 5000 جندي إلى دارفور. وقام بلير بزيارة إلي السودان . في تشرين الأول /أكتوبر الماضي أعلن أنها من أجل إجراء محادثات مع السلطة السودانية . وكنا نتوقع أن تكون الزيارة بداية لحدوث اختراق إيجابي في الأزمة، وبخاصة أن للبريطانيين إلماماً كبيراً ومعرفة بالأجواء السياسية العامة في السودان أكثر من غيرهم، وذلك بحكم أن السودان خضع للاستعمار البريطاني لفترة امتدت لحوالي 60 عاماً عمل خلالها البريطانيون على تطوير أنماط إدارية وصيغ للحكم تعينهم على إحكام قبضتهم على جميع أنحاء السودان بما في ذلك منطقة دارفور التي أخضعوها لحكمهم بعد حوالي 20 عاماً من دخولهم لاحتلال السودان. يضاف إلى ذلك توفر الدراسات والبحوث الميدانية ووالوثائق وسير وأخبار القبائل والأعراق المرتبطة بالسودان التي تزخر بها المكتبات البريطانية المختلفة. ولذلك كان من المنتظر أن تكون هذه الزيارة نقطة تحول في مسار هذه الأزمة من خلال دور أخلاقي تجاه هذا البلد.
أما الأتحاد الأروبي فلم يخرج عن دائرة المغالطات والتناقضات التي اكتنفت تناول معظم القوى الغربية لهذه الأزمة، فهو أيضاً هدد في غير مناسبة بفرض عقوبات على السودان لتغافل السلطات السودانية عن الاوضاع الإنسانية الحرجة في الإقليم وتورطها في ما يتعرض له المدينون من أعمال عنف، وكان آخرها تصريحات خافير سولانا رئيس مجلس العلاقات الخارجية بالإتحاد الأوربي الذي ذكر أنه لا يفكر بتوقيع عقوبات على السودان في الوقت الحالي أو يقوم بذلك دون مبرر، هذا ويتحول ملف أزمة دارفور إلى مجلس الأمن الدولي الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دوراً كبيراً
وقد أخذت الأمور تتعقد أكثر بالنسبة إلى الحكومة السودانية في ظل التوجس والمخاوف من فرض عقوبات دولية عليها . لقد كان قرار مجلس الأمن رقم 1556 الصادر في30 تموز / يوليو 2004م في هذه الأزمة بمثابة الإعلان الرسمي لتدويل قضية دارفور على الرغم من التعاون الذي أبدته الخرطوم مع الإتحاد الأفريقي في هذه القضية حرصاً منها على إبقائها في نطاقها الإقليمي والذي اضطرت إليه بعد فشلها في احتوائها محلياً. ثم جاء قرارمجلس الأمن رقم 1564الصادر في أيلول / سبتمبر 2004 م في هذه الأزمة بعد أن أدخلت على مسودته الأصلية التعديلات العديدة تماشياً مع المطالبات الأفريقة والعربية وموقف الصين التي أعلنت إمكانية استخدامها لحق الفيتو ضد أي مشروع قرار داخل مجلس الأمن تقوده الولايات المتحدة لفرض عقوبات على السودان تستهدف قطاع النفط الذي يشكل 40بالمئة من الميزانية العامة للبلاد . وكما هو معروف أن الصين تملك استثمارات ضخمة في هذا القطاع، ولذلك جاء هذا القرار ليلبي الحد الأدنى من الضغوط التي تزمع الولايات المتحدة ممارساتها على السودان. وقد امتنع عن التصويت لصالح هذا القرار أربعة أعضاء من بينهم عضوان من أصحا ب المقاعد الخمسة الدائمة
العضوية هما الصين وروسيا إلى جانب الجزائروباكستان .
من بين النتائج المهمة التي يمكن الخروج بها من خلال عرض هذه الأزمة أنه قد وضح وبشكل جلي أن الإعلام بات الساحة الأولى التي تدار منها المعركة الشرسة ضد البلاد العربية.
فقد أشرنا وبشكل صريح إلى أن النزاعات في إقليم دارفور ليست طارئاً جديداً بل هي ظاهرة متكررة في تاريخ المنطقة، إلا أن النزاع في الإقليم جرى تهويله وأخذ حجماً أكبر من حجمه بفعل الإعلام .
الابادة
لا اعتقد اننا يجب ان نستخدم كلمة "ابادة" لوصف هذا الصراع، لا يجب ذلك على الاطلاق .. يمكن ان يكون ذلك نشاطا مغزى، الا انه مع ذلك فليس هناك استهدافا منتظما لاحدى المجموعات العرقية. والكلمة لا تعنى ايضا ان الوضع فى السودان خطير للغاية فى حد ذاته.
(مرسيدس تانى نائب مدير الطوارئ اطباء بلا حدود).
لم يشاهد فريقنا دليلا على الاستهداف المتعمد لقتل اشخاص من مجموعة معينة.
(د.هجين هافى برادول اطباء بلاء حدود).
فى سبتمبر 2004 اعلن وزير الخارجية الامريكى كولن باول ان الاحداث فى دارفور شكلت "ابادة" جماعية هذا على الرغم من انه صرح قبل شههرين سابقين بان الاحداث فى دارفور ( لم تلائم اختبارات تعريف الابادة الجماعية).
فى مقابلة مع البى بى سى فى يوليو 2005 ذكر السيد/جون دانفورث المبعوث الخاص للرئيس بوش للسلام فى السودان ان وصمة الابادة كانت شيئا للاستهلاك الداخلى فى الولايات المتحدة الامريكية.
الامين العام للامم المتحدة السيد/كوفى عنان معلقا على مزاعم الابادة الجماعية اشار بالقول "انا لا اسمى القتل ابادة جماعية حتى على الرغم من انه كانت هناك انتهاكات خطيرة للقانون الدولى لحقوق الانسان.
تكثف الإدارة الأمريكية الحديث عن الإبادة الجماعية التي تحدث في دارفور، والإبادة الجماعية من محرمات القانون الدولي منذ عام 1946م، فقد أعلنت إذ ذاك الأمم المتحدة بقرارها 96/د/1 ـ المؤرخ في 11 ديسمبر 1946م، أن الإبادة الجماعية جريمة بمقتضى القانون الدولي، تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها، ويدينها العالم المتمدن.
وفي المصطلح الأممي لا تعني الإبادة الجماعية بالضرورة قتل جماعة بأسرها، بل جاء في نص الاتفاقيــة المبــرمة عـام 48م ما يوضحها، إذ تقول:
«في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية، أو إثنية، أو عنصرية، أو دينية، بصفتها هذه:
أ ـ قتل أعضاء من الجماعة.
ب ـ إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ج ـ إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
د ـ فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
هـ ـ نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى».
وقد جاءت التهمة الأمريكية بالإبادة الجماعية بعد أن مهدت لها بمزاعم؛ حاصلُها أن حصيلة القتلى في ولاية دارفور ربما وصلت إلى 300 ألف قتيل وفقاً لبعض اللجان التابعة لمجلس العموم الأمريكي(1). أما الرقم الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية فهو نحواً من 70 ألف قتيل وذلك قبيل عام وأربعة أشهر تقريباً، وتذكر بعض المصادر نحواً من 200 ألف قتيل حتى اليوم، أما تقديرات
الحكومة السودانية فكانت حتى أبريل من عام 2004م تذكر نحو 600 قتيل على أقصى تقدير، كما ذكر الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل مستشار رئيس الجمهورية وزير الخارجية السابق.
وبعد بضعة أشهر من تصريحه كانت الإحصائيات الأممية تتحدث عن نحو 30 ألفاً إلى 50 ألف قتيل، وقد علق الوزير على ذلك قائلاً: إن الأرقام أعلى بعشرة أضعاف من الأرقام الحقيقية.
وقال أمام مؤتمر صحفي عقده في القاهرة: إنه وفقاً للتقديرات الحكومية لا تتجاوز تكلفة النـزاع الدائر منذ 17 شهراً 5000 قتيل من ضمنهم 486 شرطياً. وقال: إن الأرقام مبالغ بها، وأتحدى الأمم المتحدة أن «تعطينا أسماء أو تُرينا قبور» أولئك الذين زعمت أنهم توفوا.
المبعوث الأمريكي للسودان:
في محاضرة بجامعة جون هوبكنز الأمريكية يوم 20/2/2007 نفى أندرو ناتسيوس المبعوث الأمريكي للسودان وجود إبادة جماعية في دارفور. وقال إن ما تردده الجماعات الناشطة في حقوق الإنسان في هذا الشأن يتناقض مع الواقع في الإقليم، وانتقد ناتسيوس في محاضرة نظمتها جمعية التنمية الدولية في جامعة جون هوبكنز الأمريكية مواقف الحركات المسلحة وحملها مسئولية تدهور الأوضاع الأمنية إذ أنها تمارس السلب والنهب في الإقليم، وأضاف أن الجماعات الناشطة في حقوق الإنسان ظلت تتجاهل حقائق الوضع في السودان والدور السلبي الذي تقوم به الحركات المسلحة في إزكاء الصراع وتدهور الوضع، موضحاً أن هذه الحركات ينطلق بعضها من مصالح ذاتية، الأمر الذي يعقِّد جهود الوساطة لحل النزاع .
ورفض ناتسيوس وجود دوافع عرقية في حرب دارفور، وقال "ليست بين العرب والأفارقة" مشيراً الى أن بعض القبائل العربية رفضت المشاركة في الصراع وأن بعضهم قدم المأوى والدعم للقبائل الإفريقية، وزاد: "من الخطأ اختزال الأزمة في البعد العرقي وتجاهل العوامل الاقتصادية والمناخية والبيئية" وذكر بأن الحكومة السودانية تدعم المعارضة التشادية، كما أن تشاد تدعم الحركات المسلحة في دارفور وقال إن الحل يكمن في تسوية النزاع بين البلدين.
واعترف بوجود معوقات بيروقراطية للأعمال الإنسانية وصفها بأنها لا ترقى الى سياسة مقصودة لتعويق العمل الإنساني. وأضاف أن المصاعب التي تواجه هذه المنظمات تكاد تعم القارة الإفريقية، وإنها ليست حكراً على الحكومة الحالية بل هي امتداد لسياسات حكومات سابقة اتبعت ذات النهج منذ عهد النميري والصادق المهدي.
وأكد المبعوث الأمريكي حدوث تطورات في السودان، وأشاد بمعدلات النمو الاقتصادي السوداني الذي أصبح جاذباً للاستثمارات الخارجية خاصة العربية والآسيوية مشيراً الى أن الخرطوم تشهد طفرة عمرانية تضعها في مصاف المدن وتجعلها متفوقة على العديد من المدن الإفريقية.
وذكر أن سياسة الولايات المتحدة تجاه السودان تتركز على أربعة محاور وهي انسياب العمل الإنساني، وحماية المدنيين، وحقوق الإنسان واستئناف مفاوضات الحل السلمي للأزمة في دارفور وفقا ًلاتفاقية أبوجا مع بعض التعديلات المقبولة لدى الحكومة السودانية. مشيداً بجهود د. سالم أحمد سالم ويان الياسون وتركيزهما على حل القضية وعدم التقيد بالشكليات التي تعيق التقدم نحو الحل السلمي بجانب تنفيذ اتفاق الحل الوسط في أديس ابابا وقمة الاتحاد الإفريقي في أبوجا.
الاتحاد الافريقي
ونجد ان كى دولايى كوأنتين رئيس مركز ادارة النزاعات التابع للاتحاد الافريقي الذى يتولى مراقبون منه رصد وقف اطلاق النار فى دارفور قال ان بعثة الاتحاد تحدثت الى سكان دارفور والى وكالات الاغاثة وخلصت حتى الان الى انه لا توجد عملية ابادة جماعية.
ولعل الوصول إلى حقيقةٍ وسط هذا التباين عسير؛ بيد أن بعض المؤشرات ربما أشارت إلى عدم دقة الإحصاءات الأممية وكذلك الأمريكية، فكما أشار الوزير فإن تلك الأرقام لا تعدو كونها مجرد تكهنات لن تسمي قتلى ولن تعد قبوراً، فهي لم تخرج بإحصائيات من مراكز صحية، وإنما تعويلها على حوادث محدودة، وشهادات وأقاويل لأفراد يقول غيرهم كلاماً آخراً، ونقطة أخرى مهمة تدفع للتشكيك في الإحصاءات الأممية فضلاً عن الأمريكية؛ ألا وهي عدم وجود هؤلاء على أرض دارفور التي يتحدثون عن إحصائياته إلاّ في المدة الأخيرة، فلم يتمكن الصليب الأحمر ولا الجمعيات من الانتشار بأي شكل في دارفور حتى أبريل عام 2004م.
والحاصل هنا ثلاث مجموعات للأرقام عن حصيلة القتلى: مجموعة تقدمها الحكومة، وأخرى تقدمها الأمم المتحدة، وثالثة تقدمها الولايات المتحدة بلجانها المختلفة.
هل الولايات المتحدة جديرة بتقديم مثل هذا الاتهام؟
وأياً ما كان الصواب؛ فإن السؤال الذي يرتسم في سماء الشرق الأوسط بمداد من دخان وغبار الآليات الأمريكية والحليفة في المنطقة يقول: هل يحق لأمريكا أن تتحدث عن خطر إبادة جماعية في دارفور، فضلاً عن أن تتخذ ذلك ذريعة للتدخل؟
لقد اعترفت الإدارة الأمريكية بمقتل نحو ثلاثين ألف مدني حيث تدخلت في العراق، وقد جاء هذا الاعتراف على لسان الرئيس الأمريكي قبيل مطلع العام الجاري والذي تصاعدت فيه أعمال القتل على نحو غير مسبوق، بينما تميل الجهات المعارضة للاحتلال إلى تقدير عدد القتلى بنحو ثلاثمائة ألف قتيل منذ بداية الحملة، وترى جهات أخرى توصف بالحياد أن عدد القتلى ابتداءً من عام 2003م وحتى اليوم بلغ 49760 قتيلاً وفقاً لما يبث في مصادر الإعلام المنتخبة الموثوقة(1)، وأما قبلها فقد نشرت صحيفة (فيليج فويس) الأمريكية في عدد يوم الأحد الموافق 31/8/2003م استناداً إلى دراسة ميدانية قام بها مئات الأفراد من (حزب الحرية العراقي) الجديد أوصلوا عدد القتلى العراقيين (المدنيين) منذ بداية الضربة الوقائية الأمريكية إلى حوالي 37 ألفاً و 137 قتيلاً، لتكون الحصيلة الإجمالية نحو بضعة وثمانين ألف قتيل، فضلاً عن المعاقين والمهجرين والمشردين.
وفي دراسة أخرى نشرتها قبل عامين تقريباً المجلة البريطانية الطبية (لانسيت) بالتعاون مع جامعة المستنصرية العراقية، قدر عدد المدنيين القتلى ذلك الوقت بنحو من مائة ألف مدني منذ 21 آذار عام 2003م وحتى أيلول عام 2004م، وقبل بضعة أشهر قُدر تجاوز العدد مائتي ألف قتيل، في حين تقدر بعض الجهات العراقية أعداد القتلى بمليون قتيل، فضلاً عن المفقودين ـ وهم ألوف ـ اختطفوا أو خرجوا، ولم يعثر لهم على أثر.
ولعــل الثقة فــي الأرقام الصادرة عن مجلات طبية ودراسات ميدانية ربما كانت أكبر، فالدراسات والمسح والإحصاءات أقرب للواقع من تخرصات الرئيس الأمريكي الذي نفى قائده العام (تومي فرانكس) قيامهم بإحصاء لعدد القتلى فقال: «We don't do body counts»() وهذا ـ كما لا يخفى ـ أمر مثير للدهشة؛ ولا سيما إن كان هؤلاء الذين لا يحصون القتلى، الذين سقطوا بأيديهم أو تحت حكمهم أو وصايتهم؛ يبالغون في عد القتلى بأرض لم يطؤها!
وقد أكدت دراسة صدرت حديثاً من جامعة (جونز هوبكنز) الأميركية، وتُموِّلها جامعة أخرى مرموقة هـي (متشجنMIT ) واقعية الدراسات السابقة فقد قال (جيلبرت برنهام) من مدرسة (جونز هوبكنز بلومبرج) للصحة العامة بالولايات المتحدة: «نقدر أنه نتيجةً لغزو التحالف في 18 مارس 2003م توفي 655 ألف عراقي وكانت وفاتهم زيادة على عدد الذين كان يتوقع وفاتهم في وضع لا يوجد فيه صراع». وأضاف أن ذلك يعني أن 2.5 بالمئة من السكان العراقيين لقوا حتفهم نتيجة للغزو والقتال المترتب عليه. ونشرت الخبر شبكة (BBC) في موقعها الإلكتروني تحت عنوان: واحد من بين كل 40 عراقياً يموت في العراق.
الجدير بالذكر هو أن الحكومة البريطانية وكذلك الأمريكية شككتا في هذه الإحصائية نظراً لكونها قائمة على المقابلات مع العائلات بدلاً من إحصاء الجثث جثة جثة! مع أن الدراسة قد شملت نحو 1849 أسرة تضم 12801 فرداً في 47 موقعاً، وقد تم اختيارهم عشوائياً من أنحاء مختلفة في العراق.
فكان من جملة رد الباحثين أن أساليب المسح نفسها استُخدمت لتقدير الوفيات في مناطق صراع أخرى مثل الكونغو وكوسوفو والسودان. بل قال (جيلبرت): «في دارفور استُخدم هذا النهج ذاته... واستُخدم هذا النوع نفسه من الدراسات في شرقي الكونغو، كما استُخدم في البوسنة».
ودافع الباحث (جيلبرت برنهام) عن المنهج الذي اتبعته الدراسة، ووصف صعوبة جمع البيانات في أوقات الحرب.
وقال: إن 31% من العائلات التي شملتها العينة حمَّلوا قوات التحالف مسؤولية وفاة ذويهم.
وإذا بدا جلياً أن الوضع في العراق الرازح تحت نير الإدارة الأمريكية وأحلافها ليس خيراً من الوضع في دارفور، فهل يحق للإدارة الأمريكية أن تتهم غيرها بالإبادة الجماعية؛ بينما يباد في العراق شعب بفعلها أو تحت مرآها وسمعها؟ بل وفي أفغانستان وفي كل أرض وطأتها أقدام جندها! ثم هل هي أهل لبسط الأمن حقاً؟
للأسف لم نرَ ما يشهد لها بالريادة في هذا الصدد، أما إشعال الحروب وإثارة النعرات العرقية والطائفية فقد رأينا قدرتها عليها. بل فضلاً عن المناطق الملتهبة؛ هل حفظت الولايات المتحدة الأمن في أرضها!
لعل كثيراً من الناس يعلم أن ولاية تكساس ـ وهي ثاني أكبر ولاية من حيث المساحة بعد ألاسكا ـ تبلغ مساحتها نحو مساحة ولاية دارفور الكبرى، ولكن الذي لا يعلمه كثير من الناس هو أن عدد جرائم العنف في تلك الولاية خلال الأعوام ما بين 2000 ـ 2004م قد بلغ ما يربو على الستمائة ألف جريمة وفقاً لإحصائيات وزارة العدل الأمريكية، فتأمل حال من يزعم انه قادر على بسط الأمن.
دارفور في بؤرة اهتمام العالم:
حتى قبيل منتصف يوليو 2004م فاق عدد التقارير والأخبار التي جمعها موقع ياهو على الإنترنت من وكالات محدودة أبرزها الفرنسية والأسوشيتدبرس ورويترز وبي.بي.سي مع وكالات أخرى السبعة عشر مليون مادة خبرية ومن كل ذلك فإن ما يقل عن 5% من تلك الأخبار ينتهي بخلفية تذكر ذات الاتهامات التي ترددها سائر الدوائر العالمية.
كيف حدث ذلك ، وكيف قفزت معضلة دارفور إلى تلك المرتبة العالمية غير المسبوقة في حين أن عمرها لم يتجاوز 36 شهراً؟ ولماذا حدث كل ذلك فيما كان السودان يعتقد أنه قطع شوطاً بعيداً في ترميم علاقاته الخارجية الإقليمية والعالمية بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان بلغتا الأقصى في العداء تجاهه والاستعداء ضده؟ لماذا حدث ما حدث فيما كانت أخبار السلام تكاد تحظى بتناول يومي طابعة التفاؤل والاستبشار بالمآلات؟
تمثلت السمات العامة للواقع العالمي طوال الفترة من مطلع العام 2003م وحتى العام الحالي بملامح هامة ما من شك أنها أثرت على نحو كبير في المجريات الحالية.
الولايات المتحدة وبريطانيا
كرست الدولتان ثنائية قل ان تكون مسبوقة في التاريخ الحديث وهي ثنائية ميزها اتخاذ أمريكا للقرار وانخراط بريطانيا فيه ومساهمتها في تسويغه وترويجه وهي ممارسة كرستها تجربتي غزو أفغانستان وغزو العراق.
لقد كان المأمول بعد تينك التجربتين وتداعياتهما المحلية والعالمية ان تنتهج الدولتين خياراً دبلوماسياً يراعي واقع العالم، وقد ظهرت بالفعل بوادر ذلك من خلال رعاية الولايات المتحدة لمباحثات السلام السودانية وتعاملها بحذر دبلوماسي شديد يمارس الضغوط ويتحاشى التهديد ولقد اعتبر كثير من المراقبين ان الولايات المتحدة استفادت من التجربتين وأنها تسعي الآن لاستهلال نهج جديد في شأن العالم طابعه المثابرة الدبلوماسية وربما سياسة الترغيب أحياناً . ولقد كادت الدبلوماسية الأمريكية تحديد اتفاق السلام النهائي بحيث يحمل الوجه القبيح لأمريكا الذى رسم صورته غزو أفغانستان والعراق و مخازي سجن أبو غريب.
لقد لاحظ المراقبون أن جل التعليقات الأمريكية السياسية وإلاعلامية على الأحداث في السودان حتى قبيل ذلك التاريخ ذات طابع إيجابي مقارنة بموقفها المألوف من السودان منذ مطلع التسعينات غير أن بوادر توجهات أخرى بدأت تبرز على السطح ففي حديث لصحيفة الأيام السودانية صرح القائم بالأعمال الأمريكي غيرهارد غالوشى إن مشكلة النزاع في ولايات دارفور بغرب السودان تقف حجر عثرة أمام تطبيع العلاقات بين الخرطوم وواشطن وفي حوار مع صحيفة الرأي العام السودانية ادعى غالوشى أن الطريقة التي تعالج بها الحكومة النزاع لا تشجع واشنطن على تطبيع علاقاتها مع الخرطوم، وأشار للعمليات العسكرية ودعم الخرطوم للمليشيات التابعة لها المعروفة باسم الجنجويد الذين دأبوا على إحراق القرى ومهاجمة المدنيين ومضى غالوشي قائلاً إن هذه الأعمال لاتدل على ان تحسناً قد طرأ في مجال حقوق الإنسان.
كل ذلك يجيئ بالتزامن مع تزايد تناول وكالتي BBC ورويترز لأحداث دارفور بكثير من المبالغات مع الاستزادة في نشر الصور المؤثرة على الرأي العام العالمي.
وحتى تكتمل الصورة وبتاريخ 4 مارس 2004 م أعلن رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لصحيفة البيان الإماراتية أن فظائع ترتكب في إقليم دارفور ولقد جاء تصريح لويبرز عقب زيارته لمخيم اللاجئين السودانيين في تشاد، وفي العشرين من ذات الشهر أطلق موكيش كابيلا المنسق الخاص للأمم المتحدة السابق بالسودان تصريحه الشهير لموقع هورن أوف أمريكا الذي وصف خلاله الوضع في دارفور بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم حالياً، ثم أردف ذلك بتصريح للبي بي سي جاء فيه ان أكثر من مليون شخص يتعرضون لتطهير عرقي ومضى قائلاً ان القتال بين المليشيات العربية المدعومة من قبل الحكومة والجماعات المحلية تميز بسياسة الأرض المحروقة والاغتصاب بصورة منظمة ودعا لتدخل دولي لإحلال وقف إطلاق النار وأضاف: (هذا تطهير عرقي ... هذه أسوأ أزمة إنسانية ولا أعرف لماذا لا يفعل العالم شيئاً حيالها).
لقد تبارت من بعد المنظمات ووكالات الأنباء والصحف العربية والسياسيين في إيراد التصريح وراء التصريح، والخبر إثر الخبر، والتقرير إثر التقرير مع قواسم مشتركة لا يكاد يخلو منها نص مكتوب أو مسموع أو مشاهد ممثلة.
(المليشيات العربية المدعومة بالحكومة).... (حرق القرى والاغتصاب) .. تهجير المسلمين الأفارقة من أراضيهم.. قصف الحكومة للقرى بالطائرات... لو أن مراقباً أحصى عدد ما ورد من كلمات على شاكلة (العرب ضد الأفارقة) و(الاغتصاب المنظم)، (الجنجويد) و(حرق القرى) لوجد أن ماورد منها في وكالات الأنباء ربما يفوق التردد الذي أوردته الوكالة أو الصحيفة منذ إنشائها.
أما أخطر المؤشرات في هذا الصدد وأكثرها تأثيراً فهو ذلك التصريح الذي أدلى به الأمين العام للأمم المتحدة قبل زيارته للسودان وجاء فيه ان ما يحدث في دارفور أسوأ مما شهدته رواندا. لقد مثل ذلك التصريح زاداً للعديد من وكالات الأنباء والصحف، وخلفية نسترجعها على نحو يومي لعدة أسابيع، كما أنه أضفى شرعيت على كل استرسال جاهلاً كان أم صاحب غرض.
ولا يمكن للمراقب أن يضيف جديداً على عداء كثير من المنظمات للسودان طوال الخمسة عشر عاماً المنصرمة، وفي مثل هذا الظرف فقد وجدت هذه المنظمات وعلى رأسها هيومان رايتس ووتش وأمنستي انترناشيونال وحتى بعض المنظمات التي عرفت باعتدال نسبي كمنظمة أطباء بلا حدود وجدت ضالتها فيما يجرب مستفيدة من الضوء الأخضر الذي منحته إياها الأمم المتحدة ممثلة في تصريحات أمينها العام وجل العاملين الآخرين بالأمم المتحدة ومنظماتها وكل ذلك تحت غطاء التصريحات المعادية التي يطلقها السياسيون الغربيون كما أسلفنا وإذا كانت دوائر العداء متداخلة فإن جل هذه الكيانات أصبحت تأخذ وتعطى وتتبادل الطرق على ذات الاتهامات لتمثل ما يمكن تسميته الدائرة الجهنمية لتجريم السودان وما بين تصريحات السياسيين، وتقارير المنظمات المغلوطة المجافية للحقيقة والمنطق والمقبلات التي يضيفها الإعلام تبلور ذلك التشويش العالمي الذى جعل أصدقاء السودان من المسلمين والعرب والدوائر الأخرى مغلولي الفعل إزاء الطرق اليومي على ذات الاتهامات وبذات المصطلحات التي تتدفق عبر مختلف القنوات والوسائل الإعلامية.
وقد مثلت المنظمات الأجنبية الطوعية منها والعامل بالأمم المتحدة واحدة من أخطر الأدوات التي اعتمدت عليها الحملات الإعلامية المنظمة، وكان واضحاً أن ثمة تنظيم دقيق يربط كل ذلك من خلال توحيد المصطلحات وتوحيد الروايات وما تؤكده كثير من الشواهد على أن إفادات اللاجئين والنازحين كانت تجئ متطابقة تطابقاً يجعلها تمثل تلقيناً مباشراً تلقاه هؤلاء من موظفي ومندوبي المنظمات لقد شهد مندوبو صحف سودانية مندوبي هذه المنظمات وهم ينتحون جانباً بالصحافيين الغربيين حتى إذا اقترب منهم صحافياً سودانياً توقفوا عن السياق كما ان غالب موظفي المنظمات يبدون زهداً واضحاً في الحديث للصحف والوكالات المحلية.
نجد ان أجهزة الإعلام الأجنبية كلها تركز على تصريحات وأقوال ومواقف تصور ما يجري في دارفور على أساس أنه تطهير عرقي وإبادة جماعية وأن (الجنجويد) مليشيات عربية مدعومة من الحكومة تقوم بالهجوم على قبائل أفريقية لإجلائها عن مواقعها وأن هنالك (اغتصاب جماعي) وان الحكومة تقصف المدنيين بالطائرات لإجبارهم على النزوح … وبناءً على ذلك كانت التصريحات والأقوال التي تدعو للتدخل العسكري الدولي في دارفور لإيقاف (التطهير العرقي) الذي يجري هناك…
وتم نقل موضوع دارفور إلى مجلس الأمن بشكل فيه الكثير من الإثارة مع تصريحات مسؤولين أمريكيين وأوربيين بأن ما يجري في دارفور هو (أسوأ ما يحدث في العالم اليوم) وأنه (أسوأ كارثة إنسانية في العالم) وذلك في محاولة واضحة لصرف أنظار العالم وأجهزة الإعلام العالمية التركيز على ما يجري في فلسطين والعراق من إبادة جماعية وتطهير عرقي) حقيقي وإرهاب تمارسه دول بشكل منظم تحت سمع وبصر العالم كله..
وكان الكثيرون يريدون استخدام مجلس الأمن كوسيلة لفرض العقوبات على السودان بعد إدانته دولياً..
غير أن هذه الاتهامات لم تصمد طويلاً أمام الحقائق على الأرض، فقد كانت في معظمها أما اتهامات جزافية مفتعلة من جانب خصوم الإنقاذ، وأما مواقف انطباعية متسرعة متأثرة بما تبثه وسائل الإعلام، أو إدعاءات متعمدة من قبل أصحاب الأجندة الخاصة.
فالسودان قد فتح ذراعيه لاستقبال وفود إعلامية من كل أصقاع الدنيا واستقبال مسؤولين حكوميين في عدة دول جاءوا إلى السودان وذهبوا إلى دارفور وتجولوا فيها حيث شاءوا وتحدثوا مع النازحين، ووقفوا على الحقائق على الطبيعة.
فقد زار السودان كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة وكولن باول وزير الخارجية الأمريكي ووزراء خارجية دول أوربية عديدة وممثلون عن جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي وممثلون عن الأمم المتحدة في عدة مواقع منهم أسماء جهانفير، وبدأت الأقوال والتصريحات تأخذ طابعاً مختلفاً....
- كوفي عنان يرفض تسمية ما يجري في السودان بأنه إبادة جماعية.
- كولن باول يقول أن ما يجري في دارفور لا يصل حد الإبادة الجماعية.
- أسماء جهانفير تقول أنه لا يوجد تطهير عرقي في السودان.
- وزراء خارجية أوربيون يزورون السودان يؤكدون أنه لا يوجد تطهير عرقي ولا إبادة جماعية إنما القضية هي قضية تنمية وصراع على الموارد....

معتصم الحارث الضوّي
13/04/2008, 09:05 PM
الأخت الفاضلة الأستاذة أمل
أشكرك كثيراً لتسليطك الضوء على هذه القضية فائقة الأهمية، والتي ما زالت -للأسف الشديد- لا تحظى بالعناية على المستوى العربي والإسلامي.

مع فائق تقديري

معتصم الحارث الضوّي
13/04/2008, 09:05 PM
الأخت الفاضلة الأستاذة أمل
أشكرك كثيراً لتسليطك الضوء على هذه القضية فائقة الأهمية، والتي ما زالت -للأسف الشديد- لا تحظى بالعناية على المستوى العربي والإسلامي.

مع فائق تقديري

معتصم الحارث الضوّي
13/04/2008, 09:05 PM
الأخت الفاضلة الأستاذة أمل
أشكرك كثيراً لتسليطك الضوء على هذه القضية فائقة الأهمية، والتي ما زالت -للأسف الشديد- لا تحظى بالعناية على المستوى العربي والإسلامي.

مع فائق تقديري

أمل عبدالحميد علي
14/04/2008, 08:40 AM
الاخ الموقر الاستاذ معتصم حارث الضّوي

إن أزمة دارفور كانت ولازالت مدخل لتقسيم السودان وتأجيج نيران الفتنة به مما يتطلب وقوف أبناءه وقفة صلبة لرد الهجمة الغربية عنه والتعريف بالحقائق الغائبة عن الشعوب العربية والاسلامية ، أشكرك علي كلماتك الطيبة وأتمني أن نكون دائماً معيناً للحق ضد الباطل .

أمل عبدالحميد علي
14/04/2008, 08:40 AM
الاخ الموقر الاستاذ معتصم حارث الضّوي

إن أزمة دارفور كانت ولازالت مدخل لتقسيم السودان وتأجيج نيران الفتنة به مما يتطلب وقوف أبناءه وقفة صلبة لرد الهجمة الغربية عنه والتعريف بالحقائق الغائبة عن الشعوب العربية والاسلامية ، أشكرك علي كلماتك الطيبة وأتمني أن نكون دائماً معيناً للحق ضد الباطل .

أمل عبدالحميد علي
14/04/2008, 08:40 AM
الاخ الموقر الاستاذ معتصم حارث الضّوي

إن أزمة دارفور كانت ولازالت مدخل لتقسيم السودان وتأجيج نيران الفتنة به مما يتطلب وقوف أبناءه وقفة صلبة لرد الهجمة الغربية عنه والتعريف بالحقائق الغائبة عن الشعوب العربية والاسلامية ، أشكرك علي كلماتك الطيبة وأتمني أن نكون دائماً معيناً للحق ضد الباطل .