المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاقتصاد الأمريكي ...لحظات حرجة وخطوات إلى الخلف



الدكتور أسعد الدندشلي
15/04/2008, 03:33 AM
الاقتصاد الأمريكي ...لحظات حرجة وخطوات إلى الخلف
شهد العالم منذ عام 1971 ما يقرب من 24 أزمة اقتصادية بمعدل أزمة كل سنة ونصف، وقد اختلفت تأثيراتها وحدتها على الاقتصاد العالمي. ولكن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الولايات المتحدة في الوقت الراهن تُشكل تهديداً لباقي الدول التي تدور في فلك الاقتصاد الأمريكي، أو بعبارة أخري المرتبطة بواشنطن اقتصادياً. فالولايات المتحدة الأمريكية تُشكل قطباً اقتصادياً رئيسياً في العالم، فهي شريكاً تجارياً مهما لمعظم الدول المتقدمة وتلك الصاعدة اقتصادياً لاسيما النفطية منها. وتُشابه الأزمة الحالية إلى حد بعيد أزمة الكساد العالمي الكبير التي واجهة العالم عام 1929.
وتأتي الأزمة الاقتصادية الأمريكية في وقت يعانى الاقتصاد العالمي من أزمة اقتصادية طاحنة، سواء من ناحية الاقتصاد النقدي، حيث الأزمة المالية التي تواجه أسواق المال والبنوك والوسطاء الماليين، أو من ناحية الاقتصاد الحقيقي حيث أزمة ارتفاع أسعار السلع والخدمات وأسعار النفط على مستوى العالم، الأمر الذي جعل كثيراً من الاقتصاديين يفكرون في هوية العولمة وهل عادت بالمكاسب على العالم أجمع أم أن ضررها قد فاق مكاسبها.
وقد بدأت شرارة الأزمة الحالية في الولايات المتحدة بأزمة الرهن العقاري، التي أدت إلى حالة من الركود في القطاع العقاري، وتعثر البنوك وحدوث أزمات في البورصات الأمريكية والتي انتقلت إلى نظيرتها الأوروبية مروراً بالأسيوية وصولاً إلى العربية والناشئة. وتُعد الأزمة المالية الراهنة في العالم هي الأسوأ منذ أزمة الكساد الكبير التي اجتاحت العالم عام 1929 حسب أراء الاقتصاديين الأمريكيين. ويأتي ذلك في الوقت الذي وصلت فيه معدلات النمو الأمريكي لأدنى مستوياتها على الإطلاق، فقد توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بتوقف نمو الاقتصاد الأمريكي في الربع الثاني من العام الحالي (2008) إلى مستوى صفر . والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة حالياً يتبلور في: لماذا تأثرت الاقتصاديات العالمية بأزمة الاقتصاد الأمريكي؟، ولماذا هبت كل الجهات لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي؟.
الاقتصاد الأمريكي واللحظة الحرجة
ارتبط النمو الاقتصادي المالي الأمريكي بالنمو الحقيقي حتى عام 2001. حيث كان الاقتصاد الحقيقي ينمو بخطى ثابتة، لكن لم يكن شيء من هذا القبيل في الاقتصاد المالي الذي كان ينمو بشكل أسرع إلى أن تعرض للانفجار. حيث أن التوسع المالي الكبير يعود في جزء منه إلى النشاط الاقتصادي (الاقتصاد الحقيقي )، إلا أن جزءاً لا يُستهان به يعود إلى تطوير الأدوات الائتمانية المدفوعة بالوكلاء والبنوك والسماسرة والتي يُقصد بها صناديق التحوط، وشركات الأسهم الخاصة، والديون الكبيرة والأدوات الاستثمارية والقروض غير المأمونة؛ حيث خرجت ضوابط الاقتراض عن المنطق سواء الاقتراض من الشركات أو الأفراد، وصار بإمكان أي شخص أو بنك توفير التأمينات بغض النظر عن جدوى الاقتراض أو إمكانية سداد القرض. مما أدى إلى تقليل واضح بشأن المخاطر، وتدفق نقدي كبير، وارتفاع كبير في حجم المديونيات، وعجز كبير في تسديد القروض غير المأمونة بداية من عام 2007 .
وكان من شأن هذا أن حدث انهيار كبير في الكثير من المؤسسات المالية، وخسائر كبيرة في البنوك الأمريكية ومنها إلى البنوك والمؤسسات المالية العالمية، فضلاً عن تعرض أسواق المال العالمية لانخفاضات حادة بعد الهبوط الكبير في أسواق المال الأميركية.
وفى الوقت الذي أعلن فيه هنري نيلسون Henry Nelson وزير الخزانة الأمريكي أن خسائر الاقتصاد الأمريكي من أزمة الرهن العقاري تتجاوز 400 مليار دولار، تضع تقديرات مصرفية أخرى خسائر الولايات المتحدة من أزمة الرهن العقاري عند تريليون دولار.
وتزامن مع أزمة الرهن العقاري انخفاض حاد لسعر صرف الدولار، حيث تعرض الدولار الأميركي منذ مطلع عام 2002 لانخفاضات عديدة وصلت إلى أدنى مستوياتها مقابل العملات الرئيسية، وذلك لتداعيات مشكلات أسواق الائتمان على الاقتصاد الأميركي. فقد سجل اليورو عدة مستويات قياسية مقابل الدولار ليصل إلى مستوى 1.59 دولاراً لأول مرة في تاريخه، الذي بدأ بإطلاق العملة الأوروبية الموحدة عام 1999. وفي الوقت ذاته انخفض الدولار في مقابل الين الياباني ليصل لأقل من 100 ين ياباني مقابل الدولار محققاً هبوطاً قياسياً. كما انخفض الدولار إلى أدنى مستوياته أمام الجنيه الاسترلينى والفرنك الفرنسي والفرنك السويسري، وسجل الدولار مستوى قياسياً وهو 72.7 أمام سلة من ست عملات رئيسية، وهو أضعف مستوى يسجله الدولار منذ أن أُنشأ هذا المؤشر عام 1973.
ودفع هبوط الدولار إلى مستويات قياسية أسعار النفط إلى الارتفاع ليتجاوز حدود 111 دولار للبرميل؛ مما أدى لارتفاع كبير في فاتورة واشنطن من الواردات النفطية، وارتفاع أسعار السلع الأخرى، وكذلك في ظل توقعات بتدهور الاقتصاد العالمي. وانخفاض كبير في قيمه الصادرات وليس في حجم الصادرات نتيجة مباشره لانخفاض قيمه الدولار الأمر الذي أدى لارتفاع حجم العجز التجاري الأمريكي، حيث قدّر مكتب الميزانية التابع للكونغرس العجز في الميزانية الأميركية بمبلغ 396 مليار دولار في السنة المالية التي تنتهي يوم 30 سبتمبر المقبل(2008)؛ نظراً لارتفاع النفقات دون موارد لتغطيتها في العام الماضي (2007)، وتباطؤ نمو الإيرادات. وأكد في تقرير شهري ارتفاع العجز في الميزانية الأميركية إلى 262 مليار دولار في الشهور الخمسة الأولى من السنة المالية الجارية بزيادة بلغت مائة مليار دولار مقارنة بالمدة المقابلة من السنة المالية الماضية (2007).
لماذا تأثر الاقتصاد العالمي بأزمة الاقتصاد الأمريكي؟
كان للأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية كبير الأثر على الاقتصاد العالمي، وذلك لما يمثله الاقتصاد الأمريكي من ثقل وتأثير في الاقتصاد العالمي، إذا أنه الاقتصاد الأكبر في العالم بحجم يبلغ 14 تريليون دولار، وتُشكل تجارة الولايات المتحدة الأمريكية نسبه 10 % من إجمالي التجارة العالمية. فضلاً عن أن السوق المالية الأميركية سوقاً قيادية للأسواق المالية العالمية، فعندما تهتز السوق الأميركية تبدأ الأسواق العالمية بالاهتزاز في أوروبا وآسيا، وقد تكررت هذه الحالة أكثر من مرة.
ومن الناحية الاستثمارية فإن الولايات المتحدة هي الجاذب الأول للاستثمارات في العالم. ففي دراسة وُجد أن الولايات المتحدة تستأثر وحدها بنحو 70 % من الأموال العربية المستثمرة في الخارج، والبقية موزعة بين الأسواق الأخرى. وجرى العرف لدى البنوك المركزية في أغلب دول العالم بالاحتفاظ بجزء من احتياطاتها النقدية في صورة سندات الخزانة الأميركية؛ لأنها أكثر القنوات الاستثمارية أماناً في العالم. ومع الانخفاض المتوالي لسعر صرف الدولار فقدت هذه الاحتياطيات جزءاً من قيمتها، وهربت الاستثمارات إلى مجالات أخرى أكثر استقرارا وربحيه، مثل: الاستثمار في الذهب الأمر الذي أدى لارتفاع أسعار الذهب لأسعار قياسيه تزيد عن 1000 دولار للأوقية .

أو الاستثمار في أسهم شركات البترول نتيجة لارتفاع أسعاره وربحيته؛ الأمر الذي أدى لزيادة المضاربات في أسواق المال وخصوصاً شركات البترول؛ والذي أدى لارتفاع أسعار البترول كنتيجة مباشره للمضاربات، وليس لزيادة الطلب العالمي عليه.
الأمر الأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي هو سعر صرف الدولار الأمريكي حيث يُسيطر الدولار الأمريكي على ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي في العالم، و80% من مبادلات سعر الصرف الأجنبي، كما يتم دفع أكثر من 50% من صادرات العالم بالدولار. وفي الجملة يصل حجم التداول بالدولار حول العالم حوالي ثلاثة تريليونات دولار. وأي تحرك لسعر صرف الدولار يُؤثر على أسعار السلع والخدمات في العالم كله، ومن ثم فاتورة الصادرات والواردات والاستثمار لكل دولة.

الاقتصاد ...وخطوات كثيرة للخلف
لحقت بالاقتصاد الأمريكي مؤخرا أزمة طاحنة سببت قلقا بالغا ليس فقط داخل الولايات المتحدة ذاتها وإنما فى جميع أنحاء العالم، خوفا من الآثار السلبية لهذه الأزمة على معدل نمو الاقتصاد العالمى خصوصا بعد أزمة الرهن العقارى التى شهدتها أمريكا مؤخرا ، وحاولت الإدارة الأمريكية – التى يعتبرها الكثير السبب الاساسى فى هذا الأزمة بسبب السياسات التى اتبعتها على المستويين الداخلى والخارجى – معالجة هذه الأزمة بصورة فاعلة وسريعة خصوصا مع قرب موعد الاستحقاق الانتخابى فى نوفمبر القادم، والذي بالتأكيد سوف تخيم عليه ظلال هذه الأزمة ، الأمر الذى سوف يؤثر بالقطع على فرص المرشح الجمهورى جون ماكين John McCain فى الفوز بها.
وقد اهتمت وسائل الإعلام هذا الأسبوع بهذه الأزمة ومظاهرها المختلفة ، والتى تجلت فى عدد من الأزمات فى القطاعات الاقتصادية المختلفة سواء الأسواق المالية أو الرهن العقارى أو مجالات الطاقة وأسعار البترول إلى وصلت إلى أرقام قياسية تخطت حاجز المائة دولار أمريكى.
الإدارة الأمريكية: جهود مضنية لحل الأزمة
فمن جانبها تناولت وحدة الأعمال الاقتصادية فى شبكة ABC الخطة التى قدمها وزير الخزانة الأمريكى هنرى بولسن Henry Paulson والتى أطلق عليها مسمى "مخطط إعادة الهيكلة" restructuring blueprint” " لإعادة التوازن إلى القطاع التمويلى فى الولايات المتحدة وزيادة الدور الرقابى للحكومة والوكالات الفيدرالية على التعاملات المالية فى الولايات المتحدة. وفى هذا الصدد أعد سكوت مايروتز Scott Mayerowitz تقريرا أكد فيه أن هذه الخطة ليس من المتوقع لها أن تحدث تغيرا فى القريب العاجل يعود بالنفع على الاقتصاد الأمريكى ، وبالتالى فان اثر هذه الخطة لن يظهر قبل أن ترحل الإدارة الأمريكية الحالية خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. وعلى هذا الأساس يشير التقرير إلى ان هذه الخطة لا تهدف إلى معالجة الوضع الحالى للاقتصاد الأمريكى وإنما تستهدف منع المشكلات التى قد تحدث فى الأسواق الأمريكية فى المستقبل.
خطة بولسون: ماذا يمكن أن تقدم للاقتصاد؟
وعن تفاصيل هذه الخطة أشار مايروتز Mayerowitz إلى أنها سوف تعطى مزيدا من الصلاحيات لوكالة الاحتياطى الفيدرالى Federal Reserve على حساب الوكالات الحكومية الفيدرالية الأخرى ، كما أن هناك العديد من الوكالات التى سوف يتم دمجها فى وكالات موجودة أو فى وكالات جديدة سوف يتم إنشائها.
ولفت مايروتز Mayerowitz الانتباه إلى أن القواعد التى تنظم النظام المالى داخل الولايات المتحدة تم وضعها عقب فترة الكساد العظيم Great Depression الذى ضرب الولايات المتحدة والاقتصادى العالمى فى الثلاثينيات من القرن الماضي، وبالتالي كان لابد من تعديل هذه القواعد حتى تكون قادرة على التعامل مع المشكلات والعقبات إلى تفرضها ظروف الواقع المعاش والتى هى بالضرورة تختلف عن تلك التى كانت موجودة فى فترة الثلاثينيات.
إعادة الهيكلة تثير ردود فعل متضاربة
أما صحفية الواشنطن بوست Washington post فقد اهتمت بردود الفعل إلى أثارتها الخطة التى قدمها وزير المالية، وأشار تقريرا أعده ديفيد تشو David Cho وآخرون للصحيفة إلى أن الكثير من جماعات حماية المستهلك والديمقراطيين انتقدوا الخطة بشدة ، على أساس أنها تحمى فقط احتياجات ومصالح الأسواق المالية وليس المستهلك الأمريكى. هذا وقد لفت التقرير الانتباه إلى انه ليس فقط المستهلكين الأمريكيين هم الذين لديهم هواجس وقلق من هذه الخطة ، بل إن هذه الخطة سوف تسحب العديد من الصلاحيات من بعض الوكالات الفيدرالية لصالح وكالات أخرى بينما سيتم إلغاء بعض الوكالات أو دمجها فى كيانات جديدة، الأمر الذي خلق تخوف وهواجس لدى العديد من المسئولين والموظفين داخل هذه الوكالات على مستقبلهم الوظيفى، حيث أن هذه الخطة بما تحتويه سوف تلغى العديد من المواقع الوظيفة داخل هذه الوكالات الفيدرالية.
ومن هنا أكد تشو Cho أن هذا الخطة هى كبيرة أكثر من اللازم مما قد يؤثر كثيرا على فرص نجاحها فى التطبيق الواقعي، لأنها تقوم على عمل العديد من التغيرات الجذرية التى لا يمكن تطبيقها هكذا بين يوم وليلة فى مؤسسات نشأت منذ أكثر من نصف قرن، ويصعب عليها أن تتقبل وتتعاطى مع هذه التغيرات بسهولة. أيضا هناك العديد جماعات المصالح والضغط (اللوبى) رفضت الخطة لأنها سوف تقضى الامتيازات التى كان يتيحها لهم النظام المصرفى القديم التى تستهدف الخطة إحلاله بنظام آخر جديد. فى حين امتدح البعض هذه الخطة على أساس أنها توضح وتحدد الدور الرقابى للحكومة الأمريكية على الأسواق المالية فى الولايات المتحدة ، على اعتبار أن خطة الإصلاح هذه ستعمل على إعادة النظر فى الطريقة التى تراقب بها الحكومة الأمريكية العمل داخل بورصة ووال ستريت Wall Street ، من خلال اقترح إنشاء عدد من الأجهزة التنظيمية الجديدة، إحداها سوف يشرف على عمل البنوك، والأخرى بمثابة آلية تنظيمية سوف تشرف على حماية المستهلكين الأمريكيين الخ.
الأزمة تبقى دون حل
أما جريدة النيويورك تايمز New York Times فقط اتخذت موقف هجومى من خطة الإصلاح المالى التى أعلنت عنها إدارة بوش واعتبرتها نوع من الاستعراض الإعلامى نتيجة لفشلها فى إدارة الأزمة الطاحنة التى يمر بها الاقتصاد الأمريكى دون القيام بشئ جوهرى يساعد على حل هذه الأزمة.
وأشار التقرير الذى أعده الكاتب بول كروجمان Paul Krugman إلى أن المشاكل المالية التى عايشها النظام المالى فى الولايات المتحدة على مدار السبعة شهور الماضية تؤكد أن النظام المالى الأمريكى فى حاجة ماسة إلى إصلاحات جوهرية.
وأكد كروجمان Krugman أن إدارة بوش منذ توليها الحكم فى الولايات المتحدة وهى تراقب القطاع المالى حاولت قدر الإمكان أن تخلق قطاع مصرفى تنافسى يقود الاقتصاد العالمى ، لذلك أعطت هذا القطاع حرية كبيرة فى العمل ، مما أثّر كثيرا على القدرة الرقابية للحكومة الفيدرالية. وأدى ذلك إلى العديد من المشكلات إلى ظهرت مؤخرا. وبالتالى دفعت هذه التطورات الإدارة الأمريكية إلى تقديم خطة إعادة هيكلة القطاع المالى التى أعلن عنها وزير المالية مؤخرا. لمعالجة المشاكل التى تمخضت عن سياساتها على مدار الأعوام الماضية من حكمها والتى أفضت إلى تحرير القطاع المالى تماما وغياب العديد من الآليات الرقابية.
لذلك يشير كروجمان Krugman أنه كان لزاما على الإدارة أن توسع من السلطات الرقابية والتنظيمية للوكالات الفيدرالية ، والذى يمثل تراجعا عن أيديولوجية وأفكار السوق الحر الذى تؤمن بها الإدارة الجمهورية والحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة الأمريكية ، وبات واضحا أن الإدارة الأمريكية قد وقعت فى خطأ كبير ولكنها ترفض الاعتراف به ، الأمر الذى اعتبره الكاتب أن الإدارة الأمريكية لم ولن تعترف بمثل هذا الخطأ الفادح الذى ارتكبته.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن الإدارة الأمريكية لم تتعلم شيئا من الأزمة الحالية وأنها فقط أعلنت عن الخطة من اجل أن تظهر أمام الرأى العام بمظهر الذى يسعى بشتى الطرق لمواجهة الآثار السلبية لهذه الأزمة.
أزمة الرهن العقارى تشعل المنافسة الانتخابية
أما برنامج Issue Number One على شبكة CNN فقد اهتم بالآراء التى طرحها مرشحى الرئاسة للانتخابات الرئاسية القادمة حول المشكلة الاقتصادية التى يواجهها المجتمع الأمريكى فى الوقت الحالى . واعدت دانا باش Dana Bash تقريرا بدأته بطرح سؤال "المرشحون وأموالك، هل يمكن أيا منهم تقديم الوصفة التى يحتاجها الاقتصاد؟" واستضاف البرنامج المرشح الجمهورى جون ماكين John McCain الذى أكد على أن الحكومة يجب أن تسهل الكثير من الأشياء. وبالتالى لابد أن تكون التعاملات مباشرة بين العملاء وأصحاب الأعمال دون الحاجة إلى وسطاء أو مضاربين من معدومى الضمير ، والذين كانوا – من وجهة نظره - السبب الأساسى فى تفاقم الأزمة المالية التى تمر بها الولايات المتحدة فى الوقت الحالى. وأكدت دانا Dana أن ماكين McCain لم يذكر شيئا عن أزمة الرهن العقارى فى الولايات المتحدة ولا عن الحلول التى يقترحها لمواجهتها ، وكل ما ذكره البرنامج الانتخابى للمرشح الجمهورى هو انه فى غضون الأسابيع القادمة سوف تكون هناك خطة اقتصادية بتفاصيل معينة تنتشل الاقتصاد الأمريكى من عثرته دون أن تحدد هذه التفاصيل.
وفى هذا السياق أستضاف التقرير السيناتور كريس دود Chris Dodd - والذى كان احد المرشحين فى السباق إلى الرئاسة الأمريكية - والذى أشار إلى أن الحديث عن عدة أسابيع يستطيع خلالها أيا من المرشحين الثلاث تقديم حل لهذه الأزمة التى دخلت عامها الأول دون وجود حلول ناجعة لها. ومن ثم فإن البلد فى حاجة إلى قيادة حقيقية تستطيع إخراج الولايات من هذه الأزمة التى جعلت الأمريكيين غير مطمئنين على منازلهم ووظائفهم وإمكانية خسارة كل هذا فى أى لحظة.
الطاقة معضلة جديدة تواجه الرئيس القادم
ومن جانب أخر تعرض التقرير الذى إذاعته الشبكة إلى مظهر أخر من مظاهر الأزمة التى يعيشها الاقتصاد الأمريكى منذ فترة ليست بالقصيرة وهى أزمة الطاقة والتى برزت فى المستويات الجنونية إلى وصلت إليها أسعار البترول مؤخرا. وتناول التقرير المقترحات التى قدمها المرشحون الثلاثة فى السباق الرئاسى لمواجهة أزمة الطاقة التى يواجهها المجتمع الأمريكى وتشير كافة المؤشرات إلى تضخم هذه المشكلة فى المستقبل. ولفت التقرير الانتباه إلى أن المرشحة هيلارى كلينتونHillary Clinton قدمت خطة تقوم على خفض استهلاك الكهرباء فى الولايات المتحدة بنسبة 20% بحلول عام 2020 ، كما أيضا تحدثت عن تخصيص مبلغ 50 مليار دولار _ سوف يدفع منه جزء من جانب شركات النفطية – من اجل عمل الأبحاث فى مصادر بديلة للطاقة. فى حين تعهد باراك أوباما Barack Obama بخفض انبعاثات الكربون بنسبة 80% واستثمار حوالى 150 مليار دولار فى مصادر الطاقة البديلة خلال العشرة أعوام القادمة.
أما المرشح الجمهورى جون ماكين John McCain فسياساته الخاصة بالطاقة مازالت غامضة ولم يوضحها بعد ولكنه تحدث عن تقديم حلول علمية وتكنولوجية لزيادة كفاءة الوقود
ويصل التقرير إلى نتيجة مفادها أن هذه السياسات التى طرحها المرشحون من اجل إيجاد حلول عاجلة لأزمة الطاقة تؤكد أهمية هذه المسألة كأحد الأوراق التى يمكن أن ترجح كفة مرشح على أخر فى السباق إلى البيت الأبيض ، وتعبر عن الأهمية الكبيرة التى يوليها الناخبون الأمريكيون لهذا الموضوع الهام الذى يؤثر على حياتهم اليومية بصورة مباشرة ، فضلا عن العديد من الصعوبات التى يواجهونها فى ظل هذا الاقتصاد المترنح والذى يمر بأزمة خطيرة.
المصادر: تقرير واشنطن- أسامة عبد الله – محمد الجوهري

الدكتور أسعد الدندشلي
15/04/2008, 03:33 AM
الاقتصاد الأمريكي ...لحظات حرجة وخطوات إلى الخلف
شهد العالم منذ عام 1971 ما يقرب من 24 أزمة اقتصادية بمعدل أزمة كل سنة ونصف، وقد اختلفت تأثيراتها وحدتها على الاقتصاد العالمي. ولكن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الولايات المتحدة في الوقت الراهن تُشكل تهديداً لباقي الدول التي تدور في فلك الاقتصاد الأمريكي، أو بعبارة أخري المرتبطة بواشنطن اقتصادياً. فالولايات المتحدة الأمريكية تُشكل قطباً اقتصادياً رئيسياً في العالم، فهي شريكاً تجارياً مهما لمعظم الدول المتقدمة وتلك الصاعدة اقتصادياً لاسيما النفطية منها. وتُشابه الأزمة الحالية إلى حد بعيد أزمة الكساد العالمي الكبير التي واجهة العالم عام 1929.
وتأتي الأزمة الاقتصادية الأمريكية في وقت يعانى الاقتصاد العالمي من أزمة اقتصادية طاحنة، سواء من ناحية الاقتصاد النقدي، حيث الأزمة المالية التي تواجه أسواق المال والبنوك والوسطاء الماليين، أو من ناحية الاقتصاد الحقيقي حيث أزمة ارتفاع أسعار السلع والخدمات وأسعار النفط على مستوى العالم، الأمر الذي جعل كثيراً من الاقتصاديين يفكرون في هوية العولمة وهل عادت بالمكاسب على العالم أجمع أم أن ضررها قد فاق مكاسبها.
وقد بدأت شرارة الأزمة الحالية في الولايات المتحدة بأزمة الرهن العقاري، التي أدت إلى حالة من الركود في القطاع العقاري، وتعثر البنوك وحدوث أزمات في البورصات الأمريكية والتي انتقلت إلى نظيرتها الأوروبية مروراً بالأسيوية وصولاً إلى العربية والناشئة. وتُعد الأزمة المالية الراهنة في العالم هي الأسوأ منذ أزمة الكساد الكبير التي اجتاحت العالم عام 1929 حسب أراء الاقتصاديين الأمريكيين. ويأتي ذلك في الوقت الذي وصلت فيه معدلات النمو الأمريكي لأدنى مستوياتها على الإطلاق، فقد توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بتوقف نمو الاقتصاد الأمريكي في الربع الثاني من العام الحالي (2008) إلى مستوى صفر . والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة حالياً يتبلور في: لماذا تأثرت الاقتصاديات العالمية بأزمة الاقتصاد الأمريكي؟، ولماذا هبت كل الجهات لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي؟.
الاقتصاد الأمريكي واللحظة الحرجة
ارتبط النمو الاقتصادي المالي الأمريكي بالنمو الحقيقي حتى عام 2001. حيث كان الاقتصاد الحقيقي ينمو بخطى ثابتة، لكن لم يكن شيء من هذا القبيل في الاقتصاد المالي الذي كان ينمو بشكل أسرع إلى أن تعرض للانفجار. حيث أن التوسع المالي الكبير يعود في جزء منه إلى النشاط الاقتصادي (الاقتصاد الحقيقي )، إلا أن جزءاً لا يُستهان به يعود إلى تطوير الأدوات الائتمانية المدفوعة بالوكلاء والبنوك والسماسرة والتي يُقصد بها صناديق التحوط، وشركات الأسهم الخاصة، والديون الكبيرة والأدوات الاستثمارية والقروض غير المأمونة؛ حيث خرجت ضوابط الاقتراض عن المنطق سواء الاقتراض من الشركات أو الأفراد، وصار بإمكان أي شخص أو بنك توفير التأمينات بغض النظر عن جدوى الاقتراض أو إمكانية سداد القرض. مما أدى إلى تقليل واضح بشأن المخاطر، وتدفق نقدي كبير، وارتفاع كبير في حجم المديونيات، وعجز كبير في تسديد القروض غير المأمونة بداية من عام 2007 .
وكان من شأن هذا أن حدث انهيار كبير في الكثير من المؤسسات المالية، وخسائر كبيرة في البنوك الأمريكية ومنها إلى البنوك والمؤسسات المالية العالمية، فضلاً عن تعرض أسواق المال العالمية لانخفاضات حادة بعد الهبوط الكبير في أسواق المال الأميركية.
وفى الوقت الذي أعلن فيه هنري نيلسون Henry Nelson وزير الخزانة الأمريكي أن خسائر الاقتصاد الأمريكي من أزمة الرهن العقاري تتجاوز 400 مليار دولار، تضع تقديرات مصرفية أخرى خسائر الولايات المتحدة من أزمة الرهن العقاري عند تريليون دولار.
وتزامن مع أزمة الرهن العقاري انخفاض حاد لسعر صرف الدولار، حيث تعرض الدولار الأميركي منذ مطلع عام 2002 لانخفاضات عديدة وصلت إلى أدنى مستوياتها مقابل العملات الرئيسية، وذلك لتداعيات مشكلات أسواق الائتمان على الاقتصاد الأميركي. فقد سجل اليورو عدة مستويات قياسية مقابل الدولار ليصل إلى مستوى 1.59 دولاراً لأول مرة في تاريخه، الذي بدأ بإطلاق العملة الأوروبية الموحدة عام 1999. وفي الوقت ذاته انخفض الدولار في مقابل الين الياباني ليصل لأقل من 100 ين ياباني مقابل الدولار محققاً هبوطاً قياسياً. كما انخفض الدولار إلى أدنى مستوياته أمام الجنيه الاسترلينى والفرنك الفرنسي والفرنك السويسري، وسجل الدولار مستوى قياسياً وهو 72.7 أمام سلة من ست عملات رئيسية، وهو أضعف مستوى يسجله الدولار منذ أن أُنشأ هذا المؤشر عام 1973.
ودفع هبوط الدولار إلى مستويات قياسية أسعار النفط إلى الارتفاع ليتجاوز حدود 111 دولار للبرميل؛ مما أدى لارتفاع كبير في فاتورة واشنطن من الواردات النفطية، وارتفاع أسعار السلع الأخرى، وكذلك في ظل توقعات بتدهور الاقتصاد العالمي. وانخفاض كبير في قيمه الصادرات وليس في حجم الصادرات نتيجة مباشره لانخفاض قيمه الدولار الأمر الذي أدى لارتفاع حجم العجز التجاري الأمريكي، حيث قدّر مكتب الميزانية التابع للكونغرس العجز في الميزانية الأميركية بمبلغ 396 مليار دولار في السنة المالية التي تنتهي يوم 30 سبتمبر المقبل(2008)؛ نظراً لارتفاع النفقات دون موارد لتغطيتها في العام الماضي (2007)، وتباطؤ نمو الإيرادات. وأكد في تقرير شهري ارتفاع العجز في الميزانية الأميركية إلى 262 مليار دولار في الشهور الخمسة الأولى من السنة المالية الجارية بزيادة بلغت مائة مليار دولار مقارنة بالمدة المقابلة من السنة المالية الماضية (2007).
لماذا تأثر الاقتصاد العالمي بأزمة الاقتصاد الأمريكي؟
كان للأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية كبير الأثر على الاقتصاد العالمي، وذلك لما يمثله الاقتصاد الأمريكي من ثقل وتأثير في الاقتصاد العالمي، إذا أنه الاقتصاد الأكبر في العالم بحجم يبلغ 14 تريليون دولار، وتُشكل تجارة الولايات المتحدة الأمريكية نسبه 10 % من إجمالي التجارة العالمية. فضلاً عن أن السوق المالية الأميركية سوقاً قيادية للأسواق المالية العالمية، فعندما تهتز السوق الأميركية تبدأ الأسواق العالمية بالاهتزاز في أوروبا وآسيا، وقد تكررت هذه الحالة أكثر من مرة.
ومن الناحية الاستثمارية فإن الولايات المتحدة هي الجاذب الأول للاستثمارات في العالم. ففي دراسة وُجد أن الولايات المتحدة تستأثر وحدها بنحو 70 % من الأموال العربية المستثمرة في الخارج، والبقية موزعة بين الأسواق الأخرى. وجرى العرف لدى البنوك المركزية في أغلب دول العالم بالاحتفاظ بجزء من احتياطاتها النقدية في صورة سندات الخزانة الأميركية؛ لأنها أكثر القنوات الاستثمارية أماناً في العالم. ومع الانخفاض المتوالي لسعر صرف الدولار فقدت هذه الاحتياطيات جزءاً من قيمتها، وهربت الاستثمارات إلى مجالات أخرى أكثر استقرارا وربحيه، مثل: الاستثمار في الذهب الأمر الذي أدى لارتفاع أسعار الذهب لأسعار قياسيه تزيد عن 1000 دولار للأوقية .

أو الاستثمار في أسهم شركات البترول نتيجة لارتفاع أسعاره وربحيته؛ الأمر الذي أدى لزيادة المضاربات في أسواق المال وخصوصاً شركات البترول؛ والذي أدى لارتفاع أسعار البترول كنتيجة مباشره للمضاربات، وليس لزيادة الطلب العالمي عليه.
الأمر الأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي هو سعر صرف الدولار الأمريكي حيث يُسيطر الدولار الأمريكي على ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي في العالم، و80% من مبادلات سعر الصرف الأجنبي، كما يتم دفع أكثر من 50% من صادرات العالم بالدولار. وفي الجملة يصل حجم التداول بالدولار حول العالم حوالي ثلاثة تريليونات دولار. وأي تحرك لسعر صرف الدولار يُؤثر على أسعار السلع والخدمات في العالم كله، ومن ثم فاتورة الصادرات والواردات والاستثمار لكل دولة.

الاقتصاد ...وخطوات كثيرة للخلف
لحقت بالاقتصاد الأمريكي مؤخرا أزمة طاحنة سببت قلقا بالغا ليس فقط داخل الولايات المتحدة ذاتها وإنما فى جميع أنحاء العالم، خوفا من الآثار السلبية لهذه الأزمة على معدل نمو الاقتصاد العالمى خصوصا بعد أزمة الرهن العقارى التى شهدتها أمريكا مؤخرا ، وحاولت الإدارة الأمريكية – التى يعتبرها الكثير السبب الاساسى فى هذا الأزمة بسبب السياسات التى اتبعتها على المستويين الداخلى والخارجى – معالجة هذه الأزمة بصورة فاعلة وسريعة خصوصا مع قرب موعد الاستحقاق الانتخابى فى نوفمبر القادم، والذي بالتأكيد سوف تخيم عليه ظلال هذه الأزمة ، الأمر الذى سوف يؤثر بالقطع على فرص المرشح الجمهورى جون ماكين John McCain فى الفوز بها.
وقد اهتمت وسائل الإعلام هذا الأسبوع بهذه الأزمة ومظاهرها المختلفة ، والتى تجلت فى عدد من الأزمات فى القطاعات الاقتصادية المختلفة سواء الأسواق المالية أو الرهن العقارى أو مجالات الطاقة وأسعار البترول إلى وصلت إلى أرقام قياسية تخطت حاجز المائة دولار أمريكى.
الإدارة الأمريكية: جهود مضنية لحل الأزمة
فمن جانبها تناولت وحدة الأعمال الاقتصادية فى شبكة ABC الخطة التى قدمها وزير الخزانة الأمريكى هنرى بولسن Henry Paulson والتى أطلق عليها مسمى "مخطط إعادة الهيكلة" restructuring blueprint” " لإعادة التوازن إلى القطاع التمويلى فى الولايات المتحدة وزيادة الدور الرقابى للحكومة والوكالات الفيدرالية على التعاملات المالية فى الولايات المتحدة. وفى هذا الصدد أعد سكوت مايروتز Scott Mayerowitz تقريرا أكد فيه أن هذه الخطة ليس من المتوقع لها أن تحدث تغيرا فى القريب العاجل يعود بالنفع على الاقتصاد الأمريكى ، وبالتالى فان اثر هذه الخطة لن يظهر قبل أن ترحل الإدارة الأمريكية الحالية خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. وعلى هذا الأساس يشير التقرير إلى ان هذه الخطة لا تهدف إلى معالجة الوضع الحالى للاقتصاد الأمريكى وإنما تستهدف منع المشكلات التى قد تحدث فى الأسواق الأمريكية فى المستقبل.
خطة بولسون: ماذا يمكن أن تقدم للاقتصاد؟
وعن تفاصيل هذه الخطة أشار مايروتز Mayerowitz إلى أنها سوف تعطى مزيدا من الصلاحيات لوكالة الاحتياطى الفيدرالى Federal Reserve على حساب الوكالات الحكومية الفيدرالية الأخرى ، كما أن هناك العديد من الوكالات التى سوف يتم دمجها فى وكالات موجودة أو فى وكالات جديدة سوف يتم إنشائها.
ولفت مايروتز Mayerowitz الانتباه إلى أن القواعد التى تنظم النظام المالى داخل الولايات المتحدة تم وضعها عقب فترة الكساد العظيم Great Depression الذى ضرب الولايات المتحدة والاقتصادى العالمى فى الثلاثينيات من القرن الماضي، وبالتالي كان لابد من تعديل هذه القواعد حتى تكون قادرة على التعامل مع المشكلات والعقبات إلى تفرضها ظروف الواقع المعاش والتى هى بالضرورة تختلف عن تلك التى كانت موجودة فى فترة الثلاثينيات.
إعادة الهيكلة تثير ردود فعل متضاربة
أما صحفية الواشنطن بوست Washington post فقد اهتمت بردود الفعل إلى أثارتها الخطة التى قدمها وزير المالية، وأشار تقريرا أعده ديفيد تشو David Cho وآخرون للصحيفة إلى أن الكثير من جماعات حماية المستهلك والديمقراطيين انتقدوا الخطة بشدة ، على أساس أنها تحمى فقط احتياجات ومصالح الأسواق المالية وليس المستهلك الأمريكى. هذا وقد لفت التقرير الانتباه إلى انه ليس فقط المستهلكين الأمريكيين هم الذين لديهم هواجس وقلق من هذه الخطة ، بل إن هذه الخطة سوف تسحب العديد من الصلاحيات من بعض الوكالات الفيدرالية لصالح وكالات أخرى بينما سيتم إلغاء بعض الوكالات أو دمجها فى كيانات جديدة، الأمر الذي خلق تخوف وهواجس لدى العديد من المسئولين والموظفين داخل هذه الوكالات على مستقبلهم الوظيفى، حيث أن هذه الخطة بما تحتويه سوف تلغى العديد من المواقع الوظيفة داخل هذه الوكالات الفيدرالية.
ومن هنا أكد تشو Cho أن هذا الخطة هى كبيرة أكثر من اللازم مما قد يؤثر كثيرا على فرص نجاحها فى التطبيق الواقعي، لأنها تقوم على عمل العديد من التغيرات الجذرية التى لا يمكن تطبيقها هكذا بين يوم وليلة فى مؤسسات نشأت منذ أكثر من نصف قرن، ويصعب عليها أن تتقبل وتتعاطى مع هذه التغيرات بسهولة. أيضا هناك العديد جماعات المصالح والضغط (اللوبى) رفضت الخطة لأنها سوف تقضى الامتيازات التى كان يتيحها لهم النظام المصرفى القديم التى تستهدف الخطة إحلاله بنظام آخر جديد. فى حين امتدح البعض هذه الخطة على أساس أنها توضح وتحدد الدور الرقابى للحكومة الأمريكية على الأسواق المالية فى الولايات المتحدة ، على اعتبار أن خطة الإصلاح هذه ستعمل على إعادة النظر فى الطريقة التى تراقب بها الحكومة الأمريكية العمل داخل بورصة ووال ستريت Wall Street ، من خلال اقترح إنشاء عدد من الأجهزة التنظيمية الجديدة، إحداها سوف يشرف على عمل البنوك، والأخرى بمثابة آلية تنظيمية سوف تشرف على حماية المستهلكين الأمريكيين الخ.
الأزمة تبقى دون حل
أما جريدة النيويورك تايمز New York Times فقط اتخذت موقف هجومى من خطة الإصلاح المالى التى أعلنت عنها إدارة بوش واعتبرتها نوع من الاستعراض الإعلامى نتيجة لفشلها فى إدارة الأزمة الطاحنة التى يمر بها الاقتصاد الأمريكى دون القيام بشئ جوهرى يساعد على حل هذه الأزمة.
وأشار التقرير الذى أعده الكاتب بول كروجمان Paul Krugman إلى أن المشاكل المالية التى عايشها النظام المالى فى الولايات المتحدة على مدار السبعة شهور الماضية تؤكد أن النظام المالى الأمريكى فى حاجة ماسة إلى إصلاحات جوهرية.
وأكد كروجمان Krugman أن إدارة بوش منذ توليها الحكم فى الولايات المتحدة وهى تراقب القطاع المالى حاولت قدر الإمكان أن تخلق قطاع مصرفى تنافسى يقود الاقتصاد العالمى ، لذلك أعطت هذا القطاع حرية كبيرة فى العمل ، مما أثّر كثيرا على القدرة الرقابية للحكومة الفيدرالية. وأدى ذلك إلى العديد من المشكلات إلى ظهرت مؤخرا. وبالتالى دفعت هذه التطورات الإدارة الأمريكية إلى تقديم خطة إعادة هيكلة القطاع المالى التى أعلن عنها وزير المالية مؤخرا. لمعالجة المشاكل التى تمخضت عن سياساتها على مدار الأعوام الماضية من حكمها والتى أفضت إلى تحرير القطاع المالى تماما وغياب العديد من الآليات الرقابية.
لذلك يشير كروجمان Krugman أنه كان لزاما على الإدارة أن توسع من السلطات الرقابية والتنظيمية للوكالات الفيدرالية ، والذى يمثل تراجعا عن أيديولوجية وأفكار السوق الحر الذى تؤمن بها الإدارة الجمهورية والحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة الأمريكية ، وبات واضحا أن الإدارة الأمريكية قد وقعت فى خطأ كبير ولكنها ترفض الاعتراف به ، الأمر الذى اعتبره الكاتب أن الإدارة الأمريكية لم ولن تعترف بمثل هذا الخطأ الفادح الذى ارتكبته.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن الإدارة الأمريكية لم تتعلم شيئا من الأزمة الحالية وأنها فقط أعلنت عن الخطة من اجل أن تظهر أمام الرأى العام بمظهر الذى يسعى بشتى الطرق لمواجهة الآثار السلبية لهذه الأزمة.
أزمة الرهن العقارى تشعل المنافسة الانتخابية
أما برنامج Issue Number One على شبكة CNN فقد اهتم بالآراء التى طرحها مرشحى الرئاسة للانتخابات الرئاسية القادمة حول المشكلة الاقتصادية التى يواجهها المجتمع الأمريكى فى الوقت الحالى . واعدت دانا باش Dana Bash تقريرا بدأته بطرح سؤال "المرشحون وأموالك، هل يمكن أيا منهم تقديم الوصفة التى يحتاجها الاقتصاد؟" واستضاف البرنامج المرشح الجمهورى جون ماكين John McCain الذى أكد على أن الحكومة يجب أن تسهل الكثير من الأشياء. وبالتالى لابد أن تكون التعاملات مباشرة بين العملاء وأصحاب الأعمال دون الحاجة إلى وسطاء أو مضاربين من معدومى الضمير ، والذين كانوا – من وجهة نظره - السبب الأساسى فى تفاقم الأزمة المالية التى تمر بها الولايات المتحدة فى الوقت الحالى. وأكدت دانا Dana أن ماكين McCain لم يذكر شيئا عن أزمة الرهن العقارى فى الولايات المتحدة ولا عن الحلول التى يقترحها لمواجهتها ، وكل ما ذكره البرنامج الانتخابى للمرشح الجمهورى هو انه فى غضون الأسابيع القادمة سوف تكون هناك خطة اقتصادية بتفاصيل معينة تنتشل الاقتصاد الأمريكى من عثرته دون أن تحدد هذه التفاصيل.
وفى هذا السياق أستضاف التقرير السيناتور كريس دود Chris Dodd - والذى كان احد المرشحين فى السباق إلى الرئاسة الأمريكية - والذى أشار إلى أن الحديث عن عدة أسابيع يستطيع خلالها أيا من المرشحين الثلاث تقديم حل لهذه الأزمة التى دخلت عامها الأول دون وجود حلول ناجعة لها. ومن ثم فإن البلد فى حاجة إلى قيادة حقيقية تستطيع إخراج الولايات من هذه الأزمة التى جعلت الأمريكيين غير مطمئنين على منازلهم ووظائفهم وإمكانية خسارة كل هذا فى أى لحظة.
الطاقة معضلة جديدة تواجه الرئيس القادم
ومن جانب أخر تعرض التقرير الذى إذاعته الشبكة إلى مظهر أخر من مظاهر الأزمة التى يعيشها الاقتصاد الأمريكى منذ فترة ليست بالقصيرة وهى أزمة الطاقة والتى برزت فى المستويات الجنونية إلى وصلت إليها أسعار البترول مؤخرا. وتناول التقرير المقترحات التى قدمها المرشحون الثلاثة فى السباق الرئاسى لمواجهة أزمة الطاقة التى يواجهها المجتمع الأمريكى وتشير كافة المؤشرات إلى تضخم هذه المشكلة فى المستقبل. ولفت التقرير الانتباه إلى أن المرشحة هيلارى كلينتونHillary Clinton قدمت خطة تقوم على خفض استهلاك الكهرباء فى الولايات المتحدة بنسبة 20% بحلول عام 2020 ، كما أيضا تحدثت عن تخصيص مبلغ 50 مليار دولار _ سوف يدفع منه جزء من جانب شركات النفطية – من اجل عمل الأبحاث فى مصادر بديلة للطاقة. فى حين تعهد باراك أوباما Barack Obama بخفض انبعاثات الكربون بنسبة 80% واستثمار حوالى 150 مليار دولار فى مصادر الطاقة البديلة خلال العشرة أعوام القادمة.
أما المرشح الجمهورى جون ماكين John McCain فسياساته الخاصة بالطاقة مازالت غامضة ولم يوضحها بعد ولكنه تحدث عن تقديم حلول علمية وتكنولوجية لزيادة كفاءة الوقود
ويصل التقرير إلى نتيجة مفادها أن هذه السياسات التى طرحها المرشحون من اجل إيجاد حلول عاجلة لأزمة الطاقة تؤكد أهمية هذه المسألة كأحد الأوراق التى يمكن أن ترجح كفة مرشح على أخر فى السباق إلى البيت الأبيض ، وتعبر عن الأهمية الكبيرة التى يوليها الناخبون الأمريكيون لهذا الموضوع الهام الذى يؤثر على حياتهم اليومية بصورة مباشرة ، فضلا عن العديد من الصعوبات التى يواجهونها فى ظل هذا الاقتصاد المترنح والذى يمر بأزمة خطيرة.
المصادر: تقرير واشنطن- أسامة عبد الله – محمد الجوهري

الدكتور أسعد الدندشلي
15/04/2008, 03:33 AM
الاقتصاد الأمريكي ...لحظات حرجة وخطوات إلى الخلف
شهد العالم منذ عام 1971 ما يقرب من 24 أزمة اقتصادية بمعدل أزمة كل سنة ونصف، وقد اختلفت تأثيراتها وحدتها على الاقتصاد العالمي. ولكن الأزمة الاقتصادية التي تشهدها الولايات المتحدة في الوقت الراهن تُشكل تهديداً لباقي الدول التي تدور في فلك الاقتصاد الأمريكي، أو بعبارة أخري المرتبطة بواشنطن اقتصادياً. فالولايات المتحدة الأمريكية تُشكل قطباً اقتصادياً رئيسياً في العالم، فهي شريكاً تجارياً مهما لمعظم الدول المتقدمة وتلك الصاعدة اقتصادياً لاسيما النفطية منها. وتُشابه الأزمة الحالية إلى حد بعيد أزمة الكساد العالمي الكبير التي واجهة العالم عام 1929.
وتأتي الأزمة الاقتصادية الأمريكية في وقت يعانى الاقتصاد العالمي من أزمة اقتصادية طاحنة، سواء من ناحية الاقتصاد النقدي، حيث الأزمة المالية التي تواجه أسواق المال والبنوك والوسطاء الماليين، أو من ناحية الاقتصاد الحقيقي حيث أزمة ارتفاع أسعار السلع والخدمات وأسعار النفط على مستوى العالم، الأمر الذي جعل كثيراً من الاقتصاديين يفكرون في هوية العولمة وهل عادت بالمكاسب على العالم أجمع أم أن ضررها قد فاق مكاسبها.
وقد بدأت شرارة الأزمة الحالية في الولايات المتحدة بأزمة الرهن العقاري، التي أدت إلى حالة من الركود في القطاع العقاري، وتعثر البنوك وحدوث أزمات في البورصات الأمريكية والتي انتقلت إلى نظيرتها الأوروبية مروراً بالأسيوية وصولاً إلى العربية والناشئة. وتُعد الأزمة المالية الراهنة في العالم هي الأسوأ منذ أزمة الكساد الكبير التي اجتاحت العالم عام 1929 حسب أراء الاقتصاديين الأمريكيين. ويأتي ذلك في الوقت الذي وصلت فيه معدلات النمو الأمريكي لأدنى مستوياتها على الإطلاق، فقد توقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بتوقف نمو الاقتصاد الأمريكي في الربع الثاني من العام الحالي (2008) إلى مستوى صفر . والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة حالياً يتبلور في: لماذا تأثرت الاقتصاديات العالمية بأزمة الاقتصاد الأمريكي؟، ولماذا هبت كل الجهات لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي؟.
الاقتصاد الأمريكي واللحظة الحرجة
ارتبط النمو الاقتصادي المالي الأمريكي بالنمو الحقيقي حتى عام 2001. حيث كان الاقتصاد الحقيقي ينمو بخطى ثابتة، لكن لم يكن شيء من هذا القبيل في الاقتصاد المالي الذي كان ينمو بشكل أسرع إلى أن تعرض للانفجار. حيث أن التوسع المالي الكبير يعود في جزء منه إلى النشاط الاقتصادي (الاقتصاد الحقيقي )، إلا أن جزءاً لا يُستهان به يعود إلى تطوير الأدوات الائتمانية المدفوعة بالوكلاء والبنوك والسماسرة والتي يُقصد بها صناديق التحوط، وشركات الأسهم الخاصة، والديون الكبيرة والأدوات الاستثمارية والقروض غير المأمونة؛ حيث خرجت ضوابط الاقتراض عن المنطق سواء الاقتراض من الشركات أو الأفراد، وصار بإمكان أي شخص أو بنك توفير التأمينات بغض النظر عن جدوى الاقتراض أو إمكانية سداد القرض. مما أدى إلى تقليل واضح بشأن المخاطر، وتدفق نقدي كبير، وارتفاع كبير في حجم المديونيات، وعجز كبير في تسديد القروض غير المأمونة بداية من عام 2007 .
وكان من شأن هذا أن حدث انهيار كبير في الكثير من المؤسسات المالية، وخسائر كبيرة في البنوك الأمريكية ومنها إلى البنوك والمؤسسات المالية العالمية، فضلاً عن تعرض أسواق المال العالمية لانخفاضات حادة بعد الهبوط الكبير في أسواق المال الأميركية.
وفى الوقت الذي أعلن فيه هنري نيلسون Henry Nelson وزير الخزانة الأمريكي أن خسائر الاقتصاد الأمريكي من أزمة الرهن العقاري تتجاوز 400 مليار دولار، تضع تقديرات مصرفية أخرى خسائر الولايات المتحدة من أزمة الرهن العقاري عند تريليون دولار.
وتزامن مع أزمة الرهن العقاري انخفاض حاد لسعر صرف الدولار، حيث تعرض الدولار الأميركي منذ مطلع عام 2002 لانخفاضات عديدة وصلت إلى أدنى مستوياتها مقابل العملات الرئيسية، وذلك لتداعيات مشكلات أسواق الائتمان على الاقتصاد الأميركي. فقد سجل اليورو عدة مستويات قياسية مقابل الدولار ليصل إلى مستوى 1.59 دولاراً لأول مرة في تاريخه، الذي بدأ بإطلاق العملة الأوروبية الموحدة عام 1999. وفي الوقت ذاته انخفض الدولار في مقابل الين الياباني ليصل لأقل من 100 ين ياباني مقابل الدولار محققاً هبوطاً قياسياً. كما انخفض الدولار إلى أدنى مستوياته أمام الجنيه الاسترلينى والفرنك الفرنسي والفرنك السويسري، وسجل الدولار مستوى قياسياً وهو 72.7 أمام سلة من ست عملات رئيسية، وهو أضعف مستوى يسجله الدولار منذ أن أُنشأ هذا المؤشر عام 1973.
ودفع هبوط الدولار إلى مستويات قياسية أسعار النفط إلى الارتفاع ليتجاوز حدود 111 دولار للبرميل؛ مما أدى لارتفاع كبير في فاتورة واشنطن من الواردات النفطية، وارتفاع أسعار السلع الأخرى، وكذلك في ظل توقعات بتدهور الاقتصاد العالمي. وانخفاض كبير في قيمه الصادرات وليس في حجم الصادرات نتيجة مباشره لانخفاض قيمه الدولار الأمر الذي أدى لارتفاع حجم العجز التجاري الأمريكي، حيث قدّر مكتب الميزانية التابع للكونغرس العجز في الميزانية الأميركية بمبلغ 396 مليار دولار في السنة المالية التي تنتهي يوم 30 سبتمبر المقبل(2008)؛ نظراً لارتفاع النفقات دون موارد لتغطيتها في العام الماضي (2007)، وتباطؤ نمو الإيرادات. وأكد في تقرير شهري ارتفاع العجز في الميزانية الأميركية إلى 262 مليار دولار في الشهور الخمسة الأولى من السنة المالية الجارية بزيادة بلغت مائة مليار دولار مقارنة بالمدة المقابلة من السنة المالية الماضية (2007).
لماذا تأثر الاقتصاد العالمي بأزمة الاقتصاد الأمريكي؟
كان للأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية كبير الأثر على الاقتصاد العالمي، وذلك لما يمثله الاقتصاد الأمريكي من ثقل وتأثير في الاقتصاد العالمي، إذا أنه الاقتصاد الأكبر في العالم بحجم يبلغ 14 تريليون دولار، وتُشكل تجارة الولايات المتحدة الأمريكية نسبه 10 % من إجمالي التجارة العالمية. فضلاً عن أن السوق المالية الأميركية سوقاً قيادية للأسواق المالية العالمية، فعندما تهتز السوق الأميركية تبدأ الأسواق العالمية بالاهتزاز في أوروبا وآسيا، وقد تكررت هذه الحالة أكثر من مرة.
ومن الناحية الاستثمارية فإن الولايات المتحدة هي الجاذب الأول للاستثمارات في العالم. ففي دراسة وُجد أن الولايات المتحدة تستأثر وحدها بنحو 70 % من الأموال العربية المستثمرة في الخارج، والبقية موزعة بين الأسواق الأخرى. وجرى العرف لدى البنوك المركزية في أغلب دول العالم بالاحتفاظ بجزء من احتياطاتها النقدية في صورة سندات الخزانة الأميركية؛ لأنها أكثر القنوات الاستثمارية أماناً في العالم. ومع الانخفاض المتوالي لسعر صرف الدولار فقدت هذه الاحتياطيات جزءاً من قيمتها، وهربت الاستثمارات إلى مجالات أخرى أكثر استقرارا وربحيه، مثل: الاستثمار في الذهب الأمر الذي أدى لارتفاع أسعار الذهب لأسعار قياسيه تزيد عن 1000 دولار للأوقية .

أو الاستثمار في أسهم شركات البترول نتيجة لارتفاع أسعاره وربحيته؛ الأمر الذي أدى لزيادة المضاربات في أسواق المال وخصوصاً شركات البترول؛ والذي أدى لارتفاع أسعار البترول كنتيجة مباشره للمضاربات، وليس لزيادة الطلب العالمي عليه.
الأمر الأكثر تأثيراً في الاقتصاد العالمي هو سعر صرف الدولار الأمريكي حيث يُسيطر الدولار الأمريكي على ثلثي احتياطيات النقد الأجنبي في العالم، و80% من مبادلات سعر الصرف الأجنبي، كما يتم دفع أكثر من 50% من صادرات العالم بالدولار. وفي الجملة يصل حجم التداول بالدولار حول العالم حوالي ثلاثة تريليونات دولار. وأي تحرك لسعر صرف الدولار يُؤثر على أسعار السلع والخدمات في العالم كله، ومن ثم فاتورة الصادرات والواردات والاستثمار لكل دولة.

الاقتصاد ...وخطوات كثيرة للخلف
لحقت بالاقتصاد الأمريكي مؤخرا أزمة طاحنة سببت قلقا بالغا ليس فقط داخل الولايات المتحدة ذاتها وإنما فى جميع أنحاء العالم، خوفا من الآثار السلبية لهذه الأزمة على معدل نمو الاقتصاد العالمى خصوصا بعد أزمة الرهن العقارى التى شهدتها أمريكا مؤخرا ، وحاولت الإدارة الأمريكية – التى يعتبرها الكثير السبب الاساسى فى هذا الأزمة بسبب السياسات التى اتبعتها على المستويين الداخلى والخارجى – معالجة هذه الأزمة بصورة فاعلة وسريعة خصوصا مع قرب موعد الاستحقاق الانتخابى فى نوفمبر القادم، والذي بالتأكيد سوف تخيم عليه ظلال هذه الأزمة ، الأمر الذى سوف يؤثر بالقطع على فرص المرشح الجمهورى جون ماكين John McCain فى الفوز بها.
وقد اهتمت وسائل الإعلام هذا الأسبوع بهذه الأزمة ومظاهرها المختلفة ، والتى تجلت فى عدد من الأزمات فى القطاعات الاقتصادية المختلفة سواء الأسواق المالية أو الرهن العقارى أو مجالات الطاقة وأسعار البترول إلى وصلت إلى أرقام قياسية تخطت حاجز المائة دولار أمريكى.
الإدارة الأمريكية: جهود مضنية لحل الأزمة
فمن جانبها تناولت وحدة الأعمال الاقتصادية فى شبكة ABC الخطة التى قدمها وزير الخزانة الأمريكى هنرى بولسن Henry Paulson والتى أطلق عليها مسمى "مخطط إعادة الهيكلة" restructuring blueprint” " لإعادة التوازن إلى القطاع التمويلى فى الولايات المتحدة وزيادة الدور الرقابى للحكومة والوكالات الفيدرالية على التعاملات المالية فى الولايات المتحدة. وفى هذا الصدد أعد سكوت مايروتز Scott Mayerowitz تقريرا أكد فيه أن هذه الخطة ليس من المتوقع لها أن تحدث تغيرا فى القريب العاجل يعود بالنفع على الاقتصاد الأمريكى ، وبالتالى فان اثر هذه الخطة لن يظهر قبل أن ترحل الإدارة الأمريكية الحالية خصوصا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية. وعلى هذا الأساس يشير التقرير إلى ان هذه الخطة لا تهدف إلى معالجة الوضع الحالى للاقتصاد الأمريكى وإنما تستهدف منع المشكلات التى قد تحدث فى الأسواق الأمريكية فى المستقبل.
خطة بولسون: ماذا يمكن أن تقدم للاقتصاد؟
وعن تفاصيل هذه الخطة أشار مايروتز Mayerowitz إلى أنها سوف تعطى مزيدا من الصلاحيات لوكالة الاحتياطى الفيدرالى Federal Reserve على حساب الوكالات الحكومية الفيدرالية الأخرى ، كما أن هناك العديد من الوكالات التى سوف يتم دمجها فى وكالات موجودة أو فى وكالات جديدة سوف يتم إنشائها.
ولفت مايروتز Mayerowitz الانتباه إلى أن القواعد التى تنظم النظام المالى داخل الولايات المتحدة تم وضعها عقب فترة الكساد العظيم Great Depression الذى ضرب الولايات المتحدة والاقتصادى العالمى فى الثلاثينيات من القرن الماضي، وبالتالي كان لابد من تعديل هذه القواعد حتى تكون قادرة على التعامل مع المشكلات والعقبات إلى تفرضها ظروف الواقع المعاش والتى هى بالضرورة تختلف عن تلك التى كانت موجودة فى فترة الثلاثينيات.
إعادة الهيكلة تثير ردود فعل متضاربة
أما صحفية الواشنطن بوست Washington post فقد اهتمت بردود الفعل إلى أثارتها الخطة التى قدمها وزير المالية، وأشار تقريرا أعده ديفيد تشو David Cho وآخرون للصحيفة إلى أن الكثير من جماعات حماية المستهلك والديمقراطيين انتقدوا الخطة بشدة ، على أساس أنها تحمى فقط احتياجات ومصالح الأسواق المالية وليس المستهلك الأمريكى. هذا وقد لفت التقرير الانتباه إلى انه ليس فقط المستهلكين الأمريكيين هم الذين لديهم هواجس وقلق من هذه الخطة ، بل إن هذه الخطة سوف تسحب العديد من الصلاحيات من بعض الوكالات الفيدرالية لصالح وكالات أخرى بينما سيتم إلغاء بعض الوكالات أو دمجها فى كيانات جديدة، الأمر الذي خلق تخوف وهواجس لدى العديد من المسئولين والموظفين داخل هذه الوكالات على مستقبلهم الوظيفى، حيث أن هذه الخطة بما تحتويه سوف تلغى العديد من المواقع الوظيفة داخل هذه الوكالات الفيدرالية.
ومن هنا أكد تشو Cho أن هذا الخطة هى كبيرة أكثر من اللازم مما قد يؤثر كثيرا على فرص نجاحها فى التطبيق الواقعي، لأنها تقوم على عمل العديد من التغيرات الجذرية التى لا يمكن تطبيقها هكذا بين يوم وليلة فى مؤسسات نشأت منذ أكثر من نصف قرن، ويصعب عليها أن تتقبل وتتعاطى مع هذه التغيرات بسهولة. أيضا هناك العديد جماعات المصالح والضغط (اللوبى) رفضت الخطة لأنها سوف تقضى الامتيازات التى كان يتيحها لهم النظام المصرفى القديم التى تستهدف الخطة إحلاله بنظام آخر جديد. فى حين امتدح البعض هذه الخطة على أساس أنها توضح وتحدد الدور الرقابى للحكومة الأمريكية على الأسواق المالية فى الولايات المتحدة ، على اعتبار أن خطة الإصلاح هذه ستعمل على إعادة النظر فى الطريقة التى تراقب بها الحكومة الأمريكية العمل داخل بورصة ووال ستريت Wall Street ، من خلال اقترح إنشاء عدد من الأجهزة التنظيمية الجديدة، إحداها سوف يشرف على عمل البنوك، والأخرى بمثابة آلية تنظيمية سوف تشرف على حماية المستهلكين الأمريكيين الخ.
الأزمة تبقى دون حل
أما جريدة النيويورك تايمز New York Times فقط اتخذت موقف هجومى من خطة الإصلاح المالى التى أعلنت عنها إدارة بوش واعتبرتها نوع من الاستعراض الإعلامى نتيجة لفشلها فى إدارة الأزمة الطاحنة التى يمر بها الاقتصاد الأمريكى دون القيام بشئ جوهرى يساعد على حل هذه الأزمة.
وأشار التقرير الذى أعده الكاتب بول كروجمان Paul Krugman إلى أن المشاكل المالية التى عايشها النظام المالى فى الولايات المتحدة على مدار السبعة شهور الماضية تؤكد أن النظام المالى الأمريكى فى حاجة ماسة إلى إصلاحات جوهرية.
وأكد كروجمان Krugman أن إدارة بوش منذ توليها الحكم فى الولايات المتحدة وهى تراقب القطاع المالى حاولت قدر الإمكان أن تخلق قطاع مصرفى تنافسى يقود الاقتصاد العالمى ، لذلك أعطت هذا القطاع حرية كبيرة فى العمل ، مما أثّر كثيرا على القدرة الرقابية للحكومة الفيدرالية. وأدى ذلك إلى العديد من المشكلات إلى ظهرت مؤخرا. وبالتالى دفعت هذه التطورات الإدارة الأمريكية إلى تقديم خطة إعادة هيكلة القطاع المالى التى أعلن عنها وزير المالية مؤخرا. لمعالجة المشاكل التى تمخضت عن سياساتها على مدار الأعوام الماضية من حكمها والتى أفضت إلى تحرير القطاع المالى تماما وغياب العديد من الآليات الرقابية.
لذلك يشير كروجمان Krugman أنه كان لزاما على الإدارة أن توسع من السلطات الرقابية والتنظيمية للوكالات الفيدرالية ، والذى يمثل تراجعا عن أيديولوجية وأفكار السوق الحر الذى تؤمن بها الإدارة الجمهورية والحزب الجمهورى فى الولايات المتحدة الأمريكية ، وبات واضحا أن الإدارة الأمريكية قد وقعت فى خطأ كبير ولكنها ترفض الاعتراف به ، الأمر الذى اعتبره الكاتب أن الإدارة الأمريكية لم ولن تعترف بمثل هذا الخطأ الفادح الذى ارتكبته.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن الإدارة الأمريكية لم تتعلم شيئا من الأزمة الحالية وأنها فقط أعلنت عن الخطة من اجل أن تظهر أمام الرأى العام بمظهر الذى يسعى بشتى الطرق لمواجهة الآثار السلبية لهذه الأزمة.
أزمة الرهن العقارى تشعل المنافسة الانتخابية
أما برنامج Issue Number One على شبكة CNN فقد اهتم بالآراء التى طرحها مرشحى الرئاسة للانتخابات الرئاسية القادمة حول المشكلة الاقتصادية التى يواجهها المجتمع الأمريكى فى الوقت الحالى . واعدت دانا باش Dana Bash تقريرا بدأته بطرح سؤال "المرشحون وأموالك، هل يمكن أيا منهم تقديم الوصفة التى يحتاجها الاقتصاد؟" واستضاف البرنامج المرشح الجمهورى جون ماكين John McCain الذى أكد على أن الحكومة يجب أن تسهل الكثير من الأشياء. وبالتالى لابد أن تكون التعاملات مباشرة بين العملاء وأصحاب الأعمال دون الحاجة إلى وسطاء أو مضاربين من معدومى الضمير ، والذين كانوا – من وجهة نظره - السبب الأساسى فى تفاقم الأزمة المالية التى تمر بها الولايات المتحدة فى الوقت الحالى. وأكدت دانا Dana أن ماكين McCain لم يذكر شيئا عن أزمة الرهن العقارى فى الولايات المتحدة ولا عن الحلول التى يقترحها لمواجهتها ، وكل ما ذكره البرنامج الانتخابى للمرشح الجمهورى هو انه فى غضون الأسابيع القادمة سوف تكون هناك خطة اقتصادية بتفاصيل معينة تنتشل الاقتصاد الأمريكى من عثرته دون أن تحدد هذه التفاصيل.
وفى هذا السياق أستضاف التقرير السيناتور كريس دود Chris Dodd - والذى كان احد المرشحين فى السباق إلى الرئاسة الأمريكية - والذى أشار إلى أن الحديث عن عدة أسابيع يستطيع خلالها أيا من المرشحين الثلاث تقديم حل لهذه الأزمة التى دخلت عامها الأول دون وجود حلول ناجعة لها. ومن ثم فإن البلد فى حاجة إلى قيادة حقيقية تستطيع إخراج الولايات من هذه الأزمة التى جعلت الأمريكيين غير مطمئنين على منازلهم ووظائفهم وإمكانية خسارة كل هذا فى أى لحظة.
الطاقة معضلة جديدة تواجه الرئيس القادم
ومن جانب أخر تعرض التقرير الذى إذاعته الشبكة إلى مظهر أخر من مظاهر الأزمة التى يعيشها الاقتصاد الأمريكى منذ فترة ليست بالقصيرة وهى أزمة الطاقة والتى برزت فى المستويات الجنونية إلى وصلت إليها أسعار البترول مؤخرا. وتناول التقرير المقترحات التى قدمها المرشحون الثلاثة فى السباق الرئاسى لمواجهة أزمة الطاقة التى يواجهها المجتمع الأمريكى وتشير كافة المؤشرات إلى تضخم هذه المشكلة فى المستقبل. ولفت التقرير الانتباه إلى أن المرشحة هيلارى كلينتونHillary Clinton قدمت خطة تقوم على خفض استهلاك الكهرباء فى الولايات المتحدة بنسبة 20% بحلول عام 2020 ، كما أيضا تحدثت عن تخصيص مبلغ 50 مليار دولار _ سوف يدفع منه جزء من جانب شركات النفطية – من اجل عمل الأبحاث فى مصادر بديلة للطاقة. فى حين تعهد باراك أوباما Barack Obama بخفض انبعاثات الكربون بنسبة 80% واستثمار حوالى 150 مليار دولار فى مصادر الطاقة البديلة خلال العشرة أعوام القادمة.
أما المرشح الجمهورى جون ماكين John McCain فسياساته الخاصة بالطاقة مازالت غامضة ولم يوضحها بعد ولكنه تحدث عن تقديم حلول علمية وتكنولوجية لزيادة كفاءة الوقود
ويصل التقرير إلى نتيجة مفادها أن هذه السياسات التى طرحها المرشحون من اجل إيجاد حلول عاجلة لأزمة الطاقة تؤكد أهمية هذه المسألة كأحد الأوراق التى يمكن أن ترجح كفة مرشح على أخر فى السباق إلى البيت الأبيض ، وتعبر عن الأهمية الكبيرة التى يوليها الناخبون الأمريكيون لهذا الموضوع الهام الذى يؤثر على حياتهم اليومية بصورة مباشرة ، فضلا عن العديد من الصعوبات التى يواجهونها فى ظل هذا الاقتصاد المترنح والذى يمر بأزمة خطيرة.
المصادر: تقرير واشنطن- أسامة عبد الله – محمد الجوهري