الدكتور شاكر مطلق
15/04/2008, 09:45 AM
اعترفوا أيّها الشعراءُ أيضاً ! ...
د. شاكـر مطـلق
" اعترفوا بذلك ، فشعراء الشرق أعظم ( منّا ) " .
هذه الكلمات قالها شاعر عظيم قبل أكثر من مئتي عام ، ولم تكن مجرّد كلمات مجاملة أو رفع عتب ، لأي سبب كان ، إنما كانت تعبر بصدق وإخلاص عن موقف هذا الرجل الموسوعي الشاعر الألماني الكبير
" يوهان وولفغانغ فون غوتِهْ " ( بالتاء المخففة ).
استلهم هذا الشاعر الشرق الساحر وشعره العظيم في أروع أعماله وبخاصة في ديوانه " الشرقي الغربي " وفيه يقول :
ما أروع الشرق
اقتحَم إلينا عبْرَ المتوّسط
فقط من يعرف " حافظاً " ويحبّه
يَفهم ما غنَّى " كالدِِرون " .
بهذه الأبيات القليلة استطاع هذا العقل العبقري أن يرسم صورة تفاعل حضاري قديم بين الشرق والغرب وأن يقيم الدليل والجسر على ذلك العبور ، الذي يجعل مَن فهم شعر حافظاً الشّيِرازي شرطاً لفهم إبداع شاعر إسبانيا العظيم " بيدرو كالدِرون دي لاباركا " ( 1600 _ 1687 ) .
لقد سحَر عالمُ الشرق وعمق كبار شعرائه العظام، هذا الشاعر العظيم ، الذي كان هو أيضاً موسوعياً في المعرفة والشعر وحتى في العلم ، وقد اكتشف أحد العِظام في اليد ، وحاول أن يقرأ المعلَّقات بالعربية ، التي تعلّمها أيضاً على يد أحد كبار المستشرقين ، وكتب على منوال شعرها أجمل الغزل في ( زُليخا ) ،كما كتب بجد مذهل غيرها من الأعمال الرائعة وفي قمتها مأساته الشعرية " فاوست " ، الدكتور فاوست بشكله الأوليّ ، ثم بطلب مِن أصدقائه وبخاصة ( فريدريش شِلَرْ ) _ شاعر ألمانيا العظيم الآخر _ الذي حثه على إنهاء العمل الهام هذا،فقام بمتابعة العمل فيه وأنجزه بعد أن استغرق حوالي ستين عاماً ( بين 1775 وحتى وفاته في العام 1832 م. ) .
اليوم ، وبعد انقضاء أكثر من قرنين ونصف على تلك المقولة ، علينا نحن أبناء الشرق وشعرائه أن نتساءل بصدق : " أين نقف الآن من تلك المقولة ؟ " وهل ينطبق هذا القول علينا اليوم ،أم أنه قد عفا عليه الدهر ؟ ، وهل تتّسم ثقافتنا بالشمولية الآن ، وإبداعنا بالتَّفرد ،حتى نخترق المتوسط وغيره من بحار العالم ،لنوصل ثقافتنا أو بعض شعرنا إلى هناك ، أم أننا ننشِد في قمقم مغلق ، ونخربش أحلامنا على الرمال حتى تمحوها أمواج المساء أو رياح الصباح ؟
لا أريد هنا أن أقيِّم ولا أناقش ما قاله ذلك العبقري يوهان وولفغانغ فون غوتِهْ وإنما أريد ، بل آمل من الشعراء في الوطن العربيّ ، وأنا منهم ، أن يقوموا بمراجعة للمواقع وللواقع ، بصدق وبنقد جريء ،دون أن أنسى طبعاً مقولة أن " مزمار الحي لا يطرب " ولا مقولة " لا كرامة ... " وغير ذلك الكثير .
سُئل ( غوته ) مرة بعد عودته من احتفال كبير ، إنْ كان قد سُرَّ به فأجاب بأدب :
" لو كان ( الاحتفال ) كتـباً لما قرأتها " .
يقول مثل صيني " الفن كالأعشاب الطبية ، لا تصلح لكل الناس " .
عالِم الفيزياء والفيلسوف الألماني " جورج كريستوف ليشتنبرغ " - من القرن الثامن عشر - يقول متسائلاً:
" عندما يصطدم رأسٌ بكتابٍ ، ويكون الإيقاع فارغاً ( كالصدى ) هل يكون دوماً الكتاب ( هو المسؤول ) ؟ " .
صحيح أن الفن ، بأشكاله العديدة ، بما فيها الأدب طبعاً ، ليس بالخبز – قوتنا اليوميّ – اللازم لاستمرار عمل آلة الجسد ، ولكن الصحيح أيضاً أنه رُحـاقُ الحياة الروحية ومهذّب النفس ونسيم العقل للإنسان .
يقول الصينيون – بتصرف لفظيّ قليلٍ -:
" الأمر ، فيما يتعلق بالشعراء والرسامين والموسيقيين ، يكون كما هو الحال عليه في الفِطْرْ : ستبحث بين عشرة آلاف فطرٍ سيئٍ ( سام ) ، لتعثر على واحدٍ جيد ".
السّؤال الآن هو : هل يمكن لكل شاعر أن يكون المتنبي أو غوته أو كالدرون أو غيرهم من الشعراء العظام ؟
، أم أن الإبداع شيء نسبي خاضع لذوق وزمان ( وموضة ) ما ، تصنع أحياناً أبطالاً زّائفين ،تنفخهم كالفقاعات حتى حدود الانفجار ، بينما قد يوجد هناك ، في مملكة الظلال، أرواحٌ شاعريةٌ تنمو وتزهر بصمت وكبرياء ، تحاور المطلقَ دون ضجيجٍ ودون أن تبوح بسرها للريح ؟
( لا تبحْ بسرّكَ للريح – شعرٌ وحكَمٌ من الصين واليابان – ترجمة د.شاكر مطلق – دار الذاكرة حمص عام 1991).
قبل ألفي عام قال الشاعر الروماني " يوفيناليس " : " عندما تفشل الموهبة يخلق الغضبُ الشاعرَ " . بعده بثمانية عشر قرناً قال الفيلسوف المعروف " ليشتِنْبيرغ " : " الأهل الذين يشعرون بأن ابنهم يريد أن يصبح شاعراً محترفاً ، عليهم بضربه ،حتى يترك نظم الشعر ، أو يصبح شاعراً كبيراً " .
هكذا الأمر إذن : قَدَر الشاعر أن يُضرب حتى الإبداع ،أو أن يخلقه الغضبُ أو يكون إبداعُه دوماً مقروناً بقدرٍ يحتِّم عليه المعاناة والإملاق،كما يقول لِسينغ( 1729-1781)كاتب"ناثان الحكيم" من عام ( 1779 ) وغيره من الأعمال الدرامية الهامة .
الرسام _ الشاعر الساخر الألماني "فيلهيلم بوش" ( 1832 _ 1908 ) الذي أدرك لعبة العرض والطلب في الفن والأدب قال ساخراً : " بسهولة يمكن للمرء أن ( يتعلم ) الرسم ولكن الصعوبة تكمن في الوصول إلى مَن يدفع (الثمن لقاء الإبداع ) " ، ولكن المثل الألماني يقول أيضاً : " إنها دوماً البراميل الفارغة ، التي تحدث أكبرَ ضجيج " مع العلم " أن للفن جذوراً مُـرَّة وثماراً حُلوةً " ، ويقودنا هذا إلى مسألةٍ إشكاليةٍ كبرى ، مسألة الغرور وتضخّم " الأنا " بين المبدعين ، الظاهرة التي غدت للأسف ، لدى البعض ، وكأنها جزء من الإبداع لا بد منه.
أوَلم يقل الفيلسوف العظيم والشاعر " فريدريش نيتشه ( 1844 - 1900 ) :
" إن غرورَ الآخرين يصدم ذوقَنا فقط ، عندما يصطدم بغرورنا " ؟ وهو صاحب (هكذا تكلّم زرادشت ) وغيره من الأعمال الرائعة ، كما هو معروف.
أما كتابي الصادر عن " اتحاد الكتاب العرب " – دمشق عام 2007 ، الموسوم بـ ( هكذا نتكلّم يا زرادشت ) فهو يشترك مع كتابه بالرمز فقط ، وليس بالمحتوى .
نعم المثل الألماني الآخر يقول : " إننا نغفر غالباً لأولئك الذين يضجرونا ، لكننا لا نغفر لأولئك الذين نُضجرهم " .
ماذا علينا أن نفعل إذن ؟
يقول المثل الروسي : " إن شئت أن تأكل مع الذئاب فلا تنسَ العويل ! "
ولكن المثل الروماني القديم يذكِّرنا : " فقط من خلال أعين الآخرين يمكن للمرء أن يرى أخطاءه جيداً "
لكن كيف لكَ أن تختار كينونتك وطباعك المبرمجة سلفاً في مكان ما من تلك الصبغيَّات المزدَوجة المحلزَنة التي حملتْ لمكتشفها جائزة نوبل ؟
بسخرية لاذعة ينصح الشاعر الألماني " يوهان كريستوف فريدريش هاوغ " قائلاً :
" لا يمكن للمرء أن يكون حذراً بما فيه الكفاية في اختيار والديه " .
وإذا سمحت لك الفرصة بالظهور ولو على صفحات جريدة ذات أحرف مكسرة ، تصدر في الريف أو ما يسميه الفرنسيون ( البروفانس )- حيث نشأ شعر " التروبادور " – الشعراء الفرسان والرهبان الجوالون - ، أو تظهر ،ولو حتى لحظات فقط ،على ما يسميه الألمان بالشاشة المَقـيتة ( التلفاز ) فتذكر قولهم : " لا يجب أن تنظر في فم البغل المهدى ( إليك ) " .
ما العمل إذن يا صاحبي ؟ . ما عليكَ إلاَّ أن تستمع إلى قول الشاعر الألماني "هاينرش هاينه" ( 1797 - 1856 )- الذي أصدرت كتاباً عنه بمناسبة مرور قرنين على ولادته ،عن دار الذاكرة في حمص عام 1997- وهو يقول :
" سماوياً سيكون ذلك
عندما أتغلب على شهوتي ( و ) الخطيئةِ
ولكن إذا فشلتُ
فأكون قد نلتُ ( على الأقل ) المتعةَ " .
أعتقد أنّ هذا يكفي الآن ، فالحديث فيه يطول ...
مع تحياتي واعتذاري لمن يرغب بذلك ، فيما لو شعر بمسًّ في أنــــــــــــــــــــــــــــاه .
===========================
حمص - سورية د. شاكر مطلق
E-Mail:mutlak@scs-net.org
د. شاكـر مطـلق
" اعترفوا بذلك ، فشعراء الشرق أعظم ( منّا ) " .
هذه الكلمات قالها شاعر عظيم قبل أكثر من مئتي عام ، ولم تكن مجرّد كلمات مجاملة أو رفع عتب ، لأي سبب كان ، إنما كانت تعبر بصدق وإخلاص عن موقف هذا الرجل الموسوعي الشاعر الألماني الكبير
" يوهان وولفغانغ فون غوتِهْ " ( بالتاء المخففة ).
استلهم هذا الشاعر الشرق الساحر وشعره العظيم في أروع أعماله وبخاصة في ديوانه " الشرقي الغربي " وفيه يقول :
ما أروع الشرق
اقتحَم إلينا عبْرَ المتوّسط
فقط من يعرف " حافظاً " ويحبّه
يَفهم ما غنَّى " كالدِِرون " .
بهذه الأبيات القليلة استطاع هذا العقل العبقري أن يرسم صورة تفاعل حضاري قديم بين الشرق والغرب وأن يقيم الدليل والجسر على ذلك العبور ، الذي يجعل مَن فهم شعر حافظاً الشّيِرازي شرطاً لفهم إبداع شاعر إسبانيا العظيم " بيدرو كالدِرون دي لاباركا " ( 1600 _ 1687 ) .
لقد سحَر عالمُ الشرق وعمق كبار شعرائه العظام، هذا الشاعر العظيم ، الذي كان هو أيضاً موسوعياً في المعرفة والشعر وحتى في العلم ، وقد اكتشف أحد العِظام في اليد ، وحاول أن يقرأ المعلَّقات بالعربية ، التي تعلّمها أيضاً على يد أحد كبار المستشرقين ، وكتب على منوال شعرها أجمل الغزل في ( زُليخا ) ،كما كتب بجد مذهل غيرها من الأعمال الرائعة وفي قمتها مأساته الشعرية " فاوست " ، الدكتور فاوست بشكله الأوليّ ، ثم بطلب مِن أصدقائه وبخاصة ( فريدريش شِلَرْ ) _ شاعر ألمانيا العظيم الآخر _ الذي حثه على إنهاء العمل الهام هذا،فقام بمتابعة العمل فيه وأنجزه بعد أن استغرق حوالي ستين عاماً ( بين 1775 وحتى وفاته في العام 1832 م. ) .
اليوم ، وبعد انقضاء أكثر من قرنين ونصف على تلك المقولة ، علينا نحن أبناء الشرق وشعرائه أن نتساءل بصدق : " أين نقف الآن من تلك المقولة ؟ " وهل ينطبق هذا القول علينا اليوم ،أم أنه قد عفا عليه الدهر ؟ ، وهل تتّسم ثقافتنا بالشمولية الآن ، وإبداعنا بالتَّفرد ،حتى نخترق المتوسط وغيره من بحار العالم ،لنوصل ثقافتنا أو بعض شعرنا إلى هناك ، أم أننا ننشِد في قمقم مغلق ، ونخربش أحلامنا على الرمال حتى تمحوها أمواج المساء أو رياح الصباح ؟
لا أريد هنا أن أقيِّم ولا أناقش ما قاله ذلك العبقري يوهان وولفغانغ فون غوتِهْ وإنما أريد ، بل آمل من الشعراء في الوطن العربيّ ، وأنا منهم ، أن يقوموا بمراجعة للمواقع وللواقع ، بصدق وبنقد جريء ،دون أن أنسى طبعاً مقولة أن " مزمار الحي لا يطرب " ولا مقولة " لا كرامة ... " وغير ذلك الكثير .
سُئل ( غوته ) مرة بعد عودته من احتفال كبير ، إنْ كان قد سُرَّ به فأجاب بأدب :
" لو كان ( الاحتفال ) كتـباً لما قرأتها " .
يقول مثل صيني " الفن كالأعشاب الطبية ، لا تصلح لكل الناس " .
عالِم الفيزياء والفيلسوف الألماني " جورج كريستوف ليشتنبرغ " - من القرن الثامن عشر - يقول متسائلاً:
" عندما يصطدم رأسٌ بكتابٍ ، ويكون الإيقاع فارغاً ( كالصدى ) هل يكون دوماً الكتاب ( هو المسؤول ) ؟ " .
صحيح أن الفن ، بأشكاله العديدة ، بما فيها الأدب طبعاً ، ليس بالخبز – قوتنا اليوميّ – اللازم لاستمرار عمل آلة الجسد ، ولكن الصحيح أيضاً أنه رُحـاقُ الحياة الروحية ومهذّب النفس ونسيم العقل للإنسان .
يقول الصينيون – بتصرف لفظيّ قليلٍ -:
" الأمر ، فيما يتعلق بالشعراء والرسامين والموسيقيين ، يكون كما هو الحال عليه في الفِطْرْ : ستبحث بين عشرة آلاف فطرٍ سيئٍ ( سام ) ، لتعثر على واحدٍ جيد ".
السّؤال الآن هو : هل يمكن لكل شاعر أن يكون المتنبي أو غوته أو كالدرون أو غيرهم من الشعراء العظام ؟
، أم أن الإبداع شيء نسبي خاضع لذوق وزمان ( وموضة ) ما ، تصنع أحياناً أبطالاً زّائفين ،تنفخهم كالفقاعات حتى حدود الانفجار ، بينما قد يوجد هناك ، في مملكة الظلال، أرواحٌ شاعريةٌ تنمو وتزهر بصمت وكبرياء ، تحاور المطلقَ دون ضجيجٍ ودون أن تبوح بسرها للريح ؟
( لا تبحْ بسرّكَ للريح – شعرٌ وحكَمٌ من الصين واليابان – ترجمة د.شاكر مطلق – دار الذاكرة حمص عام 1991).
قبل ألفي عام قال الشاعر الروماني " يوفيناليس " : " عندما تفشل الموهبة يخلق الغضبُ الشاعرَ " . بعده بثمانية عشر قرناً قال الفيلسوف المعروف " ليشتِنْبيرغ " : " الأهل الذين يشعرون بأن ابنهم يريد أن يصبح شاعراً محترفاً ، عليهم بضربه ،حتى يترك نظم الشعر ، أو يصبح شاعراً كبيراً " .
هكذا الأمر إذن : قَدَر الشاعر أن يُضرب حتى الإبداع ،أو أن يخلقه الغضبُ أو يكون إبداعُه دوماً مقروناً بقدرٍ يحتِّم عليه المعاناة والإملاق،كما يقول لِسينغ( 1729-1781)كاتب"ناثان الحكيم" من عام ( 1779 ) وغيره من الأعمال الدرامية الهامة .
الرسام _ الشاعر الساخر الألماني "فيلهيلم بوش" ( 1832 _ 1908 ) الذي أدرك لعبة العرض والطلب في الفن والأدب قال ساخراً : " بسهولة يمكن للمرء أن ( يتعلم ) الرسم ولكن الصعوبة تكمن في الوصول إلى مَن يدفع (الثمن لقاء الإبداع ) " ، ولكن المثل الألماني يقول أيضاً : " إنها دوماً البراميل الفارغة ، التي تحدث أكبرَ ضجيج " مع العلم " أن للفن جذوراً مُـرَّة وثماراً حُلوةً " ، ويقودنا هذا إلى مسألةٍ إشكاليةٍ كبرى ، مسألة الغرور وتضخّم " الأنا " بين المبدعين ، الظاهرة التي غدت للأسف ، لدى البعض ، وكأنها جزء من الإبداع لا بد منه.
أوَلم يقل الفيلسوف العظيم والشاعر " فريدريش نيتشه ( 1844 - 1900 ) :
" إن غرورَ الآخرين يصدم ذوقَنا فقط ، عندما يصطدم بغرورنا " ؟ وهو صاحب (هكذا تكلّم زرادشت ) وغيره من الأعمال الرائعة ، كما هو معروف.
أما كتابي الصادر عن " اتحاد الكتاب العرب " – دمشق عام 2007 ، الموسوم بـ ( هكذا نتكلّم يا زرادشت ) فهو يشترك مع كتابه بالرمز فقط ، وليس بالمحتوى .
نعم المثل الألماني الآخر يقول : " إننا نغفر غالباً لأولئك الذين يضجرونا ، لكننا لا نغفر لأولئك الذين نُضجرهم " .
ماذا علينا أن نفعل إذن ؟
يقول المثل الروسي : " إن شئت أن تأكل مع الذئاب فلا تنسَ العويل ! "
ولكن المثل الروماني القديم يذكِّرنا : " فقط من خلال أعين الآخرين يمكن للمرء أن يرى أخطاءه جيداً "
لكن كيف لكَ أن تختار كينونتك وطباعك المبرمجة سلفاً في مكان ما من تلك الصبغيَّات المزدَوجة المحلزَنة التي حملتْ لمكتشفها جائزة نوبل ؟
بسخرية لاذعة ينصح الشاعر الألماني " يوهان كريستوف فريدريش هاوغ " قائلاً :
" لا يمكن للمرء أن يكون حذراً بما فيه الكفاية في اختيار والديه " .
وإذا سمحت لك الفرصة بالظهور ولو على صفحات جريدة ذات أحرف مكسرة ، تصدر في الريف أو ما يسميه الفرنسيون ( البروفانس )- حيث نشأ شعر " التروبادور " – الشعراء الفرسان والرهبان الجوالون - ، أو تظهر ،ولو حتى لحظات فقط ،على ما يسميه الألمان بالشاشة المَقـيتة ( التلفاز ) فتذكر قولهم : " لا يجب أن تنظر في فم البغل المهدى ( إليك ) " .
ما العمل إذن يا صاحبي ؟ . ما عليكَ إلاَّ أن تستمع إلى قول الشاعر الألماني "هاينرش هاينه" ( 1797 - 1856 )- الذي أصدرت كتاباً عنه بمناسبة مرور قرنين على ولادته ،عن دار الذاكرة في حمص عام 1997- وهو يقول :
" سماوياً سيكون ذلك
عندما أتغلب على شهوتي ( و ) الخطيئةِ
ولكن إذا فشلتُ
فأكون قد نلتُ ( على الأقل ) المتعةَ " .
أعتقد أنّ هذا يكفي الآن ، فالحديث فيه يطول ...
مع تحياتي واعتذاري لمن يرغب بذلك ، فيما لو شعر بمسًّ في أنــــــــــــــــــــــــــــاه .
===========================
حمص - سورية د. شاكر مطلق
E-Mail:mutlak@scs-net.org