المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : " اعترفوا أيها الشعراء إيضاً " - د.شاكر مطلق



الدكتور شاكر مطلق
15/04/2008, 09:45 AM
اعترفوا أيّها الشعراءُ أيضاً ! ...
د. شاكـر مطـلق

" اعترفوا بذلك ، فشعراء الشرق أعظم ( منّا ) " .
هذه الكلمات قالها شاعر عظيم قبل أكثر من مئتي عام ، ولم تكن مجرّد كلمات مجاملة أو رفع عتب ، لأي سبب كان ، إنما كانت تعبر بصدق وإخلاص عن موقف هذا الرجل الموسوعي الشاعر الألماني الكبير
" يوهان وولفغانغ فون غوتِهْ " ( بالتاء المخففة ).
استلهم هذا الشاعر الشرق الساحر وشعره العظيم في أروع أعماله وبخاصة في ديوانه " الشرقي الغربي " وفيه يقول :

ما أروع الشرق
اقتحَم إلينا عبْرَ المتوّسط
فقط من يعرف " حافظاً " ويحبّه
يَفهم ما غنَّى " كالدِِرون " .

بهذه الأبيات القليلة استطاع هذا العقل العبقري أن يرسم صورة تفاعل حضاري قديم بين الشرق والغرب وأن يقيم الدليل والجسر على ذلك العبور ، الذي يجعل مَن فهم شعر حافظاً الشّيِرازي شرطاً لفهم إبداع شاعر إسبانيا العظيم " بيدرو كالدِرون دي لاباركا " ( 1600 _ 1687 ) .
لقد سحَر عالمُ الشرق وعمق كبار شعرائه العظام، هذا الشاعر العظيم ، الذي كان هو أيضاً موسوعياً في المعرفة والشعر وحتى في العلم ، وقد اكتشف أحد العِظام في اليد ، وحاول أن يقرأ المعلَّقات بالعربية ، التي تعلّمها أيضاً على يد أحد كبار المستشرقين ، وكتب على منوال شعرها أجمل الغزل في ( زُليخا ) ،كما كتب بجد مذهل غيرها من الأعمال الرائعة وفي قمتها مأساته الشعرية " فاوست " ، الدكتور فاوست بشكله الأوليّ ، ثم بطلب مِن أصدقائه وبخاصة ( فريدريش شِلَرْ ) _ شاعر ألمانيا العظيم الآخر _ الذي حثه على إنهاء العمل الهام هذا،فقام بمتابعة العمل فيه وأنجزه بعد أن استغرق حوالي ستين عاماً ( بين 1775 وحتى وفاته في العام 1832 م. ) .
اليوم ، وبعد انقضاء أكثر من قرنين ونصف على تلك المقولة ، علينا نحن أبناء الشرق وشعرائه أن نتساءل بصدق : " أين نقف الآن من تلك المقولة ؟ " وهل ينطبق هذا القول علينا اليوم ،أم أنه قد عفا عليه الدهر ؟ ، وهل تتّسم ثقافتنا بالشمولية الآن ، وإبداعنا بالتَّفرد ،حتى نخترق المتوسط وغيره من بحار العالم ،لنوصل ثقافتنا أو بعض شعرنا إلى هناك ، أم أننا ننشِد في قمقم مغلق ، ونخربش أحلامنا على الرمال حتى تمحوها أمواج المساء أو رياح الصباح ؟
لا أريد هنا أن أقيِّم ولا أناقش ما قاله ذلك العبقري يوهان وولفغانغ فون غوتِهْ وإنما أريد ، بل آمل من الشعراء في الوطن العربيّ ، وأنا منهم ، أن يقوموا بمراجعة للمواقع وللواقع ، بصدق وبنقد جريء ،دون أن أنسى طبعاً مقولة أن " مزمار الحي لا يطرب " ولا مقولة " لا كرامة ... " وغير ذلك الكثير .
سُئل ( غوته ) مرة بعد عودته من احتفال كبير ، إنْ كان قد سُرَّ به فأجاب بأدب :
" لو كان ( الاحتفال ) كتـباً لما قرأتها " .
يقول مثل صيني " الفن كالأعشاب الطبية ، لا تصلح لكل الناس " .
عالِم الفيزياء والفيلسوف الألماني " جورج كريستوف ليشتنبرغ " - من القرن الثامن عشر - يقول متسائلاً:
" عندما يصطدم رأسٌ بكتابٍ ، ويكون الإيقاع فارغاً ( كالصدى ) هل يكون دوماً الكتاب ( هو المسؤول ) ؟ " .
صحيح أن الفن ، بأشكاله العديدة ، بما فيها الأدب طبعاً ، ليس بالخبز – قوتنا اليوميّ – اللازم لاستمرار عمل آلة الجسد ، ولكن الصحيح أيضاً أنه رُحـاقُ الحياة الروحية ومهذّب النفس ونسيم العقل للإنسان .
يقول الصينيون – بتصرف لفظيّ قليلٍ -:
" الأمر ، فيما يتعلق بالشعراء والرسامين والموسيقيين ، يكون كما هو الحال عليه في الفِطْرْ : ستبحث بين عشرة آلاف فطرٍ سيئٍ ( سام ) ، لتعثر على واحدٍ جيد ".
السّؤال الآن هو : هل يمكن لكل شاعر أن يكون المتنبي أو غوته أو كالدرون أو غيرهم من الشعراء العظام ؟
، أم أن الإبداع شيء نسبي خاضع لذوق وزمان ( وموضة ) ما ، تصنع أحياناً أبطالاً زّائفين ،تنفخهم كالفقاعات حتى حدود الانفجار ، بينما قد يوجد هناك ، في مملكة الظلال، أرواحٌ شاعريةٌ تنمو وتزهر بصمت وكبرياء ، تحاور المطلقَ دون ضجيجٍ ودون أن تبوح بسرها للريح ؟
( لا تبحْ بسرّكَ للريح – شعرٌ وحكَمٌ من الصين واليابان – ترجمة د.شاكر مطلق – دار الذاكرة حمص عام 1991).
قبل ألفي عام قال الشاعر الروماني " يوفيناليس " : " عندما تفشل الموهبة يخلق الغضبُ الشاعرَ " . بعده بثمانية عشر قرناً قال الفيلسوف المعروف " ليشتِنْبيرغ " : " الأهل الذين يشعرون بأن ابنهم يريد أن يصبح شاعراً محترفاً ، عليهم بضربه ،حتى يترك نظم الشعر ، أو يصبح شاعراً كبيراً " .
هكذا الأمر إذن : قَدَر الشاعر أن يُضرب حتى الإبداع ،أو أن يخلقه الغضبُ أو يكون إبداعُه دوماً مقروناً بقدرٍ يحتِّم عليه المعاناة والإملاق،كما يقول لِسينغ( 1729-1781)كاتب"ناثان الحكيم" من عام ( 1779 ) وغيره من الأعمال الدرامية الهامة .
الرسام _ الشاعر الساخر الألماني "فيلهيلم بوش" ( 1832 _ 1908 ) الذي أدرك لعبة العرض والطلب في الفن والأدب قال ساخراً : " بسهولة يمكن للمرء أن ( يتعلم ) الرسم ولكن الصعوبة تكمن في الوصول إلى مَن يدفع (الثمن لقاء الإبداع ) " ، ولكن المثل الألماني يقول أيضاً : " إنها دوماً البراميل الفارغة ، التي تحدث أكبرَ ضجيج " مع العلم " أن للفن جذوراً مُـرَّة وثماراً حُلوةً " ، ويقودنا هذا إلى مسألةٍ إشكاليةٍ كبرى ، مسألة الغرور وتضخّم " الأنا " بين المبدعين ، الظاهرة التي غدت للأسف ، لدى البعض ، وكأنها جزء من الإبداع لا بد منه.
أوَلم يقل الفيلسوف العظيم والشاعر " فريدريش نيتشه ( 1844 - 1900 ) :
" إن غرورَ الآخرين يصدم ذوقَنا فقط ، عندما يصطدم بغرورنا " ؟ وهو صاحب (هكذا تكلّم زرادشت ) وغيره من الأعمال الرائعة ، كما هو معروف.
أما كتابي الصادر عن " اتحاد الكتاب العرب " – دمشق عام 2007 ، الموسوم بـ ( هكذا نتكلّم يا زرادشت ) فهو يشترك مع كتابه بالرمز فقط ، وليس بالمحتوى .
نعم المثل الألماني الآخر يقول : " إننا نغفر غالباً لأولئك الذين يضجرونا ، لكننا لا نغفر لأولئك الذين نُضجرهم " .
ماذا علينا أن نفعل إذن ؟
يقول المثل الروسي : " إن شئت أن تأكل مع الذئاب فلا تنسَ العويل ! "
ولكن المثل الروماني القديم يذكِّرنا : " فقط من خلال أعين الآخرين يمكن للمرء أن يرى أخطاءه جيداً "
لكن كيف لكَ أن تختار كينونتك وطباعك المبرمجة سلفاً في مكان ما من تلك الصبغيَّات المزدَوجة المحلزَنة التي حملتْ لمكتشفها جائزة نوبل ؟
بسخرية لاذعة ينصح الشاعر الألماني " يوهان كريستوف فريدريش هاوغ " قائلاً :
" لا يمكن للمرء أن يكون حذراً بما فيه الكفاية في اختيار والديه " .
وإذا سمحت لك الفرصة بالظهور ولو على صفحات جريدة ذات أحرف مكسرة ، تصدر في الريف أو ما يسميه الفرنسيون ( البروفانس )- حيث نشأ شعر " التروبادور " – الشعراء الفرسان والرهبان الجوالون - ، أو تظهر ،ولو حتى لحظات فقط ،على ما يسميه الألمان بالشاشة المَقـيتة ( التلفاز ) فتذكر قولهم : " لا يجب أن تنظر في فم البغل المهدى ( إليك ) " .
ما العمل إذن يا صاحبي ؟ . ما عليكَ إلاَّ أن تستمع إلى قول الشاعر الألماني "هاينرش هاينه" ( 1797 - 1856 )- الذي أصدرت كتاباً عنه بمناسبة مرور قرنين على ولادته ،عن دار الذاكرة في حمص عام 1997- وهو يقول :
" سماوياً سيكون ذلك
عندما أتغلب على شهوتي ( و ) الخطيئةِ
ولكن إذا فشلتُ
فأكون قد نلتُ ( على الأقل ) المتعةَ " .
أعتقد أنّ هذا يكفي الآن ، فالحديث فيه يطول ...
مع تحياتي واعتذاري لمن يرغب بذلك ، فيما لو شعر بمسًّ في أنــــــــــــــــــــــــــــاه .
===========================

حمص - سورية د. شاكر مطلق

E-Mail:mutlak@scs-net.org

الدكتور شاكر مطلق
15/04/2008, 09:45 AM
اعترفوا أيّها الشعراءُ أيضاً ! ...
د. شاكـر مطـلق

" اعترفوا بذلك ، فشعراء الشرق أعظم ( منّا ) " .
هذه الكلمات قالها شاعر عظيم قبل أكثر من مئتي عام ، ولم تكن مجرّد كلمات مجاملة أو رفع عتب ، لأي سبب كان ، إنما كانت تعبر بصدق وإخلاص عن موقف هذا الرجل الموسوعي الشاعر الألماني الكبير
" يوهان وولفغانغ فون غوتِهْ " ( بالتاء المخففة ).
استلهم هذا الشاعر الشرق الساحر وشعره العظيم في أروع أعماله وبخاصة في ديوانه " الشرقي الغربي " وفيه يقول :

ما أروع الشرق
اقتحَم إلينا عبْرَ المتوّسط
فقط من يعرف " حافظاً " ويحبّه
يَفهم ما غنَّى " كالدِِرون " .

بهذه الأبيات القليلة استطاع هذا العقل العبقري أن يرسم صورة تفاعل حضاري قديم بين الشرق والغرب وأن يقيم الدليل والجسر على ذلك العبور ، الذي يجعل مَن فهم شعر حافظاً الشّيِرازي شرطاً لفهم إبداع شاعر إسبانيا العظيم " بيدرو كالدِرون دي لاباركا " ( 1600 _ 1687 ) .
لقد سحَر عالمُ الشرق وعمق كبار شعرائه العظام، هذا الشاعر العظيم ، الذي كان هو أيضاً موسوعياً في المعرفة والشعر وحتى في العلم ، وقد اكتشف أحد العِظام في اليد ، وحاول أن يقرأ المعلَّقات بالعربية ، التي تعلّمها أيضاً على يد أحد كبار المستشرقين ، وكتب على منوال شعرها أجمل الغزل في ( زُليخا ) ،كما كتب بجد مذهل غيرها من الأعمال الرائعة وفي قمتها مأساته الشعرية " فاوست " ، الدكتور فاوست بشكله الأوليّ ، ثم بطلب مِن أصدقائه وبخاصة ( فريدريش شِلَرْ ) _ شاعر ألمانيا العظيم الآخر _ الذي حثه على إنهاء العمل الهام هذا،فقام بمتابعة العمل فيه وأنجزه بعد أن استغرق حوالي ستين عاماً ( بين 1775 وحتى وفاته في العام 1832 م. ) .
اليوم ، وبعد انقضاء أكثر من قرنين ونصف على تلك المقولة ، علينا نحن أبناء الشرق وشعرائه أن نتساءل بصدق : " أين نقف الآن من تلك المقولة ؟ " وهل ينطبق هذا القول علينا اليوم ،أم أنه قد عفا عليه الدهر ؟ ، وهل تتّسم ثقافتنا بالشمولية الآن ، وإبداعنا بالتَّفرد ،حتى نخترق المتوسط وغيره من بحار العالم ،لنوصل ثقافتنا أو بعض شعرنا إلى هناك ، أم أننا ننشِد في قمقم مغلق ، ونخربش أحلامنا على الرمال حتى تمحوها أمواج المساء أو رياح الصباح ؟
لا أريد هنا أن أقيِّم ولا أناقش ما قاله ذلك العبقري يوهان وولفغانغ فون غوتِهْ وإنما أريد ، بل آمل من الشعراء في الوطن العربيّ ، وأنا منهم ، أن يقوموا بمراجعة للمواقع وللواقع ، بصدق وبنقد جريء ،دون أن أنسى طبعاً مقولة أن " مزمار الحي لا يطرب " ولا مقولة " لا كرامة ... " وغير ذلك الكثير .
سُئل ( غوته ) مرة بعد عودته من احتفال كبير ، إنْ كان قد سُرَّ به فأجاب بأدب :
" لو كان ( الاحتفال ) كتـباً لما قرأتها " .
يقول مثل صيني " الفن كالأعشاب الطبية ، لا تصلح لكل الناس " .
عالِم الفيزياء والفيلسوف الألماني " جورج كريستوف ليشتنبرغ " - من القرن الثامن عشر - يقول متسائلاً:
" عندما يصطدم رأسٌ بكتابٍ ، ويكون الإيقاع فارغاً ( كالصدى ) هل يكون دوماً الكتاب ( هو المسؤول ) ؟ " .
صحيح أن الفن ، بأشكاله العديدة ، بما فيها الأدب طبعاً ، ليس بالخبز – قوتنا اليوميّ – اللازم لاستمرار عمل آلة الجسد ، ولكن الصحيح أيضاً أنه رُحـاقُ الحياة الروحية ومهذّب النفس ونسيم العقل للإنسان .
يقول الصينيون – بتصرف لفظيّ قليلٍ -:
" الأمر ، فيما يتعلق بالشعراء والرسامين والموسيقيين ، يكون كما هو الحال عليه في الفِطْرْ : ستبحث بين عشرة آلاف فطرٍ سيئٍ ( سام ) ، لتعثر على واحدٍ جيد ".
السّؤال الآن هو : هل يمكن لكل شاعر أن يكون المتنبي أو غوته أو كالدرون أو غيرهم من الشعراء العظام ؟
، أم أن الإبداع شيء نسبي خاضع لذوق وزمان ( وموضة ) ما ، تصنع أحياناً أبطالاً زّائفين ،تنفخهم كالفقاعات حتى حدود الانفجار ، بينما قد يوجد هناك ، في مملكة الظلال، أرواحٌ شاعريةٌ تنمو وتزهر بصمت وكبرياء ، تحاور المطلقَ دون ضجيجٍ ودون أن تبوح بسرها للريح ؟
( لا تبحْ بسرّكَ للريح – شعرٌ وحكَمٌ من الصين واليابان – ترجمة د.شاكر مطلق – دار الذاكرة حمص عام 1991).
قبل ألفي عام قال الشاعر الروماني " يوفيناليس " : " عندما تفشل الموهبة يخلق الغضبُ الشاعرَ " . بعده بثمانية عشر قرناً قال الفيلسوف المعروف " ليشتِنْبيرغ " : " الأهل الذين يشعرون بأن ابنهم يريد أن يصبح شاعراً محترفاً ، عليهم بضربه ،حتى يترك نظم الشعر ، أو يصبح شاعراً كبيراً " .
هكذا الأمر إذن : قَدَر الشاعر أن يُضرب حتى الإبداع ،أو أن يخلقه الغضبُ أو يكون إبداعُه دوماً مقروناً بقدرٍ يحتِّم عليه المعاناة والإملاق،كما يقول لِسينغ( 1729-1781)كاتب"ناثان الحكيم" من عام ( 1779 ) وغيره من الأعمال الدرامية الهامة .
الرسام _ الشاعر الساخر الألماني "فيلهيلم بوش" ( 1832 _ 1908 ) الذي أدرك لعبة العرض والطلب في الفن والأدب قال ساخراً : " بسهولة يمكن للمرء أن ( يتعلم ) الرسم ولكن الصعوبة تكمن في الوصول إلى مَن يدفع (الثمن لقاء الإبداع ) " ، ولكن المثل الألماني يقول أيضاً : " إنها دوماً البراميل الفارغة ، التي تحدث أكبرَ ضجيج " مع العلم " أن للفن جذوراً مُـرَّة وثماراً حُلوةً " ، ويقودنا هذا إلى مسألةٍ إشكاليةٍ كبرى ، مسألة الغرور وتضخّم " الأنا " بين المبدعين ، الظاهرة التي غدت للأسف ، لدى البعض ، وكأنها جزء من الإبداع لا بد منه.
أوَلم يقل الفيلسوف العظيم والشاعر " فريدريش نيتشه ( 1844 - 1900 ) :
" إن غرورَ الآخرين يصدم ذوقَنا فقط ، عندما يصطدم بغرورنا " ؟ وهو صاحب (هكذا تكلّم زرادشت ) وغيره من الأعمال الرائعة ، كما هو معروف.
أما كتابي الصادر عن " اتحاد الكتاب العرب " – دمشق عام 2007 ، الموسوم بـ ( هكذا نتكلّم يا زرادشت ) فهو يشترك مع كتابه بالرمز فقط ، وليس بالمحتوى .
نعم المثل الألماني الآخر يقول : " إننا نغفر غالباً لأولئك الذين يضجرونا ، لكننا لا نغفر لأولئك الذين نُضجرهم " .
ماذا علينا أن نفعل إذن ؟
يقول المثل الروسي : " إن شئت أن تأكل مع الذئاب فلا تنسَ العويل ! "
ولكن المثل الروماني القديم يذكِّرنا : " فقط من خلال أعين الآخرين يمكن للمرء أن يرى أخطاءه جيداً "
لكن كيف لكَ أن تختار كينونتك وطباعك المبرمجة سلفاً في مكان ما من تلك الصبغيَّات المزدَوجة المحلزَنة التي حملتْ لمكتشفها جائزة نوبل ؟
بسخرية لاذعة ينصح الشاعر الألماني " يوهان كريستوف فريدريش هاوغ " قائلاً :
" لا يمكن للمرء أن يكون حذراً بما فيه الكفاية في اختيار والديه " .
وإذا سمحت لك الفرصة بالظهور ولو على صفحات جريدة ذات أحرف مكسرة ، تصدر في الريف أو ما يسميه الفرنسيون ( البروفانس )- حيث نشأ شعر " التروبادور " – الشعراء الفرسان والرهبان الجوالون - ، أو تظهر ،ولو حتى لحظات فقط ،على ما يسميه الألمان بالشاشة المَقـيتة ( التلفاز ) فتذكر قولهم : " لا يجب أن تنظر في فم البغل المهدى ( إليك ) " .
ما العمل إذن يا صاحبي ؟ . ما عليكَ إلاَّ أن تستمع إلى قول الشاعر الألماني "هاينرش هاينه" ( 1797 - 1856 )- الذي أصدرت كتاباً عنه بمناسبة مرور قرنين على ولادته ،عن دار الذاكرة في حمص عام 1997- وهو يقول :
" سماوياً سيكون ذلك
عندما أتغلب على شهوتي ( و ) الخطيئةِ
ولكن إذا فشلتُ
فأكون قد نلتُ ( على الأقل ) المتعةَ " .
أعتقد أنّ هذا يكفي الآن ، فالحديث فيه يطول ...
مع تحياتي واعتذاري لمن يرغب بذلك ، فيما لو شعر بمسًّ في أنــــــــــــــــــــــــــــاه .
===========================

حمص - سورية د. شاكر مطلق

E-Mail:mutlak@scs-net.org

الدكتور شاكر مطلق
15/04/2008, 09:45 AM
اعترفوا أيّها الشعراءُ أيضاً ! ...
د. شاكـر مطـلق

" اعترفوا بذلك ، فشعراء الشرق أعظم ( منّا ) " .
هذه الكلمات قالها شاعر عظيم قبل أكثر من مئتي عام ، ولم تكن مجرّد كلمات مجاملة أو رفع عتب ، لأي سبب كان ، إنما كانت تعبر بصدق وإخلاص عن موقف هذا الرجل الموسوعي الشاعر الألماني الكبير
" يوهان وولفغانغ فون غوتِهْ " ( بالتاء المخففة ).
استلهم هذا الشاعر الشرق الساحر وشعره العظيم في أروع أعماله وبخاصة في ديوانه " الشرقي الغربي " وفيه يقول :

ما أروع الشرق
اقتحَم إلينا عبْرَ المتوّسط
فقط من يعرف " حافظاً " ويحبّه
يَفهم ما غنَّى " كالدِِرون " .

بهذه الأبيات القليلة استطاع هذا العقل العبقري أن يرسم صورة تفاعل حضاري قديم بين الشرق والغرب وأن يقيم الدليل والجسر على ذلك العبور ، الذي يجعل مَن فهم شعر حافظاً الشّيِرازي شرطاً لفهم إبداع شاعر إسبانيا العظيم " بيدرو كالدِرون دي لاباركا " ( 1600 _ 1687 ) .
لقد سحَر عالمُ الشرق وعمق كبار شعرائه العظام، هذا الشاعر العظيم ، الذي كان هو أيضاً موسوعياً في المعرفة والشعر وحتى في العلم ، وقد اكتشف أحد العِظام في اليد ، وحاول أن يقرأ المعلَّقات بالعربية ، التي تعلّمها أيضاً على يد أحد كبار المستشرقين ، وكتب على منوال شعرها أجمل الغزل في ( زُليخا ) ،كما كتب بجد مذهل غيرها من الأعمال الرائعة وفي قمتها مأساته الشعرية " فاوست " ، الدكتور فاوست بشكله الأوليّ ، ثم بطلب مِن أصدقائه وبخاصة ( فريدريش شِلَرْ ) _ شاعر ألمانيا العظيم الآخر _ الذي حثه على إنهاء العمل الهام هذا،فقام بمتابعة العمل فيه وأنجزه بعد أن استغرق حوالي ستين عاماً ( بين 1775 وحتى وفاته في العام 1832 م. ) .
اليوم ، وبعد انقضاء أكثر من قرنين ونصف على تلك المقولة ، علينا نحن أبناء الشرق وشعرائه أن نتساءل بصدق : " أين نقف الآن من تلك المقولة ؟ " وهل ينطبق هذا القول علينا اليوم ،أم أنه قد عفا عليه الدهر ؟ ، وهل تتّسم ثقافتنا بالشمولية الآن ، وإبداعنا بالتَّفرد ،حتى نخترق المتوسط وغيره من بحار العالم ،لنوصل ثقافتنا أو بعض شعرنا إلى هناك ، أم أننا ننشِد في قمقم مغلق ، ونخربش أحلامنا على الرمال حتى تمحوها أمواج المساء أو رياح الصباح ؟
لا أريد هنا أن أقيِّم ولا أناقش ما قاله ذلك العبقري يوهان وولفغانغ فون غوتِهْ وإنما أريد ، بل آمل من الشعراء في الوطن العربيّ ، وأنا منهم ، أن يقوموا بمراجعة للمواقع وللواقع ، بصدق وبنقد جريء ،دون أن أنسى طبعاً مقولة أن " مزمار الحي لا يطرب " ولا مقولة " لا كرامة ... " وغير ذلك الكثير .
سُئل ( غوته ) مرة بعد عودته من احتفال كبير ، إنْ كان قد سُرَّ به فأجاب بأدب :
" لو كان ( الاحتفال ) كتـباً لما قرأتها " .
يقول مثل صيني " الفن كالأعشاب الطبية ، لا تصلح لكل الناس " .
عالِم الفيزياء والفيلسوف الألماني " جورج كريستوف ليشتنبرغ " - من القرن الثامن عشر - يقول متسائلاً:
" عندما يصطدم رأسٌ بكتابٍ ، ويكون الإيقاع فارغاً ( كالصدى ) هل يكون دوماً الكتاب ( هو المسؤول ) ؟ " .
صحيح أن الفن ، بأشكاله العديدة ، بما فيها الأدب طبعاً ، ليس بالخبز – قوتنا اليوميّ – اللازم لاستمرار عمل آلة الجسد ، ولكن الصحيح أيضاً أنه رُحـاقُ الحياة الروحية ومهذّب النفس ونسيم العقل للإنسان .
يقول الصينيون – بتصرف لفظيّ قليلٍ -:
" الأمر ، فيما يتعلق بالشعراء والرسامين والموسيقيين ، يكون كما هو الحال عليه في الفِطْرْ : ستبحث بين عشرة آلاف فطرٍ سيئٍ ( سام ) ، لتعثر على واحدٍ جيد ".
السّؤال الآن هو : هل يمكن لكل شاعر أن يكون المتنبي أو غوته أو كالدرون أو غيرهم من الشعراء العظام ؟
، أم أن الإبداع شيء نسبي خاضع لذوق وزمان ( وموضة ) ما ، تصنع أحياناً أبطالاً زّائفين ،تنفخهم كالفقاعات حتى حدود الانفجار ، بينما قد يوجد هناك ، في مملكة الظلال، أرواحٌ شاعريةٌ تنمو وتزهر بصمت وكبرياء ، تحاور المطلقَ دون ضجيجٍ ودون أن تبوح بسرها للريح ؟
( لا تبحْ بسرّكَ للريح – شعرٌ وحكَمٌ من الصين واليابان – ترجمة د.شاكر مطلق – دار الذاكرة حمص عام 1991).
قبل ألفي عام قال الشاعر الروماني " يوفيناليس " : " عندما تفشل الموهبة يخلق الغضبُ الشاعرَ " . بعده بثمانية عشر قرناً قال الفيلسوف المعروف " ليشتِنْبيرغ " : " الأهل الذين يشعرون بأن ابنهم يريد أن يصبح شاعراً محترفاً ، عليهم بضربه ،حتى يترك نظم الشعر ، أو يصبح شاعراً كبيراً " .
هكذا الأمر إذن : قَدَر الشاعر أن يُضرب حتى الإبداع ،أو أن يخلقه الغضبُ أو يكون إبداعُه دوماً مقروناً بقدرٍ يحتِّم عليه المعاناة والإملاق،كما يقول لِسينغ( 1729-1781)كاتب"ناثان الحكيم" من عام ( 1779 ) وغيره من الأعمال الدرامية الهامة .
الرسام _ الشاعر الساخر الألماني "فيلهيلم بوش" ( 1832 _ 1908 ) الذي أدرك لعبة العرض والطلب في الفن والأدب قال ساخراً : " بسهولة يمكن للمرء أن ( يتعلم ) الرسم ولكن الصعوبة تكمن في الوصول إلى مَن يدفع (الثمن لقاء الإبداع ) " ، ولكن المثل الألماني يقول أيضاً : " إنها دوماً البراميل الفارغة ، التي تحدث أكبرَ ضجيج " مع العلم " أن للفن جذوراً مُـرَّة وثماراً حُلوةً " ، ويقودنا هذا إلى مسألةٍ إشكاليةٍ كبرى ، مسألة الغرور وتضخّم " الأنا " بين المبدعين ، الظاهرة التي غدت للأسف ، لدى البعض ، وكأنها جزء من الإبداع لا بد منه.
أوَلم يقل الفيلسوف العظيم والشاعر " فريدريش نيتشه ( 1844 - 1900 ) :
" إن غرورَ الآخرين يصدم ذوقَنا فقط ، عندما يصطدم بغرورنا " ؟ وهو صاحب (هكذا تكلّم زرادشت ) وغيره من الأعمال الرائعة ، كما هو معروف.
أما كتابي الصادر عن " اتحاد الكتاب العرب " – دمشق عام 2007 ، الموسوم بـ ( هكذا نتكلّم يا زرادشت ) فهو يشترك مع كتابه بالرمز فقط ، وليس بالمحتوى .
نعم المثل الألماني الآخر يقول : " إننا نغفر غالباً لأولئك الذين يضجرونا ، لكننا لا نغفر لأولئك الذين نُضجرهم " .
ماذا علينا أن نفعل إذن ؟
يقول المثل الروسي : " إن شئت أن تأكل مع الذئاب فلا تنسَ العويل ! "
ولكن المثل الروماني القديم يذكِّرنا : " فقط من خلال أعين الآخرين يمكن للمرء أن يرى أخطاءه جيداً "
لكن كيف لكَ أن تختار كينونتك وطباعك المبرمجة سلفاً في مكان ما من تلك الصبغيَّات المزدَوجة المحلزَنة التي حملتْ لمكتشفها جائزة نوبل ؟
بسخرية لاذعة ينصح الشاعر الألماني " يوهان كريستوف فريدريش هاوغ " قائلاً :
" لا يمكن للمرء أن يكون حذراً بما فيه الكفاية في اختيار والديه " .
وإذا سمحت لك الفرصة بالظهور ولو على صفحات جريدة ذات أحرف مكسرة ، تصدر في الريف أو ما يسميه الفرنسيون ( البروفانس )- حيث نشأ شعر " التروبادور " – الشعراء الفرسان والرهبان الجوالون - ، أو تظهر ،ولو حتى لحظات فقط ،على ما يسميه الألمان بالشاشة المَقـيتة ( التلفاز ) فتذكر قولهم : " لا يجب أن تنظر في فم البغل المهدى ( إليك ) " .
ما العمل إذن يا صاحبي ؟ . ما عليكَ إلاَّ أن تستمع إلى قول الشاعر الألماني "هاينرش هاينه" ( 1797 - 1856 )- الذي أصدرت كتاباً عنه بمناسبة مرور قرنين على ولادته ،عن دار الذاكرة في حمص عام 1997- وهو يقول :
" سماوياً سيكون ذلك
عندما أتغلب على شهوتي ( و ) الخطيئةِ
ولكن إذا فشلتُ
فأكون قد نلتُ ( على الأقل ) المتعةَ " .
أعتقد أنّ هذا يكفي الآن ، فالحديث فيه يطول ...
مع تحياتي واعتذاري لمن يرغب بذلك ، فيما لو شعر بمسًّ في أنــــــــــــــــــــــــــــاه .
===========================

حمص - سورية د. شاكر مطلق

E-Mail:mutlak@scs-net.org

عزيز العرباوي
15/04/2008, 12:16 PM
المبدع والكاتب شاكر مطلق :

مقال قيم وطرح هادف وجميل لشعر الشاعر الألماني غوته ومقولاته المتميزة في حق الشعر العربي والشعراء المشارقة عموما ....

نشكرك على هذا المجهود الفكري الذي أتاح لنا أن نعرف الكثير عن شاعر ألمانيا ولفغانغ غوته .....

تحياتي

//
//

عزيز العرباوي
15/04/2008, 12:16 PM
المبدع والكاتب شاكر مطلق :

مقال قيم وطرح هادف وجميل لشعر الشاعر الألماني غوته ومقولاته المتميزة في حق الشعر العربي والشعراء المشارقة عموما ....

نشكرك على هذا المجهود الفكري الذي أتاح لنا أن نعرف الكثير عن شاعر ألمانيا ولفغانغ غوته .....

تحياتي

//
//

عزيز العرباوي
15/04/2008, 12:16 PM
المبدع والكاتب شاكر مطلق :

مقال قيم وطرح هادف وجميل لشعر الشاعر الألماني غوته ومقولاته المتميزة في حق الشعر العربي والشعراء المشارقة عموما ....

نشكرك على هذا المجهود الفكري الذي أتاح لنا أن نعرف الكثير عن شاعر ألمانيا ولفغانغ غوته .....

تحياتي

//
//

عبد الرحمان الخرشي
15/04/2008, 07:16 PM
الدكتور : شاكر مطلق .

حمولة هذا المقال الدلالية تتجاوز ما كتب به من ألفاظ وعبارات و ...بهذا وبمثله نستطيع أن نحفز الشعراء العرب - مشارقة ومغاربة و... - . اليوم لغاية الوقوف في صف : ( البناة ) لا الوقوف في صفوف من يهدم بمعاول غربية؛ والفاعل (( شعراء )) لا (( الشعراء )) ... سامحك الله أخي ، هنيهة أن حركت أشجاني .. كدت أصعق .. و لم يشفع لك - في روحي ووجداني - غير أنك تتقدم الصف ؛ صف البناة ... بوركت مشاركا في جبهة المقاومة . نعم المقاومة ؛ مقاومة اليأس والتيئيس . ومشاركا في بناء وتعبيد الطريق ...ولو بنيت وبنى معك المخلصون على جلمود ، وصخر ...
أخوكم : عبد الرحمان الخرشي ........ مراكش الحمراء

عبد الرحمان الخرشي
15/04/2008, 07:16 PM
الدكتور : شاكر مطلق .

حمولة هذا المقال الدلالية تتجاوز ما كتب به من ألفاظ وعبارات و ...بهذا وبمثله نستطيع أن نحفز الشعراء العرب - مشارقة ومغاربة و... - . اليوم لغاية الوقوف في صف : ( البناة ) لا الوقوف في صفوف من يهدم بمعاول غربية؛ والفاعل (( شعراء )) لا (( الشعراء )) ... سامحك الله أخي ، هنيهة أن حركت أشجاني .. كدت أصعق .. و لم يشفع لك - في روحي ووجداني - غير أنك تتقدم الصف ؛ صف البناة ... بوركت مشاركا في جبهة المقاومة . نعم المقاومة ؛ مقاومة اليأس والتيئيس . ومشاركا في بناء وتعبيد الطريق ...ولو بنيت وبنى معك المخلصون على جلمود ، وصخر ...
أخوكم : عبد الرحمان الخرشي ........ مراكش الحمراء