المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا أبَ لك - أقصوصة - نزار ب. الزين



نزار ب. الزين
01/10/2006, 05:32 PM
لا أبَ لكَ

أقصوصة

نزار ب. الزين*


في موقع متميز فوق ربوة تشرف على حرج البلوط ، تربع مبنى مأوى العجزة ؛ و في الشرفة جلس الأستاذ عبد الحميد و حوله ثلة من زملائه المقيمين في المأوى .
اعتاد الأستاذ أن يلقي على مسامعهم أبياتا شعرية سواء من مؤلفاته الكثيرة أو من مقتنصات لكبار الشعراء عبر التاريخ العربي ، أو يحكي لهم مواقف طريفة صادفته إبان تبوئه مركز أستاذ محاضر في كلية الآداب ، فهو يحمل شهادة دكتوراه بآداب اللغة العربية و النقد الأدبي .
و لكن ما أن يأتي إبنه الوحيد رمزي لزيارته الشهرية حتى يتكلف الصمت أو يرد على استفساراته باقتضاب .
*****
" كيف حالك اليوم يا أبي " يسأله ، فيجيبه أبوه :
" سئمت تكاليف الحياة فمن يعش = ثمانين حولا - لا أبَ لك - يسأم "
يحتج رمزي بعينين دامعتين : " لا سمح الله يا أبي ، لك طول العمر إنشاء الله ؛ و لكن ...لماذا كلما طالعك وجهي ، تبادرني بهذا البيت من الشعر ، و كأنك تحملني ذنب ما آلت إليه حالتك الصحية ...
ينظر إليه الوالد بتمعن ، و لكنه لا يجيبه .
و لكن رمزي يستأنف كلامه بصوت متهدج : " زوجتي معذورة يا أبي لم يعد بوسعها خدمتك ، أنت تعلم مدى ما تحمله الأم من مسؤوليات ، إنهم خمسة أطفال يا أبي ! "
يهز الأستاذ عبد الحميد رأسه و لكنه يستمر بصمته :
يستأنف رمزي أطروحته التبريرية قائلا : " هي أم أولادي و قد هددتني إن ضغطت عليها أو استمريت في إجبارها على خدمتك ، فسوف تترك لي الأولاد و تمضي ، هل يرضيك أن تتفكك أسرتي يا أبي ، و أن يتشرد أطفالي ؟ "
يحاول رمزي إختطاف يد والده سعيا لتقبيلها طلبا لغفرانه ، فيأبى الأستاذ عبد الحميد – بغلظة - أن يسمح له ، ثم ينشد من جديد :
" سئمت تكاليف الحياة فمن يعش = ثمانين حولا - لا أبَ لك - يسأم "
مشددا هذه المرة على عبارة " لا أبَ لك " لك .
----------------------------------------------------------

* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب ( ArabWata )
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.com

محمد فؤاد منصور
25/06/2007, 10:32 AM
الأستاذ المبدع نزار الزين
بداية لابد أن أقول أوحشتنا وأوحشنا حضورك الطاغى المثمر والذى يثرى المنتدى بالمشاركات والتعليقات.
ثانياً لاأدرى كيف هان على النقاد أن يتركوا هذا العمل الأدبى الرائع والمحمل بالرسائل والشجن حتى يصل إلى الصفحة الأخيرة بلا تعليق واحد... مشاكلنا على مايبدو واحدة فى كل مكان جحود الأبناء وإنشغالهم بحياتهم حتى أصبح الآباء فى آخر رحلة العمر لايجدون الدفء المنتظر من الأبناء ..لقد عثرت بذكاء على تيمة كانت تجرى فى فم الشعراء القدامى حين كانوا يستهجنون أمراً
( لاأبا لك) فجعلتها عنواناً لمعزوفتك..أراد الأب أن يبعث رسالة إلى ولده تلخص مشاعره التى تتردد بين الحزن وخيبة الأمل منعه قلب الأب المحب من أن يبوح مباشرة فلجأ إلى هذا البيت ولقد وصلت الرسالة بدليل كم التبريرات التى ساقها ولده. نص جميل ملئ بالدروس أرجو أن يتوقف عنده الجميع.. ردك الله لنا سالماً غانماً وحفظ عليك الصحة والعافية ..وتقبل تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :fl: :vg: :fl:

نزار ب. الزين
12/07/2007, 04:25 AM
أخي الكريم الدكتور محمد فؤاد
أضم أسفي إلى أسفك ، و لا أدري سبب هذا التجاهل ، سامح الله الجميع.
أخي الكريم ، تعقيبك الحِرَفيّ أثرى النص و كشف عن أبعاده و مراميه ، إنه وسام سيظل محل فخري على الدوام ، فشكرا لك
مودتي و احترامي
نزار

زاهية بنت البحر
12/07/2007, 11:38 PM
حمدًا لله على عودتك سالمًا غانمًا بإذن الله أستاذنا وأديبنا الكبير نزار الزين
وأنا أقرأ شعرت بغصة في قلبي والله رغم أني قرأتها سابقًا ،أعرف امرأة جليلة أذاقتها كنتها من مرِّ العذاب مالم يذقه بشر، وهي تسكن عندها في أمريكا بأمرٍ من ابنها الذي ظل في موطنه ،وكم تمنت أن تكون في مأوى للعجزة وهي مازالت قوية على أن تذل بيد ابنة أختها التي أرتها نجوم الظهر، فعادت أخيرًا إلى موطنها وقد فقدت من وزنها ثلاثين كيلوغرام وعندما رآها أولادها ظنوا أنها قد أصيبت بالسرطان فقد كان وجهها مخيفًا مجعدًا وكأنها في التسعين وهي لم تبلغ بعد الستين ..ورغم ذلك لم تخبر ابنها بما حصل خوفًا عليه من الصدمة التي قد تجعله يطلق ابنة أختها ..ماتت هذه السيدة وتركت الدنيا بعد أن أكرمها الله بأولادها وبناتها في موطنها ..وهناك قصص كثيرة من هذا القبيل سأفرد لها بحثًا بإذن الله إن كان في العمر بقية تساعدني في ذلك ..
أستاذنا الكريم كتاباتك من الواقع وللواقع تعود أدعو الله أن يمدك بالصحة والقوة التي تجعلك تكثر من هذا العطاء المفيد القريب إلى قلوب الناس عامة ،والذي يؤدي دوره الذي رسم له ..جزاك الله الخير
أختك
بنت البحر

فيصل الزوايدي
13/07/2007, 12:40 PM
أستاذ نزار ب الزين : قام نصك على توظيف لبيت زهير بن ابي سلمى و الانزياح بقوله " لا اب لك " إلى معنى جديد يلائم
الاحداث وهو نفي علاقة الأبوة بين الأب العجوز و الابن العاق الخاضع لزوجته .. الصورة متصلة بالواقع كما هو بعيدا عن المثاليات و التنظير .. ثمة طرافة في التناول ..
دمتَ بخير مع المودة

نزار ب. الزين
13/07/2007, 07:34 PM
الأخت الفاضلة مريم ( بنت البحر )
أسعدتني تهنئتك و أثلجت صدري ، تعقيبك الإنساني أثرى النص ، عندما يضعف الإنسان يكثر جلادوه ( و عندما تقع البقرة تكثر سكاكينها ) مقولة تجتاح الكثيرين للأسف ، و الأمثلة كثيرة : عقوق الأبناء ، كما في النص ، ظلم زوجات الأب و أزواج الأم ، ظلم الحماوات ، ظلم العمومة حين يوكلون ، و هكذا فقانون الغاب كثيرا ما يحكم رقاب البشر .
شكرا لزيارتك للنص و تعقيبك الجميل عليه
مودتي لك و اعتزازي بك
نزار

نزار ب. الزين
13/07/2007, 07:38 PM
أخي الفاضل الأستاذ فيصل الزوايدي
تعقيبك على النص أصاب كبد الحقيقة و تحليلك لأسلوبه و مراميه ينم عن نظرة نقدية ثاقبة ، شكرا لمرورك و لإطرائك الحافز
مع كل المودة
نزار ب. الزين

عبد العزيز غوردو
17/07/2007, 02:59 AM
أستاذي الفاضل نزار:

قبل مدة كنت قد كتبت نص الموؤودة، الذي تجده هنا على هذه الصفحة بالذات...

الآن وأنا أطالع أقصوصتك الرائعة، أطالع معها وجها آخر للوأد...

حقا إن للوأد وجوها كثيرة...

دام إبداعك... ودام تألقك...

حضورك ينير "واتا"

نزار ب. الزين
18/07/2007, 04:24 PM
أستاذي الفاضل نزار:
قبل مدة كنت قد كتبت نص الموؤودة، الذي تجده هنا على هذه الصفحة بالذات...
الآن وأنا أطالع أقصوصتك الرائعة، أطالع معها وجها آخر للوأد...
حقا إن للوأد وجوها كثيرة...
دام إبداعك... ودام تألقك...
حضورك ينير "واتا"
=====================
أخي الفاضل الأستاذ عبد العزيز غوردو
شكرا لمرورك و لثنائك الحافز
صدقت يا أخي فوجوه الوأد كثيرة و كما يقول المثل المصري ( إنه حكم القوي على الضعيف )
مع كل المودة و التقدير
نزار